شعرت أم عدي بالعجز لأنها لم تستطع أن تتخلص من عادات ابنها السلبية، وهو في مرحلة عمرية حساسة للغاية "سن المراهقة"، إذ أصبح يدخن بشكل يومي. وهي تحاول جاهدة أن تخفي الأمر عن والده حتى لا يكون هناك شجار ومشاحنات فيما بينهما، تنعكس فيما بعد على أجواء البيت.
وتقول أم عدي إن ابنها لم يكن قبل سنوات قليلة فتى "مشاكسا"، إلا أنه مع مرور الوقت وتعرفه على مجموعة من الأصدقاء، لم تستطع السيطرة عليه، كونه أصبح يخرج وحده من البيت دون رقيب، ويعتبر نفسه رجلاً، ولا يقبل أي نوع من التهديد أو العقوبات التي يمكن أن تؤثر عليه.
لذلك، لجأت أم عدي إلى أحد أعمام ابنها، تعتبره "له كلمة وسيطرة عليه"، علّ تلك الطريقة تنفع في إقناعه بالابتعاد عن التدخين. تقول "الحياة أصبحت مخيفة والأبناء يخرجون عن السيطرة ولا يستمعون إلى النُصح".
وتعتقد أم عدي أنه من الأجدى أن يتخذ الوالدان عقوبة صارمة بحق أبنائهما في الكثير من الأحيان، حتى تسهل السيطرة عليهم فيما بعد، ولا يجوز للأهل أن يتساهلوا في العقوبة أياً كانت، حتى يسهل التحكم بهم فيما بعد.
ولكن قد يقف الأهل عند نقطة تعريف "العقوبة الصارمة" وكيفية التعامل معها ومتى يمكن أن يضع الأهل على الابن أو الابنة عقوبة صارمة.
ويرى فارس زيدان، وهو أب لخمسة أبناء، اثنان منهم "شابان في سن المراهقة" وآخر في الجامعة، أن العقوبة القوية والصارمة لتعود لشخصية الابن والأب في ذات الوقت، وكذلك عمر الابن الذي يتوجب العقوبة في حقه، فصغير السن قد تكون الأمور معه أسهل ممن هم في سن المراهقة أو اليافعين.
وعن تجربته في تعامله مع أبنائه، يقول زيدان إن أحد أولاده كان يتعمد "سرقة" مفتاح السيارة من الغرفة وقيادتها بين الحين والآخر دون علمه. إلا أن والدته كانت على علم بذلك، ولكن حاولت إقناعه دون جدوى، وعندما علم بذلك حاول ردعه "بالتفاهم" ولكن مع تكرار هذا السلوك اضطر إلى معاقبته بالحبس في المنزل مدة تزيد على الشهر والتشديد على ذلك، وحرمانه من المصروف، ولم يستمع لكلام الكثيرين ممن حاولوا أن يخفف من ذلك.
وبحسب زيدان فإن الأب عليه معرفة الطريقة الأنسب لمعاقبة الابن، فالأب هو أعلم بطبيعة ظروف وشخصية ابنه وهو اعلم بالطريقة الرادعة، والتغاضي عن الخطأ سيؤدي بالنهاية إلى وقوع الأهل في مشاكل على المدى البعيد.
ومن الحالات التي دعت زيدان إلى معاقبة أبنائه بهذه الطريقة هو ما حدث مع أحد أقربائه الذي تساهل في معاقبة أبنائه بسبب سلوكياتهم السلبية، ما أدى لوقوعهم في مشاجرات مع عائلات وامتدادها لتكون في النهاية مشاكل "عشائرية"، تجر خلفها العديد من التبعات، وهو يخشى على أبنائه من أن يكونوا سبباً في مشاكل كبيرة قد يدفعون ثمنها "سنوات في السجن على أسوأ تقدير".
ومن أشكال العقوبات الرادعة التي قد يلجأ الأب إليها، هي الحبس المنزلي، المنع من المصروف خاصة للأبناء في مرحلة المدرسة والجامعة، اللجوء إلى المراكز الأمنية في بعض الأحيان في حال الأخطاء السلوكية الكبيرة، حرمانهم من مقتنياتهم التي يتعلقون بها، مثل الهاتف المحمول أو الأجهزة الحديثة للتواصل الاجتماعي، والتوبيخ الشديد، اللجوء إلى أحد الأقارب ذوي السلطة القوية مثل الجد.
