94- تذّكر المحكمة بأنه طبقا للقانون الدولي العرفي كما هو معبّر عنه في المادة 31 من اتفاقية فيينا بشأن قانون المعاهدات في 23 مايو/ أيار 1969، فإن الاتفاقيات يجب تفسيرها بحسن نية بما ينسجم مع المعنى العادي الذي يعطي لبنودها ضمن سياقها وعلى ضوء هدفها والغرض منها. وتنص المادة 32 على أنه:
"يمكن اللجوء إلى وسائل تفسيرية تكميلية، بما فيها العمل التحضيري للمعاهدة وظروف التوصيل إليها، من أجل توكيد المعنى الناتج عن تطبيق المادة"31"، أو لتحديد المعنى عندما يترك التفسير وفق المادة "31" المعنى مبهما أو غامضاً، أو... يؤدي إلى نتيجة مبهمة على نحو واضح أو غير منطقية". (أنظر المنصات النفطية، (جمهورية إيران الإسلامية مقابل الولايات المتحدة الأمريكية)، اعتراضات تمهيدية، تقارير محكمة العدل الدولية 1996(II)، ص 812، فقرة 23، أنظر بالمثل جزيرة كاسيكيلي/ سيدودو (بتسوانا/ ناميبيا) تقارير محكمة العدل الدولية 1999 (II)، ص 1059، فقرة 18 والسيادة على بولا وليجيتان وبولا وسيبادان (إندونيسيا/ ماليزيا)، حكم ، تقارير محكمة العدل الدولية 2002، ص 645، فقرة 37).
95- تلاحظ المحكمة أنه وفق الفقرة الأولى من المادة "2" من اتفاقية جنيف الرابعة، فإن تلك الاتفاقية قابلة للتطبيق عندما يتحقق الشرطان: عندما يوجد نزاع مسلح (سواء اعترف أو لم يعترف بوجود حالة حرب)؛ وعندما ينشأ بين طرفين متعاقدين. فإذا توافر أولئك الشرطان، تنطبق الاتفاقية، وبخاصة في أي منطقة يحتلها في مسار النزاع أحد الطرفين المتعاقدين. وليس هدف الفقرة الثانية من المادة 2 تقييد مدى تطبيق الاتفاقية، كما هو محدد في الفقرة الأولى، باستبعاد المناطق التي لا تقع تحت سيادة أحد الطرفين المتعاقدين. بل هي تستهدف ببساطة إيضاح أنه حتى لو لم يواجه الاحتلال الذي وقع النزاع، مقاومة مسلحة/ تظل الاتفاقية قابلة للتطبيق. ويعكس هذا التفسير نية واضعي مسودات اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين الذين يجدون أنفسهم بأي طريق من الطرق في قبضة الاحتلال. وبينما كان واضعو مسودة ترتيبات لاهاي سنة 1907مهتمين بحماية حقوق الدولة التي تحتل أراضيها، وكذلك حماية سكان تلك الأراضي، سعى واضعو اتفاقية الحرب، بصرف النظر عن وضعية المناطق المحتلة، كما تبين المادة 47 من الاتفاقية.
ويؤكد ذلك التفسير (الإجراءات التمهيدية) الواردة في الاتفاقية، وقد أوصى (مؤتمر خبراء الحكم) الذي عقدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أعقاب الحرب العالمية الثانية بغرض التحضير لاتفاقيات جنيف الجديدة، بأن هذه الاتفاقيات قابلة للتطبيق على أي نزاع مسلح "سواء اعترف طرفاه أو لم يعترفا بأن ذلك حالة حرب" و"في حالات احتلال مناطق في غياب أي حالة حرب" (التقرير المتعلق بأعمال مؤتمر خبراء الحكم من أجل دراسة اتفاقيات حماية ضحايا الحرب، جنيف 14، 20أبريل /نيسان 1947، ص
. وهكذا لم يكن لدى واضعي الفقرة الثانية من المادة 2 أي نية، عندما أقحموا تلك الفقرة في الاتفاقية، لتقييد مدى تطبيق تلك الاتفاقية. وكل ما في الأمر أنهم كانوا يسعون إلى الاعتناء بحالات الاحتلال دون قتال، مثل احتلال بوهيميا ومورافيا من قبل ألمانيا سنة 1939.
