الحامل والصيام
د كميل موسى فرام
استاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
الحمل كمرحلة حياتية عبارة عن وظيفة فسيولوجية مهيأ لها جسد المرأة منذ بداية التكوين، وعليه، فإن الحامل التي لا تشكو من مرض معين يمكن أن تتحمل أعباء الحمل والصيام معاً بدون أي ضرر على صحتها أو صحة جنينها، فالحمل وظيفة فسيولوجية من وظائف الجسم الطبيعية للمرأة المتزوجة والتي هي في سن الإنجاب، لذلك فان المرأة الحامل يمكن أن تصوم خلال شهر رمضان لو رغبت طالما أنها تشعر بقدرتها على ذلك ولكن يجب عليها الاسترشاد برأي طبي متخصص لوجود أي خلل بمعطيات الخط البياني للصحة، لأن هذه المقدرة لا بد وأن يوافق عليها الطبيب المختص للتأكد من عدم إصابتها بأية أمراض تتطلب منها عدم الصيام خاصة أن الضرر لا يقع فقط عليها لوحدها بل على جنينها أيضا، فقد رخص الله تعالى الإفطار للام الحامل والمرضعة إن هما خافتا على جنينهما وذلك لحكمة منه، مما يبرر بعدم الصيام إذا كان ذلك سيؤذي الجنين في رحمها.
تمر السيدة الحامل أثناء شهور الحمل الطويلة بالعديد من التغيرات الفسيولوجية التي تتطلب التكيف مع الوضع الصحي الجديد، ونحن نقسم طبيا شهور الحمل إلى ثلاث فترات مرحلية، ولكل مرحلة ظروفها وأعراضها ومشاكلها والتي تختلف في صورتها المرضية بين سيدة حامل وأخرى، كما وتختلف في علاجها والتعامل معها حتى مع ذات السيدة في أحمال قادمة، ورحلة الحمل الأجمل هي الرحلة التي تقتصر أحداثها على تغيرات الحمل الطبيعية والمتوقعة، ولكن هناك الرحلة الأصعب المليئة بالعثرات والمشاكل الصحية والتي لا يمكن تلخيصها وذكرها في مقالة طبية لأنها ليست موضوع المقال اليوم، وبالمناسبة فقد كتبت هذه المقالة بالتحديد لرسم وتوضيح فكرة عامة عن الحمل والصيام، وأطرحها من وجهة نظري الطبية على قدر اجتهادي، حيث لا بد من تعامل كل حالة مرضية على انفراد وليس التعميم.
ففي فترات الحمل تحدث تغيرات كثيرة للأم الحامل تطال كل الأجهزة في الجسم خصوصا الدورة الدموية والقلب والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والبولي بالإضافة إلى الناحية النفسية، كما أن هناك التغير الكبير في المعادلة الهرمونية التي تتحكم بسائر الأمور وخصوصا هرمون الكورتيزون بفعله السحري وصوره المختلفة وهناك أمر ملزم للسيدة الحامل لا تستطيع التنصل منه وهو زيادة الكميات الغذائية برغبة منها أو بغير رغبة حتى تتمكن من توفير البيئة السليمة لنمو الجنين داخل الرحم، والتي تشتمل على عوامل رئيسية ثلاثة وهي الجنين والمشيمة والاستجابة الأموية للحمل والتي تشكل ثلاثي التكيف الالزامي الجديد، والحاجة المضطردة لتتغير نوعية المواد الغذائية في الوجبات هي أمر واقعي وملزم، وبشكل عام فهناك زيادة في الحاجة اليومية الوسطية للطاقة أثناء الحمل قد تصل إلى 20% عن حاجاتها السابقة، ويعزى ذلك إلى حدوث زيادة عامة في الاستقلاب الأساسي أو في تخزين الطاقة وإنفاقها، ووجود الشريك الذي يعتمد على والدته في إدارة أموره ونموه.
المرأة الحامل في الأشهر الثلاثة الأولى تعاني عادة من رغبة في التقيء مع صعوبة في التنفس وعدم الرغبة في الأكل وينقص وزنها في هذه الفترة، وإذا كانت الأعراض متوازنة وليست مرضية، أي أن التقيء لا يزيد عن ثلاث مرات في اليوم فيمكنها الصوم بأمان ودون خوف وأخذ العلاج المناسب بعد تناول الإفطار وقبل السحور، أما التقيء المرضي فهو ما يزيد على أربع إلى خمس مرات في اليوم والذي يؤثر على صحة الحامل ويضعفها وبالتالي سيؤثر على صحة الجنين بمراحل نموه المختلفة فيرهق السيدة ويتعبها، وهو ما يتطلب ويلزم استمرارية تناولها للسوائل والغذاء والذي يتطلب منها مراعاة ظرفها الصحي بعدم الصيام في هذا الوضع ما أمكن.
