منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 وقعات العرب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالإثنين 02 نوفمبر 2015, 8:09 am

وقعات العرب

وقعات العرب 811
وقعات العرب 911
وقعات العرب 9-111


ذو قار
يوم ذي قار هو يوم من أيام العرب في الجاهلية. هو أول يوم انتصف فيه العرب من العجم. ويقال
إنه حدث في زمن النبي محمد٬ وقع فيه القتال بين العرب والفرس في العراق وانتصر فيه العرب.
وكان سببه أن كسرى أبرويز غضب على النعمان بن المنذر ملك الحيرة٬ وقد أوغر صدره عليه
زيد بن عدي العبادّي لأنه قتل أباه عدي بن زيد٬ فلجأ النعمان إلى هانئ بن مسعود الشيباني
فاستودعه أهله وماله وسلاحه٬ ثم عاد فاستسلم لكسرى٬ فسجنه ثم قتله. وأرسل كسرى إلى هانئ
بن مسعود يطلب إليه تسليمه وديعة النعمان٬ فأبى هانئ دفعها إليه دفعاً للمذمة٬ فغضب كسرى
على بني شيبان وعزم على استئصالهم٬ فجهّز لذلك جيشاً ضخماً من الأساورة الفرس يقودهم
الهامرز٬ ومن قبائل العرب الموالية له٬ من تغلب والنمر بن قاسط وقضاعة وإياد٬ وولى قيادة هذه
القبائل إياس بن قبيصة الطائي٬ وبعث معهم كتيبتيه الشهباء والدوسر. فلما بلغ النبأ بني شيبان
استجاروا بقبائل بكر بن وائل ٬ فوافتهم طوائف منهم٬ واستشاروا في أمرهم حنظلة بن سيّار
العجلي٬ واستقر رأيهم على البروز إلى بطحاء ذي قار٬ وهو ماء لبكر بن وائل قريب من موضع
الكوفة.
جاء في كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (الجزء الأول ص658) عن ذي قار:
ذو قار ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط. وبالقرب منه مواضع منها حنو ذي
قار وقراقر وجبابات ذي العجرم وجذوان وبطحاء ذي قار. ويقع حنو ذي قار على ليلة من ذي
قار.
يرجع الاخباريون سبب وقوع ذي قار الى مطالبة "كسرى ابرويز" هانىء ابن قبيصة بن هانىء
بن مسعود أحد بني ربيعه بن ذهل بن شيبان بتسليم الودائع التي أودعها النعمان لديه إليه. فلما أبى
هانئ تسليم ما اؤتمن عليه لغير أهله٬ غضب كسرى٬ فبعث الى الهامرز التستري٬ وهو مرزبانه
الكبير٬ وكان مسلحه في القطقطانه٬ والى جلابزين وكان مسلحه في بارق٬ كما كتب إلى قيس بن
اجتمعوا فإياس على الناس. وجاءت الفرس معها الجنود والفيلة عليها الأساورة٬ فالتحموا بأرض مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين٬ وكان كسرى استعمله على سفوان بأن يرافقوا إياسا فإذا
ذي قار. فلما كان اليوم الأول٬استظهر الفرس على العرب٬ ثم جزعت الفرس في اليوم الثاني من
العطش٬ فصارت إلى الجبابات٬ فتبعتهم بكر وباقي العربان٬ فعطش الأعاجم٬ ومالوا إلى بطحاء
ذي قار وبها اشتدت الحرب٬ وانهزمت الفرس٬ وكسرت كسرة هائلة٬ وقتل اكثرهم وفيهم الهامرز
وجلابزين٬ وانتصر العرب على الفرس انتصارا عظيما٬ وانتصفت فيه العرب من العجم.
ويوم ذي قار لم يكن اذن يوما واحدا٬ أي معركة واحدة وقعت في ذي قار وانتهى أمرها بانتصار
العرب على الفرس٬ بل هو جملة معارك وقعت قبلها ثم ختمت ب "ذي قار"٬ حيث كانت المعركة
الفاصلة فنسبت المعارك من ثم إلى هذا المكان. ومن هذه الأيام: يوم قراقر٬ ويوم الحنو. حنو ذي
قار٬ ويوم حنو قراقر٬ ويوم الجبابات٬ ويوم ذي العجرم٬ ويوم الغدوان٬ ويوم البطحاء: بطحاء ذي
قار٬ وكلهن حول ذي قار.
أما متى وقع يوم ذي قار٬ فالمؤرخون مختلفون في ذلك٬ منهم من جعله في يوم ولادة الرسول٬
ومنهم من جعله عند منصرف الرسول من وقعة بدر الكبرى٬ ومنهم من جعله قبل الهجرة. وقد
ذهب "روتشتاين" إلى انه كان حوالي سنة "604 م"٬ وذهب نولدكه إلى انه بين "604" و "615
م". وأكثر أهل الأخبار انه وقع بعد المبعث ورووا في ذلك حديثا قالوا إن الرسول لما بلغه من
هزيمة ربيعة جيش كسرى٬ قال: "هذا أول يوم انتصف العرب من العجم٬ وبي نصروا".
والذي يستنتج من روايات أهل الأخبار عن معركة ذي قار إن "هانئ بن مسعود الشيباني"٬ لم
يكن قائد بني شيبان ولا غيرها من العرب يوم ذي قار٬ بل تذهب بعض الروايات إلى انه لم يدرك
هذا اليوم٬ لأنه هلك قبله٬وانما هو: "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود". وترى روايات أخرى
أن "هانئ ابن مسعود"٬ كان يخشى عاقبة هذه الحرب وانه لم يكن يريد مقابلة الفرس٬ وكل ما
كان يريده هو الاحتفاظ برهينة النعمان٬ وأن الفرس عندما دنوا من العرب بمن معهم: "انسل قيس
بن مسعود ليلا فأتى هانئا٬ فقال له: أعط قومك سلاح النعمان فيقووا٬ فإن هلكوا كان تبعا لأنفسهم٬
وكنت قد أخذت بالحزم٬ وإن ظفروا ردوه عليك. ففعل. فقسم الدروع والسلاح في ذوي القوى
والجلد من قومه. فما دنا الجمع من بكر٬ قال لهم هانئ: "يا معشر بكر٬ إنه لا طاقة لكم بجنود
كسرى ومن معهم من العرب٬ فاركبوا الفلاة". فتسارع الناس إلى ذلك٬ فوثب حنظلة بن ثعلبة بن
سيار فقال له: انما أردت نجاتنا٬ فلم تزد على أن ألقيتنا في الهلكة٬ فرد الناس وقطع وضن
الهوادج٬ لئلا تستطيع بكر أن تسوق نساءهم إن هربوا ­ فسمي مقطع الوضن ­٬ وهي حزم
الرحال. ويقال: مقطع البطن٬ والبطن حزم الأقتاب٬ وضرب حنظلة على نفسه قبة ببطحاء ذي
قار٬ وآلى ألا يفر حتى تفر القبة. فمضى من مضى من الناس٬ ورجع أكثرهم٬ واستقوا ماء
لنصف شهر٬ فأتتهم العجم٬ فقاتلتهم بالحنو٬ فجزعت العجم من العطش٬ فهربت ولم تقم
لمحاصرتهم٬ فهربت الى الجبابات٬ فتبعتهم بكر وعجل"٬ "فقاتلوهم بالجبابات يوما. ثم عطش
الأعاجم٬ فمالوا الى بطحاء ذي قار٬ فأرسلت إياد إلى بكر سرا ­ وكانوا أعوانا على بكر مع إياس
بن قبيصة: أي الأمرين أعجب اليكم. أن نطير تحت ليلتنا فنذهب٬ أو نقيم ونفر حين تلاقون القوم؟
قالوا: بل تقيمون فإذا التقى القوم انهزمتم". فلما التقى القوم في مكان من ذي قار يسمى "الجب"
اجتلدوا والتحموا٬ فانهزمت "اياد" كما وعدتهم٬ وانهزم الفرس.
ويذكر "الطبري" في رواية من رواياته عن "ذي قار" أن الناس توامروا فولوا أمرهم حنظلة بن
ثعلبة بن سيار العجلي٬ وكانوا يتيمنون به٬ فقال لهم: لا أرى إلا القتال٬ فتبعوا أمره٬ وهو الذي
تولى إدارة القتال٬ فكان له شأن كبير فيه٬ وقد قاد قومه من "بني عجل" في ذلك القتال٬ فله
النصيب الأكبر منه. وقد احتل "حنظلة" مسيرة "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود" رئيس بكر
في القتال الذي جرى في ذي قار في موضع الجب.
وكان "هانئ بن قبيصة" رئيس بكر يشغل القلب في أثناء الهجوم على الفرس يوم الجب في ذي
قار٬ وكان على ميمنته "يزيد بن مسهر الشيباني"٬ و "حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي" على
ميسرته يحميه من كل هجوم جانبي يقع عليه من الميسرة٬ كما ذكرت.
و كان "يزيد بن حمار السكوني"٬ وهو حليف لبني شيبان٬ قد كمن مع قومه من بني شيبان في
مكان من ذي قار هو الجب٬ فلما جاء إياس بن قبيصة مع الفرس إلى هذا المكان٬ خرج مع كمينه٬
فباغت إياسا ومن معه٬ وولت إياد منهزمة٬ فساعد بذلك كثيرا في هزيمة الفرس.
فهؤلاء المذكورون اذن هم الذين قادوا نصر العرب على الفرس. وقد ذهب بعض الأخباريين الى
أن الحرب الرئيسية دارت على بني شيبان٬ ورئيس الحرب هو "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن
مسعود". أما "حنظلة" فكان صاحب الرأي. ولكن الذي يظهر من دراسة مختلف الروايات إن
شأن حنظلة في القتال كان أهم وأعظم من شأن هانئ فيه٬ حتى لقد ذكرت بعض الروايات انه هو
الذي ولي أمر القتال بعد هانئ٬ وان القوم صيروا الأمر إليه بعد هانئ في معركة "جب ذي قار"

وانه هو الذي قتل "جلابزين"٬ وان كتيبته "كتيبة عجل" قامت بأمر عظيم في هذه المعركة الي
انتهت بهزيمة الفرس.
وكان حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي من سادات قومه٬ وهو صاحب قبة٬ ضرب له يوم ذي قار
ويوم فلج٬ ولا تضرب قبة الا لملك أو سيد. وكانت له بنت يقال لها "مارية"٬ كانت معه في هذه
المعركة٬ وهي أم عشرة نفر أحدهم جابر بن أبجر. وأورد الطبري شعرا في يوم ذي قار نسبه الى
"يزيد بن المكسر بن حنظلة بن ثعلبة بن سيار"٬ واذا كان يزيد هذا هو حفيد حنظلة كما يظهر من
سياق النسب٬ يكون حنظلة اذ ذاك كبيرا في السن. وقد نسب الطبري الى حنظلة شعرا ذكر انه
قاله في يوم ذي قار.
وذكر إن "النعمان بن زرعة التغلبي" هو الذي أشار على كسرى بمهاجمة "هانئ بن مسعود
الشيباني" في ذي قار٬ وكان يحب هلاك بكر بن وائل٬ وان إيادا وهي في الحرب اتفقت سرا مع
بكر على الهرب٬ فهربت حين كان إياس بن قبيصة والفرس يقاتلون بكرا٬ فاضطرب صف
العجم٬ وولوا الادبار٬ فقتل منهم من قتل٬ وأسر عدد كبير. وأسر "النعمان بن زرعة التغلبي".
والروايات عن معركة ذي قار٬ هي على شاكلة الروايات عن أيام العرب وعن حروب القبائل
وغزو بعضها بعضا٬من حيث تأثرها بالعواطف القبلية وأخذها بالتحيز والتحزب. فنرى فيها
تحيزا لبني شيبان يظهر في شعر "الأعشى" لهم٬ اذ يمدحهم خاصة٬ مما أدى الى غضب غيرهم
مثل "اللهازم"٬ ونرى فيها اعطاء فخر لفلان وحبسه عن فلان. ولذلك يجب على الباحث عن أيام
العرب وعن حروب القبائل وغزواتها أن يفطن لذلك.
وشعر الأعشى٬ أعشى بكر٬ في ذي قار٬ ومدحه قومه "بني بكر"٬ شعر مهم للوقوف على
حوادث تلك المعركة وكيف جرت. ولبكير: أصم بني الحارث٬ شعر أيضا يمدح فيه بني شيبان
ويمجد عملهم وفعلهم في هذا اليوم. وقد هجا "أعشى بكر" في قصيدة له عن يوم ذي قار وعن
مقام عشيرته ومكانته فيه تميما وقيس عيلان٬ ثم تعرض لقبائل معد٬ فقال:
لو أن كل معد كان شاركنا في يوم ذي قار٬ما أخطاهم الشرف
ونجد شعرا للعديل بن الفرخ العجلي٬ يفتخر فيه بقومه ويتباهى بانتصارهم على الفرس في هذا
اليوم٬ ويقول:
ما أوقد الناس من نار لمكرمة إلا أصطلينا٬ وكنا موقدي النار
وما يعدون من يوم سمعت به للناس أفضل من يوم بذي قار
جئنا بأسلابهم والخيل عابسة يوم استلبنا لكسرى كل أسوار
وكان هانئ بن قبيصة٬ من أشراف قومه٬ وكان نصرانيا٬ وأدرك الإسلام فلم يسلم٬ ومات بالكوفة.
أما "قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين"٬ فكان سيد قومه في أيامه٬ وذلك قبل
الإسلام. وكان كسرى استعمله على "طف سفوان".
ويذكر بعض أهل الأخبار أن هناك يوما آخر٬ عرف بيوم "ذي قار"٬ وقد وقع أيضا بين العرب
والفرس٬ فانتصر فيه العرب أيضا٬ وقد وقع قبل اليوم المذكور٬ فعرف لذلك بيوم ذي قار الأول٬
وبيوم صيد٬ وبيوم القبة. وكان سببه أن بكر بن وائل أصيبت بسنة "أي قحط" فخرجت حتى نزلت
بذي قار٬ وأقبل حنظلة بن سيار العجلي٬ حتى ضرب قبته بين ذي قار وعين صيد٬ وكان يقال له
"حنظلة القباب" وكانت له قبة حمراء٬ إذا رفعها انضم إليه قومه٬ فأتاهم عامل كسرى على السواد
ليخرجهم منه٬ فأبوا٬ فقاتلهم فهزموه وانتصروا عليه.
وقد نسب إلى "زيد الخيل" شعر٬ زعم انه قاله يذكر إياس بن قبيصة الطائي هو:
أفي كل عام سيد يفقدونه تحكك من وجد عليه الكلاكل ؟
ثم يكون العقل منكم صحيفة كما علقت على السليم الجلاحل ؟
وقد قال "ابن قتيبة الدينوري" في تفسيره: "كان كسرى أرسل إلى مال إياس ليأخذه فنفرت عن

ذلك طيء٬ وقد أراد أن يبطش بأناس منهم. فلما رأى ذلك كسرى٬ كتب لهم كتابا في أمان٬ فقال
زيد شعرا٬ هذان البيتان فيه٬ يحض قومه٬ وينهاهم أن يقبلوا كتابه٬ أو يطمئنوا إلى قوله". وليس
في هذا الشرح كما نرى تفسيرا للسبب الذي دفع كسرى إلى المطالبة بمال إياس. هل كان ذلك
بسبب اختلافه معه٬ أو بسبب آخر. ولا يعقل أن تكون هذه المطالبة في حالة صلح وعلاقات طيبة
بين الجهتين٬ بل لا بد أن تكون عن ظروف سيئة لم يتطرق لها "ابن قتيبة".
وعندي إن هذه الحادثة إن صحت روايتها٬ وجب أن تكون قد وقعت بعد موت "إياس"٬ وتركه
ثروة وأملاكا طائلة٬ فأراد الفرس الاستحواذ عليها٬ وأخذ ما جمعه من مال٬ فحدث ما حدث.
وذكر الأخباريون بعد "إياس" رجلا فارسيا. قالوا انه هو الذي حكم "الحيرة" وملكها في زمن
"أبرويز"٬ وفي زمن شيرويه بن أبرويز٬ وفي زمن أردشير ابن شيرويه٬ وفي زمن بوران بنت
أبرويز٬ وذكروا إن مدة حكمه سبع عشرة سنة أو أقل من ذلك. وسموا هذا الرجل "أزادبه بن
ماهيبيان بن مهرا بنداد" أو "أزاذبه بن يابيان بن مهر بنداذ الهمذاني"٬ أو "آزادبه بن ماهان بن
مهر بنداد الهمذاني" أو "زادويه الفارسي"٬ حكم سبع عشرة سنة٬ من ذلك في زمن كسرى بن
هرمز أربع عشرة سنة وثمانية أشهر٬ وفي زمن شيرويه ين كسرى ثمانية أشهر٬ وفي زمن
أردشير بن شيرويه سنة وسبعة أشهر٬ وفي زمن بوران دخت بنت كسرى شهرا. ولكنهم لم
يذكروا من أمره شيئا٬ فلا نعرف من أعماله أي شيء مع طول مدة حكمه إن صحت رواية
الأخباريين.
وأرى إن "دادويه الفارسي" الذي ذكر "حمزة الأصفهاني" انه كان قد ملك الحيرة٬ هو "زادويه"
المذكور٬ وان النساخ قد أخطأوا في كتابة الاسم فصيروه على هذه الصورة٬ او إن "حمزة" نفسه
قد أخطأ في التسمية٬ أو هو نقلها من كتابين مختلفين أو من مصدر واحد كتبهما بصورتين٬
فشايعه حمزة ولم ينتبه إلى انه صير الأسم الواحد اسمين.
وذكر بعض أهل الأخبار إن الذي حكم بعد "آزاذبه" هو "المنذر بن النعمان ابن المنذر" المعروف
ب "الغرور" أو "المغرور"٬ وهو المقتول بالبحرين يوم جواثا"٬ " فكان ملكه وملك غيره إلى أن
قدم خالد بن الوليد الحيرة ثمانية أشهر". وهو كلام مشكوك فيه. ففي الاخبار أن المنذر لم يحكم
الحيرة٬ وإنما حكم البحرين في أثناء الردة٬ وذلك بأن ربيعة حينما ارتدت عن الإسلام قالت: نرد
الملك في المنذر بن النعمان بن المنذر. فلما حارب المسلمون المرتدين٬ منوا بهزيمة منكرة٬
وسقط المنذر اسيرا في أيدي المسلمين. ويقال إنه أسلم على أثر ذلك٬ وسمى نفسه "المغرور"
بدلاء من "الغرور"٬ وهو اللقب الذي كان يعرف به قبل اسلامه.
ويظهر أن النصرانية كانت هي المتفشية في البحرين وفي بني عبد القيس٬ و قد كان المنذر
الغرور مع المرتدين٬ الذين تركوا الإسلام وعادوا إلى النصرانية بعد دخولهم في الإسلام.
وقد ذكر "الطبري" في حديثه عن يوم المقر وفم فرات بادقلي: أن الذي كان يلي أمر الحيرة هو
"الآزاذبه"٬ وقال فيه: "كان مرزبان الحيرة أزمان كسرى إلى ذلك اليوم". وقد كان من أشراف
الفرس وسادتهم٬ وذكر أيضا: أن قيمة قلنسوته خمسون ألفا٬ وقيمة القلنسوة عند الفرس تدل على
مكانة صاحبها وشأنه عند الساسانيين. وانه لما سمع بدنو "خالد بن الوليد" من الحيرة تهيأ لحربه٬
وقدم ابنه٬ ثم خرج في أثره حتى عسكر خارجا من الحيرة٬ وأمر ابنه بسد الفرات٬ ولكن خالدا
فاجأه وأصاب جيشه فلما بلغ أباه خبر ما حل به٬ هرب من غير قتال٬ وكان عسكره بين الغريين
والقصر الأبيض٬ وتمكن بذلك خالد بن الوليد من فتح الحيرة.
فيفهم من حديث الطبري عن فتح الحيرة أن المنذر بن النعمان لم يكن قد ولي حكمها٬ وأن ما ذكره
من توليه الحكم ثمانية أشهر٬ يناقض ما ذكره هو فيما بعد عن فتح الحيرة وبقية أرض العراق
ويخالف كذلك ما ورد في بقية كتب أهل الأخبار عن فتوح العراق.
وكان ملوك الحيرة مثل غيرهم من الملوك٬ كالغساسنة و الساسانيين والروم٬ يتراسلون مع القبائل
وعمالهم بالبريد. وكانت برد ملوك العرب في الجاهلية الخيل٬ تنطلق في مراحل٬ فإذا بلغ البريد
المرحلة المعينة استراح٬ وتولى البريد الثاني نقل الرسائل إلى المكان المقصود... وبذلك تتم
المراسلات.
وفي كتاب المعارف لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري جاء عن ذي قار قوله:
"يوم ذي قار كان سببه أن النعمان بن المنذر حين هرب من أبرويز استودع هانئ بن مسعود بن
عامر الشيباني عياله ومائة درع٬ فبعث إليه أبرويز في الدروع وفي ابنيه فأبى أن يسلم ذلك
فأغزاه جيشاً فاقتتلوا بذي قار فظفرت بنو شيبان٬ فكان أول يوم انتصرت فيه العرب من العجم"

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالإثنين 02 نوفمبر 2015, 8:10 am

وقعة الأبواء (ودّان)

معركة الأبواء أو غزوة ودان هي أولى المعارك التي خاضها محمد رسول الإسلام، وكانت في شهر صفر سنة 2هـ/ 623 م. في ودّان.

ودان (بفتح الواو وتشديد الدال) موضع يبعد 12 كلم إلى الجنوب الشرقي لمستورة ويبعد عن المدينة 250 كلم.

والأبواء وادي بالحجاز يبعد 28 كلم إلى الشرق من مستورة و 43 كلم عن رابغ، به قبر آمنة أم الرسول صل الله عليه وسلم.

غزوة وَدَّان أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه مرور عِيْر لقريش بالأبواء ووجود بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة في المنطقة ، فخرج لذلك بعد أن استخلف على المدينة سعد بن عبادة رضي الله عنه حتى بلغ " وَدَّان " - وهي قرية جامعة بين مكة والمدينة - ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني ضمرة وادعته هذه القبيلة بواسطة سيدهم مخشي بن عمرو الضَّمْرِيّ على أن لا يغزوهم ولا يغزوه ولا يُكَثِّروا عليه ولا يُعينوا عليه أحدا وكتب بينهم كتابا بذلك ، وفاتته عير قريش فعاد رسول الله صل الله عليه وسلم ولم يلقَ كيدا غير أنه أقام ب " الأبواء " - وهي قرية من أعمال الفُرْع من المدينة بينها وبين الجُحْفَة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا - بقية صفر وعاد في ربيع الأول .

وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة أبيض اللون يحمله عمه حمزة رضي الله عنه ، وكانت غيبته صل الله عليه وسلم عن المدينة خمس عشرة ليلة .

وتُعرف هذه الغزوة ب " غزوة ودان " كما تعرف ب " غزوة الأبواء " لقرب المسافة بينهما .

وقد جاء في تـاريخ الأمم والملوك للطبري (الجزء الثاني) قوله عن غزوة الأبواء (ودّان):

"حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: قدم رسول الله صل الله عليه وسلم المدينة في شهر ربيع الأول لاثنتى عشرة ليلة مضت منه، فأقام بها ما بقي من شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجماديين ورجب وشعبان ورمضان وشوالا وذا القعدة وذا الحجة - وولى تلك الحجة المشركون - والمحرم.

وخرج في صفر غازياً على رأس اثنى عشر شهراً من مقدمه المدينة، لاثنتى عشرة ليلةٍ مضت من شهر ربيع الأول؛ حتى بلغ ودان؛ يريد قريشاً وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة؛ ويه غزوة الأبواء، فوادعته فيها بنو ضمرة؛ وكان الذي وادعه منهم عليهم سيدهم كان في زمانه ذلك مخشى بن عمرو، رجل منهم.

قال: ثم رجع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق كيداً، فأقام بها بقية صفر وصدراً من شهر ربيع الأول.

وبعث في مقامه ذلك عبيدة بن الحارث بن المطلب في ثمانين أو ستين راكباً من المهاجرين؛ ليس فيهم من الأنصار أحدٌ، حتى بلغ أحياء ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة، فلقى بها جمعاً عظيماً من قريش؛ فلم يكن بينهم قتال؛ إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم؛ فكان أول سهم رمي به في الإسلام.

ثم انصرف القوم عن القوم وللمسلمين حاميةٌ، وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان بن جابر حليف بني نوفل بن عبد مناف - وكانا مسلمين؛ ولكنهما خرجا يتوصلان بالكفار إلى المسلمين - وكان على ذلك الجمع عكرمة بن أبي جهل.

قال محمد: فكانت راية عبيدة - فيما بلغني - أول راية عقدها رسول الله صل الله عليه وسلم في الإسلام لأحد من المسلمين.

وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: وبعض العلماء يزعم أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء قبل أن يصل إلى المدينة. قال: وبعث حمزة بن عبد المطلب في مقامه ذلك إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكباً من المهاجرين؛ وهي من أرض جهينة ليس فيهم من الأنصار أحدٌ، فلقى أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلثمائة راكب من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، فكان موادعاً للفريقين جميعاً، فانصرف القوم بعضهم عن بعض، ولم يكن بينهم قتال.

قال: وبعض القوم يقول: كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صل الله عليه وسلم لأحد من الملسمين، وذلك أن بعثه وبعث عبيدة بن الحارث كانا معاً، فشبه ذلك على الناس.

قال: والذي سمعنا من أهل العلم عندنا أن راية عبيدة بن الحارث كانت أول راية عقدت في الإسلام".

وجاء في سيرة ابن هشام لابن هشام قوله:

" قال ‏:‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الإثنين ، حين اشتد الضحاء ، وكادت الشمس تعتدل ، لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول ، وهو التاريخ ، فيما قال ابن هشام ‏.‏ عمره صلى الله عليه وسلم حين الهجرة قال ابن إسحاق ‏:‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة ، وذلك بعد أن بعثه الله عز وجل بثلاث عشرة سنة ، فأقام بها بقية شهر ربيع الأول ، وشهر ربيع الآخر ، وجماديين ، ورجبا ، وشعبان ، وشهر رمضان ، وشوالا ، وذا القعدة ، وذا الحجة - وولي تلك الحجة المشركون - والمحرم ، ثم خرج غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ واستعمل على المدينة سعد بن عبادة ‏.‏ غزوة ودان ، وهي أول غزواته عليه الصلاة والسلام موادعة بني ضمرة و الرجوع من غير حرب قال ابن إسحاق ‏:‏ حتى بلغ وَدّان ، وهي غزوة الأبواء ، يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، فوادعته فيها بنو ضمرة ، وكان الذي وادعه منهم عليهم مخَشيّ بن عمرو الضمري ، وكان سيدهم في زمانه ذلك ‏.‏ ثم رجع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة ، ولم يلق كيدا ، فأقام بها بقية صفر ، وصدرا من شهر ربيع الأول ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ وهي أول غزوة غزاها ‏.‏ سرية عبيدة بن الحارث ، وهي أول راية عقدها عليه الصلاة والسلام.

قال ابن إسحاق ‏:‏ وبعث رسول الله صل الله عليه وسلم ، في مُقامه ذاك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ، ليس فيهم من الأنصار أحد ، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز ، بأسفل ثنيِّة المرة ، فلقي بها جمعا عظيما من قريش ، فلم يكن بينهم قتال ، إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمي يومئذ بسهم ، فكان أول سهم رمي به في الإسلام ‏.‏ من فر من المشركين إلى المسلمين في هذه السرية ثم انصرف القوم عن القوم ، وللمسلمين حامية ‏.‏ وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني ، حليف بني زهرة ، وعتبة بن غزوان بن جابر المازني ، حليف بني نوفل بن عبد مناف ، وكانا مسلمين ، ولكنهما خرجا ليتوصَّلا بالكفار ‏.‏ وكان على القوم عكرمة ابن أبي جهل ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ حدثني ابن أبي عمرو بن العلاء ، عن أبي عمرو المدني ‏:‏ أنه كان عليهم مِكْرز بن حفص بن الأخيف ، أحد بني معيص بن عامر ابن لؤي بن غالب بن فهر" ‏.‏





غزوة بُواط

في شهر ربيع الأول سنة 2 هـ الموافق سبتمبر سنة 623م، خرج فيها رسول الله صل الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه، يعترض عيراً لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش، وألفان وخمسمئة بعير، فبلغ بواطا من ناحية رضوى ولم يلق كيدا‏.‏

واستخلف في هذه الغزوة على المدينة سعد بن معاذ، واللواء كان أبيض، وحامله سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه‏.‏

وأما بواط فبفتح الباء الموحدة وقد تضم وتخفيف الواو وآخره مهملة‏.‏

وبواط جبل من جبال جهينة بقرب ينبع.

ورضوى بفتح الراء وسكون المعجمة مقصور جبل مشهور عظيم بينبع.

ورد في كتاب البداية والنهاية لإبن كثير قوله:

" قال ابن إسحاق‏:‏ ثم غزا رسول الله صل الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول - يعني‏:‏ من السنة الثانية - يريد قريشاً‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ استخلف عليها سعد بن معاذ‏.‏

وكان رسول الله صل الله عليه وسلم في مائتي راكب، وكان لواؤه مع سعد بن أبي وقاص وكان مقصده أن يعترض لعير قريش وكان فيه أمية بن خلف ومائة رجل وألفان وخمسمائة بعير‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى‏".

أما الطبري فقد قال في كتابه "تـاريخ الأمم والملوك" عن غزوة بواط:

" خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مائتين من أصحابه في شهر ربيع الآخر يعني سنة اثنتين يريد قريشًا حتى بلغ بواط من ناحية رضوى وكان في عير قريش أمية بن خلف الجمحي في مائة رجل ومعهم ألفان وخمسمائة بعير فرجع ولم يلق كيدًا وكان يحمل لواء رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ سعد بن أبي وقاص واستخلف على المدينة سعد بن معاذ‏.‏

بواط بفتح الباء الموحدة وبالطاء المهملة"‏.‏

أما ابن الجوزي، فيقول في كتابه "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم":

"خرج إليها رسول الله صل الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول 2 هـ وحمل لواءه سعد بن معاذ وخرج في مائتين من الصحابة يعترض عير قريش .

وكان فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير فبلغ بُواط - وهي جبال جُهينة من ناحية رضوى وهو قريب من ذي خُشب مما يلي طريق الشام وبين بواط والمدينة نحو من أربعة برد .

فلم يلق كيدًا فرجع إلى المدينة‏.‏




غزوة العُشَيْرة

معركة العشيرة أو غزوة العشيرة ويقال بالسين المهملة ويقال العشيراء، خرج محمد رسول الإسلام بنفسه في أثناء جمادى الأولى السنة الثانية للجهزة حتى بلغها وهي مكان ببطن ينبع وأقام هناك بقية الشهر وليالي من جمادى الآخرة ثم رجع ولم يلق كيدا. وكان استخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد وفي صحيح مسلم من حديث أبي إسحاق السبيعي قال قلت لزيد بن أرقم كم غزا محمد، قال تسع عشرة غزوة أولها العشيرة أو العشيراء .

جاء في كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

كانت غزاة ذي العشيرة في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرًا من الهجرة وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم في خمسين ومائة راكب - وقيل‏:‏ في مائتين - من المهاجرين ولم يكره أحدًا على الخروج واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد ومضى يعترض لعير قريش وكانوا قد بعثوا فيها أموالهم فبلغ ذا العشيرة - وهي لبني مُدْلِج بناحية يَنبُع وبينها وبين المدينة تسعة بُرُد ففاتته العير وهي العير التي رجعت من الشام فخرج لطلبها وخرجت قريش تمنعها فكانت وقعة بدر وبذي العشيرة كَنَى عليًا‏:‏ أبا تراب لأنه رآه نائمًا على التراب فقال‏:‏ ‏"‏ اجلس أبا تراب ‏"‏‏.‏

وقد روي أن ذلك كان بالمدينة رآه نائمًا في المسجد على التراب‏.‏

وفي غزاة ذي العشيرة وادع مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع ولم يلق كيدًا‏".‏

وقال الطبري في "تـاريخ الأمم والملوك":

"غزا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غزوة العشيرة من ينبع في جمادي الأولى يريد قريشًا حين ساروا إلى الشام فلما وصل العشيرة وادع بني مدلج وحلفاءهم من مضرة ورجع ولم يلق كيدًا واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد وكان يحمل لواءه حمزة وفي هذه الغزوة كنى النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ عليًا أبا تراب في قول بعضهم‏".‏



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:41 am

غزوة سفوان

(بدر الأولى)

غزوة سفوان، و يطلق عليها اسم غزوة بدر الأولى. حين قدم نبي الإسلام محمد من غزوة العشيرة لم يقم بالمدينة الا ليالي لم تبلغ العشرة حتى غزا وخرج خلف كرز بن جابر الفهرى وقد اغار قبل أن يسلم على سرح المدينة اي النعم والمواشي التي تسرح للمرعى بالغداة، خرج في طلبه حتى بلغ واديا يقال له سفوان بالمهملة والفاء ساكنة وقيل مفتوحة من ناحية بدر، لذا قيل لها غزوة بدر الأولى. وفاته كرز ولم يدركه وكان قد استعمل على المدينة زيد بن حارثة وحمل اللواء.

جاء في "معجم البلدان" لياقوت الحموي قوله:

"وسفوان أيضاَ واد من ناحية بدر. قال ابن إسحاق ولما أغار كُرز بن جابر الفهري على لقاح  رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سرح المدينة خرج رسول الله صل الله عليه وسلم حتى بلغ وادياً يقال له سَفَوَان من ناحية بدر ففاته كُرز ولم يدركه وهي غزوة بدر الأولى في جمادى الأولى سنة اثنتين، وقال النابغة الجعدي يذكر سفوان وما أراها إلا سفوان البصرة".

وقال ابن كثير في كتاب "البداية والنهاية":

"قال ابن إسحاق‏:‏ ثم لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من العشيرة إلا ليال قلائل لا تبلغ العشرة، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله صل الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ وادياً يقال له‏:‏ سفوان من ناحية بدر، وهي غزوة بدر الأولى، وفاته كرز فلم يدركه‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ وكان لواؤه مع علي بن أبي طالب‏.‏

قال ابن هشام والواقدي‏:‏ وكان قد استخلف على المدينة زيد بن حارثة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فرجع رسول الله صل الله عليه وسلم فأقام جمادى ورجباً وشعبان وقد كان بعث بين يدي ذلك سعداً في ثمانية رهط من المهاجرين، فخرج حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ ذكر بعض أهل العلم أن بعث سعد هذا كان بعد حمزة، ثم رجع ولم يلق كيداً‏."‏







معركة بدر الكبرى

غزوة بدر الكبرى هي معركة وقعت في 13 مارس 624 م - 17 رمضان 2 للهجرة بين المسلمين بقيادة النبي وبين قريش بقيادة عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي المعروف بأبي جهل عند آبار بدر في جنوب المدينة وانتهت بانتصار المسلمين ومقتل سيد قريش عمرو بن هشام بن المغيرة المخزوميٍ.

أما اسباب معركة بدر فهو اعتراض المسلمون قافلة أبي سفيان القادمة من الشام، وكان السبب الذي دفع المسلمون لاعتراض القافلة هو استرجاع اموالهم التي نهبتها منهم قريش قبل واثناء هجرتهم الى المدينة، لان اغلب المهاجرين تركوا اموالهم في مكة او اخذها منهم قريش بالقوة.

وصل الخبر للمسلمين بأن قافلة أبو سفيان بن حرب قدمت من الشام، وتحمل أموال وتجارة لقريش، و قُدّر عدد الرجال بها ما بين ثلاثين إلى أربعين رجلا من قريش، منهم مخرمة بن نوفل، وعمرو بن العاص‏‏ فلما وصل الخبر للنبي ندب المسلمين إليهم، وقال ‏‏:‏‏ هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله يُنْفِلُكُموها‏‏.‏‏

فبدأ الناس يستعدون للإنطلاق، البعض جهز سلاحا والبعض الأخر لم يجهز سلاح بل وسيلة نقل من ناقة وخلافه، إذ أنهم لم يعتقدوا بإحتمالية قيام الحرب.‏‏

وكان أبو سفيان حينما اقترب من الحجاز يتحسس الأخبار ممن كان يلقى من المسافرين والقوافل، تخوفا على أموال قريش من المسلمين‏‏.‏‏ ووصله من بعض المسافرين‏‏ أن محمد قد استنفر المسلمين للقافلة، فأخذ حذره، واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، ليستنفر قريش للدفاع عن أموالهم، وليخبرهم بأن محمدا قد يهاجم القافلة‏‏.‏‏ فإنطلق ضمضم سريعا إلى مكة.

ما أن وصل ضمضم مكة حتى جدع بعيره، وحوّل رحله، وشق قميصه، ووقف فوق بعيره ببطن الوادي وهو يصرخ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، اللطيمةَ اللطيمةَ، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوثَ الغوثَ.

بدأت قريش بتجهيز سلاحها ورجالها للقتال، وعند بدء التحرك تخوف البعض بسبب الحرب بين قريش وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة، إذ إعتقدوا ان يغدر بهم بنو بكر وهم منشغلون بملاقاة المسلمين. فقال سراقة بن مالك بن ‏جعشم المدلجي، وهو أحد أشراف بني كنانة‏‏:‏‏ أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه.

إنطلق المسلمون من المدينة بإتجاه مكة، مرورا بنقب المدينة، ثم على العقيق، ثم على ذي الحليفة، ثم على أولات الجيش (وقيل أم إسمها ذات الجيش). ‏‏ثم مر على تُرْبان، ثم على ملل، ثم غَميس الحمام من مريين، ثم على صخيرات اليمام، ثم على السيَّآلة، ثم على فج الروحاء، إلى أن وصلو إلى عرق الظبية.

ثم أكمل المسلمون طريقهم فمروا بسجسج، وهي بئر الروحاء، ثم وصلوا المنصرف، هنالك تركوا طريق مكة بيسار، واتجهوا يمينا من خلال النازية بإتجاه بدر، إلى أن وصلوا وادي‏‏ رُحْقان، وهو وادٍ بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم وصلوا إلى المضيق، إلى أن إقتربوا من قرية الصفراء.

هنا بعث محمد صل الله عليه وسلم بسبس بن الجهني ،(من بني ساعدة) ، وعدي بن أبي الزغباء الجهني، (من بني النجار)، بمهمة استكشافية إلى بدر ليحضرا له أخبار قافل أبي سفيان بن حرب. لدى وصول المسلمون قرية الصفراء، وهي تقع بين جبلي ، سأل محمد عن اسم الجبلين وعن أهل القرية، فأخبروه بأن الجبلين أحدما يطلق عليه اسم مسلح والآخر مخرىء، أما أهل القرية فهم بنو النار وبنو حراق، بطنان من بني غفار ، فكره المرور بينهم‏‏.‏‏ ثم تركهم و إتجه نحو اليمين إلى واد‏‏ ذَفِران.

وصل خبر خروج جيش المشركين إلى المسلمين، ولم يكن خروج المسلمين لقتال المشركين هو خيار مطروح في الأصل، بل كان الخروج من أجل الغنيمة بالقافلة. كما أن الأنصار في بيعة العقبة إشترطوا حماية النبي محمد صلي الله عليه وسلم في المدينة فقط وتبرؤا من ذلك حتى دخوله اليهم في المدينة.

وصل المشركون إلى بدر، وقام المسلمون بردم أبار بدر بعد أن استولوا عليه وشربوا منه - حتى لا يتمكن المشركون من الشرب منه . وقبل أن تبدأ المعركة ، تقدم ثلاثة من رجال قريش وهم : عتبة بن ربيعة ، وأخوه شيبة ، وولده الوليد يطلبون من يبارزهم من المسلمين . فتقدم ثلاثة من الأنصار ، فصرخوا بهم قائلين : " يا محمد ، أخرج إلينا نظراءنا من قومنا من بني عمنا" فقدم الرسول عليه الصلاة والسلام عبيدة بن الحارث ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب . فبارز حمزة شيبة فقتله ، وبارز علي الوليد فقتله ، وبارز عبيدة عتبة فجرحا بعضهما ، فهجم حمزة وعلي على عتبة فقتلاه . واشتدت رحى الحرب وانتهت المعركة بنصر المسلمين وهزيمة المشركين.

وجاء في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (المجلد الثالث)  عن معركة بدر قوله:

" غزاة بدر وكانت في صبيحة سبعة عشر يومًا من رمضان يوم الجمعة‏.‏

وقيل‏:‏ تسعة عشر‏.‏

والأول أصح‏.‏

قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا الفضل بن دكين قال‏:‏ أخبرنا زكريا عن عامر‏:‏ أن بدرًا إنما كانت لرجل يدعى بدرًا يعني‏:‏ بئرًا‏.‏

قال‏:‏ وقال الواقدي وأصحابنا من أهل المدينة ومَنْ يروي السيرة يقولون‏:‏ بدر اسم الموضع‏.‏

وكان الذي هاج هذه الوقعة وغيرها من الحروب بين رسول الله صل الله عليه وسلم وبين المشركين قتل عمرو بن الحضرمي‏.‏

فتحين رسول الله صلى الله عليه وسلم انصراف العير فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج وكان قد ندب أصحابه وأخبرهم بما مع أبي سفيان من المال مع قلة عدده فخرج أقوام منهم لطلب الغنيمة وقعد آخرون لم يظنوا أن رسول الله صل الله عليه وسلم يلقى حربًا فلم يلمهم لأنه لم يخرج لقتال وكان خروجه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان وقيل لثلاثٍ خلون من رمضان - على رأس تسعة عشر شهرًا من الهجرة واستخلف على المدينة عمرو بن أم مكتوم وخرجت معه الأنصار ولم يكن غزا بأحدٍ منهم قبلها وضرب عسكره ببئر أبي عتبة على ميل من المدينة يعرضُ أصحابه وردَ مَنْ استصغر وخلف عثمان على رقية وكانت مريضة وبعث طلحة وسعيدًا على ما ذكر فقدما وقد فاتت بدر وخلًف أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة وعاصم بن عدي على أهل العالية والحارث بن حاطب رَدًه من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم والحارث بن الضفة كُسر بالروحاء‏.‏

وخوات بن جبير كُسر أيضًا وكل هؤلاء ضربَ له سَهْمَهُ وأجره وكانت الإبل مَعهُ سبعين يتعاقب النفير على البعير وكانت الخيل فَرَسَين‏:‏ فرس للمقداد وفرس لمرثد بن أبي مرثد‏.‏

وفي رواية‏:‏ وفرس للزبير‏.‏

وقد روى زر عن ابن مسعودٍ قال‏:‏ كنا يوم بدرٍ كل ثلاثة على بعير وكان أبو لبابة وعلي زميلي رسول الله صل الله عليه وسلم قالا‏:‏ اركب حتى نمشيِ عنك‏.‏

فيقول‏:‏ ‏"‏ ما أنتما بأقوى قال العلماء‏:‏ وقَدَم رسول الله صل الله عليه وسلم عينين له إلى المشركين‏:‏ بَسبَس بن عمرو وعدي بن أبي الزَغباء‏.‏

وجعل على الساقة‏:‏ قيس بن أبي صعصعة فلما بلغ أبا سفيان خروج رسول الله صل الله عليه وسلم ليأخذ ما معَهُ استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة ليستنفر قريشًا لأجل أموالهم فخرج ضمضم سريعًا‏.‏

وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فأخبرت بها أخاها العباس وأمرته أن يكتم ذلك‏.‏

قالت‏:‏ رأيت راكبًا على بعيرٍ له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته‏:‏ أن انفروا يا أهل غُدَر لمصارعكم في ثلاث‏.‏

فاجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينا هم حوله مُثِل به بعيره على ظهر الكعبة يصرخ بأعلى صوته‏:‏ انفروا يا أهل غُدرَ لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل أرفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلت منها فلقة‏.‏

فقال لها العباس‏:‏ اكتميها‏.‏

ثم لقي الوليد بن عتبة - وكان صديقًا له - فذكرها له واستكتمه فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش‏.‏

فقال العباس‏:‏ فلقيني أبو جهل فقال‏:‏ يا أبا الفضل متى حدثت فيكم هذه النبوة قلت‏:‏ وما ذاك قال‏:‏ الرؤيا التي رأت عاتكة‏.‏

قلت‏:‏ وما رأت قال‏:‏ يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبى رجالكم حتى تتنبى نساؤكم‏!‏ وقد زعمت عاتكة أنه قال‏:‏ انفروا في ثلاث فنتربص بكم هذه الثلاث فإن يكن ما قالت حقًا فسيكون وإن مضى الثلاث ولم يكن من ذلك شيء فنكتب عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيت في العرب‏.‏

قال العباس‏:‏ فجحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئًا ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت‏:‏ أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لما قد سمعت فقلت‏:‏ قد والله فعلت ذلك وأيم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفيتكموه‏.‏

قال‏:‏ فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرض له ليعود لبعض ما قال فأقع فيه إذ خرج نحو باب المسجد يشتد فقلت في نفسي‏:‏ ما له لعنه الله أكُل هذا فَرقًا من أن أشاتمه وإذا هو قد سمع ما لم أسمع‏:‏ صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره قد جُدع بعيره وشُق قميصه وهو يقول‏:‏ يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه لا أرى أن تدركوها الغوث الغوث‏.‏

قال‏:‏ فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر فتجهز الناس سراعًا وقالوا‏:‏ يطن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي كلا والله ليعلمن غير ذلك‏.‏

وكانوا بين رجلين‏:‏ إما خارج وإما باعث مكانه رجلًا وأوعبت قريش ولم يتخلف من أشرافها أحد إلا أن أبا لهبِ بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة وكان أمية بن خلف شيخًا ثقيلًا فأجمع القعوَد فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها نار فوضعها بين يديه ثم قال له‏:‏ استجمر فإنما أنت من النساء قال‏:‏ قَبحَك الله وقبح ما جئت به‏.‏

ثم تجهز وخرج مع الناس فلما أجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين كنانة فقالوا‏:‏ نخشى أن يأتونا من خلفنا‏.‏

فتبدى لهم إبليس في صورة مالك بن جعشم وكان من أشراف كنانة فخرجوا سراعًا معهم القيان والدفوف وكانوا تسعمائة وخمسين مقاتلًا وكانت خيلهم مائة فرس‏.‏

وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن ثم قام المقداد فقال‏:‏ امض يا رسول الله لما أمرك الله فنحن معك والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ ‏{‏اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون‏}‏ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من قال ابن إسحاق‏:‏ ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أيها الناس أشيروا علي ‏"‏ وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم قالوا حين بايعوه بالعقبة‏:‏ إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع به نساءنا وأبناءنا‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد بن معاذ‏:‏ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ أجل ‏"‏ قال‏:‏ فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك عهودنا على السمع والطاعة فامض لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا إنا لصُبُر عند الحرب صدق عند اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقربه عينك فسر بنا على بركة الله تعالى‏.‏

فسُر رسول الله صل الله عليه وسلم بقول سعدٍ ونشطه ذلك ثم قال‏:‏ ‏"‏ سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ‏"‏‏.‏

ثم سار حتى نزل قريبًا من بدر فنزل هو ورجل من أصحابه حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ‏:‏ لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إذا أخبرتنا أخبرناك ‏"‏ فقال‏:‏ وذاك بذاك فقال‏:‏ ‏"‏ نعم ‏"‏‏.‏

قال الشيخ‏:‏ فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدقني الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان الذي حدثني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به قريش - فلما خبًوه قال‏:‏ ممن أنتما فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ نحن من ماء ‏"‏ وانصرف‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ أوهمه رسول الله صل الله عليه وسلم أنه من العراق وكان العراق يسمى‏:‏ ماء وإنما أراد به‏:‏ خُلق من نطفة ماء‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون له الخبر فأصابوا راوية لقريش فيها‏:‏ أسلم غلام بني الحجاح وعرباص أبو سيار غلام بني العاص بن سعيد فأتوا بهما رسول الله صل الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فسألوهما فقالوا‏:‏ نحن سقاة قريش بعثوا بنا لنسقيهم من الماء‏.‏

فرجى القوم أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما فقالا‏:‏ نحن لأبي سفيان فتركوهما فلما قضى رسول الله صل الله عليه وسلم صلاته قال‏:‏ إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما صدقا والله إنهما لقريش أخبراني‏:‏ أين قريش قالوا‏:‏ هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل‏.‏

قال‏:‏ كم القوم ‏"‏ قالا‏:‏ كثير‏.‏

قال‏:‏ كم عدتهم قالا لا ندري‏.‏

قال‏:‏ أكم ينحرون‏!‏ قالا‏:‏ يومًا تسعًا ويومًا عشرًا‏.‏

قال‏:‏ القوم ما بين التسعمائة إلى الألف قال‏:‏ فمن منهم من أشراف قريش ‏"‏ قالا‏:‏ عتبة وشيبة وأبو البختري وحكيم بن حزام والحارث بن عامر وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود وأبو جهل وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود‏.‏

فأقبل رسول الله صل الله عليه وسلم على الناس فقال‏:‏ ‏"‏ هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ‏"‏‏.‏

وأما أبو سفيان فإنه أسرع بالعير على طريق الساحل وأقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال‏:‏ إني رأيت فيما يرى النائم أو أني بين النائم واليقظان إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال‏:‏ قتل عتبة وشيبة وأبو الحكم بن هشام وأمية وفلان وفلان - فعدً رجالًا ممن قُتِلَ يومئذ من أشراف قريش - ورأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه‏.‏

قال‏:‏ فبلغت أبا جهل فقال‏:‏ وهذا أيضًا نبي آخر من بني عبد المطلب سيعلم غدًا من المقتول إن نحن التقينا‏.‏

ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش‏:‏ أنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم وقد نجاها الله فارجعوا‏.‏

فقال أبو جهل بن هشام‏:‏ والله لا نرجع حتى نرد بدرًا - ركان بدر موسمًا من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام - فنقيم عليه ثلاثًا وننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا فامضوا‏.‏

فقال الأخنس بن شريق‏:‏ يا بني زهرة قد نجا الله أموالكم فارجعوا ولا تسمعوا ما يقول هذا فرجعوا ولم يشهدها زهريٌ‏.‏

وبلغ أبا سفيان قول أبي جهل فقال‏:‏ واقوماه هذا عمل عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - ثم لحق المشركين فمضى معهم فجُرِحَ يوم بدرٍ جراحات وأفلت هاربًا على قدميه ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبعث الله عز وجل السماء وكان الوادي دهسًا فأصاب رسول الله صل الله عليه وسلم ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير وأصاب قريش منها ماء لم يقدروا على أن يرتحلوا معه‏.‏

فخرج رسول الله صل الله عليه وسلم يُبَادِرُهُمْ إلى الماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به‏.‏

فحُدثت عن رجال من بني سلمة‏:‏ أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت هذا المنزل أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره أم هو الرأي في الحرب قال‏:‏ ‏"‏ بلْ هو الرأي بالحرب ‏"‏ فقال‏:‏ يا رسول الله صل الله عليه وسلم فإن هذا ليس لك بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما سواه من القُلُب ثم نبني عليه حوضًا فنملأه ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون‏.‏

فنزل جبريل فقال‏:‏ الرأي ما أشار به الحباب‏.‏

فنهض ومَنْ معه حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه وأمر بالقلب فَغُورَتْ وبنى حوضًا على القليب الذي كان عليه ثم قذفوا فيه الأنية‏.‏

فحدثني عبد الله بن أبي بكر‏:‏ أن سعد بن مُعَاذ قال‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبني لك عريشًا من جريد فتكون فيه وتُعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمَنْ وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حُبًا لك منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك فدعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وبُنِيَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشٌ فكان فيه ثم أقبلت قريش فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحاربك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني ‏"‏‏.‏

فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام على فرس له فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ دعوهم ‏"‏‏.‏

فما شرب منهم رجل إلا أسر أو قتل إلا حكيم بن حزام فإنه نجا على فرس له ثم أسلم فكان يقول إذا حلف‏:‏ لا والذي نجاني يوم بدر‏.‏

فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهبِ اللخمي فقالوا‏:‏ أحرز لنا أصحاب محمد فجال بفرسه نحو العسكر ثم رجع فقال‏:‏ ثلاثمائة رجل يزيدون قليلًا أو ينقصون ولكن أمهلوني حتى أنظر القوم كمين فضرب في الوادي حتى أبعده فلم ير شيئًا فرجع فقال‏:‏ ما رأيت شيئًا ولكني قد رأيت يا معشر قريش الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل منكم رجالًا فإذا أصابوا أعدادهم فما خير في العيش بعد ذلك فردوا رأيكم‏.‏

فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى إلى عتبة فقال‏:‏ يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها هل لك في أن لا تزال تذكر بخير أ إلى آخر الدهر قال‏:‏ وما ذاك يا حكيم قال‏:‏ تَرْجع بالنَاس وتَحْمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي‏.‏

قال‏:‏ قد فعلتُ‏.‏

أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني عمامة بن عمرو السهمي عن مسور بن عبد الملك اليربوعي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن حكيم بن حزام قال‏:‏ خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها وهي‏:‏ زهرة فلم يشهد أحدٌ من مشركيهم بدرًا ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة فجئت عتبة بن ربيعة فقلت‏:‏ يا أبا الوليد هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت قال‏:‏ أفعل ماذا قلت‏:‏ إنكم لا تطلبون من محمدٍ إلا دم الحضرمي وهو حليفك فتحمل بديته وترجع بالناس‏.‏

فقال لي‏:‏ فأنت وذاك فأنا أتحمل بدية حليفي فاذهب إلى ابن الحَنْظلية - يعني‏:‏ أبا جهل - فقل له‏:‏ هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك فجئته فإذا هو بجماعة من بين يديه ومن ورائه وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول‏:‏ فسخت عقدي من بني عبد شمس وعقدي إلى بني مخزوم‏.‏

فقلت له‏:‏ يقول لك عتبة‏:‏ هل لك أن ترجع بالناس عن ابن عمك قال‏:‏ أما وجد رسولًا غيرك فخرجت أبادر إلى عتبة وعتبةُ متكئ على إيماء بن رَخَصة وقد أهْدَى إلى المشركين عشر جزائر فطلع أبو جهل والشر في وجهه فقال لعتبة‏:‏ انتفخ سَحْرُك‏!‏ فقال له عتبة‏:‏ ستعلم‏!‏ فسَل أبو جهل سيفَه فضرب به متن فرسه فقال إيماء بن رخصة‏:‏ بئس الفأل هذا فعند ذلك قامت الحربُ‏.‏

أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدَثني أبي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق قال‏:‏ سمعت حارثة بن مضرب يحدث عن علي رضي الله عنه قال‏:‏ لقد رأيتنا ليلة بدر وما منا إنسان إلا نائم إلا رسول الله صل الله عليه وسلم فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح وما كان منا فارسٌ يوم بدر غير المقداد بن الأسود‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقام عتبة خطيبًا فقال‏:‏ يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا فوالله لئن أصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجالًا من عشيرته فارجعوا أو خلُوا بينِ محمد وسائر العرب فإن أصابوه فذاك الذي أردتم فإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تَعَرَضُوا منه لما تريدون‏.‏

قال حكيم‏:‏ وجئت إلى أبي جهل فوجدته قد نَثَل دِرْعًا له من جرابها فهو يهيئها فقلت‏:‏ إن عتبة أرسلني بكذا وكذا فقال‏:‏ انتفخ والله سَحْرُه حين رأى محمدًا كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمدٍ وما بعتبة ما قال لكنه قد رأى محمدًا وأصحابه أكلَةَ جَزور وفيهم ابنه فقد تَخوفكم عليه - يعني أبا حذيفة بن عتبة وكان قد أسلم - ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال له‏:‏ هذا حَلِيفُك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد مقتل أخيك‏.‏

فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ‏:‏ واعَمْراه فحميت الحرب وطلب عتبة بَيْضَة يدخلها رأسه فما وجد في الجيش بيضة تمنعه من عظم رأسه فاعتَجَز ببُرْدٍ له‏.‏

وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم الألوية فكان لواء رسول الله صل الله عليه وسلم الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ وجعل شعار المهاجرين‏:‏ يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج‏:‏ يا بني عبد الله وشعار الأوس‏:‏ يا بني عبيد الله‏.‏

وقيل‏:‏ كان شعار الكل‏:‏ يا منصور أمت‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:44 am

تابع ....
معركة بدر الكبرى

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس ويزيد ابن رومان، عن عروة، قال: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي، والله لقد رأيت الليلة رؤيا لقد أفظعتني، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة، فاكتم علي ما أحدثك به قال لها: وما رأيت ؟ قالت: رأيت راكباً أقبل على بعيرٍ له حتى وقف بالأبطح. ثم صرخ بأعلى صوته: أن انفروا با آل غدر لمصارعكم في ثلاث ! فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينا هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة، ثم صرخ بأعلى صوته بمثلها: أن انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ! ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها ، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقى بيت من بيوت مكة، ولا دارٌ من دورها إلا دخلت منها فلقة.

قال العباس: والله إن هذه الرؤيا رأيت فاكتميها ولا تذكريها لأحد.

ثم خرج العباس فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة - وكان له صديقاً - فذكرها له واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث؛ حتى تحدثت به قريش في أنديتها.

قال العباس: فغدوت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعودٌ يتحدثون برؤيا عاتكة؛ فلما رآني أبو جهل، قال: يا أبا الفضل؛ إذا فرغت من طوافك فأقبل علينا. قال: فلما فرغت أقبلت إليه حتى جلست معهم، فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطلب، متى حدثت فيكم هذه النبية ! قال: قلت: وما ذاك ؟ قال: الرؤيا التي رأت عاتكة، قال: قلت: وما رأت ؟ قال: يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم، حتى تنبأ نساؤكم ! قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث ! فسنتربص بكم هذه الثلاث؛ فإن يكن ما قالت حقاً فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء؛ نكتب عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيتٍ في العرب.

قال العباس: فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئاً. قال: ثم تفرقنا؛ فلما أمسيت لم تبق امرأةٌ من بني المطلب إلا أتتني، فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع؛ ثم لم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت ! قال: قلت: قد والله فعلت؛ ما كان مني إليه من كبيرٍ ، وايم الله لأتعرضن له؛ فإن عاد لأكفينكموه.

قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة، وأنا حديد مغضب، أرى أن قد فاتني منه أمرٌ أحب أن أدركه منه.

قال: فدخلت المسجد فرأيته؛ فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به - وكان رجلاً خفيفاً حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر - إذ خرج نحو باب المسجد يشتد. قال: قلت: في نفسي: ما له لعنه الله ! أكل هذا فرقاً من أن أشائمه! قال: وإذا هو قد سمع ما لم أسمع؛ صوت ضمضم بن عمرو الغفاري، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره، قد جدع بعيره، وحول رحله، وشق قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة ! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث ! قال: فشغلني عنه شغله عني ما جاء من الأمر. فتجهز الناس سراعاً، وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي ! كلا والله ليعلمن غير ذلك. فكانوا بين رجلين: إما خارج، وإما باعث مكانه رجلاً، وأوعبت قريش فلم يتخلف من أِشرافها أحدٌ؛ إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب تخلف، فبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكان لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه، أفلس بها، فاستأجره بها على أن يجزى عنه بعثه، فخرج عنه وتخلف أبو لهب.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، أن أمية بن خلف كان قد أجمع القعود، وكان شيخاً جليلاً ثقيلاً، فأتاه عقبة بن أبي معيط، وهو جالس في المسجد بين ظهري قومه بمجمرة يحملها، فيها نار ومجمر، حتى وضعها بين يديه، ثم قال: يا أبا علي، استجمر، فإنما أنت من النساء، قال: قبحك الله وقبح ما جئت به ! قال: ثم تجهز مع الناس، فلما فرغوا من جهازهم، وأجمعوا السير؛ ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب، فقالوا: إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق، وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، قال: لما أجمعت قريش المسير، ذكرت الذي بينها وبين بني بكر؛ فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعثم المدلجي - وكان من أشراف كنانة - فقال: أنا جارٌ لكم من أن يأتيكم كنانة بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعاً.

قال أبو جعفر: وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم - فيما بلغني عن غير ابن إسحاق - لثلاث ليال خلون من شهر رمضان في ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً من أصحابه؛ فاختلف في مبلغ الزيادة على العشرة.

فقال بعضهم، كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً.

ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن أصحاب بدر يوم بدر كعدة أصحاب طالوت، ثلثمائة رجل وثلاثة عشر رجلاً؛ الذين جاوزوا النهر؛ فسكت.

حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا أبو مالك الجنبي، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلاً؛ وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلاً، وكان صاحب راية رسول الله صل الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة.

وقال آخرون: كانوا ثلثمائة رجل وأربعة عشر، من شهد منهم، ومن ضرب بسهمه وأجره؛ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق.

وقال بعضهم: كانوا ثلثمائة وثمانية عشر.

وقال آخرون: كانوا ثلثمائة وسبعة.

وأما عامة السلف، فإنهم قالوا: كانوا ثلثمائة رجل وبضعة عشر رجلاً.

ذكر من قال ذلك: حدثنا هارون بن إسحاق، قال: حدثنا مصعب بن المقدام، وحدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قالا: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر - ولم يجز معه إلا مؤمن - ثلثمائة وبضعة عشر .

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كنا نتحدث أن أصحاب النبي صل الله عليه وسلم كانوا يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً، على عدة أصحاب طالوت؛ من جاز معه النهر؛ وما جاز معه إلا مؤمنٌ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي؛ عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، بنحوه.

حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد ابن المغيرة، عن مسعر، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: عدة أهل بدر عدة أصحاب طالوت.

حدثني أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مسعر، عن أبي إسحاق ،عن البراء، مثله.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت، وكان أصحاب نبي الله صل الله عليه وسلم يوم بدر ثلثمائةً وبضعة عشر رجلاً.

حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: خلص طالوت في ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً؛ عدة أصحاب بدر.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كان مع النبي صل الله عليه وسلم يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً.

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة أخا بني مازن بن النجار، في ليالٍ مضت من شهر رمضان؛ فسار حتى إذا كان قريباً من الصفراء، بعث بسبس بن عمرو الجهني، حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر، يتحسسان له الأخبار عن أبي سفيان بن حرب وعيره، ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قدمهما؛ فلما استقبل الصفراء - وهي قرية بين جبلين - سأل عن جبليهما: ما أسماءهما ؟ فقالوا لأحدهما: هذا مسلح؛ وقالوا للآخر: هذا مخرىء، وسأل عن أهلهما، فقالوا: بنو النار وبنو حراق بطنان من بني غفار، فكرههما رسول الله صل الله عليه وسلم والمرور بينهما، وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهاليهما؛ فتركهما والصفراء بيسار، وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران؛ فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل.

وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار النبي صل الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر رضي الله عنه، فقال فأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو، فقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله، فنحن معك؛ والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون "؛ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.

فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم خيراً، ودعا له بخير.

حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى، قال: حدثنا المخارق، عن طارق، عن عبد الله بن مسعود، قال: لقد شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الأرض من شيء؛ كان رجلاً فارساً، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا غضب احمارت وجنتاه، فأتاه المقداد على تلك الحال، فقال، أبشر يا رسول الله، فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اذهب أن وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون "، ولكن والذي بعثك بالحق لنكونن من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، أو يفتح الله لك.

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أيها الناس - وإنما يريد الأنصار؛ وذلك أنهم كانوا عدد الناس؛ وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله؛ إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا؛ نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصرته؛ إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم - فلما قال ذلك رسول الله صل الله عليه وسلم، قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ! قال: أجل، قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا؛ على السمع والطاعة، فامضي يا رسول الله لما أردت؛ فوالذي بعثك بالحق إن اسعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك؛ ما تخلف منا رجلٌ واحد؛ وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ! إن لصبرٌ عند الحرب؛ صدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك؛ فسر بنا على بركة الله.

فسر رسول الله صل الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: سيروا على بركة الله، وأبشروا؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين؛ والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.

ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران، فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر، ثم انحط منها على بلد يقال لها الدبة، وترك الحنان بيمين؛ - وهو كثيب عظيم كالجبل - ثم نزل قريباً من بدر، فركب هو ورجلٌ من أصحابه - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان - حتى وقف على شيخ من العرب؛ فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه، وما بلغه عنهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أخبرتنا أخبرناك؛ فقال: وذاك بذاك ! قال: نعم، قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدقني الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا؛ فإن كان الذي حدثني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به قريش - فلما فرغ من خبره، قال: ممن أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء، ثم انصرف عنه. قال: يقول الشيخ: ما من ماءٍ، أمن ماء العراق ! ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه؛ فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص، في نفرٍ من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون له الخبر عليه - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال، حدثنا محمد بن إسحاق، كما حدثني يزيد بن رومان، عن عرورة بن الزبير - فأصابوا راويةً لقريش فيها أسلم؛ غلام بني الحجاج، وعريض أبو يسار، غلام بني العاص بني سعيد؛ فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي؛ فسألوهما، فقالا: نحن سقاة قريش؛ بعثونا لنسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما، فلما أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجد سجدتين، ثم سلم، فقال: إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما ! صدقا والله ! إنهما لقريش؛ أخبراني: أين قريش ؟ قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب: العقنقل - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما: كم القوم ؟ قالا: كثيرٌ، قال: ما عدتهم ؟ قالا: لا ندري، قال: كم ينحرون كل يوم ؟ قالا: يوماً تسعاً ويوماً عشراً، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: القوم ما بين التسعمائة والألف.

ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فيهم من أشراف قريش ؟ قال: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنضر بن الحارث بن كلدة، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل ابن هشام، وأمية بن خلف ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود. فأقبل رسول الله صل الله عليه وسلم على الناس، فقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.

قالوا: وقد كان بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء مضيا حتى نزلا بدراً، فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شناً يستقيان فيه - ومجدى بن عمرو الجهنى على الماء - فسمع عدى وبسبس جاريتين من جواري الحاضر؛ وهما تتلازمان على الماء؛ والملزومة تقول لصاحبتها: إنما تأتي العير غداً أو بعد غد، فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك. قال: مجدى: صدقت، ثم خلص بينهما؛ وسمع ذلك عدى وبسبس، فجلسا على بعيرهما، ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صل الله عليه وسلم، فأخبراه بما سمعا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:46 am

تابع ....
معركة بدر الكبرى

وأقبل أبو سفيان قد تقدم العير حذراً حتى ورد الماء، فقال لمجدى بن عمرو: هل أحسست أحداً ؟ قال: ما رأيت أحداً أنكره؛ إلا أنى رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما؛ ثم انطلقا. فأتى أبو سفيان مناخهما، فأخذ من أبعار بعيريهما ففته؛ فإذا فيه نوى. فقال: هذه والله علائف يثرب ! فرجع إلى أصحابه سريعاً، فضربة وجه عيره عن الطريق، فساحل بها، وترك بدراً يساراً، ثم انطلق حتى أسرع .

وأقبلت قريش، فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة ابن عبد المطلب بن عبد مناف رؤيا؛ فقال: إنى رأيت فيما يرى النائم، وإني لبين النائم واليقظان، إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرسٍ حتى وقف ومعه بعيرٌ له، ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وفلان وفلان؛ فعدد رجالاً ممن قتل يومئذ من أشراف قريش؛ ورأيته ضرب في لبة بعيره، ثم أرسله في العسكر، فما بقى خباء من أخبية العسكر. إلا أصابة نضحٌ من دمه.

قال: فبلغت أبا جهل، فقال: وهذا أيضاً نبيٌ من بني المطلب؛ سيعلم غداً من المقتول إن نحن التقينا ! ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره، أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم؛ فقد نجاها الله، فارجعوا. فقال أبو جهل ابن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدراً - وكان بدرٌ موسماً من مواسم العرب، تجتمع لهم بها سوقٌ كل عام - فنقيم عليه ثلاثاً، وننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب؛ فلا يزالون يهابوننا أبداً؛ فامضوا.

فقال الأخنس بن شريق ين عمرو بن وهب الثقفي - وكان حلفياً لبني زهرة وهم بالجحفة: يا بني زهرة؛ قد نجى الله لكم أموالكم، وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل؛ وإنما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جنبها وارجعوا، فإنه لا حاجة بكم في أن تخرجوا في غير ضيعةٍ؛ لا ما يقول هذا - يعني أبا جهل - فرجعوا؛ فلم يشهدها زهريٌ واحدٌ، وكان فيهم مطاعاً. ولم يكن بقي من قريش بطن إلا نفر منهم ناس، إلا بني عدي بن كعب، لم يخرج منهم رجلٌ واحدٌ، إلا فرجعت بنو زهرة مع الأخنس بن شريق، فلم يشهد بدراً من هاتين القبيلتين أحدٌ. ومضى القوم.

قال: وقد كان بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة، فقالوا: والله لقد عرفنا يا بني هاشم - وإن خرجتم معنا - أن هواكم مع محمد. فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع.

قال أبو جعفر: وأما ابن الكلبي؛ فإنه قال فيما حدثت عنه: شخص طالب بن أبي طالب إلى بدر مع المشركين، أخرج كرهاً. فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى، ولم يرجع إلى أهله، وكان شاعراً؛ وهو الذي يقول:

يارب إنما يغزون طـالـب               في مقنبٍ من هذه المقانب

فليكن المسلوب غير السالب       وليكن المغلوب غير الغالب

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي؛ خلف العقنقل، وبطن الوادي وهو يليل، بين بدر وبين العقنقل، الكثيب الذي خلقه قريش ، والقلب ببدر في العدوة الدنيا من بطن يليل إلى المدينة، وبعث الله السماء، وكان الوادي دهساً، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض؛ ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشاً منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه؛ فخرج رسول الله صل الله عليه وسلم يبادروهم إلى الماء؛ حتى إذا جاء أدنى من بدر نزل به.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: فحدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثت عن رجال من بني سلمة ؛أنهم ذكروا أن الحباب ابن المنذر بن الجموح، قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلٌ أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة؛ فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى الماء من القوم فننزله، ثم نعور ما سواه من القلب، ثم نبني عليه حوضاً فتملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي. فنهض رسول الله صل الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم، فنزل عليه، ثم أمر بالقلب فعورت، وبني حوضاً على القليب الذي نزل عليه فملىء ماء، ثم قذفوا فيه الآنية.

حدثنا ابن حميد ،قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر، أن سعد بن معاذ قال: يا رسول الله نبني لك عريشاً من جريد فتكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا؛ فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك مما أحببنا، وإن كانت الأخرى حلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد خلفت عنك أقوام يا نبي الله، ما نحن بأشد حباً لك منهم؛ ولو ظنوا أنك تلقي حرباً ما تخلفوا عنك. يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك. فأثنى رسول الله صل الله عليه وسلم خيراً. ودعا له بخير.

ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشٌ، فكان فيه؛ وقد ارتحلت قريش حين أصبحت، فأقبلت، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل - وهو الكثيب الذي منه جاءوا إلى الوادي - قال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك؛ اللهم فنصرك الذي وعدتني؛ اللهم فأحنهم الغداة ! وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم - ورأى عتبة بن ربيعة في القوم، على جمل له أحمر: إن يكن عند أحد من القوم خيرٌ؛ فعند صاحب الجمل الأحمر؛ إن يطيعوه يرشدوا. وقد كان خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري - أو أبوه إيماء بن رحضة - بعث إلى قريش حين مروا به ابناً له بجزائر أهداها لهم، وقال: إن أحببتم أن أمدكم بسلاح ورجال فعلنا؛ فأرسلوا إليه مع ابنه: أن وصلتك الرحم ! فقد قضيت الذي عليك؛ فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس؛ ما بنا ضعفٌ عنهم؛ ولئن كنا نقاتل الله - كما يزعم محمد - فما لأحد بالله من طاقة.

فلما نزل الناس، أقبل نفر من قريش؛ حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم حكيم بن حزام، على فرس له، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: دعوهم، فما شرب منهم رجل إلا قتل يومئذ؛ إلا ما كان من حكيم بن حزام، فإنه لم يقتل؛ نجا على فرس له يقال له الوجيه، وأسلم بعد ذلك، فحسن إسلامه؛ فكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجاني يوم بدر ! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال: محمد بن إسحاق: وحدثني إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم، عن أشياخ من الأنصار، قالوا: لما اطمأن القوم، بعثوا عمير بن وهب الجمحي، فقالوا: احزر لنا أصحاب محمد، قال: فاستجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم، فقال: ثلثمائة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون؛ ولكن أمهلوني حتى أنظر؛ أللقوم كمين أم مدد ؟ قال: فضرب في الوادي؛ حتى أبعد فلم ير شيئا، فرجع إليهم، فقال: ما رأيت شيئا، ولكني قد رأيت - يا معشر قريش - الولايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع؛ قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم؛ والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم؛ فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك ! فروا رأيكم.

فلما سمع حكيم بن حزام ذلك، مشى في الناس، فأتى عتتبة بن ربيعة، فقال: يا أبا الوليد؛ إنك كبير قريش الليلة وسيدها، والمطاع فيها؛ هل لك ألا تزال تذكر منها بخير إلى آخر الدهر ! قال: وما ذاك يا حكيم ؟ قال: ترجع بالناس، وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي ! قال: قد فعلت، أنت علي بذلك؛ إنما هو حليفي فعلي عقله، وما أصيب من ماله؛ فأت ابن الحنظلية؛ فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره - يعنى أبا جهل بن هشام.

حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنا عثامة بن عمرو السهمي، قال: حدثني مسور بن عبد المللك اليربوعي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، قال: بينا نحن عند مروان بن الحكم، إذ دخل حاجبه، فقال: هذا أبو خالد حكيم بن حزام، قال: إئذن له، فلما دخل جكيم بن حزام، قال: مرحباً بك يا أبا خالد ! ادن، فحال له مروان عن صدر المجلس؛ حتى كان بينه وبين الوسادة، ثم استقبله مروان، فقال: حدثنا حديث بدر، قال: خرجنا حتى نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها، فلم يشهد أحدٌ من مشركيهم بدلراً.

ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي ذكرها الله عز وجل، فجئت عتبة بن ربيعة، فقلت: يا أبا الوليد، هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت ؟ قال: أفعل ماذا ؟ قلت: إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم ابن الحضرمي؛ وهو حليفك، فتحمل ديته وترجع بالناس. فقال: أنت وذاك، وأنا أتحمل بديته، واذهب إلى ابن الحنظلية - يعنى أبا جهل - فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك ؟ فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن ورائه، وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه؛ وهو يقول: قد فسخت عقدي من عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول لك عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع اليوم عن ابن عمك بمن معك ؟ قال: أما وجد رسولاً غيرك ! قلت: لا، ولم أكن لأكون رسولاً لغيره. قال حكيم: فخرجت مبادراً إلى عتبة؛ لئلا يفوتني من الخبر شيء، وعتبة متكئ على إيماء بن رحضة الغفاري؛ وقد أهدى إلى المشركين عشرة جزائر، فطلع أبو جهل والشر في وجهه، فقال لعتبة: انتفخ سحرك ! فقال له عتبة: ستعلم ! فسل أبو جهل سيفه، فضرب به متن فرسه، فقال إيماء بن رحضة: بئس الفأل هذا ! فعند ذلك قامت الحرب.

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. ثم قام عتبة بن ربيعة خطيباً، فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً؛ والله لئن أصبتموه لا يزال رجلٌ ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته؛ فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب؛ فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون قال حكيم: فانطلقت أؤم أبا جهل؛ فوجدته قد نشل درعاً له من جرابها؛ فهو يهيئها. فقلت: يا أبا الحكم؛ إن عتببة قد أرسلني إليك بكذا وكذا - للذي قال - فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمداً وأصحابه؛ كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وأصحابه، وما بعتبة ما قال؛ ولكنه قد رأى محمداً وأصحابه أكلة جزور؛ وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي، فقال له: هذا حليفك، يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك. فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ: واعمراه ! واعمراه ! فحميت الحرب، وحقب أمر الناس، واستوسقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة بن ربيعة.

فلما بلغ عتبة بن ربيعة قول أبي جهل: انتفخ سحره، قال: سيعلم المصفر استه من انتفخ سحره، أنا أم هو ! ثم التمس بيضة يدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته، فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له.

وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي - وكان رجلاً شرساً سيء الخلق - فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم ولأهدمنه أو لأموتن دونه. فلما خرج خرج له حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه؛ وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد - زعم - أن يبر يمينه، واتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.

ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة؛ حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة نفر منهم: عوف ومعوذ ابنا الحارث - وأمهما عفراء - ورجل آخر يقال له عبد الله بن رواحة، فقال: من أنتم ؟ قالوا: رهط من الأنصار. فقالوا: مالنا بكم حاجة ! ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حمزة بن عبد المطلب، قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا علي بن أبي طالب؛ فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا: من أنتم ! قال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال علي: علي، قالوا: نعم أكفاءٌ كرام ! فبارز عبيدة بن الحارث - وكان أسن القوم - عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز علي الوليد بن عتبة؛ فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما عليٌ فلم يمهل الوليد أن قتله؛ واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة، فذففا عليه فقتلاه، واحتملا صاحبهما عبيدة فجاءا به إلى أصحابه؛ وقد قطعت رجله، فمخها يسيل فلما أتوا بعبيدة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم قال: ألست شهيداً يا رسول الله ! قال: بلى، فقال عبيدة لو كان أبو طالب حياً لعلم أني أحق بما قال منه حيث يقول:

ونسلمه حتى نصرع حوله             ونذهل عن أبنائنا والحلائل

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة؛ أن عتبة بن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا: أكفاءٌ كرامٌ، إنما نريد قومنا، ثم تزاحف الناس؛ ودنا بعضهم من بعض، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ألا يحملوا حتى يأمرهم؛ وقال: إن أكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل؛ ورسول الله صل الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر.

قال أبو جعفر: وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان، كما حدثنا ابن حميد، قال :حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق؛ كما حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين. وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: وحدثني حبان بن واسع بن حبان بن واسع، عن أشياخ من قومه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدحٌ يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية، حليف بن عدي بن النجار، وهو مستنتل من الصف، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح، وقال: استو يا سواد بن غزية؛ قال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق فأقدني. قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه ثم قال: استقد، قال: فاعتنقه وقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد ؟ فقال: يا رسول الله، حضر ما ترى فلم آمن القتل. فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا له رسول الله صل الله عليه وسلم بخير، وقال له خيراً.

ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف، ورجع إلى العريش ودخله، ومعه فيه أبو بكر ليس معه فيه غيره، ورسول الله صل الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول فيما يقول: اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة اليوم - يعني المسلمين - لا تعبد بعد اليوم، وأبو بكر يقول: يا نبي الله، بعض مناشدتك ربك !، فإن الله عز وجل منجزٌ لك ما وعدك.

فحدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن عكرمة بن عمار، قال: حدثني سماك الحنفي، قا ل: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم بدر، ونظر رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المشركين وعدتهم، ونظر إلى أصحابه نيفاً على ثلثمائة، استقبل القبلة، فجعل يدعو، يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض؛ فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه، فأخذ أبو بكر فوضع ردائه عليه ثم التزمه من ورائه، ثم قال: كفاك يا نبي الله، بأبي وأنت وأمي، مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك ! فأنزل الله تبارك وتعالى: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألفٍ من الملائكة مردفين ".

حدثنا ابن وكيع: قال: حدثنا الثقفي - يعني عبد الوهاب - عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صل الله عليه وسلم، قال: وهو في قبته يوم بدر: اللهم إني أسألك عهدك ووعدك؛ اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم ! قال: فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا نبي الله، فقد ألححت على ربك - وهو في الدرع - فخرج وهو يقول: " سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ".