ويرى أخصائي علم الاجتماع الدكتور سري ناصر، أن التربية اختلفت عن السابق، فقد كان الجد والعم والخال في الماضي يتدخلون في تربية الابن ولديهم سيطرة عليه وعلى تصرفاته كافة، أما الآن فقد اختلفت المعايير، وأصبح أحياناً الأم والأب لا يسمحان لأحد من الأقارب بالتدخل في تربية أبنائهم.
كما يجزم ناصر بأن المجتمع اختلف بشكل كبير جداً عن الماضي، وكان لدخول التكنولوجيا إلى أدق تفاصيل الحياة دور في أن يكون الابن "متمردا نوعاً ما، ومستقلا ولا يقبل الانتقاد والعقوبات". كما أصبح هناك أكثر من جهة تتدخل في تربية الابن مع الأسرة مثل المدرسة و"الحارة" والأصدقاء، ومواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الإنترنت، كونها تسهم في إطلاع الأبناء على القوانين والأنظمة التي قد تسهم في تقوية شخصياتهم والدفاع عن أنفسهم في حال تعرضهم للعقوبة بأي شكل من الأشكال.
لذلك، يعتقد ناصر أن العقوبة الصارمة يجب أن تكون متناسبة مع السلوك والذنب الذي اقترفه الابن، وبعيدا عن الإساءة الجسدية أو النفسية، ويحبذ لو كانت بالتفاهم وتعريف الأبناء بأسباب العقوبة علها تكون رادعة فيما بعد.
وبين ناصر أن المجتمع العربي يختلف كثيراً عن المجتمع الغربي في التعامل مع الأبناء، ففي الغرب قد لا يقبل الابن حتى لوالديه أن يتدخلا في حياته بعد سن معينة، بالإضافة إلى أن بعض السلوكيات التي يعتبرها الغرب "عادية" قد تكون غير مقبولة في مجتمعنا.
وتعترف أم منتصر أن زوجها عاقب ابنها في إحدى المرات عقوبة شديدة بعد أن تشاجر مع أحد أقاربه، وأدى ذلك إلى إصابته بجروح طفيفة نتيجة تلك المشاجرة؛ إذ قام الأب بمنع ابنه من النوم في البيت، وضربه، خوفاً عليه، وكردة فعل سريعة من مشكلة كانت يمكن أن تتحول إلى مشاجرة عشائرية بين الأقارب فيما بعد.
وقالت أم منتصر إن ابنها اضطر إلى المبيت في بيت جده مدة أسبوع، بالإَضافة إلى حاجته إلى العلاج من كدمة بسيطة تعرض لها من والده، ولكن، بعد هذه العقوبة قام الابن بالاعتذار من والده، وكذلك والده، الذي بين له سبب العقوبة خوفاً على مصلحته، إلا أنها لا تؤيد بأي شكل من الأشكال أن يكون الضرب وسيلة للعقاب.
هذه الحالات قد يكون سببها ونتائجها لها آثار أسرية وتربوية في الوقت ذاته؛ إذ ترى الاستشارية الأسرية والتربوية رولى خلف، أن الضرب لا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال عقوبة رادعة، فهو عبارة عن ردع لفترة قصيرة ولا يمكن أن يمنع الطفل من تكرار الخطأ فيما بعد، وخاصة لمن هم في سن أكبر من مرحلة الطفولة.
وتدعو خلف الأهل إلى ضرورة التوعية فيما بينهم وبين أطفالهم، وتعويد أنفسهم على أن يكونوا على قدر كافٍ من التحكم بالغضب والحكمة في التصرف، وأن يكون العنف خيارا غير متاح لهم، بل من خلال الكلام والتوجيه.
وتتفق خلف مع ناصر في ضرورة أن تكون هناك مساحة كافية للحوار بين الأهل والأبناء وأن يتم فيه توضيح الأسباب دائما لأي تصرف قد ينتج عنهم، وإعطاء كلمات المحبة والود حيزاً في نقاشاتهم، والتخلص من ظاهرة العنف أو العقوبات الشديدة من الأهل والتي تفضي إلى الإيذاء بأشكاله كافة.