96- فضلا عن ذلك، تلفت المحكمة النظر إلى أن الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة اتفقت على ذلك التفسير في مؤتمرها في 15 يوليو /تموز 1999. وقد أصدرت بياناً أعادت فيه توكيد قابلية اتفاقية جنيف الرابعة للتطبيق على المناطق الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وفي أعقاب ذلك ، وفي ديسمبر /كانون الأول 2001، أكدت مرة أخرى الأطراف المتعاقدة العليا، وهي تشير بوجه خاص المادة 1 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، قابلية اتفاقية جنيف الرابع للتطبيق على المناطق الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. كما ذكرت الأطراف المتعاقدة المشاركة في المؤتمر، وأطراف الصراع، ودولة إسرائيل باعتبارها دولة احتلال، بالتزاماتها المترتبة عليها.
97- علاوة على ذلك، ترى المحكمة أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي وضعها الخاص بالنسبة إلى تنفيذ اتفاقية جنيف الرابعة يجب أن "يعترف به وفي جميع الأوقات" من قبل الأطراف بموجب المادة 142 من الاتفاقية، قد عبرت كذلك عن رأيها في التفسير الذي ينبغي إعطاؤه للاتفاقية. وفي إعلان صدر في 4 ديسمبر، 2001 أعادت إلى الأذهان أن" اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد أكدت دوما قابلية التطبيق الفعلية لاتفاقية جنيف الرابعة على المناطق المحتلة منذ سنة 1967 من قبل دولة إسرائيل "، بما فيها القدس الشرقية.
98- تلفت المحكمة النظر إلى أن الجمعية العمومية، في الكثير من قراراتها اتخذت موقفا بهذا الاتجاه. وهكذا‘ في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2001 و9 ديسمبر، 2003 في القرارين 56/60و58/97 أعادت توكيد" أن اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب، المعقودة في 19أغسطس/ آب1949، قابلة للتطبيق على المناطق الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والمناطق العربية الأخرى التي تحتلها إسرائيل منذ1967.
99- كان مجلس الأمن بدوره قد ارتأى في 14يونيو/ حزيران 1967 في القرار 237
(1967) أن "جميع التزامات اتفاقية جنيف المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب... يجب الامتثال لها من قبل الأطراف المتورطة في النزاع".
وبعد ذلك، في 15 سبتمبر/ أيلول 1969، دعا مجلس الأمن في قراره رقم 17 1969 (D) إسرائيل إلى أن تراعي بدقة شروط اتفاقيات جنيف والقانون الدولي التي تحكم الاحتلال العسكري.
وبعد عشر سنوات، فحص مجلس الأمن "سياسة إسرائيل" وممارستها في إقامة المستوطنات في المناطق الفلسطينية والعربية الأخرى المحتلة 1967". وفي القرار446 (1979) الصادر في 22 مارس/ آذار 1979 اعتبر مجلس الأمن أن تلك المستوطنات" ليس لها أي شرعية قانونية " وأكد مرة أخرى أن اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب، المعقودة في 12 أغسطس/ آب 1949، قابلة للتطبيق على المناطق العربية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، بما فيها القدس الشرقية، وقد دعا إسرائيل مرة أخرى، باعتبارها سلطة الاحتلال، إلى الالتزام بدقة بتلك الاتفاقية.
وفي 20 ديسمبر/ كانون الأول 1990، حث مجلس الأمن في القرار 281 (1990) حكومة إسرائيل على القبول بالقابلية القانونية لتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة.. على جميع المناطق التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، كما حثها على الالتزام الدقيق ببنود الاتفاقية، كما دعا الأطراف المتعاقدة العليا الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة إلى ضمان احترام إسرائيل وهي السلطة المحتلة، لالتزاماتها بموجب الاتفاقية بما ينسجم مع المادة رقم 1 فيها.
وأخيرا، أعاد مجلس الأمن، في القرارين 799 (1992) في ديسمبر/ كانون الأول، و904 (1994) في 18 مارس/ آذار 1994، توكيد موقفه فيما يتعلق بقابلية تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة في المناطق المحتلة.
