لا شك أن الله قد خلق الكون كله على قاعدة الجمال: "الذي أحسن كل شيء خلقه"، فالجمال في السماء "وزيناها للناظرين"، والجمال في الأرض "وأنشأنا فيها حدائق ذات بهجة" والجمال حتى في الحيوان "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" والجمال في الانسان "لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم"، وهذا كله جمال فطري طبيعي بمقاييسه واختلافاته.
وهناك ما يسمى بجمال الشواش وهو الجمال الذى نراه في الجبال بأشكالها غير المنتظمة وفي تشكيلات السحب أيضا، ولا يصح أن نقول بأن الجبال في حاجة الى تعديل شكلها لتكون مربعة أو مستطيلة أو دائرية، فجمالها هو في شكلها هكذا. والانسان أيضا خلقه الله بمواصفات معينة ليكون لكل شخص خصائصه، فلو افترضنا خصائص مثاليه وأخضعنا كل الناس أو غالبية الناس لها لوجدنا أنفسنا أمام أشكال متكررة من البشر بلا معنى وبلا روح.
ومن الخطورة بمكان أن تحل ثقافة التجميل وعبادة الصورة محل ثقافة الجمال الشامل، جمال الكلمة وجمال الموقف وجمال الروح وجمال العطاء، وجمال العدل، وتتحول الحياة الى شاشة يتحرك عليها شباب وفتيات بمقاييس مثالية في الوجوه والأجساد بينما قلوبهم وأرواحهم خاوية.
وهذا ليس موقفا ضد التجميل، ولكن تصحيحا وترشيدا، فعلم التجميل، وجراحة التجميل هي من العلوم المهمة التي تعيد الأشياء الى طبيعتها وإلى فطرتها اذا أصابها تشوه بفعل الحوادث أو الحروق أو ظروف الحياه أو كانت هناك شذوذات خلقية تسبب تغييرا واضحا فى الشكل أو الوظيفة، وهذا الأمر يسمى تكميلا فهو يعدل في الشكل الذي أصابه عطب ما، وهذا يختلف عن التبديل الذي يغير خلق الله ويحقق مراد الشيطان حين قال "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"، وهذا ما فعله مايكل جاكسون بنفسه وساعده عليه أطباء تجميله وتبديله فأصبح شيئا آخر تماما، وهذا هو تشويه الخلق وتغيير الفطره.
إذن فلنربي أنفسنا وأولادنا على قيم الجمال الشامل بكل أبعاده الجسدية والعقلية والوجدانية والروحية، فهكذا قيمة الإنسان تتجاوز حدود صورته الى آفاق أعلى من الجمال، آفاق لاتؤثر فيها تجاعيد الوجه ولا انحناءة الظهر ولا جفاف الجلد ولا مرور السنين، نوع من الجمال الخالد نراه في وجوه الصالحين والمصلحين ولا نراه في وجوه المتجملين المترفين الأنانيين الذين ينفقون 400 مليار دولار سنويا على عمليات التجميل والتبديل ويستدينون من البنوك لكي يحسنوا صورتهم الخارجية، ويشفطوا دهونهم المتراكمة على أجسادهم بسبب التخمة والكسل، ولا يؤرقهم جوع الملايين في كل مكان في الأرض، فكيف إذن تكتسب وجوههم جمالا في حين تحمل قلوبهم كل تلك القسوة والأنانية وتحمل نفوسهم تلك الرغبة في الإسراف والإسفاف.
وأخيرا نستعيد الميزان المعتدل ونتذكر بأن الله لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسادنا ولكن ينظر الى قلوبنا، وأن أكرمكم عند الله أتقاكم.