المصالحة الفلسطينية المنسيّة: رؤيتان لا تلتقيان... بانتظار التطورات الاقليمية
غزة ــ ضياء خليل
لم يعد الحديث عن المصالحة الفلسطينية المعطلة قائماً، وصار الملف الأهم وطنياً، منسياً، حتى من التصريحات والدعوات والمناشدات. وكأنّ إنهاء الانقسام الداخلي وعودة الوفاق الوطني صار ضرباً من ضروب المستحيل، بفعل استمرار التجاذبات والخلافات بين طرفيه الرئيسيين: "فتح" و"حماس".
وتتهم حركة "فتح" بزعامة الرئيس محمود عباس "حماس" بـ"تعطيل المصالحة في انتظار التحوّلات الإقليمية وما سينتج عنها"، فيما تردّ "حماس" بأنّ "عباس هو الذي يملك مفاتيح المصالحة، ويعطّلها بقرارٍ منه، وبخطواته الأخيرة، ومنها تعديل حكومة التوافق من دون اتفاق وطني".
ويقول المتحدث باسم "فتح" في غزة، فايز أبو عيطة لـ"العربي الجديد"، إنّ "حركة حماس مسؤولة عن تعطيل المصالحة، لأنها تعوّل على المتغيرات التي تضرب المنطقة العربية، وتربط القضية الفلسطينية بالخارج". ونفى أنّ "تكون حركته تنتظر متغيرات إقليمية من أجل التوجه نحو المصالحة".
ويذكر أبو عيطة أنّ "الأصل في إتمام المصالحة هو وجود إرادة داخلية، وهذا غير متوفر لدى حركة حماس، التي لا قرار سياسياً داخلياً لها في الوقت الحالي للتوجه نحو المصالحة، والعمل على إنهاء الانقسام، وعدم وضع أية عراقيل في وجه تنفيذ الاتفاقات السابقة".
"
الانقسام الداخلي قلّص القضية الفلسطينية إلى مصالح حزبية ضيقة
" ويلفت إلى أنّه "في فترة الانقسام الفلسطيني تأثر ملف المصالحة بالواقع الإقليمي خصوصاً في مصر، ففي فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك كان للحركة موقف، وفي عهد الرئيس المعزول محمد مرسي جاءت بموقف آخر، وفي المرحلة الحالية ظهرت بموقف سياسي مغاير عن المواقف الماضية".
ويدعو أبو عيطة حركة "حماس" لـ"الموافقة على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية للخروج من ملف الانقسام الحالي والاحتكام إلى صناديق الاقتراع لحل الأزمة السياسية الحالية"، مؤكداً أنّ "أمام حماس فرصة حقيقية لتثبت صدق نواياها بشأن المصالحة الفلسطينية، وعليها أن تقبل من دون شروط، إجراء انتخابات شاملة".
ويشدد على أن "الانقسام الداخلي قلّص القضية الفلسطينية إلى مصالح حزبية ضيقة، وأسهم في إضعاف الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وأفقد الفصائل الفلسطينية ثقة الجمهور، بسبب عجزها عن معالجة ملف المصالحة، وإنهاء حالة الانقسام الداخلي".
اقرأ أيضاً: مستقبل النظام السياسي الفلسطيني وأسئلة ما بعد عباس
ويشير إلى أنّ "استمرار الانقسام سيؤدي إلى إضعاف المشروع الوطني الفلسطيني، واستمرار المعاناة اليومية للمواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وضياع كل الإنجازات التي حققتها الفصائل في صراعها مع الاحتلال خلال السنوات الماضية".
في المقابل، يتهم القيادي في حركة "حماس" إسماعيل رضوان في حديث لـ"العربي الجديد"، عباس بأنه "المُعطّل للمصالحة"، مؤكداً أنّ "بيده مفتاح المصالحة، وهو يملك مفاتيح حلّ كل الأزمات ولا يريد ذلك". ويلفت رضوان إلى أنّ "الأزمات العالقة يمكن لعباس وحده فتح أبوابها، فهو يملك مفاتيح دعوة الإطار القيادي للانعقاد، ودعوة المجلس التشريعي وحل أزمات القطاع، كالموظفين والمعابر وإعادة الإعمار وحلّ مشكلة الكهرباء والصحة وغيرها".
"
هناك عوامل تتحكم في ملف المصالحة، وهي لعبة التحالفات الإقليمية والأوضاع الإقليمية المتقلّبة
" غير أنّ رضوان يلفت إلى أنّ "عباس مُصرٌ على عدم فتح هذه الأبواب، في رهانٍ منه على العودة لمربع المفاوضات العبثية، أو انكسار حماس وخيار المقاومة". وأشار في الوقت عينه إلى أنّ "حركته قدّمت كل المطلوب منها في عملية المصالحة، غير أنه وللأسف، فإن عباس وفتح لم يقدما أي خطوة، مقابل المرونة العالية التي قدمتها حماس".