100- تلفت المحكمة النظر أخيرا إلى أن المحكمة العليا في إسرائيل، وجدت، في حكم أصدرته بتاريخ 30 مايو/ أيار2004 أن:
"العلميات العسكرية (الجيش الاحتلال الإسرائيلي) في رفح، من ناحية تأثيرها في المدنيين، تخضع لاتفاقية لاهاي الرابعة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على الأرض 1907... واتفاقية جنيف الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب 1949".
101- على ضوء ما سبق، تعتبر المحكمة أن اتفاقية جنيف الرابعة قابلة للتطبيق في أي منطقة محتلة من خلال نزاع مسلح ينشأ بين اثنين أو أكثر من الأطراف المتعاقدة العليا، وقد كانت إسرائيل والأردن طرفين في تلك الاتفاقية عندما اندلع النزاع المسلح سنة 1967. وتجد المحكمة بناءً على ذلك أن الاتفاقية قابلة للتطبيق في المناطق الفلسطينية التي كانت قبل النزاع تقع شرقي الخط الأخضر، والتي كانت من قبل إسرائيل خلال ذلك النزاع، مما ينفي الحاجة إلى إجراء أي تحقيق في الوضع القانوني الدقيق لتلك المناطق.
102- يختلف المشاركون في الإجراءات الجارية أمام المحكمة أيضاً حول ما إذا ما إذا كانت معاهدات حقوق الإنسان الدولية التي تعتبر إسرائيل طرفاً فيها، تسري داخل الأرض المحتلة أم لا، ويوضح الملحق 1 في قرار الأمين العام أن:
"4" إسرائيل ترفض سريان المعاهدة الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية والمعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الأرض الفلسطينية المحتلة، علماً بأن إسرائيل وقعت على المعاهدتين، وتؤكد أن القانون الإنساني هو الحماية الممنوحة في وضع نزاع كالذي يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة في حين أن معاهدات حقوق الإنسان تهدف إلى حماية المواطنين من حكوماتهم في وقت السلم".
ومن بين المشاركين الآخرين في الإجراءات يرى الذين تناولوا هذا الموضوع أن المعاهدتين-خلافا لما تقوله إسرائيل تسريان على الوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة.
103- وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول 1991 صادقت إسرائيل على المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الموقعة في 19ديسمبر/ كانون الأول 1966 والمعاهدة الدولية لحقوق المدنية والسياسية الموقعة في التاريخ ذاته وعلى معاهدة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الطفل الموقعة في 20نوفمبر/ تشرين الثاني 1989. وإسرائيل طرف في هذه الاتفاقيات الثلاث.
104-ومن أجل تحديد ما إذا كانت هذه النصوص تسري على الأرض الفلسطينية المحتلة، ستتناول المحكمة أولا موضوع العلاقة بين القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان وقابلية تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان خارج الأراضي القومية.
105- وفي رأيها الاستشاري المؤرخ 8 يوليو/ تموز 1996 بشأن قانونية التهديد بالأسلحة النووية أو باستخدامها، تناولت المحكمة الموضوع الأول من بين هذين الموضوعين في ما يتعلق بالمعاهدة الدولية لحقوق المدنية والسياسية وخلال تلك الإجراءات، قالت بعض الدول إن "المعاهدة موجهة لحماية حقوق الإنسان في وقت السلم ولكن القضايا المتعلقة بفقدان الأرواح على نحو غير قانوني خلال أعمال عدائية للقانون المعمول به في النزاعات المسلحة (تقارير محكمة العدل الدولية 1996 (1)، الصفحة 239، الفقرة 24).
وقد رفضت المحكمة هذه المقولة وأوضحت أن: "الحماية التي توفرها المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية لا تنتهي في أوقات الحرب إلا بسريان المادة 4 من المعاهدة والتي تم بموجبها تعطيل أحكام بعينها في وقت الطوارئ الوطنية، ولا يعد احترام الحق في الحياة من هذه الأحكام. ومن حيث المبدأ، فإن هذا الحق في ألا يعترض الشخص عشوائيا للحرمان من الحياة يسري أيضاً خلال وقوع الأعمال العدائية، وأن اختبار ما هو حرمان عشوائي من الحياة يتم تحديده عندئذ وفقاً للقانون الخاص المعمول به، وتحديدا القانون الذي يسري خلال نزاع مسلح والذي صيغ لتنظيم سير الأعمال العدائية" (المصدر ذاته، الصفحة 240، الفقرة 25).