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقةً وهو في العريش؛ ثم انتبه، فقال: يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع. قال: وقد رمي مهجعٌ مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل، فكان أول قتيل من المسلمين ثم رمي حارثة بن سراقة، أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من الحوض فقتل. ثم خرج رسول الله صل الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم، ونفل كل امرىء منهم ما أصاب، وقال: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنة. فقال عمير بن الحمام، أخو بني سلمة، وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ، فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ! ثم قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه، فقاتل القوم حتى قتل وهو يقول:

ركضاً إلى الله بغـير زاد                إلا التقى وعمل المـعـاد

والصبر في الله على الجهاد        وكل زادٍ عرضه النـفـاد

غير التقى والبر والرشاد

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق؛ عن عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث - وهو ابن عفراء - قال: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده ؟ قال: غمسه يده في العدو حاسراً. فنزع درعاً كانت عليه، فقذفها؛ ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق، وحدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري، حليف بني زهرة، قال: لما التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل: اللهم اقطعنا للرحم، وأتانا بما لا يعرف؛ فأحنه الغداة، فكان هو المستفتح على نفسه.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشاً، ثم قال: شاهت الوجوه! ثم نفحهم بها، وقال لأصحابه شدوا، فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر منهم. فلما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً السيف، في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخافون عليه كرة العدو، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: لكأنك يا سعد تكره ما يصنع الناس ! قال: أجل والله يا رسول الله ! كانت أول وقعة أوقعها الله بالمشركين؛ فكان الإثخان في القتل أعجب إلي من استبقاء الرجال.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثني سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ: إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم لقتالنا، فمن لقى منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقى أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله فلا يقتله؛ فإنه إنما أخرج مستكرهاً.

قال: فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أنقتل آبائنا وأبنائنا وإخواننا وعشيرتنا، ونترك العباس ! والله لئن لقيته لألحمنه السيف. فبلغت رسول الله صل الله عليه وسلم، فجعل يقول لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص، أما تسمع إلى قول أبي حذيفة، يقول: أضرب وجه عم رسول الله بالسيف ! فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضربن عنقه بالسيف؛ فوالله لقد نافق.

- قال عمر: والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صل الله عليه وسلم بأبي حفص - قال: فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزل منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيداً .

قال: وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري؛ لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه؛ وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب، فلقيه المجذر بن ذياد البلوي، حليف الأنصار من بني عدي، فقال المجذر بن ذياد لأبي البختري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتلك - ومع أبي البختري زميلٌ له خرج معه من مكة، وهو جنادة بن مليحة بنت زهير بن الحارث بن أسد، وجنادة رجل من بني ليث. واسم أبي البختري العاص بن هشام ابن الحارث بن أسد - قال: وزميلي ؟ فقال: المجذر: لا والله ما نحن بتاركي زميلك؛ ما أمرنا رسول الله صل الله عليه وسلم إلا بك وحدك، قال: لا والله أذاً ، لأموتن أنا وهو جميعاً؛ لا تحدث عني نساء قريش من أهل مكة أني تركت زميلي حرصاً على الحياة فقال أبو البختري حين نازله المجذر، وأبى إلا القتال، وهو يرتجز:

لن يسلم ابن حرةٍ أكـيلـه             حتى يموت أو يرى سبيله

فاقتتلا، فقتله المجذر بن ذياد.

قال: ثم أتى المجذر بن ذياد رسول الله صل الله عليه وسلم، فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به فأبى إلا القتال، فقاتلته فقتلته.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال. وحدثني أيضاً عبد الله بن أبي بكر، وغيرهما، عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان أمية بن خلف لي صديقاً بمكة - وكان اسمي عبد عمرو، فسميت حين أسلمت: عبد الرحمن، ونحن بمكة - قال: فكان يلقاني ونحن بمكة، فيقول يا عبد عمرو، أرغبت عن اسم سماكه أبوك ؟ فأقول: نعم، فيقول: فإني لا أعرف الرحمن؛ فاجعل بيني وبينك شيئاً أدعوك به؛ أما أنت فلا تجيبني بأسمك الأول، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف. قال: فكان إذا دعاني: يا عبد عمرو لم أجبه، فقلت: اجعل بيني وبينك يا أبا علي ما شئت، قال: فأنت عبد الإله، فقلت: نعم، فكنت إذا مررت به قال: يا عبد الإله، فأجيبه، فأتحدث معه؛ حتى إذا كان يوم بدر، مررت به وهو واقف مع ابنه على بن علبي بن أمية، آخذاً بيده، ومعي أدراعٌ قد استلبتها، فأنا أحملها. فلما رآني قال: يا عبد عمرو ! فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله، قلت: نعم، قال : هل لك في ، فأنا خير لك من الأدراع التي معك ؟ قلت : نعم ، هلم إذاً. قال: فطرحت الأدراع من يدي وأخذت بيده ويد ابنه علي، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط ! أما لكم حاجة في اللبن ! قال: ثم خرجت أمشي بهما.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه، آخذٌ بأيديهما: يا عبد الإله، من الرجل منكم، المعلم بريشة نعامة في صدره ؟ قال: قلت: ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل ! قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي - وكان هو الذي يعذب بلالاً بمكة على أن يترك الإسلام فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول : لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد ، فيقول بلال : أحدٌ أحدٌ -فقال بلال حين رآه: رأس الكفر أمية ابن خلف، لا نجوت إن نجوت؛ قال: قلت: أي بلال، أسيري ! قال: لا نجوت إن نجوا. قال: قلت: تسمع يابن السوداء ! قال: لا نجوت إن نجوا، ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا! قال: فأحاطوا بنا، ثم جعلونا في مثل المسكة وأنا أذب عنه؛ قال: فضرب رجلٌ ابنه فوقع. قال: وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط . قال: قلت: انج بنفسك، ولا نجاء؛ فوالله ما أغنى عنك شيئاً. قال: فبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما.

قال: فكان عبد الرحمن يقول: رحم الله بلالا! ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث عن ابن عباس، أن ابن عباس، قال: حدثني رجلٌ من بنى غفار، قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان، ننتظر الوقعة على من تكو الدبرة، فننتهب مع من ينتهب. قال: فبينا نحن في الجبل؛ إذ دنت منا سحابة، فسمعنا فيها حمحمة الخيال، فسمعت قائلاً: يقول: أقدم حيزوم. قال: فأما ابن عمي فانكشف قناع فلبه فمات مكانه؛ وأما أنا فكدت أهلك، ثم تماسكت.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق :" وحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن رجال من بنى مازن بن النجار، عن أبي داود المازني - وكان شهد بدراً - قال: إنى لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري.

حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا محمد بن يحيى الإسكندراني عن العلاء بن كثير، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبي أمامة ابن سهبل بن حنيف، قال: قال لي أبي: يا بني، لقد رأيتنا يوم بدر؛ وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وحدثني الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتبية، عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن عباس، قال: كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيضاً قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمراً، ولم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر. وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة ، قال: قال محمد: وحدثني ثور بن زيد مولى بنى الديل، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، قالا: كان معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بنى سلمة يقول: لما فرغ رسول الله صل الله عليه وسلم من عدوه، أمر بأبي جهل أن يلتمس بالقتلى، وقال: اللهم لا يعجزنك، قال: فكان أول من لقى أبا جهل معاذ بن عمرو بن الجموح، قال: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه.

فلما سمعتها جعلته من شأني، فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه؛ فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا النواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها.

قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي؛ فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه؛ فلقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفى؛ فلما آدتني جعلت عليها رجلي، ثم تمطيت بها، حتى طرحتها.

قال: ثم عاش معاذ بعد ذلك، حتى كان في زمن عثمان بن عفان. قال : ثم مر بأبي جهل - وهو عقير - معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته؛ فتركه وبه رمق؛ وقاتل معوذ حتى قتل، فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى، وقد قال لهم رسول الله صل الله عليه وسلم - فيما بلغني: انظروا إن خفى عليكم في القتلى إلى أثر جرح بركبته؛ فإنى ازدحمت أنا وهو يوماً على مأدبة لعبد الله ابن جدعان؛ ونحن غلامان؛ وكنت أشف منه بيسير؛ فدفعته، فوقع على ركبتيه، فجحش في إحداهما جحشاً لم يزل أثره فيه بعد. قال عبد الله بن مسعود: فوجدته بآخر رمق، فعرفته، فوضعت رجلي على عنقه. قال: وقد كان ضبث بي مرة بمكة، فآذاني ولكزني. ثم قلت: هل أخزاك الله يا عدو الله ! قال: وبما ذا أخزانمي ! أعمد من رجل قتلتموه ! أخبرني لمن الدبرة ؟ اليوم قال: قلت: لله ورسوله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق: وزعم رجال من بنى مخزوم أن ابن مسعود، كان يقول: قال لي أبو جهل: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعباً ! ثم احتززت رأسه؛ ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلله الذي لا إله غيره ! - وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: قلت: نعم؛ والله الذي لا إله غيره، ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صل الله عليه وسلم.

قال: فحمد الله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه؛ إلا ما كان من أمية بن خلف؛ فإنه انتفخ في درعه حتى ملأها، فذهبوا ليحركوه، فتزايل فأقروه، وألقوا عليه ما غيبة من التراب والحجارة، فلما ألقاهم في القليب، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ! فإنى وجدت ما وعدني ربي حقاً. فقال له أصحابه: يا رسول الله، أتكلم قوماً موتى ! قال: لقد علموا أن ما وعدتهم حق، قالت عائشة: والناس يقولون:  لقد سمعوا ما قلت لهم، وإنما قال رسول الله صل الله عليه وسلم: لقد علموا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق.

قال: وحدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صل الله عليه وسلم وهو يقول من جوف الليل: يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام - فعدد من كان معهم في القليب: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؛ فإنى قد وجدت ماو عدني ربي حقاً ! قال: المسلمون: يا رسول الله؛ أتنادي قوماً قد جيفوا ! فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم؛ ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم، أن رسول الله صل الله عليه وسلم يوم قال هذه المقالة: يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ! كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس.

ثم قال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟ للمقالة التي قال: قال: ولما أمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب، أخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - في أبي حذيفة بن عتبة؛ فإذا هو كئيب قد تغير، فقال: يا أبا حذيفة؛ لعلك دخلك من شأن أبيك شيء ! - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال: لا والله يا نبي الله، ما شككت في أبي ولا في مصرعه؛ ولكني كنت أعرف من أبي رأياً وحلماً وفضلاً؛ فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام؛ فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له، حزنني ذلك، قال: فدعا رسول الله صل الله عليه وسلم له بخير، وقال له خيراً.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع؛ فاختلف المسلمون فيه، فقال من جمعه: هو لنا؛ قد كان رسول الله صل الله عليه وسلم نفل كل امرئ ما أصاب، فقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونهم: لولا نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا القوم عنكم حتى أصبتم ما أصبتم.

فقال الذين يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يخالف إليه العدو: والله ما أنتم بأحق به منا؛ لقد رأينا أن نقتل العدو إذ ولانا الله، ومنحنا أكتافهم؛ ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه؛ ولكن خفنا على رسول الله صل الله عليه وسلم كرة العدو، فقمنا دونه؛ فما أنتم بأحق به منا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وحدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا، عن سليمان بن موسى الأشدق، عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي، قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال، فقال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت؛ حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسوله، فقسمه رسول الله صل الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء - يقول على السواء - فكان في ذلك تقوى الله، وطاعة رسوله، وصلاح ذات البين.

قال: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة بشيراً إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله صل الله عليه وسلم وعلى المسلمين، وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة.

قال أسامة بن زيد: فأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان، كان رسوال الله صل الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان.

قال: ثم قدم زيد بن حارثة فجئته وهو واقف بالمصلى قد غشيه الناس وهو يقول: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وزمعة بن الأسود وأبو البختري بن هشام، وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج.

قال: قلت: يا أبه أحقٌ هذا ! قال: نعم والله يا بنى. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً إلى المدينة؛ فاحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن زيد ابن عوف بن مبذول بن عمرو بن مازن بن النجار. ثم أقبل رسول الله صل الله عليه وسلم حتى إذا خرج من مضيق الصفراء، نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية - يقال له سير - إلى سرحة به، فقسم هنالك النفل الذي أفاء الله على المسلمين من المشركين على السواء، واستقى له من ماء به يقال له الأرواق.

ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا جاء بالروحاء، لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين، فقال سلمة بن سلامة بن وقش - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق، كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، ويزيد بن رومان: وما الذي تهنئون به ! فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعاً كالبدن المعلقة، فنحرناها. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا بن أخي، أولئك الملأ قال: ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسارى من المشركين وكانوا أربعة وأربعين أسيراً، وكان من القتلى مثل ذلك - وفي الأسارى عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث بن كلدة - حتى إذا كان رسول الله صل الله عليه وسلم بالصفراء، قتل النضر بن الحارث، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

حدثنا ابن حميد، قتال: حدثنا سلمة قال: قال محمد بن إسحاق: كما حدثني بعض أهل العلم من أهل مكة؛ قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بعرق الظبية، قتل عقبة بن أبي معيط، فقال حين أمر به رسول الله صل الله عليه وسلم أن يقتل: فمن للصبية يا محمد ! قال: النار، قال: فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، ثم أحد بنى عمرو بن عوف.

قال: كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عرق ظبية حين قتل عقبة لقيه أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي بحميت مملوء حيساً، وكان قد تخلف عن بدر، ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حجام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: إنما أبو هند امرؤٌ من الأنصار، فأنكحوه وأنكحوا إليه، ففعلوا.

ثم مضى رسول الله صل الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، قال: قدم بالأسارى حين قدم بهم وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابنى عفراء - قال: وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب - قال: تقول سودة: والله إني لعندهم إذ أتينا، فقيل: هؤلاء الأسارى قد أتى بهم، قالت: فرحت إلى بيتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، قالت: فوالله ما ملكت نفسي حين رأت أبا يزيد كذلك أن قلت: يا أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم، ألا متم كراماً ! فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله صل الله عليه وسلم من البيت : يا سودة ، أعلى الله وعلى رسوله !قالت: قلت: يار سول الله؛ والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا زيد مجموعةً يداه إلى عنقه بحبل أن قلت ما قلت.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني نبيه بن وهب، أخو بنى عبد الدار، أن رسول الله صل الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى فرقهم في أصحابه، وقال: استوصوا بالأسارى خيراً - قال: وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم، أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى - قال: فقال أبو عزيز: مر بي أخي مصعب بن عمير، ورجل من الأنصار يأسرني، فقال: شد يديك به؛ فإن أمه ذات متاع، لعلها أن تفتديه منك.

قال: وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر؛ فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر لوصية رسول الله صل الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلا نفحني بها. قال: فأستحي، فأردها على أحدهم فيردها على ما يمسها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:47 am

تابع ....
معركة بدر الكبرى

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله بن إياس ابن ضبيعة بن مازن بن كعب بن عمرو الخزاعي - قال أبو جعفر: وقال الواقدي: الحيسمان بن حابس الخزاعي - قالوا: ما وراءك ؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسود، وأبو البختري بن هشام ونبيه ومنبه ابنا الحجاج.

قال: فلما جعل يعدد أشراف قريش، قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر: والله إن يعقل هذا فسلوه عني، قالوا: ما فعل صفوان بن أمية ؟ قال: هو ذاك جالساً في الحجر، وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: قال أبو رافع مولى رسول الله صل الله عليه وسلم: كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلمت أم الفضل وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه، ويكره أن يخالفهم، وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه، وكان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر، وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة وكذلك صنعوا، لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلاً، فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش، كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزاً.

قال: وكنت رجلاً ضعيفاً، وكنت أعمل القداح، أنحتها في حجرة زمزم، فوالله إنى لجالس فيها أنحت القداح، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه بشر، جتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري؛ فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم. قال: فقال أبو لهب: هلم إلي يا ابن أخي، فعندك الخبر.

قال: فجلس إليه، والناس قيام عليه، فقال يا بن أخي؛ أخبرني؛ كيف كان أمر الناس ؟ قال: لا شيء؛ والله إن كان إلا أن لقيناهم، فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا ويأسرون كيف شاءوا؛ وايم الله مع ذلك ما لمت الناس؛ لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلقٍ بين السماء والأرض؛ ما تليق شيئاً ولا يقوم لها شيء.


قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك الملائكة. قال: فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، قال: فثاورته، فاحتملني، فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني - وكنت رجلاً ضعيفاً - فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته به ضربة فشجت في رأسه شجة منكرة، وقالت: تستضعفه أن غاب عنه سيده ! فقام مولياً ذليلاً، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله عز وجل بالعدسة فقتلته، فلقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثاً ما يدفنانه حتى أنتن في بيته - وكانت قريش تتقي العدسة وعدوتها كما يتقى الناس الطاعون - حتى قال لهما رجل من قريش: ويحكما ! ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته لا تغيبانه ! فقالا: إنا نخشى هذه القرحة، قال: فانطلقا فأنا معكما، فما غسلوه إلا قذفاً بالماء عليه من بعيد، ما يمسونه، ثم احتملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار، وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمد بن إسحاق: وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن عبد الله ابن عباس، قال: لما أمسى القوم من يوم بدر، والأسارى محبوسون في الوثاق، بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهراً أول ليلة، فقال له أصحابه: يا رسول الله، مالك لا تنام ! فقال: سمعت تضور العباس في وثاقه، قال: فقاموا إلى العباس فأطلقوه، فنام رسوال الله صل الله عليه وسلم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتبية بن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بنى سلمة، وكان أبو اليسر رجلاً مجموعاً، وكان العباس رجلاً جسيماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر: كيف أسرت العباس يا أبا اليسر ؟ فقال: يا رسول الله؛ لقد أعانني عليه رجلٌ ما رأيته قبل ذلك ولا بعده؛ هيئته كذا وكذا، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: قد أعانك عليه ملك كريم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، قال: وحدثني يحيى بن عباد، عن أبيه عباد، قال: ناحت قريش على قتلاهم، ثم قالوا: لا تفعلوا فيبلغ ذلك محمداً واصحابه، فيشمت بكم، ولا تبعثوا في فداء أسراكم حتى تستأنوا بهم؛ لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء.

قال: وكان الأسود بن عبد المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة بن الأسود؛ وعقيل بن الأسود، والحارث بن الأسود؛ وكان يجب أن يبكي على بنيه؛ فبينا هو كذلك؛ إذ سمع نائحة من الليل، فقال لغلام له وقد ذهب بصره: انظر هلى أحل النحب؟ هل بكت قريش على قتلاها ؟ لعلى أبكي على أبي حكيمة - يعنى زمعة - فإن جوفي قد احترق ! قال: فلما رجع إليه الغلام، قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته. قال: فذلك حين يقول:

أتبكي أن يضل لها بـعـيرٌ                 ويمنعها من النوم السهـود

فلا تبكي على بكرٍ ولـكـن              على بدرٍ تقاصرت الجدود

على بدرٍ سراة بنى هصيصٍ           ومخزومٍ ورهط أبي الوليد

وبكى إن بكيت على عقـيلٍ            وبكى حارثاً أسـد الأسـود

وبكيهم ولا تسمى جمـيعـاً              فما لأبي حكيمة من نـديد

ألا قد ساد بعدهـم رجـالٌ                ولولا يوم بدرٍ لـم يسـودوا

قال: وكان في الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن له ابناً تاجراً كيساً ذا مال؛ وكأنكم به قد جاءكم في فداء أبيه ! قال: فلما قالت قريش: لا تعجلوا في فداء أسرائكم لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه، قال المطلب بن أبي وداعة - وهو الذي كان رسول الله صل الله عليه وسلم عنى -: صدقتم، لا تعجلوا بفداء أسرائكم.

ثم انسل من الليل، فقدم المدينة، فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم، ثم انطلق به، ثم بعثت قريش في فداء الأسارى، فقدم مكرز بن حفص ابن الأخيف في فداء سهيل بن عمرو، وكان الذي أسره مالك بن الدخشم، أخو بنى سالم بن عوف، وكان سهيل بن عمرو أعلم من شفته السفلى.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: فحدثني محمد بن عمرو بن عطاء بن عياش بن علقمة، أخو بنى عامر بن لؤي، أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله انتزع ثنيتي سهيل بن عمرو. السفليين يدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيباً في موطنٍ أبداً، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: لا أمثل به فيمثل الله بي؛ وإن كنت نبياً.

قال: وقد بلغني أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال لعمر في هذا الحديث: إنه عسى أن يقوم مقاماً لا تذمه؛ فلما قاولهم فيه مكرز، وانتهى إلى رضاهم، قالوا: هات الذي لنا. قال: اجعلوا رجلي مكان رجله، وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه. قال: فخلوا سبيل سهيل، وحبسوا مكرزاً مكانه عندهم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب حين انتهى به إلى المدينة: يا عباس، افد نفسك وابني أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم، أخا بنى الحارث بن فهر؛ فإنك ذو مال.

فقال: يا رسول الله، إني كنت مسلماً؛ ولكن القوم استكرهوني، فقال: الله أعلم بإسلامك؛ إن يكن ما تذكر حقاً فالله يجزيك به، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافد نفسك - وكان رسول الله صل الله عليه وسلم قد أخذ منه عشرين أوقية من ذهب - فقال العباس: يا رسول الله، احسبها لي في فدائي، قال: لا؛ ذاك شيء أعطاناه الله عز وجل منك، قال: فإنه ليس لي مال. قال: فأين المال الذي وضعته بمكة حيث خرجت من عند أم الفضل بنت الحارث، ليس معكما أحد. ثم قلت لها: إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا وكذا، ولعبد الله كذا وكذا، ولقثم كذا وكذا، ولعبيد الله كذا وكذا !. قال: والذي بعثك بالحق ما علم هذا أحد غيري وغيرها؛ وإني لأعلم أنك رسول الله، ففدى العباس نفسه وابنى أخيه وحليفه.

حدثنا ابن حميد؛ قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد، قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: كان عمرو بن أبي سفيان بن حرب - وكان لابنه عقبة بن أبي معيط - أسيراً في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر، فقيل لأبي سفيان: افد عمراً، قال: أيجمع على دمي ومالي ! قتلوا حنظلة وأفدي عمراً! دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم. قال: فبينا هو كذلك محبوسٌ عند رسول الله صل الله عليه وسلم، خرج سعد بن النعمان بن أكال، أخو بنى عمرو بن عوف، ثم أحد بنى معاوية معتمراً، ومعه مرية له؛ وكان شيخاً كبيراً مسلماً في غنم له بالنقيع؛ فخرج من هنالك معتمراً؛ ولا يخشى الذي صنع به؛ لم يظن أنه يحبس بمكة؛ إنما جاء معتمراً؛ وقد عهد قريشاً لا تعترض لأحد حاجاً أو معتمراً إلا بخير؛ فعدا عليه أبو سفيان بن حرب، فحبسه بمكة بابنه عمرو بن أبي سفيان، ثم قال أبو سفيان :

أرهط ابن أكالٍ أجيبوا دعـاءه           تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا

فإن بنـي عـمـرو لـئامٌ أذلةٌ             لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا

قال: فمشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأخبره خبره، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكوا شيخهم؛ ففعل رسول الله صل الله عليه وسلم، فبعثوا به إلى أبي سفيان، فخلى سبيل سعد.

قال: وكان في الأسارى أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوج ابنته زينب، وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارةً، وكان لهالة بنت خويلد وكانت خديجة خالته، فسألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه؛ وكان رسول الله صل الله عليه وسلم لا يخالفها؛ وذلك قبل أن ينزل عليه، فزوجه؛ فكانت تعده بمنزلة ولدها؛ فلما أكرم الله عز وجل رسوله بنبوته آمنت به خديجة وبناته، فصدقنه وشهدن أن ما جاء به هو الحق؛ ودن بدينه؛ وثبت أبو العاص على شركه.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج عتبة بن أبي لهب إحدى ابنتيه رقية أو أم كلثوم؛ فلما بادى قريشاً بأمر الله عز وجل وباعدوه، قالوا: إنكم قد فرغتم محمداً من همه؛ فردوا عليه بناته، فاشغلوه بهن، فمشوا إلى أبي العاص بن الربيع، فقالوا: فارق صاحبتك؛ ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش، قال: لا ها الله إذاً؛ لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش؛ وكان رسول الله صل الله عليه وسلم يثنى عليه في صهره خيراً - فيما بلغني.

قال: ثم مشوا إلى الفاسق ابن الفاسق، عتبة بن أبي لهب، فقالوا له: طلق ابنه محمد ونحن نزوجك أي امراة من قريش شئت؛ فقال: إن زوجتموني ابنة أبان بن سعيد بن العاص، أو ابنة سعيد بن العاص فارقتها. فزوجوه ابنة سعيد بن العاص وفارقها، ولم يكن عدو الله دخل بها، فأخرجها الله من يده كرامة لها، وهواناً له؛ فخلف عليها عثمان بن عفان بعده؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بمكة ولا يحرم مغلوباً على أمره، وكان الإسلام قد فرق بين زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلمت وبين أبي العاص بن الربيع؛ إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر على أن يفرق بينهما؛ فأقامت معه على إسلامهم وهو على شركه؛ حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سارت قريش إلى بدر سار فيهم أبو العاص بن الربيع؛ فأصيب في الأسارى يوم بدر، وكان بالمدينة عند رسول الله صل الله عليه وسلم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم، بعث زينب بنت رسول الله صل الله عليه وسلم في فداء أبي العاص ابن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها.

قالت: فلما رآها رسول الله صل الله عليه وسلم رق لها رقةً شديدةً، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا ! فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه - أو وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن يخلى سبيل زينب إليه، أو كان فيما شرط عليه في إطلاقه؛ ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعلم ما هو ! إلا أنه لما خرج أبو العاص إلى مكة وخلى سبيله، بعث رسول الله صل الله عليه وسلم زيد بن حارثه ورجلا من الأنصار مكانه، فقال: كونا ببطن يأجج؛ حتى تمر بكما زينب فتصحباها، حتى تأتياني بها، فخرجا مكانهما؛ وذلك بعد بدر بشهر أو شيعة. فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها؛ فخرجت تجهز.

فحدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: حدثت عن زينب أنها قالت: بينا أنا أتجهز بمكة للحوق بأبي، لقيتني هند بنت عتبة، فقالت: أي ابنة محمد؛ ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك ! قالت: فقلت: ما أردت ذلك، قالت: أي ابنة عمي، لا تفعلي؛ إن كانت لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك، أو بمال تبلغين به إلى أبيك، فإن عندي حاجتك فلا تضطني منى؛ فإنه لا يدخل بين النساء ما يدخل بين الرجال. قالت: ووالله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل. قالت: ولكني خفتها، فأنكرت أن اكون أريد ذلك، وتجهزت.

فلما فرغت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهازها قدم لها حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها بعيراً فركبته، وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهاراً يقود بها، وهي في هودج لها. وتحدث بذلك رجال قريش، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى، فكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ونافع بن عبد القيس، والفهري. فروعها هبار بالرمح وهي في هودجها - وكانت المرأة حاملاً؛ فيما يزعمون - فلما رجعت طرحت ذا بطنها، وبرك حموها، ونثر كنانته ثم قال: والله لا يدنوا مني رجلٌ إلا وضعت فيه سهماً، فتكركر الناس عنه؛ وأتاه أبو سفيان في جلة قريش، فقال: أيها الرجل، كف عنا نبلك حتى نكلمك، فكف. فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه، فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رءوس الرجال علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذا خرج بابنته علانيةً من بين أظهرنا أن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا، ونكبتنا التي كانت، وأن ذلك منا ضعفٌ ووهنٌ؛ لعمري ما لنا حاجة في حبسها عن أبيها، وما لنا في ذلك من ثؤرة؛ ولكن أرجع المرأة، فإذا هدأ الصوت، وتحدث الناس أنا قد رددناها؛ فسلها سراً فألحقها بأبيها. ففعل حتى إذا هدأ الصوت خرج بها ليلا؛ حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه، فقدما بها على رسول الله صل الله عليه وسلم.

قال: فأقام أبو العاص بمكة، وأقامت زينب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، قد فرق بينهما الإسلام، حتى إذا كان قبيل الفتح خرج تاجراً إلى الشأم - وكان رجلا مأمونا بمال له، وأموال رجال من قريش أبضعوها معه - فلما فرغ من تجارته - وأقبل قافلاً؛ لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصابوا ما معه، وأعجزهم هرباً، فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله، أقبل أبو العاص تحت الليل؛ حتى دخل على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستجار بها، فأجارته في طلب ماله، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح - فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: كما حدثني يزيد بن رومان - فكبر وكبر الناس معه، صرخت زينب من صفة النساء: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة، أقبل على الناس، فقال: أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت ! قالوا: نعم، قال: أما والذي نفس محمد بيده، ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم؛ إنه يجير على المسلمين أدناهم. ثم انصرف رسول الله صل الله عليه وسلم، فدخل على ابنته، فقال: أي بنية أكرمى مثواه ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، أن رسول الله صل الله عليه وسلم بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص، فقال لهم: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً، فإن تحسنوا تردوا عليه الذي له؛ فإنا نحب ذلك؛ وإن أبيتم فهو فئ الله الذي افاءه عليكم؛ فأنتم أحق به. قالوا: يا رسول الله، بل نرده عليه ! قل: فردوا عليه ماله حتى إن الرجل ليأتي بالحبل، ويأتي الرجل بالشنة والإداوة؛ حتى إن أحدهم ليأتي بالشظاظ؛ حتى ردوا عليه ماله بأسره؛ لا يفقد منه شيئاً.

ثم احتمل إلى مكة، فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع معه، ثم قال: يا معشر قريش؛ هل بقى لأحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟ قالوا: لا فجزاك الله خيراً؛ فقد وجدناك وفياً كريماً، قال: فإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله؛ والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أنى إنما أردت أكل أموالكم؛ فلما أداها الله إليكم، وفرغت منها أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول الله صل الله عليه وسلم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني داود بن الحصين، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس، قال: رد عليه رسول الله صل الله عليه وسلم زينب بالنكاح الأول، ولم يحدث شيئاً بعد ست سنين.

حدثنا ابن حميد، قال حدثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير في الحجر - وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش، وكان ممن يؤذي رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه، ويلقون منه عناء وهم بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر - فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش خير بعدهم، فقال عمير: صدقت والله ! أما والله لولا دين على ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علةً؛ ابنى أسير في أيديهم.

فاغتنمها صفوان بن أمية، فقال: على دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعنى شيء ويعجز عنهم، قال عمير: فاكتم على شأني وشأنك: قال: أفعل.

قال: ثم إن عميراً أمر بسيفه فشحذ له وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين في المسجد يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله عز وجل به، وما أراهم في عدوهم؛ إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ بعيره على باب المسجد، متوشحاً السيف، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، ما جاء إلا لشر ! وهو الذي حرش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر. ثم دخل عمر على رسول الله صل الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه، قال: فأدخله علي.

قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفة في عنقه، فلببه بها، وقال لرجال ممن كان معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا هذا الخبيث عليه، فإنه غير مأمون. ثم دخل به على رسول الله صل الله عليه وسلم.

فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه، قال: أرسله يا عمر، ادن يا عمير، فدنا ثم قال: أنعموا صباحاً - وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك بيا عمير؛ بالسلام تحية أهل الجنة، قال: أما والله يا محمد إن كنت لحديث عهد بها. قال: ما جاء بك يا عمير ؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه. قال: فمال بال السيف في عنقك ! قال: قبحها الله من سيوف ! وهل أغنت شيئاً ! قال: اصدقني بالذي جئت له، قال: ما جئت إلا لذلك، فقال: بلى، قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيالي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك، على أن تقتلني له. والله عز وجل حائلٌ بينى وبينك. فقال عمير: أشهد أنك رسول الله؛ قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي؛ وهذا أمرٌ لم يحضره إلا أنا وضفوان؛ فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله؛ فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق. ثم تشهد شهادة الحق؛ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم؛ فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه وعلموه القرآن، وأطلقوا له أسيره.

قال: ففعلوا، ثم قال: يا رسول الله: إني كنت جاهداً في إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله؛ وإني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام؛ لعل الله أن يهديهم ! وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أؤذي أصحابك في دينهم.

قال: فأذن له رسول الله صل الله عليه وسلم، فلحق بمكة، وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول لقريش: أبشروا بوقعةٍ تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان؛ حتى قدم راكبٌ فأخبره بإسلامه، فحلف ألا يكلمه أبداً ولا ينفعه بنفع أبداً. فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام، ويؤذى من خالفه أذىً شديداً فأسلم على يديه أناس كثير.

فلما انقضى أمر بدر، أنزل الله عز وجل فيه من القرآن الأنفال بأسرها.

حدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا عاصم بن علي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا أبو زميل، قال: حدثني عبد الله بن عباس؛ حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم بدر التقوا، فهزم الله المشركين، فقتل منهم سبعون رجلاً، وأسر سبعون رجلاً، فلما كان يومئذ شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعلياً وعمر، فقال أبو بكر: يا نبي الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإنى أرى أن تأخذ منهم الفدية؛ فيكون ما أخذنا منهم قوة، وعسى الله أن يهديهم، فيكونوا لنا عضداً. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: ما ترى يا بن الخطاب ؟ قال: قلت: لا والله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكنى أرى أن تمكنني من فلان فأضرب عنقه، وتمكن حمزة من أخ له فيضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للكفار؛ هؤلاء صناديدهم وقادتهم وأئمتهم.

قال: فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت أنا، فأخذ منهم الفداء، فلما كان الغد قال عمر: غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعدٌ وأبو بكر، وإذا هما يبكيان، قال: قلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: للذي عرض علي أصحابك من الفداء. لقد عرض على عذابكم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة - وأنزل الله عز وجل: " ما كان لنبيٍ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " إلى قوله: " فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ "؛ ثم أحل لهم الغنائم.

فلما كان من العام القابل في أحد عوقبوا بما صنعوا، قتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون، وأسر سبعون، وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، وفر أصحاب النبي صل الله عليه وسلم، وصعدوا الجبل، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: " أو لما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا " إلى قوله: إن الله على كل شيء قديرٌ "، ونزلت هذه الآية الأخرى: " إذ تصعدون ولا تلوون على أحدٍ والرسول يدعوكم في أخراكم " إلى قوله: " من بعد الغم أمنةً ".

حدثني سلم بن جنادة، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: لما كان يوم بدر، وجيء بالأسرى ، قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسرى ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك، واستبقهم واستأنهم؛ لعل الله أن يتوب عليهم.

وقال عمر: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك، قدمهم فضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم ناراً. قال: فقال له العباس: قطعتك رحمك ! قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم، ثم دخل، فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، ثم خرج عليهم رسول الله، فقال: إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن؛ وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة؛ وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم، قال: " فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفورٌ رحيمٌ "، ومثلك يا أبا بكر، مثل عيسى، قال: " إن تعذبهم فهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " ومثلك يا عمر مثل نوح، قال: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً "، ومثلك كمثل موسى، قال: " ربنا اطمس على أموالهم وأشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ". ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم: أنتم اليوم عالةٌ فلا يفلتن منهم أحدٌ إ لا بفداء أو ضرب عنق؛ قال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء. فإنى سمعته يذكر الإسلام.

فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع على الحجارة من السماء منى في ذلك اليوم؛ حتى قال رسول الله صل الله عليه وسلم: " إلا سهيل بن بيضاء " قال: فأنزل الله عز وجل: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ... " إلى آخر الآيات الثلاث.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: لما نزلت - يعني هذه الآية: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى "، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: لو نزل عذابٌ من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ، لقوله: يا نبي الله، كان الإثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال.

قال أبو جعفر: وكان جميع من شهد بدراً من المهاجرين، ومن ضرب له رسول الله صل الله عليه وسلم بسهمه وأجره ثلاثةً وثمانين رجلاً في قول ابن إسحاق.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عنه: وجميع من شهد من الأوس معه ومن ضرب له بسهمه واحدٌ وستون رجلاً. وجميع من شهد معه من الخزرج مائة وسبعون رجلاً في قول ابن إسحاق، وجميع من استشهد من المسلمين يومئذ أربعةً عشر رجلاً، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.

وكان المشركون - فيما زعم الواقدي - تسعمائة وخمسين مقاتلاً؛ وكانت خيلهم مائة فرس.

ورد رسول الله صل الله عليه وسلم يومئذ جماعة استصغرهم - فيما زعم الواقدي - فمنهم فيما زعم عبد الله بن عمر، ورافع بن خديج، والبراء ابن عازب، وزيد بن ثابت، وأسيد بن ظهير، وعمير بن أبي وقاص ثم أجاز عميراً بعد أن رده فقتل يومئذ.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث قبل أن يخرج من المدينة طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، إلى طريق الشأم يتحسسان الأخبار عن العير، ثم رجعا إلى المدينة، فقدماها يوم وقعة بدر، فاستقبلا رسول الله صل الله عليه وسلم بتربان؛ وهو منحدرٌ من بدر يريد المدينة.

قال الواقدي: كان خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في ثلثمائة رجل وخمسة، وكان المهاجرون أربعةً وسبعين رجلاً، وسائرهم من الأنصار، وضرب لثمانية بأجورهم وسهمانهم: ثلاثة من المهاجرين؛ أحدهم عثمان بن عفان كان تخلف على ابنة رسول الله صل الله عليه وسلم حتى ماتت، وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد، كان بعثهما يتحسسان الخبر عن العير، وخمسة من الأنصار: أبو لبابة بشير بن عبد المنذر؛ خلفه على المدينة، وعاصم بن عدي بن العجلان؛ خلفه على العالية، والحارث بن حاطب؛ رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم، والحارث ابن الصمة؛ كسر بالروحاء؛ وهو من بنى مالك بن النجار، وخوات بن جبير، كسر من بني عمرو بن عوف. قال: وكانت الإبل سبعين بعيراً، والخيل فرسين: فرس للمقداد بن عمرو، وفرس لمرثد بن أبي مرثد.

قال أبو جعفر: وروى عن ابن سعد، عن محمد بن عمر، عن محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: ورئى رسول الله صل الله عليه وسلم في أثر المشركين يوم بدر مصلتاً السيف، يتلو هذه الآية: " سيهزم الجمع ويولون الدبر ".

قال: وفي غزوة بدر انتفل رسول الله صل الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار، وكان لمنبه بن الحجاج.

قال: وفيها غنم جمل أبي جهل؛ وكان مهرياً يغزو عليه ويضرب في لقاحه.

قال أبو جعفر: ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، منصرفة من بدر، وكان قد وادع حين قدم المدينة يهودها؛ على أن لا يعينوا عليه أحداً؛ وأنه إن دهمه بها عدوٌ نصروه. فلما قتل رسول الله صل الله عليه وسلم من قتل ببدر من مشركي قريش، أظهروا له الحسد والبغي، وقالوا: لم يلق محمدٌ من يحسن القتال؛ ولو لقينا لاقى عندنا قتالاً لا يشبهه قتال أحد؛ وأظهروا نقض العهد".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:48 am

معركة بني سليم

معركة بني سليم أو غزوة بني سليم من معارك العصر النبوي التي قادها رسول الإسلام محمد بن عبد الله بعد فراغه بسبعة أيام من غزوة بدر الكبرى فمكث ثلاثا ثم رجع ولم يلق حربا وقد كان استعمل على المدينة سباع بن عرفطة وقيل ابن ام مكتوم.

وقعت المعركة في 2 شوال من العام الثاني للهجرة في قرقرة الكُدر، وهو موضع في الجنوب الشرقي للمدينة ناحية مدح الذهب قريباً من الأرضحية وراء سد معونة وهو بئر لبني سليم.

كان هدف الغزوة القضاء على تجمع بني سليم وغطفان في قرقرة الكدر لأنهم تجمعوا لمهاجمة المدينة، إلا أن المسلمون حين وصلوا لم يجدوا أحداً، فجمعوا ما وجدوا من الإبل (500 بعير تقريباً) وأقاموا ثلاثة أيام ثم عادوا إلى المدينة.

جاء في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير:

"قال ابن إسحاق: وكان فراغ رسول الله من بدر في عقب شهر رمضان - أو في شوال - ولما قدم المدينة لم يقم بها إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم، قال ابن هشام: واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري - أو ابن أم مكتوم الأعمى-.

قال ابن إسحاق: فبلغ ماء من مياههم يقال له: الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا فأقام بها بقية شوال وذا القعدة، وأفدى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش.

قال السهيلي: والقرقرة الأرض الملساء، والكدر طير في ألوانها كدرة.

وورد في "سيرة ابن هشام" لابن هشام قوله:

"لليال خلون من جمادى الأولى ، على رأس سبعة وعشرين شهرا ، غاب رسول الله صل الله عليه وسلم عشرا .

حدثني معمر بن راشد عن الزهري قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من بني سليم كثيرا ببحران تهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ولم يظهر وجها ، فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه فأغذوا السير حتى إذا كانوا دون بحران بليلة لقي رجلا من بني سليم فاستخبروه عن القوم وعن جمعهم . فأخبره أنهم قد افترقوا أمس ورجعوا إلى مائهم فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فحبس مع رجل من القوم ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى ورد بحران ، وليس به أحد وأقام أياما ثم رجع ولم يلق كيدا ، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل . وكانت غيبته عشر ليال . حدثني عبد الله بن نوح عن محمد بن سهل قال استخلف رسول الله صل الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم ".



معركة بني قينقاع

وقعت غزوة بني قينقاع في شوال من السنة الثانية للهجرة. وكان سبب الغزوة لما حدث لتلك المرأة المسلمة زوج أحد المسلمين الأنصار ، التي كانت في السوق فقصدت أحد الصاغة اليهود لشراء حلي لها ، وأثناء وجودها في محل ذلك الصائغ اليهودي ، حاول بعض المستهترين من شباب اليهود رفع حجابها والحديث إليها ، فتمنعت ونهرته . فقام صاحب المحل الصائغ اليهودي بربط طرف ثوبها وعقده إلى ظهرها ، فلما وقفت ارتفع ثوبها وانكشف جسدها. فاخذ اليهود يضحكون منها ويتندرون عليها فصاحت تستنجد من يعينها عليهم . فتقدم رجل مسلم شهم رأى ما حدث لها ، فهجم على اليهودي فقتله ، ولما حاول منعهم عنها وإخراجها من بينهم تكاثر عليه اليهود وقتلوه.

فقام رسول الله والمسلمين بحصار اليهود خمسة عشر ليلة حتى اضطرهم إلى الاستسلام والنزول على حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي قضى باخراجهم من ديارهم جزاء غدرهم وخيانتهم وكان ذلك في منتصف شوال من السنة الثانية للهجرة وحاول أحد المنافقين التوسط فغضب الرسول (صل الله عليه وسلم) واجلاهم عن المدينة.

وجاء في "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري عن غزوة بني قينقاع:

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: كان من أمر بني قينقاع، أن رسول الله صل الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع، ثم قال يا معشر اليهود، احذروا من الله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا؛ فإنكم قد عرفتم أني نبيٌ مرسل تجدون ذلك في كتابكم؛ وفي عهد الله إليكم. قالوا: يا محمد؛ إنك ترى أنا كقومك ! لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة؛ إنا والله حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صل الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأحد.

فحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر: عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، أن غزوة رسول الله صل الله عليه وسلم بني القينقاع كانت في شوال من السنة الثانية من الهجرة.

قال الزهري عن عروة: نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليهما وسلم بهذه الآية: " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء "، فلما فرغ جبريل عليه السلام من هذه الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخاف من بني قينقاع، قال عروة: فسار إليهم رسول الله صل الله عليه وسلم بهذه الآية.

قال الواقدي: وحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد. ثم نزلوا على حكم رسول الله صل الله عليه وسلم، فكتفوا وهو يريد قتلهم، فكلمة فيهم عبد الله بن أبي.

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - فأبطأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أحسن في موالي، فأعرض النبي صل الله عليه وسلم.

قال: فأدخل يده في جيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا في وجهه ظلالاً - يعني تلوناً - ثم قال: ويحك أرسلني ! قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي. أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الأسود والأحمر؛ تحصدهم في غداة واحدة ! وإني والله لا آمن وأخشى الدوائر. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: هم لك.

قال أبو جعفر: وقال محمد بن عمر في حديثه عن محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم ! فأرسلوهم. ثم أمر بإجلائهم، وغنم الله عز وجل رسوله والمسلمين ما كان لهم من مال - ولم تكن لهم أرضون؛ إنما كانوا صاغةً - فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم سلاحاً كثيراً وآلة صياغتهم؛ وكان الذي ولى إخراجهم من المدينة بذراريهم عبادة بن الصامت، فمضى بهم حتى بلغ بهم دباب؛ وهو يقول: الشرف الأبعد، الأقصى فالأقصى ! وكان رسول الله صل الله عليه وسلم استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر.

قال أبو جعفر: وفيها كان أول خمس خمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام؛ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيه والخمس وسهمه، وفض أربعة أخماس على أصحابه، فكان أول خمسٍ قبضه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قنيقناع لواءً أبيض، مع حمزة بن عبد المطلب، ولم تكن يومئذ رايات. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وحضرت الأضحى؛ فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى وأهل اليسر من أصحابه، يوم العاشر من ذي الحجة، وخرج بالناس إلى المصلى فصلى بهم، فذلك أول صلاة صلى رسول الله صل الله عليه وسلم بالناس بالمدينة بالمصلى في عيد، وذبح فيه بالمصلى بيده شاتين - وقيل ذبح شاة.

قال الواقدي: حدثني محمد بن الفضل، من ولد رافع بن خديج، عن أبي مبشر، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: لما رجعنا من بني قنينقاع ضحينا في ذي الحجة صبيحة عشر، وكان أول أضحى رآه المسلمون، وذبحنا في بني سلمة فعدت في بني سلمة سبع عشرة أضحية".

وجاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي عن غزوة بني قينقاع:

"كان رسول الله صل الله عليه وسلم قد وادع حين قدم المدينة يهودها على أن لا يعينوا عليه أحدًا وإنه إذا دهمه بها عدو نصروه‏.‏

فلما انصرف من بدر أظهروا له الحسد والبغي وقالوا‏:‏ لم يلق محمدًا من يحسن القتال ولو لاقيناه لاقى عندنا قتالًا لا يشبهه قتال أحد ثم أظهروا له نقض العهد‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع وكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صل الله عليه وسلم فقال لهم‏:‏ ‏"‏ يا معشر اليهود احذروا من الله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل ‏"‏ فقالوا‏:‏ يا محمد إنك ترى أنا كقومك لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة إنا والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس‏.‏

فخرج للنصف من شوال وحمل لواءه يومئذ حمزة واستخلف على المدينة أبا لبابة فتحصنوا في حصونهم فحاصرهم خمسة عشر ليلة فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتفوا وهو يريد قتلهم فكلمه فيهم عبد الله بن أبي فقال‏:‏ يا محمد أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - فأعرض عنه فأعاد السؤال فأعرض عنه فأدخل يده في جيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ يا رسول الله أحسن قال‏:‏ ‏"‏ ويحك أرسلني ‏"‏ قال‏:‏ لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع وقد منعوني من الأسود والأحمر تحصدهم في غداة واحدة فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ هم لك ‏"‏‏.‏

ثم أمر بإجلائهم وغنم رسول الله صل الله عليه وسلم والمسلمون ما كان لهم من مال فكان أول مال خمس في الإسلام بعد بدر ثم انصرف إلى المدينة‏.‏

وبعض العلماء يرى أن غزاة بني قينقاع كانت في سنة ثلاث وكانت قبلها غزوات‏".‏

وذكر ابن الأثير في "الكامل في التاريخ" عن غزوة بني قينقاع:

" لما عاد رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ من بدر أظهرت يهود له الحسد بما فتح الله عليه وبغوا ونقضوا العهد وكان قد وادعهم حين قدم المدينة مهاجرًا‏.‏

فلما بلغه حسدهم جمعهم بسوق بني قينقاع فقال لهم‏:‏ احذروا ما نزل بقريش وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل‏.‏

فقالوا‏:‏ يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة‏.‏

فكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبينه فبينما هم على مجاهرتهم وكفرهم إذا جاءت امرأة مسلمة إلى سوق بني قينقاع فجلست عند صائغ لأجل حلي لها فجاء رجل منهم فخل درعها إلى ظهرها وهي لا تشعر فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها فقام إليه رجل من المسلمين فقتله ونبذوا العهد إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتحصنوا في حصونهم فغزاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحاصرهم خمس عشرة ليلة فنزلوا على حكمه فكتفوا وهو يريد قتلهم وكانوا حلفاء الخزرج فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول فكلمه فيهم فلم يجبه فأدخل يده في جيب رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ فغضب رسول الله وقال‏:‏ ويحك أرسلني‏.‏

فقال‏:‏ لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة وإني والله لأخشى الدوائر‏.‏

فقال النبي صل الله عليه وسلم‏:‏ هم لك خلوهم لعنهم الله لعنة معهم‏.‏

وغنم رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ والمسلمون ما كان لهم من مال ولم يكن لهم أرضون إنما كانوا صاغةً وكان الذي أخرجهم عبادة بن الصامت الأنصاري فبلغ بهم ذباب ثم ساروا إلى أذرعات من أرض الشام فلم يلبثوا إلا قليلًا حتى هلكوا‏.‏

وكان قد استخلف على المدينة أبا لبابة وكان لواء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع حمزة وقسم الغنيمة بين أصحابه وخمسها وكان أول خمس أخذه رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ في قولٍ‏.‏

ثم انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحضر الأضحى وخرج إلى المصلى فصلى بالمسلمين وهي أول صلاة عيد صلاها وضحى فيه رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ بشاتين وقيل بشاة وكان أول أضحى رآه المسلمون وضحى معه ذوو اليسار‏.‏

وكانت الغزاة في شوال بعد بدر وقيل‏:‏ كانت في صفر سنة ثلاث وجعلها بعضهم بعد غزوة الكدر"‏.‏




غزوة السويق

وقعت غزوة السويق في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة.

حصلت هذه الوقعة لما رجع أبو سفيان إلى مكة من غزوة بدر فخرج في مائتي راكب فنزل طرف العريض وبات ليلة واحدة في بني النضير عند سلام بن مشكم، فسقاه ونطق له من خبر الناس ثم أصبح في اصحابه وأمر بقطع أصوارا من النخل وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له، ثم كرر راجعا ونذر به محمد فخرج في طلبه والمسلمون فبلغ قرقرة الكدر وفاته أبو سفيان والمشركون وألقوا شيئا كثيرا من أزوادهم من السويق، فسميت غزوة السويق.

جاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي قوله:

"سببها أن أبا سفيان حرم الدهن بعد بدر حتى يثأر من محمد وأصحابه فخرج في مائتي راكب إلى أن بقي بينه وبين المدينة ثلاثة أميال فقتل رجلًا من الأنصار وأجيرًا له وحرق أبياتًا هناك وتبنًا ورأى أن يمينه قد حلت ثم ولى هاربا‏.‏

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في أثره في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار واستخلف أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة فجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون للهرب فيلقون جرب السويق وكانت عامة أزوادهم فأخذها المسلمون فسميت غزاة السويق فلم يلحقهم رسول الله صل الله عليه وسلم وانصرف إلى المدينة وكانت غيبته خمسة أيام‏.‏

وجاء في "الكامل في التاريخ" لابن الأثير:

"كان أبو سفيان قد نذر بعد بدر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدًا فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه حتى جاء المدينة ليلًا واجتمع بسلام بن مشكم سيد النضير فعلم منه خبر الناس ثم خرج في ليلته فبعث رجالًا من قريش إلى المدينة فأتوا العريض فحرقوا في نخلها وقتلوا رجلًا من الأنصار وحليفًا له واسم الأنصاري معبد بن عمرو وعادوا ورأى أن قد بر في يمينه‏.‏

وجاء الصريخ فركب رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ وأصحابه فأعجزهم وكان أبو سفيان وأصحابه يلقون جرب السويق يتخففون منها للنجاة وكان ذلك عامة زادهم فلذلك سميت غزوة السويق‏.‏

ولما رجع رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ والمسلمون قالوا‏:‏ يا رسول الله أتطمع أن تكون لنا غزوة قال‏:‏ نعم‏.‏

وقال أبو سفيان بمكة وهو يتجهز‏:‏ كرّوا على يثربٍ وجمعهم فإنّ ما جمّعوا لكم نفل إن يك يوم القليب كان لهم فإنّ ما بعده لكم دول آليت لا أقرب النّساء ولا يمسّ رأسي وجلدي الغسل حتى تبيروا قبائل الأوس وال خزرج إنّ الفؤاد يشتعل فأجابه كعب بن مالك بقوله‏:‏ إذ يطرحون الرّجال من سئم الطّير ترقّى لقّنّة الجبل جاؤوا بجمعٍ لو قيس مبركه ما كان إلاّ كمفحص الدّئل عارٍ من النّصر والثّراء ومن أبطال أهل البطحاء والأسل".

وجاء في "تـاريخ الأمم والملوك" المجلد الثاني للطبري:

"وهي غزوة النبي صل الله عليه وسلم بدراً الثانية لميعاد أبي سفيان.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قدم رسول الله صل الله عليه وسلم المدينة من غزوة ذات الرقاع، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجب، ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان حتى نزله، فأقام عليه ثماني ليالٍ ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة، حتى نزل مجنة من ناحية مر الظهران - وبعض الناس يقول: قد قطع عسفان - ثم بدا له الرجوع، فقال: يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عامٌ خصب ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن؛ وإن عامكم هذا عام جدب؛ وإني راجع فارجعوا. فرجع ورجع الناس، فسماهم أهل مكة جيش السويق. يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق.

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده، فأتاه مخشي بن عمرو الضمري، وهو الذي وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان، فقال: يا محمد، أجئت للقاء قريش على هذا الماء ؟ قال: نعم يا أخا بني ضمرة؛ وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك، ثم جالدناك. حتى يحكم الله بيننا وبينك. فقال: لا والله يا محمد، مالنا بذلك منك من حاجة، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أبا سفيان؛ فمر به معبد بن أبي معبد الخزاعي، وقد رأى مكان رسول الله صل الله عليه وسلم وناقته تهوى به فقال:

قد نفرت من رفقتى محـمـد وعجوةٍ من يثربٍ كالعنـجـد

تهوي على دين أبيها الأتـلـد قد جعلت ماء قديدٍ موعـدي

وماء ضجنان لها ضحى الغد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:51 am

معركة ذي أمر

معركة ذي أمر أو غزوة ذي أمر إحدى غزوات محمد بن عبد الله نبي الإسلام.

وقعت في محرم سنة 3 هجرية. حيث أقام الرسول بقية ذي الحجة سنة 3 هجرية ثم غزا نجدا يريد غطفان واستعمل على المدينة عثمان بن عفان فأقام بنجد صفرا من السنة الثانية كله ثم رجع ولم يلق حرباً.

وقد جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير عن معركة ذو أمر:

"قال ابن إسحاق‏:‏ فلما رجع رسول الله صل الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريباً منها، غزا نجداً يريد غطفان وهي‏:‏ غزوة ذي أمر‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة عثمان بن عفان‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فأقام بنجد صفراً كله أو قريباً من ذلك، ثم رجع ولم يلق كيداً‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ بلغ رسول الله صل الله عليه وسلم أن جمعاً من غطفان من بني ثعلبة بن محارب تجمعوا بذي أمر يريدون حربه، فخرج إليهم من المدينة يوم الخميس لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث‏.‏

واستعمل على المدينة عثمان بن عفان، فغاب أحد عشر يوماً وكان معه أربعمائة وخمسون رجلاً، وهربت منه الأعراب في رؤوس الجبال، حتى بلغ ماء يقال له ذو أمر فعسكر به، وأصابهم مطر كثير، فابتلت ثياب رسول الله صل الله عليه وسلم، فنزل تحت شجرة هناك ونشر ثيابه لتجف، وذلك بمرأى من المشركين‏.‏

واشتغل المشركون في شؤونهم، فبعث المشركون رجلاً شجاعاً منهم يقال له غورث بن الحارث، أو دعثور بن الحارث فقالوا‏:‏ قد أمكنك الله من قتل محمد، فذهب ذلك الرجل ومعه سيف صقيل، حتى قام على رسول الله صل الله عليه وسلم بالسيف مشهوراً، فقال‏:‏ يا محمد من يمنعك مني اليوم ‏؟‏

قال‏:‏ الله، ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صل الله عليه وسلم فقال‏:‏ من يمنعك مني‏؟‏ قال‏:‏ لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله لا أكثر عليك جمعاً أبداً، فأعطاه رسول الله صل الله عليه وسلم سيفه، فلما رجع إلى أصحابه فقالوا‏:‏ ويلك مالك ‏؟‏

فقال‏:‏ نظرت إلى رجل طويل فدفع في صدري فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملك وشهدت أن محمداً رسول الله، والله لا أكثر عليه جمعاً، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام‏.‏ ‏

قال‏:‏ ونزل في ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ‏}‏الآية ‏[‏المائدة‏:‏ 11‏]‏

قال البيهقي‏:‏ وسيأتي في غزوة ذات الرقاع قصة تشبه هذه فلعلهما قصتان‏.‏

قلت‏:‏ إن كانت هذه محفوظة فهي غيرها قطعاً، لأن ذلك الرجل اسمه غورث بن الحارث أيضاً، لم يسلم بل استمر على دينه، ولم يكن عاهد النبي صل الله عليه وسلم أن لا يقاتله، والله أعلم‏".‏

وورد في كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" غزوة غطفان وهي ذو أمر ويقال لها‏:‏ غزوة‏ أنمار‏.‏

وذلك أن رسول الله لما بلغه أن جمعًا من بني ثعلبة ومحارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا شيئًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب المسلمين وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في أربعمائة وخمسين رجلًا واستخلف عثمان بن عفان فأصابوا رجلًا من المشركين بذي القصة يقال له حبار من بني ثعلبة فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم وقال‏:‏ لن يلاقوك إذ سمعوا بمسيرك هوبوا في رؤوس الجبال فأسلم حبار ولم يلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا غير أنه ينظر إليهم في رؤوس الجبال وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبيه وألقاهما على شجرة ليجفا وأضطجع فجاء رجل من العدو يقال له دعثور بن الحارث ومعه سيفه حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ من يمنعك منى اليوم قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الله ‏"‏ ودفع جبريل عليه السلام في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله صل الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏"‏ من يمنعك مني ‏"‏ قال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ثم أتى قومه فجعل يدعوهم إلى الإسلام ونزلت‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم‏}‏ ورجعوا إلى المدينة ولم يلقوا كيدًا وكانت غيبتهم إحدى عشرة ليلة‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ هكذا ذكر ابن سعد وغيره أن هذا كان في هذه السنة‏.‏

وذكروا أن اسم الرجل دعثور وقد روي في الصحيح أن اسمه عورب وروي أن هذا كان في سنة خمس من الهجرة‏."‏





غزوة بُحران

معركة بحران أو غزوة بحران إحدى غزوات نبي الإسلام محمد صل الله عليه وسلم.

وقعت غزوة بحران في ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة، حيث خرج الرسول يريد قريشا واستخلف عبد الله بن أم مكتوم فبلغ بحران معدنا في الحجاز ثم رجع ولم يلق حربا.

وقد ورد في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير قوله:

"قال ابن إسحاق‏:‏ فأقام بالمدينة ربيعاً الأول كله، أو إلا قليلاً منه، ثم غدا يريد قريشاً‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ حتى بلغ بحران، وهو معدن بالحجاز من ناحية الفرع‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ إنما كانت غيبته عليه السلام عن المدينة عشرة أيام، فالله أعلم"‏.‏

وجاء في "سيرة ابن هشام" لابن هشام:

"ثم غزا ‏‏(‏‏ رسول الله صل الله عليه وسلم ‏‏)‏‏ يريد قريشا ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حتى بلغ بحران ، معدنا بالحجاز من ناحية الفرع ، فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا".



غزوة حمراء الأسد

غزوة حمراء الأسد حدثت في شوال من السنة الثالثة للهجرة، في منطقة حمراء الأسد 20 كلم جنوب المدينة المنورة. كان هدفها مطاردة قريش ومنعها من العودة للقضاء على المسلمين بالمدينة ورفع الروح المعنوية للصحابة بعد غزوة أحد. علمت قريش بخروج الرسول محمد وفضلت الهرب خوفاً من المسلمين الذين بقوا 3 أيام في حمراء الأسد ثم رجعوا إلى المدينة.

وقد ورد في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى المدينة يوم السبت يوم الوقعة فلما كان الغد وهو يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال أذن مؤذن رسول الله صل الله عليه وسلم في الناس بطنب العدو وأذن مؤذنه أن لا يخرج معنا إلا من حضر يومنا بالأمس وبات المسلمون يداوون جراحاتهم فكلمه جابر بن عبد الله فقال‏:‏ يا رسول الله‏:‏ إن أبي كان خلفني على أخوات لي فأذن لي بالخروج معك ولم يخرج معه ممن لم يشهد القتال غيره‏.‏

وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبًا للعدو ليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وإن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم فخرج حتى انتهى إلى حمراء الأسد ودفع لواءه وهو معقود لم يحل إلى علي بن أبي طالب وقيل‏:‏ إلى أبي بكر رضي الله عنهما واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وخرج وهو مجروح مشجوج مكسور الرباعية وشفته العليا قد كلمت في باطنها وهو متوهن المنكب الأيمن من ضربة ابن قميئة ونزل إليه أهل العوالي فبعث ثلاثة نفر من أسلم روحة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد وهي من المدينة على عشرة أميال وقيل‏:‏ ثمانية وللقوم رجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم فبصروا بالرجلين فرجعوا إليهما فقتلوهما ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد فدفن الرجلان في قبر واحد وأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء وكان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار فذهب صوت معسكرهم ونارهم في كل وجه فكبت الله بذلك عدوهم ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عزة فقتله صبرًا وانصرف رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة وكانت غيبته خمس ليال‏.‏

أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر أبا عزة الشاعر واسمه عمرو وكان ذا بنات فقال له‏:‏ دعني لبناتي فرحمه فأطلقه وأخذ عليه أن لا يكثر عليه بعدها فلما جمعت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا إليه وكلمه صفوان بن أمية وسأله أن يخرج إلى بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة وهم حلفاء قريش يسألهم النصر فأبى وقال‏:‏ إن محمدًا قد أمن علي وأعطيته أن لا أكثر عليه فلم يزل صفوان يكلمه حتى خرج إلى بني الحارث فحرضهم على الخروج مع قريش والنصر لهم فقال في ذلك‏:‏ أنتم بنو الحارث والناس الهام أنتم بنو عبد مناة الردم أنتم حماة وأبوكم حام لا تعدوا ناصركم بعد العام لا تسلمونا لا يحل إسلام فلما انصرفت قريش عن أحد تبعهم رسول الله حتى بلغ حمراء الأسد فأصاب بها عمرًا فقال له‏:‏ يا محمد عفوك فقال صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تمسح لحيتك بمكة وتقول خدعت صمدًا مرتين ‏"‏‏.‏

قال الزبير وحدثني محمد بن الضحاك عن أبيه ومحمد بن سلام عن أبي جعدية والأبرص أبو عزة الجمحي فكانت قريش لا تواكله ولا تجالسه فقال‏:‏ الموت خير من هذا فأخذ حديدة ودخل بعض شعاب مكة فطعن بها في موضع مغده والمغد موضع عقص الراكب من الدابة فمادت الحديدة بين الجلد والصفاق فسال منه ماء أصفر وبرئ فقال‏:‏ اللهم رب وائل ونهد والتهمات والجبال الجرد ورب من يوعى بياض نجد أصبحت عبدًا لك وابن عبد أبرأتني من وضح بجلدي من بعد ما طعنت في مغدي".

وورد في "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري قوله عن حمراء الأسد:

" وكان رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يوم السبت؛ وذلك يوم الوقعة بأحد؛ فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، قال: كان يوم أحد يوم السبت؛ للنصف من شوال؛ فلما كان الغد من يوم أحد - وذلك يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال - أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو؛ وأذن مؤذنه: ألا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس. فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، فقال: يا رسول الله، إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع، وقال لي: يا بني؛ إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي؛ فتخلف على أخواتك. فتخلفت عليهن. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج معه، وإنما خرج رسول الله صل الله عليه وسلم مرهباً للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم؛ ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان، أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل كان شهد أحداً، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين؛ فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو، قلت لأخي وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والله ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل؛ فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكنت أيسر جرحاً منه - فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة؛ حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى إلى حمراء الأسد؛ وهي من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها ثلاثاً: الاثنين، والثلاثاء ، والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة. وقد مر به - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم - معبدٌ الخزاعي، وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة، صفقتهم معه، لا يخفون عليه شيئاً كان بها - ومعبد يومئذ مشرك - فقال: يا محمد؛ أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك؛ ولوددنا أن الله كان أعفاك فيهم ! ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد؛ حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه، وقالوا: أصبنا حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم؛ لنكرن على بقيتهم؛ فلفرغن منهم. فلما رأى أبو سفيان معبداً، قال ما وراءك يا معبد ؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمعٍ لم أر مثله قط يتحرمون عليكم تحرماً، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال: ويلك ما تقول ! قال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم، قال: فإني أنهاك عن ذلك، فوالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتاً من شعر، قال: وماذا قلت ؟ قال: قلت:

كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل

تردى بأسدٍ كـرام لا تـنـابـلةٍ عند اللقاء ولا خرقٍ معـازيل

فظلت عدواً أظن الأرض مائلةً لما سموا برئيس غير مخـذول

فقلت ويل ابن حربٍ من لقائكـم إذا تغطمطت البطحاء بالجيل !

إني نذيرٌ لأهل البسل ضـاحـيةً لكل ذي إربةٍ منهم ومعـقـول

من جيش أحمد لا وخشٍ قنابلـه وليس يوصف ما أنذرت بالقيل

قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه. ومر به ركبٌ من عبد القيس، فقال: أين تريدون ؟ قالوا: نريد المدينة، قال: ولم ؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمل لكم إبلكم هذه غداً زبيباً بعكاظ إذا وافيتموها ؟ قالوا: نعم، قال: فإذا جئتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه، لنستأصل بقيتهم. فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: حسبنا الله ونعم الوكيل ! قال أبو جعفر: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد الثالثة؛ فزعم بعض أهل الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظفر في وجهه إلى حمراء الأسد بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص، وأبي عزة الجمحي؛ وكان رسول الله صل الله عليه وسلم خلف على المدينة حين خرج إلى حمراء الأسد ابن أم مكتوم".


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:57 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:51 am

غزوة أُحـد

غزوة أحد وقعت في يوم السبت، السابع من شوال في السنة الثالثة للهجرة والتي تصادف 23 مارس 625 م، بين المسلمين في يثرب بقيادة الرسول محمد صل الله عليه وسلم وأهل مكة وأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة.

كانت قوة المسلمين تقدر بحوالي 700 مقاتل وقوة أهل مكة وأتباعها تقدر بحوالي 3000 مقاتل من قريش والحلفاء الآخرين. وكان في الجيش 3000 بعير و200 فرس و 700 درع وكانت القيادة العامة في يد أبي سفيان بن حرب وعهدت قيادة الفرسان لخالد بن الوليد يعاونه عكرمة بن أبي جهل.

تمكن جيش أبي سفيان من تحقيق نصر عسكري بواسطة هجمة مرتدة سريعة بعد نصر أولي مؤقت للمسلمين الذين انشغل البعض منهم بجمع الغنائم وترك مواقعهم الدفاعية التي تم التخطيط لها قبل المعركة وتمكن بعض أفراد جيش أبي سفيان من الوصول إلى الرسول محمد و إصابته وشج أحدهم (وهو عبد الله بن شهاب) جبهته الشريفة واستطاع ابن قمئة الحارثي من إصابة انفه الشريف. يعتقد المؤرخون أن من الأسباب الرئيسية للهزيمة العسكرية للمسلمين هو مغادرة المواقع الدفاعية من قبل 40 راميا من أصل 50 تم وضعهم على جبل يقع على الضفة الجنوبية من وادي مناة، وهو ما يعرف اليوم بجبل الرماة والإشاعة عن مقتل النبي محمد أو صرخة الشيطان التي كان مفادها «ألا إن محمدا قد قتل».

جاء في "البداية والنهاية" لابن كثير عن غزوة أُحد قوله:

"ائدة ذكرها المؤلف في تسمية أحد، قال‏:‏ سمي أحد أحداً لتوحده من بين تلك الجبال‏.‏

وفي الصحيح‏:‏ ‏(‏‏(‏أحد جبل يحبنا ونحبه‏)‏‏)‏‏.‏

قيل‏:‏ معناه أهله‏.‏

وقيل‏:‏ لأنه كان يبشره بقرب أهله إذا رجع من سفره، كما يفعل المحب‏.‏

وقيل‏:‏ على ظاهره كقوله‏:‏ ‏{‏وإن منها لما يهبط من خشية الله‏}‏‏.‏

وفي الحديث عن أبي عبس بن جبر‏:‏ ‏(‏‏(‏أحد يحبنا ونحبه وهو على باب الجنة، وعير يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبواب النار‏)‏‏)‏‏.‏

قال السهيلي‏:‏ مقوياً لهذا الحديث، وقد ثبت أنه عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏‏(‏المرء مع من أحب‏)‏‏)‏ وهذا من غريب صنع السهيلي، فإن هذا الحديث إنما يراد به الناس، ولا يسمى الجبل امرءاً‏.‏

وكانت هذه الغزوة في شوال سنة ثلاث، قاله الزهري، وقتادة، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، ومالك‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ للنصف من شوال‏.‏

وقال قتادة‏:‏ يوم السبت الحادي عشر منه‏.‏

قال مالك‏:‏ وكانت الوقعة في أول النهار، وهي على المشهور التي أنزل الله فيها قوله تعالى‏:‏

‏{‏وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ‏}‏ الآيات ‏[‏آل عمران‏:‏ 121-125‏]‏ وما بعدها إلى قوله‏:‏

‏{‏مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 179‏]‏ وقد تكلمنا على تفاصيل ذلك كله في كتاب التفسير بما فيه الكفاية، ولله الحمد والمنة‏.‏

ولنذكر ههنا ملخص الوقعة مما ساقه محمد بن إسحاق وغيره من علماء هذا الشأن رح‏:‏ وكان من حديث أُحُد كما حدثني محمد بن مسلم الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم، من علمائنا كلهم، قد حدث ببعض هذا الحديث عن يوم أحد، وقد اجتمع حديثهم كلهم فيما سقت‏.‏

قالوا أو من قال منهم‏:‏ لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب، ورجع فلَّهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية في رجال من قريش، ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له تلك العير من قريش تجارة‏.‏

فقالوا‏:‏ يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا ندرك منه ثأراً، ففعلوا‏.‏ ‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ففيهم كما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 36‏]‏

قالوا‏:‏ فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صل الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها، ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة‏.‏

وكان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي قد منَّ عليه رسول الله صل الله عليه وسلم يوم بدر، وكان فقيراً ذا عيال وحاجة، وكان في الأسارى‏.‏

فقال له صفوان بن أمية‏:‏ يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر، فأعنا بلسانك واخرج معنا‏.‏

فقال‏:‏ إن محمداً قد منَّ علي، فلا أريد أن أظاهر عليه‏.‏

قال‏:‏ بلى فأعنا بنفسك فلك الله إن رجعت أن أغنيك، وإن قتلت أن أجعل بناتك مع بناتي، يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر‏.‏

فخرج أبو عزة يسير في تهامة، ويدعو بني كنانة ويقول‏:‏

أيا بني عبد مناة الرزام * أنتم حماة وأبوكم حام

لا يعدوني نصركم بعد العام * لا تسلموني لا يحل إسلام

قال‏:‏ وخرج نافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح إلى بني مالك بن كنانة يحرضهم، ويقول‏:‏

يا مال مال الحسب المقدم * أنشد ذا القربى وذا التذمم

من كان ذا رحم ومن لم يرحم * الحلف وسط البلد المحرم

عند حطيم الكعبة المعظم *

قال‏:‏ ودعا جبير بن مطعم غلاماً له حبشياً يقال له‏:‏ وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها، فقال له‏:‏ أخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق‏.‏

قال‏:‏ فخرجت قريش بحدها، وحديدها، وجدها، وأحابيشها، ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة، وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة، وأن لا يفروا، وخرج أبو سفيان صخر بن حرب، وهو قائد الناس ومعه زوجته هند بنت عتبة بن ربيعة، وخرج عكرمة بن أبي جهل بزوجته ابنة عمه أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة‏.‏

وخرج عمه الحارث بن هشام بزوجته فاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية، وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج وهي أم ابنه عبد الله بن عمرو، وذكر غيرهم ممن خرج بامرأته‏.‏ ‏

قال‏:‏ وكان وحشي كلما مر بهند بنت عتبة أو مرت به تقول‏:‏ ويهاً أبا دسمة اشف واشتفِ‏.‏ يعني تحرضه على قتل حمزة بن عبد المطلب‏.‏

قال‏:‏ فأقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي، مقابل المدينة، فلما سمع بهم رسول الله صل الله عليه وسلم والمسلمون قال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏قد رأيت والله خيراً رأيت بقراً تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم جميعاً عن أبي كريب، عن أبي أسامة، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صل الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفاً فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها أيضاً بقراً والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي أتانا بعد يوم بدر‏)‏‏)‏‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا الأصم، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال‏:‏ تنفل رسول الله صل الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، وذلك أن رسول الله صل الله عليه وسلم لما جاءه المشركون، يوم أحد كان رأيه أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدراً‏:‏

نخرج يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد، ورجوا أن يصيبهم من الفضيلة ما أصاب أهل بدر، فما زالوا برسول الله صل الله عليه وسلم حتى لبس أداته، ثم ندموا وقالوا‏:‏ يا رسول الله أقم فالرأي رأيك‏.‏

فقال لهم‏:‏ ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد ما لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه‏.‏

قال‏:‏ وكان قال لهم يومئذ قبل أن يلبس الأداة‏:‏ ‏(‏‏(‏إني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، وأني مردف كبشاً وأولته كبش الكتيبة، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم، ورأيت بقراً يذبح فبقر والله خير‏)‏‏)‏‏.‏

رواه الترمذي، وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه به‏.‏ ‏

وروى البيهقي من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس مرفوعاً قال‏:‏ ‏(‏‏(‏رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشاً وكأن ضبة سيفي انكسرت، فأولت أني أقتل كبش القوم، وأولت كسر ضبة سيفي قتل رجل من عترتي‏)‏‏)‏ فقتل حمزة، وقتل رسول الله صل الله عليه وسلم طلحة وكان صاحب اللواء‏.‏

وقال موسى بن عقبة رح‏:‏ ورجعت قريش فاستجلبوا من أطاعهم من مشركي العرب، وسار أبو سفيان بن حرب في جمع قريش، وذلك في شوال من السنة المقبلة من وقعة بدر، حتى طلعوا من بئر الحماوين، ثم نزلوا ببطن الوادي الذي قبلي أحد، وكان رجال من المسلمين لم يشهدوا بدراً قد ندموا على ما فاتهم من السابقة، وتمنوا لقاء العدو ليبلوا ما إبلى إخوانهم يوم بدر‏.‏

فلما نزل أبو سفيان والمشركون بأصل أحد، فرح المسلمون الذين لم يشهدوا بدراً بقدوم العدو عليهم، وقالوا‏:‏ قد ساق الله علينا أمنيتنا، ثم إن رسول الله صل الله عليه وسلم أري ليلة الجمعة رؤيا فأصبح، فجاءه نفر من أصحابه فقال لهم‏:‏

‏(‏‏(‏رأيت البارحة في منامي بقراً تذبح والله خير، ورأيت سيفي ذا الفقار انقصم من عند ضبته، أو قال‏:‏ به فلول فكرهته، وهما مصيبتان، ورأيت أني في درع حصينة وأني مردف كبشاً‏)‏‏)‏ فلما أخبرهم رسول الله صل الله عليه وسلم برؤياه قالوا‏:‏ يا رسول الله ماذا أولت رؤياك ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أولت البقر الذي رأيت بقراً فينا، وفي القوم، وكرهت ما رأيت بسيفي‏)‏‏)‏‏.‏

ويقول رجال‏:‏ كان الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه فإن العدو أصاب وجهه يومئذ، وقصموا رباعيته، وخرقوا شفته، يزعمون أن الذي رماه عتبة بن أبي وقاص، وكان البقر من قتل من المسلمين يومئذ‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أولت الكبش أنه كبش كتيبة العدو يقتله الله، وأولت الدرع الحصينة المدينة، فامكثوا واجعلوا الذراري في الأطام، فإن دخل علينا القوم في الأزقة قاتلناهم‏)‏‏)‏‏.‏

ورموا من فوق البيوت، وكانوا قد سكوا أزقة المدينة بالبنيان حتى صارت كالحصن، فقال الذين لم يشهدوا بدراً‏:‏ كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله، فقد ساقه الله إلينا وقرب المسير‏.‏

وقال رجل من الأنصار‏:‏ متى نقاتلهم يا رسول الله إذا لم نقاتلهم عند شعبنا‏؟‏

وقال رجال‏:‏ ماذا نمنع إذا لم تمنع الحرب بروع‏؟‏

وقال رجال قولاً صدقوا به، ومضوا عليه منهم‏:‏ حمزة بن عبد المطلب قال‏:‏ والذي أنزل عليك الكتاب لنجادلنهم‏.‏

وقال نعيم بن مالك بن ثعلبة - وهو أحد بني سالم -‏:‏ يا نبي الله لا تحرمنا الجنة، فوالذي نفسي بيده لأدخلنها، فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏بم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف‏.‏

فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏صدقت‏)‏‏)‏ واستشهد يومئذ‏.‏

وأبى كثير من الناس إلا الخروج إلى العدو، ولم يتناهوا إلى قول رسول الله صل الله عليه وسلم ورأيه، ولو رضوا بالذي أمرهم كان ذلك، ولكن غلب القضاء والقدر، وعامة من أشار عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدراً، قد علموا الذي سبق لأصحاب بدر من الفضيلة‏.‏

فلما صلى رسول الله صل الله عليه وسلم الجمعة، وعظ الناس وذكَّرهم، وأمرهم بالجد والجهاد، ثم انصرف من خطبته وصلاته، فدعا بلأمته فلبسها، ثم أذن في الناس بالخروج‏.‏

فلما رأى ذلك رجال من ذوي الرأي قالوا‏:‏ أمرنا رسول الله صل الله عليه وسلم أن نمكث بالمدينة، وهو أعلم بالله وما يريد، ويأتيه الوحي من السماء‏.‏

فقالوا‏:‏ يا رسول الله أمكث كما أمرتنا، فقال‏:‏ ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب، وأذن بالخروج إلى العدو أن يرجع حتى يقاتل، وقد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم إلا الخروج، فعليكم بتقوى الله والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو، وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا‏.‏

قال‏:‏ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، فسلكوا على البدائع وهم ألف رجل، والمشركون ثلاثة آلاف، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأحد، ورجع عنه عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلثمائة، فبقي رسول الله صل الله عليه وسلم في سبعمائة‏.‏

قال البيهقي رح‏:‏ هذا هو المشهور عند أهل المغازي أنهم بقوا في سبعمائة مقاتل‏.‏

قال‏:‏ والمشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل، كذلك رواه يعقوب بن سفيان عن أصبغ، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري‏.‏

وقيل عنه بهذا الإسناد سبعمائة، فالله أعلم‏.‏

قال موسى بن عقبة‏:‏ وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد، وكان معهم مائة فرس، وكان لواؤه مع عثمان بن طلحة، قال‏:‏ ولم يكن مع المسلمين فرس واحدة، ثم ذكر الوقعة كما سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى‏.‏

وقال محمد ابن إسحاق‏:‏ لما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤياه على أصحابه قال لهم‏:‏ إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها، وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول مع رأي رسول الله صل الله عليه وسلم في أن لا يخرج إليهم‏.‏

فقال رجال من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد، وغيرهم ممن كان فاته بدر‏:‏ يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا، فقال عبد الله بن أبي‏:‏ يا رسول الله لا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه‏.‏

فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل فلبس لأمته، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، وقد مات في ذلك اليوم رجل من بني النجار يقال له مالك بن عمرو، فصلى عليه، ثم خرج عليهم وقد ندم الناس وقالوا‏:‏ استكرهنا رسول الله صل الله عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك‏.‏

فلما خرج عليهم قالوا‏:‏ يا رسول الله إن شئت فاقعد، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل‏)‏‏)‏ فخرج رسول الله صل الله عليه وسلم في ألف من أصحابه‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ حتى إذا كان بالشوط بين المدينة وأحد انخزل عنه عبد الله بن أبي بثلث الناس، وقال‏:‏ أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس‏؟‏

فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام السلمي والد جابر بن عبد الله فقال‏:‏ يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا قومكم ونبيكم، عند ما حضر من عدوهم، قالوا‏:‏ لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال‏.‏

فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال‏:‏ أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه صل الله عليه وسلم‏.‏

قلت‏:‏ وهؤلاء القوم هم المرادون بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 167‏]‏‏.‏

يعني‏:‏ إنهم كاذبون في قولهم‏:‏ لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، وذلك لأن وقوع القتال أمره ظاهر بين واضح لا خفاء ولا شك فيه، وهم الذين أنزل الله فيهم‏:‏ ‏{‏فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية ‏[‏النساء‏:‏ 88‏]‏

وذلك أن طائفة قالت‏:‏ نقاتلهم، وقال آخرون‏:‏ لا نقاتلهم، كما ثبت وبين في الصحيح‏.‏

وذكر الزهري‏:‏ أن الأنصار استأذنوا حينئذ رسول الله صل الله عليه وسلم في الاستعانة بحلفائهم من يهود المدينة، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا حاجة لنا فيهم‏)‏‏)‏‏.‏

وذكر عروة بن موسى بن عقبة أن بني سلمة وبني حارثة لما رجع عبد الله بن أبي وأصحابه همتا أن تفشلا، فثبتهما الله تعالى، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 122‏]‏

قال جابر بن عبد الله‏:‏ ما أحب أنها لم تنزل، والله يقول‏:‏ ‏{‏والله وليهما‏}‏ كما ثبت في الصحيحين عنه‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة، فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف فاستله، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لصاحب السيف‏:‏ ‏(‏‏(‏شم سيفك - أي‏:‏ أغمده - فإني أرى السيوف ستسل اليوم‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال النبي صل الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏(‏‏(‏من رجل يخرج بنا على القوم من كثب - أي‏:‏ من قريب - من طريق لا يمر بنا عليهم‏)‏‏)‏‏.‏

فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث‏:‏ أنا يا رسول الله، فنفذ به في حرة بني حارثة، وبين أموالهم حتى سلك به في مال لمربع بن قيظي، وكان رجلاً منافقاً ضرير البصر، فلما سمع حس رسول الله ومن معه من المسلمين قام يحثي في وجوههم التراب، ويقول‏:‏ إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل في حائطي‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من التراب في يده، ثم قال‏:‏ والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر‏)‏‏)‏ ‏

وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه بالقوس في رأسه فشجه، ومضى رسول الله صل الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي وفي الجبل، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يقاتلن أحد حتى أمره بالقتال‏)‏‏)‏‏.‏

وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة كانت للمسلمين، فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صل الله عليه وسلم عن القتال‏:‏ أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب‏؟‏

وتعبأ رسول الله صل الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة رجل، وأمر على الرماة يومئذ عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف، وهو معلم يومئذ بثياب بيض، والرماة خمسون رجلاً فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك‏)‏‏)‏‏.‏

وسيأتي شاهد هذا في الصحيحين إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وظاهر رسول الله صل الله عليه وسلم بين درعين، يعني لبس درعاً فوق درع، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخي بني عبد الدار‏.‏

قلت‏:‏ وقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الغلمان يوم أحد فلم يمكنهم من حضور الحرب لصغرهم، منهم‏:‏ عبد الله بن عمر، كما ثبت في الصحيحين قال‏:‏ عرضت على النبي صل الله عليه وسلم يوم أحد فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني‏.‏

وكذلك رد يومئذ أسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، والبراء بن عازب، وأسيد بن ظهير، وعرابة بن أوس بن قيظي‏.‏ ذكره ابن قتيبة، وأورده السهيلي وهو الذي يقول فيه الشماخ‏:‏

إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين

ومنهم‏:‏ ابن سعيد بن خيثمة، ذكره السهيلي أيضاً، وأجازهم كلهم يوم الخندق‏.‏

وكان قد رد يومئذ سمرة بن جندب، ورافع بن خديج، وهما ابنا خمس عشرة سنة، فقيل‏:‏ يا رسول الله إن رافعاً رام فأجازه، فقيل‏:‏ يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعاً فأجازه‏.‏

قال ابن إسحاق رح‏:‏ وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فرس قد جنبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل بن هشام، وقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من يأخذ هذا السيف بحقه‏)‏‏)‏ فقام إليه رجال فأمسكه عنهم، حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة فقال‏:‏ وما حقه يا رسول الله ‏؟‏

قال‏:‏ أن تضرب به في العدو حتى ينحني‏.‏

قال‏:‏ أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فأعطاه إياه‏.‏

هكذا ذكره ابن إسحاق منقطعاً‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يزيد وعفان قالا‏:‏ حدثنا حماد هو ابن سلمة، أخبرنا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صل الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أحد فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يأخذ هذا السيف ‏؟‏‏)‏‏)‏

فأخذ قوم فجعلوا ينظرون إليه، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يأخذه بحقه‏)‏‏)‏ فأحجم القوم فقال أبو دجانة‏:‏ أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين‏.‏

ورواه مسلم عن أبي بكر عن عفان به‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب، وكان له عصابة حمراء يعلم بها عند الحرب يعتصب بها، فيعلم أنه سيقاتل‏.‏

قال‏:‏ فلما أخذ السيف من يد رسول الله صل الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك فاعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصفين‏.‏

قال‏:‏ فحدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم - مولى عمر بن الخطاب - عن رجل من الأنصار من بني سلمة قال‏:‏ قال رسول الله صل الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر‏:‏ ‏(‏‏(‏إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن‏)‏‏)‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم على القتال‏:‏ يا بني عبد الدار قد وليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم، وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا لواءنا، وإما أن تخلوا بيننا وبينه، فنكفيكموه فهموا به، وتواعدوه وقالوا‏:‏ نحن نسلم إليك لواءنا‏؟‏ ستعلم غداً إذا التقينا كيف نصنع‏؟‏ وذلك الذي أراد أبو سفيان‏.‏

قال‏:‏ فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال، ويحرضن على القتال، فقالت هند فيما تقول‏:‏

ويهاً بني عبد الدار * ويها حماة الأديار

ضرباً بكل بتار

وتقول أيضاً‏:‏

إن تقبلوا نعانق * ونفرش النمارق

أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن أبا عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان أحد بني ضبيعة، وكان قد خرج إلى مكة مباعداً لرسول الله صل الله عليه وسلم معه خمسون غلاماً من الأوس، وبعض الناس يقول‏:‏ كانوا خمسة عشر‏.‏

وكان يعد قريشاً أن لو قد لقي قومه لم يتخلف عليه منهم رجلان، فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش، وعبدان أهل مكة، فنادى‏:‏ يا معشر الأوس‏:‏ أنا أبو عامر‏.‏

قالوا‏:‏ فلا أنعم الله بك عيناً يا فاسق‏.‏ وكان يسمى في الجاهلية الراهب، فسماه رسول الله الفاسق، فلما سمع ردهم عليه قال‏:‏ لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتلهم قتالاً شديداً، ثم أرضخهم بالحجارة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فأقبل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ وحدثني غير واحد من أهل العلم أن الزبير بن العوام قال‏:‏ وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صل الله عليه وسلم السيف فمنعنيه، وأعطاه أبا دجانة، وقلت‏:‏ أنا ابن صفية عمته ومن قريش، وقد قمت إليه وسألته إياه قبله فأعطاه أبا دجانة وتركني، والله لأنظرن ما يصنع، فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار‏:‏ أخرج أبو دجانة عصابة الموت، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب فخرج وهو يقول‏:‏

أنا الذي عاهدني خليلي * ونحن بالسفح لدى النخيل

أن لا أقوم الدهر في الكيول * أضرب بسيف الله والرسول

وقال الأموي‏:‏ حدثني أبو عبيد في حديث النبي صل الله عليه وسلم أن رجلاً أتاه وهو يقاتل به فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لعلك إن أعطيتك تقاتل في الكيول‏)‏‏)‏ قال‏:‏ لا، فأعطاه سيفاً فجعل يرتجز ويقول‏:‏

أنا الذي عاهدني خليلي * أن لا أقوم الدهر في الكيول

وهذا حديث يروى عن شعبة، ورواه إسرائيل كلاهما عن أبي إسحاق، عن هند بنت خالد أو غيره، يرفعه الكيول يعني مؤخر الصفوف، سمعته من عدة من أهل العلم، ولم أسمع هذا الخرف إلا في هذا الحديث‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:54 am

تابع ...
غزوة أُحـد


قال ابن هشام‏:‏ فجعل لا يلقى أحداً إلا قتله، وكان في المشركين رجل لا يدع جريحاً إلا ذفف عليه، فجعل كل منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله أن يجمع بينهما، فالتقيا فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته، فعضيت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله، ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها‏.‏ فقلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

وقد رواه البيهقي في ‏(‏الدلائل‏)‏ من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام بذلك"‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ قال أبو دجانة‏:‏ رأيت إنساناً يحمس الناس حمساً شديداً فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول، فإذا امرأة فأكرمت سيف رسول الله صل الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة‏.‏

وذكر موسى بن عقبة أن رسول الله صل الله عليه وسلم لما عرضه طلبه منه عمر، فأعرض عنه، ثم طلبه منه الزبير فأعرض عنه، فوجدا في أنفسهما من ذلك، ثم عرضه الثالثة فطلبه أبو دجانة فدفعه إليه، فأعطى السيف حقه‏.‏

قال‏:‏ فزعموا أن كعب بن مالك قال‏:‏ كنت فيمن خرج من المسلمين فلما رأيت مثل المشركين بقتلى المسلمين، قمت فتجاورت، فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة، يجوز المسلمين وهو يقول‏:‏ استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم‏.‏

قال‏:‏ وإذا رجل من المسلمين ينتظره وعليه لأمته، فمضيت حتى كنت من ورائه، ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيأة‏.‏

قال‏:‏ فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف فبلغت وركه، وتفرق فرقتين، ثم كشف المسلم عن وجهه، وقال‏:‏ كيف ترى يا كعب أنا أبو دجانة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطأة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء، وكذلك قتل عثمان بن أبي طلحة وهو حامل اللواء، وهو يقول‏:‏

إن على أهل اللواء حقاً * أن يخضبوا الصعدة أو تندقا

فحمل عليه حمزة فقتله، ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني، وكان يكنى بأبي نيار، فقال حمزة‏:‏ هلم إلي يا ابن مقطعة البظور، وكانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، وكانت ختَّانة بمكة، فلما التقيا ضربه حمزة فقتله فقال وحشي - غلام جبير بن مطعم -‏:‏

والله إني لأنظر لحمزة يهد الناس بسيفه، ما يليق شيئاً يمر به مثل الجمل الأورق، إذ قد تقدمني إليه سباع فقال حمزة‏:‏ هلم يا ابن مقطعة البظور، فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي، فغلب فوقع وأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي، ثم تنحيت إلى العسكر، ولم يكن لي بشيء حاجة غيره‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني عبد الله بن الفضل بن عياش بن ربيعة بن الحارث، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال‏:‏ خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار أحد بني نوفل بن عبد مناف، في زمان معاوية، فأدربنا مع الناس، فلما مررنا بحمص، وكان وحشي مولى جبير قد سكنها، وأقام بها، فلما قدمناها قال عبيد الله بن عدي‏:‏ هل لك في أن نأتي وحشياً فنسأله عن قتل حمزة كيف قتله ‏؟‏

قال‏:‏ قلت له‏:‏ إن شئت، فخرجنا نسأل عنه بحمص، فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه إنكما ستجدانه بفناء داره، وهو رجل قد غلبت عليه الخمر، فإن تجداه صاحياً تجدا رجلاً عربياً، وتجدا عنده بعض ما تريدان، وتصيبا عنده ما شئتما من حديث تسألانه عنه، وإن تجداه وبه بعض ما به فانصرفا عنه ودعاه‏.‏

قال‏:‏ فخرجنا نمشي حتى جئناه فإذا هو بفناء داره على طنفسة له، وإذا شيخ كبير مثل البغاث، وإذا هو صاح لا بأس به، فلما انتهينا إليه سلمنا عليه، فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي فقال‏:‏ ابن لعدي بن الخيار أنت ‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك بعرضيك، فلمعت لي قدماك حتى رفعتك إليها، فوالله ما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما‏.‏

قال‏:‏ فجلسنا إليه، فقلنا‏:‏ جئناك لتحدثنا عن قتل حمزة كيف قتلته‏؟‏

فقال‏:‏ أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صل الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك‏:‏ كنت غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر فلما سارت قريش إلى أحد، قال لي جبير‏:‏ إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق‏.‏

قال‏:‏ فخرجت مع الناس وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة قلَّ ما أخطئ بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة، وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس كأنه الجمل الأورق، يهد الناس بسيفه هداً ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة، أو بحجر ليدنو مني، إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى‏.‏

فلما رآه حمزة قال‏:‏ هلم إلي يا ابن مقطعة البظور، قال‏:‏ فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه، قال‏:‏ وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه فوقعت في ثنته، حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فغلب وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر وقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة إنما قتلته لأعتق‏.‏

فلما قدمت مكة عتقت، ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، هربت إلى الطائف فمكثت بها، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ليسلموا تعَّيت علي المذاهب فقلت‏:‏ ألحق بالشام أو باليمن أو ببعض البلاد، فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال لي رجل‏:‏ ويحك إنه والله لا يقتل أحداً من الناس دخل في دينه وشهد شهادة الحق‏.‏

قال‏:‏ فلما قال لي ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صل الله عليه وسلم المدينة، فلم يرعه إلا بي قائماً على رأسه أشهد شهادة الحق، فلما رآني قال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏أوحشي أنت ‏؟‏‏)‏‏)‏ قلت‏:‏ نعم يا رسول الله، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة‏)‏‏)‏ قال فحدثته كما حدثتكما، فلما فرغت من حديثي قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ويحك غيب عني وجهك فلا أرينك‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فكنت أتنكب برسول الله صل الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني حتى قبضه الله عز وجل‏.‏

فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس ورأيت مسيلمة قائماً وبيده السيف وما أعرفه، فتهيأت له وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه‏.‏

وشد عليه الأنصاري بالسيف، فربك أعلم أينا قتله فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صل الله عليه وسلم، وقتلت شر الناس‏.‏

قلت‏:‏ الأنصاري هو أبو دجانة سماك بن حرشة، كما سيأتي في مقتل أهل اليمامة‏.‏

وقال الواقدي في الردة‏:‏ هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني‏.‏

وقال سيف بن عمرو‏:‏ هو عدي بن سهل، وهو القائل‏:‏

ألم تر أني ووحشيهم * قتلت مسيلمة المغتبن

ويسألني الناس عن قتله * فقلت ضربت وهذا طعن

والمشهور‏:‏ أن وحشياً هو الذي بدره بالضربة وذفف عليه أبو دجانة، لما روى ابن إسحاق عن عبد الله بن الفضل عن سليمان بن يسار عن ابن عمر قال‏:‏ سمعت صارخاً يوم اليمامة يقول قتله العبد الأسود‏.‏ ‏

وقد روى البخاري قصة مقتل حمزة من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الله بن الفضل، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال‏:‏ خرجت مع عبد الله بن عدي بن الخيار فذكر القصة كما تقدم‏.‏

وذكر أن عبيد الله بن عدي كان معتجراً عمامة لا يرى منه وحشي إلا عينيه ورجليه، فذكر من معرفته له ما تقدم‏.‏ وهذه قيافة عظيمة كما عرف مجزز المدلجي أقدام زيد وابنه أسامة مع اختلاف ألوانهما‏.‏

وقال في سباقته‏:‏ فلما أن صفَّ الناس للقتال، خرج سباع فقال‏:‏ هل من مبارز‏؟‏ فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال له‏:‏ يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله‏؟‏ ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب‏.‏

قال‏:‏ وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي، فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه‏.‏ قال‏:‏ فكان ذلك آخر العهد به، إلى أن قال‏:‏ فلما قبض رسول الله صل الله عليه وسلم وخرج مسيلمة الكذاب قلت‏:‏ لأخرج إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة‏.‏

قال‏:‏ فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان، قال‏:‏ فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال‏:‏ فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه، حتى خرجت من كتفيه‏.‏ قال‏:‏ ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته‏.‏

قال عبد الله بن الفضل‏:‏ فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول‏:‏ فقالت جارية على ظهر البيت وا أمير المؤمناه قتله العبد الأسود‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ فبلغني أن وحشياً لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان، فكان عمر بن الخطاب يقول‏:‏ قد قلت بأن الله لم يكن ليدع قاتل حمزة‏.‏

قلت‏:‏ وتوفي وحشي بن حرب أبو دسمة، ويقال‏:‏ أبو حرب بحمص، وكان أول من لبس الثياب المدلوكة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل، وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي، وهو يظن أنه رسول الله صل الله عليه وسلم، فرجع إلى قريش فقال‏:‏ قتلت محمداً‏.‏

قلت‏:‏ وذكر موسى بن عقبة في ‏(‏مغازيه‏)‏ عن سعيد بن المسيب أن الذي قتل مصعباً هو أبي بن خلف، فالله أعلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صل الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب‏.‏

وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق‏:‏ كان اللواء أولاً مع علي بن أبي طالب، فلما رأى رسول الله صل الله عليه وسلم لواء المشركين مع عبد الدار قال‏:‏ نحن أحق بالوفاء منهم، أخذ اللواء من علي بن أبي طالب، فدفعه إلى مصعب بن عمير، فلما قتل مصعب أعطى اللواء علي بن أبي طالب‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقاتل علي بن أبي طالب ورجال من المسلمين‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ وحدثني مسلمة بن علقمة المازني قال‏:‏ لما اشتد القتال يوم أحد جلس رسول الله صل الله عليه وسلم تحت راية الأنصار، وأرسل إلى علي أن قدّم الراية، فقدم علي وهو يقول‏:‏ أنا أبو القصم فناداه أبو سعد بن أبي طلحة وهو صاحب لواء المشركين‏:‏ هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏ فبرزا بين الصفين فاختلفا ضربتين، فضربه علي فصرعه، ثم انصرف ولم يجهز عليه‏.‏ ‏

فقال له بعض أصحابه‏:‏ أفلا أجهزت عليه‏؟‏ فقال‏:‏ إنه استقبلني بعورته، فعطفتني عليه الرحم، وعرفت أن الله قد قتله‏.‏ وقد فعل ذلك علي رضي الله عنه يوم صفين مع بسر ابن أبي أرطأة، لما حمل عليه ليقتله أبدى له عورته فرجع عنه‏.‏

كذلك فعل عمرو بن العاص حين حمل عليه علي في بعض أيام صفين، أبدى عن عورته، فرجع علي أيضاً‏.‏ ففي ذلك يقول الحارث بن النضر‏:‏

أفي كلِّ يومٍ فارس غير منتهِ * وعورته وسط العجاجة باديه

يكف لها عنه عليٌّ سنانه * ويضحك منها في الخلاء معاويه

وذكر يونس عن ابن إسحاق‏:‏ أن طلحة بن أبي طلحة العبدري حامل لواء المشركين يومئذ، دعا إلى البراز فأحجم عنه الناس فبرز إليه الزبير بن العوام، فوثب حتى صار معه على جمله، ثم اقتحم به الأرض فألقاه عنه وذبحه بسيفه، فأثنى عليه رسول الله صل الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن لكل نبي حوارياً وحواريّ الزبير‏)‏‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ لو لم يبرز إليه لبرزت أنا إليه، لما رأيت من إحجام الناس عنه‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ قتل أبا سعد بن أبي طلحة سعد بن أبي وقاص، وقاتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فقتل نافع بن أبي طلحة وأخاه الجلاس كلاهما يشعره سهماً، فيأتي أمه سلافة فيضع رأسه في حجرها فتقول‏:‏ يا بني من أصابك‏؟‏

فيقول‏:‏ سمعت رجلاً حين رماني يقول‏:‏ خذها وأنا ابن أبي الأقلح، فنذرت أن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر، وكان عاصم قد عاهد الله لا يمس مشركاً أبداً، ولا يمسه، ولهذا حماه الله منه يوم الرجيع كما سيأتي‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ والتقى حنظلة بن أبي عامر، واسمه عمرو، ويقال‏:‏ عبد عمرو بن صيفي، وكان يقال لأبي عامر في الجاهلية‏:‏ الراهب، لكثرة عبادته، فسماه رسول الله صل الله عليه وسلم الفاسق، لما خلف الحق وأهله، وهرب من المدينة هرباً من الإسلام ومخالفة للرسول عليه السلام‏.‏

وحنظلة الذي يعرف بحنطلة الغسيل - لأنه غسلته الملائكة كما سيأتي - هو وأبو سفيان صخر بن حرب، فلما علاه حنظلة رآه شدَّاد بن الأوس، وهو الذي يقال له ابن شعوب، فضربه شدَّاد فقتله، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن صاحبكم لتغسله الملائكة فاسألوا أهله ما شأنه‏)‏‏)‏ فسُئلت صاحبته‏.‏

قال الواقدي‏:‏ هي جميلة بنت أبي ابن سلول، وكانت عروساً عليه تلك الليلة‏.‏ فقالت‏:‏ خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏كذلك غسلته الملائكة‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ذكر موسى بن عقبة أن أباه ضرب برجله في صدره، وقال‏:‏ ذنبان أصبتهما ولقد نهيتك عن مصرعك هذا، ولقد والله كنتَ وصولاً للرحم، براً بالوالد‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقال ابن شعوب في ذلك‏:‏

لأحمينَّ صاحبي ونفسي * بطعنةٍ مثل شعاع الشمس

وقال ابن شعوب‏:‏

ولولا دفاعي يا ابن حرب ومشهدي * لألفيتَ يوم النعفِ غيرَ مجيب

ولولا مكري المهر بالنعف فرفرت * عليه ضباع أو ضراء كليب

وقال أبو سفيان‏:‏

ولو شئتُ نجتّني كُمَيتَ طمرة * ولم أحملِ النعماء لابن شعوب

وما زال مهري مزجَرَ الكلب منهم * لدن غدوةٍ حتى دنت لغروب

أقاتلهم وأدعي يا لغالب * وأدفعهم عني بركن صليب

فبكِّي ولا ترعي مقالة عاذل * ولا تسأمي من عَبرة ونحيب

أباكِ وإخواناً له قد تتابعوا * وحقاً لهم من عَبرة بنصيب

وسَلي الذي قد كان في النفس أنني * قتلت من النجار كل نجيب

ومن هاشم قرماً كريماً ومصعباً * وكان لدى الهيجاء غير هيوب

فلو أنني لم أشفِ نفسي منهم * لكانت شجى في القلب ذات ندوب

فأبوا وقد أوْدى الجلابيب منهمُ * بهم خدبٌ من مُغبطٍ وكئيب

أصابهمُ من لم يكن لدِمائهم * كفاء ولا في خطةٍ بضريب

فأجابه حسان بن ثابت‏:‏

ذكرت القروم الصِّيدَ من آل هاشم * ولست لزورٍ قلته بمصيبِ

أتعجبُ أن أقصدت حمزةَ منهم * نجيباً وقد سمَّيته بنجيب

ألم يقتلوا عَمراً وعتبة وابنه * وشيبة والحجاج وابن حبيب

غداة دعا العاصي علياً فراعَه * بضربةِ عَضْبٍ بَلّهُ بخضيب

وقال ابن الجوزي في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" :

" وكانت يوم السبت لسبع خلون من شوال وكان سببها أنه لما رجع من حضر بدرًا من المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان موقوفة في دار الندوة فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان فقالوا‏:‏ نحن طيبو الأنفس بأن تجهز بربح هذه العير جيشًا إلى محمد فقال أبو سفيان‏:‏ أنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي فباعوها فصارت ذهبًا وكانت ألف بعير وكان المال خمسين ألف دينار فسلم إلى أهل العير رؤوس أموالهم وعزلت الأرباح وبعثوا الرسل إلى العرت يستنصرونهم وأجمعوا على إخراج الظعن معهم ليذكرنهم قتلى بدر فيحفظنهم فيكون أجد لهم في القتال‏.‏

وكتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت قريش ومعهم أبو عامر الراهب وكان عددهم ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومعهم مائتا فرس وثلاثة ألاف بعير وكانت الظعن خمسة عشرة امرأة فساروا حتى نزلوا ذا الحلمة فأقاموا يوم الأربعاء والخميس والجمعة وبات سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة من الناس وحرست المدينة ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه في درع حصينة وكأن سيفه ذا الفقار قد انفصم وكأن بقرًا تذبح وكأنه مردف كبشا فأولها فقال‏:‏ أما الدرع فالمدينة والبقر قتل في أصحابي وانفط سيفي مصيبة في نفسي والكبش كبش الكتيبة نقتله إن شاء الله وكان رأيه صلى الله عليه وسلم أن لا يخرج من المدينة وكان ذلك رأي الأكابر من أصحابه وطلب فتيان أحداث لم يشهدوا بدرًا أن يخرجوا حرصًا على الشهادة فغلبوا على الأمر فصلى الجمعة ثم وعظمهم وأمرهم بالجد والجهاد ثم صلى العصر ثم دخل بيته ومعه أبو بكر وعمر فعمماه ولبساه وصف الناس له فخرج صلى الله عليه وسلم قد لبس لأمته وأظهر الدرع وحزم وسطها بمنطقة من أدم واعتم وتقلد السيف وألقى الترس في ظهره فندموا جميعًا على ما صنعوا وقالوا‏:‏ ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك فقال‏:‏ صل الله عليه وسلم لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه فامضوا على اسم الله فلكم النصر إن صبرتم‏.‏

فعقد ثلاثة ألوية فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير ولواء الخزرج إلى الحباب وقيل‏:‏ إلى سعد بن عبادة ولواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقيل‏:‏ إلى مصعب بن عمير واستخلف عبد الله بن أم مكتوم على المدينة ثم ركب صل الله عليه وسلم فرسه وتقلد قوسه وأخذ قناة في يده وفي المسلمين مائة دارع وخرج السعدان أمامة‏:‏ سعد بن معاذ وسعد بن عبادة والناس على يمينه وشماله وعرض من عرض ورد من رد وكان فيمن رد‏:‏ ابن عمر وزيد بن ثابت وأسيد بن ظهير والبراء بن عازب وعرابة بن أوس وهو الذي قال رأيت عرابة الأوسي يسمو إلى الخيرات منقطع القرين إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين وأذن بلال المغرب فصلى بأصحابه واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلًا يطوفون بالعسكر‏.‏

وبات بالشيخين اطمأن في طرق المدينة وكان يهودي ويهودية أعميان يقومان عليهما فسميا بالشيخين لذلك وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر فصلى بأصحابه الصبح وانخزل ابن أبي في ثلاثمائة وكان رأيه أن لا يخرج من المدينة فقال‏:‏ عصاتي وأطاع الولدان فبقي رسول الله في سبعمائة وأقبل يسوي الصفوف وجعل أحدًا وراء ظهره واستقبل المدينة وجعل عينين - جبلا بقناة - عن يساره وجعل عليه خمسين من الرماة عليهم ابن جبير واستعمل المشركون على ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل وعلى الخيل صفوان بن أمية وقيل عمرو بن العاص وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة وكانوا مائة رام وقال أبو سفيان بن حرب لبني عبد الدار يومئذ‏:‏ إنكم أضعتم اللواء يوم بدر فأصابنا ما رأيتم فادفعوا إلينا اللواء نكفيكم وإنما أراد تحريضهم على الثبات فغضبوا وأغلظوا له القول ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة وحضرت الملائكة ولم تقاتل وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفًا وقال‏:‏ ‏"‏ من يأخذ هذا السيف بحقه ‏"‏ قال أبو دجانة‏:‏ وما حقه قال‏:‏ أن تضرب به في العدو حتى ينحني قال‏:‏ أنا فأخذه وجعل يتبختر في الصفين فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن ‏"‏‏.‏

وكان أول من أنشب الحرب أبو عامر الراهب طلع في خمسين من قومه فنادى‏:‏ أنا أبو عامر فقال المسلمون‏:‏ لا مرحبًا بك فتراموا بالحجارة حتى ولى أبو عامر وجعل نساء المشركين يضربن بالدفوف والأكبار ويحرضن ويقلن‏:‏ نحن بنات طارق نمشي على النمارق إن تقبلوا نعانق أو تدبروا نفارق فراق غير وامق فصاح طلحة من يبارز فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه على رأسه حتى فلق هامته - وهو كبش الكتيبة - فسر بذلك رسول الله صل الله عليه وسلم وكبر المسلمون ثم شدوا على المشركين وحمل لواءهم أخوه عثمان بن أبي طلحة فضربه حمزة بالسيف فقطع يده ثم حمله أبو سعد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله فحمله مسافع بن طلحة فرماه عاصم فقتله ثم حمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم فقتله ثم حمله كلاب بن طلحة فقتله الزبير ثم حمله الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي رضي الله عنه ثم حمله شرحبيل بن فارط فقتله بعض المسلمين ثم حمله صؤاب غلام لهم فقتله بعض المسلمين‏.‏

فلما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين ونساؤهم يدعون بالويل وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السلاح ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون الغنائم‏.‏

فلما رأى الرماة ذلك أقبل جماعة منهم وخلوا الجبل فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل وتبعه عكرمة فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم وقتلوا أميرهم عبد الله بن جبير وانتقضت صفوف المسلمين ونادى إبليس‏:‏ قتل محمد وثبت رسول الله صل الله عليه وسلم في عصابة من الصحابة أربعة عشر فيهم أبو بكر فأصيبت رباعيته وكلم في وجهه‏.‏

وفي الذي فعل به ذلك قولان‏:‏ أحدها أنه عتبة بن أبي وقاص قال سعد بن أبي وقاص‏:‏ كنت حريصًا على قتل عتبة فكفاني منه قول رسول الله صل الله عليه وسلم اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله ‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ أنه ابن قميئة فإنه علا رسول الله صل الله عليه وسلم بالسيف فضربه على شقة الأيمن فاتقاها طلحة بيده فشلت يده‏.‏

قال السدي‏:‏ وابن قميئة هو الذي رمى وجه رسول الله بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا عمرو بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا ابن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني الضحاك بن عثمان عن ضمرة بن سعيد عن أبي بشر المازني قال‏:‏ حضرت يوم أحد وأنا غلام فرأيت ابن قميئة علا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فرأيت رسول الله وقع على كتفيه في حفرة أمامه حتى توارى فجعلت أصيح وأنا غلام حين رأيت الناس ثابوا إليه فأنظر إلى طلحة بن عبيد الله أخذ يحضنه حتى قام رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن مخلد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن إبراهيم الحكيمي قال‏:‏ حدثنا الفتح ابن سخرف قال‏:‏ سمعت محمد بن خلف العسقلاني قال‏:‏ سمعت محمد بن يوسف الفريابي يقول‏:‏ لقد بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صل الله عليه وسلم لم يولد لهم صبي فثبت له رباعية‏.‏

قال علماء السير‏:‏ وترس أبو دجانة رسول الله صل الله عليه وسلم بنفسه وكانت النبل تقع في ومر أنس بن النضر على عمر وطلحة في رجال من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فقال‏:‏ ما يجلسكم قالوا‏:‏ قتل رسول الله قال‏:‏ فما تصنعون بالحياة قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم تقدم فقاتل حتى قتل‏.‏

قال المصنف رحمه الله وكان أربعة نفر قد تحالفوا وتعاقدوا يوم أحد‏:‏ لئن رأوا رسول الله صل الله عليه وسلم ليقتلنه أو ليقتلن دونه عمرو بن قميئة وأبي بن خلف وعبد الله بن شهاب وعتبة بن أبي وقاص‏.‏

وكان أبي قد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لأقتلنك فلما طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صاح الشيطان‏:‏ قتل محمد رآه أبي فقال‏:‏ لا نجوت إن نجوت فقالت الصحابة‏:‏ أيعطف عليه أحدنا فقال‏:‏ دعوه فرماه رسول الله صل الله عليه وسلم بجربة فكسرت ضلعًا من أضلاعه‏.‏

أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سليمان بن داوود الطوسي قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ قتل أمية بن خلف ببدر وكان أخوه أبي بن خلف قد أسر يومئذ فلما فدو قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن عندي فرسًا أعلفه كل يوم فرقًا من ذره أقتلك عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بل أنا أقتلك عليه إن شاء الله فلما كان يوم أحد وانحاز المسلمون إلى شعب أحد بصر أبي بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمل عليه فشد عليه الزبير بن العوام ومع الزبير الحربة فأخذها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للزبير‏:‏ دعه وشد عليه رسول الله صل الله عليه وسلم فطعنه بها فدق ترقوته وخر صريعًا وأدركه المشركون فارتثوه وله خوار فجعلوا يقولون‏:‏ ما بك بأس فيقول‏:‏ أليس قد قال‏:‏ أنا أقتلك فحملوه حتى مات بمر الظهران على أميال من مكة‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وعلى هذا جميع أهل التاريخ أن الذي قتله رسول الله صل الله عليه وسلم أبي بن خلف وأن أمية بن خلف قتل يوم بدر‏.‏

وقد روى البخاري في صحيحه‏:‏ أن سعد بن معاذ قال لأمية بن خلف‏:‏ إني سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ إنه قاتلك ‏"‏ فقال‏:‏ والله ما يكذب محمد فلما سار الناس إلى بدر أراد أن لا يخرج فقال له أبو جهل‏:‏ إنك من أشراف الوادي فسر يومًا أو يومين فسار حتى قتله الله ببدر‏.‏

فيحتمل أن يكون رسول الله صل الله عليه وسلم قتل أمية يوم بدر وقتل أبي يوم أحد ويحتمل أن يكون بمعنى قوله‏:‏ ‏"‏ إنه قاتلك ‏"‏ أي بقتلك أصحابه‏.‏

والله أعلم وقد ذكرنا قال علماء السير‏:‏ كان اللواء مع مصعب بن عمير فقتل فأخذ اللواء ملك في صورته‏.‏

فأخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني الزبير بن سعد النوفلي عن عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال‏:‏ أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقتل مصعب فأخذه ملك في صورة مصعب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له في آخر النهار‏:‏ ‏"‏ تقدم ‏"‏ يا مصعب فالتفت إليه الملك فقال‏:‏ لست بمصعب فعرف رسول الله صل الله عليه وسلم أنه ملك أيد به‏.‏

قال علماء السير‏:‏ قتل يومئذ حمزة وأصيبت عين قتادة بن النعمان فوقدت على وجنته فجاء بها إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فردها بيده فكانت أحسن عينيه‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وكان ممن جرح فقاتل حميئة ومات وهو معدود من المنافقين‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا ابن جعفر قال‏:‏ أخبرنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال‏:‏ جعل رسول الله على الرماة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلًا - عبد الله بن جبير قال‏:‏ ووضعهم موضعًا وقال‏:‏ إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا ظهرنا على القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم قال‏:‏ فهزموهم قال‏:‏ وأنا والله رأيت النساء يشتددن على الخيل وقد بدت أسواقهن وخلاخيلهن رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد الله بن جبير‏:‏ الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنظرون فقال عبد الله بن جبير‏:‏ أنسيتم ما قال لكم رسول الله صل الله عليه وسلم قالوا‏:‏ إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والرسول يدعوكم في أخراكم‏}‏‏.‏

فلم يبق مع رسول الله صل الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلًا فأصابوا منا سبعين رجلًا‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة وسبعين أسيرًا وسبعين قتيلًا فقال أبو سفيان‏:‏ أفي القوم محمد أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثلاثًا قال‏:‏ فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ثم قال‏:‏ أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن الخطاب فقال‏:‏ أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم فما ملك عمر نفسه أن أن قال‏:‏ كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددتهم لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسؤك فقال‏:‏ يوم أحد بيوم بدر والحرب سجال إنكم ستجدون في القوم مثله لم آمر بها ولم تسؤني ثم أخذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ألا تجيبوه ‏"‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله ما نقول قال‏:‏ قولوا‏:‏ الله أعلى وأجل ‏"‏ قال‏:‏ لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ألا تجيبوه قالوا‏:‏ يا رسول الله وما نقول قال‏:‏ ‏"‏ قولوا‏:‏ الله مولانا ولا مولى لكم ‏"‏‏.‏

قال علماء السير‏:‏ وقامت هند في نسوة معها يمثلن بالقتلى يجدعن الأنوف والأذان حتى اتخذت هند من ذلك خدمًا وقلائد وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها‏.‏

فلما أراد أبو سفيان أن ينصرف نادى‏:‏ موعدكم بدر العام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه‏:‏ ‏"‏ قل نعم بيننا موعد ‏"‏ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لعلي‏:‏ ‏"‏ أخرج في آثار القوم فإن اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل‏:‏ فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأنا جزنهم ‏"‏‏.‏

قال علي رضي الله عنه‏:‏ فخرجت في آثار القوم فاجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة‏.‏

ثم أقبل المسلمون على قتلاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع فمضى رجل فوجده جريحًا بين القتلى وبه رمق فقال إن رسول الله صل الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات فقال‏:‏ أنا في الأموات أبلغ رسول الله عني السلام وقل له‏:‏ يقول لك سعد بن الربيع‏:‏ جزاك الله خير ما جزى نبيًا عن أمته وأبلغ قومك السلام عني وقل لهم لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف أم مات‏.‏

وخرج رسول الله يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي وقد بقر بطنه عن كبده ومثل به فقال‏:‏ لو لا أن تحزن صفية أو تكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير ولئن أنا أظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين رجلًا منهم فقال المسلمون‏:‏ والله لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏}‏‏.‏

وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير‏:‏ القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها فلقيها فقال لها‏:‏ يا أمه إن رسول الله صل الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي فقالت‏:‏ ولم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله قليل فلاحتسبن ولأصبرن إن شاء الله فجاءت إليه واستغفرت له‏.‏

قتل من المسلمين يوم أحد حمزة قتله وحشي وعبد الله بن جحش قتله أبو الحكم بن الأخنس ومصعب بن عمير قتله ابن قميئة وشماس بن عثمان قتله أبي بن خلف وعبد الله وعبد الرحمن ابنا الهبيب ووهب بن قابوس وابن أخيه الحارث بن عقبة‏.‏

وقتل من الأنصار سبعون وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون منهم‏.‏

ولما أراد المسلمون دفن قتلاهم قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ احفروا وأعمقوا وقدموا أكثرهم قرآنا ‏"‏‏.‏

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:55 am

تابع ...
غزوة أُحـد

قال المؤلف للكتاب‏:‏ واختلف الناس هل صلى على شهداء أحد أم لا على قولين‏.‏

وممن دفن في قبر واحد عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح وسعد بن الربيع وخارجة بن زيد والنعمان بن مالك وعبدة بن الحسحاس وكان الناس قد حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها فنادى منادي رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ردو القتلى إلى مضاجعهم ‏"‏ فأدرك المنادي رجلًا ثم يكن دفن وهو شماس بن عثمان المخزومي‏.‏

أخبرنا أبو غلاب محمد بن الحسن الماوردي قال‏:‏ أخبرنا المطهر بن عبد الواحد المراي قال‏:‏ أخبرنا جعفر قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد المرزباني قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن يحيى بن الحكم الحروري قال‏:‏ أخبرنا لوين قال‏:‏ أخبرنا شريك عن الأسود بن قيس عن نبيح عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ قتل أبي وخالي يوم أحد فحملتهما أمي على بعير فأتت بهما المدينة فنادي منادي رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ردوا القتلى إلى مصارعهم ‏"‏‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ولما أمر رسول الله بدفن القتلى قال‏:‏ ‏"‏ انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام‏.‏

فانهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد فلما احتفر معاوية القناة أخرجا وهما ينثيان كأنما دفنا بالأمس ‏"‏‏.‏

ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا إلى المدينة فلقيته حمنة بنت جحش فنعي لها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن زوج المرأة منها لبمكان ‏"‏ لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها وصياحها على زوجها‏.‏

أخبرنا المحمدان‏:‏ ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا‏:‏ أخبرنا أحمد بن أحمد قال‏:‏ حدثنا محمد بن هارون قال‏:‏ أخبرنا محمد بن حميد قال‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن بن معين قال‏:‏ حدثنا الفضل بن فضالة عن ليث عن أنس قال‏:‏ لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة وقالوا‏:‏ قتل محمد حتى كبرت الصوارخ في نواحي المدينة فخرجت امرأة من الأنصار فاستقبلت بأخيها وأبيها وزوجها لا أدري بأيهم استقبلت أولًا فلما مرت على آخرهم قالت‏:‏ من هذا قالوا‏:‏ أخوك وأبوك وزوجك وابنك قالت‏:‏ فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون‏:‏ أمامك حتى ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم قالت‏:‏ بأبي أنت وأمي يا رسول الله صل الله عليه وسلم ما أبالي إذ سلمت من عطب‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ ولما انتهى رسول الله صل الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه فاطمة فقال‏:‏ ‏"‏ اغسلي عن هذا دمه يا بنية ‏"‏‏.‏

وورد في "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري قوله حول غزوة أحد:

" قال أبو جعفر: وكان الذي هاج غزوة أحد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشركي قريش وقعة بدر وقتل من قتل ببدر من أشراف قريش ورءوسائهم؛ فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وحدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين ابن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا؛ كلهم قد حدث ببعض هذا الحديث عن يوم أحد، وقد اجتمع حديثهم كلهم فيما سقت من الحديث عن يوم أحد، قالوا: لما أصيبت قريش - أو من قاله منهم - يوم بدر من كفار قريش من أصحاب القليب، فرجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر؛ فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إن محمداً قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه؛ لعلنا أن ندرك منه ثأراً بمن أصيب منا، ففعلوا، فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه سلم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة؛ وكل أولئك قد استعووا على حرب رسول الله صل الله عليه وسلم.

وكان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر. وكان فقيراً ذا بنات، وكان في الأسارى، فقال: يا رسول الله، إني فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها، فامنن علي صلى الله عليك! فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صفوان ابن أمية: يا أبا عزة، إنك امرؤٌ شاعرٌ، فاعنا بلسانك، فأخرج معنا. فقال: إن محمداً قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه، فقال: بلى فأعنا بنفسك، فلك الله إن رجعت أن أغنيك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر. فخرج أبو عزة يسير في تهامة، ويدعو بنى كنانة. وخرج مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح؛ إلى بني مالك بن كنانة يحرضهم ويدعوهم إلى حرب رسول الله صل الله عليه وسلم، ودعا جبير بن مطعم غلاماً له يقال له وحشى، كان حبشياً يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلما يخطئ بها. فقال له: اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت عم محمد بعمى طعيمة بن عدي فأنت عتيقٌ.

فخرجت قريش بحدها وجدها وأحابيشها، ومن معها من بنى كنانة وأهل تهامة، وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة؛ ولئلا يفروا. فخرج أبو سفيان بن حرب - وهو قائد الناس، معه هند بنت عتبة ابن ربيعة - وخرج عكرمة بن أبي جهل بن هشام بن المغيرة بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وخرج صفوان بن أمية بن خلف ببرزة - قال أبو جعفر: وقيل ببرة - بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية؛ وهي أم عبد الله ابن صفوان - وخرج عمرو بن العاص بن وائل بريطة بنت منبه بن الحجاج، وهي أم عبد الله بن عمرو بن العاص، وخرج طلحة بن أبي طلحة، وأبو طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بسلافة بنت سعد بن شهيد - وهي أم بني طلحة مسافع والجلاس وكلاب؛ قتلوا يومئذ وأبوهم - وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب إحدى نساء بني مالك ابن حسل، مع ابنها أبي عزيز بن عمير وهي أم مصعب بن عمير، وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بنى الحارث بن عبد مناة بن كنانة؛ وكانت هند بن عتبة بن ربيعة كلما مرت بوحشي أو مر بها قالت: إيهٍ أبا دسمة ! اشف واشتف - وكان وحشي يكنى أبا دسمة. فأقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة؛ من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة.

فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا قال: رسول الله صل الله عليه وسلم للمسلمين: إني قد رأيت بقرأ فأولتها خيراً، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً، ورأيت أنى أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة؛ فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا؛ فإن أقاموا أقاموا بشر مقام؛ وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها.

ونزلت قريش منزلها من أحد يوم الأربعاء. فأقاموا به ذلك اليوم ويوم الخميس ويوم الجمعة. وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الجمعة، فأصبح بالشعب من أحد. فالتقوا يوم السبت للنصف من شوال؛ وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرى رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: ألا يخرج إليهم؛ وكان رسول الله صل الله عليه وسلم يكره الخروج من المدينة، فقال رجال من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيرهم ممن كان فاته بدر وحضوره: يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا، فقال عبد الله بن أبي بن سلول: يا رسول الله، أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم؛ فوالله ما خرجنا إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله؛ فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس؛ وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا.

فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم؛ حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلبس لأمته؛ وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو، أحد بني النجار، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم خرج عليهم وقد ندم الناس، وقالوا: استكرهنا رسول الله صل الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لنا.

قال أبو جعفر: وأما السدي؛ فإنه قال في ذلك غير هذا القول؛ ولكنه قال ما حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع بنزول المشركين من قريش وأتباعها أحداً، قال لأصحابه: أشيروا علي ما أصنع ! فقالوا: يا رسول الله، اخرج بنا إلى هذه الأكلب، فقالت الأنصار: يا رسول الله، ما غلبنا عدوٌ قط أتانا في ديارنا، فكيف وأنت فينا ! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بن سلول - ولم يدعه قط قبلها - فاستشاره، فقال: يا رسول الله، اخرج بنا إلى هذه الأكلب؛ وكان رسول الله صل الله عليه وسلم يعجبه أن يدخلوا عليه المدينة، فيقاتلوا في الأزقة، فأتاه النعمان بن مالك الأنصاري، فقال: يا رسول الله لا تحرمني الجنة؛ فوالذي بعثك بالحق لأدخلن الجنة، فقال له: بم ؟ قال: بأني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأني لا أفر من الزحف. قال: صدقت، فقتل يومئذ.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بدرعه فلبسها، فلما رأوه قد لبس السلاح ندموا وقالوا: بئس ما صنعنا ! نشير على رسول الله والوحي يأتيه ! فقاموا فاعتذروا إليه، وقالوا: اصنع ما رأيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد في ألف رجل؛ وقد وعدهم الفتح إن صبروا، فلما خرج رجع عبد الله بن أبي بن سلول في ثلاثمائة، فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم؛ فلما غلبوه وقالوا له: ما نعلم قتالا، ولئن أطعتنا لترجعن معنا؛ قال الله عز وجل: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا "، فهم بنو سلمة وبنو حارثة، هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي، فعصمهم الله عز وجل، وبقي رسول الله صل الله عليه وسلم في سبعمائة .

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق: قال: قالوا: لما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله؛ استكرهناك ولم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد صلى الله عليك ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل؛ فخرج رسول الله في ألف رجل من أصحابه؛ حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة أنخزل عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس، فقال: أطاعهم فخرج وعصاني؛ والله ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس ! فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه من أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، أخو بني سلمة، يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عند ما حضر من عدوهم ! قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم؛ ولكنا لا نرى أن يكون قتال، فلما استعصوا عليه، وأبو إلا الانصراف عنه ، قال: أبعدكم الله أعداء الله ! فسيغني الله عنكم ! قال أبو جعفر: قال محمد بن عمر الواقدي: انخزل عبد الله بن أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشيخين بثلثمائة، وبقي رسول الله صل الله عليه وسلم في سبعمائة، وكان المشركون ثلاثة آلاف، والخيل مائتي فرس، والظعن خمس عشرة امرأة.

قال: وكان المشركين سبعمائة دارع؛ كان في المسلمين مائة دارع؛ ولم يكم معهم من الخيل إلا فرسان: فرسٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لأبي بردة بن نيار الحارثي. فأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشيخين حين طلعت الحمراء - وهما أطمان، كان يهودي ويهودية أعميان يقومان عليهما؛ فيتحدثان فلذلك، سميا الشيخين، وهو في طرف المدينة - قال: وعرض رسول الله صل الله عليه وسلم المقاتلة بالشيخين بعد المغرب؛ فأجاز من أجاز، ورد من رد، قال: وكان فيمن رد زيد بن ثابت وابن عمر، وأسيد بن ظهير، والبراء بن عازب، وعرابة بن أوس. قال: وهو الذي قال فيه الشماخ:

رأيت عرابة الأوسي ينمـي          إلى الخيرات منقطع القرين

إذا مارايةٌ رفعت لـمـجـدٍ              تلقاها عـرابة بـالـيمـين

قال: ورد أبا سعيد الخدري، وأجاز سمرة بن جندب ورافع بن خديج، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد استصغر رافعاً، فقام على خفين له فيهما رقاع، وتطاول على أطراف أصابعه؛ فلما رآه رسول الله صل الله عليه وسلم أجازه.

حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: كانت أم سمرة بن جندب تحت مرى بن سنان بن ثعلبة، عم أبي سعيد الخدري، فكان ربيبه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد، وعرض أصحابه، فرد من استصغر رد سمرة بن جندب، وأجاز رافع بن خديج، فقال سمرة بن جندب لربيبه مرى بن سنان: يا أبت، أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج، وردني وأنا أصرع رافع بن خديج، فقال: مرى بن سنان: يا رسول الله، رددت ابني، وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه ! فقال النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم لرافع وسمرة: تصارعا، فصرع سمرة رافعاً، فأجازه رسول الله صل الله عليه وسلم فشهدها مع المسلمين.

قال: وكان دليل النبي صل الله عليه وسلم أبو حثمة الحارثي.

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة، فذب فرس بذنبه، فأصاب كلاب سيف، فاستله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان يحب الفأل ولا يعتاف - لصاحب السيف: شم سيفك، فإني أرى السيوف ستسل اليوم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: من رجلٌ يخرج بنا على القوم من كثبٍ، من طريق لا يمر بنا عليهم ؟ فقال أبو حثمة أخو بني حارثة بن الحارث: أنا يا رسول الله، فقدمه فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى سلك به في مال المربع بن قيظي - وكان رجلاً منافقاً ضرير البصر - فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين، قام يحثي في وجوههم التراب، ويقول: إن كنت رسول الله؛ فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي؛ قال: وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك. فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا؛ فهذا الأعمى البصر، الأعمى القلب. وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فضربه بالقوس في رأسه فشجه، ومضى رسول الله صل الله عليه وسلم على وجهه، حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال: لا يقاتلن أحدٌ حتى نأمره بالقتال؛ وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة المسلمين.

فقال رجل من المسلمين حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال: أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب ! وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة رجل، وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف رجل؛ ومعهم مائتا فرس قد جنبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير، أخا بني عمرو بن عوف وهو يومئذ معلمٌ بثياب بيض، والرماة خمسون رجلاً، وقال: انضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك، وظاهر رسول الله صل الله عليه وسلم بين درعين.

فحدثنا هارون بن إسحاق: قال حدثنا مصعب بن المقدام، قال: حدثنا إسرائيل. وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، قال: حدثنا أبو إسٍحاق، عن البراء، قال: لما كان يوم أحد، ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين أجلس رسول الله صل الله عليه وسلم رجالاً بإزاء الرماة، وأمر عليهم عبد الله بن جبير. وقال لهم: لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا ظهرنا عليهم، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا.

فلما لقي القوم هزم المشركين حتى رأيت النساء قد رفعن عن سوقهن، وبدت خلاخيلهن، فجعلوا يقولون ،: الغنيمة الغنيمة ! فقال عبد الله: مهلاً، أما علمتم ما عهد إليكم رسول الله صل الله عليه وسلم ! فأبوا، فانطلقوا، فلما أتوهم صرف الله وجوههم؛ فأصيب من المسلمين سبعون.

حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي: عن أبيه، عن ابن عباس، قال: أقبل أبو سفيان في ثلاث ليال خلون من شوال، حتى نزل أحداً، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن في الناس فاجتمعوا، وأمر الزبير على الخيل؛ ومعه يومئذ المقداد بن الأسود الكندي، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء رجلاً من قريش يقال له مصعب بن عمير، وخرج حمزة بن عبد المطلب بالحسر ، وبعث حمزة بين يديه، وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين؛ ومعه عكرمة بن أبي جهل، فبعث رسول الله صل الله عليه وسلم الزبير، وقال: استقبل خالد بن الوليد؛ فكن بإزائه حتى أؤذنك، وأمر بخيل أخرى، فكانوا من جانب آخر، فقال: لا تبرحن حتى أوذنكم.

وأقبل أبو سفيان يحمل اللات والعزى، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير أن يحمل، فحمل على خالد بن الوليد؛ فهزمه الله ومن معه، فقال: " ولقد صدقكم الله وعده " - إلى قوله - " من بعد ما أراكم ما تحبون" ؛ وإن الله عز وجل وعد المؤمنين أن ينصرهم؛ وأنه معهم. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ناساً من الناس؛ فكانوا من ورائهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كونوا ها هنا، فردوا وجه من فر منا، وكونوا حراساً لنا من قبل ظهورنا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هزم القوم هو وأصحابه، قال الذين كانوا جعلوا من ورائهم بعض لبعض، ورأوا النساء مصعدات في الجبل، ورأوا الغنائم: انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركوا الغنيمة قبل أن يسبقونا إليها، وقالت طائفة أخرى: بل نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنثبت مكاننا، فلذلك قوله لهم: " منكم من يريد الدنيا " الذين أرادوا الغنيمة، " ومنكم من يريد الآخرة " الذين قالوا: نطيع رسول الله ونثبت مكاننا، فكان ابن مسعود يقول: ما شعرت أن أحداً من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها، حتى كان يومئذ.

حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: لما برز رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد أمر الرماة، فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين؛ وقال لهم: لا تبرحوا مكانكم إن رأيتم أننا قد هزمناهم، فإنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم. وأمر عليهم عبد الله بن جبير أخا خوات بن جبير.

ثم إن طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين قام: فقال: يا معشر أصحاب محمد، إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة؛ فهل منكم أحدٌ يعجله الله بسيفي إلى الجنة، أو يعجلني بسيفه إلى النار ! فقام إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى أعجلك بسيفي إلى النار، أو تعجلني بسيفك إلى الجنة، فضربه علي فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته، فقال: أنشدك الله والرحم يا بن عم ! فتركه، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لعلي: ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال: إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه. ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم، وحمل النبي صل الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان.

فلما رأى خالد بن الوليد - وهو علي خيل المشركين - حمل فرمته الرماة فانقمع. فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه، بادروا الغنيمة، فقال بعضهم: لا نترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر، فلما رأى خالد قلة الرماة صاح في خيله، ثم حمل فقتل الرماة؛ وحمل على أصحاب النبي صل الله عليه وسلم. فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل، تنادوا فشدوا على المسلمين، فهزموهم وقتلوهم.

فحدثني بشر بن آدم، قال: حدثنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: حدثنا عبيد الله بن الوازع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قال الزبير: عرض رسول الله صل الله عليه وسلم سيفا في يده يوم أحد؛ فقال: من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ قال: فقمت فقلت: أنا يا رسول الله، قال: فأعرض عني، ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقمت فقلت: أنا يا رسول الله، فأعرض عني، ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ قال: فقام أبو دجانة سماك بن خرشة، فقال: أنا آخذه بحقه، وما حقه ؟ قال: حقه ألا تقتل به مسلماً، وألا تفر به عن كافر؛ قال: فدفعه إليه. قال: وكان إذا أراد القتال أعلم بعصابة؛ قال: فقلت: لأنظرن اليوم ما يصنع، قال: فجعل لايرتفع له شيء إلا هتكه وأفراه؛ حتى انتهى إلى نسوة في سفح جبل، معهن دفوف لهن؛ فيهن امرأةٌ تقول:

نحن بنات طـارق          إن تقبلوا نعانـق

ونبسط النمـارق           أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

قال: فرفع السيف ليضربها، ثم كف عنها، قال: قلت: كل عملك قد رأيت، أرأيت رفعك للسيف عن المرأة بعد ما أهويت به إليها ! قال: فقال: أكرمت سيف رسول الله أن أقتل به امرأة .

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم؛ حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه يا رسول الله ؟ قال: أن تضرب به في العدو حتى ينحني؛ فقال: أنا آخذه بحقه يا رسول الله؛ فأعطاه إياه - وكان أبو دحانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب إذا كانت، وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء يعصبها على رأسه علم الناس أنه سيقاتل - فلما أخذ السيف من يد رسول الله صل الله عليه وسلم أخذ عصابته تلك، فعصب بها رأسه؛ ثم جعل يتبختر بين الصفين.

فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم، مولى عمر بن الخطاب، عن رجل من الأنصار من بني سلمة؛ قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم حين رأى أبا دحانة يتبختر: إنها لمشيةٌ يبغضها الله عز وجل إلا في هذا الموطن. وقد أرسل أبو سفيان رسولاً، فقال: يا معشر الأوس والخزرج، خلوا بيننا وبينم ابن عمنا ننصرف عنكم، فإنه لا حاجة لنا بقتالكم. فردوه بما يكره.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن أبا عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان بن أمة، أحد بني ضبيعة؛ وقد كان خرج إلى مكة مباعداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، معه خمسون غلاماً من الأوس؛ منهم عثمان ابن حنيف - وبعض الناس يقول: كانوا خمسة عشر - فكان يعد قريشاً أن لو قد لقى محمداً لم يختلف عليه منهم رجلان، فلما التقى الناس، كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى يا معشر الأوس، أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عيناً يا فاسق - وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية الراهب، فسماه رسول الله صل الله عليه وسلم الفاسق - فلما سمع ردهم عليه، قال: لقد أصاب قومي بعدي شر. ثم قاتلهم قتالا شديداً، ثم راضخهم بالحجارة، وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بنى عبد الدار يحرضهم بذلك على القتال: يا بنى عبد الدار، إنكم وليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم؛ وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم؛ إذا زالت زالوا؛ فإنما أن تكفونا لواءنا؛ وإما أن تخلوا بيننا وبينه فسنكفيكموه. فهموا به وتواعدوه، وقالوا: نحن نسلم إليك لواءانا، ستعلم غداً إذا التقينا كيف نصنع ! وذلك الذي أرتاد أبو سفيان. فلما التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بن عتبة في النسوة اللواتي معها، وأخذن الدفوف يضربن خلف الرجال ويحرضنهم، فقالت هند فيما تقول:

إن تقبلوا نعانـق              ونفرش النمارق

أو تدبروا نفارق               فراق غير وامق

وتقول:

ويهاً بنى عبد الدار !              ويهاً حماة الأدبار !

ضرباً بكل بتـار

واقتتل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل أبو دحانة حتى أمعن في الناس، وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين، فأنزل الله عز وجل نصره، وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم، وكانت الهزيمة لا شك فيها.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، قال: قال الزبير: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل كثير؛ إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب، وخلوا ظهورنا للخيل؛ فأتينا من أدبارنا وصرخ صارخٌ: ألا إن محمداً قد قتل ! فانكفأنا وانكفأ علينا القوم؛ بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحدٌ من القوم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:56 am

تابع ...
غزوة أُحـد


حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، أن اللواء لم يزل صريعاً حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لقريش، فلاثوا به، وكان اللواء مع صواب، غلام لبنى أبي طلحة، حبشي، وكان آخر من أخذه منهم، فقاتل حتى قطعت يداه، ثم برك عليه، فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه؛ وهو يقول: اللهم هل أعذرت ! فقال حسان بن ثابت في قطع يد صواب حين تقاذفوا بالشعر:

فخرتم باللواء وشـر فـخـرٍ                 لواءٌ حين رد إلـى صـواب

جعلتم فخركم فيهـا لـعـبـدٍ              من الأم من وطى عفر التراب

ظنتم والسفـيه لـه ظـنـونٌ              وما إن ذاك من أمر الصواب

بأن جلادنـا يوم الـتـقـينـا                بمكة بيعكم حمر الـعـياب

أقر العين أن عصـبـت يداه               وما إن تعصبان على خضاب

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا حبان ابن علي، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، قال: لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية، أبصر رسول الله صل الله عليه وسلم جماعة من مشركي قريش، فقال لعلي: احمل عليهم، فحمل عليهم؛ ففرق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي.

قال: ثم أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعةً من مشركي قريش، فقال لعلي: احمل عليهم، فحمل عليهم ففرق جماعتهم؛ وقتل شيبة بن مالك أحد بنى عامر بن لؤي، فقال جبريل: يارسول الله، إن هذه للمواساة، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: إنه منى وأنا منه، فقال جبريل: وأنا منكما، قال: فسمعوا صوتا:

لا سيف إلا ذو الفقا             ر ولا فتى إلا على

قال أبو جعفر: فلما أتى المسلمون من خلفهم انكشفوا وأصاب منهم المشركون، وكان المسلمون لما أصابهم ما أصابهم من البلاء أثلاثاً: ثلث قتيل، وثلث جريح، وثلث منهزم؛ وقد جهدته الحرب حتى ما يدري ما يصنع، وأصيبت رباعية رسول الله صل الله عليه وسلم السفلى، وشقت شفته، وكلم في وجنتيه وجبهته في أصول شعره، وعلاه ابن قميئة بالسيف على شقه الأيمن؛ وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: لما كان يوم أحدٍ، كسرت رباعية رسول الله صل الله عليه وسلم وشج، فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول: كيف يفلح قومٌ خضبوا وجه نبيهم بالدم. وهو يدعوهم إلى الله عز وجل ! فأنزل الله عز وجل : " ليس لك من الأمر شيءٌ " الآية.

قال أبو جعفر: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم: من رجلٌ يشري لنا نفسه ! فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن، قال: فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار، وبعض الناس يقول: إنما هو عمارة بن زياد ابن السكن، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، ثم رجلاً، يقتلون دونه؛ حتى كان آخرهم زيادٌ - أو عمارة بن زياد بن السكن - فقاتل حتى أثبتته الجراحة، ثم فاءت من المسلمين فئةٌ حتى أجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدنوه منى، فأدنوه منه، فوسده قدمه؛ فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحنٍ عليه؛ حتى كثرت فيه النبل، ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعدٌ: فلقد رأيته يناولني ويقول: ارم فداك أبي وأمي ! حتى إنه ليناولني السهم ما فيه نصلٌ، فيقول: ارم به ! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله صل الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها، فأخذها قتادة بن النعمان؛ فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان؛ حتى وقعت على وجنته.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله صل الله عليه وسلم ردها بيده؛ فكانت أحسن عينيه وأحدهما.

قال أبو جعفر: وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صل الله عليه وسلم ومعه لواؤه حتى قتل، وكان الذي أصابه ابن قميثة الليثي.

وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فرجع إلى قريش، فقال: قتلت محمداً. فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صل الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطأة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي؛ وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء، ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني - وكان يكنى بأبي نيار - فقال له حمزة بن عبد المطلب: هلم إلي يا بن مقطعة البظور - وكانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، وكانت ختانة بمكة - فلما التقيا ضربه حمزة فقتله، فقال وحشي غلام جبير بن مطعم: والله إني لأنظر إلى حمزة يهذ الناس بسيفه، ما يليق شيئاً يمر به؛ مثل الجمل الأورق؛ إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فقال له حمزة: هلم إلي يا بن مقطعة البظور ! فضربه؛ فكأنما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في لبته حتى خرجت من بين رجليه، وأقبل نحوي، فغلب فوقع، فأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي؛ ثم تنحيت إلى العسكر؛ ولم يكن لي بشيء حاجة غيره.

وقد قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف مسافع بن طلحة وأخاه كلاب بن طلحة؛ كلاهما يشعره سهماً؛ فيأتي أمه سلافة فيضع رأسه في حجرها، فتقول: يا بني، من أصابك ؟ فيقول: سمعت رجلاً حين رماني يقول: خذها وأنا ابن الأقلح ! فتقول: أقلحي ! فنذرت لله إن الله أمكنها من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر. وكان عاصم قد عاهد الله ألا يمس مشركاً أبداً ولا يمسه.

فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع ؛ أخو بني عدي بن النجار، قال: انتهى أنس بن النضر؛ عم أنس بن مالك ، إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يجلسكم ؟ قالوا: قتل محمد رسول الله، قال: فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا كراما، على ما مات عليه رسول الله صل الله عليه وسلم . ثم استقبل القوم؛ فقاتل حتى قتل؛ وبه سمى أنس بن مالك.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة وطعنة فما عرفه إلا أخته ، عرفته بحسن بنانه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: كان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول الناس: " قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم " - كما حدثني ابن شهاب الزهري - كعب بن مالك، أخو بني سلمة، قال: عرفت عينيه تزهران تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا ! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فأشار إلى رسول الله صل الله عليه وسلم: أن أنصت.

فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به، ونهض نحو الشعب، معه علي بن أبي طالب، وأبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، والحارث بن الصمة، في رهط من المسلمين. فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: أين محمد ! لا نجوت إن نجوت !فقال القوم: يا رسول الله، أيعطف عليه رجل منا ؟ قال: دعوه، فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة - قال: يقول بعض الناس فيما ذكر لي: فلما أخذها رسول الله صل الله عليه وسلم، انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض بها؛ ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مراراً .

وكان أبي بن خلف - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد ابن إسحاق، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فيقول: يا محمد إن عندى العود، أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه ! فيقول رسول الله صل الله عليه وسلم: بل أنا اقتلك إن شاء الله. فلما رجع إلى قريش، وقد خدشه في عنقه خدشاً غير كبير؛ فاحتقن الدم، قال: قتلني والله محمد. قالوا: ذهب والله فؤادك؛ والله إن بك بأس. قال: إنه قد كان بمكة قال لي: أنا أقتلك؛ فوالله لو بصق على لقتلني. فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به إلى مكة.

قال: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب، خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته من المهراس. ثم جاء به إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ليشرب منه؛ فوجد له ريحاً فعافه؛ ولم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم؛ وصب على رأسه؛ وهو يقول: اشتد غضب الله على من دمى وجه نبيه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني صالح بن كيسان، عمن حدثه، عن سعد بن أبي وقاص، أنه كان يقول: والله ما حرصت على قتل رجل قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص؛ وإن كان ما علمت لسيئ الخلق، مبغضاً في قومه؛ ولقد كفاني منه قول رسول الله صل الله عليه وسلم: " اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله ".

حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: أتى ابن قميئة الحارثي أحد بني الحارث ابن عبد مناة بن كنانة، فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر، فكسر أنفه ورباعيته، وشجه في وجهه، فأثقله وتفرق عنه أصحابه، ودخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة، فقاموا عليها، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس: إلى عباد الله ! إلى عباد الله ! فاجتمع إليه ثلاثون رجلاً، فجعلوا يسيرون بين يديه، فلم يقف أحد إلا طلحة وسهل بن حنبف، فحماه طلحة، فرمى بسهم في يده فيبست يده، وأقبل أبي بن خلف الجمحي؛ وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: بل أنا أقتله، فقال: يا كذاب، أين تفر ! فحمل عليه فطعنه النبي صل الله عليه وسلم في جيب الدرع؛ فجرح جرحاً خفيفاً، فوقع يخور خوار الثور؛ فاحتملوه، وقالوا: ليس بك جراحة، فما يجزعك ؟ قال :أليس قال: " لأقتلنك "! لو كانت بجميع ربيعة ومضر لقتلتهم ! فلم يلبث إلا يوماً أو بعض يوم حتى مات من ذلك الجرح.

وفشا في الناس أن رسول الله صل الله عليه وسلم قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي؛ فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان ! يا قوم إن محمداً قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم .

قال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قتل؛ فإن رب محمد لم يقتل. فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد: اللهم أني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ! ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل؛ وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة؛ فلما رأوه وضع رجلٌ سهماً في قوسه، فأراد أن يرميه فقال: أنا رسول الله؛ ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله حياً، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع به، فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صل الله عليه وسلم ذهب عنهم الحزن؛ فأقبلوا يذكرون الفتح، وما فاتهم منه، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا، فقال الله عز وجل للذين قالوا: " إن محمداً قد قتل، فارجعوا إلى قومكم ": " وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ".

فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم، فلما نظروا إليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه، وأهمهم أبو سفيان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لهم أن يعلونا؛ اللهم إن تقتل العصابة لا تعبد ! ثم ندب أصحابه، فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم؛ فقال أبو سفيان يومئذ: اعل هبل، حنظلة بحنظلة، ويومٌ بيوم بدر. وقتلوا يومئذ حنظلة بن الراهب، وكان جنباً فغسلته الملائكة؛ وكان حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر؛ وقال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم ! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لعمر: قل: الله مولانا ولا مولى لكم. فقال أبو سفيان: أفيكم محمداً !أما إنها قد كانت فيكم مثلة؛ ما أمرت بها ولا نهيت عنها؛ ولا سرتني ولا ساءتني؛ فذكر الله عز وجل إشراف أبي سفيان عليهم، فقال: " فأثابكم غماً بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم "، والغم الأول ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والغم الثاني إشارف العدو عليهم، " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " من الغنيمة " ولا ما أصابكم " من القتل حين تذكرون. فشغلهم أبو سفيان.

قال أبو جعفر: وأما ابن إسحاق، فإنه قال - فيما حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة عنه - بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب؛ ومعه أولئك النفر من أصحابه إذ علت عالية من قريش الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا؛ فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم عن الجبل؛ ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها. وقد كان بدن رسول الله صل الله عليه وسلم، وظاهر بين درعين، فلما ذهب لينهض لم يستطع؛ فجلس تحته طلحة بن عبيد الله، فنهض حتى استوى عليها.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، ، عن الزبير ، قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول يومئذ: أوجب طلحة حين صنع برسول الله ما صنع.

قال أبو جعفر: وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى بعضهم إلى المنقى دون الأعوص، وفر عثمان بن عفان وعقبة بن عثمان وسعد بن عثمان " رجلان من الأنصار "؛ حتى بلغوا الجلعب " جبلاً بناحية المدينة مما يلي الأعوص "، فأقاموا به ثلاثاً ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فزعموا أن رسول الله صل الله عليه وسلم، قال لهم: لقد ذهبتم فيها عريضة.

قال أبو جعفر: وقد كان حنظلة بن أبي عامر الغسيل، التقى هو وأبو سفيان بن حرب، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود - وكان يقال له: ابن شعوب - قد علا أبا سفيان، فضربه شداد فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صاحبكم - يعنى حنظلة - لتغسله الملائكة. فسلوا أهله: ما شأنه ؟ فسئلت صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة؛ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: لذلك غسلته الملائكة، فقال شداد ابن الأسود في قتله حنظلة:

لأحمين صاحبي ونفسـي            بطعنةٍ مثل شعاع الشمس

وقال أبو سفيان بن حرب، وهو يذكر صبره ذلك اليوم، ومعاونة ابن شعوب شداد بن الأسود إياه على حنظلة:

ولو شئت نجتني كميتٌ طـمـرةٌ                  ولم أحمل النعماء لابن شـعـوب

فما زال مهرى مزجر الكلب منهم                لدى غدوةٍ حتى دنت لـغـروب

أقاتلـهـم وأدعـى يال غـالـبٍ                      وأدفعهم عني بركـن صـلـيب

فبكى ولا ترعى مـقـالة عـاذلٍ                   ولا تسأمى من عبرةٍ ونـجـيب

أباك وإخواناً له قد تـتـابـعـوا                       وحق لهم من عبرةٍ بـنـصـيب

وسلى الذي قد كان في النفس أنني        قتلت من النجار كـل نـجـيب

ومن هاشم قرماً نجيباً ومصعـبـاً               وكان لدى الهيجاء غـير هـيوب

ولو أنني لم أشف منهم قرونـتـي             لكانت شجي في القلب ذات ندوب

فآبوا وقد أودى الحلائب منـهـم                  لهم خدبٌ من مغـبـطٍ وكـئيب

أصابهم من لم يكـن لـدمـائهـم                 كفياً ولا في خـطةٍ بـضـريب

فأجابه حسان بن ثابت فقال:

ذكرت القروم الصيد من آل هاشمٍ                ولست لزورٍ قلته بـمـصـيب

أتعجب أن أقصدت حمزة منهـم                   نجيباً وقد سمـيتـه بـنـجـيب

ألم يقتلوا عمراً وعتـبة وابـنـه                     وشيبة والحجاج وابن حبـيب !

غداة دعا العاصي عليا فـراعـه                   بضربة عضبٍ بله بخـضـيب

وقال شداد بن الأسود، يذكر يده عند أبي سفيان بن حرب فيما دفع عنه:

ولولا دفاعي يا بن حربٍ ومشهدي            لألفيت يوم النعف غير مـجـيبٍ

ولولا مكري المهر بالنعف قرقرت                ضباعٌ عليه أو ضـراء كـلـيب

وقال الحارث بن هشام يجيب أبا سفيان في قوله:

وما زال مهري مزجر الكلب منهم

وظن أنه يعرض به إذ فر يوم بدر:

وإنك لو عاينت ما كان منهـم                  لأبت بقلبٍ ما بقيت نـخـيب

لدى صحن بدرٍ أو لقامت نوائحٌ               عليك، ولم تحفل مصاب حبيب

جزيتهم يوماً ببدر كـمـثـلـه                    على سابحٍ ذي ميعة وشبـيب

قال أبو جعفر: وقد وقفت هند بنت عتبة - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني صالح بن كيسان - والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجدعن الآذان وألأنوف؛ حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدماً وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشياً، غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها. ثم علت على صخرة مشرفة، فصرخت بأعلى صوتها بما قالت من الشعر حين ظفروا بما أصابوا من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني صالح بن كيسان، أنه حدث أن عمر بن الخطاب قال لحسان: يا بن الفريعة لو سمعت ما تقول هند ورأيت أشرها، قائمة على صخرة ترتجز بنا، وتذكر ما صنعت بحمزة ! فقال له حسان: والله إني لأنظر إلى الحربة تهوي وأنا على رأس فارع - يعني أطمه - فقلت: والله إن هذه لسلاحٌ ما هي بسلاح العرب؛ وكأنها إنما تهوي إلى حمزة؛ ولا أدري. أسمعني بعض قولها أكفيكموها؛ قال: فأنشده عمر بعض ما قالت، فقال حسان يهجو هنداً:

أشرت لكاع وكان عادتهـا                لؤماً إذا أشرت مع الكفر

لعن الإله وزوجها معهـا                   هند الهنود عظيمة البظر

أخرجت مرقصةً إلى أحدٍ                 في القوم مقتبةً على بكر

بكرٍ ثفـال لا حـراك بـه                    لا عن معاتبةٍ ولا زجـر

وعصاك إستك تتقين بهـا               دقى العجاية هند بالفهـر

قرحت عجيزتها ومشرجها               من دأبها نصا على القتـر

ظلت تداويها زميلـتـهـا                   بالماء تنضحه وبالـسـدر

أخرجت ثـائرةً مـبـادرةً                    بأبيك وابنك يوم ذي بـدر

وبعمك المستوه فـي ردعٍ               وأخيك منعفرين في الجفر

ونسيت فاحشةً أتيت بـهـا           يا هند، ويحك سبة الدهر

فرجعت صاغرةً بلا تـرةٍ                 منا ظفرت بها ولا نصـر

زعم الولائد أنهـا ولـدت                ولداً صغيراً كان من عهر

قال أبو جعفر: ثم إن أبا سفيان بن حرب أشرف على القوم -فيما حدثنا هارون بن إسحاق قال: حدثنا مصعب بن المقدام، قال: حدثنا إسرائيل.

وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي، عن إسرائيل، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء قال: ثم إن أبا سفيان أشرف علينا، فقال: أفي القوم محمد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه؛ مرتين، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب ؟ ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاتجيبوه، ثم التفت إلى أصحابه، فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا، لو كانوا في الأحياء لأجابوا، فلم يملك عمر بن الخطاب نفسه أن قال: كذبت ياعدو الله، قد أبقى الله لك ما يخزيك ! فقال: اعل هبل ! اعل هبل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا: ما نقول ؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل ! قال أبو سفيان: ألا لنا العزى ولا عزى لكم ! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا: ما نقول ؟ قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم ! قال أبو سفيان: يومٌ بيوم بدر، والحرب سجال؛ أما إنكم ستجدون في القوم مثلاً لم آمر بها ولم تسؤني.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال في حديثه: لما أجاب عمر أبا سفيان قال له أبو سفيان: هلم يا عمر، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: إيته فانظر ما شأنه ؟ فجاءه فقال له أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمداً ؟ فقال عمر: اللهم لا؛ وإنه ليسمع كلامك الآن، فقال: أنت أصدق عندي من ابن قميئة وأبر؛ لقول ابن قميئة لهم: إني قتلت محمداً. ثم نادى أبو سفيان، فقال: إنه قد كان في قتلاهم مثلٌ والله ما رضيت ولا سخطت، ولا نهيت ولا أمرت.

وقد كان الحليس بن زبان أخو بنى الحارث بن عبد مناة؛ وهو يومئذ سيد الأحابيش، قد مر بأبي سفيان بن حرب، وهو يضرب في شدق حمزة يزج الرمح؛ وهو يقول ذق عقق ! فقال الحليس: يا بني كنانة، هذا سيد قريش يصنع بأبن عمه كما ترون لحماً ! فقال: اكتمها، فإنها كانت زلة؛ فلما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى: إن موعدكم بدر للعام المقبل، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: قل نعم هي بيننا وبينك موعد.

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون، وماذا يريدون ! فإن كانوا قد اجتنبوا الخيل، وامتطوا الإبل؛ فإنهم يريدون مكة؛ وإن ركبوا الخيل، وساقوا الإبل؛ فهم يريدون المدينة؛ فوالذي نفسي بيده؛ لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم. قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون؛ فلما اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل توجهوا إلى مكة؛ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أي ذلك كان فأخفه حتى تأتيني. قال عليٌ عليه السلام: فلما رأيتهم قد توجهوا إلى مكة أقبلت أصيح؛ ما أستطيع أن أكتم الذي أمرني به رسول الله صل الله عليه وسلم لما بي من الفرح؛ إذ رأيتهم انصرفوا إلى مكة عن المدينة.

وفرغ الناس لقتلاهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أخي بني النجار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من رجلٌ ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ؟ - وسعد أخو بني الحارث بن الخزرج - أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل؛ فنظر فوجده جريحاً في القتلى به رمق، قال: فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر له: أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال: فأنا في الأموات، أبلغ رسول الله عني السلام، وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله خير ما جزى نبي عن أمته؛ وأبلغ عني قومك السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم وفيكم عينٌ تطرف. ثم لم أبرح حتى مات؛ فجئت رسول الله فأخبرته خبره. وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم - فيما بلغني - يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به فجدع أنفه وأذناه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى بحمزة ما رأى، قال: لو لا أن تحزن صفية أو تكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير، ولئن أنا أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على ما فعل بعمه، قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلةً لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: أخبرني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، قال ابن حميد، قال سلمة: وحدثني محمد بن إسحاق، قال: وحدثني الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: إن الله عز وجل أنزل في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه: " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين "، إلى آخر السورة، فعفا رسول الله صل الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة.

قال ابن إسحاق: وأقبلت - فيما بلغني - صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة - وكان أخاها لأبيها وأمها - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام: القها فارجعها، لا ترى ما بأخيها. فلقيها الزبير فقال لها: يا أمه؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، فقالت: ولم، وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله قليل ! فما أرضانا بما كان من ذلك ! لاحتسبن ولأصبرن إن شاء الله. فلما جاء الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: خل سبيلها، فأتته فنظرت إليه وصلت عليه؛ واسترجعت واستغفرت له، ثم أمر رسول الله صل الله عليه وسلم به فدفن.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: فحدثني محمد بن إسحاق، قال: فزعم بعض آل عبد الله بن جحش - وكان لأميمة بنت عبد المطلب خاله حمزة؛ وكان قد مثل به كما مثل بحمزة؛ إلا أنه لم يبقر عن كبده - أن رسول الله صل الله عليه وسلم دفنه مع حمزة في قبره، ولم أسمع ذلك إلا عن أهله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني عاصم بن قتادة، عن محمود بن لبيد، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد وقع حسيل بن جابر - وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان - وثابت بن وقش بن زعوراء في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه؛ وهما شيخان كبيران: لا أبا لك ! ما تنتظر ؟ فوالله إن بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء حمار ؛إنما نحن هامة اليوم أو غد؛ أفلا نأخذ أسيافنا، ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لعل الله عز وجل يرزقنا شهادة مع رسول الله صل الله عليه وسلم ! فأخذا أسيافهما، ثم خرجا حتى دخلا في الناس، ولم يعلم بهما؛ فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما حسيل بن جابر، اليمان، فاختلف عليه أسياف المسليمن فقتلوه؛ ولا يعرفونه. فقال حذيفة: أبي ! قالوا: والله إن عرفناه.