ويوضح القيادي بـ"حماس" أنّ "ملف المصالحة موجود برعاية مصرية، ونحن حرصاء على الرعاية المصرية، وأنّ أي جهد فلسطيني أو عربي هو لتطبيق اتفاق المصالحة"، مرحباً بأي "جهد فلسطيني عربي يُبذل لأجل تنفيذ اتفاق المصالحة، كما تم الاتفاق عليه".
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة ناجي شراب لـ"العربي الجديد"، إنّ "طرفي الانقسام يعوّلان كثيراً على المتغيرات الإقليمية والدولية، من أجل أنّ يفرض كل منهما رؤيته للمصالحة على الطرف الآخر، ما يسبب عرقلة المصالحة واستمرار حالة الانقسام لأطول وقت ممكن".
ويلفت شراب إلى أنّ "هناك عوامل تتحكم في ملف المصالحة، وهي لعبة التحالفات الإقليمية والأوضاع الإقليمية المتقلّبة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، والتي تلقي بظلالها على إطالة أمد الانقسام بين حركتي فتح وحماس". ويشدد على أن "لعبة الحسابات والمصالح السياسية، من أبرز العقبات التي تقف في وجه تنفيذ كل الاتفاقات الماضية". ويعتبر أنّ "حماس تعول في المرحلة الحالية على متغير كبير في ظل الحديث عن إمكانية استقالة عباس، أو شغور منصب الرئاسة، وهو ما يعني أنها ستنتظر قليلاً لترى إلى أين ستصل الأمور".
أما حركة "فتح"، وفق شراب، فتنتظر هي الأخرى تحوّلات الأمور في القطاع، ومدى تضرر حركة "حماس" من الواقع الصعب بغزة للعودة للمصالحة، وبالتالي انتزاع مكاسب من الحركة، مشدداً على أنّ "الاتفاقات الماضية للمصالحة لم تعد تجدي نفعاً، كونها تمت في ظل ظروف سياسية مغايرة للمتغيرات الحاصلة حالياً".
ويوضح أنّ أي "عملية للمصالحة الفلسطينية يُرجى لها النجاح يجب أن تُبنى على اتفاق جديد يراعي المتغيرات الدولية والإقليمية الحالية، والتعقيدات الحاصلة، كقوة المقاومة العسكرية، وبعض الحسابات الداخلية لكل طرف". ويؤكد على أنّ "إنهاء الانقسام الفلسطيني في ظل المعطيات القديمة والواقع الحالي أمر بعيد المنال، وقد يطول الأمر لسنوات".
وفي السياق، يُبرز الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون في حديث لـ"العربي الجديد"، ضرورة "إدراك مدى الفعل الإقليمي والدولي الكبير في الساحة الفلسطينية، وأنه بات أكثر تأثيراً في المرحلة الحالية أكثر من أي وقت مضى".
"
المصالحة الفلسطينية ستكون حاضرة، إذا ما نضجت حالة عربية قوية
" ويقول المدهون، إنّ "هناك انتظاراً وترقّباً من طرفي الانقسام للواقع المتسارع في الإقليم، وحالة استكشافية في ظل اشتعال المنطقة العربية وغموض الرؤية السياسية"، مؤكداً على "وجود تعويل حقيقي على المتغيرات وأثرها في ملف المصالحة الداخلية".
ويلفت إلى أنّ "المصالحة الفلسطينية ستكون حاضرة، إذا ما نضجت حالة عربية قوية، غير الموجودة حالياً في ظل تشرذم المنطقة، سواء في مصر أو سورية واليمن وانشغال السعودية بالملف اليمني، وإعطاء الملف الفلسطيني اهتماماً ثانوياً في هذه المرحلة".
ويذكر المدهون أن "الواقع الإقليمي المتشظي وما يعيشه من صراعات داخلية، بالإضافة للاحتلال الإسرائيلي الذي يعلن رفضه قبول فكرة المصالحة، والواقع المعقد الذي أفرزه الانقسام، عبر وجود برنامجين وإدارتين في الضفة والقطاع، أمور تعقد إنهاء الانقسام".
ويلفت إلى أنّ "إمكانية التوصل للمصالحة ما تزال قائمة، بالرغم من كل الظروف السياسية الحاصلة حالياً"، مشيراً إلى أنه "من المبكر إنهاء أمل توحد الفلسطينيين بشكل حقيقي، وراء برنامج سياسي موحد ولو بالحد الأدنى المسموح به وطنياً".