106- وبصورة أعم، تعتبر المحكمة أن الحماية التي توفرها اتفاقيات حقوق الإنسان لا تتوقف في حالة النزاع المسلح، إلا من خلال شروط إبطال القوانين من النوع الموجود في المادة 4 من الميثاق الدولي الخاص المدنية والسياسية، أما بالنسبة إلى العلاقة بين القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، فإن هناك إذن ثلاثة أوضاع ممكنة: فبعض الحقوق يمكن أن تكون متعلقة على نحو حصري بالقانون الإنساني الدولي، وبعضها يمكن أن تكون متعلقة حصراً بقانون حقوق الإنسان، كما أن بعضها يمكن أن يكون متعلقاً بكلا هذين الفرعين من القانون الدولي. ولكي تجيب المحكمة عن السؤال المطروح عليها، يتعين عليها أن تأخذ في اعتبارها كلا هذين الفرعين من القانون الدولي، وبالتحديد قانون حقوق الإنسان، والقانون الخاص، القانون الإنساني الدولي.
107- يبقى أن يتقرر ما إذا كان الميثاقان الدوليان والاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل، قابلة للتطبيق فقط على مناطق الدول الأطراف فيها، أم أنها قابلة للتطبيق أيضا خارج تلك المناطق، وفي أية ظروف إذا كان الأمر كذلك.
108- إن مدى تطبيق الميثاق الدولي على الحقوق المدنية والسياسية محددة بالمادة 2 من الفقرة 1 منه التي تشترط أن: "تتعهد كل دولة طرف في الميثاق الحالي بأن تحترم وتضمن لجميع الأفراد ضمن أراضيها والخاضعين لسلطتها، الحقوق المعترف بها في الميثاق الحالي، دون تمييز من أي نوع، مثل العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي أو غيره، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو المولد، أو أي وضع آخر".
ويمكن تفسير هذا البند بأنه يغطي فقط الأفراد الموجودين ضمن أراضي الدولة، وفي الوقت ذاته يخضعون لسلتطها، كما يمكن تفسيره بأنه يشمل الأفراد ضمن أراضي تلك الدولة، والأفراد الموجودين خارج تلك الأراضي ولكنهم يخضعون لسلطة تلك الدولة، وعلى ذلك، سوف تسعى المحكمة إلى تحديد المعنى الذي سيعطي لهذا النص.
109- ترى المحكمة أن السلطة القضائية للدول إقليمية في الأساس، إلا أنها يمكن في بعض الأحيان أن تمارس خارج الأراضي الوطنية، ومع الأخذ بعين الاعتبار هدف وغرض الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية، يبدو طبيعيا، أن تكون الدول الأطراف ملزمة بالامتثال لبنوده. حتى حين تكون الحال على هذا النحو.
والممارسة الثابتة للجنة حقوق الإنسان تتماشى مع ذلك. وعليه فقد وجدت اللجنة أن الميثاق قابل للتطبيق حيث تمارس الدولة سلطتها القضائية على منطقة أجنبية، وقد حكمت على شرعية الأعمال التي قامت بها أورغواي في حالات اعتقالات نفذها عملاء من أورغواي في البرازيل أو الأرجنتين (قضية رقم 52/79، لوبيز بيرجوس ضد أورغواي، والقضية رقم 56/79، ليليان سيليبرتي دي كاساريجو ضد أورغواي)، وقررت بالاتجاه ذاته في قضية مصادرة جواز سفر من قبل قنصلية أورغواي في ألمانيا (القضية رقم 106/81، مونتيرو ضد أورغواي).
وتؤكد الترتيبات الأولية للميثاق، تفسير اللجنة للمادة 2 من الوثيقة، وتبين هذه أن واضعي الميثاق، بتبنيهم الصياغة المختارة، لم يقصدوا السماح للدول بالتهرب عن التزاماتها عندما تمارس سلطتها القضائية خارج أراضيها الوطنية، كما أنهم قصدوا إلى منع الأشخاص الذين يقيمون في الخارج من ادعاء حقوق بدولتهم الأصلية، لا تقع ضمن مقدرة تلك الدولة، بل ضمن مقدرة دولة الإقامة.