للحمل بجزئه الثاني خصوصية تحتاج لوقفة للتوضيح، فهي ترتبط بشكل من أشكال عسر الهضم والحموضة والشعور بالتعب بعد الأكل، والصوم في هذه الفترة مفيد للحامل بشرط تقسيم الأكل إلى وجبات صغيرة بعد الإفطار، ولكن إذا كان هناك أي صورة مرضية دائمة تتعارض مع النشاط المعتاد وخصوصا في القلب أو الكلى أو ضغط الدم، فهذا يوجب زيادة كمية السوائل والأغذية التي تتناولها السيدة على مدار الساعة حتى لا يحدث خلل وظيفي في البيئة الداخلية للسيدة، والحمل في الفترة الثالثة والأخيرة يتسم بصعوبة في الحركة وزيادة الحموضة وآلام في المعدة ويزداد تورم القدمين وآلام الظهر، وهنا لا مشكلة من الصوم في هذه الفترة طالما كانت الأعراض متوازنة ولا تعاني الحامل من هبوط أو إغماء مع الصيام وطالما كانت حركة الجنين سليمة، أما إذا كانت المرأة الحامل تعاني من أحد الأمراض المصاحبة للحمل والتي لها تأثير على سلامة الأم والجنين ففي هذه الحالة يطلب الطبيب من السيدة الحامل مراعاة الظرف وعدم الصيام إذا كان لها مصلحة طبية في ذلك، مثل إصابة الأم الحامل بفقر الدم المصاحب للحمل والتي تحدث نتيجة نقص مخزون الحديد في الدم بسبب زيادة الاستهلاك مما يتطلب تناول الأم للأغذية والأدوية التعويضية لعلاج ذلك ويتطلب التناول الدائم للأغذية الغنية بالحديد والبروتينات بالخصوص. وإذا كانت السيدة الحامل تعاني من أمراض في الأوعية الدموية والتي تسبب ارتخاء في العضلات الموجودة حول الشرايين والأوردة مما يسبب ذهاب الدم إلى الأطراف ويقل ضغط الدم في الشرايين الرئيسية مما يسبب للأم الحامل انخفاضا في ضغط الدم ويسبب لها الهبوط العام والصداع، وإذا كان العلاج ضروريا أثناء النهار ولا تستطيع معه الصوم يجب عليها مراعاة ذلك بأن تفطر ثم تعوض هذه الأيام بعد الولادة في ظرف صحي مناسب، أما إذا كانت تعاني من ارتفاع في ضغط الدم مع الحمل فهذا يستدعي أخذ العلاج في مواقيت ثابتة وأثناء النهار حتى لا يرتفع ضغط الدم مما يشكل خطرا على صحة الأم والجنين وهو يحدث عادة في الشهور الأخيرة من الحمل ويكون مصاحبا له تورم في الساقين وظهور الزلال في البول وهو ما يعرف بين العامة بتسمم الحمل، وعدم الالتزام بمواعيد العلاج وبقاء الضغط مرتفعا يزيد من مخاطر حدوث هبوط في القلب أو التهاب في الكلى، أو النزف الحاد في منطقة ما أو حدوث خثرة دموية في وعاء دموي ما وهذا الأمر يستدعي مراعاة الصيام.
لا بأس من توزيع وجبات الطعام اليومي إلى 4 أو 5 وجبات غذائية خفيفة متقاربة بدلا من وجبتي الإفطار والسحور، مع تجنب الدهنيات والمواد الدسمة، وعلى السيدة الحامل أن تتجنب ما أمكن من تناول الحلويات الرمضانية الدسمة، أو البدء بها في الإفطار وعليها إن هي تنشد فترة صيام آمنة وخالية من المشاكل الصحية الابتعاد عن المخللات والبهارات التي تزيد من إفراز العصارة الحامضية بالمعدة وما قد يتسبب بعد ذلك من مشاكل صحية، كما يجب أن يتوفر في غذائها التوازن بين جميع المكونات الغذائية من البروتينات، والفيتامينات، والأملاح المعدنية،، النشويات والسكريات خاصة في الشهور الثلاثة الأولى، وتنصح السيدات الأمهات الحوامل عند صيامهن بضرورة الحصول على قسط مناسب من الراحة والنوم، والبعد كل البعد عن مسببات القلق والتوتر، وتقدير الحالة الصحية وإعطائها أولوية القرار لأنه لا يوجد حتى الساعة جواب كاف وحاسم لتأثير الصيام على الأم الحامل و/أو الجنين بالرغم لوجود العديد من الأبحاث الطبية التي نظرت إلى آثار وانعكاسات وايجابيات الصيام أثناء الحمل. وقبل أن أنهي أريد التذكير بصعوبة تناول الأدوية أثناء الحمل سواء من حيث سلامة التأثير أو فاعلية التأثير وتأثر ذلك بصورة كبيرة لتغيرات الحمل الفسيولوجية، وهو أمر يوجب على السيدة مراعاة ظروفها وتقديرها والاستشارة ما أمكن.
للتوضيح، فإن الصيام أثناء الحمل أمر مرحب به ولا يترك دلالات مرضية وله فوائد صحية على أن يراعى الواقع الصحي للسيدة وتقييم قدرتها على الصيام في الوقت المناسب. نعم! يعتقد الكثير من الأطباء أن الصيام يفيد الجسم عموما، لأنه ينظم عملية حرق الدهون وخسارة الوحدات الحرارية، لو تم باعتدال. وإذا كانت الأم تتمتع بصحة جيدة ولا تعاني من أي مضاعفات صحية، بإمكانها متابعة روتين حياتها اليومية من دون تعديل باستثناء الحرص على أخذ قسط كاف من الراحة والابتعاد عن التوتر والقلق قدر الإمكان. مع ضرورة الحصول على المواد الغذائية الضرورية وعلى كمية كافية من الوحدات الحرارية خلال ساعات الغذاء، إضافة لكمية كافية من السوائل، فالصيام في شهر رمضان المبارك عبادة عظيمة ولكن رخص الله سبحانه وتعالى للمرأة بشكل خاص وهي الحامل أو المرضع بالإفطار إذا كان هناك أحد الأمرين: إما خوفها على نفسها و/أو على جنينها وطفلها، فقرة سطرتها بلغتي واجتهادي ولا تغني عن الاسترشاد برأي أهل الفتوى وألف تحية وسلام لكل أم، وللحديث بقية.