وصدقوا، قال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ! فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسليمن، فزادته عند رسول الله صل الله عليه وسلم خيراً.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن رجلاً منهم كان يدعى حاطب بن أمية بن رافع، وكان له ابن يقال له يزيد بن حاطب، أصابته جراحة يوم أحد، فأتى به إلى دار قومه وهو يموت؛ فاجتمع إليه أهل الدار، فجعل المسلمون يقولن من الرجال والنساء: أبشر يا بن حاطب بالجنة، قال: وكان حاطب شيخاً قد عسا في الجاهلية، فنجم يومئذ نفاقه، فقال: بأي شيء، تبشرونه، أبجنة من حرمل ! غررتم والله هذا الغلام من نفسه، وفجعتموني به! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: كان فينا رجلٌ أتى لا يدرى من أين هو، يقال له قزمان، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له: إنه لمن أهل النار؛ فلما كان يوم أحد، قاتل قتالاً شديداً، فقتل هو وحده ثمانيةً من المشركين أو تسعة، وكان شهماً شجاعاً ذا بأس، فأثبتته الجراحة، فاحتمل إلى دار بني ظفر، قال: فجعل رجالٌ من المسلمين يقولن: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان، فأبشر ! قال: بم أبشر ! والله إن قاتلت إلا على أحساب قومي؛ ولولا ذلك ما قاتلت؛ فلما اشتدت عليه جراحته، أخذ سهماً من كنانته فقطع رواهشه فنزفه الدم فمات؛ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: أشهد أنى رسول الله حقاً ! وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق اليهودي، وكان أحد بني ثعلبة ابن الفطيون، لما كان ذلك اليوم قال: يا معشر يهود؛ والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحقٌ. قالوا: إن اليوم يوم السبت، فقال: لا سبت فأخذ سيفه وعدته. وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما يشاء. ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل؛ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم - فيما بلغني: مخيريق خير يهود.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: وقد احتمل ناسٌ من المسلمين قتلاهم إلى المدينة، فدفنوهم بها، ثم نهى رسول الله صل الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: ادفنوهم حيث صرعوا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن أشياخ من بني سلمة، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى: انظروا عمرو بين الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام. فإنهما كانا متصافيين في الدنيا، فاجعلوهما في قبر واحد. قال: فلما احتفر معاوية القناة أخرجا وهما يثنيان كأنما دفنا بالأمس.

قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش - كما ذكر لي - فنعى لها أخوها عبد الله بن جحش، فاسترجعت واستغفرت له؛ ثم نعى لها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولولت، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم :إن زوج المرأة منها لبمكان؛ لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها.

قال: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظفر، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له ! فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبد الأشهل أمر نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله صل الله عليه وسلم .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد؛ فلما نعوا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: خيراً يا أم فلان؛ هو بحمد الله كما تحبين؛ قالت: أرنيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جللٌ ! قال أبو جعفر: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال: اغسلي عن هذا دمه يا بنية، وناولها عليٌ عليه السلام سيفه، وقال: وهذا فاغسلي عنه؛ فوالله لقد صدقني اليوم. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف، وأبو دجانة سماك بن خرشة. وزعموا أن علي بن أبي طالب حين أعطى فاطمة عليهما السلام سيفه قال:

أقاطم هاك السـيف غـير ذمـيم                فلست بـرعـديدٍ ولا بـمـلـيم

لعمري لقد قاتلت في حب أحمـدٍ            وطاعة ربٍ بالـعـبـاد رحـيم

وسيفي بكفي كالشـهـاب أهـزه             أجذ به من عـاتـقٍ وصـمـيم

فما زلت حتى فض ربي جموعهم           وحتى شفينا نفس كـل حـلـيم

وقال أبو دجانة حين أخذ السيف من يد رسول الله صل الله عليه وسلم فقاتل به قتالاً شديداً - وكان يقول:

رأيت إنساناً يخمش الناس خمشاً شديداً فصمدت له، فلما حملت عليه بالسيف ولولت؛ فإذا امرأة؛ فأكرمت سيف رسول الله صل الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة - وقال أبو دجانة:

أن الذي عاهدني خلـيلـي         ونحن بالسفح لدى النخـيل

ألا أقوم الدهر في الكـيول           أضرب بسيف الله والرسول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:58 am

غزوة بني النضير

غزوة بني النضير حدثت في ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة في منازل بني النضير جنوب المدينة المنورة بين قوات المسلمين في المدينة ويهود بني النضير الذين بلغ عددهم 1500. أتت هذه الغزوة بعد محاولة يهود بني النضير محاولة اغتيال الرسول محمد إذا جائهم طالباً مساعدتهم في دية قتيلين. عاد إلى المدينة وأرسل إليهم طالباً منهم الخروج من المدينة، فتحصنوا و حاصرهم عدة ليالي وبعد الحصار طلبوا إجلائهم عن المدينة فوافق الرسول محمد شرط أن يأخذوا فقط ما تحمله الإبل من دون السلاح.

وقد ورد في كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" غزاة بني النضير في ربيع الأول وكانت منازلهم بناحية الغرس وما والاها وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم السبت فصلى في مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه ثم أتى بني النضير فكلمهم أن يعينوه في دية رجلين كان قد أمنهما فقتلهما عمرو بن أمية وهو لا يعلم فقالوا‏:‏ نفعل وهموا بالغدر به فقال عمرو بن جحاش‏:‏ أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة فقال سلام بن مشكم‏:‏ لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فنهض سريعًا فتوجه إلى المدينة فلحقه أصحابه فقالوا‏:‏ أقمت ولم نشعر فقال‏:‏ ‏"‏ همت يهود بالغدر فأخبرني الله عز وجل بذلك فقمت ‏"‏ وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إن اخرجوا من بلدي ولا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به وقد أجلتكم عشرًا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا أيامًا يتجهزون وتكاروا من ناس إبلًا فأرسل إليهم ابن أبي لا تخرجوا وأقيموا فإن معي ألفين وغيرهم يدخلون حصونكم فيموتون عن آخرهم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع حي فيما قال ابن أبي فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج فاصنع ما بدا لك فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون لتكبيره وقال‏:‏ ‏"‏ حاربتنا اليهود ‏"‏ فسار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه فصلى العصر بفناء بني النضير وعلي رضي الله عنه يحمل رايته واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم فلما رأوا رسول الله في على حصونهم معهم النبل والحجارة واعتزلهم قريظة وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع نخلهم فقالوا‏:‏ نحن نخرج عن بلادكم فأجلاهم عن المدينة وولى إخراجهم محمد بن مسلمة وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة بعير فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقه ‏"‏ فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والحلقة فوجد من الحلقة خمسين درعًا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفًا وكان بنو النضير صفيًا لرسول الله صل الله عليه وسلم خالصة له حبسًا لنوائبه ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد وقد أعطى ناسًا منها‏".‏

وورد في "البداية والنهاية" لابن كثير عن غزوة بني النضير قوله:

"حكى البخاري، عن الزهري، عن عروة أنه قال‏:‏ كانت بنو النضير بعد بدر بستة أشهر قبل أحد، وقد أسنده ابن أبي حاتم في تفسيره‏:‏ عن أبيه، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري به‏.‏

وهكذا روى حنبل بن إسحاق، عن هلال بن العلاء، عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن مطرف بن مازن اليماني، عن معمر، عن الزهري، فذكر غزوة بدر في سابع عشر رمضان سنة ثنتين‏.‏

قال‏:‏ ثم غزا بني النضير، ثم غزا أحداً في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ وقد كان الزهري يقول‏:‏ هي قبل أحد‏.‏

قال‏:‏ وذهب آخرون إلى أنها بعدها وبعد بئر معونة أيضاً‏.‏

قلت‏:‏ هكذا ذكر ابن إسحاق كما تقدم، فإنه بعد ذكره بئر معونة، ورجوع عمرو بن أمية وقتله ذينك الرجلين من بني عامر، ولم يشعر بعهدهما الذي معهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال له رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد قتلت رجلين لأدينهما‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية للعهد الذي كان صلى الله عليه وسلم أعطاهما، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عهد وحلف، فلما أتاهم صل الله عليه وسلم قالوا‏:‏ نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت‏.‏

ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا‏:‏ إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صل الله عليه وسلم إلى جنب جداًر من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه ‏؟‏

فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال‏:‏ أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله صل الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم‏:‏ أبو بكر، وعمر، وعلي‏.‏

فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعاً إلى المدينة، فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، قاموا في طلبه فلقوا رجلاً مقبلاً من المدينة فسألوه عنه، فقال‏:‏ رأيته داخلاً المدينة، فأقبل أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده، فبعث إليهم أهل النفاق يثبتونهم ويحرضونهم على المقام، ويعدونهم النصر، فقويت عند ذلك نفوسهم، وحمى حيي بن أحطب وبعثوا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم أنهم لا يخرجون، ونابدوه بنقض العهود، فعند ذلك أمر الناس بالخروج إليهم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فحاصروهم خمس عشرة ليلة‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ وأمر النبي صل الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وذلك في شهر ربيع الأول‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فسار حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال، ونزل تحريم الخمر حينئذ، وتحصنوا في الحصون، فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه‏:‏ أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها ‏؟‏

قال‏:‏ وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم‏:‏ عبد الله بن أبي، ووديعة، ومالك بن أبي قوقل، وسويد، وداعس قد بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة‏.‏ ‏

وقال العوفي، عن ابن عباس‏:‏ أعطى كل ثلاثة بعيراً يتعقبونه وسقا‏.‏ رواه البيهقي‏.‏

وروي من طريق يعقوب بن محمد، عن الزهري، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن مسلمة‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال‏.‏

وروى البيهقي وغيره‏:‏ أنه كانت لهم ديون مؤجلة، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ضعوا وتعجلوا‏)‏‏)‏ وفي صحته نظر، والله أعلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام‏.‏

فكان من أشراف من ذهب منهم إلى خيبر‏:‏ سلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، فلما نزلوها دان لهم أهلها‏.‏

فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أنهم استقبلوا بالنساء والأبناء والأموال، معهم الدفوف والمزامير والقيان، يعزفن خلفهم بزهاء وفخر ما رؤي مثله لحي من الناس في زمانهم‏.‏

قال‏:‏ وخلوا الأموال لرسول الله صل الله عليه وسلم - يعني النخيل والمزارع - فكانت له خاصة يضعها حيث شاء، فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقراً فأعطاهما، وأضاف بعضهم إليهما الحارث بن الصمة‏.‏ حكاه السهيلي‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان وهما‏:‏ يامين بن عمير بن كعب بن عم عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب، فأحرزا أموالهما‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقد حدثني بعض آل يامين‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال ليامين‏:‏ ‏(‏‏(‏ألم تر ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأني ‏؟‏‏)‏‏)‏ فجعل يامين لرجل جعلاً على أن يقتل عمرو بن جحاش، فقتله لعنه الله‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فأنزل الله فيهم سورة الحشر بكمالها، يذكر فيها ما أصابهم به من نقمته، وما سلط عليهم به رسوله، وما عمل به فيهم‏.‏

ثم شرع ابن إسحاق يفسرها، وقد تكلمنا عليها بطولها مبسوطة في كتابنا التفسير، ولله الحمد‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ * وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 1-5‏]‏‏.‏ ‏

سبح سبحانه وتعالى نفسه الكريمة، وأخبر أنه يسبح له جميع مخلوقاته العلوية والسفلية، وأنه العزيز وهو منيع الجناب، فلا ترام عظمته وكبرياؤه، وأنه الحكيم في جميع ما خلق وجميع ما قدر وشرع، فمن ذلك تقديره وتدبيره وتيسيره لرسول الله صل الله عليه وسلم وعباده المؤمنين في ظفرهم بأعدائهم اليهود الذين شاقوا الله ورسوله، وجانبوا رسوله وشرعه، وما كان من السبب المفضي لقتالهم كما تقدم، حتى حاصرهم المؤيد بالرعب والرهب مسيرة شهر‏.‏

ومع هذا فأسرهم بالمحاصرة بجنوده ونفسه الشريفة ست ليال، فذهب بهم الرعب كل مذهب، حتى صانعوا وصالحوا على حقن دمائهم، وأن يأخذوا من أموالهم ما استقلت به ركابهم، على أنهم لا يصحبون شيئاً من السلاح إهانة لهم واحتقارا، فجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار‏.‏

ثم ذكر تعالى أنه لو لم يصبهم الجلاء‏:‏ وهو التسيير والنفي من جوار الرسول من المدينة لأصابهم ما هو أشد منه من العذاب الدنيوي وهو القتل، مع ما ادخر لهم في الآخرة من العذاب الأليم المقدر لهم‏.‏

ثم ذكر تعالى حكمة ما وقع من تحريق نخلهم، وترك ما بقي لهم، وإن ذلك كله سائغ فقال‏:‏ ما قطعتم من لينة - وهو جيد الثمر - أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله، إن الجميع قد أذن فيه شرعاً وقدراً فلا حرج عليكم فيه، ولنعم ما رأيتم من ذلك، وليس هو بفساد كما قاله شرار العباد إنما هو إظهار للقوة، وإخزاء للكفرة الفجرة‏.‏

وقد روى البخاري ومسلم جميعاً، عن قتيبة، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير، وقطع وهي بالبويرة، فأنزل الله‏:‏ ‏{‏ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليجزي الفاسقين‏}‏

وعند البخاري، من طريق جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صل الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة، ولها يقول حسان بن ثابت‏:‏

وهان على سراة بني لؤي * حريق بالبويرة مستطير

فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول‏:‏

أدام الله ذلك من صنيع * وحرق في نواحيها السعير

ستعلم أينا منها بستر * وتعلم أي أرضينا نضير

قال ابن إسحاق‏:‏ وقال كعب بن مالك يذكر إجلاء بني النضير، وقتل كعب بن الأشرف، فالله أعلم‏:‏

لقد خزيت بغدرتها الحبور * كذاك الدهر ذو صرف يدور

وذلك أنهم كفروا برب * عظيم أمره أمر كبير

وقد أوتوا معاً فهماً وعلماً * وجاءهم من الله النذير

نذير صادق أدى كتاباً * وآيات مبينة تنير

فقالوا ما أتيت بأمر صدق * وأنت بمنكر منا جدير

فقال بلى لقد أديت حقاً * يصدقني به الفهم الخبير

فمن يتبعه يهد لكل رشد * ومن يكفر به يخزَ الكفور

فلما أشربوا غدراً وكفراً * وجد بهم عن الحق النفور

أرى الله النبي برأي صدق * وكان الله يحكم لا يجور

فأيده وسلطه عليهم * وكان نصيره نعم النصير

فغودر منهم كعب صريعاً * فذلت بعد مصرعه النضير

على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور

بأمر محمد إذ دس ليلاً * إلى كعب أخا كعب يسير

فماكره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور

فتلك بنو النضير بدار سوء * أبارهم بما اجترموا المبير

غداة أتاهم في الزحف رهواً * رسول الله وهو بهم بصير

وغسان الحماة مؤازروه * على الأعداء وهو لهم وزير

فقال السلم ويحكم فصدوا * وخالف أمرهم كذب وزور

فذاقوا غب أمرهم وبالاً * لكل ثلاثة منهم بعير

وأجلوا عامدين لقينقاع * وغودر منهم نخل ودور

وقد ذكر ابن إسحاق جوابها لسمال اليهودي فتركناها قصداً‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان مما قيل في بني النضير قول ابن لقيم العبسي، ويقال‏:‏ قالها قيس بن بحر بن طريف الأشجعي‏:‏

أهلي فداء لامرئ غير هالك * أحل اليهود بالحسي المزنم

يقيلون في خمر العضاه وبدلوا * أهيضب عودا بالودي المكمم

فإن يك ظني صادقاً بمحمد * تروا خيله بين الضلا ويرمرم

يؤم بها عمرو بن بهثة إنهم * عدو وما حي صديق كمجرم

عليهن أبطال مساعير في الوغى * يهزون أطراف الوشيج المقوم

وكل رقيق الشفرتين مهند * توورثن من أزمان عاد وجرهم

فمن مبلغ عني قريشاً رسالة * فهل بعدهم في المجد من متكرم

بأن أخاهم فاعلمن محمداً * تليد الندى بين الحجون وزمزم

فدينوا له بالحق تجسم أموركم * وتسمو من الدنيا إلى كل معظم

نبي تلافته من الله رحمة * ولا تسألوه أمر غيب مرجم

فقد كان في بدر لعمري عبرة * لكم يا قريش والقليب الملمم

غداة أتى في الخزرجية عامداً * إليكم مطيعاً للعظيم المكرم

معاناً بروح القدس ينكى عدوه * رسولاً من الرحمن حقاً بمعلم

رسولاً من الرحمن يتلو كتابه * فلما أنار الحق لم يتلعثم

أرى أمره يزداد في كل موطن * علواً لأمر جعل الله محكم

قال ابن إسحاق‏:‏ وقال علي بن أبي طالب، وقال ابن هشام‏:‏ قالها رجل من المسلمين، ولم أر أحداً يعرفها لعلي‏:‏

عرفت ومن يعتدل يعرف * وأيقنت حقاً ولم أصدف

عن الكلم المحكم اللاء من * لدى الله ذي الرأفة الأراف

رسائل تدرسُ في المؤمنين * بهن اصطفى أحمد المصطفى

فأصبح أحمد فينا عزيزاً * عزيز المقامة والموقف

فيا أيها الموعدوه سفاهاً * ولم يأت جوراً ولم يعنف

ألستم تخافون أدنى العذاب * وما أمن الله كالأخوف

وإن تصرعوا تحت أسيافه * كمصرع كعب أبي الأشرف

غداة رأى الله طغيانه * وأعرض كالجمل الأجنف

فأنزل جبريل في قتله * بوحي إلى عبده ملطف

فدس الرسول رسولاً له * بأبيض ذي هبة مرهف

فباتت عيون له معولات * متى ينع كعب لها تذرف

وقلن لأحمد ذرنا قليلاً * فإنا من النوح لم نشتف

فخلاهم ثم قال اظعنوا * دحوراً على رغم الأنف

وأجلى النضير إلى غربة * وكانوا بدار ذوي زخرف

إلى أذرعات ردافاً وهم * على كل ذي دبر أعجف

وتركنا جوابها أيضاً من سماك اليهودي قصداً‏.‏

ثم ذكر تعالى حكم الفيء، وأنه حكم بأموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وملكها له، فوضعها رسول الله صل الله عليه وسلم حيث أراه الله تعالى، كما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال‏:‏

كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله صل الله عليه وسلم خاصة، فكان يعزل نفقة أهل سنة، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل‏.‏

ثم بين تعالى حكم الفيء وأنه للمهاجرين، والأنصار، والتابعين لهم بإحسان على منوالهم وطريقتهم، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله إن الله شديد العقاب‏.

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عارم وعفان، قالا‏:‏ حدثنا معتمر سمعت أبي يقول‏:‏ حدثنا أنس بن مالك عن نبي الله صل الله عليه وسلم أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات، أو كما شاء الله، حتى فتحت عليه قريظة والنضير‏.‏

قال‏:‏ فجعل يرد بعد ذلك‏.‏ قال‏:‏ وإن أهلي أمروني أن آتي نبي الله صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كان أهله أعطوه، أو بعضه، وكان نبي الله صل الله عليه وسلم أعطاه أم أيمن، أو كما شاء الله‏.‏

قال‏:‏ فسألت النبي صل الله عليه وسلم فأعطانيهن، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي، وجعلت تقول‏:‏ كلا والله الذي لا إله إلا هو، لا أعطيكهن وقد أعطانيهن، أو كما قالت‏.‏

فقال النبي صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لك كذا وكذا‏)‏‏)‏‏.‏

وتقول‏:‏ كلا والله‏.‏

قال‏:‏ ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لك كذا وكذا‏)‏‏)‏‏.‏

وتقول‏:‏ كلا والله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ويقول لك كذا وكذا‏)‏‏)‏ حتى أعطاها، حسبت أنه قال‏:‏ عشرة أمثاله، أو قال‏:‏ قريباً من عشرة أمثاله، أو كما أخرجاه بنحوه من طرق عن معتمر به‏.‏

ثم قال تعالى ذاماً للمنافقين الذين مالوا إلى بني النضير في الباطن، كما تقدم ووعدوهم النصر فلم يكن من ذلك شيء، بل خذلوهم أحوج ما كانوا إليهم، وغروهم من أنفسهم فقال‏:‏

‏{‏أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 11-12‏]‏

ثم ذمهم تعالى على جبنهم، وقلة علمهم، وخفة عقلهم النافع، ثم ضرب لهم مثلاً قبيحاً شنيعاً بالشيطان حين قال للإنسان اكفر، فلما كفر قال إني بريء منك، إني أخاف الله رب العالمين، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها، وذلك جزاء الظالمين.."‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 6:58 am

غزوة ذات الرقاع

غزوة ذات الرقاع وهي غزوة نجد قام بها النبي فخرج في جمادى الأولى من السنة الرابعة وقيل في المحرم يريد محارب وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان بعد ان بلغه انهم يعدون العدة لغزو المدينة فخرج إليهم في أربعمائة من المسلمين، وقيل في سبعمائة، واستخلف على المدينة أبو ذر الغفاري.

جاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" وكانت في المحرم وإنما سميت ذات الرقاع لأنها كانت عند جبل فيه سواد وبياض وحمرة فسميت بذلك‏.‏

وكان سببها أن قادمًا قدم المدينة بجلب له فأخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنارًا وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة وقيل‏:‏ في سبعمائة فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع - وهو جبل - فلم يجد إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة فهربت الأعراب إلى رؤوس الجبال فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم فصلى بهم النبي صل الله عليه وسلم صلاة الخوف وكان أول ما صلاها‏.‏

وانصرف راجعًا إلى المدينة فابتاع من جابر بن عبد الله جمله وناقته وشرط له ظهره إلى المدينة وسأله عن دين أبيه فأخبره فقال‏:‏ إذا قدمت المدينة فأردت أن تجد نخلك فأذني واستغفر رسول الله صل الله عليه وسلم لأبي جابر في تلك الليلة خمسًا وعشرين مره وكانت غيبته خمس عشرة ليلة وبعث جعال بن سراقة بشيرًا إلى المدينة بالسلامة‏".‏

وجاء في "البداية والنهاية" لابن كثير قوله:

" قال ابن إسحاق‏:‏ ثم أقام رسول الله صل الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهري ربيع وبعض جمادى، ثم غزا نجداً يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان، واستعمل على المدينة أبا ذر‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ ويقال عثمان بن عفان‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فسار حتى نزل نخلاً وهي غزوة ذات الرقاع‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ لأنهم رّقعوا فيها راياتهم، ويقال لشجرة هناك اسمها ذات الرقاع‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ بجبل فيه بقع حمر وسود وبيض‏.‏

وفي حديث أبي موسى‏:‏ إنما سميت بذلك لما كانوا يربطون على أرجلهم من الخرق من شدة الحر‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلقي بها جمعاً عظيماً من غطفان، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب، وقد خاف الناس بعضهم بعضاً حتى صلى رسول الله صل الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف، ثم انصرف الناس‏.‏ ‏

وقد أسند ابن هشام حديث صلاة الخوف ههنا‏:‏ عن عبد الوارث بن سعيد التنوري، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله، وعن عبد الوارث، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر، وعن عبد الوارث، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر‏.‏

ولكن لم يذكر في هذه الطرق غزوة نجد، ولا ذات الرقاع، ولم يتعرض لزمان ولا مكان، وفي كون غزوة ذات الرقاع التي كانت بنجد لقتال بني محارب وبني ثعلبة بن غطفان قبل الخندق نظر‏.‏

وقد ذهب البخاري إلى أن ذلك كان بعد خيبر، واستدل على ذلك بأن أبا موسى الأشعري شهدها كما سيأتي، وقدومه إنما كان ليالي خيبر صحبة جعفر وأصحابه، وكذلك أبو هريرة، وقد قال‏:‏ صليت مع رسول الله صل الله عليه وسلم في غزوة نجد صلاة الخوف‏.‏

ومما يدل على أنها بعد الخندق‏:‏ أن ابن عمر إنما أجازه رسول الله صل الله عليه وسلم في القتال أول ما أجازه يوم الخندق‏.‏

وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال‏:‏ غزوت مع رسول الله صل الله عليه وسلم قبل نجد، فذكر صلاة الخوف‏.‏

وقول الواقدي‏:‏ إنه عليه السلام خرج إلى ذات الرقاع في أربعمائة، ويقال‏:‏ سبعمائة من أصحابه ليلة السبت لعشر خلون من المحرم سنة خمس فيه نظر، ثم لا يحصل به نجاة من أن صلاة الخوف إنما شرعت بعد الخندق، لأن الخندق كان في شوال سنة خمس على المشهور، وقيل‏:‏ في شوال سنة أربع، فتحصل على هذا القول مخلص من حديث ابن عمر، فأما حديث أبي موسى وأبي هريرة فلا‏.‏

قال ابن إسحاق في هذه الغزوة‏:‏ حدثني عمرو بن عبيد، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله أن رجلاً من بني محارب، يقال له‏:‏ غورث، قال لقومه من غطفان ومحارب‏:‏ ألا أقتل لكم محمداً ‏؟‏

قالوا‏:‏ بلى، وكيف تقتله ‏؟‏

قال‏:‏ أفتك به‏.‏

قال‏:‏ فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وسيف رسول الله صل الله عليه وسلم في حجره، فقال‏:‏ يا محمد، انظر إلى سيفك هذا ‏؟‏

قال‏:‏ نعم، فأخذه ثم جعل يهزه ويهم، فكبته الله، ثم قال‏:‏ يا محمد أما تخافني ‏؟‏

قال‏:‏ لا ما أخاف منك‏.‏

قال‏:‏ أما تخافني وفي يدي السيف ‏؟‏

قال‏:‏ لا، يمنعني الله منك‏.‏

ثم عمد إلى سيف النبي صل الله عليه وسلم فرده عليه، فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 11‏]‏‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني يزيد بن رومان‏:‏ أنها إنما نزلت في عمرو بن جحاش، أخي بني النضير وما همَّ به‏.‏

هكذا ذكر ابن إسحاق قصة غورث هذا، عن عمرو بن عبيد القدري، رأس الفرقة الضالة، وهو وإن كان لا يتهم بتعمد الكذب في الحديث، إلا أنه ممن لا ينبغي أن يروى عنه لبدعته ودعائه إليها‏.‏

وهذا الحديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه، ولله الحمد‏.‏

فقد أورد الحافظ البيهقي ها هنا طرقاً لهذا الحديث من عدة أماكن، وهي ثابتة في الصحيحين من حديث الزهري، عن سنان بن أبي سنان، وأبي سلمة، عن جابر‏:‏ أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته القائلة في واد كثير العضاه، فتفرق الناس يستظلون بالشجر، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم تحت ظل شجرة، فعلق بها سيفه‏.‏

قال جابر‏:‏ فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فأجبناه، وإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتاً‏)‏‏)‏ فقال‏:‏ من يمنعك مني‏؟‏

قلت‏:‏ ‏(‏‏(‏الله‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ من يمنعك مني ‏؟‏

قلت‏:‏ ‏(‏‏(‏الله‏)‏‏)‏ فشأم السيف وجلس، ولم يعاقبه رسول الله صل الله عليه وسلم وقد فعل ذلك‏.‏

وقد رواه مسلم أيضاً عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عفان، عن أبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر قال‏:‏ أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بذات الرقاع، وكنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بشجرة، فأخذ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه، وقال لرسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ تخافني ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فمن يمنعك مني ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الله يمنعني منك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فهدده أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم فأغمد السيف وعلقه، قال‏:‏ ونودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين‏.‏

قال‏:‏ فكانت لرسول الله صل الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان‏.‏

وقد علقه البخاري بصيغة الجزم عن أبان به‏.‏

قال البخاري‏:‏ وقال مسدد، عن أبي عوانة، عن أبي بشر‏:‏ أن اسم الرجل غورث بن الحارث‏.‏

وأسند البيهقي من طريق أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر قال‏:‏ قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب وغطفان بنخل، فرأوا من المسلمين غِرة، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول الله صل الله عليه وسلم بالسيف وقال‏:‏ من يمنعك مني ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الله‏)‏‏)‏ فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله صل الله عليه وسلم السيف وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يمعنك مني ‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ كن خير آخذ‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تشهد أن لا إله إلا الله ‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ لا، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فأتى أصحابه وقال‏:‏ جئتكم من عند خير الناس‏.‏

ثم ذكر صلاة الخوف وأنه صلى أربع ركعات بكل طائفة ركعتين‏.‏

وقد أورد البيهقي هنا طرق صلاة الخوف بذات الرقاع، عن صالح بن خوات بن جبير، عن سهل بن أبي حثمة‏.‏ وحديث الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر، في صلاة الخوف بنجد، وموضع ذلك كتاب ‏(‏الأحكام‏)‏ والله أعلم‏.‏




غزوة بدر الآخرة

كانت غزوة بدر الآخرة في شعبان سنة 4هـ - يناير 626م ، تسمى هذه الغزوة ببدر الآخرة، وبدر الصغرى، وبدر الثانية، وبدر الموعد.

سبب الغزوة أن أبا سفينان لما انصرف ومن معه يوم أحد نادى: "إن موعدكم بدر".

فقال رسول الله -صل الله عليه وسلم- لرجل من أصحابه قل: "نعم هو بيننا وبينك موعد".

لما جاء الموعد استعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الأنصاري ـرضي الله عنه- وخرج -صلى الله عليه وسلم- ومعه ألف وخمسمائة مقاتل، وكانت الخيل عشرة أفراس، وحمل اللواء علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ونزل رسول الله -صل الله عليه وسلم- بدراً وأقام فيها ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان من مكة على رأس قوة قوامها ثلاثة آلاف مقاتل، وقيل ألفان وخمسمائة، وقيل ألفا مقاتل، وفي نفسه رغبة ألا يحدث هذا اللقاء الذي ينتظر نتيجته كثير من رجال القبائل والأعراب وأهل المدن؛ إذ قضت المدينة ومكة عاماً في الاستعداد له، وكان في خروج أبي سفيان محاولة لإخافة المسلمين وإرهابهم كي لا يخرجوا فيكونوا هم الذين نكلوا عن الخروج.

فبعث أبو سفيان نعيم بن مسعود؛ ليخيف المسلمين في المدينة من كثرة أعداد قريش وقوتها وجعل له عشرين بعيراً إن أدى هذه المهمة ولم يخرج محمد وقال له: "إنه بدا لي أن لا أخرج، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا؛ فيزداد المسلمون جرأة فلأن يكون الخلف من قبلهم أحب إلي من أن يكون من قبلي، فالحق بالمدينة وأعلمهم أنا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا، ولك عندي من الإبل عشرون أدفعها لك على يد سهيل بن عمرو".

وصل نعيم إلى المدينة وبدا يبث إشاعاته وساعده في ذلك المنافقون واليهود ، وقالوا لا يفلت محمد من هذا الجمع ولعبت هذه الإشاعات دورها، وسار أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا له :"يا رسول الله إن الله مظهر نبيه ومعز دينه ، وقد وعدنا القوم موعدا لا نحب أن نتخلف عنه، فيرون أن هذا جبن ، فسر لموعدهم فوالله إن في ذلك لخيراً، فسُرَّ النبي -صل الله عليه وسلم- مما قاله صاحباه وأعلن أنه في طريقه إلى بدر وقال: "والذي نفسي بيده ؛ لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد".

نادى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الناس للخروج، فاجتمع حوله ألف وخمسمائة مقاتل وسار بهم إلى بدر، وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بدر في جيشه وعسكر هناك، وبقي ثمان ليال ينتظر قريشاً، ولكنها لم تأت، إذ عادت جموعها من عسفان خوفاً من اللقاء حقيقةً، وحجتها في ذلك أن الظروف غير ملائمة للحرب إذ كانت سنوات جدب، قال أبو سفيان:"يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر ، وتشربون اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا"، فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق، يقولون إنما خرجتم تشربون السويق..!، وأثناء وجود رسول الله صل الله عليه وسلم في انتظاره لأبي سفيان لميعاده أتاه مخشي بن عمرو الضمري، وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان- فقال: "يا محمد: أجئت لملاقاة قريش على هذا الماء؟ قال: (نعم يا أخا بني ضمرة، وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك). قال: لا، والله، يا محمد، ما لنا بذلك منك من حاجة.

كانت نتيجة هذه الغزوة أن فر المشركون يجرون أذيال الخيبة والهزيمة ، وعاد المسلمون يحملون راية الظفر، وهكذا دان عدو المسلمين الأول، وهي أقوى قوة في الجزيرة، وجيشها أكبر الجيوش تنظيماً وعتاداً، وكانت هي المتحدية، وهي الفارَّة من اللقاء، وأدى ذلك إلى خوف القبائل، وإجلاء جزء من اليهود.

جاء في "البداية والنهاية" لابن كثير:

" وهي بدر الموعد التي توعدوا إليها من أحد كما تقدم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ولما رجع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجباً، ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول‏.‏ ‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فنزل رسول الله صل الله عليه وسلم بدراً، وأقام عليه ثمانية ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران، وبعض الناس يقول‏:‏ قد بلغ عسفان‏.‏

ثم بدا له في الرجوع فقال‏:‏ يا معشر قريش إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب، ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، فإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا، فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق، يقولون‏:‏ إنما خرجتم تشربون السويق‏.‏

قال‏:‏ وأتى مخشي بن عمرو الضمري، وقد كان وادع النبي صل الله عليه وسلم في غزوة ودان على بني ضمرة، فقال‏:‏ يا محمد أجئت للقاء قريش على هذا الماء ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم يا أخا بني ضمرة، وإن شئت رددنا إليك ما كان بيننا وبينك، وجالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ لا والله يا محمد ما لنا بذلك من حاجة، ثم رجع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيداً‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقد قال عبد الله بن رواحة يعني في انتظارهم أبا سفيان ورجوعه بقريش عامه ذلك، قال ابن هشام‏:‏ وقد أنشدنيها أبو زيد لكعب بن مالك‏:‏

وعدنا أبا سفيان بدراً فلم نجد * لميعاده صدقاً وما كان وافياً

فأقسمُ لو لاقيتنا فلقِيتَنا * لأبت ذميماً وافتقدت المواليا

تركنا به أوصال عتبة وابنه * وعمراً أبا جهل تركناه ثاوياً

عصيتم رسول الله أف لدينكم * وأمركم السيء الذي كان غاوياً

فإني وإن عنفتموني لقائل * فدى لرسول الله أهلي وماليا

أطعناه لم نعدله فينا بغيره * شهاباً لنا في ظلمة الليل هاديا

قال ابن إسحاق‏:‏ وقال حسان بن ثابت في ذلك‏:‏

دعوا فلجات الشام قد حال دونها *جلاد كأفواه المخاض الأوارك

بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم * وأنصاره حقا وأيدي الملائك

إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا لها ليس الطريق هنالك

أقمنا على الرس النزوع ثمانياً * بأرعن جرار عريض المبارك

بكل كميت جَوزُه نصف خَلْقه * وقُبٍّ طوال مشرفات الحوارك

ترى العرفج العامي تذري أصوله * مناسم أخفاف المطي الرواتك

فإن تلق في تطوافنا والتماسنا * فرات بن حيان يكن رهن هالك

وإن تلق قيس بن امرئ القيس بعده * يزد في سواد لونه لون حالك

فأبلغ أبا سفيان عني رسالة * فإنك من غر الرجال الصعالك

قال‏:‏ فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وقد أسلم فيما بعد ذلك‏:‏

أحسان إنا يا ابن آكلة الفغا * وجدَّك نغتال الخروق كذلك

خرجنا وما تنجو اليعافير بيننا * ولو وألت منا بشد مدارك

إذا ما انبعثنا من مُناخ حسبته * مد من أهل الموسم المتعارك

أقمت على الرس النزوع تريدنا * وتتركنا في النخل عند المدارك

على الزرع تمشي خيلنا وركابنا * فما وطئت ألصقنه بالدكادك

أقمنا ثلاثاً بين سَلع وفارع * بجُرد الجياد والمطي الرواتك

حسبتم جلاد القوم عند فنائكم * كمأخذكم بالعين أرطال آنك

فلاتبعث الخيل الجياد وقل لها * على نحو قول المعصم المتماسك

سعدتم بها وغيركم كان أهلها * فوارس من أبناء فهر بن مالك

فإنك لا في هجرة إن ذكرتها * ولا حرمات دينها أنت ناسك

قال ابن هشام‏:‏ تركنا منها أبياتاً لاختلاف قوافيها، وقد ذكر موسى بن عقبة، عن الزهري وابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير‏:‏

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر الناس لموعد أبي سفيان، وانبعث المنافقون في الناس يثبطونهم، فسلم الله أولياءه، وخرج المسلمون صحبة رسول الله صل الله عليه وسلم إلى بدر، وأخذوا معهم بضائع وقالوا‏:‏ إن وجدنا أبا سفيان وإلا اشترينا من بضائع موسم بدر‏.‏

ثم ذكر نحو سياق ابن إسحاق في خروج أبي سفيان إلى مجنة ورجوعه، وفي مقاولة الضمري، وعرض النبي صل الله عليه وسلم المنابذة فأبى ذلك‏.‏

قال الواقدي‏:‏ خرج رسول الله صل الله عليه وسلم إليها في ألف وخمسمائة من أصحابه، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، وكان خرجوه إليها في مستهل ذي القعدة يعني سنة أربع، والصحيح قول ابن إسحاق‏:‏ أن ذلك في شعبان من هذه السنة الرابعة، ووافق قول موسى بن عقبة أنها في شعبان، لكن قال في سنة ثلاث وهذا وهم‏.‏

فإن هذه تواعدوا إليها من أحد، وكان أحد في شوال سنة ثلاث كما تقدم، والله أعلم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فأقاموا ببدر مدة الموسم الذي كان يعقد فيها ثمانية أيام، فرجعوا وقد ربحوا من الدرهم درهمين، وقال غيره‏:‏ فانقلبوا كما قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 174‏]‏‏."‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:00 am

غزوة دومة الجندل

ذكر لرسول الله أن بدومة الجندل جمعًا كبيرا وأنهم يظلمون من مر بهم، وأنهم يريدون الدنو من المدينة فتجهز لغزوهم وخرج عليهم في ألف من أصحابه بعد أن ولى على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري.

وقعت غزوة دومة الجندل في ربيع أول سنة 5 هجرية في منطقة دومة الجندل التي تقع على حدود الشام في منطقة الجوف شمال شرقي تبوك تقع الآن في المملكة العربية السعودية.

في هذه الغزوة غزى المسلمون القبائل العربية القاطنة في دومة الجندل والتي كانت تقطع الطريق وكان عدد جيش المسلمين في هذه الغزوة 1000 بقيادة الرسول محمد حيث دخل المسلمون دومة الجندل ولم يجدوا احداً غير رجل واحد استطاع المسلمين اسره فأخذه محمد بن سلمة إلى رسول الله حيث عرف الرسول منه ان اهل دومة الجندل فروا هاربين حينما سمعوا بقدوم جيش المسلمين و قد عرض الرسول عليه الإسلام فدخل الرجل في الإسلام و غنم المسلمين من هذه الغزوة الكثير من قطعان الابل والماشية التي تركها اهل دومة الجندل.

جاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" ذكر لرسول الله أن بدومة الجندل جمعًا كبيرا وأنهم يظلمون من مر بهم وكان بين دومة الجندل وبين المدينة مسيرة خمس عشرة ليلة أو ست عشرة فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس واستخلف ابن عرفطة وخرج لخمس ليال بقين من ربيع الأول في ألف من المسلمين وكان يسير الليل ويكمن النهار ودليله يقال له مذكور فهجم على ماشيتهم ورعاتهم وأصاب من أصاب وهرب من هرب وتفرق أهل دومة الجندل ولم يجد بساحتهم أحدًا وأخذ منهم رجلًا فسأله عنهم فقال‏:‏ هربوا حين سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله صل الله عليه وسلم لعشر ليال بقين من ربيع الأخر ولم يلق كيدًا"‏.‏

جاء في "البداية والنهاية" لابن كثير:

" قال ابن إسحاق‏:‏ ثم غزا رسول الله صل الله عليه وسلم دومة الجندل‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ في ربيع الأول يعني من سنة خمس، واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم رجع إلى المدينة قبل أن يصل إليها، ولم يلق كيداً فأقام بالمدينة بقية سنته‏.‏ هكذا قال ابن إسحاق‏.‏

وقد قال محمد بن عمر الواقدي بإسناده عن شيوخه، عن جماعة من السلف قالوا‏:‏ أراد رسول الله صل الله عليه وسلم أن يدنو إلى أداني الشام، وقيل له‏:‏ إن ذلك مما يفزع قيصر، وذكر له أن بدومة الجندل جمعاً كبيراً، وأنهم يظلمون من مر بهم، وكان لها سوق عظيم، وهم يريدون أن يدنو من المدينة‏.‏

فندب رسول الله صل الله عليه وسلم الناس فخرج في ألف من المسلمين، فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له‏:‏ مذكور، هاد خريت‏.‏

فلما دنا من دومة الجندل أخبره دليله بسوائم بني تميم، فسار حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة الجندل فتفرقوا، فنزل رسول الله صل الله عليه وسلم بساحتهم، فلم يجد فيها أحد، فأقام بها أياماً وبث السرايا‏.‏

ثم رجعوا وأخذ محمد بن سلمة رجلاً منهم، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أصحابه فقال‏:‏ هربوا أمس، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلم، ورجع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وكان خروجه عليه السلام إلى دومة الجندل في ربيع الآخر سنة خمس‏.‏ ‏

قال‏:‏ وفيه توفيت أم سعد بن عبادة وابنها مع رسول الله صل الله عليه وسلم في هذه الغزوة‏.‏

وقد قال أبو عيسى الترمذي في ‏(‏جامعه‏)‏‏:‏ حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب‏:‏ أن أم سعد ماتت والنبي صل الله عليه وسلم غائب، فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر، وهذا مرسل جيد، وهو يقتضي أنه عليه السلام غاب في هذه الغزوة شهراً فما فوقه، على ما ذكره الواقدي رحمه الله‏."‏




غزوة بني المصطلق

غزوة بنى المصطلق حدثت في السنة الخامسة للهجرة في المريسيع وهي ماء لبني خزاعة في وادي قديد. بلغت قوات المسلمين 1000 رجل معهم 30 فرس وكان الطرف الآخر هم بنو المصطلق. هدفت الغزوة إلى القضاء على تجمع بنو المصطلق بقيادة الحارث بن أبر ضرار حيث كانوا يتجمعون لمهاجمة المدينة المنورة.

وصل المسلمون بقيادة الرسول محمد إلى المريسيع وعندما علم بنو المصطلق بذلك هرب معظمهم. تهيأ الحارث للحرب وترامى الطرفان بالنبل لساعة ثم هجم المسلمون على بنو المصطلق وقتلوا 10 وأسروا الباقين واستشهد مسلم واحد. غنم المسلمون في هذه الغزوة 2000 بعير و5000 شاة.

حدثت حادثة الإفك عند عودة المسلمين إلى المدينة المنورة بعد هذه الغزوة.

جاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" غزوة المريسيع في شعبان وذلك أن بني المصطلق كانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها‏:‏ المريسيع وكان سيدهم الحارث بن أبي ضرار فسار في قومه ومن قدر عليه فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوه وتهيأوا للمسير معه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بريدة بن الحصيب ليعلم علم ذلك فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا الخروج ومعهم ثلاثون فرسًا وخرج معهم جماعة من المنافقين واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة زيد بن حارثة وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد قتل عينه الذي كان يأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيء بذلك فخاف وتفرق من معه من العرب وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع فضرب عليه قبته ومعه عائشة وأم سلمة فتهيأوا للقتال وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودفع راية المهاجرين إلى أبي بن الصديق وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فقتل من العدو عشرة وأسر الباقون وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء فكانت الإبل ألفي بعير والشاء خمسة آلاف والسبي مائتي أهل وقد روى ابن عمر أنه كان حدث أن رسول الله صل الله عليه وسلم أغار عليهم وهم غارون ونعمهم يسقى على الماء‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ والأول أصح‏.‏

ولما رجع المسلمون بالسبي قدم أهاليهم فافتدوهم وجعلت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس وابن عم له فكاتباها فسألت رسول الله صل الله عليه وسلم في كتابتها فأدى عنها وتزوجها وسماها برة قيل‏:‏ إنه جعل صداقها عتق أربعين من قومها‏.‏

وبعث رسول الله صل الله عليه وسلم أبا نضلة الطائي بشيرًا إلى المدينة بفتح المريسيع‏.‏

أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قال‏:‏ أنبأنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ حدثنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن يزيد بن قسيط عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن عائشة قالت‏:‏ أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني المصطلق فأخرج الخمس منه ثم قسمه بين الناس فأعطى الفرس سهمين والرجل سهمًا فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس وكاتبها ثابت بن قبس على تسع أواق وكانت امرأة حلوة لا يكاد أحد يراها إلا أخذت بنفسه فبينا النبي صلى الله عليه وسلم عندي إذ دخلت عليه جويرية فسألته في كتابتها فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صل الله عليه وسلم وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت‏:‏ يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من الأمر ما قد علمت فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على تسع أواق فأعني في فكاكي فقال‏:‏ ‏"‏ أو خير من ذلك ‏"‏ قالت‏:‏ ما هو يا رسول الله قال‏:‏ ‏"‏ أودي عنك كتابتك وأتزوجك ‏"‏ قالت‏:‏ نعم يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ قد فعلت ‏"‏ وخرج الخبر إلى الناس فقالوا‏:‏ أصهار رسول الله صل الله عليه وسلم يسترقون فأعتقوا ما كان في أيديهم من نساء المصطلق فبلغ عتقهم إلى مائة بيت بتزويجه إياها فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها‏.‏

حديث الإفك

كان حديث الإفك في غزوة المصطلق‏: أخبرنا هبة الله بن محمد قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن علي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا عبد الرزاق قال‏:‏ حدثنا معمر عن الزهري قال‏:‏ أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير بن أبي وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله عز وجل وكلهم حدثني بطائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصًا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني وبعض حديثهم يصدق بعضًا ذكروا‏:‏ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صل الله عليه وسلم معه‏.‏

قالت عائشة فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد أن نزل الحجاب وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله صل الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة آذن بالرحيل فقمت حين أذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شاني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون إني فيه‏.‏

قالت‏:‏ وكانت النساء إذ ذاك خفافًا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن المحلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثه السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت بها منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي‏.‏

فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي فوالله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها فانطلق يقود الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرًا والناس يفيضون في قول الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أعرف منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم فيقول‏:‏ كيف تيكم فذاك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو مبرزنا ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت‏:‏ تعس مسطح فقلت لها‏:‏ بئسما قلت تسبين رجلًا قد شهد بدرًا قالت‏:‏ أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال قلت‏:‏ وماذا قال قالت‏:‏ فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضًا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ ‏"‏ كيف تيكم ‏"‏ قلت‏:‏ أتأذن لي أن آتي أبوي قالت‏:‏ وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلها فأذن لي رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

فجئت أبوي فقلت لأمي‏:‏ يا أماه ما يتحدث الناس فقالت‏:‏ أي بنية هوني عليك فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت‏:‏ قلت‏:‏ سبحان الله أو قد تحدث الناس بهذا قالت‏:‏ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي ليستشيرهما في فراق أهله قالت‏:‏ فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صل الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم من نفسه لهم من الود فقال‏:‏ يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرًا وأما علي بن أبي طالب فقال‏:‏ لم يضيق الله عز وجل عليك والنساء سواها كثير وأن تسأل الجارية تصدقك‏.‏

قالت‏:‏ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال‏:‏ أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة فقالت له بريرة‏:‏ والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فيأكله فقام رسول الله صل الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي فقال وهو على المنبر‏:‏ ‏"‏ يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا ولقد ذكروا لي رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا وكان لا يدخل على أهلي إلا معيإ فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال‏:‏ أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلًا صالحًا ولكنه احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ‏:‏ لعمرك لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة‏:‏ كذبت لعمر الله لتقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين‏.‏

فثار الحيان‏:‏ الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صل الله عليه وسلم قائم على قالت‏:‏ فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي‏.‏

قالت‏:‏ فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صل الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قالت‏:‏ ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني شيء‏.‏

قالت‏:‏ فتبسم رسول الله صل الله عليه وسلم حين جلس ثم قال‏:‏ ‏"‏ أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله عز وجل وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه ‏"‏‏.‏

قالت‏:‏ فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته فاض دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي‏:‏ أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ والله ما أدري مما أقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي‏:‏ أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ والله ما أدري ما أقول يا رسول الله صل الله عليه وسلم قالت‏:‏ فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن وإني والله قد عرفت إنكم قد سمعتم هذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم ولئن قلت لكم إني بريئة والله عز وجل يعلم أني بريئة فلا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة فلا تصدقوني وإني والله ما أجد لي ولكم مثلًا إلا كما قال أبو يوسف‏:‏ ‏"‏ صبر جميل والله المستعان على ما تصفون ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله عز وجل مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله عز وجل بها قالت‏:‏ فوالله ما رأم رسول الله مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى انه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت‏:‏ فلما سري عن رسول الله صل الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة لكلم بها أن قال‏:‏ ‏"‏ أبشري يا عائشة أما والله عز وجل فقد برأك ‏"‏ فقالت أمي‏:‏ قومي إليه فقلت‏:‏ لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل هو الذي أنزل براءتي وأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ‏"‏ عشر آيات فأنزل الله عز وجل هذه الآيات براءتي‏.‏

فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره‏:‏ والله لا أنفق عليه شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة‏.‏

فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏ألا تحبون أن يغفر الله لكم‏}‏‏.‏

قال أبو بكر‏:‏ والله إني لأحب أن يغفر الله عز وجل لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ومال‏:‏ لا أنزعها منه أبدًا‏.‏

قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري وما علمت أو ما رأيت أو ما سمعت أو ما بلغك قالت‏:‏ يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرًا قالت عائشة‏:‏ وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صل الله عليه وسلم فعصمها الله عز وجل بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلكت‏.‏

قال ابن شهاب‏:‏ وهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط أخرجاه في الصحيحين‏.‏

وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة ثمانية عشر يومًا وقدم لهلال رمضان زواجه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وفي هذه السنة‏. تزوج رسول الله صل الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب

أمها أميمة بنت عبد المطلب وكانت فيمن هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة جميلة فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد فقالت‏:‏ لا أرضاه لنفسي قال‏:‏ ‏"‏ فإني قد رضيته لك ‏"‏ فتزوجها زيد بن حارثة ثم تزوجها رسول الله صل الله عليه وسلم لهلال ذي القعدة سنة خمس من الهجرة وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة‏.‏

أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قال‏:‏ أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن يحيى بن حيان قال‏:‏ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن حارثة يطلبه وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد فربما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة فيقول‏:‏ ‏"‏ أين زيد ‏"‏ فجاء منزله يطلبه فلم يجده وتقوم إليه زوجته زينب بنت جحش فضل فأعرض رسول الله عنها يا رسول الله ليس هو ها هنا فادخل بأبي أنت وأمي فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل وإنما عجلت زينب أن تلبس لما قيل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالباب فوثبت عجلى فأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه إلا ربما أعلن منه‏:‏ ‏"‏ سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب ‏"‏ فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن رسول الله صل الله عليه وسلم أتى منزله فقال زيد‏:‏ ألا قلت له أن يدخل قالت‏:‏ قد عوضت عليه ذلك فأبى قال‏:‏ فسمعت منه شيئًا قالت‏:‏ سمعته حين ولى تكلم بكلام لا أفهمه وسمعته يقول‏:‏ ‏"‏ سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب ‏"‏‏.‏

فجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله بلغني انك جئت منزلي فهلا دخلت بأبي أنت وأمي لعل زينب أعجبتك فأفارقها فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أمسك عليك زوجك ‏"‏ فما استطاع زيد إليها سبيلًا بعد ذلك اليوم فيأتي إلى رسول الله فيخبره فيقول رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أمسك عليك زوجك ‏"‏ فيقول‏:‏ يا رسول الله أفارقها‏.‏

فيقول‏:‏ ‏"‏ أحبس عليك زوجك ‏"‏ ففارقها زيد واعتزلها وحلت‏.‏

فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث مع عائشة أخذته غشية فسري عنه وهو يبتسم ويقول‏:‏ ‏"‏ من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله عز وجل قد زوجنيها من السماء ‏"‏ وتلا رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ وإذ يقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك وأتق الله‏.‏

القصة كلها قالت عائشة‏:‏ وأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع الله لها زوجها الله من السماء وقالت‏:‏ هي تفخر علينا بهذا قالت عائشة‏:‏ فخرجت سلمى خادم رسول الله صل الله عليه وسلم تشتد فحدثتها بذلك أعطتها أوضاحًا عليها‏.‏

وفي أفراد مسلم من حديث ثابت عن أنس قال‏:‏ لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد اذهب فاذكرها علي فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال‏:‏ فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت‏:‏ يا زينب أرسلني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت‏:‏ ما أنا بصانعة شيئًا حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بلا إذن فلقد رأيتنا أطعمنا رسول الله صل الله عليه وسلم الخبز واللحم حتى امتد النهار‏.‏

وفي سبب زينب نزلت آية الحجاب أخبرنا عبد الأول قال‏:‏ أخبرنا الداوودي قال‏:‏ أخبرنا ابن أعين قال‏:‏ أخبرنا الفربري قال‏:‏ أخبرنا البخاري قال‏:‏ أخبرنا يحيى بن بكير عن عقيل عن ابن شهاب قال‏:‏ أخبرني أنس بن مالك‏.‏

أنه كان ابن عشر سنين يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكن أمهاتي يواطئنني على خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخدمته عشر سنين فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بها عريسًا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقي رهط منهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب إذا هم جلوس لم يقوموا فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صل الله عليه وسلم بيني وبينه الستر وأنزل الحجاب"‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:02 am

غزوة الخندق (الأحزاب)

غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق هي معركة وقعت في الخامس للهجرة بين المسلمين و قريش وأنصارها من غطفان وكنانة انتهت بنصر المسلمين.

تعود أسباب المعركة أن الرسول بعد أن أجلى بني النظير وهم قسم من يهود المدينة وساروا إلى خيبر أخذو على تغليب قريش وغطفان على حرب الرسول محمد بن عبد الله (صل الله عليه وسلم) فخرج لذلك رئيسهم حيي ابن أخطب إلى قريش بمكة وعاهدهم على حرب النبي وقال لهم: إنه قد بقي من قومه سبعمائة نفر في المدينة وهم بنو قريضة وبينهم وبين محمد عهد وميثاق وأنه يحملهم على نقض العهد ليكونوا معهم، فسار معه أبو سفيان وغيره من رؤساء قريش في قبائل العرب حتى اجتمع على قتال النبي قدر عشرة آلاف مقاتل من قريش كنانة والأقرع بن حابس في قومه، وعباس بن مرداس في بني سليم، وغطفان.

وهكذا انطلق جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل يقودهم أبو سفيان بن حرب وذلك في السنة الخامسة من الهجرة من شهر شوال.

لما علم الرسول بالأمر ، استشار أصحابه وقادته في الحرب وأشار الصحابة بالبقاء في المدينة، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق في مشارف المدينة ، فاستحسن الرسول والصحابة رأيه ، وعملوا به . كما أن يهود بني قريظة مدوا لهم يد المساعدة من معاول ومكاتل بموجب العهد المكتوب بين الطرفين . واستطاع المسلمون إنهاء حفر الخندق بعد مدة دامت خمس عشر يوماً.

بدت طلائع جيوش المشركين مقبلة على المدينة من جهة جبل أحد ، ولكنهم فوجئوا بوجود الخندق فتفاجؤا به وقاموا إزاء المدينة شهرا.

لم يجد المشركون سبيلا للدخول إلى المدينة ، وبقوا ينتظرون أياما وليالي يقابلون المسلمين من غير تحرك ، حتى جاء حيي بن أخطب الذي تسلل إلى بني قريظة ، وأقنعهم بفسخ الاتفاقية بين بني قريظة والمسلمين ، ولما علم الرسول عليه الصلاة والسلام بالأمر أرسل بعض أصحابه ليتأكد من صحة ما قيل ، فوجده صحيحا . وهكذا أحيط المسلمون بالمشركين من كل حدب وصوب ، إلا أن الرسول صل الله عليه وسلم وأصحابه لم ييأسوا، لأنهم كانوا على يقين بأن عين الله ترعاهم.

استطاع عكرمة بن أبي جهل وعمرو بن عبد ود العامري المعروف بفارس الجزيره أو فارس العرب فدعا أن يخرج له أحد من المسلمين يبارزه ولم يبرز له أحد إلا علي بن أبي طالب (امير المؤمنين). كان صغير السن إلا إن شجاعته لاتخفى على أحد وحين برز علي بن أبي طالب(ع) قال الرسول صل الله عليه وآله. وقتل علي عمرو .. واستطاع عدد من المشركين عبور خندق المدينة واقتتلوا مع المسلمين ، فقُتل من قُتل ، وهرب من هرب ، وكان من جملة الهاربين عكرمة .

بعد مقتل عمر بن عبد ود العامري بادر علي بن ابي طالب (ع) إلى سد الثغرة التي عبر منها عمرو بن ود العامري ورجاله ورابط عندها مزمعا القضاء على كل من تسول له نفسه التسلل من المشركين، ولولا ذلك لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين بذلك العدد الهائل.

وهكذا كانت بطولة علي بن ابي طالب (ع) في غزوة الأحزاب من أهم عناصر النصر للمعسكر الإسلامي وانهزام المشركين.

ولما طال مقام قريش تفككت روابط جيش المشركين ، وانعدمت الثقة بين أطراف القبائل ، كما أرسل الله ريحا شديدة قلعت خيامهم ، وجرفت مؤنهم ، وأطفأت نيرانهم ، فرجعوا إلى مكة ورجعت غطفان إلى بواديها.

وحين أشرق الصبح ، لم يجد المسلمون أحدا منهم .

جاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" كانت في ذي القعدة وذلك أن رسول الله صل الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم ووجوههم إلى مكة فالتقوا قريشًا ودعوهم إلى الخروج واجتمعوا معهم على قتاله وواعدوهم لذلك موعدًا ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليم ففارقوهم على مثل ذلك وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وقادوا معهم ثلاثمائة فرس وألف وخمسمائة بعير وخرجوا يقودهم أبو سفيان ووافتهم بنو سليم بمر الظهران وهم سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس وخرجت معهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد وخرجت فزارة وهم ألف يقودهم عقبة بن حصين وخرجت أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة وخرجت بنو مرة وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف‏.‏

وروى الزهري أن الحارث رجع ببني مرة ت فلم يشهد الخندق منهم أحد والأول أثبت‏.‏

وكان جميع من وافوا الخندق ممن ذكر من القبائل عشرة آلاف وهم الأحزاب وكانوا ثلاثة عساكر والجملة بيد أبي سفيان فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصولهم من مكة ندب الناس وأخبرهم خبرهم وشاورهم فأشار سلمان الفارسي بالخندق فأعجب ذلك المسلمين وعسكر بهم رسول الله صل الله عليه وسلم إلى سفح سلع وجعل سلعًا خلف ظهره وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم‏.‏

ثم خندق على المدينة وجعل المسلمون يعملون مستعجلين يبادرون قدوم عدوهم وعمل رسول الله صل الله عليه وسلم معهم بيده لينشطرا ففرغوا منه في ستة أيام‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي قال‏:‏ أخبرنا هوذة بن خليفة قال‏:‏ أخبرنا عوف عن ميمون قال‏:‏ حدثني البراء بن عازب قال‏:‏ لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول قال‏:‏ فشكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها ألقى ثوبه وأخذ المعول وقال‏:‏ بسم الله ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها وقال‏:‏ الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة ثم ضرب الثانية فقطع ثلثًا آخر فقال‏:‏ الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض ثم ضرب الثالثة وقال‏:‏ بسم الله فقطع بقية الحجر وقال‏:‏ الله أكبر قال علماء السير‏:‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثماني ليال مضين من ذي القعدة وكان لواء المهاجرين مع زيد بن حارثة ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة ودس أبو سفيان بن حرب حيي بن أخطب إلى بني قريطة يسألهم أن ينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صل الله عليه وسلم ويكونوا معهم عليه فامتنعوا ثم أجابوا وبلغ ذلك رسول الله قال‏:‏ حسبنا الله ونعم الوكيل وفشل الناس وعظم البلاء واشتد الخوف وخيف على الذراري والنساء وكانوا كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر‏}‏‏.‏

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وكتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة وإنما كانت مراوضة ومراجعة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ وابن عبادة فأخبرهما بذلك فقالا‏:‏ هذا شيء تحبه أو شيء أمرك الله به قال‏:‏ لا بل أصنعه لأجلكم فإن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة فقالا‏:‏ قد كنا نحن وهم على الشرك وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة فحين أذن الله بالإسلام نفعل هذا ما لنا إلى هذا حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا قال‏:‏ فأنتم وذاك فتناول سعد الصحيفة التي كتبوها فمحاها وقال ليجهدوا علينا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وجاه العدو لا يزولون غير أنهم يعتقبون خندقهم ويحرسونه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث سلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير وكانوا يخافون على الذراري من بني قريظة وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عشرة من الأنصار يحرسونه كل ليلة فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان يومًا ويغدو خالد بن الوليد يومًا ويغدو عمرو بن العاص يومًا ويغدو هبيرة بن أبي وهب يومًا ويغدو عكرمة بن أبي جهل يومًا ويغدو ضرار بن الخطاب يومًا فلا يزالون يجيلون خيلهم ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدمون رماتهم فيرمون فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحله فقال‏:‏ خذها وأنا ابن العرقة فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ عرق الله وجهك في النار ‏"‏ ويقال‏:‏ الذي رماه أبو أسامة الجشمي‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا ابن الفهم قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد أخبرنا يزيد بن هارون‏.‏

وأخبرنا عاليا بن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا ابن مالك قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرت يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده عن عائشة قالت‏:‏ خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس فسمعت وئيد الأرض من ورائي - يعني حس الأرض - فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل رمحه فجلست إلى الأرض فمر سعد وهو يرتجر ويقول‏:‏ لبث قليلًا يدرك الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل‏.‏

قالت‏:‏ وعليه درع قد خرجت منه أطرافه فأنا أتخوف على أطراف سعد وكان سعد من أطول الناس وأعظمهم قالت‏:‏ فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين فيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه تسبغة له - تعني المغفر - قالت فقال لي عمر‏:‏ ما جاء بك والله إنك لجريئة وما يؤمنك أن يكون تحوز أو بلاء قالت‏:‏ فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلت فيها قالت‏:‏ فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله فقال‏:‏ ويحك يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم وأين التحوز وأين الفرار إلا إلى الله قالت‏:‏ ويرمي سعدًا رجل من المشركين من قريش يقال له ابن العرقة بسهم فقال‏:‏ خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فدعا الله عز وجل سعد فقال‏:‏ اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظ - وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية - قالت‏:‏ فرقأ كلمه وبعث الله تعالى الريح على المشركين ‏{‏وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًا عزيزًا‏}‏‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ العرقة أم حبان بن عبد مناف بن منقد بن عمر وسميت العرقة لطيب ريحها‏.‏

قال علماء السير‏:‏ لما حام الأحزاب حول الخندق أيامًا أجمع رؤساؤهم أن يغدوا يومًا فغدوا جميعًا وطلبوا مضيقًا من الخندق يقحمون فيه خيلهم فلم يجدوا فقالوا‏:‏ إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها فقيل لهم‏:‏ إن معه رجلًا فارسيًا فهو أشار عليه بذلك فصاروا إلى مكان ضيق فعبر عكرمة ونوفل وضرار وهبيرة وعمرو بن عبد ود فجعل عمرو يدعو إلى البراز وهو ابن تسعين سنة فقال علي رضي الله عنه‏:‏ أنا أبارزه فأعطاه النبي صل الله عليه وسلم سيفه وعممه وقال‏:‏ ‏"‏ اللهم أعنه عليه ‏"‏ فضربه علي فقتله وولى أصحابه هاربين وحمل الزبير على نوفل فقتله‏.‏

أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال‏:‏ أخبرنا ابن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سلمان بن داوود قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ عمرو بن عبد ود وضرار بن الخطاب وعكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله بن المغيرة هم الذين طفروا عمرو بن ود كان أول فارس جزع المزاد وكان فارس يليل قال مؤلف الكتاب‏:‏ المزاد موضع من الخندق فيه حفر ويليل واد قريب من بدر‏.‏

ولما جزع عمرو بن عبد المزاد دعى البراز وقال يرتجز‏:‏ ولقد بححت من النداء بجمعكم‏:‏ هل من مبارز ووقفت إذ جبن الشجا ع بموقف البطل المناجز إني كذلك لم أزل متسرعًا نحو الهزاهز إن الشجاعة والسم احة في الفتى خير الغرائز فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم أجابه يقول‏:‏ لا تعجلن فقد أتا ك مجيب صوتك غير عاجز ذو نية وبصيرة والصدق منجي كل فائز إني لأرجو أن أقي م عليك نائحة الجنائز من ضربة فوهاء يب قى ذكرها عند الهزاهز ثم دعاه أن يبارزه فقال له علي‏:‏ يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لقريش لا يدعوك رجل إلى رسوله وإلى الإسلام فقال‏:‏ لا حاجة لي بذلك قال‏:‏ فإني أدعوك إلى مبارزة‏.‏

قال‏:‏ يا ابن أخي والله ما أحب أن أقتلك فقال له علي‏:‏ لكني والله أنا أحب أن أقتلك فحمي عمرو واقتحم عن فرسه وعرقبه ثم أقبل فتناورا وتجاولا وثارت عليهما غبرة سترتهما عن المسلمين فلم يرع المسلمين إلا التكبير فعرفوا أن عليًا رضي الله عنه قتله فانجلت الغبرة وعلي على صدره يذبحه‏.‏

قال علماء السير‏:‏ لما قتل عمرو رثته أمه فقالت‏:‏ لو كان قاتل عمرو غير قاتله ما زلت أبكي عليه دائم الأبد لكن قاتله من لا يقال به من كان يدعى أبوه بيضة البلد ثم تواعدا أن يأتوا من الغد فباتوا يعبئون أصحابهم ونحوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة فيها خالد بن الوليد فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هوي من الليل ما يقدرون أن يزولوا عن مكانهم ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ظهرًا ولا عصرًا حتى كشفهم الله عز وجل فرجعوا منهزمين فلم يكن لهم بعد ذلك قتال - يعني انصرفوا - إلا أنهم لا يدعون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة فمال النبي صل الله عليه وسلم في ذلك اليوم الذي فاتته الصلاة فيه‏:‏ ‏"‏ شغلونا عن الصلاه الوسطى ‏"‏‏.‏

أخبرنا هبة الله بن محمد قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا أبو معاوية قال‏:‏ أخبرنا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن شتير بن شكل عن علي قال‏:‏ قال رسول الله صل الله عليه وسلم يوم الأحزاب‏:‏ ‏"‏ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا ‏"‏ ثم صلاها بين العشاءين المغرب والعشاء‏.‏

أخرجاه في الصحيحين‏.‏

وحصر رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة وقيل‏:‏ أربعا وعشرين ليلة حتى خلص إلى كل أمر منهم الكرب‏.‏

ودعى رسول الله صل الله عليه وسلم في مسجد الأحزاب‏.‏

ويروى في مسجد الفتح‏".‏

أخبرنا هبة الله بن محمد قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا أبو عامر قال‏:‏ أخبرنا كثير بن زيد قال‏:‏ حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال‏:‏ حدنا جابر‏:‏ أن النبي صل الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثًا‏:‏ يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر في وجهه‏.‏

قال جابر‏:‏ فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة‏.‏

قالوا‏:‏ وكان نعم بن مسعود الأشجعي قد أسلم وحسن إسلامه فمشى بين قريش وقريظة وغطفان فخذل بينهم‏.‏

فأنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن الفهم قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر‏.‏

وبه قال أخبرنا عبد الله بن عاصم الأشجعي عن أبيه قال‏:‏ قال نعيم بن مسعود‏:‏ لما سارت الأحزاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرت مع قومي وأنا على ديني فقذف الله في قلبي الإسلام فكتمت ذلك قومي وأخرج حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء فأجده يصلي فلما رآني جلس وقال‏:‏ ‏"‏ ما جاء بك يا نعيم ‏"‏ وكان بي عارفًا قلت‏:‏ إني جئت أصدقك وأشهد أن ما جئت به حق فمرني بما شئت قال‏:‏ أما استطت أن تخذل عنا الناس فخذل قلت‏:‏ أفعل ولكن يا رسول الله أقول قال‏:‏ ‏"‏ قل ما بدا لك فأنت في حل ‏"‏ قال‏:‏ فذهبت إلى قريظة فقلت‏:‏ اكتموا علي قالوا‏:‏ نفعل فقلت‏:‏ إن قريشًا وغطفان على الانصراف عن محمد صلى الله عليه وسلم إن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا انصرفوا إلى بلادهم فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهناء قالوا‏:‏ أشرت علينا والنصح لنا ثم خرجت إلى أبي سفيان بن حرب فقلت قد جئتك بنصيحة فاكتم علي قال‏:‏ أفعل قلت‏:‏ تعلم أن قريظة قد ندموا على ما فعلوا فيما بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم وأرادوا إصلاحه ومراجعته فأرسلوا إليه وأنا عندهم إنا سنأخذ من قريش وغطفان سبعين رجلًا من أشرافهم نسلمهم إليك تضرب أعناقهم ونكون معك على قريش وغطفان حتى نردهم عنك وترد حناحنا الذي كسرت إلى ديارهم - يعني بني النضير - فإن بعثوا إليكم يسألونكم رهنًا فلا تدفعوا إليهم أحدًا واحذروهم ثم أتى غطفان فقال لهم مثل ذلك وكان رجلًا منهم فصدقوه وأرسلت قريظة إلى قريش‏:‏ إنا والله ما نخرج فنقاتل محمدًا صل الله عليه وسلم حتى تعطونا رهنًا منكم يكونون عندنا فإنا نتخوف أن تنكشفوا وتدعونا ومحمدًا فقال أبو سفيان‏:‏ صدق نعيم‏.‏

وأرسلوا إلى غطفان بمثل ما أرسلوا إلى قريش فقالوا لهم مثل ذلك وقالوا جميعًا‏:‏ إنا والله ما نعطيكم رهنًا ولكن أخرجوا فقاتلوا معنا‏.‏

فقالت اليهود‏:‏ نحلف بالتوراة أن الخبر الذي قال نعيم لحق وجعلت قريش وغطفان يقولون‏:‏ الخبر ما قال نعيم ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء وهؤلاء من نصر هؤلاء‏.‏

واختلف أمرهم وتفرقوا في كل وجه وكان نعيم يقول‏:‏ أنا خذلت بين الأحزاب حتى تفرقوا في كل وجه وأنا أمين رسول الله صل الله عليه وسلم على سره‏.‏

قال علماء السير‏:‏ فلما استوحش كل فريق من صاحبه اعتلت قريظة بالسبت فقالوا‏:‏ لا نقاتل وهبت ليلة السبت ريح شديدة فقال أبو سفيان‏:‏ يا معشر قريش إنكم والله لستم بدار مقام لقد هلك الخف والحافر وأجدب الجناب وأخلفتنا بنو قريظة ولقد لقينا من الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بحضرته أحد من العساكر قد انقشعوا فبعث رسول الله صل الله عليه وسلم حذيفة لينظر ما فعل القوم‏.‏

فروى مسلم في أفراده من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي عن أبيه قال‏:‏ كنا عند حذيفة فقال رجل‏:‏ لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت فقال حذيفة‏:‏ أنت كنت تفعل ذلك لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ألا رجل يأتينا نجبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ‏"‏ فسكتنا فلم يجبه أحد ثم قال‏:‏ ‏"‏ ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ‏"‏ فسكتنا ولم يقم قائم فقال‏:‏ ‏"‏ قم يا حذيفة ‏"‏ فلم أجد بدًا إذ دعاني باسمي إلا أن أقوم قال‏:‏ ‏"‏ اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي ‏"‏ فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهمي في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تذعرهم علي ‏"‏ فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام فلما أتيته أخبرته خبر القوم وفرعت وقررت فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائمًا حتى أصبحت قال صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ قم يا نومان ‏"‏‏.‏

وقد رواه ابن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان‏:‏ يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبتموه قال‏:‏ نعم يا ابن أخي قال‏:‏ كيف كنتم تصنعون قال‏:‏ والله لقد كنا نجهد فقال الفتى‏:‏ والله لو أدركناه ماتركناه يمشي على وجه الأرض ولحملناه على أعناقنا فقال حذيفة‏:‏ يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق يصلي هويًا من الليل ثم التفت إلينا فقال‏:‏ ‏"‏ من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع ‏"‏ وشرط له انه إذا رجع أدخله الله الجنة فما قام رجل ثم صلى رسول الله صل الله عليه وسلم هويًا من الليل ثم التفت إلينا فقال مثل ذلك ثم قال‏:‏ ‏"‏ أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة ‏"‏‏.‏

فما قام أحد من شدة الخوف والجوع والبرد فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صل الله عليه وسلم فلم يكن لي بد من القيام فقال‏:‏ ‏"‏ يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون ‏"‏‏.‏

فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل فلا تترك قدرًا ولا نارًا ولا بناء‏.‏

فقام أبو سفيان فقال‏:‏ يا معشر قريش لينظر امرؤ جليسه فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت‏:‏ من أنت فقال‏:‏ أنا فلان بن فلان ثم قال أبو سفيان‏:‏ يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل‏.‏

فرجعت فأخبرت النبي صل الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ لم يقتل يوم الخندق من المسلمين إلا ستة نفر وقتل من المشركين ثلاثة‏".‏

جاء في "البداية والنهاية" لابن كثير:

" وقد أنزل الله تعالى فيها صدر سورة الأحزاب فقال تعالى:

‏‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ * أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 9-27‏]‏‏.‏ ‏

وقد تكلمنا على كل من هذه الآيات الكريمات في التفسير، ولله الحمد والمنة، ولنذكر ها هنا ما يتعلق بالقصة إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان‏.‏

وقد كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة، نص على ذلك ابن إسحاق، وعروة بن الزبير، وقتادة والبيهقي، وغير واحد من العلماء سلفاً وخلفاً‏.‏

وقد روى موسى بن عقبة، عن الزهري أنه قال‏:‏ ثم كانت وقعة الأحزاب في شوال سنة أربع‏.‏

وكذلك قال الإمام مالك بن أنس، فيما رواه أحمد بن حنبل عن موسى بن داود عنه‏.‏

قال البيهقي‏:‏ ولا اختلاف بينهم في الحقيقة لأن مرادهم أن ذلك بعد مضي أربع سنين، وقبل استكمال خمس، ولا شك أن المشركين لما انصرفوا عن أحد، واعدوا المسلمين إلى بدر العام المقابل، فذهب النبي صل الله عليه وسلم وأصحابه كما تقدم في شعبان سنة أربع، ورجع أبو سفيان بقريش لجدب ذلك العام، فلم يكونوا ليأتوا إلى المدينة بعد شهرين، فتعين أن الخندق في شوال من سنة خمس، والله أعلم‏.‏

وقد صرح الزهري بأن الخندق كانت بعد أحد بسنتين، ولا خلاف أن أُحداً في شوال سنة ثلاث إلا على قول من ذهب إلى أن أول التاريخ من محرم السنة الثانية لسنة الهجرة، ولم يعدوا الشهور الباقية من سنة الهجرة من ربيع الأول إلى آخرها، كما حكاه البيهقي‏.‏

وبه قال يعقوب بن سفيان الفسوي، وقد صرح بأن بدراً في الأولى، وأحداً في سنة ثنتين، وبدر الموعد في شعبان سنة ثلاث، والخندق في شوال سنة أربع، وهذا مخالف لقول الجمهور، فإن المشهور أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جعل أول التاريخ من محرم سنة الهجرة، وعن مالك من ربيع الأول سنة الهجرة، فصارت الأقوال ثلاثة، والله أعلم‏.‏

والصحيح قول الجمهور أن أحداً في شوال سنة ثلاث، وأن الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة، والله أعلم‏.‏

فأما الحديث المتفق عليه في الصحيحين من طريق عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال‏:‏ عرضت على رسول الله صل الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني، فقد أجاب عنها جماعة من العلماء منهم البيهقي بأنه عرض يوم أحد في أول الرابعة عشرة، ويوم الأحزاب في أواخر الخامسة عشرة‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أنه أراد أنه لما عرض عليه يوم الأحزاب كان قد استكمل خمس عشرة سنة التي يجاز لمثلها الغلمان، فلا يبقى على هذا زيادة عليها، ولهذا لما بلَّغ نافع عمر بن عبد العزيز هذا الحديث قال‏:‏

إن هذا الفرق بين الصغير والكبير، ثم كتب به إلى الآفاق، واعتمد على ذلك جمهور العلماء، والله أعلم‏.‏

وهذا سياق القصة مما ذكره ابن إسحاق وغيره‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس، فحدثني يزيد بن رومان، عن عروة ومن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، ومحمد بن كعب القرظي، والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، وغيرهم من علمائنا، وبعضهم يحدث ما لا يحدث بعض قالوا‏:‏

إنه كان من حديث الخندق أن نفراً من اليهود منهم‏:‏ سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله صل الله عليه وسلم وقالوا‏:‏ إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله‏.‏

فقالت لهم قريش‏:‏ يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه‏.‏

قالوا‏:‏ بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله فيهم‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 51 -52‏]‏

فلما قالوا ذلك لقريش سرهم، ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له، ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاؤوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب النبي صل الله عليه وسلم، وأخبروهم أنهم يكونون معهم عليه، وأن قريشاً قد تابعوهم على ذلك واجتمعوا معهم فيه‏.‏ ‏

فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه من قومه من أشجع‏.‏

فلما سمع بهم رسول الله صل الله عليه وسلم وما أجمعوا له من الأمر، ضرب الخندق على المدينة‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ يقال إن الذي أشار به سلمان‏.‏

قال الطبري، والسهيلي‏:‏ أول من حفر الخنادق منوشهر بن أيرج بن أفريدون، وكان في زمن موسى عليه السلام‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فعمل فيه رسول الله صل الله عليه وسلم ترغيباً للمسلمين في الأجر، وعمل معه المسلمون، وتخلف طائفة من المنافقين يعتذرون بالضعف، ومنهم من ينسل خفية بغير إذنه ولا علمه عليه الصلاة والسلام‏.‏

وقد أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى‏:‏

‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 62-64‏]‏‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فعمل المسلمون فيه حتى أحكموه، وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له جُعيل سماه رسول الله صل الله عليه وسلم عمراً، فقالوا فيما يقولون‏:‏

سماه من بعد جُعَيلِ عمراً * وكان للبائس يوماً ظهرا

وكانوا إذا قالوا عمراً، قال معهم رسول الله صل الله عليه وسلم عمراً، وإذا قالوا ظهراً قال لهم ظهراً‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق، عن حميد سمعت أنساً قال‏:‏ خرج رسول الله صل الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر الأنصار والمهاجره‏)‏‏)‏ فقالوا مجيبين له‏:‏

نحن الذين بايعوا محمداً * على الجهاد ما بقينا أبدا

وفي الصحيحين من حديث شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أنس نحوه‏.‏

وقد رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد، عن أنس بنحوه‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس قال‏:‏ جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة، وينقلون التراب على متونهم ويقولون‏:‏

نحن الذين بايعوا محمداً * على الإسلام ما بقينا أبدا

قال‏:‏ يقول النبي صل الله عليه وسلم مجيباً لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة، فبارك في الأنصار والمهاجرة‏)‏‏)‏