انظر مناقشة المسودة الأولية في (لجنة حقوق الإنسان أي/ سي رقم 4/ أي أر – 194، فقرة 46، والأمم المتحدة، السجلات الرسمية للجمعية العمومية، الجلسة العاشرة، الملاحق ايه/ 2929، جزء 2 فصل 5 فقرة 4(1955)).
110- تلاحظ المحكمة بهذا الخصوص الموقف الذي اتخذته إسرائيل فيما يتعلق بإمكانية تطبيق الميثاق خلال اتصالاتها بلجنة حقوق الإنسان وما يتصل برأي اللجنة.
في عام 1998صرحت إسرائيل أثناء إعدادها لتقريرها إلى اللجنة أنه كان عليها أن تواجه مسألة "ما إذا كان الأفراد المقيمين في الأراضي المحتلة يخضعون حقيقة للسلطة القضائية لإسرائيل لإغراض تطبيق الميثاق (cpr/c/sr 1675) الفقرة 21 ، واتخذت إسرائيل الموقف الذي يرى أن "الميثاق والأدوات المماثلة الأخرى لا ينطبق بصورة مباشرة على الوضع الحالي في الأراضي المحتلة الفقرة 27.
وأعربت اللجنة في ملاحظتها الختامية بعد فحص التقرير عن قلقها إزاء الموقف الإسرائيلي وأشارت إلى بقاء إسرائيل لفترة طويلة في الأراضي المحتلة. وإلى غموض موقف إسرائيل تجاه وضع هذه الأراضي المستقبلي مع ممارسة السلطة القضائية الفعلية من قبل قوات الأمن الإسرائيلية في تلك المناطق، (الملحق 93 79/c/ccpr/ الفقرة 10 وفي عام 2003 وفي مواجهة موقف إسرائيل المتعنت المتمثل في أن "الميثاق لا ينطبق على ما وراء أراضيها لا سيما في الضفة الغربية وغزة...توصلت اللجنة إلى الاستنتاج التالي:
في الظروف الراهنة تنطبق بنود الميثاق لتصب في مصلحة سكان الأراضي المحتلة، بالنسبة لجميع التصرفات الصادرة عن سلطات حكومية أو وكالات في هذه الأراضي والتي تؤثر على تمتع السكان بالحقوق المنصوص عليها في الميثاق وتقع ضمن نطاق مسؤولية دولة إسرائيل حسب مبادئ القانون الدولي العام (الفقرة"11" sr//78/co/ccpr).
11- في الاستنتاج الختامي تعتبر المحكمة أن الميثاق الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية ينطبق في حال الأفعال والتصرفات الصادرة عن دولة ما، حتى عند ممارستها لسلطاتها القضائية خارج أراضيها.
112- لا يشتمل الميثاق الدولي حول الحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية على بند يتعلق بنطاق تطبيقه.
ويمكن تفسير ذلك أن هذا الميثاق يضمن حقوقا هي في جوهرها حقوقا إقليمية، غير لا ينبغي أن يستبعد أنها تنطبق على كل من الأراضي التي تبسط الدولة عليها سلطانها القضائي وتلك التي تمارس عليها تلك الدولة سلطات إقليمية.
وهكذا نرى أن البند 14 ينص على إجراءات انتقالية في حالة أي دولة في الوقت الذي تصبح فيه طرفا في المعاهدة ولم تتمكن من توفير وضمان التعليم الابتدائي الإلزامي مجانا في مناطق المدن أو أي أراض تخضع لسلطتها القضائية.
