نعم.. مازال التدريس عندنا تلقينياً!
كتب بواسطة: محمد علي عمران
أستغرب ممن لا يعجبهم القول بأن التدريس في مدارسنا، بكل المراحل وفي جامعاتنا أيضاً، مازال تلقينياً وبطريقة تجعل الطالب وعاء لاستيعاب المعلومات أو بتكاً لها.. ومستمعاً لمونولوج منفرد المتحدث فيه هو المدرس فقط، وذلك على رأي أحد الباحثين التربويين العرب.
وهذا له أسبابه الموضوعية والذاتية التي يمكن أن نحددها بضخامة المناهج التي تحتاج إلى عشرة أشهر تدريسية، بينما عامنا الدراسي لا يتجاوز ستة أشهر، وخاصة لطلاب الشهادات، ومن لا يعجبه هذا الكلام وغير مقتنع به، فليقم بجولة تفتيشية على مدارسنا في الأول من نيسان،
ليجد أقل من 5% من طلاب الشهادات مداومين في مدارسهم، وطبعاً ستة أشهر تدريسية يذهب منها ما لا يقل عن نصف شهر عُطلاً رسمية، أي ثلاثة أسابيع دوام. فإذا كان العام الدراسي فعلياً 24 أسبوعاً، يبقى منه 21 أسبوعاً بـ105 أيام دراسية، وإذا كان ما لا يقل عن 50% من عموم مدارسنا ذات دوام نصفي.
وكلنا يعلم أن الحصة الدرسية في الدوام النصفي لا تزيد عن 40 دقيقة يطرح منها ثلاث دقائق على الأقل قبل الفرصة وبعدها،
فتبقى الحصة فعلياً 37 دقيقة، فماذا يعمل المدرس بهذه المدة الزمنية القصيرة؟
هل يحاور ويناقش ويعطي درسه بأحدث الوسائل وطرق التدريس الجيدة والمعاصرة؟
وكم مسألة رياضيات أو فيزياء سيحل، وكم محوراً أو جزءاً من محور في اللغة العربية سيعطي؟
خاصة إذا علمنا أن وسطي عدد التلاميذ في الشعبة الصفية لا يقل عن 35 تلميذاً، إن لم يكن أكثر،
إذا اعتبرنا أن الجهاز التدريسي كله يحمل شهادات جامعية اختصاصية أو معاهد تخصصية.
فكيف إذا عرفنا أن نسبة كبيرة من الجهاز التدريسي في جميع المراحل هم وكلاء أو مكلفون ومن غير ذوي الاختصاص؟
ومن جهة أخرى كيف لمدرس أن يعطي تلاميذه ما لم يتعلمه من أساتذته في الجامعة التي درس فيها؟!
وكيف له أن يمارس أساليب حديثة لم يتدرب عليها، ولا يتقنها إذا عرفها،
فضلاً عن أن كثيراً من المدرسين والمدرسات يرفضونها ويفضلون عليها الأسلوب التقليدي؟
نعم إن أسلوب التدريس المتبع هو أسلوب التلقين الذي يجعل التلميذ أشبه بالوعاء الفارغ،
يصبّ فيه المعلم معلوماته، وعلى التلميذ أن يسترجع هذه المعلومات ويسلمها أثناء الامتحان بمثل ما استلمها من معلمه.
وهذا الأسلوب يجعل التلاميذ "آلات تسجيل" تردد ما تسمع من المدرس أو ما تحفظ من الكتاب.
والتلقين لا يبني شخصية التلميذ ولا ينمّي عقله وتفكيره، ولن ينتج أسلوب التلقين إلا شخصية ضعيفة مشوهة مضطربة مشلولة القدرات معطلة الطاقات.
نعم، لا يمكن للمدرس في ظل الواقع التربوي والتعليمي القائم والمناهج المعمول بها أن يعتمد في تدريسه
أساليب الاكتشاف والبحث والاستقراء والاستنتاج والتعلّم الجمعي.
في نهاية كل عام دراسي وأثناء صدور نتائج الشهادات،
نجد عدداً لابأس به من المتفوقين قد نالوا درجات تامة أو قريبة من التامة،
ولكن أعتقد أن أغلب القائمين على العملية التربوية والتعليمية يعلمون جيداً أن هذا التفوق بالدرجات ناتج عن الحفظ الذي عودنا التلميذ عليه..
إن هذا التفوق ليس إبداعاً، وفي الجامعات هو تفوق دون بحث علمي.
فيا كل القائمين والمسؤولين عن العملية التربوية والتعليمية، تعالوا ندرس الواقع التربوي والتعليمي، ونعترف أن نظامنا التعليمي والتربوي غير متكامل،
وأن مناهجنا لا تتناسب ومستوى التطور العلمي والتكنولوجي ولا تناسب الزمن الحقيقي السنوي المخصص لتدريسها.
وأن أبنيتنا المدرسية لا تفي بالحاجة، وأن طرق تدريسنا هي طرق تلقينية، وامتحاناتنا قسرية،
ونظام القبول في جامعاتنا غير ديمقراطي!
طبعاً كل ما ذكرته لا يقلل من أهمية ومستوى التطور الذي تحقق في كل مجالات التربية والتعليم،
وإن يكن هذا التطور، في معظمه، كميّاً لا نوعياً.
وأخيراً نأمل أن تشكل المناهج الجديدة نقلة إلى الأمام في التطور النوعي المطلوب.