قال‏:‏ يؤتون بملء كفي من الشعير فيصنع لهم بإهالة سنخة توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون، ونحن ننقل التراب على أكتادنا، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم، عن القعنبي، عن عبد العزيز به‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال‏:‏ كان رسول الله صل الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه، أو أغبر بطنه يقول‏:‏

والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينا * إذا أرادوا فتنة أبينا

ورفع بها صوته‏:‏ أبينا أبينا‏.‏

ورواه مسلم من حديث شعبة به‏.‏

ثم قال البخاري‏:‏ حدثنا أحمد بن عثمان، حدثنا شريح بن مسلمة، حدثني إبراهيم بن يوسف، حدثني أبي، عن أبي إسحاق، عن البراء يحدث قال‏:‏ لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صل الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق، حتى وارى عني التراب جلدة بطنه، وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات عبد الله بن رواحة، وهو ينقل من التراب يقول‏:‏ ‏

اللهم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا

ثم يمد صوته بآخرها‏.‏

وقال البيهقي في ‏(‏الدلائل‏)‏‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا إسماعيل بن الفضل البجلي، حدثنا إبراهيم بن يوسف البلخي، حدثنا المسيب بن شريك، عن زياد بن أبي زياد، عن أبي عثمان، عن سلمان‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم ضرب في الخندق وقال‏:‏

بسم الله وبه هُدينا * ولو عبدنا غيره شقينا

يا حبذا رباً وحبَّ دينا

وهذا حديث غريب من هذا الوجه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سليمان، حدثنا شعبة، عن معاوية ابن قرة، عن أنس أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال وهم يحفرون الخندق‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم لا خير إلا خير الآخرة فأصلح الأنصار والمهاجرة‏)‏‏)‏‏.‏

وأخرجاه في الصحيحين من حديث غندر، عن شعبة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقد كان في حفر الخندق أحاديث بلغتني من الله فيها عبرة في تصديق رسول الله صل الله عليه وسلم وتحقيق نبوته، عاين ذلك المسلمون‏.‏

فمن ذلك أن جابر بن عبد الله كان يحدث‏:‏ أنه اشتدت عليهم في بعض الخندق كُدْيَة، فشكوها إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، فدعا بإناء من ماء، فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضح الماء على تلك الكدية‏.‏

فيقول من حضرها‏:‏ فوالذي بعثه بالحق نبياً، لانهالت حتى عادت كالكثيب، ما ترد فأساً ولا مسحاة‏.‏ هكذا ذكره ابن إسحاق منقطعاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه‏.‏

وقد قال البخاري - رحمه الله -‏:‏ حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه قال‏:‏ أتيت جابراً فقال‏:‏ أنا يوم الخندق نحفر فعرضت كُدْيًة شديدة، فجاؤوا النبي صل الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ هذه كدية عرضت في الخندق، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا نازل‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيباً أهيل، أو أهيم‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله ائذن لي إلى البيت‏.‏ فقلت لامرأتي‏:‏ رأيت النبي صل الله عليه وسلم شيئاً ما كان في ذلك صبر، فعندك شيء‏؟‏

قالت‏:‏ عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صل الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج، فقلت‏:‏ طعيم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏كم هو ‏؟‏‏)‏‏)‏ فذكرت له، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كثير طيب، قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏قوموا‏)‏‏)‏ فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال‏:‏ ويحك، جاء النبي صل الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم‏.‏

قالت‏:‏ هل سألك‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ادخلوا ولا تضاغطوا‏)‏‏)‏ فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز، ويغرف حتى شبعوا، وبقي بقية‏.‏ قال‏:‏ كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة‏.‏ تفرد به البخاري‏.‏

وقد رواه الإمام أحمد عن وكيع، عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه أيمن الحبشي مولى بني مخزوم، عن جابر بقصة الكدية، وربط الحجر على بطنه الكريم‏.‏

ورواه البيهقي في ‏(‏الدلائل‏)‏ عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر قصة الكدية والطعام، وطوله أتم من رواية البخاري قال فيه‏:‏

لما علم النبي صلى الله عليه وسلم بمقدار الطعام، قال للمسلمين جميعاً‏:‏ ‏(‏‏(‏قوموا إلى جابر‏)‏‏)‏ فقاموا، قال‏:‏ فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله، وقلت‏:‏ جاءنا بخلق على صاع من شعير وعناق، ودخلت على امرأتي أقول‏:‏ افتضحت جاءك رسول الله صل الله عليه وسلم بالخندق أجمعين‏.‏

فقالت‏:‏ هل كان سألك كم طعامك‏؟‏

قلت‏:‏ نعم‏.‏

فقالت‏:‏ الله ورسوله أعلم قد أخبرناه ما عندنا‏.‏

قال‏:‏ فكشفت عني غماً شديداً‏.‏

قال‏:‏ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏خدمي ودعيني من اللحم‏)‏‏)‏ وجعل رسول الله صل الله عليه وسلم يثرد، ويغرف اللحم، ويخمر هذا، ويخمر هذا، فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعين، ويعود التنور والقدر أملأ ما كانا‏.‏

ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏كلي وأهدي‏)‏‏)‏ فلم تزل تأكل وتهدي يومها‏.‏

وقد رواه كذلك أبو بكر بن أبي شيبة، عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر به، وأبسط أيضاً‏.‏

وقال في آخره‏:‏ وأخبرني أنهم كانوا ثمانمائة، أو قال ثلثمائة‏.‏

وقال يونس بن بكير‏:‏ عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر فذكر القصة بطولها في الطعام فقط، وقال‏:‏ وكانوا ثلثمائة‏.‏

ثم قال البخاري‏:‏ حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم، حدثنا حنظلة بن أبي سفيان، عن أبي الزبير، حدثنا ابن ميناء، سمعت جابر بن عبد الله قال‏:‏ لما حفر الخندق رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم خمصاً، فانكفأت إلى امرأتي فقلت‏:‏ هل عندك شيء‏؟‏ فإني رأيت برسول الله صل الله عليه وسلم خمصاً شديداً‏.‏

فأخرجت لي جراباً فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن فذبحتها فطحنت، ففرغت إلى فراغي، وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ لا تفضحني برسول الله صل الله عليه وسلم وبمن معه‏.‏

فجئته فساررته، فقلت‏:‏ يا رسول الله ذبحت بهيمة لنا، وطحنت صاعاً من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك، فصاح رسول الله صل الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أهل الخندق إن جابراً قد صنع سؤراً فحيهلا بكم‏)‏‏)‏‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تنزلن برمتكم، ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء‏)‏‏)‏ فجئت، وجاء رسول الله صل الله عليه وسلم يقدم الناس، حتى جئت امرأتي فقالت‏:‏ بك وبك، فقلت‏:‏ قد فعلت الذي قلت، فأخرجت لنا عجيناً فبسق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبسق وبارك‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ادع خبازة فلتخبز معك، واقدحي من برمتك، ولا تنزلوها‏)‏‏)‏ وهم ألف، فأُقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا كما هو‏.‏

ورواه مسلم عن حجاج بن الشاعر، عن أبي عاصم به نحوه‏.‏

وقد روى محمد بن إسحاق هذا الحديث، وفي سياقه غرابة من بعض الوجوه فقال‏:‏

حدثني سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ عملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، وكانت عندي شويهة غير جد سمينة قال‏:‏ فقلت والله لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ وأمرت امرأتي، فطحنت لنا شيئاً من شعير، فصنعت لنا منه خبزاً، وذبحت تلك الشاة، فشويناها لرسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

فلما أمسينا وأراد رسول الله صل الله عليه وسلم الانصراف عن الخندق، قال وكنا نعمل فيه نهاراً، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا فقلت‏:‏ يا رسول الله إني قد صنعت لك شويهة كانت عندنا، وصنعنا معها شيئاً من خبز هذا الشعير، فأنا أحب أن تنصرف معي إلى منزلي‏.‏

قال‏:‏ وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صل الله عليه وسلم وحده‏.‏

قال‏:‏ فلما أن قلت ذلك، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏ ثم أمر صارخاً فصرخ، أن انصرفوا مع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبد الله‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

قال‏:‏ فأقبل رسول الله صل الله عليه وسلم، وأقبل الناس معه، فجلس وأخرجناها إليه، قال‏:‏ فبرك وسمى الله تعالى، ثم أكل، وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا، وجاء ناس حتى صدر أهل الخندق عنها‏.‏

والعجب أن الإمام أحمد إنما رواه من طريق سعيد بن ميناء، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق عنه، عن جابر مثله سواء‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:04 am

تابع ...
غزوة الخندق (الأحزاب)

قال محمد بن إسحاق‏:‏ وحدثني سعيد بن ميناء أنه قد حدث أن ابنة لبشير بن سعد أخت النعمان بن بشير قالت‏:‏ دعتني أمي عمرة بنت رواحة، فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت‏:‏ أي بنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما‏.‏

قالت‏:‏ فأخذتها وانطلقت بها فمررت برسول الله صل الله عليه وسلم، وأنا ألتمس أبي وخالي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏تعالي يا بنية ما هذا معك‏؟‏‏)‏‏)‏

قالت‏:‏ قلت يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هاتيه‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فصببته في كفي رسول الله صل الله عليه وسلم، فما ملأتهما‏.‏ ثم أمر بثوب فبسط له، ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب‏.‏

ثم قال لإنسان عنده‏:‏ ‏(‏‏(‏اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء‏)‏‏)‏ فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب‏.‏

هكذا رواه ابن إسحاق وفيه انقطاع‏.‏

وهكذا رواه الحافظ البيهقي من طريقه، ولم يزد‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثت عن سلمان الفارسي أنه قال‏:‏ ضربت في ناحية من الخندق، فغلظت علي صخرة، ورسول الله صل الله عليه وسلم قريب مني، فلما رآني أضرب، ورأى شدة المكان علي، نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب به ضربة أخرى فلمعت تحته برقة أخرى‏.‏

قال‏:‏ ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى، قال‏:‏ قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا الذي رأيت، لمع تحت المعول وأنت تضرب‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أوقد رأيت ذلك يا سلمان ‏؟‏‏)‏‏)‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما الأولى فإن الله فتح علي باب اليمن، وأما الثانية فإن الله فتح علي باب الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق‏)‏‏)‏‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وهذا الذي ذكره ابن إسحاق قد ذكره موسى بن عقبة في ‏(‏مغازيه‏)‏‏.‏

وذكره أبو الأسود عن عروة‏.‏

ثم روى البيهقي من طريق محمد بن يونس الكديمي، وفي حديثه نظر‏.‏

لكن رواه ابن جرير في ‏(‏تاريخه‏)‏ عن محمد بن بشار وبندار، كلاهما عن محمد بن خالد بن عثمة، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده، فذكر حديثاً فيه أن رسول الله صل الله عليه وسلم خطَّ الخندق بين كل عشرة أربعين ذراعاً‏.‏

قال‏:‏ واحتق المهاجرون والأنصار في سلمان، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏سلمان منا أهل البيت‏)‏‏)‏‏.‏

قال عمرو بن عوف‏:‏ فكنت أنا وسلمان، وحذيفة، والنعمان بن مقرن، وستة من الأنصار، في أربعين ذراعاً، فحفرنا حتى إذا بلغنا الندى، ظهرت لنا صخرة بيضاء مروة، فكسرت حديدنا، وشقت علينا‏.‏

فذهب سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة تركية، فأخبره عنها، فجاء فأخذ المعول من سلمان، فضرب الصخرة ضربة فصدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها - يعني المدينة - حتى كأنها مصباح في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صل الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبر المسلمون‏.‏

ثم ضربها الثانية فكذلك، ثم الثالثة فكذلك، وذكر ذلك سلمان والمسلمون لرسول الله صل الله عليه وسلم، وسألوه عن ذلك النور، فقال‏:‏

‏(‏‏(‏لقد أضاء لي من الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثانية أضاءت القصور الحمر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثالثة أضاءت قصور صنعاء، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا‏)‏‏)‏ واستبشر المسلمون وقالوا‏:‏ الحمد لله موعود صادق‏.‏

قال‏:‏ ولما طلعت الأحزاب قال المؤمنون‏:‏ هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً، وقال المنافقون‏:‏ يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا، فنزل فيهم‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 12‏]‏ وهذا حديث غريب‏.‏

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني‏:‏ حدثنا هارون بن ملول، حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ لما أمر رسول الله صل الله عليه وسلم بالخندق، فخندق على المدينة قالوا‏:‏ يا رسول الله إنا وجدنا صفاة لا نستطيع حفرها‏.‏

فقام النبي صل الله عليه وسلم وقمنا معه، فلما أتاها أخذ المعول فضرب أخرى فكبر، فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏فتحت فارس‏)‏‏)‏ ثم ضرب أخرى فكبر، فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط، فقال ‏(‏‏(‏فتحت الروم‏)‏‏)‏ ثم ضرب أخرى فكبر‏.‏

فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏جاء الله بحمير أعواناً وأنصاراً‏)‏‏)‏ وهذا أيضاً غريب من هذا الوجه، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي فيه ضعف، فالله أعلم‏.‏

وقال الطبراني أيضاً‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني سعيد بن محمد الجرمي، حدثنا أبو نميلة، حدثنا نعيم بن سعيد الغري أن عكرمة حدث عن ابن عباس قال‏:‏ احتفر رسول الله صل الله عليه وسلم الخندق، وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع‏.‏

فلما رأى ذلك رسول الله صل الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل دللتم على رجل يطعمنا أكلة ‏؟‏‏)‏‏)‏

قال رجل‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما لا، فتقدم فدلنا عليه‏)‏‏)‏ فانطلقوا إلى بيت الرجل فإذا هو في الخندق يعالج نصيبه منه، فأرسلت امرأته أن جئ، فإن رسول الله صل الله عليه وسلم قد أتانا‏.‏

فجاء الرجل يسعى وقال‏:‏ بأبي وأمي، وله معزة ومعها جديها، فوثب إليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الجدي من ورائها‏)‏‏)‏ فذبح الجدي، وعمدت المرأة إلى طحينة لها فعجنتها وخبزت، فأدركت القدر، فثردت قصعتها فقربتها إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏

فوضع رسول الله صل الله عليه وسلم إصبعه فيها وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله اللهم بارك فيها أطعموا‏)‏‏)‏ فأكلوا منها حتى صدروا، ولم يأكلوا منها إلا ثلثها وبقي ثلثاها، فسرح أولئك العشرة الذين كانوا معه أن اذهبوا وسرحوا إلينا بعدتكم، فذهبوا فجاء أولئك العشرة، فأكلوا منها حتى شبعوا، ثم قام ودعا لربة البيت، وسمت عليها، وعلى أهل بيتها‏.‏

ثم مشوا إلى الخندق فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اذهبوا بنا إلى سلمان‏)‏‏)‏ وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏دعوني فأكون أول من ضربها‏)‏‏)‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله‏)‏‏)‏ فضربها، فوقعت فلقة ثلثها، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏الله أكبر قصور الشام ورب الكعبة‏)‏‏)‏‏.‏

ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة‏)‏‏)‏ فقال عندها المنافقون‏:‏ نحن نخندق على أنفسنا، وهو يعدنا قصور فارس والروم‏.‏

ثم قال الحافظ البيهقي‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا محمد بن غالب بن حرب، حدثنا هوذة، حدثنا عوف، عن ميمون بن أستاذ الزهري، حدثني البراء بن عازب الأنصاري قال‏:‏

لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة، لا تأخذ فيها المعاول، فشكوا ذلك إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، فلما رآها أخذ المعول وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله‏)‏‏)‏ وضرب ضربة فكسر ثلثها‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر إن شاء الله‏)‏‏)‏ ثم ضرب الثانية فقطع ثلثاً آخر، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم ضرب الثالثة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله‏)‏‏)‏ فقطع بقية الحجر، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة‏)‏‏)‏ وهذا حديث غريب أيضاً، تفرد به ميمون بن أستاذ هذا، وهو بصري روى عن البراء، وعبد الله بن عمرو وعنه حميد الطويل، والجريري، وعوف الأعرابي‏.‏

قال أبو حاتم، عن إسحاق بن منصور، عن ابن معين‏:‏ كان ثقة‏.‏

وقال علي بن المديني‏:‏ كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه‏.‏

وقال النسائي‏:‏ حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا ضمرة، عن أبي زرعة السيباني، عن أبي سكينة - رجل من البحرين - عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لما أمر رسول الله صل الله عليه وسلم بحفر الخندق، عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر‏.‏

فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ المعول، ووضع رداءه ناحية الخندق، وقال‏:‏ ‏{‏وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم‏}‏ فندر ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر، فبرق مع ضربة رسول الله صل الله عليه وسلم برقة‏.‏

ثم ضرب الثانية وقال‏:‏ ‏{‏وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلمات الله وهو السميع العليم‏}‏ فندر الثلث الآخر وبرقت برقة، فرآها سلمان‏.‏

ثم ضرب الثالثة وقال‏:‏ ‏{‏وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم‏}‏ فندر الثلث الباقي‏.‏

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رداءه وجلس، فقال سلمان‏:‏ يا رسول الله رأيتك حين ضربت لا تضرب إلا كانت معها برقة، قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا سلمان رأيت ذلك ‏؟‏‏)‏‏)‏ قال‏:‏ أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها، ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني‏)‏‏)‏‏.‏

فقال له من حضره من أصحابه‏:‏ يا رسول الله ادع أن يفتحها علينا، ويغنمنا ذراريهم، ونخرب بأيدينا بلادهم‏.‏ فدعا بذلك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ثم ضربت الثانية فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها، حتى رأيتها بعيني‏)‏‏)‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ذراريهم، ونخرب بأيدينا بلادهم، فدعا‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ثم ضربت الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى، حتى رأيتها بعيني‏)‏‏)‏‏.‏ ‏

ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك وما تركوكم هكذا‏)‏‏)‏ رواه النسائي مطولاً وإنما روى منه أبو داود ‏(‏‏(‏دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم‏)‏‏)‏ عن عيسى بن محمد الرملي، عن ضمرة بن ربيعة، عن أبي زرعة يحيى بن أبي عمرو السيباني به‏.‏

ثم قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول، حين فتحت هذه الأمصار في زمان عمر، وزمان عثمان، وما بعده‏:‏ افتتحوا ما بدا لكم، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة، ولا تفتحونها إلى يوم القيامة، إلا وقد أعطى الله محمداً صل الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك‏.‏

وهذا من هذا الوجه منقطع أيضاً، وقد وصل من غير وجه ولله الحمد‏.‏

فقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حجاج، حدثنا ليث، حدثني عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة قال‏:‏ سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه البخاري منفرداً به عن يحيى بن بكير، وسعد بن عفير، كلاهما عن الليث به‏.‏ وعنده قال أبو هريرة‏:‏ فذهب رسول الله صل الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يزيد، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏نصرت بالرعب، وأوتيت جوامع الكلم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي‏)‏‏)‏ وهذا إسناد جيد قوي على شرط مسلم، ولم يخرجوه‏.‏

وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله‏)‏‏)‏‏.‏

وفي الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها‏)‏‏)‏‏.‏

فصل نزول قريش بمجتمع الأسيال يوم الخندق‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ولما فرغ رسول الله صل الله عليه وسلم من الخندق، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجرف وزغابة، في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نقمى، إلى جانب أحد‏.‏

وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع، في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء، فجعلوا فوق الأطام‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم‏.‏

قلت‏:‏ وهذا معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 10‏]‏‏.‏ ‏

قال البخاري‏:‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار‏}‏ قالت‏:‏ ذلك يوم الخندق‏.‏

قال موسى بن عقبة‏:‏ ولما نزل الأحزاب حول المدينة أغلق بنو قريظة حصنهم دونهم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وخرج حيي بن أخطب النضري، حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقدهم وعهدهم، فلما سمع به كعب أغلق باب حصنه دون حيي، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له، فناداه‏:‏ ويحك يا كعب افتح لي‏.‏

قال‏:‏ ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم، وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقاً‏.‏

قال‏:‏ ويحك افتح لي أكلمك‏.‏

قال‏:‏ ما أنا بفاعل، قال‏:‏ والله إن أغلقت دوني إلا خوفاً على جشيشتك أن آكل معك منها، فاحفظ الرجل، ففتح له فقال‏:‏ ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام‏.‏

قال‏:‏ وما ذاك‏؟‏

قال‏:‏ جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة وبغطفان، على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى، إلى جانب أحد، وقد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه‏.‏

فقال كعب‏:‏ جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماؤه، يرعد ويبرق وليس فيه شيء، ويحك يا حيي ‏!‏ فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا وفاءً وصدقاً‏.‏

وقد تكلم عمر بن سعد القرظي فأحسن فيما ذكره موسى بن عقبة‏:‏ ذكرهم ميثاق رسول الله صل الله عليه وسلم وعهده ومعاقدتهم إياه على نصره وقال‏:‏ إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوه‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب، حتى سمع له - يعني في نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي محاربته مع الأحزاب - على أن أعطاه حيي عهد الله وميثاقه لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد العهد، وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

قال موسى بن عقبة‏:‏ وأمر كعب بن أسد بنو قريظة حيي بن أخطب أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن، تكون عندهم لئلا ينالهم ضيم إن هم رجعوا ولم يناجزوا محمداً، قالوا‏:‏ وتكون الرهائن تسعين رجلاً من أشرافهم، فنازلهم حيي على ذلك، فعند ذلك نقضوا العهد ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد إلا بني سعنة أسد وأسيد وثعلبة، فإنهم خرجوا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وإلى المسلمين، بعث سعد بن معاذ وهو يومئذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة وهو يومئذ سيد الخزرج، ومعهما عبد الله بن رواحة، وخوات بن جبير‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحقٌ ما بلغنا عنهم، فإن كان حقاً فالحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد المسلمين، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فخرجوا حتى أتوهم‏.‏

قال موسى بن عقبة‏:‏ فدخلوا معهم حصنهم، فدعوهم إلى الموادعة وتجديد الحلف، فقالوا‏:‏ الآن وقد كسر جناحنا وأخرجهم يريدون بني النضير، ونالوا من رسول الله صل الله عليه وسلم، فجعل سعد بن عبادة يشاتمهم، فأغضبوه فقال له سعد بن معاذ‏:‏ إنا والله ما جئنا لهذا، ولما بيننا أكبر من المشاتمة‏.‏

ثم ناداهم سعد بن معاذ فقال‏:‏ إنكم قد علمتم الذي بيننا وبينكم يا بني قريظة، وأنا خائف عليكم مثل يوم بني النضير، أو أمر منه‏.‏

فقالوا‏:‏ أكلت أير أبيك‏.‏

فقال‏:‏ غير هذا من القول كان أجمل بكم وأحسن‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ نالوا من رسول الله صل الله عليه وسلم وقالوا‏:‏ من رسول الله‏؟‏ لا عهد بيننا وبين محمد‏.‏

فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه، وكان رجلاً فيه حدة فقال له سعد بن عبادة‏:‏ دع عنك مشاتمتهم لما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، ثم أقبل السعدان ومن معهما إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فسلموا عليه، ثم قالوا‏:‏ عضل والقارة أي‏:‏ كغدرهم بأصحاب الرجيع‏:‏ خبيب وأصحابه‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين‏)‏‏)‏‏.‏

قال موسى بن عقبة‏:‏ ثم تقنع رسول الله صل الله عليه وسلم بثوبه حين جاءه الخبر عن بني قريظة، فاضطجع ومكث طويلاً، فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه اضطجع، وعرفوا أنه لم يأته عن بني قريظة خير، ثم إنه رفع رأسه وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أبشروا بفتح الله ونصره‏)‏‏)‏‏.‏

فلما أن أصبحوا، دنا القوم بعضهم من بعض، وكان بينهم رمي بالنبل والحجارة‏.‏

قال سعيد بن المسيب‏:‏ قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم إني أسألك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق حتى قال معتب بن قشير - أخو بني عمرو بن عوف -‏:‏ كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط‏.‏

وحتى قال أوس بن قيظي‏:‏ يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو، وذلك عن ملأ من رجال قومه، فأذن لنا أن نرجع إلى دارنا فإنها خارج من المدينة‏.‏

قلت‏:‏ هؤلاء وأمثالهم المرادون بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 12-13‏]‏‏.‏

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:04 am


تابع ...
غزوة الخندق (الأحزاب)

قال ابن إسحاق‏:‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مرابطاً، وأقام المشركون يحاصرونه بضعاً وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بينهم حرب إلا الرميا بالنبل، فلما اشتد على الناس البلاء، بعث رسول الله صل الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، ومن لا أتهم عن الزهري إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه‏.‏

فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة، فلما أراد رسول الله صل الله عليه وسلم أن يفعل ذلك، بعث إلى السعدين فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه، فقالا‏:‏ يا رسول الله أمراً تحبه فنصنعه، أم شيئاً أمرك الله به ولا بد لنا من العمل به، أم شيئاً تصنعه لنا‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما‏)‏‏)‏

فقال له سعد بن معاذ‏:‏ يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا‏؟‏ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم‏.‏

فقال النبي صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت وذاك‏)‏‏)‏ فتناول سعد بن معاذ الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال‏:‏ ليجهدوا عليها‏.‏

قال‏:‏ فأقام النبي صل الله عليه وسلم وأصحابه محاصرين، ولم يكن بينهم وبين عدوهم قتال، إلا أن فوارس من قريش - منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس أحد بني عامر بن لؤي، وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهر المخزوميان، وضرار بن الخطاب بن مرداس، أحد بني محارب بن فهر - تلبسوا للقتال‏.‏

ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا‏:‏ تهيئوا يا بني كنانة للحرب، فستعلمون من الفرسان اليوم، ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا‏:‏ والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكاناً من الخندق ضيقاً فضربوا خيلهم، فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع‏.‏

وخرج علي بن أبي طالب في نفر معه من المسلمين، حتى أخذوا عليه الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، فلم يشهد يوم أحد، فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مكانه، فلما خرج هو وخيله قال‏:‏ من يبارز ‏؟‏

فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له‏:‏ يا عمرو إنك كنت هاعدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه‏.‏

قال‏:‏ أجل‏.‏

قال له علي‏:‏ فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام‏.‏

قال‏:‏ لا حاجة لي بذلك‏.‏

قال‏:‏ فإني أدعوك إلى النزال‏.‏ ‏

قال له‏:‏ لمَ يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك‏.‏

قال له علي‏:‏ لكني والله أحب أن أقتلك، فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه، فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا، فقتله علي رضي الله عنه وخرجت خيلهم منهزمة، حتى اقتحمت من الخندق هاربة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقال علي بن أبي طالب في ذلك‏:‏

نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت رب محمد بصواب

فصدرت حين تركته متجدلاً * كالجذع بين دكادك وروابي

وعففت عن أثوابه ولو أنني * كنت المقطر بزَّنى أثوابي

لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الأحزاب

قال ابن هشام‏:‏ وأكثر أهل العلم بالشعر يشك فيها لعلي‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ وألقى عكرمة رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو، فقال في ذلك حسان بن ثابت‏:‏

فر وألقى لنا رمحه * لعلك عكرم لم تفعل

ووليت تعدو كعدو الظليـ * ـم ما إن يحور عن المعدل

ولم تلو ظهرك مستأنساً * كأن قفاك قفا فرعل

قال ابن هشام‏:‏ الفراعل صغار الضباع‏.‏

وذكر الحافظ البيهقي في ‏(‏دلائل النبوة‏)‏‏:‏ عن ابن إسحاق في موضع آخر من السيرة قال‏:‏ خرج عمرو بن عبد ود وهو مقنع بالحديد، فنادى من يبارز ‏؟‏

فقام علي بن أبي طالب فقال‏:‏ أنا لها يا نبي الله‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه عمرو اجلس‏)‏‏)‏‏.‏

ثم نادى عمرو‏:‏ ألا رجل يبرز ‏؟‏

فجعل يؤنبهم ويقول‏:‏ أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها، أفلا تبرزون إلي رجلاً ‏؟‏

فقام علي فقال‏:‏ أنا يا رسول الله ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اجلس‏)‏‏)‏‏.‏

ثم نادى الثالثة فقال‏:‏

ولقد بححت من النداء * لجمعهم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن المشجع * موقف القرن المناجز

ولذاك إني لم أزل * متسرعاً قبل الهزاهز

إن الشجاعة في الفتى * والجود من خير الغرائز

قال‏:‏ فقام علي رضي الله عنه فقال‏:‏ يا رسول الله أنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه عمرو‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ وإن كان عمراً‏.‏ فأذن له رسول الله صل الله عليه وسلم فمشى إليه حتى أتى وهو يقول‏:‏

لا تعجلن فقد أتاك * مجيب صوتك غير عاجز

في نية وبصيرة * والصدق منجي كل فائز

إني لأرجو أن أقي * م عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء * يبقى ذكرها عند الهزاهز

فقال له عمرو‏:‏ من أنت ‏؟‏

قال‏:‏ أنا علي‏.‏

قال‏:‏ ابن عبد مناف ‏؟‏

قال‏:‏ أنا علي بن أبي طالب‏.‏

فقال‏:‏ يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك، فإني أكره أن أهريق دمك‏؟‏

فقال له علي‏:‏ لكني والله لا أكره أن أهريق دمك، فغضب فنزل وسل سيفه كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو علي مغضباً واستقبله علي بدرقته، فضربه عمرو في درقته فقدها، وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجه، وضربه علي على حبل عاتقه فسقط وثار العجاج، وسمع رسول الله صل الله عليه وسلم التكبير، فعرفنا أن علياً قد قتله، فثم يقول علي‏:‏

أعلي تقتحم الفوارس هكذا * عني وعنهم أخروا أصحابي

اليوم يمنعني الفرار حفيظتي * ومصمم في الرأس ليس بنابي

إلى أن قال‏:‏

عبد الحجارة من سفاهة رأيه * وعبدت رب محمد بصواب

إلى آخرها‏.‏

قال‏:‏ ثم أقبل علي نحو رسول الله صل الله عليه وسلم ووجهه يتهلل فقال له عمر بن الخطاب‏:‏ هلا استلبته درعه، فإنه ليس للعرب درع خير منها‏؟‏ فقال‏:‏ ضربته فاتقاني بسوءته، فاستحييت ابن عمي أن أسلبه‏.‏

قال‏:‏ وخرجت خيوله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق‏.‏

وذكر ابن إسحاق فيما حكاه، عن البيهقي‏:‏ أن علياً طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه، فمات في الخندق، وبعث المشركون إلى رسول الله صل الله عليه وسلم يشترون جيفته بعشرة آلاف، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هو لكم لا نأكل ثمن الموتى‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا نصر بن باب، حدثنا حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أنه قال‏:‏ قتل المسلمون يوم الخندق رجلاً من المشركين، فأعطوا بجيفته مالاً، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ادفعوا إليهم جيفته، فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية‏)‏‏)‏ فلم يقبل منهم شيئاً‏.‏

وقد رواه البيهقي من حديث حماد بن سلمة، عن حجاج وهو ابن أرطأة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس‏:‏ أن رجلاً من المشركين قتل يوم الأحزاب، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن ابعث إلينا بجسده ونعطيهم اثني عشر ألفاً، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا خير في جسده ولا في ثمنه‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه الترمذي، من حديث سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وقال غريب‏.‏

وقد ذكر موسى بن عقبة‏:‏ أن المشركين إنما بعثوا يطلبون جسد نوفل بن عبد الله المخزومي حين قتل، وعرضوا عليه الدية، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه خبيث خبيث الدية، فلعنه الله ولعن ديته، فلا أرب لنا في ديته، ولسنا نمنعكم أن تدفنوه‏)‏‏)‏‏.‏

وذكر يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال‏:‏ وخرج نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي، فسأل المبارزة فخرج إليه الزبير بن العوام، فضربه فشقه باثنتين حتى فلَّ في سيفه فلاً، وانصرف وهو يقول‏:‏

إني امرؤ أحمي وأحتمي * عن النبي المصطفى الأمي

وقد ذكر ابن جرير‏:‏ أن نوفلاً لما تورط في الخندق رماه الناس بالحجارة، فجعل يقول قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب، فنزل إليه علي فقتله وطلب المشركون رمته من رسول الله صل الله عليه وسلم بالثمن، فأبى عليهم أن يأخذ منهم شيئاً، ومكنهم من أخذه إليهم‏.‏

وهذا غريب من وجهين‏.‏

وقد روى البيهقي‏:‏ من طريق حماد بن يزيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ جعلت يوم الخندق مع النساء والصبيان في الأطم، ومعي عمر بن أبي سلمة، فجعل يطأطئ لي، فأصعد على ظهره فأنظر إليهم كيف يقتتلون، وأطأطئ له فيصعد فوق ظهري فينظر‏.‏

قال‏:‏ فنظرت إلى أبي وهو يحمل مرة ها هنا ومرة ها هنا، فما يرتفع له شيء إلا أتاه، فلما أمسى جاءنا إلى الأطم‏.‏

قلت‏:‏ يا أبة رأيتك اليوم وما تصنع‏.‏

قال‏:‏ ورأيتني يا بني ‏؟‏

قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فدى لك أبي وأمي‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل الأنصاري، أخو بني حارثة‏:‏ أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق، وكان من أحرز حصون المدينة‏.‏

قال‏:‏ وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن‏.‏

قالت عائشة‏:‏ وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب‏.‏ قالت‏:‏ فمر سعد وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها، وفي يده حربته يرفل بها ويقول‏:‏

لبّثْ قليلاً يشهد الهيجا جمَل * لا بأس بالموت إذا حان الأجل

فقالت له أمه‏:‏ الحق بني فقد والله أخرت‏.‏

قالت عائشة‏:‏ فقلت لها يا أم سعد، والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي‏.‏

قالت‏:‏ وخفت عليه، حيث أصاب السهم منه، فرُمي سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل‏.‏ ‏

قال ابن إسحاق‏:‏ حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال‏:‏ رماه حيان بن قيس بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي، فلما أصابه قال‏:‏ خذها مني وأنا ابن العرقة، فقال له سعد‏:‏ عرق الله وجهك في النار، اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهد من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه، اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك أنه كان يقول‏:‏ ما أصاب سعداً يومئذ إلا أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم‏.‏

وقد قال أبو أسامة في ذلك شعراً قاله لعكرمة بن أبي جهل‏:‏

أعكرم هلاّ لمتني إذ تقول لي * فداك بآطام المدينة خالدَ

ألست الذي ألزمت سعداً مريشة * لها بين أثناء المرافق عاند

قضى نحبه منها سعيد فأعولت * عليه مع الشمط العذارى النواهد

وأنت الذي دافعت عنه وقد دعا * عبيدة جمعاً منهم إذ يكابد

على حين ما هم جائر عن طريقه * وآخر مرعوبٌ عن القصد قاصد

قال ابن إسحاق‏:‏ والله أعلم أي ذلك كان‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ ويقال إن الذي رمى سعداً خفاجة بن عاصم بن حبان‏.‏

قلت‏:‏ وقد استجاب الله دعوة وليه سعد بن معاذ في بني قريظة، أقر الله عينه فحكم فيهم بقدرته وتيسيره، وجعلهم هم الذين يطلبون ذلك كما سيأتي بيانه، فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، حتى قال له رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ لقد حكمت فيهم بحكم الله فوق سبع أرقعة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد قال‏:‏ كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع، حصن حسان بن ثابت، قالت‏:‏ وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان، فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صل الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إذ أتانا آت‏.‏

فقلت‏:‏ يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإني والله ما أمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه فانزل إليه فاقتله‏.‏

قال‏:‏ يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا‏.‏

قالت‏:‏ فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئاً احتجزت، ثم أخذت عموداً، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت‏:‏ يا حسان انزل فاستلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل‏.‏

قال‏:‏ مالي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب‏.‏

قال موسى بن عقبة‏:‏ وأحاط المشركون بالمسلمين حتى جعلوهم في مثل الحصن من كتائبهم، فحاصروهم قريباً من عشرين ليلة، وأخذوا بكل ناحية حتى لا يدرى أتم أم لا‏.‏

قال‏:‏ ووجهوا نحو منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة، فقاتلوهم يوماً إلى الليل، فلما حانت صلاة العصر دنت الكتيبة، فلم يقدر النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه الذين كانوا معه أن يصلوا الصلاة على نحو ما أرادوا، فانكفأت الكتيبة مع الليل، فزعموا أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏شغلونا عن صلاة العصر ملأ الله بطونهم وقلوبهم‏)‏‏)‏ وفي رواية ‏(‏‏(‏وقبورهم ناراً‏)‏‏)‏‏.‏

فلما اشتد البلاء نافق ناس كثير، وتكلموا بكلام قبيح، فلما رأى رسول الله صل الله عليه وسلم ما بالناس من البلاء والكرب، جعل يبشرهم ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة، وإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق أمناً، وأن يدفع الله إلي مفاتيح الكعبة، وليهلكن الله كسرى وقيصر، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله‏)‏‏)‏‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ حدثنا إسحاق، حدثنا روح، حدثنا هشام، عن محمد، عن عبيدة، عن علي، عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال يوم الخندق‏:‏ ‏(‏‏(‏ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي به‏.‏

ورواه مسلم والترمذي، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن عبيدة، عن علي به‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

ثم قال البخاري‏:‏ حدثنا المكي بن إبراهيم، حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله‏:‏ أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش وقال‏:‏ يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب‏.‏

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏والله ما صليتها‏)‏‏)‏ فنزلنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم بطحان، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب‏.‏

وقد رواه البخاري أيضاً، ومسلم، والترمذي، والنسائي من طرق، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الصمد، حدثنا ثابت، حدثنا هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس قال‏:‏ قاتل النبي صل الله عليه وسلم عدواً، فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها، فلما رأى ذلك قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى فاملأ بيوتهم ناراً، واملأ قبورهم ناراً‏)‏‏)‏ ونحو ذلك تفرد به أحمد، وهو من رواية هلال بن خباب العبدي الكوفي، وهو ثقة يصحح له الترمذي وغيره‏.‏

وقد استدل طائفة من العلماء بهذه الأحاديث على كون الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، كما هو منصوص عليه في هذه الأحاديث، وألزم القاضي الماوردي مذهب الشافعي بهذا لصحة الحديث‏.‏

وقد حررنا ذلك نقلاً واستدلالاً عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 238‏}‏

وقد استدل طائفة بهذا الصنيع على جواز تأخير الصلاة لعذر القتال، كما هو مذهب مكحول والأوزاعي‏.‏

وقد بوب البخاري ذلك، واستدل بهذا الحديث، وبقوله صل الله عليه وسلم يوم أمرهم بالذهاب إلى بني قريظة - كما سيأتي - ‏(‏‏(‏لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة‏)‏‏)‏ وكان من الناس من صلى العصر في الطريق، ومنهم من لم يصل إلا في بني قريظة بعد الغروب، ولم يعنف واحداً من الفريقين‏.‏

واستدل بما ذكره عن الصحابة ومن معهم في حصار تستر، سنة عشرين في زمن عمر، حيث صلوا الصبح بعد طلوع الشمس لعذر القتال، واقتراب فتح الحصن‏.‏

وقال آخرون من العلماء وهم الجمهور منهم الشافعي‏:‏ هذا الصنيع يوم الخندق منسوخ بشرعية صلاة الخوف بعد ذلك، فإنها لم تكن مشروعة إذ ذاك، فلهذا أخروها يومئذ، وهو مشكل‏.‏

قال ابن إسحاق وجماعة‏:‏ ذهبوا إلى أن النبي صل الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بعسفان‏.‏

وقد ذكرها ابن إسحاق - وهو إمام في المغازي - قبل الخندق، وكذلك ذات الرقاع ذكرها قبل الخندق، فالله أعلم‏.‏

وأما الذين قالوا‏:‏ إن تأخير الصلاة يوم الخندق وقع نسياناً كما حكاه شراح مسلم عن بعض الناس، فهو مشكل إذ يبعد أن يقع هذا من جمع كبير مع شدة حرصهم على محافظة الصلاة، كيف وقد روي أنهم تركوا يومئذ الظهر والعصر والمغرب حتى صلوا الجميع في وقت العشاء، من رواية أبي هريرة وأبي سعيد‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يزيد وحجاج قالا‏:‏ حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال‏:‏ حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هَويٌ من الليل حتى كفينا، وذلك قوله‏:‏ ‏{‏وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 25‏]‏‏.‏

قال‏:‏ فدعا رسول الله صل الله عليه وسلم بلالاً فأمره، فأقام فصلى الظهر كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك، وذلك قبل أن ينزل‏.‏

قال حجاج في صلاة الخوف‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 239‏]‏‏.‏

وقد رواه النسائي عن الفلاس، عن يحيى القطان، عن ابن أبي ذئب به‏.‏

قال‏:‏ شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس فذكره‏.‏ ‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا هشيم، حدثنا أبو الزبير، عن نافع بن جبير، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه‏:‏ أن المشركين شغلوا رسول الله صل الله عليه وسلم يوم الخندق عن أربع صلوات، حتى ذهب من الليل ما شاء الله‏.‏

قال‏:‏ فأمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البزار‏:‏ حدثنا محمد بن معمر، حدثنا مؤمل - يعني ابن إسماعيل- حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن عبد الكريم - يعني ابن أبي المخارق- عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله‏:‏

أن النبي صل الله عليه وسلم شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى الظهر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما على وجه الأرض قوم يذكرون الله في هذه الساعة غيركم‏)‏‏)‏‏.‏

تفرد به البزار وقال‏:‏ لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏.‏

وقد رواه بعضهم، عن عبد الكريم، عن مجاهد، عن أبي عبيدة، عن عبد الله‏.‏

فصل في دعائه عليه السلام على الأحزاب

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو عامر، حدثنا الزبير - يعني ابن عبد الله - حدثنا ربيح بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال‏:‏ قلنا يوم الخندق‏:‏ يا رسول الله هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فضرب الله وجوه أعدائه بالريح‏.‏

وقد رواه ابن أبي حاتم في ‏(‏تفسيره‏)‏ عن أبيه، عن أبي عامر - وهو العقدي - عن الزبير بن عبد الله مولى عثمان بن عفان، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه عن أبي سعيد، فذكره وهذا هو الصواب‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسين، عن ابن أبي ذئب، عن رجل من بني سلمة، عن جابر بن عبد الله‏:‏ أن النبي صل الله عليه وسلم أتى مسجد الأحزاب فوضع رداءه، وقام ورفع يديه مداً يدعو عليهم ولم يصل‏.‏

قال‏:‏ ثم جاء ودعا عليهم وصلى‏.‏

وثبت في الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوفى قال‏:‏ دعا رسول الله صل الله عليه وسلم على الأحزاب فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم‏)‏‏)‏ وفي الرواية‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم‏)‏‏)‏‏.‏

وروى البخاري، عن قتيبة، عن الليث، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده‏)‏‏)‏‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ وأقام رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة، لتظاهر عدوهم عليهم، وإتيانهم إياهم من فوقهم ومن أسفل منهم‏.‏

قال‏:‏ ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان أتى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة‏)‏‏)‏ فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة، وكان لهم نديماً في الجاهلية فقال‏:‏ يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم‏.‏

قالوا‏:‏ صدقت لست عندنا بمتهم‏.‏

فقال لهم‏:‏ إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره، فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها‏.‏

وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم، يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه‏.‏

قالوا‏:‏ لقد أشرت بالرأي، ثم خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب، ومن معه من رجال قريش‏:‏ قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقاً أن أبلغكموه نصحاً لكم فاكتموا عني‏.‏

قالوا‏:‏ نفعل‏.‏

قال‏:‏ تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم، فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم ‏؟‏

فأرسل إليهم‏:‏ أن نعم، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً، ثم خرج حتى أتى غطفان فقال‏:‏ يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي، ولا أراكم تتهموني‏.‏

قالوا‏:‏ صدقت ما أنت عندنا بمتهم‏.‏

قال‏:‏ فاكتموا عني‏.‏

قالوا‏:‏ نفعل، ثم قال لهم ما قال لقريش، وحذرهم ما حذرهم‏.‏ ‏

فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس، وكان من صنيع الله تعالى لرسوله صل الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان، إلى بني قريظة‏:‏ عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان‏.‏

فقال لهم‏:‏ إنا لسنا بدار مقام، هلك الخف والحافر، فأعدوا للقتال حتى نناجز محمداً ونفرغ مما بيننا وبينه‏.‏

فأرسلوا إليهم‏:‏ إن اليوم يوم السبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثاً، فأصابهم ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا، حتى نناجز محمداً، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا، والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك منه‏.‏

فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان‏:‏ والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق، فأرسلوا إلى بني قريظة‏:‏ إنا ولله لا ندفع إليكم رجلاً من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا‏.‏

فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا‏:‏ إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم‏.‏

فأرسلوا إلى قريش وغطفان‏:‏ إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً، فأبوا عليهم، وخذل الله بينهم، وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم‏.‏

وهذا الذي ذكره ابن إسحاق من قصة نعيم بن مسعود أحسن مما ذكره موسى بن عقبة‏.‏

وقد أورده عنه البيهقي في ‏(‏الدلائل‏)‏ فإنه ذكر ما حاصله‏:‏ أن نعيم بن مسعود كان يذيع ما يسمعه من الحديث، فاتفق أنه مر برسول الله صل الله عليه وسلم ذات يوم عشاء، فأشار إليه أن تعال، فجاء فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما وراءك ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ إنه قد بعثت قريش وغطفان إلى بني قريظة يطلبون منهم أن يخرجوا إليهم فيناجزوك، فقالت قريظة‏:‏ نعم، فأرسلوا إلينا بالرهن، وقد ذكر فيما تقدم‏:‏ أنهم إنما نقضوا العهد على يدي حيي بن أخطب، بشرط أن يأتيهم برهائن تكون عندهم توثقة‏.‏

قال‏:‏ فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إني مسر إليك شيئاً فلا تذكره‏)‏‏)‏ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنهم قد أرسلوا إلي يدعونني إلى الصلح، وأرد بني النضير إلى دورهم وأموالهم‏)‏‏)‏‏.‏

فخرج نعيم بن مسعود عامداً إلى غطفان، وقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الحرب خدعة، وعسى أن يصنع الله لنا‏)‏‏)‏‏.‏ ‏

فأتى نعيم غطفان وقريشاً فأعلمهم، فبادر القوم وأرسلوا إلى بني قريظة عكرمة وجماعة معه، واتفق ذلك ليلة السبت، يطلبون منهم أن يخرجوا للقتال معهم، فاعتلت اليهود بالسبت، ثم أيضاً طلبوا الرهن توثقة، فأوقع الله بينهم واختلفوا‏.‏

قلت‏:‏ وقد يحتمل أن تكون قريظة لما يئسوا من انتظام أمرهم مع قريش وغطفان، بعثوا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم يريدون منه الصلح على أن يرد بني النضير إلى المدينة، والله أعلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما انتهى إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم، وما فرق الله من جمعهم، دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلاً‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان‏:‏ يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله صل الله عليه وسلم وصحبتموه ‏؟‏

قال‏:‏ نعم يا ابن أخي‏.‏

قال‏:‏ فكيف كنتم تصنعون ‏؟‏

قال‏:‏ والله لقد كنا نجتهد‏.‏

قال‏:‏ والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا‏.‏

قال‏:‏ فقال حذيفة‏:‏ يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل، ثم التفت إلينا فقال‏:‏ من رجل يقول فينظر لنا ما فعل القوم، ثم يرجع - فشرط له رسول الله صل الله عليه وسلم الرجعة - أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة ‏؟‏

فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد، فلما لم يقم أحد دعاني، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون، ولا تحدثن شيئاً حتى تأتينا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال‏:‏ يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه ‏؟‏

قال حذيفة‏:‏ فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت‏:‏ من أنت ‏؟‏

قال‏:‏ فلان ابن فلان، ثم قال أبو سفيان‏:‏ يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل‏.‏

ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله صل الله عليه وسلم إلي لا تحدث شيئاً حتى تأتيني لقتلته بسهم‏.‏

قال حذيفة‏:‏ فرجعت إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل، فلما رآني أدخلني إلى رجليه، وطرح علي طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم، وهذا منقطع من هذا الوجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 131‏)‏

وقد روى هذا الحديث مسلم بن الحجاج في صحيحه‏:‏ من حديث الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه قال‏:‏ كنا عند حذيفة فقال له رجل‏:‏ لو أدركت رسول الله صل الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت، فقال له حذيفة‏:‏ أنت كنت تفعل ذلك‏؟‏

لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، في ليلة ذات ريح شديدة وقر، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا رجل يأتيني بخبر القوم، يكون معي يوم القيامة ‏؟‏‏)‏‏)‏ فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم الثانية، ثم الثالثة مثله‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا حذيفة قم فأتنا بخبر القوم‏)‏‏)‏ فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اذهب ائتني بخبر القوم، ولا تذعرهم عليَّ‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فمضيت، كأنما أمشي في حمام، حتى أتيتهم، فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهماً في كبد قوسي وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تذعرهم علي‏)‏‏)‏ ولو رميته لأصبته‏.‏

فرجعت كأنما أمشي في حمام، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصابني برد حين رجعت وقررت، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائماً حتى الصبح، فلما أن أصبحت قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏قم يا نومان‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى الحاكم والحافظ البيهقي في ‏(‏الدلائل‏)‏ هذا الحديث مبسوطاً من حديث عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد الله الدؤلي، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، قال‏:‏ ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول الله صل الله عليه وسلم فقال جلساؤه‏:‏ أما والله لو كنا شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا‏.‏

فقال حذيفة‏:‏ لا تمنوا ذلك، لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود، وأبو سفيان ومن معه فوقنا، وقريظة اليهود أسفل منا، نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة، ولا أشد ريحاً منها في أصوات ريحها، أمثال الصواعق وهي ظلمة، ما يرى أحدنا أصبعه‏.‏

فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون‏:‏ إن بيوتنا عورة وما هي بعورة، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، ويأذن لهم ويتسللون، ونحن ثلاثمائة ونحو ذلك إذا استقبلنا رسول الله صل الله عليه وسلم رجلاً رجلاً‏.‏

حتى أتى عليَّ وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي، ما يجاوز ركبتي، قال‏:‏ فأتاني وأنا جاث على ركبتي، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من هذا ‏؟‏‏)‏‏)‏ فقلت‏:‏ حذيفة، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏حذيفة ‏!‏‏)‏‏)‏ فتقاصرت للأرض، فقلت‏:‏ بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم، فقمت فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه كائن في القوم خبر، فأتني بخبر القوم‏)‏‏)‏ قال‏:‏ وأنا من أشد الناس فزعاً، وأشدهم قراً‏.‏

قال‏:‏ فخرجت، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم احفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فوالله ما خلق الله فزعاً، ولا قراً في جوفي، إلا خرج من جوفي فما أجد فيه شيئاً‏.‏

قال‏:‏ فلما وليت، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئاً حتى تأتيني‏)‏‏)‏‏.‏ ‏

قال‏:‏ فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم، نظرت في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم، يقول بيديه على النار، ويمسح خاصرته، ويقول‏:‏ الرحيل الرحيل، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك‏.‏

فانتزعت سهماً من كنانتي أبيض الريش، فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار، فذكرت قول رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تحدثن فيهم شيئاً حتى تأتيني‏)‏‏)‏ فأمسكت، ورددت سهمي إلى كنانتي‏.‏

ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون‏:‏ يا آل عامر الرحيل الرحيل، لا مقام لكم، وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم، الريح تضرب بها‏.‏

ثم إني خرجت نحو رسول الله صل الله عليه وسلم، فلما انتصفت بي الطريق أو نحو من ذلك، إذا أنا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتمين، فقالوا‏:‏ أخبر صاحبك أن الله قد كفاه‏.‏

قال‏:‏ فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلي، فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر، وجعلت أقرقف، فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي، فدنوت منه فأسبل علي شملته، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى، فأخبرته خبر القوم، أخبرته أني تركتهم يرحلون‏.‏

قال‏:‏ وأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 9‏]‏ يعني الآيات كلها، إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 25‏]‏‏.‏

أي‏:‏ صرف الله عنهم عدوهم، بالريح التي أرسلها عليهم والجنود من الملائكة وغيرهم، التي بعثها الله إليهم، وكفى الله المؤمنين القتال أي‏:‏ لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم، بل صرفهم القوي العزيز بحوله وقوته‏.‏

لهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال‏:‏ كان رسول الله صل الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده‏)‏‏)‏‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏وكفى الله المؤمنين القتال‏}‏ إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبينهم، وهكذا وقع ولم ترجع قريش بعدها إلى حرب المسلمين، كما قال محمد بن إسحاق رحمه الله‏.‏

فلما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صل الله عليه وسلم فيما بلغنا‏:‏ ‏(‏‏(‏لن تغزوكم قريش بعد عامكم، ولكنكم تغزونهم‏)‏‏)‏ قال‏:‏ فلم تغز قريش بعد ذلك، وكان يغزوهم بعد ذلك، حتى فتح الله عليه مكة، وهذا بلاغ من ابن إسحاق‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني أبو إسحاق، سمعت سليمان بن صرد رضي الله عنه يقول‏:‏ قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الآن نغزوهم ولا يغزوننا‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه البخاري من حديث إسرائيل، وسفيان الثوري، كلاهما عن أبي إسحاق السبيعي، عن سليمان بن صرد به‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ واستشهد من المسلمين يوم الخندق ثلاثة من بني عبد الأشهل، وهم‏:‏ سعد بن معاذ - وستأتي وفاته مبسوطة - وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو، وعبد الله بن سهل، والطفيل بن النعمان، وثعلبة بن غنمة الجشميان السلميان، وكعب بن زيد النجاري، أصابه سهم غرب فقتله‏.‏

قال‏:‏ وقُتل من المشركين ثلاثة وهم‏:‏ منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار، أصابه سهم فمات منه بمكة، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، اقتحم الخندق بفرسه فتورط فيه فقتل هناك، وطلبوا جسده بثمن كبير كما تقدم، وعمرو بن عبد ود العامري، قتله علي بن أبي طالب‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ وحدثني الثقة أنه حدث عن الزهري أنه قال‏:‏ قتل علي يومئذ عمرو بن عبد ود، وابنه حسل بن عمرو‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ ويقال عمرو بن عبد ود، ويقال عمرو بن عبد‏."‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:05 am

غزوة بني قريظة

غزوة بني قريظة هي غزوة شنها رسول الله في السنة الخامسة للهجرة على يهود من بني قريظة في المدينة المنورة إنتهت بإستسلام بني قريظة بشرط التحكيم فحكم عليهم سعد بن معاذ بقتل المقاتلة وسبي الذراري والنساء وتقسيم الأموال بسبب الخيانة.

أسباب المعركة أن اليهود من بني قريظة كانوا يسكنون في ضواحي المدينة وكان بينهم وبين النبي عهد بأن لا يساعدوا العدو عليه فلما كانت معركة الخندق وكان من بين القبائل المعادية للمدينة بنو النظير الذين طردهم محمد بن عبد الله من المدينة صار حوار بين حيي بن أخطب زعيم بني النظير وبني قريظة يريد منهم ان ينقضوا عهدهم مع محمد ويساعدوهم في الاستيلاء على المدينة. يقول ابن اسحاق ان حيي تمكن من إقناع كعب بن أسد بن، زعيم بني قريظة، بمساعدتهم في احتلال المدينة. كان كعب، بحسب رواية ابن الوردي، متردد في بداية الامر وكان يقول ان محمد لم ينقض عهده معهم ولم يحرجهم لكنه قرر أن يساعد القريشيين بعد أن وعده حيي بأن ينضم إلى بني قريظة ويبقى في المدينة اذا انتهت المعركة دون ان يقتل المكيين محمد.

وصل خبر خيانة بني قريظة إلى محمد عن طريق سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فقام محمد بارسال نُعبم من مسعود الذي كان قد اسلم بالسر أن يزرع الشك بين صفوف بني قريظة والغزاة، ونجح بهذا بابطال الاتفاقية التي كانت بينهم ولم يعد بني قريظة يثقوا بالغزاة ولم يقدموا لهم أي مساعدات إلى ان انتهت المعركة وانسحبوا عن المدينة.

روى البخاري عن عائشة أن رسول الله لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل فقال: قد وضعتَ السلاح! والله ما وضعناه (أي الملائكة)، قال: "فإلى أين؟" قال: ها هنا، وأومأ إلى بني قريظة، قالت: فخرج إليهم رسول الله صل الله عليه وسلم.

أمر الرسول بالسير إلى بني قريظة فدخلوا حصنهم فأقام المسلمون في حصارهم 25 ليلة حتى استسلم اليهود على التحكيم فحكم فيهم سعد بن معاذ أمير الأوس، وكان بنو قريظة حلفاء الأوس، فحكم عليهم سعد بأن تُقتَلَ مُقاتلَتُهم، وأن تُسبى ذراريهم، وأن تُقسَمَ أموالهم ، بسبب إنهم نقضوا العهد.

جاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" وقعت غزوة بني قريظة في ذي القعدة وذلك أن رسول الله صل الله عليه وسلم لما انصرف من الخندق جاءه جبريل عليه السلام فقال‏:‏ إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل حصونهم‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا ابن مالك قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا عفان قال‏:‏ أخبرنا حماد يعني ابن سلمة عن هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل ليغتسل فجاءه جبريل فقال‏:‏ أوقد وضعتم السلاح ما وضعنا أسلحتنا بعد انهض إلى بني قريظة قالت عائشة‏:‏ كأني أنظر إلى جبريل من خلال الباب قد عصب رأسه من الغبار‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن بكر قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال‏:‏ حدثنا محمد بن محمد المطرز قال‏:‏ أخبرنا بشر بن المعمري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فبينا هو عندي إذ دق الباب فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب وثبة منكرة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فخرجت في أثره فإذا رجل على دابة والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ على معرفة الدابة يكلمه فرجعت فلما دخل النبي صل الله عليه وسلم قلت‏:‏ من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه قال‏:‏ ورأيته قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ ‏"‏ ومن تشبهينه ‏"‏ قلت‏:‏ بدحية بن خليفة الكلبي قال‏:‏ ذاك جبريل عليه السلام أمرني أن أمضي إلى بني قريظة‏.‏

قال علماء السير‏:‏ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا رضي الله عنه فدفع إليه لواءه وبعث بلالًا فنادى في الناس‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة واستخلف رسول الله صل الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم سار في ثلاثة آلاف وكانت الخيل ستة وثلاثين فرسًا وذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة فحاصرهم خمسة عشر‏ يومًا وقيل‏:‏ خمسًا وعشرين ليلة أشد الحصار ورموا بالنبل والحجر فلم يطلع منهم أحد‏.‏

فلما اشتد الحصار عليهم أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم فأشار إليهم بيده أنه الذبح ثم ندم فاسترجع فقال‏:‏ خنت الله ورسوله فانصرف فارتبط في المسجد ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله توبته ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهم رسول الله صل الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فكتفوا ونحوا ناحية‏.‏

وأخرج النساء والذرية فكانوا ناحية وجمع أمتعتهم فكانوا ألفًا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع وألفي رمح وألفًا وخمسمائة ترس وحجفة وجمالًا كانت نواضح وماشية كثيرة‏.‏

وكان لهم خمر فأريق وكلمت الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهبهم لهم وكانوا حلفاءهم فجعل رسول الله صل الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاد فحكم فيهم أن يقتل كل من جرت عليه الموسى وتسبى النساء والذراري وتقسم الأموال‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ‏"‏‏.‏

ونزل ثعلبة وأسيد ابنا شعبة وأسد بن عبيد ابن عمهم فقالوا‏:‏ إنكم لتعلمون أنه نبي وان صفته عندنا فأسلموا فدفع إليهم رسول الله صل الله عليه وسلم أهليهم وأموالهم‏.‏

وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لتسع خلون من ذي الحجة وأمر بهم فأدخلوا المدينة وحفر لهم أخدودًا في السوق وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أصحابه وأخرجوا إليه فضرب أعناقهم وكانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة واصطفى رسول الله صل الله عليه وسلم ريحانة بنت عمرو لنفسه فأسلمت وبقيت في ماله حتى توفي عنها وأمر بالغنائم فجمعت فأخرج الخمس وأمر بالباقي فبيع فيمن يزيد وقسمه بين المسلمين وكانت السهمان على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهمًا للفرس سهمان ولصاحبه سهم‏.‏

وفي هذه الغزاة‏:‏ نهى رسول الله صل الله عليه وسلم أن يفرق بين الأم وولدها"‏.‏

وجاء في "البداية والنهاية" لابن كثير:

" وما أحل الله تعالى بهم من البأس الشديد، مع ما أعد الله لهم في الآخرة من العذاب الأليم، وذلك لكفرهم ونقضهم العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله صل الله عليه وسلم، وممالأتهم الأحزاب عليه، فما أجدى ذلك عنهم شيئاً، وباؤا بغضب من الله ورسوله، والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة‏.‏

وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 25-27‏]‏‏.‏

قال البخاري‏:‏ حدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا عبد الله، حدثنا موسى بن عقبة، عن سالم ونافع عن عبد الله أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان إذا قفل من الغزو والحج والعمرة، يبدأ فيكبر ثم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده‏)‏‏)‏‏.‏

قال محمد بن إسحاق رحمه الله‏:‏ ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعاً إلى المدينة و المسلمون، ووضعوا السلاح، فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صل الله عليه وسلم، كما حدثني الزهري معتجراً بعمامة من استبرق، على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة من ديباج فقال‏:‏ أو قد وضعت السلاح يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏ فقال جبريل‏:‏ ما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم‏.‏

فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم مؤذناً فأذن في الناس‏:‏ ‏(‏‏(‏من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثني عبد الله بن أبي شيبة، حدثنا ابن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ لما رجع النبي صل الله عليه وسلم من الخندق، ووضع السلاح، واغتسل، أتاه جبريل فقال‏:‏ قد وضعت السلاح والله ما وضعناه ‏!‏ فاخرج إليهم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإلى أين ‏؟‏‏)‏‏)‏ قال‏:‏ ها هنا، وأشار إلى بني قريظة‏.‏ فخرج النبي صل الله عليه وسلم‏.‏

وقال أحمد‏:‏ وحدثنا حسن، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صل الله عليه وسلم لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل ليغتسل، وجاء جبريل فرأيته من خلل البيت قد عصب رأسه الغبار، فقال‏:‏ يا محمد أوضعتم أسلحتكم‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏وضعنا أسلحتنا‏)‏‏)‏ فقال‏:‏ إنا لم نضع أسلحتنا بعد، انهد إلى بني قريظة‏.‏

ثم قال البخاري‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جرير بن حازم، عن حميد بن هلال، عن أنس بن مالك قال‏:‏ كأني أنظر إلى الغبار ساطعاً في زقاق بني غنم موكب جبريل، حين سار رسول الله صل الله عليه وسلم إلى بني قريظة‏.‏

ثم قال البخاري‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، حدثنا جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صل الله عليه وسلم يوم الأحزاب‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة‏)‏‏)‏ فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم‏:‏ لا نصلي العصر حتى نأتيها‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ بل نصلي لم يرد منا ذلك‏.‏ فذكر ذلك للنبي صل الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم‏.‏

وهكذا رواه مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء به‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ حدثنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، قالا‏:‏ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن خالد بن علي، حدثنا بشر بن حرب، عن أبيه، حدثنا الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عمه عبيد الله أخبره‏:‏

أن رسول الله صل الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب، وضع عنه اللأمة واغتسل واستحم، فتبدى له جبريل عليه السلام فقال‏:‏ عذيرك من محارب إلا أراك قد وضعت اللأمة، وما وضعناها بعد‏.‏ ‏‏

قال‏:‏ فوثب النبي صل الله عليه وسلم فزعاً، فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر إلا في بني قريظة، قال‏:‏ فلبس الناس السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، فاختصم الناس عند غروب الشمس‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة، فإنما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس علينا إثم‏.‏ وصلى طائفة من الناس احتساباً، وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس، فصلوها حين جاؤوا بني قريظة احتساباً فلم يعنف رسول الله صل الله عليه وسلم واحداً من الفريقين‏.‏

ثم روى البيهقي من طريق عبد الله العمري، عن أخيه عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها فسلم علينا رجل ونحن في البيت، فقام رسول الله صل الله عليه وسلم فزعاً، وقمت في أثره فإذا بدحية الكلبي‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا جبريل أمرني أن أذهب إلى بني قريظة‏)‏‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏قد وضعتم السلاح، لكنا لم نضع، طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد‏)‏‏)‏ وذلك حين رجع رسول الله صل الله عليه وسلم من الخندق‏.‏

فقام رسول الله صل الله عليه وسلم فزعاً، وقال لأصحابه‏:‏ ‏(‏‏(‏عزمت عليكم أن لا تصلوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة‏)‏‏)‏ فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فقالت طائفة من المسلمين‏:‏

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد أن تدعوا الصلاة فصلوا، وقالت طائفة‏:‏ والله إنا لفي عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علينا من إثم، فصلت طائفة إيماناً واحتساباً، وتركت طائفة إيماناً واحتساباً، ولم يعنف رسول الله صل الله عليه وسلم واحداً من الفريقين‏.‏

وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم فمر بمجالس بينه وبين بني قريظة، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل مر بكم أحد ‏؟‏‏)‏‏)‏ فقالوا‏:‏ مر علينا دحية الكلبي، على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ذلك جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم، ويقذف في قلوبهم الرعب‏)‏‏)‏‏.‏

فحاصرهم النبي صل الله عليه وسلم، وأمر أصحابه أن يستروه بالجحف حتى يسمع كلامهم فناداهم‏:‏ يا إخوة القردة والخنازير‏.‏

فقالوا‏:‏ يا أبا القاسم لم تكن فحاشاً، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ‏.‏

وكانوا حلفاءه فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم ونساؤهم‏.‏

ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وغيرها‏.‏

وقد اختلف العلماء في المصيب من الصحابة يومئذ من هو‏؟‏ بل الإجماع على أن كلا من الفريقين مأجور ومعذور غير معنف، فقالت طائفة من العلماء‏:‏ الذين أخروا الصلاة يومئذ عن وقتها المقدر لها حتى صلوها في بني قريظة هم المصيبون، لأن أمرهم يومئذ تأخير الصلاة خاص فيقدم على عموم الأمر بها في وقتها المقدر لها شرعاً‏.‏

قال أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب ‏(‏السيرة‏)‏‏:‏ وعلم الله أنا لو كنا هناك، لم نصل العصر إلا في بني قريظة، ولو بعد أيام‏.‏

وهذا القول منه ماش على قاعدته الأصلية في الأخذ بالظاهر‏.‏ ‏

وقالت طائفة أخرى من العلماء‏:‏ بل الذين صلوا الصلاة في وقتها، لما أدركتهم وهم في مسيرهم هم المصيبون، لأنهم فهموا أن المراد إنما هو تعجيل السير إلى بني قريظة، لا تأخير الصلاة، فعملوا بمقتضى الأدلة الدالة على أفضلية الصلاة في أول وقتها، مع فهمهم عن الشارع ما أراد، ولهذا لم يعنفهم، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة في وقتها التي حولت إليه يومئذ كما يدعيه أولئك‏.‏

وأما أولئك الذين أخروا فعذروا بحسب ما فهموا، وأكثر ما كانوا يؤمرون بالقضاء، وقد فعلوه‏.‏

وأما على قول من يجوز تأخير الصلاة لعذر القتال، كما فهمه البخاري، حيث احتج على ذلك بحديث ابن عمر المتقدم في هذا، فلا إشكال على من أخر، ولا على من قدم أيضاً، والله أعلم‏.‏

ثم قال ابن إسحاق‏:‏ وقدم رسول الله صل الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، ومعه رايته، وابتدرها الناس‏.‏

وقال موسى بن عقبة في ‏(‏مغازيه‏)‏ عن الزهري‏:‏ فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغتسله كما يزعمون، قد رجل أحد شقيه، أتاه جبريل على فرس، عليه لأمته، حتى وقف بباب المسجد، عند موضع الجنائز، فخرج إليه رسول الله صل الله عليه وسلم فقال له جبريل‏:‏ غفر الله لك، أو قد وضعت السلاح‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏ فقال جبريل‏:‏ لكنا لم نضعه منذ نزل بك العدو، وما زلت في طلبهم حتى هزمهم الله - ويقولون إن على وجه جبريل لأثر الغبار - فقال له جبريل‏:‏ إن الله قد أمرك بقتال بني قريظة، فأنا عامد إليهم بمن معي من الملائكة نزلزل بهم الحصون، فاخرج بالناس‏.‏

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر جبريل، فمر على مجلس بني غنم وهم ينتظرون رسول الله صل الله عليه وسلم فسألهم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏مر عليكم فارس آنفاً ‏؟‏‏)‏‏)‏ قالوا‏:‏ مر علينا دحية الكلبي على فرس أبيض، تحته نمط أو قطيفة ديباج، عليه اللأمة‏.‏

فذكروا أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ذاك جبريل‏)‏‏)‏‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه دحية الكلبي بجبريل، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألحقوني ببني قريظة، فصلوا فيهم العصر‏)‏‏)‏ فقاموا وما شاء الله من المسلمين، فانطلقوا إلى بني قريظة، فحانت صلاة العصر وهم بالطريق، فذكروا الصلاة فقال بعضهم لبعض‏:‏ ألم تعلموا أن رسول الله صل الله عليه وسلم أمركم أن تصلوا العصر في بني قريظة‏.‏

وقال آخرون‏:‏ هي الصلاة، فصلى منهم قوم، وأخرت طائفة الصلاة حتى صلوها في بني قريظة بعد أن غابت الشمس، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عجل منهم الصلاة، ومن أخرها، فذكروا أن رسول الله صل الله عليه وسلم لم يعنف واحداً من الفريقين‏.‏

قال‏:‏ فلما رأى علي بن أبي طالب رسول الله صل الله عليه وسلم مقبلاً، تلقاه وقال‏:‏ ارجع يا رسول الله فإن الله كافيك اليهود‏.‏

وكان علي قد سمع منهم قولاً سيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضي الله عنهن، فكره أن يسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لمَ تأمرني بالرجوع ‏؟‏‏)‏‏)‏ فكتمه ما سمع منهم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أظنك سمعت فيَّ منهم أذى، فامض فإن أعداء الله لو رأوني لم يقولوا شيئاً مما سمعت‏)‏‏)‏‏.‏

فلما نزل رسول الله صل الله عليه وسلم بحصنهم، وكانوا في أعلاه نادى بأعلى صوته نفراً من أشرافهم حتى أسمعهم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أجيبوا يا معشر يهود، يا إخوة القردة، قد نزل بكم خزي الله عز وجل‏)‏‏)‏

فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة، ورد الله حيي بن أخطب حتى دخل حصن بني قريظة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، واشتد عليهم الحصار، فصرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر - وكانوا حلفاء الأنصار - فقال أبو لبابة‏:‏ لا آتيهم حتى يأذن لي رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏قد أذنت لك‏)‏‏)‏ فأتاهم أبو لبابة فبكوا إليه، وقالوا‏:‏ يا أبا لبابة ماذا ترى، وماذا تأمرنا، فإنه لا طاقة لنا بالقتال‏.‏

فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه، وأمر عليه أصابعه، يريهم إنما يراد بهم القتل‏.‏

فلما انصرف أبو لبابة سقط في يده، ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة، فقال‏:‏ والله لا أنظر في وجه رسول الله صل الله عليه وسلم، حتى أحدث لله توبة نصوحاً يعلمها الله من نفسي‏.‏

فرجع إلى المدينة فربط يديه إلى جذع من جذوع المسجد، وزعموا أنه ارتبط قريباً من عشرين ليلة‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم حين غاب عليه أبو لبابة‏:‏ ‏(‏‏(‏أما فرغ أبو لبابة من حلفائه ‏؟‏‏)‏‏)‏ فذكر له ما فعل‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد أصابته بعدي فتنة، ولو جاءني لاستغفرت له، وإذ قد فعل هذا فلن أحركه من مكانه، حتى يقضي الله فيه ما يشاء‏.‏

وهكذا رواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة‏.‏

وكذا ذكره محمد بن إسحاق في ‏(‏مغازيه‏)‏ في مثل سياق موسى بن عقبة، عن الزهري، ومثل رواية أبي الأسود عن عروة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ونزل رسول الله صل الله عليه وسلم على بئر من آبار بني قريظة، من ناحية أموالهم، يقال لها بئر أنى، فحصرهم خمساً وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب‏.‏

وقد كان حيي بن أخطب دخل معهم حصنهم، حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاءً لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه‏.‏

فلما أيقنوا أن رسول الله صل الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد‏:‏ يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر، ما ترون وإني عارض عليكم خلالاً ثلاثاً، فخذوا بما شئتم منها‏.‏

قالوا‏:‏ وما هن‏؟‏

قال‏:‏ نتابع هذا الرجل ونصدقه، فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه للذي تجدونه في كتابكم، فتُأمنون به على دمائكم، وأموالكم، وأبنائكم، ونسائكم قالوا‏:‏ لا نفارق حكم التوراة أبداً، ولا نستبدل به غيره‏.‏

قال‏:‏ فإذا أبيتم عليَّ هذه فهلم، فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه، رجالاً مصلتين بالسيوف، لم نترك وراءنا ثقلاً، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك، ولم نترك نسلاً نخشى عليه، وإن نظهر، فلعمري لنجدن النساء والأبناء‏.‏

قالوا‏:‏ أنقتل هؤلاء المساكين‏؟‏ فما خير العيش بعدهم‏؟‏

قال‏:‏ فإن أبيتم علي هذه، فالليلة ليلة السبت، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها، فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة‏.‏

قالوا‏:‏ أنفسد سبتنا، ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا، إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عنك، من المسخ فقال‏:‏ ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازماً‏.‏

ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف، وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صل الله عليه وسلم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا يا أبا لبابة‏:‏ أترى أن ننزل على حكم محمد ‏؟‏

قال‏:‏ نعم، وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح‏.‏

قال أبو لبابة‏:‏ فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول الله صل الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال‏:‏ لا أبرح مكاني حتى يتوب الله على ما صنعت، وعاهد الله أن لا أطأ بني قريظة أبداً، ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبداً‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ وأنزل الله فيما قال سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي قتادة‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 27‏]‏‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ أقام مرتبطاً ست ليال، تأتيه امرأته في وقت كل صلاة، فتحله حتى يتوضأ ويصلي، ثم يرتبط حتى نزلت توبته في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 102‏]‏‏.‏

وقول موسى بن عقبة‏:‏ إنه مكث عشرين ليلة مرتبطاً به، والله أعلم‏.‏

وذكر ابن إسحاق‏:‏ أن الله أنزل توبته على رسوله من آخر الليل وهو في بيت أم سلمة، فجعل يبتسم، فسألته أم سلمة فأخبرها بتوبة الله على أبي لبابة، فاستأذنته أن تبشره فأذن لها، فخرجت فبشرته، فثار الناس إليه يبشرونه، وأرادوا أن يحلوه من رباطه، فقال‏:‏ والله لا يحلني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما خرج رسول الله صل الله عليه وسلم إلى صلاة الفجر حله من رباطه، رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هدل ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عم القوم أسلموا في تلك الليلة التي أنزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج في تلك عمرو بن سُعدى القرظي فمر بحرس رسول الله صل الله عليه وسلم وعليهم محمد بن مسلمة تلك الليلة، فلما رآه قال‏:‏ من هذا ‏؟‏

قال‏:‏ أنا عمرو بن سعدى - وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صل الله عليه وسلم وقال‏:‏ لا أغدر بمحمد أبداً - فقال محمد بن مسلمة حين عرفه‏:‏

اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب لم يدر أين توجه من الأرض إلى يومه هذا، فذكر شأنه لرسول الله صل الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ذاك رجل نجاه الله بوفائه‏)‏‏)‏‏.‏ ‏

قال‏:‏ وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة، فأصبحت رمته ملقاة ولم يدر أين ذهب، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم فيه تلك المقالة، والله أعلم أي ذلك كان‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صل الله عليه وسلم، فتواثبت الأوس فقالوا‏:‏ يا رسول الله إنهم كانوا موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت، يعنون عفوه عن بني قينقاع، حين سأله فيهم عبد الله ابن أبيّ كما تقدم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما كلمته الأوس قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا معشر الأوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فذلك إلى سعد بن معاذ‏)‏‏)‏‏.‏

وكان رسول الله صل الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده، وكانت تداوي الجرحى، فلما حكمه في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم، وكان رجلاً جسيماً جميلاً‏.‏

ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون‏:‏ يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صل الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم، فلما أكثروا عليه قال‏:‏ قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم‏.‏

فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل، فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد عن كلمته التي سمع منه، فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏قوموا إلى سيدكم‏)‏‏)‏‏.‏

فأما المهاجرون من قريش فيقولون‏:‏ إنما أراد الأنصار، وأما الأنصار فيقولون‏:‏ قد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، فقاموا إليه فقالوا‏:‏ يا أبا عمر إن رسول الله صل الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم‏.‏

فقال سعد‏:‏ عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، إن الحكم فيهم لما حكمت ‏؟‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ وعلي من ها هنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً له، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏

قال سعد‏:‏ فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي قال‏:‏ قال رسول الله صل الله عليه وسلم لسعد‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة‏)‏‏)‏‏.‏

وقال ابن هشام‏:‏ حدثني من أثق به من أهل العلم‏:‏ إن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة‏:‏ يا كتيبة الإيمان، وتقدم هو والزبير بن العوام وقال‏:‏ والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو أقتحم حصنهم‏.‏

فقالوا‏:‏ يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، سمعت أبا أمامة بن سهل، سمعت أبا سعيد الخدري قال‏:‏ نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ قال‏:‏ فأرسل رسول الله صل الله عليه وسلم إلى سعد فأتاه على حمار، فلما دنا قريباً من المسجد قال‏:‏

قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏قوموا لسيدكم أو خيركم‏)‏‏)‏ ثم قال‏:‏ إن هؤلاء نزلوا على حكمك‏.‏

قال‏:‏ نقتل مقاتلتهم ونسبي ذريتهم‏.‏

قال‏:‏ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏قضيت بحكم الله‏)‏‏)‏ وربما قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قضيت بحكم الملك‏)‏‏)‏ وفي رواية ‏(‏‏(‏الملك‏)‏‏)‏ أخرجاه في الصحيحين من طرق عن شعبة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حجين، ويونس قالا‏:‏ حدثنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال‏:‏ رمى يوم الأحزاب سعد بن معاذ فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله صل الله عليه وسلم بالنار، فانتفخت يده فنزفه فحسمه أخرى، فانتفخت يده فنزفه‏.‏

فلما رأى ذلك قال‏:‏ اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم سعد، فأرسل إليه فحكم أن تقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، يستعين بهم المسلمون‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أصبت حكم الله فيهم‏)‏‏)‏ وكانوا أربعمائة، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات‏.‏

وقد رواه الترمذي والنسائي جميعاً عن قتيبة، عن الليث به‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا ابن نمير، عن هشام، أخبرني أبي عن عائشة قالت‏:‏ لما رجع رسول الله صل الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل وعلى رأسه الغبار فقال‏:‏ قد وضعت السلاح، فوالله ما وضعتها، أُخرج إليهم‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏فأين ‏؟‏‏)‏‏)‏ قال‏:‏ ها هنا، وأشار إلى بني قريظة، فخرج رسول الله صل الله عليه وسلم إليهم‏.‏

قال هشام‏:‏ فأخبرني أبي أنهم نزلوا على حكم النبي صل الله عليه وسلم، فرد الحكم فيهم إلى سعد، قال‏:‏ فإني أحكم أن تقتل المقاتلة، وتسبى النساء والذرية وتقسم أموالهم‏.‏

قال هشام‏:‏ قال أبي‏:‏ فأخبرت أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد حكمت فيهم بحكم الله‏)‏‏)‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له‏:‏ حِبَّان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب النبي صل الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب‏.‏

فلما رجع رسول الله صل الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال‏:‏ قد وضعت السلاح، والله ما وضعته، أُخرج إليهم‏.‏