ومما له صلة أن نستحضر في هذا المقام الموقف الذي اتخذته إسرائيل في تقاريرها إلى لجنة حقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ففي أو تقرير لها إلى اللجنة في 4 ديسمبر /كانون الأول من عام 1998 زودت إسرائيل اللجنة بإحصائيات تبين تمتع المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة بالحقوق المنصوص عليها في الميثاق، "ولاحظت اللجنة أنه، وبحسب ما تقوله إسرائيل فإن السكان الفلسطينيين ضمن مناطق السلطة القضائية ذاتها قد استبعدوا سواء من التقرير أو من حماية الميثاق" (الفقرة18/12.c/ E / الملحق 27) وأعربت اللجنة عن قلقها بهذا الخصوص، وردت إسرائيل في إجابتها عن ذلك بإصدار تقرير آخر في 19أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2001 تفيد فيه بأنها التزمت بثبات بأن الميثاق لا ينطبق في المناطق التي لا تخضع لمناطقها السيادية وسلطتها القضائية (وهي صيغة مستوحاة من لغة الميثاق الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية) وواصلت إسرائيل قولها بأن هذا الموقف يستند إلى التميز الراسخ بين الحقوق الإنسانية والقانون الإنساني حسب القانون الدولي، وأضافت أن "تفويض اللجنة لا صلة له بالأحداث في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث أنهما جزء لا يتجزأ من سياق النزاع المسلح، تمييزاً له عن علاقة حقوق الإنسان. (الملحق 232 الفقرة 5/1990/6/) وبالنظر إلى هذه الملاحظات جددت اللجنة إعرابها عن قلقها بشأن موقف إسرائيل وأكدت وجهة نظرها بأن التزامات الدولة الطرف في الاتفاقية بموجب الميثاق تنطبق على كل المناطق وجميع فئات السكان تحت سيطرتها الفعلية" (الملحق 9 الفقرات 15 و3 1/12/.C/E/).
وللأسباب التي شرحت في الفقرة 106 عاليه فإن المحكمة لا تستطيع قبول الرأي الإسرائيلي كما ينبغي أن تلاحظ المحكمة هنا الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل ظلت على مدى أكثر من 37 سنة تخضع لسلطتها القضائية الإقليمية بصفتها قوة محتلة، وبممارستها للسلطات الممنوحة لها على هذا الأساس فإن إسرائيل ملزمة بتطبيق نصوص الميثاق الدولي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلاوة على ذلك فإن إسرائيل الالتزام بأن لا تثير أي عقبة في سبيل ممارسة هذه الحقوق في هذه المجالات التي جرى فيها نقل الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية.
113- في ما يتعلق بالمعاهدة الخاصة بحقوق الطفل المعوق بتاريخ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، تتضمن تلك المعاهدة المادة "2" التي تنص على أن "على الدول الأطراف في المعاهدة احترام وضمان الحقوق الموضحة في المعاهدة والخاصة بكل طفل في إطار اختصاصها القضائي.."، وبالتالي، تسري تلك المعاهدة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
114- بعد أن حددت المحكمة القواعد والمبادئ ذات الصلة في القانون الولي للرد على السؤال المقدم من الجمعية العامة، وبعد إصدار قرارها تحديدا بشأن قابلية تطبيق القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، ستسعى المحكمة الآن إلى تأكيد ما إذا كان بناء الجدار انتهك تلك القواعد والمبادئ أم لا.
115- في هذا الصدد فإن الملحق"2" بتقرير الأمين العام وعنوانه "خلاصة الوضع القانوني لمنظمة التحرير الفلسطينية"، ينص على أن"بناء الحاجز يمثل محاولة لضم الأرض بما يتعارض والقانون الدولي"، وأن "الضم الفعلي للأرض يتعارض مع السيادة الإقليمية، وبالتالي مع حق الفلسطينيين في تقرير المصير". وتكرر هذا الرأي في عدد من البيانات الخطية المقدمة إلى المحكمة وفي الآراء التي تم التعبير عنها خلال الجلسات. وقد قيل، من بين أشياء أخرى:"إن الجدار يمزق المجال يمزق المجال الإقليمي الذي يحق للشعب الفلسطيني أن يمارس عليه حقه في تقرير المصير ويمثل انتهاكا للمبدأ القانوني الذي يحظر الاستيلاء على الأرض باستخدام القوة ". وفي هذا السياق، تحديدا تأكيد أن مسار الجدار تم تصميمه ليغير التركيبة السكانية للأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية عن طريق تعزيز المستوطنات "الإسرائيلية"، المشيدة بطريقة غير قانونية على الأرض الفلسطينية المحتلة. وتم أيضا تأكيد أن الجدار يهدف إلى إنقاص وتقطيع المجال الإقليمي الذي يحق للشعب الفلسطيني ممارسة حقه في تقرير المصير عليه".
116- ومن جانبها، زعمت إسرائيل أن الهدف الوحيد للجدار هو تمكينها من أن تكافح بفعالية الهجمات الفدائية من الضفة الغربية. وعلاوة على ذلك، كررت إسرائيل مرارا أن الحاجز هو إجراء مؤقت (انظر تقرير الأمين العام، الفقرة29). وقد فعلت ذلك عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحد في اجتماع مجلس الأمن الدولي بتاريخ 14أكتوبر/ تشرين الأول2003 حيث أكدت أن السور لا يضم أراضي لدولة إسرائيل، وأن إسرائيل على استعداد وقادرة على أن تعدل أو تفكك سورا وإن كانت الكلفة باهظة إذا كان ذلك مطلوبا كجزء من تسوية سياسية،(S/PV.4841,P10). وأعاد المندوب الدائم الإسرائيلي تأكيد هذا الرأي أمام الجمعية العامة في 20 اكتوبر/ تشرين الأول و8 ديسمبر/ كانون الأول 2003. وفي هذه المناسبة الأخيرة، أضاف المندوب الدائم الإسرائيلي قائلا: ومتى انتهى ما سماه الإرهاب، لن يكون السور ضروريا.أن السور ليس حدودا وليست له أهمية سياسية. وهو لا يغير الوضع القانوني للمنطقة بأي طريقة (A/ ES-10/ PV.23,P.6).
117- وتذكر المحكمة هنا بأن الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي أشار في ما يتعلق بفلسطين إلى القاعدة العرفية التي تشير إلى عدم قبول الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب (انظر الفقرتين 74و87 أعلاه).وهكذا وفي القرار 242 (1967) الصادر في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، 1967 أكد مجلس الأمن، بعد التذكير بهذه القاعدة: "إن الوفاء بمبادئ الميثاق يقتضي تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يجب أن يشمل تطبيق المبدأين التاليين:
1- انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من أراض تم احتلالها خلال الحرب الأخيرة.
2- إنهاء جميع مطالبات أو حالات الحرب، والاحترام والاعتراف بالسيادة والوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة وحق تلك الدول في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، ومن دون التعرض لتهديدات أو أعمال تستخدم فيها القوة".
وعلى هذا الأساس ذاته دان المجلس مرات عدة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع القدس (انظر الفقرة 75 أعلاه).
118- وفي ما يتعلق بمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، تلاحظ المحكمة أن وجود"شعب فلسطيني" لم يعد موضوعا للنقاش. وقد اعترفت إسرائيل بهذا الوجود خلال تبادل الخطابات بتاريخ 9 سبتمبر/ أيلول 1993 بين ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، واسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل. وخلال تلك المراسلات، اعترف رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في الوجود بسلام وأمان، وتقدم بعدة تعهدات أخرى.
وردا على ذلك أبلغه رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه، وفي ضوء تلك التعهدات، "إن حكومة إسرائيل قررت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني".
وتشير الاتفاقية الإسرائيلية الفلسطينية المؤقتة الخاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة والموقعة في 28 سبتمبر/أيلول 1995 أيضا في مرات عدة إلى الشعب الفلسطيني و"حقوقه المشروعة" (التمهيد الفقرات 4و7و8 ، المادة 2، الفقرة 2، المادة 3، الفقرتان 1و3، المادة 22، الفقرة2). وترى المحكمة أن تلك الحقوق تشمل حق تقرير المصير حسب اعتراف الجمعية العامة بذلك في مناسبات (انظر على سبيل المثال القرار 58/1663 المؤرخ 22ديسمبر /كانون الأول 2003).
119- تلاحظ المحكمة أن خط السير الذي يسلكه الجدار كما ثبتته الحكومة الإسرائيلية يشمل ضمن "المنطقة المغلقة" (انظر الفقرة 85أعلاه) نحو 80% من المستوطنين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة (بما فيها القدس الشرقية).
120- في ما يتعلق بهذه المستوطنات تلحظ المحكمة أن البند 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تنص في الفقرة السادسة على أن:
"يجب على القوة المحتلة ألا ترحل أو تنقل لأجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها". ولا يقف هذا النص عند حد منع عمليات الترحيل أو النقل بالقوة لفئات من السكان مثل تلك التي كانت تجري خلال الحرب العالمية الثانية، بل يمنع ذلك أي إجراءات تتخذها القوة المحتلة كي تنظم أو تشجّع عمليان نقل أجزاء من سكانها إلى الأراضي المحتلة. وفي هذا المقام، فإن المعلومات التي بحوزة المحكمة تظهر أن إسرائيل منذ عام 1977 انتهجت سياسية، وطوّرت ممارسات تشتمل على إقامة مستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مناقضة بذلك شروط البند 49 في فقرته السادسة التي استشهدنا بها أنفا.