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏فأين ‏؟‏‏)‏‏)‏ فأشار إلى بني قريظة، فأتاهم رسول الله صل الله عليه وسلم، فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد، قال‏:‏ فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم‏.‏

قال هشام‏:‏ فأخبرني أبي عن عائشة‏:‏ أن سعداً قال‏:‏ اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليَّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء، فأبقني له حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتي فيها‏.‏

فانفجرت من لبته، فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم فقالوا‏:‏ يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم‏؟‏ فإذا هو سعد يغدو جرحه دماً فمات منها‏.‏

وهذا رواه مسلم من حديث عبد الله بن نمير به‏.‏

قلت‏:‏ كان دعا أولاً بهذا الدعاء قبل أن يحكم في بني قريظة ولهذا قال فيه‏:‏ ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فاستجاب الله له، فلما حكم فيهم وأقر الله عينه أيَّ قرار، دعا ثانياً بهذا الدعاء، فجعلها الله له شهادة رضي الله عنه وأرضاه‏.‏ وسيأتي ذكر وفاته قريباً إن شاء الله‏.‏

وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر عن عائشة مطولاً جداً وفيه فوائد فقال‏:‏ حدثنا يزيد، أنبأنا محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة بن وقاص قال‏:‏ أخبرتني عائشة قالت‏:‏ خرجت يوم الخندق أقفو الناس، فسمعت وئيد الأرض ورائي، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة‏.‏

قالت‏:‏ فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، قالت‏:‏ وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم، فمر وهو يرتجز ويقول‏:‏

لبث قليلاً يدركَ الهيجا جملٌ * ما أحسنَ الموت إذا حانَ الأجل

قالت‏:‏ فقمت فاقتحمت حديقة فإذا نفر من المسلمين، فإذا فيها عمر بن الخطاب، وفيهم رجل عليه سبغة له - تعني المغفر - فقال عمر‏:‏ ما جاء بك والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوّز، فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض فتحت ساعتئذ فدخلت فيها‏.‏

فرفع الرجل السبغة عن وجهه، فإذا هو طلحة بن عبيد الله فقال‏:‏ يا عمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله عز وجل‏.‏

قالت‏:‏ ويرمي سعداً رجل من قريش يقال له‏:‏ ابن العرقة وقال‏:‏ خذها، وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله فقطعه، فدعا الله سعد فقال‏:‏ اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة‏.‏

قالت‏:‏ وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية، قالت‏:‏ فرقأ كلمة، وبعث الله الريح على المشركين، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً‏.‏

فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة، وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد‏.‏

قالت‏:‏ فجاء جبريل وإن على ثناياه لنقع الغبار، فقال‏:‏ أقد وضعت السلاح لا والله ما وضعت الملائكة السلاح بعد، أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم‏.‏

قالت‏:‏ فلبس رسول الله صل الله عليه وسلم لأمته، وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا، فمر على بني غنم وهم جيران المسجد حوله فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من مر بكم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ مر بنا دحية الكلبي - وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه السلام - فأتاهم رسول الله صل الله عليه وسلم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة‏.‏

فلما اشتد حصرهم، واشتد البلاء قيل لهم‏:‏ انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأشار إليهم أنه الذبح قالوا‏:‏ ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏انزلوا على حكم سعد بن معاذ‏)‏‏)‏‏.‏

فأُتي به على حمار عليه أكاف من ليف قد حمل عليه، وحف به قومه فقالوا‏:‏ يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت، قالت‏:‏ ولا يرجع إليهم شيئاً، ولا يلتفت إليهم، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال‏:‏ قد آن لي أن لا أبالي في الله لومة لائم‏.‏

قالت‏:‏ قال أبو سعيد‏:‏ فلما طلع قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏قوموا إلى سيدكم فأنزلوه‏)‏‏)‏ قال عمر‏:‏ سيدنا الله، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنزلوه‏)‏‏)‏ فأنزلوه‏.‏

قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اُحكم فيهم‏)‏‏)‏ فقال سعد‏:‏ فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله‏)‏‏)‏‏.‏

ثم دعا سعد فقال‏:‏ اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك‏.‏

قالت‏:‏ فانفجر كلمه، وكان قد برئ حتى لا يرى منه إلا مثل الخرص، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

قالت عائشة‏:‏ فحضره رسول الله صل الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر قالت‏:‏ فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر، من بكاء أبي بكر، وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله‏:‏ ‏{‏رحماء بينهم‏}‏‏.‏

قال علقمة‏:‏ فقلت‏:‏ يا أمة فكيف كان رسول الله صل الله عليه وسلم يصنع‏؟‏

قالت‏:‏ كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته‏.‏

وهذا الحديث إسناده جيد، وله شواهد من وجوه كثيرة، وفيه التصريح بدعاء سعد مرتين مرة قبل حكمه في بني قريظة، ومرة بعد ذلك كما قلناه أولاً، ولله الحمد والمنة، وسنذكر كيفية وفاته ودفنه وفضله في ذلك رضي الله عنه وأرضاه، بعد فراغنا من القصة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صل الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث، امرأة من بني النجار قلت‏:‏ هي نسيبة ابنة الحارث بن كرز بن حبيب بن عبد شمس، وكانت تحت مسيلمة الكذاب، ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز‏.‏

ثم خرج صل الله عليه وسلم إلى سوق المدينة، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، فخرج بهم إليه أرسالاً وفيهم عدو الله حيي بن أخطب وكعب بن أسد، رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة‏.‏ والمكثر لهم يقول‏:‏ كانوا ما بين الثمانمائة والتسعمائة‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم فيما رواه الليث عن أبى الزبير عن جابر‏:‏ أنهم كانوا أربعمائة، فالله أعلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وقد قالوا لكعب بن أسد، وهم يُذهب بهم إلى رسول الله صل الله عليه وسلم أرسالاً‏:‏ يا كعب ما تراه يصنع بنا‏؟‏ قال‏:‏ أفي كل موطن لا تعقلون، ألا ترون الداعي لا ينزع، ومن ذهب به منكم لا يرجع، هو والله القتل‏.‏

فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم، وأُتي بحيي بن أخطب وعليه حلة له فقاحية، قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة لئلا يسلبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل‏.‏

فلما نظر إلى رسول الله صل الله عليه وسلم قال‏:‏ أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل‏.‏

ثم أقبل على الناس فقال‏:‏ أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله، كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل‏.‏ ثم جلس فضربت عنقه، فقال جبل بن جوال الثعلبي‏:‏

لعمرك ما لام ابن أخطبَ نفسه * ولكنه مَنْ يخذلِ الله يخُذل

لجاهدَ حتى أبلغَ النفس عُذرها * وقلقل يبغي العزّ كل مقلقل

وذكر ابن إسحاق قصة الزبير بن باطا، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، وكان قد منَّ يوم بعاث على ثابت بن قيس بن شماس، وجزَّ ناصيته، فلما كان هذا اليوم أراد أن يكافئه فجاءه فقال‏:‏ هل تعرفني يا أبا عبد الرحمن‏؟‏ قال‏:‏ وهل يجهل مثلي مثلك‏؟‏ فقال له ثابت‏:‏ أريد أن أكافئك فقال‏:‏ إن الكريم يجزي الكريم‏.‏

فذهب ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطلقه فأطلقه له، ثم جاءه فأخبره فقال‏:‏ شيخ كبير لا أهل له ولا ولد، فما يصنع بالحياة‏؟‏ فذهب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فاستطلق له امرأته وولده، فأطلقهم له ثم جاءه فقال‏:‏ أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك‏؟‏

فأتى ثابت إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فاستطلق مال الزبير بن باطا فأطلقه له، ثم جاءه فأخبره فقال له‏:‏ يا ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى حي كعب بن أسد‏؟‏

قال‏:‏ قتل‏.‏

قال‏:‏ فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب‏؟‏

قال‏:‏ قتل‏.‏

قال‏:‏ قال‏:‏ فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا فررنا‏:‏ عزال بن شموال‏؟‏

قال‏:‏ قتل‏.‏

قال‏:‏ فما فعل المجلسان‏؟‏ - يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة - قال‏:‏ ذهبوا قتلوا‏.‏

قال‏:‏ فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير، فما أنا بصابر لله فيلة دلو ناضح، حتى ألقى الأحبة‏.‏ فقدمه ثابت فضربت عنقه‏.‏

فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله‏:‏ ألقى الأحبة، قال‏:‏ يلقاهم والله في نار جهنم خالداً فيها مخلداً‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فيلة بالفاء والياء المثناة من أسفل‏.‏

وقال ابن هشام‏:‏ بالقاف والباء الموحدة‏.‏

وقال ابن هشام‏:‏ الناضح البعير الذي يستقي عليه الماء لسقي النخل‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ معناه إفراغه دلو‏.‏ ‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان رسول الله صل الله عليه وسلم قد أمر كل بقتل من أنبت منهم‏.‏

فحدثني شعبة بن الحجاج عن عبد الملك بن عُمير، عن عطية القرظي قال‏:‏ كان رسول الله صل الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم، وكنت غلاماً فوجدوني لم أنبت، فخلوا سبيلي‏.‏

ورواه أهل السنن الأربعة من حديث عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي نحوه‏.‏

وقد استدل به من ذهب من العلماء إلى أن إنبات الشعر الخشن حول الفرج دليل على البلوغ، بل هو بلوغ في أصح قولي الشافعي، ومن العلماء من يقرن بين صبيان أهل الذمة يكون بلوغاً في حقهم دون غيرهم، لأن المسلم قد يتأذى بذلك لمقصد‏.‏

وقد روى ابن إسحاق عن أيوب بن عبد الرحمن، أن سلمى بنت قيس، أم المنذر استطلقت من رسول الله صل الله عليه وسلم رفاعة بن شموال، وكان قد بلغ، فلاذ بها، وكان يعرفهم قبل ذلك فأطلقه لها، وكانت قالت‏:‏ يا رسول الله إن رفاعة يزعم أنه سيصلى ويأكل لحمل الجمل، فأجابها إلى ذلك فأطلقه‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، قالت‏:‏ والله إنها لعندي تحدث معي، تضحك ظهراً وبطناً، ورسول الله صل الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق، إذ هتف هاتف باسمها‏:‏ أين فلانة‏؟‏

قالت‏:‏ أنا والله، قالت‏:‏ قلت لها‏:‏ ويلك مالك‏؟‏ قالت‏:‏ أقتل ‏!‏ قلت‏:‏ ولم‏؟‏ قالت‏:‏ لحدث أحدثته، قالت‏:‏ فانطلق بها فضربت عنقها‏.‏

وكانت عائشة تقول‏:‏ فوالله ما أنسى عجباً منها طيب نفسها، وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنها تقتل‏.‏

وهكذا رواه الإمام أحمد عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه عن محمد بن إسحاق به‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ هي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته، يعني‏:‏ فقتلها رسول الله صل الله عليه وسلم به‏.‏

قال ابن إسحاق في موضع آخر‏:‏ وسماها نباتة امرأة الحكم القرظي‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم إن رسول الله صل الله عليه وسلم قسَّم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، بعد ما أخرج الخمس، وقسَّم للفارس ثلاثة أسهم، سهمين للفرس، وسهماً لراكبه، وسهماً للراجل، وكانت الخيل يومئذ ستاً وثلاثين‏.‏

قال‏:‏ وكان أول فيء وقعت فيه السهمان وخمس‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وبعث رسول الله صل الله عليه وسلم سعيد بن زيد بسبايا من بني قريظة إلى نجد، فابتاع بها خيلاً وسلاحاً‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة، إحدى نساء بني عمرو بن قريظة، وكان عليها حتى توفي عنها، وهي في ملكه، وقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم عرض عليها الإسلام فامتنعت، ثم أسلمت بعد ذلك‏.‏

فسُر رسول الله صل الله عليه وسلم بإسلامها، وقد عرض عليها أن يعتقها ويتزوجها، فاختارت أن تستمر على الرق ليكون أسهل عليها، فلم تزل عنده حتى توفي عليه الصلاة والسلام‏.‏

ثم تكلم ابن إسحاق على ما نزل من الآيات في قصة الخندق من أول سورة الأحزاب، وقد ذكرنا ذلك مستقصى في تفسيرها، ولله الحمد والمنة‏.‏

وقد قال ابن إسحاق‏:‏ واستشهد من المسلمين يوم بني قريظة‏:‏ خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو الخزرجي، طرحت عليه رحا فشدخته شدخاً شديداً، فزعموا أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن له لأجر شهيدين‏)‏‏)‏ قلت‏:‏ كان الذي ألقى عليه الرحى تلك المرأة التي لم يقتل من بني قريظة امرأة غيرها كما تقدم، والله أعلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ومات أبو سنان بن محصن بن حُرثان، من بني أسد بن خزيمة، ورسول الله صل الله عليه وسلم محاصر بني قريظة فدفن في مقبرتهم اليوم‏".‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:06 am

غزوة بني لحيان

غزوة بني لحيان حدثت في السنة السادسة للهجرة بين المسلمين وبني لحيان. الهدف منها كان معاقبة بني لحيان على غدرهم بستة من الدعاة المسلمين عند ماء الرجيع قبل عامين من الغزوة.

جاء في "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

"قال أبو جعفر: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح بني قريظة إلى بني لحيان، يطلب بأصحاب الرجيع؛ خبيب بن عدي وأصحابه؛ وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرةً، فخرج من المدينة، فسلك على غراب جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام ثم على مخيض، ثم على البتراء؛ ثم صفق ذات اليسار، ثم على يين، ثم على صخيرات اليمام، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة، فأغذ السير سريعاً؛ حتى نزل على غران؛ وهي منازل بني لحيان - وغران وادٍ بين أمج وعسفان - إلى بلد يقال له ساية، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال، فلما نزلها رسول الله صل الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد، قال: لو أنا هبطنا عسفان لرأي أهل مكة أنا قد جئنا مكة. فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين من أصحابه؛ حتى بلغا كراع الغميم، ثم كرا وراح قافلا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق. - قال: والحديث في غزوة بني لحيان - عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر، عن عبيد الله بن كعب.

قال ابن إسحاق: ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يقم إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في خيل لغطفان على لقاح رسول الله صل الله عليه وسلم بالغابة؛ وفيها رجلٌ من بني غفار وامرأته، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح".

وجاء في "البداية والنهاية" لابن كثير:

"قال ابن إسحاق‏:‏ وكان فتح بني قريظة في ذي القعدة، وصدر من ذي الحجة، وولى تلك الحجة المشركون، يعني في سنة خمس كما تقدم‏.‏

قال‏:‏ ثم أقام رسول الله صل الله عليه وسلم بالمدينة ذا الحجة، والمحرم، وصفراً، وشهري ربيع، وخرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح بني قريظة إلى بني لحيان، يطلب بأصحاب الرجيع حبيب وأصحابه، وأظهر أنه يريد الشام، ليصيب من القوم غرة‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، والمقصود أنه عليه السلام لما انتهى إلى منازلهم، هربوا من بين يديه، فتحصنوا في رؤوس الجبال، فمال إلى عسفان، فلقي بها جمعاً من المشركين، وصلى بها صلاة الخوف‏.‏

وقد تقدم ذكر هذه الغزوة في سنة أربع، وهنالك ذكرها البيهقي، والأشبه ما ذكره ابن إسحاق أنها كانت بعد الخندق، وقد ثبت أنه صلى بعسفان يوم بني لحيان، فلتكتب هاهنا، وتحول من هناك اتباعاً لإمام أصحاب المغازي في زمانه وبعده، كما قال الشافعي رحمه الله‏:‏ من أراد المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق‏.‏

وقد قال كعب بن مالك في غزوة بني لحيان‏:‏

لو أن بني لحيان كانوا تناظروا * لقوا عصباً في دارهم ذات مصدق

لقوا سرعاناً يملأ السرب روعه * أمام طحون كالمجرَّة فيلق

ولكنهم كانوا وباراً تتبعت * شعاب حجازٍ غير ذي متنفق"





غزوة ذي قرد

معركة ذي قرد وقعت في السنة السادسة للهجرة بين 500 إلى 700م أذ أغارت قوات المسلمين بقيادة الرسول محمد على أربعين راكباً وعيينة بن حصن الفزاري مع جماعة من غطفان لأنهم أغاروا على لقاح (حوامل الإبل ذات اللبن) الرسول محمد بالغابة وقتلوا حارسها وسبوا امرأته مع الإبل وفروا نحو نجد.

جاء في "البداية والنهاية" لابن كثير:

"قال ابن إسحاق‏:‏ ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يقم بها إلا ليالي قلائل، حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، في خيل من غطفان على لقاح النبي صل الله عليه وسلم بالغابة، وفيها رجل من بني غفار ومعه امرأته، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ومن لا أتهم، عن عبد الله بن كعب بن مالك - كل قد حدث في غزوة ذي قرد بعض الحديث - أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي، غداً يريد الغابة متوشحاً قوسه ونبله، ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله، معه فرس له يقوده، حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم‏.‏

فأشرف في ناحية سلع ثم صرخ‏:‏ واصباحاه ‏!‏ ثم خرج يشتد في آثار القوم وكان مثل السبع، حتى لحق بالقوم، فجعل يردهم بالنبل ويقول‏:‏

خذها وأنا ابن الأكوع * اليوم يوم الرضَّع

فإذا وجهت الخيل نحوه، انطلق هارباً ثم عارضهم فإذا أمكنه الرمي رمى، ثم قال‏:‏

خذها وأنا ابن الأكوع * اليوم يوم الرضع

قال‏:‏ فيقول قائلهم‏:‏ أويكعنا هو أول النهار‏.‏

قال‏:‏ وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الأكوع، فصرخ بالمدينة‏:‏ ‏(‏‏(‏الفزع الفزع‏)‏‏)‏ فترامت الخيول إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، فكان أول من انتهى إليه من الفرسان‏:‏

المقداد بن الأسود، ثم عباد بن بشر، وسعد بن زيد، وأسيد بن ظهير - يشك فيه - وعكاشة بن محصن، ومحرز بن نضلة أخو بني أسد بن خزيمة، وأبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة، وأبو عياش عبيد بن زيد بن الصامت أخو بني زريق‏.‏

قال‏:‏ فلما اجتمعوا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم أمَّر عليهم سعد بن زيد، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اخرج في طلب القوم حتى ألحقك في الناس‏‏)‏‏.‏

وقد قال النبي صل الله عليه وسلم لأبي عياش فيما بلغني عن رجال من بني زريق‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلاً هو أفرس منك فلحق بالقوم‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عياش‏:‏ فقلت يا رسول الله أنا أفرس الناس، ثم ضربت الفرس فوالله ما جرى بي خمسين ذراعاً حتى طرحني، فعجبت من ذلك، فزعم رجال من زريق أن رسول الله صل الله عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص، أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة، وكان ثامناً‏.‏

قال‏:‏ وبعض الناس يعد سلمة بن الأكوع ثامناً، ويطرح أسيد بن ظهير، فالله أعلم أي ذلك كان‏.‏

قال‏:‏ ولم يكن سلمة بن الأكوع يومئذ فارساً قد كان أول من لحق بالقوم على رجليه‏.‏

قال‏:‏ فخرج الفرسان حتى تلاحقوا، فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة، وكان يقال له‏:‏ الأخرم، ويقال له‏:‏ قمير، وكانت الفرس التي تحته لمحمود بن مسلمة، وكان يقال للفرس ذو اللمة‏.‏

فلما انتهى إلى العدو قال لهم‏:‏ قفوا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار، قال‏:‏ فحمل عليه رجل منهم فقتله، وجال الفرس، فلم يقدر عليه حتى وقف على أرية من بني عبد الأشهل، أي‏:‏ رجع إلى مربطه الذي كان فيه بالمدينة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ولم يقتل يومئذ من المسلمين غيره‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنه قد قتل معه أيضاً وقاص بن مجرز المدلجي‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني بعض من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك‏:‏ أن محرزاً كان على فرس لعكاشة بن محصن يقال لها‏:‏ الجناح، فقتل محرز واستلب جناح، فالله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ولما تلاحقت الخيل، قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة وغشاه برده، ثم لحق بالناس، وأقبل رسول الله صل الله عليه وسلم في المسلمين‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم‏.‏

فإذا حبيب مسجى ببرد أبي قتادة، فاسترجع الناس وقالوا‏:‏ قُتل أبو قتادة، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ليس بأبي قتادة ولكنه قتيل لأبي قتادة‏)‏‏)‏ ووضع عليه برده، لتعرفوا أنه صاحبه‏.‏

قال‏:‏ وأدرك عكاشة بن محصن أوباراً، وابنه عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد، فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعاً، واستنقذوا بعض اللقاح‏.‏

قال‏:‏ وسار رسول الله صل الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد، وتلاحق به الناس، فأقام عليه يوماً وليلة، وقال له سلمة بن الأكوع‏:‏ يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح، وأخذت بأعناق القوم‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني -‏:‏ ‏(‏‏(‏إنهم الآن ليغبقون في غطفان‏)‏‏)‏ فقسم رسول الله صل الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزوراً، وأقاموا عليه، ثم رجع قافلاً حتى قدم المدينة‏.‏

قال‏:‏ وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل النبي صل الله عليه وسلم حتى قدمت عليه المدينة فأخبرته الخبر، فلما فرغت قالت‏:‏ يا رسول الله إني قد نذرت الله أن أنحرها أن نجاني الله عليها‏.‏

قال‏:‏ فتبسم رسول الله صل الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها، إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي فارجعي إلى أهلك على بركة الله‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ والحديث في ذلك عن أبي الزبير المكي، عن الحسن البصري‏.‏

هكذا أورد ابن إسحاق هذه القصة بما ذكر من الإسناد والسياق‏.‏ ‏

وقد قال البخاري رحمه الله بعد قصة الحديبية، وقبل خيبر غزوة ذي قرد، وهي الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث‏:‏ حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد، سمعت سلمة بن الأكوع يقول‏:‏ خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح النبي صل الله عليه وسلم ترعى بذي قرد‏.‏

قال‏:‏ فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال‏:‏ أخذت لقاح النبي صل الله عليه وسلم‏.‏

فقلت‏:‏ من أخذها ‏؟‏

قال‏:‏ غطفان‏.‏

قال‏:‏ فصرخت ثلاث صرخات واصباحاه‏.‏

قال‏:‏ فأسمعت ما بين لابتي المدينة، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم، وقد أخذوا يستقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلي وكنت رامياً وأقول‏:‏ أنا ابن الأكوع، اليوم يوم الرضع، وأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم، واستلبت منهم ثلاثين بردة‏.‏

قال‏:‏ وجاء النبي صل الله عليه وسلم والناس فقلت‏:‏ يا رسول الله قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا ابن الأكوع ملكت فأسجح‏)‏‏)‏ ثم رجعنا وردفني رسول الله صل الله عليه وسلم على ناقته حتى قدمنا المدينة‏.‏

وهكذا رواه مسلم عن قتيبة به‏.‏

ورواه البخاري‏:‏ عن أبي عاصم السهلي، عن يزيد بن أبي عبيدة، عن مولاة سلمة بنحوه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال‏:‏ قدمنا المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت أنا ورباح غلام النبي صلى الله عليه وسلم بظهر رسول الله صل الله عليه وسلم، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله أريد أن أنديه مع الإبل‏.‏

فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صل الله عليه وسلم فقتل راعيها، وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل فقلت‏:‏ يا رباح اقعد على هذا الفرس فألحقه بطلحة‏.‏

وأخبر رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قد أغير على سرحه‏.‏

قال‏:‏ وقمت على تل، فجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات‏:‏ يا صباحاه ‏!‏

قال‏:‏ ثم اتبعت القوم معي سيفي ونبلي فجعلت أرميهم وأعقر بهم، وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع إلي فارس جلست له في أصل شجرة، ثم رميت فلا يقبل فارس إلا عقرت به فجعلت أرميهم وأنا أقول‏:‏

أنا ابن الأكوع * واليوم يوم الرضع

قال‏:‏ فألحق برجل منهم فأرميه وهو على راحلته، فيقع سهمي في الرجل حتى انتظم كتفه، فقلت‏:‏

خذها وأنا ابن الأكوع * واليوم يوم الرضع

فإذا كنت في الشجر أحرقتهم بالنبل، فإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فرديتهم بالحجارة، فما زال ذاك شأني وشأنهم أتبعهم وأرتجز حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر رسول الله صل الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، فاستنقذته من أيديهم‏.‏

ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً، وأكثر من ثلاثين بردة، يستخفون منها ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة، وجمعته على طريق رسول الله صل الله عليه وسلم، حتى إذا امتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري مدداً لهم، وهم في ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل فأنا فوقهم‏.‏

فقال عيينة‏:‏ ما هذا الذي أرى ‏؟‏

قالوا‏:‏ لقينا من هذا البرح ما فارقنا بسحر حتى الآن، وأخذ كل شيء بأيدينا وجعله وراء ظهره‏.‏

فقال عيينة‏:‏ لولا أن هذا يرى أن وراءه طلباً لقد ترككم، ليقم إليه نفر منكم‏.‏

فقام إليه نفر منهم أربعة فصعدوا في الجبل، فلما أسمعتهم الصوت قلت‏:‏ أتعرفونني ‏؟‏

قالوا‏:‏ ومن أنت ‏؟‏

قلت‏:‏ أنا ابن الأكوع، والذي كرم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني‏.‏

فقال رجل منهم‏:‏ إن أظن‏.‏

قال‏:‏ فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدي، وعلى أثره أبو قتادة فارس رسول الله صل الله عليه وسلم، وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي، فولى المشركون مدبرين، وأنزل من الجبل فأعرض للأخرم، فأخذ عنان فرسه‏.‏

فقلت‏:‏ يا أخرم ائذن القوم - يعني احذرهم - فإني لا أمن أن يقتطعوك فاتئد حتى يلحق رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏

قال‏:‏ يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق، والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة‏.‏

قال‏:‏ فخليت عنان فرسه، فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة، ويعطف عليه عبد الرحمن، فاختلفا طعنتين فعقر الأخرم بعبد الرحمن، وطعنه عبد الرحمن فقتله، فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم، فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن، فاختلفا طعنتين، فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة، وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم‏.‏

ثم إني خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار صحابة النبي صل الله عليه وسلم شيئاً، ويعرضون قبل غيبوبة الشمس إلى شعب فيه ماء، يقال له ذو قَرَدٍ، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدوا وراءهم، فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية ثنية ذي بئر، وغربت الشمس وألحق رجلاً فأرميه فقلت‏:‏ خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع‏.‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ يا ثكل أم أكوع بكرة‏.‏

فقلت‏:‏ نعم، أي‏:‏ عدو نفسه‏.‏

وكان الذي رميته بكرة وأتبعته سهماً آخر، فعلق به سهمان ويخلفون فرسين، فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي أجليتهم عنه ذو قرد، وإذا بنبي الله صلى الله عليه وسلم في خمسمائة، وإذا بلال قد نحر جزوراً مما خلفت، فهو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها، فأتيت رسول الله صل الله عليه وسلم فقلت‏:‏

يا رسول الله خلني، فأنتخب من أصحابك مائة، فآخذ على الكفار بالعشوة، فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أكنت فأعلى ذلك يا سلمة ‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ نعم والذي أكرمك‏.‏

فضحك رسول الله صل الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه في ضوء النار، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنهم يقرون الآن بأرض غطفان‏)‏‏)‏‏.‏

فجاء رجل من غطفان فقال‏:‏ مروا على فلان الغطفاني، فنحر لهم حزوراً، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة فتركوها، وخرجوا هراباً، فلما أصبحنا قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة‏)‏‏)‏‏.‏

فأعطاني رسول الله صل الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل جميعاً، ثم أردفني وراءه على العضباء، راجعين إلى المدينة‏.‏

فلما كان بيننا وبينها قريب من ضحوة وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق، جعل ينادي‏:‏ هل من مسابق، إلا رجل يسابق إلى المدينة‏؟‏ فأعاد ذلك مراراً وأنا وراء رسول الله صل الله عليه وسلم مردفي، فقلت له‏:‏ أما تكرم كريماً ولا تهاب شريفاً ‏؟‏

قال‏:‏ لا إلا رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن شئت‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ أذهب إليك، فطفر عن راحلته وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة، ثم إني ربطت عليه شرفاً أو شرفين - يعني استبقيت من نفسي - ثم أني عدوت حتى ألحقه فأصك بين كتفيه بيدي‏.‏

قلت‏:‏ سبقتك والله أو كلمة نحوها‏.‏

قال‏:‏ فضحك، وقال‏:‏ إن أظن، حتى قدمنا المدينة‏.‏

وهكذا رواه مسلم من طرق عن عكرمة بن عمار بنحوه، وعنده فسبقته إلى المدينة فلم نلبث إلا ثلاثاً حتى خرجنا إلى خيبر‏.‏

ولأحمد هذا السياق‏.‏

ذكر البخاري، والبيهقي هذه الغزوة بعد الحديبية وقبل خيبر، وهو أشبه مما ذكره ابن إسحاق، والله أعلم‏.‏

فينبغي تأخيرها إلى أوائل سنة سبع من الهجرة، فإن خيبر كانت في صفر منها‏.‏

وأما قصة المرأة التي نجت على ناقة النبي صل الله عليه وسلم ونذرت نحرها لنجاتها عليها، فقد أوردها ابن إسحاق بروايته عن أبي الزبير، عن الحسن البصري مرسلاً‏.‏

وقد جاء متصلاً من وجوه أخر‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عفان، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال‏:‏ كانت العضباء لرجل من بني عقيل، وكانت من سوابق الحاج، فأسر الرجل، فأخذت العضباء معه‏.‏

قال‏:‏ فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في وثاق ورسول الله صل الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة، فقال‏:‏ يا محمد علام تأخذوني وتأخذون سابقة الحاج ‏؟‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وكانت ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم‏.‏

وقال‏:‏ فيما قال إني مسلم‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لو قتلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ومضى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا محمد إني جائع فأطعمني، وإني ظمآن فاسقني‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏هذه حاجتك‏)‏‏)‏ ثم فدي بالرجلين، وحبس رسول الله صل الله عليه وسلم العضباء لرحله‏.‏

ثم قال‏:‏ إن المشركين أغاروا على سرح المدينة فذهبوا به وكانت العضباء فيه، وأسروا امرأة من المسلمين‏.‏

قال‏:‏ وكانوا إذا نزلوا أراحوا إبله بأفنيتهم‏.‏

قال‏:‏ فقامت المرأة ذات ليلة بعد ما ناموا فجعلت كلما أتت على بعير رغا حتى أتت على العضباء، فأتت على ناقة ذلول مجرسة فركبتها، ثم وجهتها قبل المدينة‏.‏

قال‏:‏ ونذرت إن الله أنجاها عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة، فقيل‏:‏ ناقة رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ وأخبر رسول الله صل الله عليه وسلم بنذرها، أو أتته فأخبرته‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بئس ما جزيتيها‏)‏‏)‏ أو ‏(‏‏(‏بئس ما جزتها أن أنجاها الله عليها لتنحرنها‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم‏:‏ عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد بن زيد‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان مما قيل من الأشعار في غزوة ذي قرد قول حسان بن ثابت رضي الله عنه‏:‏

لولا الذي لاقت ومس نسورها * بجنوب ساية أمس في التقواد

للقبنكم يحملن كل مدجج * حامي الحقيقة ماجد الأجداد

ولسر أولاد اللقيطة أننا * سلم غداة فوارس المقداد

كنا ثمانية وكانوا جحفلاً * لجباً فشكوا بالرماح بداد

كنا من القوم الذين يلونهم * ويقدمون عنان كل جواد

كلا ورب الراقصات إلى منى * يقطعن عرض مخارم الأطواد

حتى نبيل الخيل في عرصاتكم * ونئوب بالملكات والأولاد

رهواً بكل مقلص وطمرةٍ * في كل معترك عطفن وواد

أفنى دوابرها ولاح متونها * يوم تقاد به ويوم طراد

فكذاك إن جيادنا ملبونة * والحرب مشعلة بريح غواد

وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي * جنن الحديد وهامة المرتاد

أخذ الإله عليهم لحرامه * ولعزة الرحمن بالأسداد

كانوا بدار ناعمين فبدلوا * أيام ذي قرد وجوه عناد

قال ابن إسحاق‏:‏ فغضب سعد بن زيد أمير سرية الفوارس المتقدمين أمام رسول الله صل الله عليه وسلم على حسان، وحلف لا يكلمه أبداً وقال‏:‏ انطلق إلى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد‏.‏

فاعتذر إليه حسان بأنه وافق الروي اسم المقداد، ثم قال أبياتاً يمدح بها سعد بن زيد‏:‏

إذا أردتم الأشد الجلدا * أو ذا غناء فعليكم سعدا

سعد بن زيد لا يهد هدا

قال‏:‏ فلم تقع منه بموقع‏.‏

وقال حسان بن ثابت في يوم ذي قرد‏:‏

أظن عيينة إذ زارها * بأن سوف يهدم فيها قصورا

فأكذبت ما كنت صدقته * وقلتم سنغنم أمراً كبيرا

فعفت المدينة إذ زرتها * وأنست للأسد فيها زئيرا

وولوا سراعاً كشد النعام * ولم يكشفوا عن ملط حصيرا

أمير علينا رسول المليك * أحبب بذاك إلينا أميرا

رسول يصدق ما جاءه * ويتلو كتاباً مضيئاً منيرا

وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد يمدح الفرسان يومئذ من المسلمين‏:‏

أيحسب أولاد اللقيطة أننا * على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس

وأنا أناس لا نرى القتل سبة * ولا ننثني عند الرماح المداعس

وأنا لنقري الضيف من قمع الذرى * ونضرب رأس الأبلج المتشاوس

نرد كماة المعلمين إذا انتحوا * بضرب يسلي نخوة المتقاعس

بكل فتى حامي الحقيقة ماجد * كريم كسرحان العضاة مخالس

يذودون عن أحسابهم وبلادهم * ببيض تقد الهام تحت القوانس

فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم * بما فعل الإخوان يوم التمارس

إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم * ولا تكتموا أخباركم في المجالس

وقولوا زللنا عن مخالب خادر * به وحر في الصدر ما لم يمارس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:08 am

صلح الحديبية

صلح الحديبية هو صلح عقد في شهر شوال من العام السادس للهجرة (مارس 628 م) بين المسلمين وبين قريش بعد معارك بدر، أحد والخندق، بمقتضاه عقدت هدنة بين الطرفين مدتها عشر سنوات.

في شهر ذي القعدة من السنة السّادسة للهجرة، أعلن رسول الله أنه يريد المسير إلى مكة لأداء العمرة، وأذن في أصحابه بالرحيل إليها لأدائها وسار رسول الله بألف واربع مئة من المهاجرين والأنصار، ليس معهم من السلاح سوى السيوف في القراب، ولبسوا لباس الإحرام ليؤكدوا لقريش أنهم يريدون العمرة ولا يقصدون الحرب، وما حملوا من سيوف إنما كان للحماية مما قد يعترضهم في الطريق.

جاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج للعمرة في ذي القعدة سنة ست فاستنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج معه فأسرعوا وتهيأوا ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته فاغتسل ولبس ثوبين وركب راحلته القصواء وخرج في يوم الاثنين لهلال ذي القعدة واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ولم يخرج بسلاح إلا السيوف في القرب وساق بدنًا وساق أصحابه أيضًا بدنًا فصلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بالبدن التي ساق فجللت ثم أشعرها في الشق الأيمن وقلدها وأشعر أصحابه أيضًا وهي سبعون بدنة فيها جمل أبي جهل الذي غنمه يوم بدر ليغيظ المشركين‏ بذلك وأحرم ولبى وقدم عباد بن بشر أمامه طليعة في عشرين فرسًا من خيل المسلمين وفيهم رجال من المهاجرين والأنصار وخرج معه من المسلمين ألف وستمائة ويقال‏:‏ ألف وأربعمائة ويقال‏:‏ ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون رجلًا وأخرج معه زوجته أم سلمة رضي الله عنها وبلغ المشركين خروجه فأجمعوا رأيهم على صده عن المسجد الحرام وعسكروا ببلدح وقدموا مائتي فارس إلى كراع الغميم وعليهم خالد بن الوليد ويقال‏:‏ عكرمة بن أبي جهل ودخل بسر بن سفيان الخزاعي مكة فسمع كلامهم وعرف رأيهم فرجع إلى النبي صل الله عليه وسلم فلقيه بغدير الأشطاط من وراء عسفان فأخبره بذلك‏.‏

ودنا خالد بن الوليد في خيله حتى نظر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر فتقدم في خيله فأقام بإزائه وصف أصحابه وحانت صلاة الظهر وصلى رسول الله صل الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف وسار حتى دنا من الحديبية - وهي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة - فوقفت به راحلته على ثنية تهبط على غائط القوم فبركت‏.‏

فقال المسلمون‏:‏ حل حل يزجرونها فأبت فقالوا‏:‏ خلأت القصواء فقال النبي صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل أما والله لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة الله إلا أعطيتهم إياها ‏"‏ ثم زجرها فقامت فولى راجعًا عوده على بدئه حتى نزل بالناس على ثمد من أثماد الحديبية قليل الماء فانتزع سهمًا من كنانته فغرزه فيها فجاشت لهم بالرواء حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسًا على شفير البئر‏.‏

ومطر رسول الله صل الله عليه وسلم بالحديبية مرارًا وكثرت المياه‏.‏

وجاءه بديل بن ورقاء وركب معه فسلموا وقالوا‏:‏ جئناك من عند قومك‏:‏ كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم معهم العوذ والمطافيل والنساء والصبيان يقسمون يخلون بينه وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لم نأت لقتال وإنما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قتلناه ‏"‏‏.‏

فرجع بديل فأخبر بذلك قريشًا فبعثوا عروة بن مسعود الثقفي فكلمه رسول الله صل الله عليه وسلم بنحو ذلك فأخبر قريشًا فقالوا‏:‏ نرده عن البيت في عامنا ويرجع من قابل فيدخل مكة ويطوف بالبيت‏.‏

وبعث رسول الله صل الله عليه وسلم إلى قريش خراش بن أمية ليخبرهم بما جاء له فأرادو فمنعه من هناك من قومه فأرسل عثمان بن عفان فقال‏:‏ اذهب إلى قريش فأخبر لم نأت لقتال أحد وإنما جئنا زوارًا لهذا البيت معظمين لحرمته معنا الهدي وننصرف فأتاهم وأخبرهم فقالوا‏:‏ لا كان هذا أبدًا ولا يدخلها العام‏.‏

وبلغ رسول الله صل الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل فذلك حين دعا المسلمين إلى بيعة الرضوان فبايعهم تحت الشجرة وبايع لعثمان فضرب بشماله على يمينه لعثمان إنه ذهب في حاجة الله ورسوله‏.‏

وجعلت الرسل تختلف بينهم فأجمعوا على الصلح فبعثوا سهيل بن عمرو في عدة رجالهم فصالحه على ذلك وكتبوا بينهم‏:‏ ‏"‏ وهذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو واصطلحا على الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض على أنه لا إسلالًا ولا إغلال وأن بيننا عيبة مكفوفة وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم فعل وأنه من أتى محمدًا منهم بغير إذن وإليه وأنه من أتى قريشًا من أصحاب محمد لم يردوه وأن محمدًا يرجع عنا عامه هذا بأصحابه ويدخل علينا قابلًا في أصحابه فيقيم بها ثلاثًا لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القرب‏.‏

شهد أبو بكر وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وابن أبي وقاص وعثمان وأبو عبيدة وابن مسلمة وحويطب ومكرز‏.‏

وكتب علي صدر هذا الكتاب فكان هذا الكتاب عند النبي صل الله عليه وسلم ونسخته عند سهيل بن عمرو‏.‏

وخرج أبو جندل بن سهيل من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يرسف في الحديد فقال سهيل‏:‏ هذا أول ما أقاضيك عليه فرده النبي صل الله عليه وسلم وقال‏:‏ يا أبا جندل قد تم الصلح بيننا فاصبر حتى يجعل الله لك فرجًا ومخرجًا‏.‏

ووثبت خزاعة فقالوا‏:‏ نحن ندخل في عهد محمد وعقده ووثبت بنو بكر فقالوا‏:‏ نحن ندخل في عهد قريش وعقدها فلما فرغوا من الكتاب انطلق سهيل وأصحابه ونحر رسول الله صل الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه حلقه خراش بن أمية الخزاعي ونحر أصحابه وحلق عامتهم وقصر الآخرون‏.‏

فقال النبي صل الله عليه وسلم ‏"‏ رحم الله المحلقين ‏"‏ ثلاثًا‏.‏

قيل‏:‏ يا رسول الله والمقصرين قال‏:‏ ‏"‏ والمقصرين فأقام صلى الله عليه وسلم بالحديبية بضعة وعشرين يومًا ‏"‏ وقيل‏:‏ عشرين ليلة ثم انصرف صل الله عليه وسلم فلما كان بضجنان نزل عليه‏:‏ ‏{‏إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا‏}‏‏.‏

فقال‏:‏ جبريل عليه السلام يهنئك يا رسول الله وهنأه المسلمون‏.‏

فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة جاءه أبو بصير رجل من قريش وقد أسلم فبعثوا رجلين في طلبه فرده معهما فقتل أحدهما في الطريق وهرب الآخر فقدم أبو بصير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ وفيت بذمتك يا رسول الله فقال صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ويل أمه مسعر حرب ‏"‏ ففهم أنه سيرده فذهب إلى ساحل البحر فجلس في طريق قريش وخرج إليه جماعة ممن كان محبوسًا بمكة منهم‏:‏ أبو جندل‏.‏

فصاروا نحوًا من سبعين وكانوا يعترضون أموال قريش فأرسلت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشدونه أن يرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل إليهم رسول الله صل الله عليه وسلم فقدموا المدينة‏.‏

وفي هذه الهدنة‏:‏ هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط - وكانت قد أسلمت وبايعت بمكة - فخرجت في زمن الهدنة وهي أول من هاجر من النساء فخرجت وحدها وصاحبت رجلًا - من خزاعة حتى قدمت المدينة‏.‏

فخرج في أثرها أخواها‏:‏ الوليد وعمارة ابنا عقبة حتى قدما المدينة فقالا‏:‏ يا محمد فلنا بشرطنا فقالت أم كلثوم‏:‏ يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء في الضعف ما قد علمت فتردني إلى الكفار فيفتنوني عن ديني ولا صبر لي فنقض الله العهد في النساء في صلح الحديبية وأنزل فيهن المحنة وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم ونزل في أم كلثوم‏:‏ ‏"‏ فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن ‏"‏‏.‏

فامتحنها رسول الله صل الله عليه وسلم وامتحن النساء بعدها يقول‏:‏ ‏"‏ والله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والإسلام ما خرجتن لزوج ولا مال ‏"‏ فإذا قلن ذلك تركن ولم يرددن إلى أهليهن‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا الفضل بن دكين قال‏:‏ حدثنا شريك عن أبي إسحاق قال‏:‏ سمعت البراء يقول‏:‏ كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وكذلك قول معقل بن يسار وجابر في العدد‏.‏

وقال جابر في رواية‏:‏ كنا ألفًا وخمسمائة‏.‏

وقال عبد الله بن أبي أوفى‏:‏ كنا يومئذ ألفًا وثلاثمائة‏.‏

وفي أفراد مسلم حديث ابن الأكوع قال‏:‏ قدمت الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة ما نرويها فقعد رسول الله صل الله عليه وسلم على جباها فإما دعا وإما بزق فجاشت فسقينا واستقينا‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا ابن أبي أسامة قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن موسى قال‏:‏ أخبرنا إسرائيل عن طارق قال‏:‏ انطلقت حاجًا فمررت بقوم يصلون فقلت‏:‏ ما هذا المسجد قالوا‏:‏ هذه الشجرة حيث بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال‏:‏ حدثني أبي أنه كان فيمن بايع النبي صل الله عليه وسلم تحت الشجرة قال‏:‏ فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها‏.‏

قال سعيد‏:‏ إن كان أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن عوف عن نافع قال‏:‏ كان الناس يأتون الشجرة التي يقال لها‏:‏ شجرة الرضوان فيصلون عندها فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأوعدهم فيها وأمر بها فقطعت‏.‏

وفي عمرة الحديبية أصاب كعب بن عجرة الأذى في رأسه وأمر رسول الله صل الله عليه وسلم صاحب هديه واسمه ناجية بما عطب من الهدي أن ينحره وأن يغمس نعله في دمه‏".‏

جاء في "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

" حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير، قال: حدثنا عمر ابن ذر الهمداني، عن مجاهد، أن النبي صل الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمرٍ، كلها في ذي القعدة؛ يرجع في كلها إلى المدينة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا في ذي القعدة لا يريد حرباً، وقد استنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب أن يخرجوا معه، وهو يخشى من قريش الذي صنعوا به أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت، فأبطأ عليه كثيرٌ من الأعراب، وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار، ومن لحق به من العرب، وساق معه الهدى، وأحرم بالعمرة، ليأمن الناس من حربه، وليعلم الناس أنه إنما جاء زائرا لهذا البيت، معظماً له.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم؛ أنهما حدثاه قالا: خرج رسول الله صل الله عليه وسلم عام الحديبية، يريد زيارة البيت، لا يريد قتالاً، وساق معه سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل؛ كانت كل بدنة عن عشرة نفر.

وأما حديث ابن عبد الأعلى؛ فحدثنا عن محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة.

وحدثني يعقوب، قال: حدثني يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن مبارك، قال: حدثني معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: خرج رسول الله صل الله عليه وسلم من الحديبية، في بضعة عشر ومائة من أصحابه ... ثم ذكر الحديث.

حدثنا الحسن بن يحيى، حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: قدمنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم الحديبية، ونحن أربعة عشر ومائة.

حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا هشام بن عبد الملك وسعيد بن شرحبيل المصري، قالا: حدثنا الليث بن سعد المصري، قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة.

حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان أهل البيعة تحت الشجرة ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى، يقول: كنا يوم الشجرة ألفا وثلثمائة، وكانت أسلم ثمن المهاجرين.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كنا أصحاب الحديبية أربعة عشر ومائة.

قال الزهري: فخرج رسول الله صل الله عليه وسلم، حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي، فقال له: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعوا بمسيرك، فخرجوا معهم العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، وقد نزلوا بذي طوى، يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبدا؛ وهذا خالد بن الوليد في خيلهم، قد قدموها إلى كراع الغميم.

قال أبو جعفر: وقد كان بعضهم يقول: إن خالد بن الوليد كان يومئذ مع رسول الله صل الله عليه وسلم مسلماً.

ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر - يعني ابن أبي المغيرة - عن ابن أبزى، قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهدى، وانتهى إلى ذي الحليفة، قال له عمر: يا رسول الله، تدخل على قوم هم لك حربٌ بغير سلاح ولا كراع ! قال: فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا حمله، فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل، فسار حتى أتى منى، فنزل بمنى، فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد: يا خالد، هذا ابن عمك، قد أتاك في الخيل، فقال خالد: أنا سيف الله وسيف رسوله - فيومئذ سمي سيف الله -: يا رسول الله ارم بي حيث شئت. فبعثه على خيل، فلقى عكرمة في الشعب، فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثانية، فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، فأنزل الله تعالى فيه: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم " - إلى قوله: " عذاباً أليماً " قال: وكف الله النبي صل الله عليه وسلم عنهم بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها من بعد أن أظفره عليهم كراهية أن تطأهم الخيل بغير علم.

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: يا ويح قريش ! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب؛ فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين؛ وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة. فما تظن قريش ! فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة.

ثم قال: من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها ؟ فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أن رجلاً من أسلم قال: أنا يا رسول الله، قال: فسلك بهم على طريق وعر حزن بين شعاب، فلما أن خرجوا منه - وقد شق ذلك على المسلمين، وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : قولوا : نستغفر الله ونتوب إليه . ففعلوا . فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها.

قال ابن شهاب: ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: اسلكوا ذات اليمين، بين ظهري الحمض في طريق تخرجه على ثنية المرار؛ على مهبط الحديبية من أسفل مكة. قال: فسلك الجيش ذلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خالفهم عن طريقهم، ركضوا راجعين إلى قريش، وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم، حتى إذا سلك في ثنية المرار، بركت ناقته، فقال الناس: خلأت ! فقال: ما خلأت، وما هو لها بخلقٍ؛ ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة؛ لا تدعوني قريش اليوم إلى خطةٍ يسألوني صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها. ثم قال للناس: انزلوا، فقيل: يا رسول الله ما بالوادي ما ننزل عليه ! فأخرج سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه، فجاش الماء بالري حتى ضرب الناس عليه بعطن.

فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، أن رجلاً من أسلم حدثه، أن الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب بن عمير ابن يعمر بن دارم، وهو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وقد زعم لي بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول: أنا الذي نزلت بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال وأنشدت أسلم أبياتاً من شعر قالها ناجية ، قد ظننا أنه هو الذي نزل بسهم رسول الله صل الله عليه وسلم فزعمت أسلم أن جاريةً من الأنصار أقبلت بدلوها، وناجية في القليب يميح على الناس، فقالت:

يأيها المائح دلوي دونـكـا إني رأيت الناس يحمدونكا

يثنون خيراً ويمجدونكـا

وقال ناجية، وهو في القليب يميح الناس:

قد علمت جـاريةٌ يمـانـيه أني أنا المائح واسمى ناجيه

وطعنةٍ ذات رشاش واهـيه طعنتها تحت صدور العاديه

حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة. وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء؛ إنما يتبرضه الناس تبرضاً فلم يلبثه الناس أن نزحوه، فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فنزع سهماً من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه؛ فبيناهم كذلك جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة - وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة - فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد نزلوا أعداد مياه الحديبية؛ معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك لؤي وصادوك عن البيت. فقال النبي صل الله عليه وسلم :إنا لم نأت لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددناهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا؛ وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ، أو لينفذن الله أمره. فقال بديل: سنبلغهم ما تقول.

فانطلق حتى أتى قريشاً فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولاً؛ فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء، وقال ذو الراي منهم: هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صل الله عليه وسلم . فقام عروة بن مسعود الثقفي: فقال: أي قوم؛ ألستم بالوالد ! قالوا: بلى، قال: أو لست بالولد ! قالوا: بلى، قال: فهل تتهمونني ؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ ؛ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ! قالوا: بلى.

وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، في حديثه، قال: كان عروة بن مسعود لسبيعة بنت عبد شمس.

رجع الحديث إلى حديث ابن عبد الأعلى ويعقوب. قال: فإن هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشدٍ فاقبلوها، ودعوني آته. فقالوا: ائته، فأتاه، فجعل النبي صل الله عليه وسلم ، فقال النبي نحواً من مقالته لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت قومك، فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك ! وإن تكن الأخرى، فوالله إني لأرى وجوهاً وأوشاباً من الناس خلقاً أن يفروا ويدعوك.

فقال أبو بكر: امصص بظر اللات - واللات طاغية ثقيف التي كانوا يعبدون - أنحن نفر وندعه ! فقال: من هذا ؟ فقالوا:أبو بكر، فقال: أما والذي نفسي بيده لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها لأجبتك؛ وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلكا كلمه أخذ بلحيته - والمغيرة بن شعبة قائمٌ على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه السيف وعليه المغفر؛ فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحيته، فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا ؟ قالوا: المغيرة ابن شعبة، قال: أي غدر؛ ألست أسعى في غدرتك ! وكان المغيرة بن شعبة صحب قوماً في الجاهلية، فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صل الله عليه وسلم : أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فإنه مال غدر، لا حاجة لنا فيه.

وإن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صل الله عليه وسلم بعينه. قال: فوالله إن يتنخم النبي نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فذلك بها وجهه وجلده؛ وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه؛ وإذا تكلموا عنده خفضوا أصواتهم وما يحدون النظر إليه تعظيماً له.

فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي؛ والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمداً، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فذلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على مضوئه، وإذا تكلموا عنده خفضوا أصواتهم؛ وما يحدون النظر إليه تعظيماً له؛ وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.

فقال رجل من كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته؛ فلما أشرف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له، فبعثت له، واستقبله قومٌ يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ! وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري؛ قال في حديثه: ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة - أو ابن زبان - وكان يومئذ سيد الأحابيش؛ وهو أحد بلحارث بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه، فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض، الوادي في قلائده، قد أكل أو باره من طول الحبس، رجع إلى قريش، ولم يصل إلى رسول الله صل الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى، فقال: يا معشر قريش، إني قد رأيت مالا يحل صده: الهدى في قلائده، قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله؛ قالوا له: اجلس، فإنما أنت رجل أعرابيٌ لا علم لك.

وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أن الحليس غضب عند ذلك، وقال: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم؛ أن تصدوا عن بيت الله من جاءه معظماً له؛ والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ماجاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد ! قال: فقالوا له: مه ! كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

رجع الحديث إلى حديث ابن عبد الأعلى ويعقوب. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال لهم: دعوني آته، قالوا: ائته، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا مكرز بن حفص؛ وهو رجل فاجر؛ فجاء فجعل يكلم النبي صل الله عليه وسلم ؛ فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.

وقال أيوب عن عكرمة: إنه لما جاء سهيل قال النبي صل الله عليه وسلم : قد سهل لكم من أمركم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:10 am


تابع ....
صلح الحديبية

فحدثني محمد بن عمارة الأسدي ومحمد بن منصور - واللفظ لابن عمارة - قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا موسى بن عبيدة عن إياس ابم سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وحفص بن فلان، إلى النبي صل الله عليه وسلم ليصالحوه، فلما رآهم رسول الله فيهم سهيل بن عمرو، قال: سهل الله لكم من أمركم؛ القوم ماتون إليكم بأرحامكم، وسائلوكم الصلح، فابعثوا الهدى، وأظهروا التلبية؛ لعل ذلك يلين قلوبهم.

فلبوا من نواحي العسكر حتى ارتجت أصواتهم بالتلبية.

قال: فجاءوا فسألوه الصلح، قال: فبينما الناس قد توادعوا، وفي المسلمين ناس من المشركين، وفي المشركين ناس من المسلمين، قال: ففتك به أبو سفيان، قال: فإذا الوادي يسيل بالرجال والسلاح. قال إياس: قال سلمة: فجئت بستة من المشركين متسلحين أسوقهم، ما يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً؛ فأتيت بهم النبي صل الله عليه وسلم ، فلم يسلب ولم يقتل، وعفا.

وأما الحسن بن يحيى فإنه حدثنا قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، أنه قال: لما اصطلحنا نحن وأهل مكة، أتيت الشجرة فكسحت شوكها؛ ثم اضطجعت في ظلها، فأتاني أربعة نفر من المشركين من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبغضتهم. قال: فتحولت إلى شجرة أخرى، فعلقوا سلاحهم، ثم اضطجعوا؛ فبيناهم كذلك؛ إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين ! قتل ابن زنيم ! فاخترطت سيفي، فشددت على أولئك الأربعة وهم رقود؛ فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثاً في يدي، ثم قلت: والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لا يرفع أحدٌ منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه. قال: فجئت بهم أقودهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عمي عامر برجل من العبلات، يقال له مكرز؛ يقوده مجففاً، حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين من المشركين، فنظر إليهم رسول الله صل الله عليه وسلم، فقال: دعوهم يكن لهم بدء الفجور، فعفا عنهم. قال: فأنزل الله عز وجل: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة ".

رجع الحديث إلى حديث محمد بن عمارة ومحمد بن منصور، عن عبيد الله. قال سلمة: فشددنا على من في أيدي المشركين منا، فما تركنا في أيديهم منا رجلاً إلا استنقذناه. قال: وغلبنا على من في أيدينا منهم.

ثم إن قريشاً بعثوا سهيل بن عمرو وحويطباً فولوهم صلحهم، وبعث النبي صل الله عليه وسلم علياً عليه السلام في صلحه.

حدثنا بشر بن معاذ؛ قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له زنيم، اطلع الثنية من الحديبية، فرماه المشركون فقتلوه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً، فأتوه باثنى عشر رجلاً فارساً من الكفار، فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم: هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟ قالوا: لا، قال: فأرسلهم رسول الله صل الله عليه وسلم؛ فأنزل الله في ذلك القرآن: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة " - إلى قوله: " بما تعملون بصيراً ".

وأما ابن إسحاق، فإنه ذكر أن قريشاً إنما بعثت سهيل بن عمرو بعد رسالة كان رسول الله صل الله عليه وسلم أرسلها إليهم مع عثمان بن عفان.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي، فبعثه إلى قريش بمكة، وحمله على جمل له يقال له الثعلب؛ ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا به جمل رسول الله وأرادوا قتله، فمنعته الأحابيش، فخلوا سبيله؛ حتى أتى رسول الله صل الله عليه وسلم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال حدثني من لا أتهم، عن عكرمة مولى ابن عباس، أن قريشاً بعثوا أربعين رجلاً منهم - أو خمسين رجلاً - وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا لهم من أصحابه، فأخذوا أخذاً، فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعفا عنهم، وخلى سبيلهم - وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل - ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فيبلغ عنه أشراف قريشٍ ما جاء له؛ فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشاً على نفسي؛ وليس بمكة من بنى عدي بن كعب أحد يمنعني؛ وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل هو أعز بها مني، عثمان بن عفان ! فدعا رسول الله صل الله عليه وسلم عثمان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب؛ وإنما جاء زائراً لهذا البيت، معظماً لحرمته .

فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة - أو قبل أن يدخلها - فنزل عن دابته، فحمله بين يديه، ثم ردفه وأجاره؛ حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به؛ قال: ماكنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله صل الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني عبد الله بن أبي بكر، أن رسول الله صل الله عليه وسلم حين بلغه أن عثمان قد قتل، قال: لا نبرح حتى نناجز القوم؛ ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة.

حدثني ابن عمارة الأسدي، قال: حدثني عبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة، قال: قال سلمة بن الأكوع: بينما نحن قافلون من الحديبية، نادى منادي النبي صل الله عليه وسلم: أيها الناس؛ البيعة البيعة ! نزل روح القدس. قال: فسرنا إلى رسول الله وهو تحت الشجرة سمرة، قال: فبايعناه، قال: وذلك قول الله تعالى: " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ".

حدثنا ابن حميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن عامر، قال: كان أول من بايع بيعة الرضوان رجلاً من بني أسد، يقال له:أبو سنان بن وهب.

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله؛ أنهم كانوا يوم الحديبية أربعة عشر ومائة. قال: فبايعنا رسول الله صل الله عليه وسلم، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، فبايعناه غير الجد بن قيس الأنصاري، اختبأ تحت بطن بعيره.

قال جابر: بايعنا رسول الله على ألا نفر؛ ولم نبايعه على الموت.

وقد قيل في ذلك ما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرأبو عامر، قال: أخبرنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس للبيعة في أصل الشجرة، فبايعته في أول الناس، ثم بايع وبايع؛ حتى إذا كان في وسطٍ من الناس، قال: بايع يا سلمة، قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس ! قال: وأيضاً؛ ورآني النبي صلى الله عليه وسلم أعزل، فأعطاني جحفة أو درقةً. قال: ثم إن رسول الله بايع الناس؛ حتى إذا كان في آخرهم، قال: ألا تبايع يا سلمة ! قلت: يا رسول الله؛ قد بايعتك في أول الناس وأوسطهم ! قال: وأيضاً. قال: فبايعته الثالثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين الدرقة، والجحفة التي أعطيتك ؟ قلت: لقيني عمي عامر أعزل فأعطيته إياها، فضحك رسول الله صل الله عليه وسلم وقال: إنك كالذي قال الأول: اللهم ابغني حبيباً هو أحب إلي من نفسي.

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا الجد ابن قيس، أخو بني سلمة، قال: كان جابر بن عبد الله يقول: لكأني أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته، قد ضبأ إليها يستتر بها من الناس. ثم أتى رسول الله صل الله عليه وسلم أن الذي كان من أمر عثمان باطل.

قال إبن إسحاق: قال الزهري: ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو، أخا بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صل الله عليه وسلم؛ وقالوا: له: ائت محمداً فصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامة هذا، فوالله لا تحدث العرب أنه دخل علينا عنوة أبداً.

قال: فأقبل سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً، قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل. فلما انتهى سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام، وتراجعا، ثم جرى بينهما الصلح، فلما التأم الأمر، ولم يبقى إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، اليس برسول الله ! قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين ! قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين ! قال: بلى، قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا ! قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه؛ فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: وأنا اشهد أنه رسول الله. قال: ثم أتى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ألست برسول الله ! قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين ! قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين ! قال: بلى قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا ! فقال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره، ولن يضيعني. قال: فكان عمر يقول: ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به؛ حتى رجوت أن يكون خيراً.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي، عن علقمة ابن قيس النخعي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: ثم دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: " باسمك اللهم "، فقال رسول الله: اكتب " باسمك اللهم "، فكتبتها. ثم قال: اكتب: " هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فقال سهيل بن عمرو: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك؛ ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، قال: فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: اكتب: " هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل ابن عمرو؛ اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يأمن فيهن الناس، ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى رسول الله من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع رسول الله لم ترده عليه. وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال؛ وأنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم، دخل فيه " - فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد رسول الله وعهده، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدها - " وأنك ترجع عنا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك، فدخلتها بأصحابك؛ فأقمت بها ثلاثاً، وأن معك سلاح الراكب، السيوف في القرب لا تدخلها بغير هذا ".

فبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح، لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه، دخل الناس من ذلك أمرٌ عظيمٌ حتى كادوا أن يهلكوا - فلما رأى سهيل أبا جندل، قام إليه فضرب وجهه، وأخذ بلببه، فقال: يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا ! قال: صدقت، قال: فجعل ينتره بلببه، ويجره ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني ! فزاد الناس ذلك شراً إلى ما بهم فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: يا أبا جندل، احتسب، فإن الله جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً؛ إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقداً وصلحاً، وأعطيناهم على ذلك عهداً، وأعطونا عهداً، وإنا لا نغدر بهم.

قال: فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه، ويقول: اصبر يا أبا جندل؛ فإنما هم المشركون؛ وإنما دم أحدهم دم كلب ! قال: ويدنى قائم السيف منه، قال: يقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، قال: فضن الرجل بأبيه.

فلما فرغ من الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين، ورجالاً من المشركين: أبا بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة أخا بنى عبد الأشهل، ومكرز بن حفص بن الأخيف - وهو مشرك - أخا بني عامر بن لؤي، وعلي بن أبي طالب، وكتب وكان هو كاتب الصحيفة.

حدثنا هارون بن إسحاق، قال: حدثنا مصعب بن المقدام، وحدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي، قالا جميعاً: حدثنا إسرائيل، قال: حدثناأبو إسحاق، عن البراء، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة. فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة، حتى يقاضيهم على أن يقيم بها ثلاثة ايام. فلما كتب الكتاب كتب: " هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله "، فقالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك؛ ولكن أنت محمد بن عبد الله، قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، قال لعلي عليه السلام: امح " رسول الله "، قال: لا والله لا أمحاك أبداً، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم - وليس يحسن يكتب - فكتب مكان رسول الله محمد فكتب: " هذا ما قاضى عليه محمد، ولا يدخل مكة بالسلاح إلا السيوف في القراب، ولا يخرج من أهلها بأحد أراد أن يتبعه ، ولا يمنع أحداً من أصحابه أراد أن يقيم بها ". فلما دخلها ومضى الأجل، أتوا علياً عليه السلام، فقالوا: له: قل لصاحبك: اخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج رسول الله صل الله عليه وسلم.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة.

وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في قصة الحديبية: فلما فرغ رسول الله صل الله عليه وسلم من قضيته قال لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا. قال: فوالله ما قام منهم رجلٌ حتى قال ذلك ثلاث مرات؛ فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقى من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك ! اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنتك؛ وتدعو حالقك فيحلقك؛ فقام فخرج فلم يكلم أحداً منهم كلمة حتى فعل ذلك؛ نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا؛ وجعل بعضهم يلحق بعضاً؛ حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً.

قال ابن حميد: قال سلمة: قال ابن إسحاق: وكان الذي حلقه - فيما بلغني ذلك اليوم - خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: حلق رجالٌ يوم الحديبية، وقصر آخرون؛ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: يرحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله ؟ قال: يرحم الله المحلقين؛ قالوا: والمقصرين يا رسول الله ؟قال يرحم الله المحلقين ، قالوا : يا رسول الله : والمقصرين ؟ قال: والمقصرين؛ قالوا: يا رسول الله؛ فلم ظاهرت الترحم لمحلقين دون المقصرين ؟ قال: لأنهم لم يشكوا.

حدثنا ابن حميد: قال حدثنا سلمة، عن أبان بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: أهدى رسول الله صل الله عليه وسلم عام الحديبية في هداياه جملاً لأبي جهل؛ في رأسه برة من فضة، ليغيظ المشركين بذلك.

رجع الحديث إلى حديث الزهري الذي ذكرنا قبل، ثم رجع النبي صل الله عليه وسلم إلى المدينة- زاد ابن حميد عن سلمة في حديثه، عن ابن إسحاق عن الزهري؛ قال: يقول الزهري: فما فتح في الإسلام فتحٌ قبله كان أعظم منه؛ إنما كان القتال حيث التقى الناس - فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس كلهم بعضهم بعضاً فالتقوا، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه، فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر.

وقالوا: جميعاً في حديثهم عن الزهري، عن عروة، عن المسور ومروان: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، جاءه أبو بصير؛ - رجل من قريش - قال ابن إسحاق في حديثه :أبو بصير عتبة بن أسيد ابن جارية - وهو مسلمٌ، وكان ممن حبس بمكة، فلما قدم على رسول الله كتب فيه أزهر بن عبد عوف والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، وبعث رجلاً من بني عامر بن لؤي، ومعه مولى لهم.

فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الأزهر والأخنس، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت؛ ولا يصلح لنا في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً.

قال: فانطلق معهما حتى إذا كان بذي الحليفة، جلس إلى جدار وجلس معه صاحباه، فقال أبو بصير: أصارمٌ سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ قال: نعم، قال: انظر إليه ؟ قال: إن شئت، فاستله أبو بصير، ثم علاه به حتى قتله، وخرج المولى سريعاً حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فلما رآه رسول الله طالعاً، قال: إن هذا رجل قد رأى فزعاً؛ فلما انتهى إلى رسول الله قال: ويلك! أما لك! قال: قتل صاحبكم صاحبي؛ فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحاً السيف، حتى وقف على رسول الله صل الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، وفت ذمتك، وأدي عنك، أسلمتني ورددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم.

فقال النبي صل الله عليه وسلم: ويل امه مسعر حرب ! - وقال ابن إسحاق في حديثه: محش حرب - لو كان معه رجالٌ ! فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم.

قال :فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش الذي كانوا يأخذون إلى الشام.

وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير: " ويل امه محش حرب لو كان معه رجال "، فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص؛ وينفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فلحق بأبي بصير؛ فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلاً منهم؛ فكانوا قد ضيقوا على قريش؛ فوالله ما يسمعون بعيرٍ خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناشدونه بالله وبالرحم لما أرسل إليهم ! فمن أتاه فهو آمن، فآواهم رسول الله صل الله عليه وسلم، فقدموا عليه المدينة: زاد ابن إسحاق في حديثه: فلما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبي بصير صاحبهم العامري أسند ظهره إلى الكعبة، وقال: لا أؤخر ظهري عن الكعبة؛ حتى يودوا هذا الرجل؛ فقال أبو سفيان بن حرب: والله إن هذا لهو السفه ! والله لا يودى ! ثلاثاً.

وقال ابن عبد الأعلى ويعقوب في حديثهما: ثم جاءه - يعني رسول الله - نسوةٌ مؤمناتٌ، فأنزل الله عز وجل عليه: " يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ "- حتى بلغ: " بعصم الكوافر ".

قال: فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. قال: فنهاهم أن يردوهن، وأمرهم أن يردوا الصداق حينئذ.

قال رجل للزهري: أمن أجل الفروج ؟ قال: نعم، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية.

زاد ابن إسحاق في حديثه: وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة؛ فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة؛ حتى قدما على رسول الله صل الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي كان بينه وبين قريش في الحديبية؛ فلم يفعل ،أبى الله عز وجل ذلك.

وقال أيضاً في حديثه: كان ممن طلق عمر بن الخطاب، طلق امرأتيه قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة، فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان ؛ وهما على شركهما بمكة، وأم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبيد الله بن عمر، فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم، رجلٌ من قومها؛ وهما على شركهما بمكة.

وقال الواقدي: في هذه السنة - في شهر ربيع الآخر منها - بعث رسول الله صل الله عليه وسلم عكاشة بن محصن في أربعين رجلاً إلى الغمر؛ فيهم ثابت بن أقرم وشجاع بن وهب؛ فأغذ السير، ونذر القوم به فهربوا، فنزل على مياههم وبعث الطلائع؛ فأصابوا عيناً فدلهم على بعض ماشيتهم، فوجدوا مائتي بعير، فحدروها إلى المدينة.

قال: وفيها بعث رسول الله صل الله عليه وسلم محمد بن مسلمة في عشرة نفر في ربيع الأول منها، فكمن القوم لهم حتى نام هو وأصحابه؛ فما شعروا إلا بالقوم؛ فقتل أصحاب محمد بن مسلمة وأفلت محمد جريحاً.

قال الواقدي: وفيها أسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر في أربعين رجلاً، فساروا ليلتهم مشاةً، ووافوا ذا القصة مع عماية الصبح، فأغاروا عليهم، فأعجزوهم هرباً في الجبال، وأصابوا نعماً ورثة ورجلاً واحداً، فأسلم، فتركه رسول الله صل الله عليه وسلم.

قال: وفيها كانت سرية زيد بن حارثة بالجموم، فأصاب امرأة من مزينة، يقال لها حليمة؛ فدلتهم على محلة من محال بني سليم، فأصابوا بها نعماً وشاء وأسراء، وكان في أولئك الأسراء زوج حليمة، فلما قفل بما أصاب وهب رسول الله صل الله عليه وسلم للمزنية زوجها ونفسها.

قال: وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلىالعيص في جمادى الأولى منها.

وفيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع؛ فاستجار بزينب بنت النبي صل الله عليه وسلم فأجارته.

قال: وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى الطرف، في جمادى الآخرة إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلاً، فهربت الأعراب وخافوا أن يكون رسول الله سار إليهم، فأصاب من نعمهم عشرين بعيراً. قال: وغاب أربع ليال.

قال: وفيها سرية زيد بن حارثة إلى حسمي في جمادى الآخرة.

قال: وكان أول ذلك - فيما حدثني موسى بن محمد، عن أبيه، قال: أقبل دحية الكلبي من عند قيصر؛ وقد أجاز دحية بمال، وكساه كسى؛ فأقبل حتى كان بحسمي، فلقيه ناسٌ من جذام، فقطعوا عليه الطريق، فلم يترك معه شيء، فجاء إلى رسول الله قبل أن يدخل بيته فأخبره، فبعث رسول الله صل الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمي.

قال: وفيها تزوج عمر بن الخطاب جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح؛ أخت عاصم بن ثابت، فولدت له عاصم بن عمر؛ فطلقها عمر فتزوجها بعده يزيد بن جارية، فولدت له عبد الرحمن بن يزيد؛ فهو أخو عاصم لأمه.

قال: وفيها سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب.

قال: وفيها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان؛ وقال له رسول الله صل الله عليه وسلم: إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم؛ فأسلم القوم، فتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ؛ وهي أم أبي سلمة؛ وكان أبوها رأسهم وملكهم.

قال: وفيها أجدب الناس جدباً شديداً، فاستسقى رسول الله صل الله عليه وسلم في شهر رمضان بالناس.

قال: وفيها سرية علي بن أبي طالب عليه السلام إلى فدك في شعبان.

قال: وحدثني عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عقبة، قال: خرج علي بن أبي طالب في مائة رجل إلى فدك، إلى حي من بني سعد بن بكر؛ وذلك أنه بلغ رسول الله أن لهم جمعاً يريدون أن يمدوا يهود خيبر؛ فسار إليهم الليل وكمن النهار؛ وأصاب عيناً، فأقر لهم أنه بعث إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم ثمر خيبر.

قال: وفيها سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة في شهر رمضان.

وفيها قتلت أم قرفة، وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر، قتلها قتلاً عنيفاً؛ ربط برجليها حبلاً ثم ربطها بين بعيرين حتى شقاها شقاً، وكانت عجوزاً كبيرةً.

وكان من قصتها ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى وادي القرى؛ فلقى به بني فزارة؛ فأصيب به أناسٌ من أصحابه؛ وارتث زيد من بين القتلى، وأصيب فيها ورد ابن عمرو أحد بني سعد بن هذيم، أصابه أحد بني بدر؛ فلما قدم زيد نذر ألا يمس رأسه غسلٌ من جنابة حتى يغزو فزارة؛ فلما استبل من جراحه، بعثه رسول الله صل الله عليه وسلم في جيش إلى بني فزارة، فلقيهم بوادي القرى، فأصاب فيهم؛ وقتل قيس بن المسحر اليعمري مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر، وأسر أم قرفة - وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر، وكانت عند مالك بن حذيفة بن بدر، عجوزاً كبيرة - وبنتاً لها، وعبد الله بن مسعدة.

فأمر زيد بن حارثة أن يقتل أم قرفة؛ فقتلها قتلاً عنيفاً، ربط برجليها حبلين ثم ربطهما إلى بعيرين حتى شقاها.

ثم قدموا على رسول الله صل الله عليه وسلم بابنة أم قرفة وبعبد الله بن مسعدة؛ وكانت ابنة أم قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع؛ كان هو الذي أصابها، وكانت في بيت شرف من قومها، كانت العرب تقول: لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت.

فسألها رسول الله صل الله عليه وسلم سلمة، فوهبها له، فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب، فولدت عبد الرحمن بن حزن.

وأما الرواية الأخرى عن سلمة بن الأكوع في هذه السرية، أن أميرها كان أبا بكر بن أبي قحافة؛ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا أبو عامر، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: أمر رسول الله صل الله عليه وسلم علينا أبا بكر؛ فغزونا ناساً من بني فزارة، فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا، فلما صلينا الصبح، أمرنا أبو بكر فشننا الغارة عليهم.

قال: فوردنا الماء فقتلنا به من قتلنا. قال: فأبصرت عنقاً من الناس؛ وفيهم النساء والذراري قد كادوا يسبقون إلى الجبل، فطرحت سهماً بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم وقفوا، فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر؛ وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع أدم، معها ابنة لها من أحسن العرب.

قال: فنفلني أبو بكر ابنتها، قال: فقدمت المدينة، فلقيني رسول الله صل الله عليه وسلم بالسوق، فقال: يا سلمة، لله أبوك ! هب لي المرأة ! فقلت: يا رسول الله، والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوباً.

قال: فسكت عني حتى إذا كان من الغد لقيني في السوق، فقال: يا سلمة، لله أبوك ! هب لي المرأة، فقلت: يا رسول الله، والله ما كشفت لها ثوباً، وهي لك يا رسول الله. قال: فبعث بها رسول الله إلى مكة؛ ففادى بها أسارى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين. فهذه رواية عن سلمة.

قال محمد بن عمر: وفيها سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله صل الله عليه وسلم، واستاقوا الإبل في شوال من سنة ست؛ وبعثه رسول الله في عشرين فارساً".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:11 am

غزوة خـيـبر

بعد ان نقض اليهود العهد مع المسلمين في معركة الخندق وعاقبهم رسول الله في غزوة بني قريظة وتم طردهم خارج المدينة اتجة اغلبهم إلى خيبر.

وأصبحت خيبر المكان الرئيسى لانطلاق المكائد على المسلمين وإقامة الأحلاف العسكرية مع أعداء الإسلام. فقد عقدوا حلفاً مع غطفان لتكوين جبهة موحدة ضد المسلمين.

وبعد أن فَرغ رسولُ الله من صلحِ الحديبية، أراد أن يُصفّي حسابه مع اليهود، فاستنفر المسلمينَ لغزو خيبر في محرم من السنة السابعة، وجهّز جيشاً عدَّته ألف وأربعُمئة مجاهد، بينهم مائتا فارس، بقيادة الرسول.

وأمر الرسولُ المسلمين بالمبيت بقربِ خيبر، وبعد صلاة الفجر تحرّك جيش المسلمين، في الوقت الذي خرج فيه اليهودُ من حصونهم نحو أراضيهم الزراعية، فلما رأوا المسلمين علموا أنّ النّبي قد أتاهم، فعادوا على حصونهم.

بعد ان استطاع المسلمين اسقاط أول حصن وكان يسمى حصن "ناعم"، بدأت الحصون تنهار واحداً تلو الآخر، حتّى لم يتبقّ منها سوى حصني الوطيح والسَّلالم، فحاصرهما المسلمون أربعة عشر يوماً فلم يروا غير الاستسلام.

فاقترح اليهود أن يظلوا في الأرض، فيقوموا بزراعتها، ويكون للمسلمين نصف الثمر، فقَبِل النبي ذلك، وعيَّن عبد الله بن رواحة لجمع ما يدفعونه من الثمار.

جاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" في جمادى الأولى وخيبر على ثمانية برد من المدينة‏.‏

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالتهيؤ لغزوة خيبر وخرج واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة وأخرج معه أم سلمة زوجته فلما نزل بساحتهم أصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم معهم المساحي والكرازين والمكاتل فلما نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا‏:‏ محمد والخميس - يعنون بالخميس الجيش - فولو هاربين إلى حصونهم وجعل رسول الله صل الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ‏"‏‏.‏

ووعظ الناس وفرق عليهم الرايات ولم تكن الرايات إلا يوم خيبر إنما كانت الألوية فكانت راية النبي صل الله عليه وسلم السوداء من بحرد لعائشة رضي الله عنها تدعى العقاب ولواؤه أبيض ودفعه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وراية إلى الحباب بن المنذر وراية إلى سعد بن عبادة وكان شعارهم‏:‏ يا منصور أمت‏.‏

وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا فرس فقاتل المشركين وقاتلوه أشد قتال وقتلوا من أصحابه وقتل منهم وفتحها حصنًا حصنًا وهي حصون ذوات عدد منها‏:‏ النطاة ومنها حصن الصعب بن معاذ وحصن ناعم وحصن قلعة الزبير والشق وبه حصون منها‏:‏ حصن أبي وحصن النزار وحصون الكتيبة منها‏:‏ القموص والوطيح وسلالم وهو حصن ابن أبي الحقيق وأخذ كنز آل أبي الحقيق - وكانوا قد غيبوه في خربة - فدله الله عليه فاستخرجه وقتل منهم ثلاثة وتسعين رجلًا من يهود منهم‏:‏ الحارث أبو زينب ومرحب وأسير وياسر وعامر واستشهد من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم بخيبر أبو ضياح بن النعمان في خمسة عشر رجلًا وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها فروة بن عمر البياضي ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء وكتب في سهم منها لله وأمر ببيع الأربعة أخماس في من يزيد فباعها فروة وقسم ذلك بين أصحابه‏.‏

وكان الذي ولي إحصاء الناس زيد بن ثابت فأحصاهم ألفًا وأربعمائة والخيل مائتي فرس وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة وقدم الأشعريون ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فلحقوه بها فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يشركوهم في الغنيمة ففعلوا وقدم جعفر بن أبي طالب وأهل السفينتين من عند النجاشي بعد فتح خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما أدري بأيهما أسر‏:‏ بقدوم جعفر أو بفتح خيبر ‏"‏ وكانت صفية بنت حيي ممن سبى رسول الله صل الله عليه وسلم بخيبر فأعتقها وتزوجها‏.‏

قال ابن عمر‏:‏ قاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والنخل فصالحهم على أن تحقن دماءهم ولهم ما حملت ركابهم وللنبي صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والسلاح ويخرجهم وشرطوا للنبي صل الله عليه وسلم أن لا يكتموه شيئًا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فلما وجد المال الذي غيبوه في مسك الجمل سبى نساءهم وغلبهم على الأرض والنخل ودفعها إليهم على الشطر فكان ابن رواحة يخرصها عليهم ويضمنهم الشطر‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب قال حدثنا الحارس بن أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا هاشم بن القاسم قال‏:‏ أخبرنا عكرمة بن عمار قال‏:‏ أخبرنا إياس بن سلمة بن الأكوع قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ بارز عمي يوم خيبر مرحب اليهودي فقال مرحب‏:‏ قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فقال عمي‏:‏ قد علمت خيبر أني عامر شاك السلاح بطل مغاور فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فوقع السيف على ساقه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه فقال ناس من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ بطل عمل عامر قتل نفسه‏.‏

قال سلمة‏:‏ فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي فقلت‏:‏ يا رسول الله أبطل عمل عامر قال‏:‏ ‏"‏ ومن قال ذاك ‏"‏ قلت‏:‏ ناس أصحابك قال‏:‏ ‏"‏ كذب من قال ذاك بل له أجره مرتين ‏"‏ إنه حين خرج إلى خيبر جعل يرتجز بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم يسوق الركاب وهو يقول‏:‏ والكافرون قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا ونحن عن فضلك ما استغنينا فثبت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا فقال رسول الله صل الله عليه وسلم ‏"‏ من هذا ‏"‏ قالوا‏:‏ عامر قال‏:‏ ‏"‏ غفر لك ربك ‏"‏ قال‏:‏ وما استغفر لإنسان قط يخصه إلا استشهد فلما سمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ يا رسول الله لو لا متعتنا بعامر فتقدم فاستشهد‏.‏

قال سلمة‏:‏ ثم إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إلى علي وقال‏:‏ ‏"‏ لأعطين الراية اليوم رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فجئت به أقوده أرمد فبصق رسول الله صل الله عليه وسلم في عينيه ثم أعطاه الراية فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال‏:‏ قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فقال علي رضي الله عنه مجيبًا‏:‏ أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أو فيهم بالصاع كيل السندره قال ابن سعد‏:‏ وروي عن ابن عباس قال‏.‏

لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من خيبر قال القوم‏:‏ الآن نعلم أسرية صفية أم امرأة فإن كانت امرأة فإنه سيحجبها وإلا فهي سرية فلما خرج أمر بستر يستر دونها الناس أنها امرأة فلما أرادت أن تركب أدنى فخذه منها لتركب عليها فأبت ووضعت ركبتها على فخذه ثم حملها فلما كان الليل نزل فدخل الفسطاط ودخلت معه وجاء أبو أيوب فبات عند الفسطاط فلما أصبح رسول الله صل الله عليه وسلم سمع الحركة فقال‏:‏ ‏"‏ من هذا ‏"‏ فقال‏:‏ أنا أبو أيوب فقال‏:‏ ‏"‏ ما شأنك ‏"‏ قال‏:‏ يا رسول الله جارية شابة حديثة عهد بعرس وقد صنعت بزوجها ما صنعت فلم آمنها قلت إن تحركت كنت قريبًا منك‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ رحمك الله يا أبا أيوب ‏"‏ مرتين‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا عفان قال‏:‏ أخبرنا حماد بن سلمة قال‏:‏ أخبرنا ثابت عن أنس قال‏:‏ وقعت صفية في سهم دحية - وكانت جارية جميلة - فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس ودفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها وجعل رسول الله صل الله عليه وسلم وليمتها التمر والأقط أو السمن قال‏:‏ ففحصت الأرض أفاحيص وجيء بالأنطاع فوضعت فيها ثم جيء بالأقط والسمن والتمر فشبع الناس‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ قال أنس‏:‏ كان في ذلك السبي صفية بنت حيي فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت بعد إلى النبي صل الله عليه وسلم فأعتقها ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها‏.‏

قال محمد بن حبيب‏:‏ في هذه الغزاة أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صل الله عليه وسلم النساء والصبيان سهمًا وأسهم لمن غزا معه من اليهود‏".‏

جاء في "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

" ثم دخلت سنة سبع؛ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم إلى خبير وأستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، فمضى حتى نزل بجيشه بواد يقال له الرجيع؛ فنزل بين أهل خيبر وبين غطفان - فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق - ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر؛ وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صل الله عليه وسلم.

قال: فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، جمعوا له، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه؛ حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهاليهم حساً؛ ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم؛ فأقاموا في أهاليهم وأموالهم؛ وخلوا بين رسول الله وبين خيبر، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأموال يأخذها مالاً مالا، ويفتتحها حصناً حصناً؛ فكان أول حصونهم أفتتح حصن ناعم؛ وعنده قتل محمود بن مسلمة؛ ألقيت عليه رحاً منه فقتلته؛ ثم القموص؛ حصن ابن أبي الحقيق. وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا؛ منهم صفية بنت حيى بن أخطب، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق؛ وابنتي عم لها. فاصطفى رسول الله صل الله عليه وسلم صفية لنفسه، وكان دحية الكلبي قد سأل رسول الله صفية؛ فلما اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها؛ وفشت السبايا من خيبر في المسلمين .

قال: ثم جعل رسول الله صل الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر؛ أنه حدثه بعض أسلم؛ أن بني سهم من أسلم، أتوا رسول الله صل الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله؛ والله لقد جهدنا وما بأيدينا شيء؛ فلم يجدوا عند رسول الله شيئاً يعطيهم إياه، فقال النبي: اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة؛ وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه؛ فافتح عليهم أعظم حصونها ؛ وأكثرها طعاماً وودكاً. فغدا الناس، ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ؛ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه.

قال: ولما افتتح رسول الله صل الله عليه وسلم من حصونهم ما أفتتح، وحاز من الأموال ما حاز، انتهوا إلى حصنهم الوطيح والسلالم- وكان آخر حصون خيبر أفتتح- حاصرهم رسول الله بضع عشرة ليلة .

فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخي بني حارثة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرج مرحب اليهودي من حصنهم؛ قد جمع سلاحه وهو يرتجز؛ ويقول:

قد علمت خيبر أني مرحـب شاكي السلاح بطل مجـرب

أطعن أحياناً وحينـاً أضـرب إذا الليوث أقبلت تـحـرب

كان حماي، للحمى لا يقرب

وهو يقول: هل من مبارز! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: من لهذا؟ فقام محمد بن مسلمة؛ فقال: أنا له يا رسول الله؛ أنا والله الموتور الثائر؛ قتلوا أخي بالأمس! قال: فقم إليه؛ اللهم أعنه عليه.

فلما أن دنا كل واحد منهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر ؛ فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه؛ فكلما لاذ بها أقتطع بسيفه منها ما دونه منها؛ حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم، ما بينهما فنن؛ ثم حمل مرحب على محمد فضربه؛ فاتقاه بالدرقة فوقع سيفه فيها؛ فعضت به فأمسكته، وضربه محمد أبن مسلمة حتى قتله .

ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر، يرتجز ويقول:

قد علمت خيبـر أنـي ياسـر شاكي السلاح بطل مـغـاور

إذا الليوث أقبـلـت تـبـادر وأحجمت عن صولتي المغاور

إن حماي فيه موت حاضـر

وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد أبن إسحاق، عن هشام بن عروة؛ أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب: أيقتل أبني يا رسول الله؟ قال: بل أبنك يقتله إن شاء الله. فخرج الزبير وهو يقول:

قد علمت خيبـر أنـي زبـار قرم لقوم غير نكـس فـرار

ابن حماة المجد وأبن الأخـيار ياسر لا يغررك جمع الكفار

فجمعهم مثل السراب الجرار

ثم ألتقيا فقتله الزبير.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، أن عبد الله بن بريدة حدث عن بريدة الأسلمي، قال: لما كان حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصن أهل خيبر، أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء عمر بن الخطاب، ونهض من نهض معه من الناس؛ فلقوا أهل خيبر؛ فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يجبنه أصحابه ويجبنهم، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: لأعطين اللواء غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر؛ فدعا علياً عليه السلام وهو أرمد، فتفل في عينيه، وأعطاه اللواء؛ ونهض معه من الناس من نهض. قال: فلقي أهل خيبر؛ فإذا مرحب يرتجز ويقول:

قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب

أطعن أحياناً وحيناً أضـرب إذا الليوث أقبلت تلـهـب

فأختلف هو وعلى ضربتين، فضربه على على هامته؛ حتى عض السيف منها بأضراسه ؛ وسمع أهل العسكر صوت ضربته ؛ فما تتام آخر الناس مع على عليه السلام حتى فتح الله له ولهم.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا المسيب بن مسلم الأودي، قال: حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما أخذته الشقيقة ، فيلبث اليوم واليومين لا يخرج. فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس. وإن أبا بكر أخذ راية رسول الله؛ ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً؛ ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول؛ ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله، فقال: أما والله لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يأخذها عنوة- قال: وليس ثم على عليه السلام- فتطاولت لها قريش، ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك؛ فأصبح فجاء علي عليه السلام على بعير له، حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمد، وقد عصب عينيه بشقة برد قطري؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك؟ قال: رمدت بعد ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: أدن منى، فدنا فتفل في عينيه، فما وجعهما حتى مضى لسبيله. ثم أعطاه الراية؛ فنهض بها معه وعليه حلة أرجوان حمراء قد أخرج خملها . فأتى مدينة خيبر؛ وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر معصفر يمان، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:

قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب

فقال علي عليه السلام:

أنا الذي سمتني أمي حيدره أكيلكم بالسيف كيل السندره

ليث بغابات شديد قسوره

فأختلفا ضربتين؛ فبدره علي فضربه، فقد الحجر والمفغر ورأسه؛ حتى وقع في الأضراس. وأخذ المدينة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن الحسن؛ عن بعض أهله، عن أبي رافع مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صل الله عليه وسلم برايته؛ فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله؛ فقاتلهم فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه من يده؛ فتناول علي رضي الله عنه باباً كان عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل؛ حتى فتح الله عليه؛ ثم ألقاه من يده حين فرغ؛ فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص، حصن ابن أبي الحقيق، أتى رسول الله بصفية بنت حيي بن أخطب، وبأخرى معها؛ فمر بهما بلال- وهو الذي جاء بهما- على قتلي من قتلي يهود، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها، وحثت التراب على رأسها، فلما رآها رسول الله قال: أغربوا عني هذه الشيطانة؛ وأمر بصفية فحيزت خلفه، وألقي عليها رداؤه، فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال- فيما بلغني- حين رأى من تلك اليهودية ما رأى: أنزعت منك الرحمة يا بلال؛ حيث تمر بامرأتين على قتلي رجالهما! وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق؛ أن قمراً وقع في حجرها؛ فعرضت رؤياها على زوجها فقال: ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمداً، فلطم وجهها لطمة أخضرت عينها منها؛ فأتى بها رسول الله صل الله عليه وسلم وبها أثر منها، فسألها: ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر.

قال ابن إسحاق: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق- وكان عنده كنز بني النضير- فسأله فجحد أن يكون يعلم مكانه؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من يهود؛ فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة. فقال رسول الله لكنانة: أرأيت إن وجدناه عندك، أأقتلك؟ قال: نعم؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت؛ فأخرج منها بعض كنزهم؛ ثم سأله ما بقي. فأبى أن يؤديه، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام، فقال: عذبه حتى تستأصل ما عنده؛ فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه؛ ثم دفعه رسول الله إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة. وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في حصنيهم، الوطيح والسلالم؛ حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم ويحقن لهم دماءهم؛ ففعل. وكان رسول الله قد حاز الأموال كلها: الشق ونطاة والكتبية؛ وجميع حصونهم إلا ما كان من ذينك الحصنين. فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ويحقن دماءهم لهم، ويخلوا له الأموال أففعل، وكان فيمن مشى بينهم وبين رسول الله في ذلك محيصة بن مسعود؛ أخوبني حارثة؛ فلما نزل أهل خيبر على ذلك؛ سألوا رسول الله أن يعاملهم بالأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم؛ وأعمر لها؛ فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف؛ على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم؛ وصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئاً للمسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب. فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية ؛ وقد سألت: أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله؟ فقيل لها: الذراع؛ فأكثرت فيها السم، فسمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع؛ فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها؛ ومعه بشر بن البراء أبن معرور؛ وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله، فأما بشر فأساغها؛ وأما رسول الله فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم؛ ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان نبياً فسيخبر؛ وإن كان ملكاً استرحت منه؛ فتجاوز عنها النبي صل الله عليه وسلم. ومات بشر بن البراء من إكلته التي أكل .

حدثنا ابن حميد؛ قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق؛ عن مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلي، قال: وقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم قال في مرضه الذي توفي فيه- ودخلت عليه أم بشر بن البراء تعوده: يا أم بشر؛ إن هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أبنك بخيبر.

قال: وكان المسلمون يرون أن رسول الله صل الله عليه وسلم قد مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة.

قال ابن إسحاق: فلما فرغ رسول الله صل الله عليه وسلم من خيبر أنصرف إلى وادي القرى فحاصر أهله ليالي، ثم أنصرف راجعاً إلى المدينة.

ذكر غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي القرى حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ثور ابن زيد، عن سالم مولى عبد الله بن مطيع، عن أبي هريرة، قال: لما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، نزلنا أصلاً مع مغارب الشمس، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له ؛ أهداه إليه رفاعة بن زيد الجذامي، ثم الضبيبي ؛ فو الله إنا لنضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه سهم غرب ؛ فأصابه فقتله، فقلنا: هنيئاً له الجنة! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: كلا والذي نفس محمد بيده؛ إن شملته الآن لتحرق عليه في النار. قال: وكان غلها من فئ المسلمين يوم خيبر.

قال: فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم فأتاه، فقال: يا رسول الله، أصبت شراكين لنعلين لي، قال: فقال: يقد لك مثلهما من النار .

وفي هذه السفرة نام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس؛ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: لما أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر؛ وكان ببعض الطريق، قال من آخر الليل: من رجل يحفظ علينا الفجر، لعلنا ننام؟ فقال بلال: أنا يا رسول الله أحفظ لك؛ فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل الناس فناموا؛ وقام بلال يصلي، فصلى ما شاء الله أن يصلي ثم أستند إلى بعيره؛ وأستقبل الفجر يرمقه؛ فغلبته عينه، فنام فلم يوقظهم إلا مس الشمس ؛ وكان رسول الله صل الله عليه وسلم أول أصحابه هب من نومه، فقال: ماذا صنعت بنا يا بلال! فقال: يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، قا : صدقت. ثم أقتاد رسول الله غير كثير، ثم أناخ فتوضأ وتوضأ الناس، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة، فصلى بالناس، فلما سلم أقبل على الناس، فقال: إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها، فإن الله عز وجل يقول: "وأقم الصلاة لذكري" .

قال ابن إسحاق: وكان فتح خيبر في صفر.

قال: وشهد مع رسول الله صل الله عليه وسلم نساء من نساء المسلمين، فرضخ لهن رسول الله من الفيء ولم يضرب لهن بسهم.

أمر الحجاج بن علاط السلمي قال : ولما فتحت خيبر قال الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ؛ إن لي مالاً بمكة عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة- وكانت عنده، له منها معرض بن الحجاج- ومال متفرق في تجار أهل مكة، فأذن لي يا رسول الله. فأذن له رسول الله صل الله عليه وسلم، ثم قال: إنه لا بد لي من أن أقول، قال: قل، قال الحجاج: فخرجت حتى إذا قدمت مكة، فوجدت بثينة البيضاء رجالاً من قريش يتسمعون الأخبار، ويسألون عن أمر رسول الله، وقد بلغهم أنه قد سار إلى خيبر، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز؛ ريفاً ومنعه ورجالاً، فهم يتحسسون الأخبار؛ فلما رأوني قالوا: الحجاج بن علاط- ولم يكونوا علموا بإسلامي- عنده والله الخبر! أخبرنا بأمر محمد، فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر؛ وهي بلدة يهود وريف الحجاز. قال: قلت: قد بلغني ذلك، وعندي من الخبر ما يسركم. قال: فالتاطوا بجنبي ناقتي يقولون: إيه يا حجاج! قال: قلت: هزموا هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط؛ وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط، وأسر محمد أسراً، وقالوا: لن نقتله حتى نبعث به إلى مكة فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم. قال: فقاموا فصاحوا بمكة وقالوا: قد جاءكم الخبر، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم. قال: قلت: أعينوني على جمع مالي بمكة على غرمائي؛ فإني أريد أن أقدم خيبر، فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك.

قال: فقاموا فجمعوا مالي كأحث جمع سمعت به. فجئت صاحبتي فقلت: مالي- وقد كان لي عندها مال موصوع- لعلي ألحق بخيبر؛ فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني إليه التجار. فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر وجاءه عني، أقبل حتى وقف إلى جنبي؛ وأنا في خيمة من خيام التجار، فقال: يا حجاج، ما هذا الذي جئت به؟ قال: قلت: وهل عندك حفظ لما وضعت عندك؟ قال: نعم، قلت: فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء، فإني في جمع مالي كما ترى؛ فأنصرف عني حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة، وأجمعت الخروج، لقيت العباس، فقلت: أحفظ على حديثي يا أبا الفضل؛ فإني أخشى الطلب ثلاثاً، ثم قل ما شئت. قال: أفعل، قال: قلت فإني والله لقد تركت أبن أخيك عروساً على ابنة ملكهم- يعني صفية بنت حي أبن أخطب ولقد أفتتح خيبر، وأنتثل ما فيها؛ وصارت له ولأصحابه. قال: ما تقول يا حجاج??????! قال: قلت: إي والله؛ فأكتم على؛ ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي فرقاً من أن أغلب عليه، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك؛ فهو والله على ما تحب. قال: حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له، وتخلق وأخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى الكعبة، فطاف بها؛ فلما رأوه قالوا: يا أبا الفضل؛ هذا والله التجلد لحر المصيبة! قال: كلا والذي حلفتم به! لقد أفتتح محمد خيبر، وترك عروساً على ابنة ملكهم، وأحرز أموالها وما فيها؛ فأصبحت له ولأصحابه. قالوا: من جاءك بهذا الخبر؟ قال: الذي جاءكم به؛ لقد دخل عليكم مسلماً، وأخذ ماله وأنطلق ليلحق برسول الله وأصحابه فيكون معه، قالوا: يال عباد الله! أفلت عدو الله! أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن، ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك ذكر مقاسم خيبر وأموالها حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر، قال: كانت المقاسم على أموال خيبر على الشق ونطاة والكتيبة؛ فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله عز وجل وخمس النبي صلى الله عليه وسلم؛ وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل، وطعم أزواج النبي، وطعم رجال مشوا بين رسول الله وبين أهل فدك بالصلح؛ منهم محيصة أبن مسعود، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثين وسق شعير، وثلاثين وسق تمر. وقسمت خيبر على أهل الحديبية؛ من شهد منهم خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، فقسم له رسول الله صل الله عليه وسلم كسهم من حضرها.

قال: ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله بأهل خيبر؛ فبعثوا إلى رسول الله يصالحونه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف ، وإما بعد ما قدم المدينة. فقبل ذلك منهم؛ فكانت فدك لرسول الله صل الله عليه وسلم خاصة، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: كان رسول الله صل الله عليه وسلم يبعث إلى أهل خيبر عبد الله بن رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود، فيخرص عليهم؛ فإذا قالوا: تعديت علينا، قال: إن شئتم فلكم؛ وإن شئتم فلنا؛ فتقول يهود: بهذا قامت السموات والأرض.

وإنما خرص عليهم عبد الله بن رواحة؛ ثم أصيب بمؤتة، فكان جبار بن صخر بن خنساء، أخو بني سلمة؛ هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة، فأقامت يهود على ذلك لا يرى بهم المسلمون بأساً في معاملتهم؛ حتى عدوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله ابن سهل، أخي بني حارثة؛ فقتلوه، فاتهمهم رسول الله صل الله عليه وسلم والمسلمون عليه .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: سألت أبن شهاب الزهري: كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخيلهم حين أعطاهم النخل على خرجها؟ أبت ذلك لهم حتى فبض، أم أعطاهم إياها لضرورة من غير ذلك؟ فأخبرني أبن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتتح خيبر عنوة بعد القتال؛ وكانت خيبر مما أفاء الله على رسوله؛ خمسها رسول الله وقسمها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الإجلاء بعد القتال؛ فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن شئتم دفعنا إليكم هذه الأموال على أن تعلموها؛ وتكون ثمارها بيننا وبينكم؛ وأقركم ما أقركم الله. فقبلوا ، فكانوا على ذلك يعملونها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيقسم ثمرها، ويعدل عليهم في الحرص؛ فلما توفى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أقرها أبو بكر بعد النبي في أيديهم على المعاملة التي كان عاملهم عليها رسول الله حتى توفى، ثم أقرها عمر صدراً من إمارته؛ ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبض فيه: لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان، ففحص عمر عن ذلك حتى بلغه الثبت، فأرسل إلى يهود أن الله قد أذن في إجلائكم؛ فقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان، فمن كان عنده عهد من رسول الله فليأتني به أنفذه له؛ ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله من اليهود فليتجهز للجلاء؛ فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صل الله عليه وسلم منهم .

قال أبو جعفر: ثم رجع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:11 am

عمرة القضاء

غزوة عمرة القضاء حدثت في السنة السابعة للهجرة بين قوات المسلمين وقريش.

قال الطبري في "تـاريخ الأمم والملوك":

"حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما رجع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر، أقام بها شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجب وشعبان وشهر رمضان وشوالا؛ يبعث فيما بين ذلك من غزوه وسراياه، ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمراً عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها؛ وخرج معه المسلمون ممن كان معه في عمرته تلك، وهي سنة سبع؛ فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه؛ وتحدثت قريش بينها أن محمداً وأصحابه في عسر وجهد وحاجة .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: عن ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: اصطفوا لرسول الله صل الله عليه وسلم عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه؛ فلما دخل رسول الله المسجد، أضطبع بردائه، وأخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوةً! ثم أستلم الركن. وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى إذا واراه البيت منهم؛ وأستلم الركن اليماني مشى حتى يستلم الأسود، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف؛ ومشى سائرها.

وكان ابن عباس يقول: كان الناس يظنون أنها ليست عليهم؛ وذلك أن رسول الله إنما صنعها لهذا الحي من قريش للذي بلغه عنهم؛ حتى حج حجة الوداع، فرملها، فمضت السنة بها .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر؛ أن رسول الله صل الله عليه وسلم حين دخل مكة في تلك العمرة، دخلها وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقته؛ وهو يقول:

خلوا بني الكفار عن سبيلـه إني شهيد أنـه رسـولـه

خلوا فكل الخير في رسوله يا رب إني مؤمن بقـيلـه

أعرف حق الله في قبولـه نحن قتلناكم على تـأويلـه

كما قتلناكم على تنـزيلـه ضرباً يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح، عن عطاء بن رباح ومجاهد، عن أبن عباس، أن رسول الله صل الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك؛ وهو حرام؛ وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبد المطلب.

قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً، فأتاه حويطب بن عبد العزي بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، في نفر من قريش في اليوم الثالث، وكانت قريش وكلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فقالوا له: إنه قد انقضى أجلك فأخرج عنا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه! قالوا: لا حاجة لنا في طعامك فأخرج عنا. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة؛ حتى أتاه بها بسرف، فبنى عليها رسول الله هنالك، وأمر رسول الله أن يبدلوا الهدى وأبدل معهم، فعزت عليهم الإبل فرخص لهم في البقر؛ ثم أنصرف رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة في ذي الحجة، فأقام بها بقية ذي الحجة- وولى تلك الحجة المشركون- والمحرم وصفرا وشهري ربيع، وبعث في جمادى الأولى بعثه إلى الشأم الذين أصيبوا بمؤتة.

وقال الواقدي: حدثني ابن أبي ذئب، عن الزهري، قال: أمرهم رسول الله صل الله عليه وسلم أن يعتمروا في قابل قضاء لعمرة الحديبية، وأن يهدوا.

قال: وحدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: لم تكن هذه العمرة قضاءً، ولكن كان شرط على المسلمين أن يعتمروا قابلاً في الشهر الذي صدهم المشركون فيه.

قال الواقدي: قول ابن أبي ذئب أحب إلينا، لأنهم أحصروا ولم يصلوا إلى البيت.

وقال الواقدي: وحدثني عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن محمد أبن إبراهيم، قال: ساق رسول الله صل الله عليه وسلم في عمرة القضية ستين بدنة.

قال: وحدثني معاذ بن محمد الأنصاري، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: حمل السلاح والبيض والرماح، وقاد مائة فرس، وأستعمل على السلاح بشير بن سعد، وعلى الخيل محمد بن مسلمة، فبلغ ذلك قريشاً فراعهم؛ فأرسلوا مكرز بن حفص بن الأخيف، فلقيه بمر الظهران، فقال له: ما عرفت صغيراً ولا كبيراً إلا بالوفاء؛ وما أريد إدخال السلاح عليهم؛ ولكن يكون قريباً إلى. فرجع إلى قريش فأخبرهم.

قال الواقدي: وفيها كانت غزوة ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم في ذي القعدة؛ بعثه رسول الله صل الله عليه وسلم إليهم بعد ما رجع من مكة في خمسين رجلاً، فخرج إليهم.

قال أبو جعفر: فلقيه- فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، بنو سليم، فأصيب بها هو وأصحابه جميعاً.

قال أبو جعفر: أما الواقدي فإنه زعم أنه نجا ورجع إلى المدينة، وأصيب أصحابه.

ورد في "البداية والنهاية" لابن كثير قوله في عمرة القضاء:

"عمرة القضاء ويقال‏:‏ القِصاص‏.‏ ورجحه السهيلي‏.‏ ويقال‏:‏ عمرة القضية‏.‏

فالأولى قضاء عما كان أحصر عام الحديبية‏.‏

والثاني من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والحرمات قصاص‏}‏‏.‏

والثالث من المقاضاة التي كان قاضاهم عليها على أن يرجع عنهم عامه هذا، ثم يأتي في العام القابل، ولا يدخل مكة إلا في جلبان السلاح، وأن لا يقيم أكثر من ثلاثة أيام‏.‏

وهذه العمرة هي المذكورة في قوله تعالى في سورة الفتح المباركة‏:‏ ‏{‏لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله أمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

وقد تكلمنا عليها مستقصى في كتابنا التفسير بما فيه كفاية وهي الموعود بها في قوله عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب حين قال له‏:‏ ألم تكن تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإنك آتيه ومطوف به‏)‏‏)‏‏.‏

وهي المشار إليها في قول عبد الله بن رواحة، حين دخل بين يدي رسول الله صل الله عليه وسلم إلى مكة يوم عمرة القضاء وهو يقول‏:‏

خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تأويله

كما ضربناكم على تنزيله

أي‏:‏ هذا تأويل الرؤيا التي كان رآها رسول الله صل الله عليه وسلم جاءت مثل فلق الصبح‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما رجع رسول الله صل الله عليه وسلم من خيبر إلى المدينة أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجباً وشعبان، وشهر رمضان وشوالاً يبعث فيما بين ذلك سراياه، ثم خرج من ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون، معتمراً عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ واستعمل على المدينة عويف بن الأضبط الدئلي‏.‏

ويقال لها عمرة القصاص‏:‏ لأنهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست، فاقتص رسول الله صل الله عليه وسلم منهم، فدخل مكة في ذي القعدة في الشهر الحرام الذي صدوه فيه من سنة سبع، بلغنا عن ابن عباس أنه قال‏:‏ فأنزل الله تعالى في ذلك‏:‏ ‏{‏والحرمات قصاص‏}‏‏.‏

وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه في ‏(‏مغازيه‏)‏‏:‏ لما رجع رسول الله صل الله عليه وسلم من خيبر أقام بالمدينة، وبعث سراياه حتى استهل ذي القعدة، فنادى في الناس أن تجهزوا للعمرة فتجهزوا، وخرجوا إلى مكة‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه في عمرته تلك، وهي سنة سبع، فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه، وتحدثت قريش بينها أن محمداً في عسرة وجهد وشدة‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن عباس قال‏:‏ صفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول الله صل الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه، وأخرج عضده اليمنى ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏رحم الله امرءاً أراهم اليوم من نفسه قوة‏)‏‏)‏‏.‏

ثم استلم الركن، ثم خرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى إذا واراه البيت منهم، واستلم الركن اليماني مشى حتى استلم الركن الأسود، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى سائرها‏.‏

فكان ابن عباس يقول‏:‏ كان الناس يظنون أنها ليست عليهم، وذلك أن رسول الله صل الله عليه وسلم إنما صنعها لهذا الحي من قريش للذي بلغه عنهم حتى حج حجة الوداع فلزمها فمضت السنة بها‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد - هو ابن زيد - عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏:‏

قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون‏:‏ إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صل الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاث، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم‏.‏

قال أبو عبد الله‏:‏ ورواه أبو سلمة - يعني حماد بن سلمة - عن أيوب، عن سعيد، عن ابن عباس قال‏:‏ لما قدم النبي صل الله عليه وسلم لعامهم الذي استأمن قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ارملوا ليرى المشركون قوتكم‏)‏‏)‏ والمشركون من قبل قعيقعان‏.‏

ورواه مسلم، عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد بن زيد‏.‏

وأسند البيهقي من طريق حماد بن سلمة‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، سمع ابن أبي أوفى يقول‏:‏ لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول الله صل الله عليه وسلم، وسيأتي بقية الكلام على هذا المقام‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني عبد الله بن أبي بكر‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم حين دخل مكة في تلك العمرة دخلها وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقته يقول‏:‏

خلوا بني الكفار عن سبيله * خلوا فكل الخير في رسوله

يا رب إني مؤمن بقيله * أعرف حق الله في قبوله

نحن قتلناكم على تأويله * كما قتلناكم على تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله

قال ابن هشام‏:‏ نحن قتلناكم على تأويله إلى آخر الأبيات لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم - يعني يوم صفين - قاله السهيلي‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين، والمشركون لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل‏.‏

وفيما قاله ابن هشام نظر، فإن الحافظ البيهقي روى من غير وجه عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس قال‏:‏ لما دخل النبي صل الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه، وفي رواية وهو آخذ بغرزه وهو يقول‏:‏

خلوا بني الكفار عن سبيله * قد نزل الرحمن في تنزيله

بأن خير القتل في سبيله * نحن قتلناكم على تأويله

وفي رواية بهذا الإسناد بعينه‏:‏

خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله

يا رب إني مؤمن بقيله

وقال يونس بن بكير، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم دخل عام القضية مكة فطاف بالبيت على ناقته، واستلم الركن بمحجنه‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ من غير علة، والمسلمون يشتدون حوله وعبد الله بن رواحة يقول‏:‏

بسم الذي لا دين إلا دينه * بسم الذي محمد رسوله

خلوا بني الكفار عن سبيله *

قال موسى بن عقبة، عن الزهري‏:‏ ثم خرج رسول الله صل الله عليه وسلم من العام المقبل من عام الحديبية معتمراً في ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صده المشركون عن المسجد الحرام، حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها الحجف والمجان، والرماح، والنبل، ودخلوا بسلاح الراكب السيوف‏.‏

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة بنت الحارث العامرية، فخطبها عليه فجعلت أمرها إلى العباس، وكان تحته أختها أم الفضل بنت الحارث، فزوجها العباس رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

فلما قدم رسول الله صل الله عليه وسلم أمر أصحابه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطواف‏)‏‏)‏ ليرى المشركون جلدهم وقوتهم، وكان يكايدهم بكل ما استطاع‏.‏

فاستكف أهل مكة الرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو يطوفون بالبيت، وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صل الله عليه وسلم متوشحاً بالسيف وهو يقول‏:‏

خلوا بني الكفار عن سبيله * أنا الشهيد أنه رسوله

قد أنزل الرحمن في تنزيله * في صحف تتلى على رسوله

فاليوم نضربكم على تأويله * كما ضربناكم على تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله

قال‏:‏ وتغيب رجال من أشراف المشركين أن ينظروا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم غيظاً وحنقاً، ونفاسة وحسداً‏.‏

وخرجوا إلى الخندمة فقام رسول الله صل الله عليه وسلم بمكة وأقام ثلاث ليال، وكان ذلك آخر القضية يوم الحديبية‏.‏

فلما أتى الصبح من اليوم الرابع، أتاه سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، ورسول الله صل الله عليه وسلم في مجلس الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة، فصاح حويطب بن عبد العزى‏:‏ نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث‏.‏

فقال سعد بن عبادة‏:‏ كذبت لا أم لك ليس بأرضك ولا بأرض آبائك والله لا يخرج‏.‏

ثم نادى رسول الله صل الله عليه وسلم سهيلاً وحويطباً فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن قد نكصت فيكم امرأة، لا يضركم أن أمكث حتى أدخل بها ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ نناشدك الله والعقد إلا خرجت عنا‏.‏

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع فأذن بالرحيل، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل ببطن سرف، وأقام المسلمون، وخلف رسول الله صل الله عليه وسلم أبا رافع ليحمل ميمونة، وأقام بسرف حتى قدمت عليه ميمونة‏.‏

وقد لقيت ميمونة ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين ومن صبيانهم، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف فبنى بها، ثم أدلج فسار حتى أتى المدينة، وقدر الله أن يكون موت ميمونة بسرف بعد ذلك بحين، فماتت حيث بنى بها رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

ثم ذكر قصة ابنة حمزة إلى أن قال‏:‏ وأنزل الله عز وجل في تلك العمرة‏:‏ ‏{‏الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص‏}‏ فاعتمر رسول الله صل الله عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صد فيه‏.‏ ‏‏

وقد روى ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير نحواً من هذا السياق، ولهذا السياق شواهد كثيرة من أحاديث متعددة‏:‏

ففي صحيح البخاري من طريق فليح بن سليمان، عن نافع، عن ابن عمر‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم خرج معتمراً فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية، وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل، ولا يحمل سلاحاً إلا سيوفاً، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا‏.‏

فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم، فلما أن أقام بها ثلاثاً أمروه أن يخرج فخرج‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال‏:‏ لم تكن هذه عمرة قضاء، وإنما كانت شرطاً على المسلمين أن يعتمروا من قابل في الشهر الذي صدهم فيه المشركون‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا النفيلي، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن ميمون‏:‏ سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أن ميمون بن مهران قال‏:‏ خرجت معتمراً عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة، وبعث معي رجال من قومي بهدي‏.‏

قال‏:‏ فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم‏.‏

قال‏:‏ فنحرت الهدي مكاني، ثم أحللت، ثم رجعت، فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي، فأتيت ابن عباس فسألته فقال‏:‏ أبدل الهدي فإن رسول الله صل الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء‏.‏

تفرد به أبو داود من حديث أبي حاضر عثمان بن حاضر الحميري، عن ابن عباس فذكره‏.‏

وقال الحافط البيهقي‏:‏ أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني عمرو بن ميمون قال‏:‏ كان أبي يسأل كثيراً أهل كان رسول الله صل الله عليه وسلم أبدل هديه الذي نحر حين صده المشركون عن البيت‏؟‏ ولا يجد في ذلك شيئاً، حتى سمعته يسأل أبا حاضر الحميري عن ذلك‏.‏

فقال له‏:‏ على الخبير سقطت، حججت عام ابن الزبير في الحصر الأول فأهديت هدياً فحالوا بيننا وبين البيت، فنحرت في الحرم ورجعت إلى اليمن، وقلت‏:‏ لي برسول الله صل الله عليه وسلم أسوة، فلما كان العام المقبل حججت فلقيت ابن عباس فسألته عما نحرت عليَّ بدله أم لا ‏؟‏

قال‏:‏ نعم فأبدل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد أبدلوا الهدي الذي نحروا عام صدهم المشركون، فأبدلوا ذلك في عمرة القضاء، فعزت الإبل عليهم فرخص لهم رسول الله صل الله عليه وسلم في البقر‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثني غانم بن أبي غانم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال‏:‏ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب الأسلمي على هديه يسير بالهدي أمامه، يطلب الرعي في الشجر، معه أربعة فتيان من أسلم، وقد ساق رسول الله صل الله عليه وسلم في عمرة القضية ستين بدنة‏.‏

فحدثني محمد بن نعيم المجمر، عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:‏ كنت مع صاحب البدن أسوقها‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وسار رسول الله صل الله عليه وسلم يلبي والمسلمون معه يلبون، ومضى محمد بن مسلمة بالخيل إلى مر الظهران فيجد بها نفراً من قريش، فسألوا محمد بن مسلمة‏؟‏

فقال‏:‏ هذا رسول الله صل الله عليه وسلم يصبح هذا المنزل غداً إن شاء الله، ورأوا سلاحاً كثيراً مع بشير بن سعد فخرجوا سراعاً حتى أتوا قريشاً فأخبروهم بالذي رأوا من السلاح والخيل، ففزعت قريش وقالوا‏:‏ والله ما أحدثنا حدثاً وإنا على كتابنا وهدنتنا ففيم يغزونا محمد في أصحابه ‏؟‏

ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح إلى بطن يأجج حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، وبعثت قريش مكرز بن حفص بن الأحنف في نفر من قريش حتى لقوه ببطن يأجج، ورسول الله صل الله عليه وسلم في أصحابه والهدي والسلاح قد تلاحقوا‏.‏

فقالوا‏:‏ يا محمد ما عرفت صغيراً ولا كبيراً بالغدر، تدخل بالسلاح في الحرم على قومك، وقد شرطت لهم أن لا تدخل إلا بسلاح المسافر، السيوف في القرب‏.‏

فقال النبي صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إني لا أدخل عليهم السلاح‏)‏‏)‏‏.‏

فقال مكرز بن حفص‏:‏ هذا الذي تعرف به البر والوفاء، ثم رجع سريعاً بأصحابه إلى مكة، فلما أن جاء مكرز بن حفص بخبر النبي صلى الله عليه وسلم خرجت قريش من مكة إلى رؤوس الجبال وخلوا مكة، وقالوا‏:‏ لا ننظر إليه ولا إلى أصحابه، فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم بالهدي أمامه حتى حبس بذي طوى‏.‏

وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه رحمهم الله، وهو على ناقته القصواء وهم محدقون به يلبون، وهم متوشحون السيوف‏.‏

فلما انتهى إلى ذي طوى وفق على ناقته القصواء والمسلمون حوله، ثم دخل من الثنية التي تطلعه على الحجون على راحلته القصواء، وابن رواحة آخذ بزمامها وهو يرتجز بشعره ويقول‏:‏

خلوا بني الكفار عن سبيله * إلى آخره

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال‏:‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة - يعني من ذي القعدة سنة سبع - فقال المشركون‏:‏ إنه يقدم عليكم وفد قد وهنتهم حمى يثرب، فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، ولم يمنعه أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن الصباح، ثنا إسماعيل بن زكريا، عن عبد الله بن عثمان، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس‏:‏

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مر الظهران من عمرته، بلغ أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم أن قريشاً تقول ما يتباعثون من العجف‏.‏

فقال أصحابه‏:‏ لو انتحرنا من ظهرنا، فأكلنا من لحومه وحسونا من مرقه أصبحنا غداً حين ندخل مكة على القوم وبنا جمامة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تفعلوا ولكن اجمعوا لي من أزوادكم‏)‏‏)‏ فجمعوا له وبسطوا الأنطاع، فأكلوا حتى تركوا، وحشى كل واحد منهم في جرابه، ثم أقبل رسول الله صل الله عليه وسلم حتى دخل المسجد، وقعدت قريش نحو الحجر، فاضطبع بردائه ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يرى القوم فيكم غميزة‏)‏‏)‏‏.‏ ‏

فاستلم الركن ثم رمل حتى إذا تغيب بالركن اليماني مشى إلى الركن الأسود، فقالت قريش‏:‏ ما يرضون بالمشي، أما أنهم لينفرون نفر الظباء، ففعل ذلك ثلاثة أطواف فكانت سنة‏.‏

قال أبو الطفيل‏:‏ وأخبرني ابن عباس أن رسول الله صل الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع‏.‏

تفرد به أحمد من هذا الوجه‏.‏

قال أبو داود‏:‏ ثنا أبو سلمة موسى، ثنا حماد - يعني ابن سلمة - أنبأنا أبو عاصم الغنوي، عن أبي الطفيل قال‏:‏ قلت لابن عباس‏:‏ يزعم قومك أن رسول الله صل الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة ‏؟‏

فقال‏:‏ صدقوا وكذبوا، قلت‏:‏ ما صدقوا وما كذبوا ‏؟‏

قال‏:‏ صدقوا رمل رسول الله صل الله عليه وسلم، وكذبوا ليس بسنة، إن قريشاً زمن الحديبية قالت‏:‏ دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت النغف‏.‏

فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏(‏‏(‏ارملوا بالبيت ثلاثاً‏)‏‏)‏ قال‏:‏ وليس بسنة‏.‏

وقد رواه مسلم من حديث سعيد الجريري، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر ثلاثتهم عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن ابن عباس به نحوه‏.‏

وكون الرمل في الطواف سنة مذهب الجمهور، فإن رسول الله صل الله عليه وسلم رمل في عمرة القضاء وفي عمرة الجعرانة أيضاً، كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس فذكره‏.‏

وثبت في حديث جابر عند مسلم وغيره أنه عليه السلام رمل في حجة الوداع في الطواف، ولهذا قال عمر بن الخطاب‏:‏ فيم الرملان وقد أطال الله الإسلام ‏؟‏

ومع هذا لا نترك شيئاً فعله رسول الله صل الله عليه وسلم، وموضع تقرير هذا كتاب ‏(‏الأحكام‏)‏‏.‏

وكان ابن عباس في المشهور عنه لا يرى ذلك سنة كما ثبت في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال‏:‏ إنما سعى النبي صل الله عليه وسلم بالبيت، وبالصفا والمروة ليري المشركين قوته‏.‏ لفظ البخاري‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه في القضاء دخل البيت، فلم يزل فيه حتى أذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم أمره بذلك، فقال عكرمة بن أبي جهل‏:‏ لقد أكرم الله أبا الحكم حين لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول‏.‏

وقال صفوان بن أمية‏:‏ الحمد لله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا‏.‏

وقال خالد بن أسيد‏:‏ الحمد لله الذي أمات أبي، ولم يشهد هذا اليوم حتى يقوم بلال ينهق فوق البيت‏.‏

وأما سهيل بن عمرو ورجال معه لما سمعوا بذلك غطوا وجوههم‏.‏ ‏

قال الحافظ البيهقي‏:‏ قد أكرم الله أكثرهم بالإسلام‏.‏

قلت‏:‏ كذا ذكره البيهقي من طريق الواقدي أن هذا كان في عمرة القضاء، والمشهور أن ذلك كان في عام الفتح، والله أعلم‏".‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:12 am

غزوة مؤتة

جرت الغزوة في جمادى الأول من العام الثامن للهجرة (أغسطس 629 م) بسبب قتل الحارث بن عمير الأزدي رسول الرسول محمد إلى ملك بصرى على يد شرحبيل بن عمرو بن جبلة الغساني والي البلقاء الواقع تحت الحماية الرومانية؛ إذ أوثقه رباطا، فقدمه، فضرب عنقه.

عند سماع رسول الله صل الله عليه وسلم بهذا الغدرأمر بتجهيز جيش من ثلاثة آلاف مقاتل لم يجتمع هذا العدد من المقاتلين المسلمين من قبل إلا في غزوة الأحزاب.

أمر رسول الله على هذا البعث زيد بن حارثة، وقال‏:‏ ‏(‏إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة‏)‏ ، وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة‏.‏ وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا مَنْ هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم، وقاتلوهم، وقال لهم‏:‏ ‏(‏اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء‏)‏‏. وقد خرجت نساء المسلمين لتوديع ازواجهن وهن يقولون (( ردكم الله الينا صابرين )) فرد عبد الله بن رواحه وقال (( اما أنا فلا ردني الله )).

عند مدينه مؤتة توقف المسلمين وكان عددهم ثلاثة آلاف‏ وعدد الغسانين والروم مئتان الف . اختار المسلمون بقايده زيد بن حارثة، الهجوم على المشركين وتم الهجوم بعد صلاه الفجر وكان اليوم الأول هجوم قوي ومن صالح المسلمين بسبب ان الروم والغساسنه لم يتوقعوا من جيش صغير البداء بالهجوم ، وفي اليوم الثاني بادر المسلمين أيضا بالهجوم وكان من صالح المسلمين وقتل كثير من الروم وحلفائهم إلى اليوم السادس حيث بادر الروم بالهجوم وكان أصعب واقوى الايام وفيه استشهد زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن رواحه. واختار المسلمين خالد بن الوليد قائدا لهم.

اراد خالد بن الوليد ان ينسحب بدون خسائر وينجوا بنفسه. اعتمد خالد بن الوليد في خطته على الحرب النفسية حيث أمر عدد من الفرسان بأثارة الغبار خلف الجيش ، وتعلو اصواتهم بالتكبير والتهليل ، كذلك قام بتبديل الرايات بحيث جعل المقدمة مؤخرة والميسرة ميمنة ، وكان ذلك لكي يظن الروم ان مددا كبيرا وصل المسلمون من المدينة ، وهجم خالد بن الوليد على الروم وقاتل حتى وصلوا إلى خيمه قائد الروم ثم امر خالد بانسحب بالجيش بطريقة منظمة وشكوا ان خالد اراد بهم كمين ليصتاد الروم ولم يتبعوا خالد في انسحابه ، وادرك الروم انهم وقعوا في الخدعة ، ولكنهم لم يستطيعوا اللحاق بالمسلمين ، وعاد الجيش إلى المدينة المنورة.

ورد في "البداية والنهاية" لابن كثير:

"غزوة مؤتة وهي سرية زيد بن حارثة في نحو من ثلاثة آلاف إلى أرض البلقاء من أرض الشام‏.‏

قال محمد بن إسحاق بعد قصة عمرة القضية‏:‏ فأقام رسول الله صل الله عليه وسلم بالمدينة بقية ذي الحجة، وولى تلك الحجة المشركون والمحرم وصفراً وشهري ربيع، وبعث في جمادى الأولى بعثه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤتة‏.‏

فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير قال‏:‏ بعث رسول الله صل الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس‏)‏‏)‏

فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج وهم ثلاثة آلاف‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثني ربيعة بن عثمان، عن عمرو بن الحكم، عن أبيه قال‏:‏ جاء النعمان بن فنحص اليهودي فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏زيد بن حارثة أمير الناس فإن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة، فإن قتل عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلاً فليجعلوه عليهم‏)‏‏)‏‏.‏

فقال النعمان‏:‏ أبا القاسم إن كنت نبياً فلو سميت من سميت قليلاً أو كثيراً أصيبوا جميعاً، وإن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا سموا الرجل على القوم فقالوا إن أصيب فلان ففلان، فلو سموا مائة أصيبوا جميعاً، ثم جعل يقول لزيد‏:‏ اعهد فإنك لا ترجع أبداً إن كان محمد نبياً‏.‏

فقال زيد‏:‏ أشهد أنه نبي صادق بار‏.‏

رواه البيهقي‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله صل الله عليه وسلم وسلموا عليهم، فلما ودع عبد الله بن رواحة مع من ودع بكى، فقالوا‏:‏ ما يبكيك يا ابن رواحة ‏؟‏

فقال‏:‏ أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار‏:‏ ‏{‏وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 71‏]‏‏.‏

فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود‏.‏

فقال المسلمون‏:‏ صحبكم الله ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين‏.‏ ‏

فقال عبد الله بن رواحة‏:‏

لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرع تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي * أرشده الله من غاز وقد رشداً

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم إن القوم تهيئوا للخروج فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله صل الله عليه وسلم فودعه، ثم قال‏:‏

فثبت الله ما آتاك من حسن * تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا

إني تفرست فيك الخير نافلة * الله يعلم أني ثابت البصر

أنت الرسول فمن يحرم نوافله * والوجه منه فقد أزرى به القدر

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم خرج القوم وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم يشيعهم حتى إذا ودعهم وانصرف، قال عبد الله بن رواحة‏:‏

خلف السلام على امرئ ودعته * في النخل خير مشيع وخليل

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو خالد الأحمر، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى مؤتة فاستعمل زيداً، فإن قتل زيد فجعفر، فإن قتل جعفر فابن رواحة، فتخلف ابن رواحة، فجمع مع النبي صل الله عليه وسلم فرآه فقال له‏:‏ ‏(‏‏(‏ما خلفك ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ أجمع معك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لغدوة أو روحة خير من الدنيا وما فيها‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا أبو معاوية، ثنا الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال‏:‏ بعث رسول الله صل الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة‏.‏

قال‏:‏ فقدم أصحابه وقال‏:‏ أتخلف فأصلي مع رسول الله صل الله عليه وسلم الجمعة ثم ألحقهم‏.‏

قال‏:‏ فلما صلى رسول الله صل الله عليه وسلم رآه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما منعك أن تغدو مع أصحابك ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ أردت أن أصلي معك الجمعة ثم ألحقهم‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما أدركت غدوتهم‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا الحديث قد رواه الترمذي من حديث أبي معاوية، عن الحجاج - وهو ابن أرطأة - ثم علله الترمذي بما حكاه عن شعبة أنه قال‏:‏ لم يسمع الحكم عن مقسم إلا خمسة أحاديث وليس هذا منها‏.‏

قلت‏:‏ والحجاج بن أرطأة في روايته نظر، والله أعلم‏.‏

والمقصود من إيراد هذا الحديث أنه يقتضي أن خروج الأمراء إلى مؤتة كان في يوم جمعة، والله أعلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم مضوا حتى نزلوا معاناً من أرض الشام، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليه من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي مائة ألف منهم، عليهم رجل من بلي‏.‏

ثم أحد أراشة يقال له مالك بن رافلة‏.‏

وفي رواية يونس، عن ابن إسحاق‏:‏ فبلغهم أن هرقل نزل بمآب في مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة، فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا‏:‏ نكتب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له‏.‏

قال‏:‏ فشجع الناس عبد الله بن رواحة‏.‏

وقال‏:‏ يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة‏.‏

قال‏:‏ فقال الناس‏:‏ قد والله صدق ابن رواحة، فمضى الناس، فقال عبد الله بن رواحة في محبسهم ذلك‏:‏

جلبنا الخيل من أجأ وفرع * تعر من الحشيش لها العكوم

حذوناها من الصوان سبتاً * أزل كأن صفحته أديم

أقامت ليلتين على معان * فأعقب بعد فترتها جموم

فرحنا والجياد مسومات * تنفس في مناخرها سموم

فلا وأبي مآب لنأتينها * وإن كانت بها عرب وروم

فعبأنا أعنتها فجاءت * عوابس والغبار لها يريم

بذي لجب كأن البيض فيه * إذا برزت قوانسها النجوم

فراضية المعيشة طلقتها * أسنتنا فتنكح أو تئيم

قال ابن إسحاق‏:‏ فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم قال‏:‏ كنت يتيماً لعبد الله بن رواحة في حجره، فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله، فوالله إنه ليسير ليلتئذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه‏:‏

إذا أدنيتني وحملت رحلي * مسيرة أربع بعد الحساء

فشأنك أنعم وخلاك ذم * ولا أرجع إلى أهلي ورائي

وجاء المسلمون وغادروني * بأرض الشام مشتهي الشواء

وردك كل ذي نسب قريب * إلى الرحمن منقطع الإخاء

هنالك لا أبالي طلع بعل * ولا نخل أسافلها رواء

قال‏:‏ فلما سمعتهن منه بكيت، فخفقني بالدرة وقال‏:‏ ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل ‏؟‏

ثم قال عبد الله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز‏:‏

يا زيد زيد اليعملات الذبل * تطاول الليل هديت فانزل

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم مضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم، والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف، ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة‏.‏

فالتقى الناس عندها، فتعبى لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عذرة يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له عباية بن مالك‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثني ربيعة بن عثمان، عن المقبري، عن أبي هريرة قال‏:‏ شهدت مؤتة، فلما دنا منا المشركون رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب، فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أرقم‏:‏ يا أبا هريرة كأنك ترى جموعاً كثيرة ‏؟‏

قلت‏:‏ نعم ‏!‏

قال‏:‏ إنك لم تشهد بدراً معنا، إنا لم ننصر بالكثرة‏.‏

رواه البيهقي‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم التقى الناس فاقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صل الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم، ثم أخذها جعفر فقاتل القوم حتى قتل، فكان جعفر أول المسلمين عقر في الإسلام‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، حدثني أبي الذي أرضعني، وكان أحد بني مرة بن عوف، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال‏:‏ والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء، ثم عقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل وهو يقول‏:‏

يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارداً شرابها

والروم روم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها

عليَّ إن لاقيتها ضرابها*

وهذا الحديث قد رواه أبو داود من حديث أبي إسحاق ولم يذكر الشعر، وقد استدل من جواز قتل الحيوان خشية أن ينتفع به العدو، كما يقول أبو حنيفة في الإغنام إذا لم تتبع في السير، ويخشى من لحوق العدو وانتفاعهم بها أنها تذبح وتحرق ليحال بينهم وبين ذلك، والله أعلم‏.‏

قال السهيلي‏:‏ ولم ينكر أحد على جعفر، فدل على جوازه إلا إذا أمن أخذ العدو له، ولا يدخل ذلك في النهي عن قتل الحيوان عبثاً‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ وحدثني من أثق به من أهل العلم أن جعفر أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء‏.‏

ويقال‏:‏ إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه بنصفين‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد قال‏:‏ حدثني أبي الذي أرضعني وكان أحد بني مرة بن عوف قال‏:‏ فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ويقول‏:‏

أقسمت يا نفس لتنزلنه * لتنزلن أو لتكرهنه

إن أجلب الناس وشدوا الرنة * مالي أراك تكرهين الجنة

قد طال ما قد كنت مطمئنة * هل أنت إلا نطفة في شنة

وقال أيضاً‏:‏

يا نفس إن لا تقتلي تموتي * هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت * إن تفعلي فعلهما هديت

يريد صاحبيه زيداً وجعفراً، ثم نزل‏.‏

فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال‏:‏ شد بهذا صلبك فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده فانتهس منه نهسة، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال‏:‏ وأنت في الدنيا، ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه، ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه‏.‏

قال‏:‏ ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان فقال‏:‏ يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم‏.‏

قالوا‏:‏ أنت‏.‏

قال‏:‏ ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية دافع القوم وخاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه حتى انصرف بالناس‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ولما أصيب القوم قال رسول الله صل الله عليه وسلم - فيما بلغني -‏:‏ ‏(‏‏(‏أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً‏)‏‏)‏ ‏

قال‏:‏ ثم صمت رسول الله صل الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد رفعوا إليَّ في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه، فقلت عم هذا‏؟‏ فقيل لي‏:‏ مضيا وتردد عبد الله بن رواحة بعض التردد ثم مضى‏)‏‏)‏‏.‏

هكذا ذكر ابن إسحاق هذا منقطعاً‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ ثنا أحمد بن واقد، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس بن مالك‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبر‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله قد فتح الله عليهم‏)‏‏)‏‏.‏

تفرد به البخاري، ورواه في موضع آخر وقال فيه وهو على المنبر‏:‏ وما يسرهم أنهم عندنا‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا أحمد بن أبي بكير، ثنا مغيرة بن عبد الرحمن المخزومي - وليس بالحرامي - عن عبد الله بن سعيد، عن نافع، عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة‏)‏‏)‏‏.‏

قال عبد الله‏:‏ كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا في جسده بضعاً وتسعين من ضربة ورمية، تفرد به البخاري أيضاً‏.‏

وقال البخاري أيضاً‏:‏ حدثنا أحمد، ثنا ابن وهب، عن ابن عمرو، عن ابن أبي هلال - وهو سعيد بن أبي هلال الليثي - قالا‏:‏ وأخبرني نافع أن ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر بن أبي طالب يومئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره‏.‏

وهذا أيضاً من إفراد البخاري‏.‏

ووجه الجمع بين هذه الرواية والتي قبلها‏:‏ أن ابن عمر اطلع على هذا العدد وغيره اطلع على أكثر من ذلك، وأن هذه في قبله أصيبها قبل أن يقتل، فلما صرع إلى الأرض ضربوه أيضاً ضربات في ظهره، فعدَّ ابن عمر ما كان في قبله وهو في وجوه الأعداء قبل أن يقتل رضي الله عنه‏.‏

ومما يشهد لما ذكره ابن هشام من قطع يمينه وهي ممسكة اللواء، ثم شماله ما رواه البخاري‏:‏ ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا عمر بن علي، عن إسماعيل بن أبي خلاد، عن عامر قال‏:‏ كان ابن عمر إذا حيى ابن جعفر قال‏:‏ السلام عليك يا ابن ذي الجناحين‏.‏

ورواه أيضاً في ‏(‏المناقب‏)‏، والنسائي من حديث يزيد بن هارون، عن إسماعيل بن أبي خالد‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان بن إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ سمعت خالد بن الوليد يقول‏:‏ لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفحة يمانية‏.‏

ثم رواه عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن إسماعيل، حدثني قيس‏:‏ سمعت خالد بن الوليد يقول‏:‏ لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وصبرت في يدي صفحة يمانية‏.‏

انفرد به البخاري‏.‏

قال الحافظ أبو بكر البيهقي‏:‏ ثنا أبو نصر ابن قتادة، ثنا أبو عمرو مطر، ثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، ثنا سليمان بن حرب، ثنا الأسود، ثنا شيبان، عن خالد بن سمير قال‏:‏ قدم علينا عبد الله بن رباح الأنصاري، وكانت الأنصار تفقهه فغشيه فيمن غشيه فقال‏:‏ حدثنا أبو قتادة فارس رسول الله صل الله عليه وسلم قال‏:‏

بعث رسول الله صل الله عليه وسلم جيش الأمراء، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏عليكم زيد بن حارثة‏)‏‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فوثب جعفر وقال‏:‏ يا رسول الله ‏!‏ ما كنت أرهب أن تستعمل زيداً علي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏امض فإنك لا تدري أي ذلك خير‏)‏‏)‏‏.‏

فانطلقوا فلبثوا ما شاء الله، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فأمر فنودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس على رسول الله صل الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أخبركم عن جيشكم هذا، إنهم انطلقوا فلقوا العدو فقتل زيد شهيداً‏)‏‏)‏ فاستغفر له‏.‏

‏(‏‏(‏ثم أخذ اللواء جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيداً‏)‏‏)‏ - شهد له بالشهادة واستغفر له - ‏(‏‏(‏ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فأثبت قدميه حتى قتل شهيداً‏)‏‏)‏ فاستغفر له‏.‏

‏(‏‏(‏ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء هو أمر نفسه‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم إنه سيف من سيوفك، أنت تنصره‏)‏‏)‏ فمن يومئذ سمي خالد سيف الله‏.‏

ورواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك، عن الأسود بن شيبان به نحوه، وفيه زيادة حسنة‏:‏ وهو أنه عليه الصلاة والسلام لما اجتمع إليه الناس قال‏:‏ ‏(‏‏(‏باب خير باب خير‏)‏‏)‏ وذكر الحديث‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ حدثني عبد الجبار بن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال‏:‏ لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله صل الله عليه وسلم على المنبر، وكشف الله له ما بينه وبين الشام، فهو ينظر إلى معتركهم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أخذ الراية زيد بن حارثة فجاء الشيطان فحبب إليه الحياة وكره إليه الموت، وحبب إليه الدنيا فقال‏:‏ الآن استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تحبب إلى الدنيا، فمضى قدماً حتى استشهد‏)‏‏)‏‏.‏

فصلى عليه رسول الله صل الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏استغفروا له فقد دخل الجنة وهو شهيد‏)‏‏)‏‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال لما قتل زيد‏:‏ ‏(‏‏(‏أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة وكره إليه الموت، ومناه الدنيا فقال‏:‏ الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين يمنيني الدنيا‏)‏‏)‏‏.‏

ثم مضى قُدُماً حتى استشهد، فصلى عليه رسول الله صل الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏استغفروا لأخيكم فإنه شهيد، دخل الجنة وهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء في الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة، فاستشهد ثم دخل الجنة معترضاً‏)‏‏)‏‏.‏

فشق ذلك على الأنصار، فقيل‏:‏ يا رسول الله ما اعترضُهُ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لما أصابته الجراح نكل، فعاتب نفسه فتشجع، واستشهد ودخل الجنة فسري عن قومه‏)‏‏)‏‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وحدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل، عن أبيه قال‏:‏ لما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الآن حمي الوطيس‏)‏‏)‏‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فحدثني العطاف بن خالد قال‏:‏ لما قتل ابن رواحة مساءً، بات خالد بن الوليد فلما أصبح غدا، وقد جعل مقدمته ساقته، وساقته مقدمته، وميمنته ميسرته، و ميسرته ميمنته‏.‏

قال‏:‏ فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم، وقالوا‏:‏ قد جاءهم مدد، فرعبوا وانكشفوا منهزمين‏.‏

قال‏:‏ فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم‏.‏

وهذا يوافق ما ذكره موسى بن عقبة رحمه الله في ‏(‏مغازيه‏)‏ فإنه قال‏:‏ بعد عمرة الحديبية ثم صدر رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة، فمكث بها ستة أشهر، ثم إنه بعث جيشاً إلى مؤتة وأمر عليهم زيد بن حارثة، وقال‏:‏

‏(‏‏(‏إن أصيب فجعفر بن أبي طالب أميرهم، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة أميرهم‏)‏‏)‏‏.‏

فانطلقوا حتى إذا لقوا ابن أبي سبرة الغساني بمؤتة، وبها جموع من نصارى العرب والروم، بها تنوخ وبهراء، فأغلق ابن أبي سبرة دون المسلمين الحصن ثلاثة أيام، ثم التقوا على زرع أحمر، فاقتتلوا قتالاً شديداً‏.‏

فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقتل، ثم أخذه جعفر فقتل، ثم أخذه عبد الله بن رواحة فقتل، ثم اصطلح المسلمون بعد أمراء رسول الله صل الله عليه وسلم على خالد بن الوليد المخزومي، فهزم الله العدو وأظهر المسلمين‏.‏

قال‏:‏ وبعثهم رسول الله صل الله عليه وسلم في جمادى الأولى - يعني سنة ثمان -‏.‏

قال موسى بن عقبة‏:‏ وزعموا أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏مر علي جعفر في الملائكة يطير كما يطيرون وله جناحان‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وزعموا - والله أعلم - أن يعلى بن أمية قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر أهل مؤتة، فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن شئت فأخبرني، وإن شئت أخبرك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ أخبرني يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ فأخبرهم رسول الله صل الله عليه وسلم خبرهم كله ووصفه لهم‏.‏

فقال‏:‏ والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره، وإن أمرهم لكما ذكرت‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم‏)‏‏)‏‏.‏

فهذا السياق فيه فوائد كثيرة ليست عند ابن إسحاق، وفيه مخالفة لما ذكره ابن إسحاق من أن خالد إنما حاش بالقوم حتى تخلصوا من الروم وعرب النصارى فقط‏.‏

وموسى بن عقبة، والواقدي، مصرحان بأنهم هزموا جموع الروم والعرب الذين معهم، وهو ظاهر الحديث المتقدم عن أنس مرفوعاً‏.‏

ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه‏.‏

ورواه البخاري، وهذا هو الذي رجحه، ومال إليه الحافظ البيهقي بعد حكاية القولين، لما ذكر من الحديث‏.‏

قلت‏:‏ ويمكن الجمع بين قول ابن إسحاق، وبين قول الباقين، وهو أن خالد لما أخذ الراية حاش بالقوم المسلمين حتى خلصهم من أيدي الكافرين من الروم والمستعربة‏.‏

فلما أصبح وحوَّل الجيش ميمنة وميسرة، ومقدمة وساقة، كما ذكره الواقدي، توهم الروم أن ذلك عن مدد جاء إلى المسلمين، فلما حمل عليهم خالد هزموهم بإذن الله، والله أعلم‏.‏

وقد قال ابن إسحاق‏:‏ حدثني محمد بن جعفر، عن عروة قال‏:‏ لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صل الله عليه وسلم والمسلمون معه‏.‏

قال‏:‏ ولقيهم الصبيان يشتدون، ورسول الله صل الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر،‏)‏‏)‏ فأتي بعبد الله فأخذه فحمله بين يديه، فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون‏:‏ يا فرار فررتم في سبيل الله‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله عز وجل‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا مرسل من هذا الوجه، وفيه غرابة‏.‏

وعندي أن ابن إسحاق قد وهم في هذا السياق فظن أن هذا الجمهور الجيش، وإنما كان للذين فروا حين التقى الجمعان، وأما بقيتهم فلم يفروا بل نصروا، كما أخبر بذلك رسول الله صل الله عليه وسلم للمسلمين وهو على المنبر في قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه‏)‏‏)‏‏.‏

فما كان المسلمون ليمسونهم فراراً بعد ذلك، وإنما تلقوهم إكراماً وإعظاماً، وإنما كان التأنيب وحثي التراب للذين فروا وتركوهم هنالك، وقد كان فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسن، ثنا زهير، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ كنت في سرية من سرايا رسول الله صل الله عليه وسلم، فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص، فقلنا‏:‏ كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بالغضب‏؟‏

ثم قلنا‏:‏ لو دخلنا المدينة قتلنا، ثم قلنا‏:‏ لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صل الله عليه وسلم فإن كانت لنا توبة، وإلا ذهبنا‏.‏

فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من القوم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلنا نحن فرارون‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا بل أنتم الكرارون، أنا فئتكم، وأنا فئة المسلمين‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأتيناه حتى قبلنا يده‏.‏

ثم رواه غندر، عن شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن ابن عمر قال‏:‏ كنا في سرية ففررنا فأردنا أن نركب البحر، فأتينا رسول الله صل الله عليه وسلم فقلنا‏:‏ يا رسول الله نحن الفرارون، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا بل أنتم العكارون‏)‏‏)‏‏.‏ ‏

و رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من حديث يزيد بن أبي زياد‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ حسن لا نعرفه إلا من حديثه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا إسحاق بن عيسى، وأسود بن عامر، قالا‏:‏ حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عمر قال‏:‏ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فلما لقينا العدو انهزمنا في أول غادية، فقدمنا المدينة في نفر ليلاً، فاختفينا ثم قلنا‏:‏ لو خرجنا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم واعتذرنا إليه‏.‏

فخرجنا إليه ثم لقيناه، قلنا‏:‏ نحن الفرارون يا رسول الله، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل أنتم العكارون، وأنا فئتكم‏)‏‏)‏‏.‏

قال الأسود‏:‏ ‏(‏‏(‏وأنا فئة كل مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة‏:‏ مالي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صل الله عليه وسلم ومع المسلمين‏؟‏

قالت‏:‏ ما يستطيع أن يخرج، كلما خرج صاح به الناس‏:‏ يا فرار فررتم في سبيل الله، حتى قعد في بيته ما يخرج، وكان في غزاة مؤتة‏.‏

قلت‏:‏ لعل طائفة منهم فروا لما عاينوا كثرة جموع الروم - و كانوا على أكثر من أضعاف الأضعاف فإنهم كانوا ثلاثة آلاف، وكان العدو على ما ذكروه مائتي ألف، ومثل هذا يسوغ الفرار على ما قد تقرر‏.‏

فلما فر هؤلاء ثبت باقيهم وفتح الله عليهم، وتخلصوا من أيدي أولئك، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، كما ذكره الواقدي، وموسى بن عقبة من قبله‏.‏

ويؤيد ذلك ويشاكله بالصحة ما رواه الإمام أحمد‏:‏ حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال‏:‏

خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة من المسلمين في غزوة مؤتة، ووافقني مددي من اليمن، ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزوراً، فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرقة، ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل الرومي يغري بالمسلمين، وقعد له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي فعرقبه، فخر وعلاه فقتله، وحاز فرسه وسلاحه‏.‏

فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد يأخذ من السلب‏.‏

قال عوف‏:‏ فأتيته فقلت‏:‏ يا خالد أما علمت أن رسول الله صل الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ‏؟‏

قال‏:‏ بلى، ولكني استكثرته فقلت‏؟‏

فقلت‏:‏ لتردنه إليه أو لأعرفتكها عند رسول الله صل الله عليه وسلم، فأبى أن يرد عليه‏.‏

قال عوف‏:‏ فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا خالد رد عليه ما أخذت منه‏)‏‏)‏‏.‏

قال عوف‏:‏ فقلت‏:‏ دونك يا خالد ألم أف لك ‏؟‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏وما ذاك ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فأخبرته فغضب رسول الله صل الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا خالد لا ترد عليه، هل أنتم تاركوا أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدرة ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال الوليد‏:‏ سألت ثوراً عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن عوف بنحوه‏.‏

ورواه مسلم، وأبو داود من حديث جبير بن نفير، عن عوف بن مالك به نحوه، وهذا يقتضي أنهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم، وقتلوا من أمرائهم‏.‏

وقد تقدم فيما رواه البخاري‏:‏ أن خالداً رضي الله عنه قال‏:‏ اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وما ثبت في يدي إلا صفحة يمانية، وهذا يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلاً ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم، وهذا وحده دليل مستقل والله أعلم‏.‏

وهذا هو اختيار موسى بن عقبة، والواقدي، والبيهقي وحكاه ابن هشام عن الزهري‏.‏

قال البيهقي رحمه الله‏:‏ اختلف أهل المغازي في فرارهم وانحيازهم، فمنهم من ذهب إلى ذلك، ومنهم من زعم أن المسلمين ظهروا على المشركين، وأن المشركين انهزموا‏.‏

قال‏:‏ وحديث أنس بن مالك عن النبي صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ثم أخذها خالد ففتح الله عليه‏)‏‏)‏ يدل على ظهورهم عليهم، والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ وقد ذكر ابن إسحاق‏:‏ أن قطبة بن قتادة العذري - وكان رأس ميمنة المسلمين - حمل على مالك بن زافلة، ويقال‏:‏ رافلة وهو أمير أعراب النصارى فقتله، وقال‏:‏ يفتخر بذلك‏:‏

طعنت ابن رافلة بن الأراش * برمح مضى فيه ثم انحطم

ضربت على جيده ضربة * فمال كما مال غصن السلم

وسقنا نساء بني عمة * غداة رقوقين سوق النعم

وهذا يؤيد ما نحن فيه لأن من عادة أمير الجيش إذا قتل أن يفر أصحابه، ثم إنه صرح في شعره بأنهم سبوا من نسائهم، وهذا واضح فيما ذكرناه، والله أعلم‏.‏ ‏

وأما ابن إسحاق‏:‏ فإنه ذهب إلى أنه لم يكن إلا المخاشاة والتخلص من أيدي الروم، وسمى هذا نصراً وفتحاً أي باعتبار ما كانوا فيه من إحاطة العدو بهم، وتراكمهم وتكاثرهم وتكاثفهم عليهم، فكان مقتضى العادات أن يصطلحوا بالكلية، فلما تخلصوا منهم وانحازوا عنهم كان هذا غاية المرام في هذا المقام‏.‏

وهذا محتمل لكنه خلاف الظاهر من قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏‏(‏ففتح الله عليهم‏)‏‏)‏‏.‏

والمقصود أن ابن إسحاق يستدل على ما ذهب إليه فقال‏:‏ وقد قال فيما كان من أمر الناس وأمر خالد بن الوليد ومخاشاته بالناس، وانصرافه بهم قيس بن المحسر اليعمري يعتذر مما صنع يومئذ، وصنع الناس يقول‏:‏

فوالله لا تنفك نفسي تلومني * على موقفي والخيل قابعة قبل

وقفت بها لا مستجيزاً فنافذاً * ولا مانعاً من كل حم له القتل

على أنني آسيت نفسي بخالد * إلا خالد في القوم ليس له مثل

وجاشت إلي النفس من نحو جعفر * بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل

وضم إلينا حجزتيهم كليهما * مهاجرة لا مشركون ولا عذل

قال ابن إسحاق‏:‏ فبين قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره أن القوم جاحزوا وكرهوا الموت، وحقق انحياز خالد بمن معه‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ وأما الزهري فقال - فيما بلغنا عنه -‏:‏ أمر المسلمون عليهم خالد بن الوليد، ففتح الله عليهم، وكان عليهم حتى رجع إلى المدينة‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:14 am

غزوة حنين

غزوة حُنين (8 هجرية، 630 ميلادية) وقعة قامت بين المسلمين وقبيلتي هوازن وثقيف العربيتان (واللتان لازالتا تقيمان في الطائف واجزاء من مكة) في وادي حُنين بين مكة والطائف حيث انتصر المسلمون عليهم.