وبذا تبنى مجلس الأمن وجهة النظر التي ترى أن مثل هذه السياسات والممارسات: "ليس لها شرعية قانونية". كما أنه دعا إسرائيل باعتبارها القوة المحتلة، إلى التقييد الدقيق باتفاقية جنيف الرابعة وإلى إلغاء: "إجراءاتها السابقة، وأن تكف عن القيام بأي عمل ينجم عنه تغيير في الوضع القانوني والطبيعة الجغرافية، أو يؤثر بشكل ملموس في التركيبة الديموجرافية للمناطق العربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيه القدس، وأن تمتنع بشكل خاص عن نقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي العربية المحتلة (القرار 446 (1979) بتاريخ 22مارس/ آذار 1979).
وأكد المجلس موقفه في القرار 452 (1979) بتاريخ 20 يوليو/ تموز 1979 والقرار 465 (1980) بتاريخ الأول من مارس/ آذار 1980. وفي الحقيقة فإنه في القضية الأخيرة وصف "سياسة إسرائيل وممارساتها المتمثلة في توطين فئات من سكانها ومهاجرين جدد في الأراضي المحتلة" بأنه انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة.
ويخرج المجلس بنتيجة مفادها "أن المستوطنات الإسرائيلية" في الأراضي الفلسطينية المحتلة (بما فيها القدس الشرقية) قد أقيمت خرقا للقانون الدولي.
121- وفي حين تلاحظ المحكمة التأكيدات المقدمة من قبل إسرائيل بأن إنشاء الجدار لا يرتقي إلى الضمّ والإلحاق، وأن الجدار ذو طبيعة مؤقتة (انظر الفقرة 116 أعلاه)، فإنها لا يمكنها مع ذلك أن تظل ببعض المخاوف التي أعربت أطراف عنها من أن المسار الذي يسلكه الجدار سوف يحدد مسبقا الحدود المستقبلية بين إسرائيل وفلسطين، والخشية من أن إسرائيل ربما تعمد إلى ضم المستوطنات وسبل الوصول إليها. وتعتبر المحكمة أن إنشاء الجدار وما يرتبط به من نظام يخلق "أمرا واقعا" على الأرض، يمكن أن يصبح دائما، وفي هذه الحالة، وبالرغم من التوصيف الرسمي للجدار الذي قدمته إسرائيل إلا أنه يرقى إلى الضم بمنطق الأمر الواقع.
122- وتعيد المحكمة إلى الأذهان فوق ذلك أنه وبحسب تقرير الأمين العام فإن الطريق المخطط الذي يسلكه الجدار سوف يضم في المنطقة الخط الأخضر والجدار ما يزيد على 16% من أراضي الضفة الغربية. وسوف يسكن تلك المنطقة نحو 80% من المستوطنين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي نحو 320 ألف مستوطن. وفوق ذلك، وبنتيجة إقامة الجدار سوف يقيم نحو 160 ألف فلسطيني آخر في تجمعات مطوقّة كلياً تقريباً (انظر الفقرات 84 و85 و119 أعلاه). وبعبارة أخرى، فإن المسار الذي اختير للجدار يعبر عن تعديل في السجل الأصلي للإجراءات غير القانونية التي اتخذتها إسرائيل في ما يتعلق بالقدس والمستوطنات، وهي التي أبدى مجلس الأمن أسفه بشأنها (انظر الفقرات 75 و120 أعلاه). كما أن هناك مخاطر أخرى تتمثل في إحداث تغييرات إضافية في الوضع الديموجرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو وضع ينجم عن إنشاء الجدار بالقدر الذي يساهم في إقامته، كما سنأتي على شرحه في الفقرة 133 أدناه، بترحيل السكان الفلسطينيين من بعض المناطق. وهذا البنيان، مع تضافر الإجراءات التي اتخذت سابقاً، يعيق إلى حدّ كبير ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره، لذا فهو انتهك من قبل إسرائيل لالتزاماتها باحترام ذلك الحق.