ورد في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

وحنين واد بينه وبين مكة ثلاث ليال وهي غزوة هوازن وذلك أن رسول الله صل الله عليه وسلم لما فتح مكة مشت أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى بعض وحشدوا وبغوا‏.‏

وجمع أمرهم مالك بن عوف النصري فأمرهم فجاءوا معهم بأموالهم ونسائهم وأمهاتهم حتى نزلوا بأوطاس وجعلت الأمداد تأتيهم وأخرجوا معهم دريد بن الصمة وهو أعمى ابن سبعين ومائة سنة يقاد وهو في شجار وهو مركب من أعواد يهيأ للنساء فقال‏:‏ بأي وادهم قالوا‏:‏ بأوطاس قال‏:‏ نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس - أي لين - ما لي أسمع رغاء الإبل ويعار الشاء قيل له‏:‏ ساق مالك بن عوف مع الناس الظعن والأموال فقال‏:‏ ما هذا يا مالك قال‏:‏ أردت أن أحفظ الناس - يعني أذمرهم من الحفيظة أن يقاتلوا عن أهاليهم وأموالهم فانقض به - أي صفق بيده - وقال‏:‏ راعي الضأن ماله وللحرب وقال‏:‏ أنت محل بقومك وفاضح عورتك - أي قد أبحت شرفهم - لو تركت الظعن في بلادهم والنعم في مراتعها ولقيت القوم بالرجال على متون الخيل والرجال بين أضعاف الخيل ومقدمة ذرية أما الخيل كان الرأي والذرية مقدمة الخيل‏.‏

فأجمع القوم السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم رسول الله صل الله عليه وسلم من مكة يوم السبت لست ليال خلون من شوال في اثني عشر ألفًا من المسلمين‏:‏ عشرة آلاف من المسلمين من أهل المدينة وألفان من المسلمين من أهل مكة‏.‏

فقال رجل‏:‏ لا نغلب اليوم من قلة‏.‏

وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من المشركين كثر منهم‏:‏ صفوان ابن أمية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه مائة درع بأداتها فانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال فبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر يأتونه بخبر ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد فدخل عسكرهم فطاف به وجاء بجبرهم فلما كان من الليل عمد مالك إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين فأوعز إليم أن يحملوا على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حملة واحدة وعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في السحر وصفهم صفوفًا ووضع الألوية والرايات في أصحابه فمع المهاجرين لواء حمله علي بن أبي طالب وراية يحملها سعد بن أبي وقاص وراية يحملها عمر بن الخطاب ولواء الخزرج يحمله حباب بن المنذر ولواء الأوس مع أسيد بن حضير وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء التي تسمى الدلدل ولبس درعين والمغفر والبيضة فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله قط من الكثرة وذلك في غبش الصبح وحملوا حملة واحدة فانهزم الناس فجعل رسول الله صل الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ يا أنصار الله وأنصار رسوله أنا عبد الله ورسوله ‏"‏‏.‏

ورجع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى العسكر وثاب إليه من انهزم وثبت معه يومئذ علي والفضل والعباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث وأبو بكر وعمر وأسامة بن زيد في ناس من أهل بيته وأصحابه‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا عبد الرزاق قال‏:‏ حدثنا معمر عن الزهري قال‏:‏ أخبرني كثير بن عباس بن عبد المطلب عن أبيه العباس قال‏:‏ شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا قال‏:‏ لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطب فلزمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه وهو على بغلة شهباء - وربما قال معمر‏:‏ بيضاء - أهداها له فروة بن نعامة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين وطفق رسول الله صل الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار‏.‏

قال العباس‏:‏ وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يا عباس ناد يا أصحاب السمرة ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وكنت رجلًا صيتًا فقلت بأعلى صوتي‏:‏ أين أصحاب السمرة قال‏:‏ فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البكر على أولادها‏.‏

فقالوا‏:‏ يا لبيك يا لبيك‏.‏

يا لبيك ووافاهم المسلمون فاقتتلوا هم والكفار فنادت الأنصار يقولون‏:‏ يا معشر الأنصار‏.‏

ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فنادوا‏:‏ يا بني الحارث بن الخزرج‏.‏

قال‏:‏ فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ هذا حين حمي الوطيس ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ثم أخذ رسول الله صل الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال‏:‏ ‏"‏ انهزموا ورب الكعبة انهزموا ورب الكعبة ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى قال‏:‏ فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صل الله عليه وسلم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلًا وأمرهم مدبرًا حتى هزمهم الله‏.‏

قال‏:‏ وكأني أنظر إلى النبي صل الله عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته‏.‏

قال أحمد‏:‏ وحدثنا عفان قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ أخبرنا يعلى بن عطاء عن عبد الله بن سيار عن أبي عبد الرحمن الفهري قال‏:‏ كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال شجرة فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي فانطلقت إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت‏:‏ السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته حان الرواح فقال‏:‏ ‏"‏ أجل يا بلال ‏"‏ فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر فقال‏:‏ لبيك وسعديك وأنا فداؤك فقال‏:‏ ‏"‏ أسرج لي فرسي ‏"‏ فأخرج سرجًا دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر شال‏:‏ فأسرج فركب وركبنا فصادفناهم عشيتنا وليلتنا فتشامت الخيلان فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏"‏ يا معشر المهاجرين أنا عبد الله ورسوله ‏"‏ قال‏:‏ ثم اقتحم رسول الله صل الله عليه وسلم عن فرسه فأخذ كفًا من تراب فأخبرني الذي كان أدق إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال‏:‏ ‏"‏ شاهت الوجوه ‏"‏ فهزمهم الله عز وجل‏.‏

قال يعلى بن عطاء‏:‏ فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا‏:‏ لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابًا وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الحديد‏.‏

قال أحمد‏:‏ وأخبرنا عارم حدثنا معتمر بن سليمان التميمي قال سمعت أبي يقول‏:‏ حدثنا السميط السدوسي عن أنس بن مالك قال‏:‏ لما فتحنا مكة غزونا حنينًا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت فصف الخيل ثم صفت المقاتلة ثم صفت النساء من وراء ذلك ثم صفت الغنم ثم صفت النعم قال‏:‏ ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد قال‏:‏ فجعلت خيولنا تلوذ خلف ظهورنا قال‏:‏ فلم تلبث أن انكشفت خيولنا وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس قال‏:‏ فنادى رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يا للمهاجرين يا للمهاجرين ‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏ يا للأنصار يا للأنصار ‏"‏‏.‏

قال أنس‏:‏ هذا حديث عمه قال‏:‏ قلنا‏:‏ لبيك يا رسول الله قال‏:‏ فتقدم رسول الله صل الله عليه وسلم فأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله قال‏:‏ فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة ثم رجعنا إلى مكة‏.‏

قال علماء السير‏:‏ لما انهزموا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل من قدر عليه منهم فحنق المسلمون عليهم فجعلوا يقتلونهم حتى قتلوا الذرية فنهى رسول الله صل الله عليه وسلم عن قتل الذرية وكان سيماء الملائكة يوم حنين عمائم حمر قد أسدلوها بين أكتافهم‏.‏

وعقد رسول الله صل الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري لواء ووجهه في طلبهم فمنهم من ذهب إلى الطائف ومنهم من ذهب إلى نخلة وقتل أبو عامر ممن لحق تسعة ثم قتل واستخلف أبو عامر أبا موسى الأشعري فقاتلهم‏.‏

وبعث رسول الله صل الله عليه وسلم خلف من سلك طريق نخلة قومًا فلقي منهم ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة فقال له‏:‏ ما تريد قال‏:‏ قتلك ثم ضربه ربيعة فلم يغن شيئًا فقال دريد‏:‏ بئسما سلحتك أمك خذ سيفي من مؤخر الرحل ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فإني كنت كذلك أقتل الرجال فإذا أتيت أمك فقل‏:‏ قتلت دريد بن الصمة فقتله‏.‏

وكان في تلك الغزوة أم سليم معها خنجر‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن مالك قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا أبو أسامة عن سليمان بن المضرة عن ثابت عن أنس قال‏:‏ جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سليم قال‏:‏ يا رسول الله ألم تر إلى أم سليم معها خنجر فقال لها رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ما تصنعين به يا أم سليم ‏"‏ قالت‏:‏ أردت إن دنا مني أحد منهم طعنته به‏.‏

ثم إن رسول الله صل الله عليه وسلم رحل فانتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة فأقام بها ثلاث عشرة ليلة فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلًا وأحرم بعمرة ودخل مكة وطاف وسعى وحلق رأسه ثم رجع إلى الجعرانة من ليله كبايت ثم انصرف يوم الخميس إلى المدينة‏.‏

وجاء وفد هوازن فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن عمرو‏:‏ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أمنن علينا فقام رجل منهم من بني سعد بن بكر بن هوازن - وبنو سعد هم الذين أرضعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقال له‏:‏ زهير بن صرد‏:‏ لو أنا سألنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ورجونا عطفه ثم أنشد يقول‏:‏ أمنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وندخر في أبيات أخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أيما أحب إليكم أبناؤكم ونساؤكم أم أموالكم ‏"‏ فقالوا‏:‏ نساؤنا وأبناؤنا فقال‏:‏ ‏"‏ أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فإذا أناصليت بالناس فقولوا‏:‏ إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا فإني سأعطيكم وأسأل لكم ‏"‏ فقاموا وقالوا فقال‏:‏ ‏"‏ أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ‏"‏ فقال المهاجرون‏:‏ ما كان لنا فهو لرسول الله وقال الأنصار كذلك وقال الأقرع بن حابس‏:‏ أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن‏:‏ أما أنا وبنو فزارة فلا وقال عباس بن مرداس‏:‏ أما أنا وبنو سليم فلا فقال بنو سليم‏:‏ ما كان لنا فهو لرسول الله فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من أمسك حقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول شيء نصيبه فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم ‏"‏‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد عن عبد الله بن جعفر وابن أبي ميسرة وغيرهم قالوا‏:‏ قدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد ما قسم الغنائم وفي الوفد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أبو برقان فقال يومئذ‏:‏ يا رسول إنما في هذه الحظائر من كان يكلأوك من عماتك وخالاتك وحواضنك قد حضناك في حجورنا وأرضعناك ثدينا ولقد رأيتك مرضعًا فما رأيت خيرًا منك ورأيتك فطيمًا فما رأيت فطيمًا خيرًا منك ورأيتك شابًا فما رأيت شابًا خيرًا منك وقد تكاملت فيك خلال الخير ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك فامنن علينا من الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون ‏"‏ وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم السبي وجرت فيه السهمان وقدم عليه أربعة عشر رجلًا من هوازن مسلمين وجاءوا بإسلام من وراءهم من قومهم وكان رأس القوم والمتكلم أبو صرد زهير بن صرد فقال يا رسول الله إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك يا رسول الله إنما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك ولو ملحنا للحارث بن شمر أو النعمان بن المنذر ثم نزلا منا مثل الذي نزلت به رجونا عطفهما علينا وأنت خير المكفولين فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن خير الحديث أصدقه وعندي من ترون من المسلمين فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ‏"‏ قالوا‏:‏ ما كنا نعدل بالأنساب شيئًا فرد علينا أبناءنا ونساءنا فقال‏:‏ ‏"‏ أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وأسأل لكم الناس فإذا صليت الظهر بالناس فقولوا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله وإني سأقول لكم ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأطلب لكم إلى الناس ‏"‏‏.‏

فلما صلى الظهر قاموا فتكلموا بما قال لهم فرد عليهم‏:‏ ‏"‏ ما كان لي ولبني عبد المطلب ‏"‏ ورد المهاجرون ورد الأنصار وسأل قبائل العرب فاتفقوا على قول واحد بتسليمهم برضاهم ودفع ما كان بأيديهم من السبي إلا قوم تمسكوا بما في أيديهم فأعطاهم رسول الله صل الله عليه وسلم إبلًا عوضًا عن ذلك‏.‏

قال علماء السير‏:‏ وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد هوازن عن مالك بن عوف فقالوا‏:‏ هو بالطائف فقال‏:‏ ‏"‏ إن أتاني مسلمًا رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل ‏"‏ فبلغه فأتى وأسلم فأعطاه رسول الله صل الله عليه وسلم واستعمله على قومه وعلى من أسلم من حول الطائف‏.‏

فلما فرغ رسول الله صل الله عليه وسلم ورد السبي ركب وتبعه الناس يقولون‏:‏ اقسم علينا الإبل والغنم حتى ألجأوه إلى شجرة فخطفت رداءه فقال‏:‏ ‏"‏ ردوا علي ردائي فوالله لو كان لي عدد شجر تهامة نعمًا لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلًا ولا جبانًا ‏"‏‏.‏

ثم أمر رسول الله صل الله عليه وسلم بالغنائم فجمعت فكان السبي ستة آلاف رأس‏.‏

وقال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد ذكرنا أنه رد ذلك وكانت الإبل أربعة وعشرين ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة فأعطى رسول الله صل الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من الإبل قال‏:‏ ابني يزيد قال‏:‏ ‏"‏ أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل ‏"‏ قال‏:‏ ابني معاوية قال‏:‏ ‏"‏ أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل ‏"‏ وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ثم سأله مائة أخرى فأعطاه أو أعطى النضر بن الحارث مائة من الإبل وكذلك أسيد بن حارثة والحارث بن هشام وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وقيس بن عدي وحويطب والأقرع بن حابس وعيينة ومالك بن عوف‏.‏

وأعطى العلاء بن حارثة خمسين بعيرًا وكذلك مخرمة بن نوفل وعثمان بن وهب وسعيد بن يربوع وهشام بن عمرو وذلك كله من الخمس وأعطى العباس بن مرداس أباعر فلم يرض وقال‏:‏ أتجعل نهبي ونهب الع نيد بين عيينة والأقرع والعنيد اسم فرسه فزاده حتى رضي‏.‏

وكانت هذه القسمة بالجعرانة وحينئذ تكلمت الأنصار وقالوا‏:‏ أما عند القتال فنحن وحينئذ قام ذو الخويصرة فقال‏:‏ أعدل فإنك لم تعدل‏.‏

روى جابر قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وهو يقسم الغنائم والتبر وهو في حجر بلال فقام رجل فقال‏:‏ اعدل يا محمد فإنك لم تعدل فقال عمر‏:‏ دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن هذا في أصحاب له وإن قال مؤلف الكتاب‏:‏ وهذا الرجل يعرف بذي الخويصرة‏.‏

ومن الحوادث بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي بالبحرين يدعوه إلى الإسلام إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الجعوانة بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي العبدي وهو بالبحرين يدعوه إلى الإسلام وكتب له كتابًا فكتب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم بإسلامه‏:‏ إني قد قرأت كتابك على أهل هجر فمنهم من أعجبه الإسلام ودخل فيه ومنهم من كرهه وما رضي يهود ومجوس فأحدث إلي في ذلك أمرك‏.‏

فكتب إليه رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية ‏"‏‏.‏

ورد في "الكامل في التاريخ " لابن الأثير:

وكانت في شوال وسببها أنه لما سمعت هوازن بما فتح الله على رسوله من مكة جمعها مالكبن عوف النصري من بني نصر بن معاوية بن بكر وكانوا مشفقين من أن يغزوهم رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ بعد فتح مكة وقالوا‏:‏ لا مانع لهمن غزونا والرأي أن نغزوه قبل أن يغزونا‏.‏

واجتمع إليه ثقيف يقودها قارب بن الأسود بن مسعود سيد الأحلاف وذو الخمار سبيع بن الحارث وأخوه الأحمر بن الحارث سيد بني مالك ولم يحضرها من قيس عيلان إلا نصر وجشم وسعد بن كر وناس من بني هلال ولم يحضرها كعب ولا كلاب وفي جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه وكان شيخًا مجربًا‏.‏

فلما أجمع مالك بن عوف المسير إلى رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ حط مع الناس أموالهم ونساءهم فلما نزلوا أوطاس جمع الناس وفيهم دريد بن الصمة فقال دريد‏:‏ بأي وادس أنتم فقالوا‏:‏ بأوطاس‏.‏

قال‏:‏ نعم مجال الخيل لا حزنٌ ضرسٌ ولا سهلٌ دهسٌ ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير قالوا‏:‏ ساق مالك مع الناس ذلك‏.‏

فقال‏:‏ يا مالك إن هذا يوم له ما بعده ما حملك على ما صنعت قال‏:‏ سقتهم مع الناس ليقاتل كل إنسان عن حريمه وماله‏.‏

قال دريد‏:‏ راعي ضأنٍ والله هل يرد المنهزم شيء إنها إن كانت لك لم ينفعل إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك‏.‏

وقال‏:‏ ما فعلت كعب وكلاب قالوا‏:‏ لم يشهدها أحد منهم‏.‏

قال‏:‏ غاب الجد والحد لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ووددت أنكم فعلتم ما فعلا‏.‏

ثم قال‏:‏ يا مالك ارفع من معك إلى عليا بلادهم ثم الق الصباء على الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك‏.‏

قال مالك‏:‏ والله لا أفعل ذلك إنك قد كبرت وكبر علمك والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكين على هذا السيف حتى يخرج من ظهري وكره أن يكون لدريد فيها ذكر‏.‏

فقال دريد‏:‏ هذا يوم لم أشهده لوم يفتني‏.‏

ثم قال مالك‏:‏ أيها الناس إذا رأيتم القوم فاكسروا جفون سيوفكم وشدوا عليهم شدة رجل واحد‏.‏

وبعث مالك عيونه ليأتوه بالخبر فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم فقال‏:‏ ما شأنكم قالوا‏:‏ رأينا رجالًا بيضًا على خيل بلق فوالله ما تماسكنا أن حل بنا ما ترى‏!‏ فلم ينهه ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد‏.‏

ولما بلغ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خبر هوازن أجمع المسير إليهم وبلغه أن عند صفوان بن أمية أدراعًا وسلاحًا فأرسل إليه رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ وهو يومئذ مشرك‏:‏ أعرنا سلاحك نلق فيه عدونا‏.‏

فقال له صفوان‏:‏ أغصبًا يا محمد فقال‏:‏ بل عاريةً مضمونةً نؤديها إليك‏.‏

قال‏:‏ ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يصلحها من السلاح‏.‏

ثم سار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه ألفان من مسلمة الفتح مع عشرة آلاف من أصحابه فكانوا اثني عشر ألفًا فلما رأى رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ كثرة من معه قال‏:‏ لن نغلب اليوم من قلة وذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 25‏]‏‏.‏ وقيل‏:‏ إنما قالها رجل من بكر‏.‏

واستعمل رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ على من بمكة عتاب بن أسيد‏.‏

قال جابر‏:‏ فلما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في وادٍ أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحدارًا في عماية الصبح وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي فكمنوا لنا في شعابه ومضايقه قد تهيأوا وأعدوا فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدت علينا شدة رجل واحد فانهزم الناس أجمعون لا يلوي أحد على أحد وانحاز رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات اليمين ثم قال‏:‏ أيها الناس هلموا إلي أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله قاله ثلاثًا ثم احتملت الإبل بعضها فعضًا إلا أنه قد بقي مع النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته منهم‏:‏ أبو بكر وعمر وعلي والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث وربيعة بن الحارث وأيمن ابن أم أيمن وأسامة بن زيد‏.‏

قال‏:‏ وكان رجل من هوازن على جلم أحمر بيده راية سوداء أمام الناس فإذا أدرك رجلًا طعنه ثم رفع رايته لمن وراءه فاتبعوه فحمل عليه علي فقتله‏.‏ولما انهزم الناس تكلم رجال من أهل مكة بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان بن حرب‏:‏ لا تنتهي هزيمتهم دون البحر والأزلام معه‏.‏

وقال كلدة بن النبل وهو أخو صفوان بن أمية لأمه وكان صفوان بن أمية يومئذ مشركًا‏:‏ الآن بطل السحر‏.‏

فقال له صفوان‏:‏ اسكت فض الله فاك فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن‏!‏ وقال شيبة بن عثمان‏:‏ اليوم أدرك ثأري من محمد وكان أبوه قتل بأحد قال‏:‏ فأدرت به لأقتله فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذلك‏.‏

وكان العباس مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ آخذًا بحكمة بغلته دلدل وهو عليها وكان العباس جسيمًا شديد الصوت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة‏!‏ ففعل فأجابوه‏:‏ لبيك لبيك‏!‏ فكان الرجل يريد أن يثني بعيره فلا يقدر فيأخذ سلاحه ثم ينزل عنه ويؤم الصوت فاجتمع على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مائة رجل فاستقبل بهم القوم وقاتلهم فلما رأى النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ شدة القتال قال‏:‏ أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب الآن حمي الوطيس وهو أول من قالها‏.‏

واقتتل الناس قتالًا شديدًا وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبغلته دلدل‏:‏ البدي دلدل فوضعت بطنها على الأرض فأخذ حفنة من تراب فرمى به في وجوههم فكانت الهزيمة فما رجع الناس إلا والأسارى في الحبال عند رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ وقيل‏:‏ بل أقبل شيء أسود من السماء مثل البجاد حتى سقط بين القوم فإذا نمل أسود مبثوث فكانت الهزيمة‏.‏

ولما انهزمت هوازن قتل من ثقيف وبني مالك سبعون رجلًا فأما الأحلاف من ثقيف فلم يقتل منهم غير رجلين لأنهم انهزموا سريعًا‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:15 am

تابع ...
غزوة حنين

وقصد بعض المشركين الطائف ومعهم مالك بن عوف واتبعت خيل رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ المشركين فقتلتهم فأدرك ربيعة بن رفيع السلمي دريد ابن الصمة ولم يعرفه لأنه كان في شجار لكبره وأناخ بعيره فإذا هو شيخ كبير فقال له دريد‏:‏ ماذا تريد قال‏:‏ أقتلك‏.‏

قال‏:‏ ومن أنت فانتسب له ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئًا‏.‏

فقال دريد‏:‏ بئس ما سلحتك أمك خذ سيفي فاضرب به ثم ارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فإني كذلك كنت أقتل الرجال وإذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب يوم قد منعت فيه نساءك‏.‏

فقتله‏.‏

فلما أخبر أمه قالت‏:‏ والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثًا‏.‏

وسالب أبو طلحة الأنصاري يوم حنين عشرين رجلًا وحده وقتلهم‏.‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَنْ قتل قتيلًا فله سلبه‏)‏‏.‏

وقتل أبو قتادة الأنصاري قتيلًا وأجهضه القتال عن أخذ سلبه فأخذه غيره فلما قال رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ ذلك قام أبو قتادة فقال‏:‏ قتلت قتيلًا وأخذ غيري سلبه‏.‏

فقال الذي أخذ السلب‏:‏ هو عندي فارضه مني يا رسول الله‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ لا والله لا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله تقاسمه فرد عليه السلب‏.‏

وكان لبعض ثقيف غلامٌ نصراني فقتل فبينما رجل من الأنصار يستلب قتلي ثقيف إذ كشف العبد فرآه أغزل فصرخ بأعلى صوته‏:‏ يا معشر العرب إن ثقيفًا لا تختتن‏.‏

فقال له المغيرة بن شعبة‏:‏ لا تقل هذا إنما هو غلامٌ نصراني وأراه قتلى ثقيف مختتنين‏.‏

ومر رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ في الطريق بامرأة مقتولة فقال‏:‏ من قتلها قالوا‏:‏ خالد بن الوليد‏.‏

فقال لبعض من معه‏:‏ أدرك خالدًا فقل له إن رسول الله ينهاك أن تقتل امرأة أو وليدًا أو عسيفًا‏.‏

والعسيف الأجير‏.‏

وكان بعض المشركين بأوطاس فأرسل إليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا عامر الأشعري عم أبي موسى فرمي أبو عامر بسهم قيل رماه سلمة بن دريد بن الصمة وقتل أبو موسى سلمة هذا بعمه أبي عامر وانهزم المشركون بأوطاس وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا فساقوا في السبي الشيماء ابنة الحارث بن عبد العزى فقالت لهم‏:‏ إني والله أخت صاحبكم من الرضاعة فلم يصدقوها حتى أتوا بها النبي صل الله عليه وسلم‏.‏

فقالت له‏:‏ إني أختك‏.‏

قال‏:‏ وما علامة ذلك قالت‏:‏ عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك‏.‏

فعرفها وبسط لها رداءه وأجلسها عليه خيرها فقال‏:‏ إن أحببت فعندي مكرمة محببة وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك‏.‏

قالت‏:‏ بل تمتعني وتردني إلى قومي ففعل‏.‏

وأمر رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ بالسبايا والأموال فجمعت إلى الجعرانة وجعل عليها بديل بن ورقاء الخزاعي‏.‏

واستشهد من المسلمين بحنين أيمن بن أم أيمن ويزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن عبد العزى وغيرهما‏.‏

ورد في "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

" وكان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر المسلمين وأمر هوزان ما حدثنا على بن نصر بن علي الجهضمي وعبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث- قال علي: حدثنا عبد الصمد، وقال عبد الوارث: حدثنا أبي- قال: حدثنا أبان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة، قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح نصف شهر، لم يزد على ذلك؛ حتى جاءت هوازن وثقيف، فنزلوا بحنين- وحنين واد إلى جنب ذي المجاز- وهم يومئذ عامدون يريدون قتال النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج رسول الله من المدينة، وهم يظنون أنه إنما يريدهم حيث خرج من المدينة، فلما أتاهم أنه قد نزل مكة، أقبلت هوازن عامدين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأقبلوا معهم بالنساء والصبيان والأموال- ورئيس هوازن يومئذ مالك بن عوف أحد بني نصر- وأقبلت معهم ثقيف؛ حتى نزلوا حنيناً يريدون النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما حدث النبي وهو بمكة أن قد نزلت هوازن وثقيف بحنين، يسوقهم مالك بن عوف أحد بني نصر- وهو رئيسهم يومئذ- عمد النبي صل الله عليه وسلم حتى قدم عليهم، فوافاهم بحنين، فهزمهم الله عز وجل، وكان فيها ما ذكر الله عز وجل في الكتاب؛ وكان الذي ساقوا من النساء والصبيان والماشية غنيمة غنمها الله عز وجل رسوله، فقسم أموالهم فيمن كان أسلم معه من قريش.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما سمعت هوازن برسول الله صل الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة؛ جمعها مالك بن عوف النصري؛ وأجتمعت إليه مع هوازن ثقيف كلها، فجمعت نصر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال؛ وهم قليل، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء، وغابت عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب؛ ولم يشهدها منهم أحد له إسم، وفي جشم دريد بن الصمة شيخ كبير؛ ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شيخاً كبيراً مجرباً؛ وفي ثقيف سيدان لهم في الأحلاف: قارب بن الأسود أبن مسعود، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث وأخوه الأحمر بن الحارث في بني هلال، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري.

فلما أجمع مالك المسير إلى رسول الله صل الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم؛ فلما نزل بأوطاس، إجتمع إليه الناس؛ وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به ؛ فلما نزل قال بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل! لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ؛ مالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، ويعار الشاء ، وبكاء الصغير! قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فقال: أين مالك؟ فقيل: هذا مالك، فدعى له، فقال: يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك؛ وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام؛ مالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، ويعار الشاء، وبكاء الصغير! قال: سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم، قال: ولم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم؛ قال: فأنقض به ثم قال: راعي ضأن والله! هل يرد المنهزم شيء! إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهد منهم أحد، قال: غاب الجد والحد؛ لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب؛ ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب؛ فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامر وعوف بن عامر؛ قال: ذانك الجذعان من بني عامر! لا ينفعان ولا يضران، يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة؛ بيضة هوازن، إلى نحور الخيل شيئاً، أرفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم؛ ثم ألق الصباء على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك. قال: والله لا أفعل، إنك قد كبرت وكبر علمك؛ والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري! وكره أن يكون لدريد فيها ذكر ورأى. قال دريد بن الصمة: هذا يوم لم أشهده؛ ولم يفتني:

يا ليتني فيها جذع               أخب فيها وأضع

أقود وطفاء الزمع                   كأنها شاة صـدع

وكان دريد رئيس بني جشم وسيدهم وأوسطهم؛ ولكن السن أدركته حتى فنى- وهو دريد بن الصمة بن بكر بن علقمة بن جداعة بن غزية أبن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن- ثم قال مالك للناس: إذا أنتم رأيتم القوم فأكسروا جفون سيوفكم، وشدوا شدة رجل واحد عليهم .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن أمية أبن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان؛ أنه حدث أن مالك بن عوف بعث عيوناً من رجاله لينظروا له، ويأتوه بخبر الناس؛ فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ويلكم! ما شأنكم؟ قالوا: رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق؛ فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى! فلم ينهه ذلك عن وجهه؛ أن مصى على ما يريد .

قال ابن إسحاق: ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن أبي حدرد الإسلمي، وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يأتيه بخبر منهم؛ ويعلم من علمهم. فأنطلق أبن أبي حدرد، فدخل فيهم، فأقام معهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم أمر مالك وأمر هوازن وما هم عليه. ثم أتى رسول الله، فأخبره الخبر؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب، فأخبره خبر أبن أبي حدرد، فقال: عمر: كذب! فقال أبن أبي حدرد: إن تكذبني فطالما كذبت بالحق يا عمر! فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله إلى ما يقول أبن أبي حدرد! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: قد كنت ضالاً فهداك الله يا عمر .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين، قال: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً وسلاحاً، فأرسل إليه، فقال: يا أبا أمية- وهو يومئذ مشرك: أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً. فقال له صفوان: أغصباً يا محمد! قال: بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك، قال: ليس بهذا بأس، فأعطاه مائة درع بما يصلحها من السلاح؛ فزعموا أن رسول الله صل الله عليه وسلم سأله أن يكفيه حملها ففعل .

قال أبو جعفر محمد بن علي: فمضت السنة أن العارية مضمونة مؤداة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله أبن أبي بكر، قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا أثنى عشر ألفاً، وأستعمل رسول الله صل الله عليه وسلم عتاب بن أسيد أبن العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة أميراً على من غاب عنه من الناس، ثم مضى على وجهه يريد لقاء هوازن .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه، قال: لما أستقبلنا وادي حنين، أنحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط، إنما ننحدر فيه أنحداراً- قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقوا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه، قد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا- فو الله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدت علينا شدة رجل واحد؛ وأنهزم الناس أجمعوا، فأنشمروا لا يلوي أحد على أحد؛ وأنحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، ثم قال: أين أيها الناس! هلم إلى! أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله! قال: فلا شيء، أحتملت الإبل بعضها بعضاً، فأنطلق الناس؛ إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. وممن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر، عمر، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وأبنه الفضل، وأبو سفيان بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وأيمن بن عبيد- وهو أيمن بن أم أيمن- وأسامة بن زيد بن حارثة. قال: ورجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل، أمام الناس وهوازن خلفه ، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه؛ فأتبعوه. ولما أنهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر؛ والأزلام معه في منانته؛ وصرخ كلدة بن الحنبل- وهو مع أخيه صفوان بن أمية بن خلف وكان أخاه لأمه، وصفوان يومئذ مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صل الله عليه وسلم- فقال: ألا بطل السحر اليوم! فقال له صفوان: أسكت فض الله فاك! فو الله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن! وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، أخوبني عبد الدار: قلت: اليوم أدرك ثأري- وكان أبوه قتل يوم أحد- اليوم أقتل محمداً. قال: فأردت رسول الله لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذلك، وعلمت أنه قد منع مني .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن كثير بن العباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، قال: إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء، قد شجرتها بها، قال: وكنت أمرأً جسيماً شديد الصوت، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى من الناس ما رأى : أين أيها الناس ! فلما رأى الناس لا يلوون على شيء قال: يا عباس، أصرخ: يا معشر الأنصار! يا أصحاب السمرة! فناديت: يا معشر الأنصار، يا معشر أصحاب السمرة! قال: فأجابوا: أن لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل منهم يريد ليثني بعيره؛ فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه ، ثم يقتحم عن بعيره فيخلى سبيله في الناس، ثم يؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى إذا أجتمع إليه منهم مائة رجل أستقبلوا الناس، فأقتتلوا، فكانت الدعوى أول ما كانت: يا للأنصار! ثم جعلت أخيراً: يا للخزرج! وكانوا صبراً عند الحرب؛ فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركابه، فنظر مجتلد القوم وهم يجتلدون، فقال: الآن حمى الوطيس ! حدثنا هارون بن إسحاق، قال: حدثنا مصعب بن المقدام، قال: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كان أبو سفيان بن الحارث يقود بالنبي صلى الله عليه وسلم بغلته يوم حنين، فلما غشى النبي صل الله عليه وسلم المشركون، نزل فجعل يرتجز، ويقول:

أنا النبـي لا كـذب              أنا أبن عبد المطلب

فما رئى من الناس أشد منه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عاصم أبن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله، قال: بينا ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع؛ إذ هوى له علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار؛ يريدانه، فيأتيه على من خلفه، فيضرب عرقوبي الجمل، فوقع على عجزه، ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فأنجعف عن رحله. قال: وأجتلد الناس، فو الله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأساري مكتفين؛ وقد ألتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان أبن الحارث بن عبد المطلب- وكان ممن صبر يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حسن الإسلام حين أسلم، وهو آخذ بثفر بغلته- فقال: من هذا؟ قال: أبن أمك يا رسول الله ! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألتفت، فرأى أم سليم بنت ملحان- وكانت مع زوجها أبي طلحة- حازمة وسطها ببرد لها؛ وإنها لحامل بعبد الله بن أبي طلحة، ومعها جمل أبي طلحة، وقد خشيت أن يعزها الجمل، فأدنت رأسه منها، فأدخلت يدها في خزامته مع الخطام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أم سليم! قالت: نعم؛ بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أقتل هؤلاء الذين يفرون عنك كما تقتل هؤلاء الذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: أو يكفي الله يا أم سليم! ومعها خنجر في يدها، فقال لها أبو طلحة: ما هذا معك يا أم سليم؟ قالت: خنجر أخذته معي؛ إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به . قال : يقول أبو طلحة: ألا تسمع ما تقول أم سليم يا رسول الله ! .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثني حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس أبن مالك، قال: لقد أستلب أبو طلحة يوم حنين عشرين رجلاً وحده هو قتلهم .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن أبيه، أنه حدث عن جبير بن مطعم، قال: لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود، أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم؛ فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي؛ فلم أشك أنها الملائكة، ولم يكن إلا هزيمة القوم .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: فلما أنهزمت هوازن أستحر القتل من ثقيف ببني مالك، فقتل منهم سبعون رجلاً تحت رايتهم، فيهم عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب؛ جد أبن أم حكم بنت أبي سفيان، وكانت رايتهم مع ذي الخمار، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله فقاتل بها حتى قتل .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، فال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عامر بن وهب بن الأسود بن مسعود، قال: لما بلغ رسول الله صل الله عليه وسلم قتل عثمان، قال: أبعده الله! فإنه كان يبغض قريشاً .

حدثنا علي بن سهل، قال: حدثنا مؤمل، عن عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين على بغلة بيضاء، يقال لها دلدل، فلما أنهزم المسلمون، قال النبي صلى الله عليه وسلم لبغلته: البدي دلدل! فوضعت بطنها على الأرض، فأخذ النبي صل الله عليه وسلم حفنة من تراب، فرمى بها في وجوههم، وقال: "حم لا ينصرون !" . فولى المشركون مدبرين، ما ضرب بسيف ولا طعن برمح ولا رمى بسهم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، قال: قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصراني أغرل . قال: فبينا رجل من الأنصار يستلب قتلي من ثقيف، إذ كشف العبد ليستلبه، فوجده أغرل، فصرخ بأعلى صوته: يعلم الله أن ثقيفاً غرل ما تختتن! قال المغيرة بن شعبة: فأخذت بيده، وخشيت أن تذهب عنا في العرب، فقلت: لا تقل ذلك فداك أبي وأمي! إنما هو غلام لنا نصراني، ثم جعلت أكشف له قتلانا فأقول: ألا تراهم مخنين! قال: وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود بن مسعود، فلما هزم الناس أسند رايته إلى شجرة، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف، فلم يقتل منهم إلا رجلان؛ رجل من بني غيرة يقال له وهب، وآخر من بني كنة يقال له: الجلاح، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح: قتل اليوم سيد شباب ثقيف؛ إلا ما كان من أبن هنيدة- وأبن هنيدة الحارث بن أوس .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ولما أنهزم المشركون أتوا الطائف، ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم نحو نخلة- ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف- فتبعت خيل رسول الله صل الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس، ولم تتبع من سلك الثنايا، فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن أمرئ القيس- وكان يقال له أبن لذعة وهي أمه، فغلبت على نسبة- دريد بن الصمة، فأخذ بخطام جمله؛ وهو يظن أنه أمرأة؛ وذلك أنه كان في شجار له، فإذا هو رجل، فأناخ به، وإذا هو بشيخ كبير؛ وإذا هو دريد بن الصمة، لا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ماذا تريد بي؟ قال: أقتلك، قال: ومن أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمى، ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئاً، فقال: بئسما سلحتك أمك! خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل في الشجار، ثم أضرب به وأرفع عن العظام، وأخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أقتل الرجال. ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة؛ فرب يوم والله قد منعت نساءك! فزعمت بنو سليم أن ربيعة قال: لما ضربته فوقع تكشف الثوب عنه، فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء ، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه، فقالت: والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً .

قال أبو جعفر: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس؛ فحدثني موسى بن عبد الرحمن الكندي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: لما قدم النبي صل الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقى دريد بن الصمة، فقتل دريداً، وهزم الله أصحابه.

قال أبو موسى: فبعثني مع أبي عامر، قال: فرمى أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهم فأثبته في ركبته، فأنتهيت إليه، فقلت: يا عم، من رماك؟ فأشار أبو عامر لأبي موسى، فقال: إن ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني! قال أبو موسى: فقصدت له فأعتمدته، فلحقته، فلما رآني ولي عني ذاهباً، فأتبعه، وجعلت أقول له: ألا تستحي! ألست عربياً! ألا تثبت! فكر، فالتقيت أنا وهو، فأختلفنا ضربتين، فضربته بالسيف، ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت: قد قتل الله صاحبك، قال: فأنزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء، فقال: يا بن أخي، أنطلق إلى رسول الله، فأفرئه منى السلام، وقل له إنه يقول لك: أستغفر لي.

قال: وأستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيراً. ثم إنه مات.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: يزعمون أن سلمة بن دريد، هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته، فقتله، فقال سلمة بن دريد في قتله أبا عامر:

إن تسألوا عني فإني سلمه             أبن سمادير لمن توسعه

أضرب بالسيف رءوس المسلمه وسمادير أم سلمة، فأنتهى إليها.

قال: وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة، فوقف في فوارس من قومه على ثنية من الطريق، وقال لأصحابه: قفوا حتى تمضي ضعفاؤكم وتلحق أخراكم؛ فوقف هنالك حتى مضى من كان لحق بهم من منهزمة الناس .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني بعض بني سعد بن بكر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ لخيله التي بعث: إن قدرتم على يجاد- رجل من بني سعد أبن بكر- فلا يفلتنكم؛ وكان بجاد قد أحدث حدثاً، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله، وساقوا أخته الشيماء بنت الحارث بن عبد الله بن عبد العزي، أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فعنفوا عليها في السياق معهم، فقالت للمسلمين: تعلمون والله أني لأخت صاحبكم من الرضاعة؛ فلم يصدقوها حتى أتوا بها رسول الله صل الله عليه وسلم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي، قال: لما أنتهى بالشيماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله، إني أختك، قال: وما علامة ذلك؟ قالت عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك. قال: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة، فبسط لها رداءه، ثم قال: ها هنا، فأجلسها عليه، وخيرها، وقال: إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أمتعك وترجعي إلى قومك، قالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها رسول الله صل الله عليه وسلم، وردها إلى قومها؛ فزعمت بنو سعد بن بكر أنه أعطاها غلاماً له يقال له مكحول، وجارية؛ فزوجت أحدهما الآخر، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية .

قال ابن إسحاق: أستشهد يوم حنين من قريش، ثم من بني هاشم: أيمن بن عبيد- وهو أبن أم أيمن، مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم- ومن بني أسد بن عبد العزى يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد- جمح به فرس له يقال له الجناح، فقتل- ومن الأنصار سراقة بن الحارث أبن عدي بن بلعجلان، ومن الأشعريين أبو عامر الأشعري. ثم جمعت إلى رسول الله سبايا حنين وأموالها؛ وكان على المغانم مسعود بن عمرو القاري، فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست بها حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: لما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها، وصنعوا الصنائع للقتال؛ ولم يشهد حنيناً ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة؛ كانا بجرش يتعلمان صنعة الدباب والضبور والمجانيق .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:17 am

فتح مكة

فتح مكة و يسمى أيضاُ الفتح الأعظم هو حدث تاريخي تم فيه فتح مدينة مكة على يد محمد بن عبد الله في 20 رمضان 8 هـ  بعد أن هاجر منها وكانت هجرته للمدينة نواة لتأسيس دولته والعمل على العودة لمكة مجددا.

لما كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف المسلمين دخل ، ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل ، دخلت قبيلة خزاعة في عهد الرسول ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، وقد كانت بين القبيلتين حروب وثارات قديمة ، فأراد بنو بكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم ، فأغاروا عليها ليلاً ، فاقتتلوا ، وأصابوا منهم ، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح والرجال ، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة ، وأخبر النبي بغدر قريش وحلفائها .

وأرادت قريش تفادي الأمر، فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين، ولكن دون جدوى؛ حيث أمر رسول الله المسلمين بالتهئ والاستعداد ، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة ، كما أمر بكتم الأمر عن قريش من أجل مباغتتها في دارها .

بعدها قام الرسول بتجهيز الجيش للخروج إلى مكة فحضرت جموع كبيرة من قبائل جهينة وبني غفار ومزينة واسد وقيس وبني سليم والأنصار والمهاجرين. وقد دعى الرسول الله قائلا: ‏اللّهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها.

وفي رمضان من السنة الثامنة للهجرة غادر الجيش الإسلامي المدينة إلى مكة، في عشرة آلاف من الصحابة بقيادة رسول الله بعد أن استخلف على المدينة أبو ذر الغفاري . وصلوا " مر الظهران " قريباً من مكة ، فنصبوا خيامهم ، وأشعلوا عشرة آلاف شعلة نار . فأضاء الوادي . ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبدالمطلب ، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً . وركب العباس بغلة رسول الله صل الله عليه وسلم البيضاء ، يبحث عن أحد يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله قبل أن يدخل مكة .

دخل رسول الله مكة من أعلاها وهو يقرأ قول القرآن : (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً )). أراد الرسول أن يري أبا سفيانٍ قوة المسلمين ، فحبسه عند مضيق الجبل. ومرت القبائل على راياتها، ثم مر رسول الله في كتيبته الخضراء. فقال أبو سفيان: ما لأحدٍ بهؤلاء من قبل ولا طاقة .

ثم رجع أبو سفيانٍ مسرعاً إلى مكة ، ونادى بأعلى صوته: " يا معشر قريش ، هذا محمدٌ قد جاءكم فيما لا قبل لكم به. فمن دخل داري فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن". فهرع الناس إلى دورهم وإلى المسجد. وأغلقوا الأبواب عليهم وهم ينظرون من شقوقها وثقوبها إلى جيش المسلمين، وقد دخل مرفوع الجباه. ودخل جيش المسلمين مكة في صباح يوم الجمعة الموافق عشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة .

دخل الجيش الإسلامي كل حسب موضعه ومهامه ، وانهزم من أراد المقاومة من قريش، ثم دخل رسول الله المسجد الحرام والصحابة معه، فأقبل إلى الحجر الأسود ، فاستلمه.

خاف الأنصار بعد الفتح من إقامة الرسول بمكة ، فقال لهم : ( معاذ الله ، المحيا محياكم ، والممات مماتكم).

بعد الطواف بالكعبة أمر بتحطيم الأصنام المصفوفة حولها و كان عددها ثلاثمائة وستون صنماً مثبتة بالرصاص ، فجعل يطعنها ويقول : { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً } الإسراء : 81 .

ورد في كتاب "فتوح البلدان" للبلاذري:

" قالوا: لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً عام الحديبية وكتب القضية على الهدنة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل، وأنه من أتى قريشا" من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم لم يردوه، ومن أتاه منهم ومن حلفائهم رده، قام من كان من كنانة فقالوا: ندخل في عهد قريش ومدتها، وقامت خزاعة فقالت: ندخل في عهد محمد وعقده. وقد كان بين عبد المطلب وخزاعة حلف قديم، فلذلك قال عمرو بن سالم بن حصيرة الخزاعي:

لا هم إني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

ثم إن رجلاً من خزاعة سمع رجلاً من كنانة ينشد هجاءً في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثب عليه فشجه، فهاج ذلك بينهم الشر والقتال، وأعانت قريش بني كنانة، وخرج منهم رجال معهم فبيتوا خزاعة، فكان ذلك مما نقضوا به العهد والقضية. وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو ابن سالم بن حصيرة الخزاعي يستنصر رسول الله صل الله عليه وسلم، فدعاه ذلك إلى غزو مكة.

وحدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة في حديث طويل قال: فهادنت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يأمن بعضهم بعضاً على الأغلال والأسلاب، أو قال إرسال، فمن قدم مكة حاجاً أو معتمراً أو مجتازاً إلى اليمن والطائف فهو آمن، ومن قدم المدينة. من المشركين عامداً إلى الشام والمشرق فهو آمن. قال: فأدخل رسول الله صل الله عليه وسلم في عهده بني كعب، وأدخلت قريش في عهدها حلفاءها من بنى كنانة.

وحدثنا عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة أن بني بكر من كنانة كانوا في صلح قريش، وكانت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتتلت بنو بكر وخزاعة بعرمة، فأمدت قريش بنى بكر بالسلاح وسقوهم ألماء وظللوهم. فقال: بعضهم لبعض: نكثتم العهد. فقالوا: ما نكثنا والله. ما قاتلنا، إنما مددناهم وسقيناهم وظللناهم. فقالوا لأني سفيان بن حرب: انطلق فأجد الحلف وأصلح بين الناس. فقدم أبو سفيان المدينة فلقي أبا بكر، فقال له: يا أبا بكر! أجد الحلف وأصلح بين الناس. فقال أبو بكر: الق عمر. فلقي عمر، فقال له: أجد الحلف وأصلح بين الناس. فقال عمر: قطع الله منه ما كان متصلاً وأبلى ما كان جديداً. فقال أبو سفيان: تالله ما رأيت شاهد عشيرة شراً منك. فانطلق إلى فاطمة فقالت: الق عليا. فلقيه فذكر له مثل ذلك، فقال علي: أنت شيخ قريش وسيدها فأجد الحلف وأصلح بين الناس. فضرب أبو سفيان يمينه على شماله وقال: قد جددت الحلف وأصلحت بين الناس. ثم انطلق حتى أتى مكة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أبا سفيان قد أقبل، وسيرجع راضياً بغير قضاء حاجة، فلما رجع إلى أهل مكة أخبرهم الخبر، فقالوا: تالله ما رأينا أحمق منك. ما جئتنا بحرب فنحذر ولا بسلم فنأمن. وجاءت خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوا ما أصابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد أمرت بإحدى القريتين مكة أو الطائف، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسير. فخرج في أصحابه وقال: اللهم اضرب على آذانهم فلا يسمعوا حتى نبغتهم بغتة. وأغذ المسير حتى نزل مر الظهران. وقد كانت قريش قالت لأبي سفيان: ارجع. فلما بلغ مر الظهران ورأى النيران والأخبية قال: ما شأن الناس كأنهم أهل عشية عرفة؟ وغشيته خيول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوه أسيراً. فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء عمر فأراد قتله فمنعه العباس، وأسلم فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما كان عند صلاة الصبح تحشحش الناس وضوءاً للصلاة. فقال أبو سفيان للعباس بن عبد المطلب: ما شأنهم يريدون قتلى؟ قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة. فلما دخلوا في صلاتهم رآهم إذا ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعوا وإذا سجد سجدوا. فقال: تالله ما رأيت كاليوم طواعية قوم جاؤا من هاهنا وهانا ، ولا فارس الكرام ولا الروم ذات القرون. فقال العباس: يا رسول الله ابعثني إلى أهل مكة ادعهم إلى الإسلام. فلما بعثه أرسل في أثره وقال: ردوا على عمي لا يقتله المشركون. فأبى أن يرجع حتى أتى مكة. فقال: أي قوم! أسلموا تسلموا. أتيتم أتيتم، واستبطنتم بأشهب بأزل. هذا خالد بأسف مكة وهذا الزبير بأعلى مكة، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار وخزاعة. فقالت قريش: وما خزاعة الأنوف! حدثنا عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن قائل خزاعة قال للنبي صل الله عليه وسلم:

لا هم إني ناشدٌ محـمـدا

حلف أبينا وأبيه الأتـلـدا

فانصر هداك الله نصراً أبداً

وادع عباد الله يأتوا مـددا

قال حماد: فحدثني علي بن زيد.

عن عكرمة أن خزاعة نادوا للنبي صل الله عليه وسلم وهو يغتسل فقال: لبيكم.

وقال الواقدي وغيره: تسلح قوم من قريش يوم الفتح وقالوا: لا يدخلها محمد إلا عنوة، فقاتلهم خالد بن الوليد ، وكان أول من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول، فقتل أربعة وعشرين رجلاً من قريش وانهزم الباقون فاعتصموا برؤوس الجبال وتوقلوا فيها، واستشهد من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم يومئذ كرز بن جابر الفهري ، وخالد الاشعر الكعبي ،وقل هشام بن الكلبي: هو حبيش بن الاشعر الكعبي من خزاعة .

وحدثنا شيبان بت أبي شيبة الأبلى حدثنا سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت البستاني،عن عبد الله بن رباح قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في شهر رمضان، وكان بعضنا يصنع لبعض الطعام، وكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله، قال: فصنعت لهم طعاماً ودعوتهم ،فقال أبو هريرة: ألا أعللكم بحديث من حديثكم معشر الأنصار؟ ثم ذكر فتح مكة فقال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالد بن الوليد على الأخرى، وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر، فأخذوا بطن الوادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته، فرآني فقال: يا أبا هريرة! قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ناد الأنصار فلا يأت أنصاري، قال: فناديتهم، فطافوا به، وجمعت قريش أوباشها وأتباعها وقلوا: نقدم هؤلاء، فان أصابوا ظفراً كنا معهم وان أصيبوا أعطينا الذي يسأل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون أوباش قريش؟ قالوا: نعم، بإحدى يديه على الأخرى يشير أن اقتلوهم، ثم قال: وافوني بالصفا، قال: فانطلقنا، فما يشاء أحد أن يقتل أحداً إلا قتله، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله! أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن اغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، فقال بعض الأنصار لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، وكان إذا جاءه لم يخف علينا، فقال: يا معشر الأنصار قلتم كذا وكذا، قلوا: قد كان ذلك يا رسول الله، قال: كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم، فجعلوا يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا للضن برسول الله صل الله عليه وسلم.

قال: وأقبل الناس إلى دار أبي سفيان وأغلقوا أبوابها ووضعوا سلاحهم واقبل رسول الله صل الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، واتى على صنم كان إلى جنب الكعبة وفي يده قوس قد أخذ بسيتها فجعل يطعن في عين الصنم ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" قال: فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلاه، حتى نظر إلى البيت، ثم رفع يده يحمد الله ويدعو.

حدثنا محمد بن الصباح قال: أخبرنا هشيم عن حضين، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: لا يجهزن على جريح، ولا يتبعن مدبر ولا يقتلن أسير ومن أغلق بابه فهو آمن، قال الواقدي: كانت غزوة الفتح في شهر رمضان سنة ثمان، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة إلى الفطر، ثم توجه لغزوة حنين. وولى مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وأمر رسول الله صل الله عليه وسلم بهدم الأصنام ومحو الصور التي كانت في الكعبة، وقال: ابن خطل ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة. فقتله أبو برزة الأسلمي.

قال أبو اليقظان: واسم ابن خطل قيس، وقتله أبو شرياب الأنصاري، وكانت لابن خطل قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صل الله عليه وسلم، فقتلت إحداهما وبقيت الأخرى حتى كسرت لها ضلع أيام عثمان فماتت.

وقتل نميلة بن عبد الله الكناني مقيس بن ضبابة الكناني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر من وجده أن يقتله. وذلك لأن أخاه هاشم ابن ضبابة بن خزن أسلم وشهد غزوة المريسيع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتله رجل من الأنصار خطأ وهو يظنه مشركا. فقدم مقيس على رسول الله صل الله عليه وسلم فقضى له بالدية على عاقلة القاتل فأخذا، وأسلم، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله وهرب مرتداً وقال:

شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا

يضرج ثوبـيه دمـاء الأخـداع

ثأرت به قهراً وحملت عـقـلـه

سراة بني النجار أربـاب فـارع

حللت به وترى وأدركت ثؤرتـي

وكنت عن الإسـلام أول راجـع

وقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحويرث بن نقيذ بن بحير بن عبد ابن قصي، وكان النبي صل الله عليه وسلم أمر أن يقتله من وجده.

وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الرازق عن معمر،عن الكلبي قال: جاءت قينة لهلال بن عبد الله، وهو ابن خطل الأدرمي من بني تيم، إلى النبي صلى الله عليه وسلم متنكرة، فأسلمت وبايعت وهو لا يعرفها، فلم يعرض لها. وقتلت قينة له أخرى، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صل الله عليه وسلم.

قال: وأسلم ابن الزبعري السهمي قبل أن يقدر عليه. ومدح رسول الله صل الله عليه وسلم. وكان قد أباح دمه يوم الفتح ولم يعرض له.

حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن القاسم بن ربيعة أن رسول الله صل الله عليه وسلم خطب يوم مكة فقال: الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر جنده، وهزم الأحزاب وحده، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية وكل دمٍ ودعوى موضوعةٌ تحت قدمي، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج.

وحدثنا خلف الزار حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أشياخة قالوا: لما كان يوم فتح مكة قال النبي صل الله عليه وسلم لقريش: ما تظنون؟ قالوا: نظن خيراً ونقول خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت. قال: فلإني أقول كما قال أخي يوسف عليه السلام "لاتثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" ألا كل دين ومال ومأثرةٍ كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج.

حدثنا شيبان قال: حدثنا جرير بن حازم قال: حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته: ألا إن مكة حرام ما بين أخشبيها، لم يحل لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار. لا يختلى خلاها، ولا تعضد عضاهها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا أن يعرف أو يعرف. فقال العباس رحمه الله: إلا الأذخر، فلإنه لصاغتنا وقيوننا وطهور بيوتنا، فقال صل الله عليه وسلم: إلا الأذخر.

حدثنا يوسف بن موسى القطان قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد، عن ابن عباس أن النبي صل الله عليه وسلم قال: لا يختلى خلى مكة ولا بعضد شجرها. فقال العباس: إلا الأذخر، فلإنه للقيون وطهور البيوت. فرخص في ذلك.

حدثنا شيبان قال: حدثنا أبو هلال الراسي، عن الحسن قال: أراد عمر أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه في سبيل الله. فقال له أبي بن كعب الأنصاري: يا أمير المؤمنين! قد سبقك صاحباك، ولو كان هذا فضلاً لفعلاه.

وحدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مجاهد قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: مكة حرام، لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها.

حدثنا محمد بن حاتم المروزي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أبيه، عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله. ابن لك بناء يظلك من الشمس بمكة فقال: إنما هي مناخ من سبق.

حدثنا خلف بن هشام الزار، حدثنا أسماعي، عن ابن جريج قال: قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز ينهى عن كراء بيوت مكة.

حدثنا أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن اسرائيل عن نوثر عن محاهد، عن ابن عمر قال: الحرم كله مسجد.

حدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير مكة أن لا تدع أهل مكة يأخذون على بيوت مكة أجراً فإنه لا يحل لهم.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن سابط في قوله "سواءً العاكف فيه والباد" قال: البادي من يخرج من الحجاج والمعتمرين، هم سواء في المنازل ينزلوا حيث شاؤا غير أن لا يخرج أحد من بيته.

حدثنا عثمان قال: حدثنا جرير عن منصور، عن مجاهد في هذه الآية قال: أهل مكة وغيرهم في المنازل سواء.

وحدثنا عثمان وعمرو قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور، عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال لأهل مكة: لا تتخذوا لدوركم أبواباً لينزل البادي حيث شاء.

وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وبكر بن الهيثم قالا: حدثنا يحيى بن ضريس الرازي عن سفيان، عن أبي حصين قال: قلت لسعيد بن جبير وهو بمكة: إني أريد أن أعتكف. فقال: أنت عاكف. ثم قرأ "سواءً العاكف فيه والباد".

حدثنا عثمان قال: حدثنا حفص بن غياث عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير في قوله "سواءً العاكف فيه والباد" قال: خلق الله فيه سواءٌ: أهل مكة وغيرها.

وحدثني محمد بن سعد،عن الواقدي قال: كان يتخاصم إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في أجور الدور بمكة، فيقضى بها على من اكتراها. وهو قول مالك وابن أبي ذئب.

قال: وقال ربيعة وأبو الزناد: لا بأس بأكل كراء بيوت مكة وبيع رباعها.

وقال الواقدي: رأيت ابن أبي ذئب يأتيه كراء داره بمكة بين الصفا والمروة.

وقال الليث بن سعد: ما كان من دار فأجرها طيب لصاحبها، فأما القاعات والسكك والأفنية والخرابات، فمن سبق نزل ذلك بغير كراء.

وأخبرني أبو عبد الرحمن الأودي عن الشافعي بمثل ذلك.

وقال سفيان بن سعيد الثوري: كراء بيوت مكة حرام. وكان يشدد في ذلك. وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى وأبو حنيفة: إن كراها في ليالي الحج، فالكرآء باطلٌ، وإن كان في غير ليالي الحج وكان المكتري مجاوراً أو غير ذلك فلا بأس.

وقال بعض أصحاب أبي يوسف: كراؤها حل طلق، وإنما يستوي العاكف والبادي في الطواف بالبيت.

حدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن الحسن ابن صالح عن العلاء بن المسيب، عن عبد الرحمن بن الأسود أنه كان لا يرى ببقل مكة، ولا بالزرع الذي يزرع فيها، ولا شيء مما أنبته الناس بها من شجر أو نخل، بأساً أن تقطعه وتأكله وتصنع فيه ما شئت. قال: وإنما كره ما أنبتت الأرض بمكة من شجر وغيره مما لم يعمله الناس إلا الإذخر.

قال الحسن بن صالح: رخص في الشجر البالي الذي قد يبس وتكسر.

وقال: محمد بن عمر الواقدي: قال مالك وابن أبي ذئب: في محرم أو حلال قطع شجر من الحرم أنه قد أساء، فإن كان جاهلاً علم ولا شيء عليه، وإن كان عالماً خالعاً عوقب ولا قيمة عليه، ومن قطع من ذلك شيئاً فلا بأس أن ينتفع به.

قال: وقال سفيان الثوري وأبو يوسف: عليه في الشجرة لقطعها قيمة ولا ينتفع بذلك. وهو قول أبي حنيفة.

وقال سفيان بن سعيد وأبو حنيفة وأبو يوسف: كل شيء مما لا ينبته الناس فعلى قاطعة قيمة.

وقال الواقدي: سألت الثوري وأبا يوسف عن رجل أنبت في الحرم مالا ينبته الناس فقام عليه حتى نبت له، أله أن يقطعه؟ قالا: نعم. قلت: فإن نبتت في بستانه شجرة مما لا ينبت الناس من غير أن يكون أنبتها؟ قالا: يصنع بها ما شاء.

وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي قال: روى لنا أن ابن عمر كان يأكل بمكة بقلاً زرع في الحرم.

وحدثني محمد بن سعد قال: حدثني الواقدي عن معاذ بن محمد قال: رأيت على مائدة الزهري بقلاً من الحرم.

قال أبو حنيفة: لايرعى الرجل المحرم بعيره في الحرم، ولا يحتش له. وهو قول زفر.

وقال مالك وابن أبي ذئب وسفيان وأبو يوسف وابن أبي سبرة: لابأس بالرعي، ولا يحتش.

وقال ابن أبي ليلى: لا بأس بأن يحتش.

وحدثني عفان والعباس بن الوليد الترسي قال: حدثنا عبد الواحد ابن زياد قال: حدثنا ليث قال: كان عطاء لايرى بأساً ببقل الحرم وما زرع فيه، وبالقضيب والسواك.

قال: وكان مجاهد يكرهه.

قال: ولم يكن للمسجد الحرام على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم وأبي بكر جدار يحيط به، فلما استخلف عمر بن الخطاب وكثر الناس وسع المسجد، واشترى دوراً فهدمها وزاردها فيه. وهدم على قومٍ من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد. واتخذ للمسجد جداراً قصيراً دون القامة، فكانت المسابيح توضع عليه. فلما استخلف عثمان بن عفان ابتاع منازل وسع المسجد بها، وأخذ منازل أقوام ووضع لهم الأثمان، فضجوا به عند البيت فقال: إنما جرأكم على حلمى عنكم ولينى لكم. لقد فعل بكم عمر مثل هذا فأررتم ورضيتم. ثم أمر بهم إلى الحبس، حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد ابن أسيد بن أبي العيص فحلى سبيلهم.

ويقال إن عثمان أول من اتخذ للمسجد الأروقة واتخذها حين وسعه.

قالوا: وكان باب الكعبة على عهد إبراهيم عليه السلام وجرهم والعماليق بالأرض، حتى بنته قريش. فقال أبو حذيفة بن المغيرة: ياقوم! ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل إلا بسلم، فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فسقط فكان نكالاً لمن ورائه. فعملت قرش بذلك. قال: ولما تحصن عبد الله بن الزبير بن العوام في المسجد الحرام واستعاذ به، والحصين بن نمير السكوني إذ ذاك يقاتله في أهل الشام، أخذ ذات يوم رجل من أصحابه ناراً على ليفةٍ في رأس رمح، وكانت الريح عاصفاً، فطارت شرره فتعلقت بأستار الكعبة فأحرقتها، فتصدعت حيطانها واسودت، وضك في سنة أربع وستين، حتى إذا مات يزيد بن معاوية وانصرف الحصين ابن نمير إلى الشام أمر ابن الزبير بما في المسجد من الحجارة التي رمى بها فأخرج، ثم هدم الكعبة متصلاً بالحجر. وإنما التمس إعادتها إلى بناء إبراهيم عليه السلام على ما كانت عائشة أم المؤمنين أخبرته عن النبي صل الله عليه وسلم. وجعل على بابها صفائح الذهب، وجعل مفاتيحها من ذهب. فلما حاربه الحجاج ابن يوسف من قبل عبد الملك بن مروان وقتله، كتب إليه عبد الملك يأمره ببناء الكعبة والمسجد الحرام. وقد كانت الحجارة حلحلت الكعبة، فهدمها الحجاج وبناها، فردها إلى بناء قريش، وأخرج الحجر. فكان عبد الملك يقول بعد ذلك: وددت أني كنت حملت ابن الزبير من أمر الكعبة وبناءها ما تحمل.

قالوا: وكانت كسوة الكعبة في الجاهلية الأنطاع والمغافر. فكساها رسول الله صل الله عليه وسلم الثياب اليمانية، ثم كساها عمر وعثمان رضي الله عنهما القباطي، ثم كساها يزيد بن معاوية الدياج الخسواني، وكساها ابن الزبير والحجاج بعده الديباج، وكساها بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي كان أهل نجران يؤدونهت، وأخذوهم بتجويدها، وفوقها الديباج.

ثم إن الوليد بن عبد الملك وسع المسجد الخرام، وحمل إليه عمد تلحجارة والرخام والفيسفساء.

قال الواقدي: فلما كانت خلافة أمير المؤمنين المنصور رحمه الله زاد في المسجد وبناه، وذلك في سنة تسع وثلاثين ومئة.

وقال على بن محمد بن عبد الله المائني: ولى المهدي جعفر بن سليمان ابن على بن عبد الله بن العباس مكة والمدينة واليمامة. فوسع مسجدي مكة والمدينة وبناهما. وقد جدد أمير المؤمنين المتوكل على الله جعفر بن أبي اسحاق المعتصم بالله بن الرشيد هارون بن المهدي رضوان الله عليهم رخام الكعبة وأزرها بفضة، وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب، ولم يفعل ذلك أحد قبله، وكسا أساطينها الديباج.

ورد في "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

" حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: ثم أقام رسول الله صل الله عليه وسلم بالمدينة بعد بعثه إلى مؤتة، جمادى الآخرة ورجب.

ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة، وهم على ماء لهم بأسفل مكة؛ يقال له الوتير . وكان الذي هاج ما بين بني بكر وبني خزاعة رجل من بل حضرمي، يقال له مالك بن عباد- وحلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن- خرج تاجراً، فلما توسط أرض خزاعة عدواً عليه فقتلوه؛ وأخذوا ماله؛ فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزن الديلي؛ وهم منخر بني بكر وأشرلفهم: سلمى، وكلثوم، وذؤيب؛ فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم .

حدثنا ابن حميد؛ قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن رجل من بني الديل ، قال: كان بنو الأسود يودون في الجاهلية ديتين ديتين، ونودى ديةً ديةً لفضلهم فينا.

فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام، وتشاغل الناس به، فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش كان فيما شرطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرط لهم- كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم وغيره من علمائنا- أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه؛ فدخلت بنو بكر في عقد قريش، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صل الله عليه وسلم.

فلما كانت تلك الهدنة أغتنمتها بنو الدين، من بني بكر من خزاعة وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأراً بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رزن، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل- وهو يومئذ قائدهم؛ ليس كل بني بكر تابعه- حتى بيت خزاعة، وهم على الوتير؛ ماء لهم، فأصابوا منهم رجلاً وتحاوزوا وأقتتلوا؛ ورفدت قريش بني بكر بالسلاح؛ وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً؛ حتى حازوا خزاعة إلى الحرم. - قال الواقدي: كان ممن أعان من قريش بني بكر على خزاعة ليلتئذ بأنفسهم متنكرين صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو؛ مع غيرهم وعبيدهم- رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: فلما أنتهوا إليه قالت بنو بكر: يا نوفل، إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك؛ فقال: كلمة عظيمة إنه لا إله له اليوم! يا بني بكر أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم؛ أفلا تصيبون ثأركم فيه! وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلاً يقال له منبه، وكان منبه رجلاً مفئوداً خرج هو ورجل من قومه، يقال له تميم بن أسد- فقال له منبه: يا تميم، أنج بنفسك؛ فأما أنا فو الله إني لميت قتلوني أو تركوني؛ لقد أنبت فؤادي. فأنطلق تميم فأفلت، وأدركوا منبها فقتلوه- فلما دخلت خزاعة مكة لجئوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي، ودار مولى لهم يقال له رافع.

قال: فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة، وأصابوا منهم ما أصابوا، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما أستحلوا من خزاعة- وكانوا في عقده وعهده- خرج عمرو بن سالم الخزاعي، ثم أحد بني كعب؛ حتى قدم على رسول الله صل الله عليه وسلم المدينة؛ وكان ذلك مما هاج فتح مكة؛ فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس، فقال:

لا هم إني ناشـد مـحـمـدا                حلف أبينـا وأبـيه الأتـلـدا

فوالداً كـنـا وكـنـت ولـدا                     ثمت أسلمنا فلم نـنـزع يدا

فأنصر رسول الله نصراً أعتدا               وأدع عباد اللـه يأتـوا مـددا

فيهم رسول الله قد تـجـردا                 أبيض مثل البدر ينمي صعدا

إن سيم خسفاً وجهه تـربـدا               في فيلق كالبحر يجري مزبدا

إن قريشاً أخلفوك المـوعـدا                ونقضوا ميثاقك الـمـؤكـدا

وجعلوا لي في كداء رصـدا                وزعموا أن لست أدعو أحدا

وهـم أذل وأقـل عـــددا                     هم بيتونا بالوتـير هـجـدا

فقتلونا ركعاً وسجدا يقول: قد قتلونا وقد أسلمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك: قد نصرت يا عمرو بن سالم! ثم عرض لرسول الله صل الله عليه وسلم عنان من السماء، فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب.

ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله المدينة، فأخبروه بما أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم؛ ثم أنصرفوا راجعين إلى مكة. وقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم قال للناس: كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد، ويزيد في المدة.

ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه، فلقوا أبا سفيان بعسفان، قد بعثته قريش إلى رسول الله ليشدد العقد ويزيد في المدة؛ وقد رهبوا الذي صنعوا؛ فلما لقي أبو سفيان بديلاً، قال: من أين أقبلت يا بديل؟ وظن أنه قد أتى رسول الله، قال: سرت في خزاعة في الساحل وفي بطن هذا الوادي. قال: أو ما أتيت محمداً؟ قال: لا. قال: راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى؛ فعمد إلى مبرك ناقته ، فأخذ من بعرها ففته؛ فرأى فيه النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً.

ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؛ فدخل على أبنته أم حبيبة بنت أبي سفيان؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية؛ والله ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني! قالت: بل هو فراش رسول الله، وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله، قال: والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر. ثم خرج حتى أتى رسول الله صل الله عليه وسلم، فكلمه فلم يردد عليه شيئاً، ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله، فقال: ما أنا بفاعل. ثم أتى عمر بن الخطاب، فكلمه فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله! فو الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم. ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وعنده فاطمة أبنة رسول الله، وعندها الحسن بن علي؛ غلام يدب بين يديها، فقال: يا علي؛ إنك أمس القوم بي رحماً، وأقربهم مني قرابة، وقد جئت في حاجة؛ فلا أرجعن كما جئت خائباً، أشفع لنا إلى رسول الله! قال: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فألتفت إلى فاطمة، فقال: يا أبنة محمد هل لك أن تأمرى بنيك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر! قالت: والله ما بلغ بنيى ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير على رسول الله أحد. قال: يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد أشتدت علي فأنصحني. فقال له : والله ما أعلم شيئاً يغنى عنك شيئاً، ولكنك سيد بني كنانة؛ فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك. قال: أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً! قال: لا والله ما أظن؛ ولكن لا أجد لك غير ذلك؛ فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس؛ إني قد أجرت بين الناس؛ ثم ركب بعيرة فأنطلق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:18 am

تابع ....
فتح مكة

فلما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمداً فكلمته، فو الله ما رد على شيئاً، ثم جئت أبن أبي قحافة، فلم أجد عنده خيراً، ثم جئت أبن الخطاب؛ فوجدته أعدى القوم، ثم جئت على بن أبي طالب، فوجدته ألين القوم؛ وقد أشار علي بشيء صنعته؛ فو الله ما أدري هل يغنيني شيئاً أم لا! قالوا: وبماذا أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس ففعلت؛ قالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا، قالوا: ويلك! والله إن زاد على أن لعب بك، فما يغنى عنا ما قلت. قال: لا والله، ما وجدت غير ذلك، قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز؛ وأمر أهله أن يجهزوه؛ فدخل أبو بكر على أبنته عائشة وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صل الله عليه وسلم، فقال: أي بنية، أأمركم رسول الله بأن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجهز، قال: فأين ترينه يريد؟ قالت: والله ما أدري.

ثم إن رسول الله صل الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة؛ وأمرهم بالجد والتهيؤ ، وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها.

فتجهز الناس، فقال حسان بن ثابت الأنصاري يحرض الناس، ويذكر مصاب رجال خزاعة:

أتاني ولم أشهد ببطـحـاء مـكة                رجال بني كعب تحز رقابـهـا

بأيدي رجال لم يسلوا سيوفـهـم             وقتلي كثير لم تجـن ثـيابـهـا

ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي             سهيل بن عمرو حرها وعقابها !

وصفوان عوداً حز من شفراسته              فهذا أوان الحرب شد عصابهـا

فلا تأمننـا يا بـن أم مـجـالـد                   إذا أحتلبت صرفاً وأعصل نابها

فلا تجزعوا منها فإن سيوفـنـا                 لها وقعة بالموت يفتح بـابـهـا

وقول حسان: بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم يعني قريشاً. وأبن أم مجالد، يعني عكرمة بن أبي جهل .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا، قالوا: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش، يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله من الأمر في السير إليهم؛ ثم أعطاه أمرأة- يزعم محمد بن جعفر أنها من مزينة؛ وزعم غيره أنها سارة، مولاة لبعض بني عبد المطلب - وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً. فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب؛ فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، فقال: أدركا أمرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم؛ فخرجا حتى أدركاها بالحليفة، حليفة أبن أبي أحمد؛ فأستنزلاها، فالتمسا في رحلها، فلم يجدا شيئاً، فقال لها علي بن أبي طالب: إني أحلف ما كذب رسول الله ولا كذبنا؛ ولتخرجن إلى هذا الكتاب أو لنكشفنك؛ فلما رأت الجد منه، قالت: أعرض عني فأعرض عنها، فحلت قرون رأسها، فأستخرجت الكتاب منه ، فدفعته إليه، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله حاطباً؛ فقال: يا حاطب، ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكني كنت امرأً ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد، فصانعتهم عليهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر، لعل الله قد أطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر؛ فقال: أعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم! فأنزل الله عز وجل في حاطب: "يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" إلى قوله: "وإليك أنبنا" إلى آخر القصة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمى، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبن عباس، قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره؛ وأستخلف على المدينة أبارهم كلثوم بن حصين بن خلف الغفاري، وخرج لعشر مضين من شهر رمضان، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصام الناس معه؛ حتى إذا كان بالكديد ما بين عسفان وأمج، أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين، فسبعت سليم؛ وألفت مزينة وفي كل القبائل عدد وإسلام؛ وأوعب مع رسول الله المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف عنه منهم أحد، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقد عميت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله؛ ولا يدرون ما هو فاعل؛ فخرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يتحسسون الأخبار؛ هل يجدون خبراً أو يسمعون به ! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: وقد كان فيما حدثني محمد بن إسحاق، عن العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب؛ عن أبن عباس: وقد كان العباس بن عبد المطلب تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق ؛ وقد كان أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صل الله عليه وسلم بنيق العقاب؛ فيما بين مكة والمدينة، فألتمس الدخول على رسول الله، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله، أبن عمك وأبن عمتك وصهرك، قال: لا حاجة لي بهما، أما أبن عمتي فهتك عرضي؛ وأما أبن عمتي وصهري فهو الذي قال بمكة ما قال.

فلما خرج الخبر إليهما بذلك؛ ومع أبي سفيان بني له فقال: والله ليأذن لي أو لآخذن بيد بني هذا؛ ثم أتذهبن في الأرض؛ حتى نموت عطشاً وجوعاً. فلما بلغ ذلك رسول الله صل الله عليه وسلم رق لهما؛ ثم أذن لهما، فدخلا عليه؛ فأسلما وأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره مما كان مضى منه:

لعمري إني يوم أحـمـل رايةً                لتغلب خيل الات خيل محمـد

لكا لمدلج الخيران أظلم لـيلـه             فهذا أواني حين أهدى وأهتدى

وهاد هداني غير نفسي ونالنـي         مع الله من طردت كل مطرد

أصدو أنأي جاهداً عن محـمـد              وأدعى ولو لم أنتسب من محمد

هم ما هم من لم يقـل بـهـواهـم         وإن كـان ذا رأي يلـم ويفـنــد

أريد لأرضيهـم ولـسـت بـلائط               مع القوم ما لم أهد في كل مقعـد

فقل لثـقـيف لا أريد قـتـالـهـا               وقل لثقيف تلك غـيري أو عـدي

وما كنت في الجيش الذي نال عامراً   وما كان عن جري لساني ولا يدي

قبائل جـاءت مـن بـلاد بـعـيدة             نزائع جاءت من سهـام وسـردد

قال: فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ونالني مع الله من طردت كل مطرد؛ ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره، ثم قال: أنت طردتني كل مطرد ! وقال الواقدي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فقائل يقول: يريد قريشاً، وقائل يقول: يريد هوازن، وقائل يقول: يريد ثقيفاً؛ وبعث إلى القبائل فتخلفت عنه؛ ولم يعقد الألوية ولم ينشر الرايات حتى قدم قديداً، فلقيته بنو سليم على الخيل والسلاح التام؛ وقد كان عيينة لحق رسول الله بالعرج في نفر من أصحابه، ولحقه الأقرع بن حابس بالسقيا، فقال عيينة: يا رسول الله؛ والله ما أرى آلة الحرب ولا تهيئة الإحرام، فأين تتوجه يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حيث شاء الله. ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعمي عليهم الأخبار؛ فنزل رسول الله صل الله عليه وسلم مر الظهران، ولقيه العباس بالسقيا، ولقيه مخرمة بن نوفل بنيق العقاب.

فلما نزل مر الظهران خرج أبو سفيان بن حرب ومعه حكيم بن حزام.

فحدثنا أبو كريب، قال: أخبرنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة عن أبن عباس، قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، قال العباس بن عبد المطلب، وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة: يا صباح قريش ! والله لئن بغتها رسول الله في بلادها؛ فدخل مكة عنوة؛ إنه لهلاك قريش آخر الدهر! فجلس على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وقال: أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطاباً أو صاحب لبن؛ أو داخلاً يدخل مكة؛ فيخبرهم بمكان رسول الله؛ فيأتونه فيستأمنونه. فخرجت؛ فو الله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له؛ إذ سمعت صوت أبي سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، وقد خرجوا يتحسسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعت أبا سفيان وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم قط نيراناً! فقال بديل: هذه والله نيران خزاعة، حمشها الحرب! فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك وأذل! فعرفت صوته، فقلت يا أبا حنظلة! فقال: أبو الفضل! فقلت: نعم، فقال: لبيك فداك أبي وأمي! فما وراءك؟ فقلت: هذا رسول الله ورائي قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين. قال: فما تأمرني؟ فقلت: تركب عجز هذه البغلة، فأستأمن لك رسول الله؛ فو الله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فردفني فخرجت به أركض بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ونظروا إلى، قالوا: عم رسول الله على بغلة رسول الله؛ حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال أبو سفيان! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد! ثم أشتد نحو النبي صلى الله عليه وسلم، وركضت البغلة، وقد أردفت أبا سفيان؛ حتى أقتحمت على باب القبة، وسبقت عمر بما تسبق به الدابة البطيئة الرجل البطئ؛ فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان عدو الله؛ قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد؛ فدعني أضرب عنقه؛ فقلت: يا رسول الله، إني قد أجرته! ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه، فقلت: والله لا يناجيه اليوم أحد دوني! فلما أكثر فيه عمر، قلت: مهلاً يا عمر! فو الله ما تصنع هذا إلا لأنه رجل من بني عبد مناف؛ ولو كان من بني عدي أبن كعب ما قلت هذا. فقال: مهلاً يا عباس! فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم! وذلك لأني أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أذهب فقد آمناه حتى تغدو به على بالغداة . فرجع به إلى منزله؛ فلما أصبح غداً به على رسول الله صل الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله! فقال: بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً، فقال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله! فقال: بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! أما هذه ففي النفس منها شيء! فقال العباس: فقلت له ويلك! تشهد شهادة الحق قبل والله أن تضرب عنقك؛ قال: فتشهد.

قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس حين تشهد أبو سفيان: أنصرف يا عباس فأحبسه عند خطم الجبل بمضيق الوادي، حتى تمر عليه جنود الله، فقلت له: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فأجعل له شيئاً يكون في قومه. فقال: نعم؛ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن. فخرجت حتى حبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي؛ فمرت عليه القبائل، فيقول: من هؤلاء يا عباس؟ فأقول : سليم، فيقول: مالي ولسليم! فتمر به قبيلة، فيقول: من هؤلاء؟ فأقول: أسلم، فيقول: مالي ولأسلم! وتمر جهينة، فيقول: مالي ولجهينة! حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء ؛ كتيبة رسول الله صل الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار في الحديد؛ لا يرى منهم إلا الحدق، فقال: من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقلت: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار؛ فقال: يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك أبن أخيك عظيماً. فقلت: ويحك إنها النبوة! فقال: نعم إذاً، فقلت: الحق الآن بقومك فحذرهم؛ فخرج سريعاً حتى أتى مكة، فصرخ في المسجد: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به! قالوا: فمه! فقال: من دخل داري فهو آمن، فقالوا: ويحك! وما تغني عنا دارك! فقال: ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .

حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا، أبان العطار قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة، أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: أما بعد، فإنك كتبت إلى تسألني عن خالد بن الوليد: هل أغار يوم الفتح؟ وبأمر من أغار؟ وإنه كان من شأن خالد يوم الفتح أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ركب النبي بطن مر عامداً إلى مكة، وقد كانت قريش بعثوا أبا سفيان وحكيم بن حزام يتلقيان رسول الله صلى الله عليه وسلم! إليهم أو إلى الطائف! وذاك أيام الفتح؛ وأستتبع أبو سفيان وحكيم بن حزام بديل بن ورقاء، وأحبا أن يصحبهما، ولم يكن غير أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل؛ وقالوا لهم حين بعثوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نؤتين من ورائكم، فإنا لا ندري من يريد محمد! إيانا يريد، أو هوازن يريد، أو ثقيفاً! وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش صلح يوم الحديبية وعهد ومدة، فكانت بنو بكر في ذلك الصلح مع قريش، فأقتتلت طائفة من بني كعب وطائفة من بني بكر؛ وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش في ذلك الصلح الذي أصطلحوا عليه: لا إغلال ولا إسلال، فأعانت قريش بني بكر بالسلاح، فأتهمت بنو كعب قريشاً ، فمنها غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة؛ وفي غزوته تلك لقي أبا سفيان وحكيماً وبديلاً بمر الظهران؛ ولم يشعروا أن رسول الله صل الله عليه وسلم نزل مر، حتى طلعوا عليه، فلما رأوه بمر، دخل عليه أبو سفيان وبديل وحكيم بمنزله بمر الظهران فبايعوه ، فلما بايعوه بعثهم بين يديه إلى قريش، يدعوهم إلى الإسلام، فأخبرت أنه قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن- وهي بأعلى مكة- ومن دخل دار حكيم- وهي بأسفل مكة- فهو آمن، ومن أغلق بابه وكف يده فهو آمن.

وإنه لما خرج أبو سفيان وحكيم من عند النبي صلى الله عليه وسلم عامدين إلى مكة، بعث في أثرهما الزبير وأعطاه رايته، وأمره على خيل المهاجرين والأنصار وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون؛ وقال للزبير: لا تبرح حيث أمرتك أن تغرز رايتي حتى آتيك؛ ومن ثم دخل رسول الله صل الله عليه وسلم، وأمر خالد بن الوليد- فيمن كان أسلم من قضاعة وبني سليم وأناس، إنما أسلموا قبيل ذلك- أن يدخل من أسفل مكة، وبها بنو بكر قد أستنفرتهم قريش. وبنو الحارث بن عبد مناة ومن كان من الأحابيش أمرتهم قريش أن يكونوا بأسفل مكة، فدخل عليهم خالد بن الوليد من أسفل مكة.

وحدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخالد والزبير حين بعثهما: لا تقاتلا إلا من قاتلكما؛ فلما قدم خالد على بني بكر والأحابيش بأسفل مكة. قاتلهم فهزمهم الله عز وجل، ولم يكن بمكة قتال غير ذلك؛ غير أن كرز بن جابر أحد بني محارب بن فهو وأبن الأشعر- رجلاً من بني كعب- كانا في خيل الزبير فسلكا كداء، ولم يسلكا طريق الزبير الذي سلك، الذي أمر به . فقدما على كتيبة من قريش مهبط كداء فقتلا؛ ولم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال؛ ومن ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وقام الناس إليه يبايعونه؛ فأسلم أهل مكة، وأقام النبي صل الله عليه وسلم عندهم نصف شهر، لم يزد على ذلك، حتى جاءت هوزان وثقيف فنزلوا بحنين.

وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى، أمر الزبير أن يدخل في بعض الناس من كدى؛ وكان الزبير على المجنبة اليسري، فأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كداء. فزعم بعض أهل العلم أن سعداً قال حين وجه داخلاً: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمه. فسمعها رجل من المهاجرين، فقال: يا رسول الله، أسمع ما قال سعد بن عبادة، وما نأمن أن تكون له في قريش صولة ? فقال رسول الله صل الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: أدركه فخذ الراية، فكن أنت الذي تدخل بها .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح في حديثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالد بن الوليد، فدخل من الليط أسفل مكة، في بعض الناس؛ وكان خالد على المجنبة اليمنى، وفيها أسلم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب؛ وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل رسول صل الله عليه وسلم من أذاخر؛ حتى نزل بأعلى مكة، وضربت هنالك قبته .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح وعبد الله بن أبي بكر، أن صفوان بن أمية، وعكرمة أبن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وكانوا قد جمعوا أناساً بالخندمة ليقاتلوا؛ وقد كان حماس بن قيس بن خالد أخو بني بكر يعد سلاحاً قبل أن يدخل رسول الله صل الله عليه وسلم مكة ويصلح منها، فقالت له أمرأته: لماذا تعد ما رأى؟ قال: لمحمد وأصحابه، فقالت: والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء، قال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، فقال:

إن تقبلوا اليوم فمالي عله         هذا سلاح كامل وألـه

وذو غرارين سريع السلة ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل بن عمرو وعكرمة، فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ناوشوهم شيئاً من قتال، فقتل كرز أبن جابر بن حسل بن الأجب بن حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر، وحبيس بن خالد، وهو الأشر بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس أبن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو؛ حليف بني منقذ- وكانا في خيل خالد بن الوليد، فشذا عنه، وسلكا طريقاً غير طريقه، فقتلا جميعاً- قتل خنيس قبل كرز بن جابر؛ فجعله كرز بين رجليه؛ ثم قاتل حتى قتل وهو يرتجز، ويقول:

قد علمت صفراء من بني فهر             نقية الوجه نقـية الـصـدر

لأضربن اليوم عن أبي صخر وكان خنيس يكني بأبي صخر؛ وأصيب من جهينة سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد، وأصيب من المشركين أناس قريب من أثنى عشر أو ثلاثة عشر. ثم أنهزموا، فخرج حماس منهزماً؛ حتى دخل بيته، ثم قال لأمرأته: أغلقي علي بابي، قالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال:

إنك لو شهدت يوم الخنـدمـه                إذ فر صفوان وفر عكرمـه

وأبو يزيد قائم كالمـؤتـمـه                    وأستقبلتهم بالسيوف المسامه

يقطعن كل ساعد وجمجـمـه               ضرباً فلا تسمع إلا غمغمـه

لهم نهيت خلفنا وهمـهـمـه                لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة؛ ألا يقتلوا أحداً إلا من قاتلهم؛ إلا أنه قد عهد في نفر سماهم؛ أمر بقتلهم وإن وجودا تحت أستار الكعبة؛ منهم عبد الله بن سعد أبن أبي سرج بن حبيب بن جذيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر أبن لؤي- وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، لأنه كان قد أسلم فأرتد مشركاً، ففر إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة، فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أطمأن أهل مكة فأستأمن له رسول الله، فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صمت طويلاً، ثم قال: نعم؛ فلما أنصرف به عثمان، قال رسول الله لمن حوله من أصحابه: أما والله لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ؟ فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟! قال: إن النبي لا يقتل بالإشارة- وعبد الله بن خطل، رجل من بني تيم بن غالب- وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلماً، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً ، وبعث معه رجلاً من الأنصار؛ وكان معه مولي له يخدمه، وكان مسلماً، فنزل منزلاً، وأمر المولى أن يذبح له تيساً، ويصنع له طعاماً، ونام فأستيقظ ولم يصنع له شيئاً، فعدا عليه فقتله، ثم أرتد مشركاً؛ وكانت له قينتان: فرتني وأخرى معها، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بقتلهما معه- والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي، وكان ممن يؤذيه بمكة، ومقيس بن صبابة- وإنما أمر بقتله لقتله الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ، ورجوعه إلى قريش مرتداً- وعكرمة بن أبي جهل، وسارة مولاة كانت لبعض بني عبد المطلب؛ وكانت ممن يؤذيه بمكة. فأما عكرمة بن أبي جهل فهرب إلى اليمن؛ وأسلمت أمرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فأستأمنت له رسول الله فأمه؛ فخرجت في طلبه حتى أتت به رسول الله صل الله عليه وسلم، فكان عكرمة يحدث- فيما يذكرون- أن الذي رده إلى الإسلام بعد خروجه إلى اليمن أنه كان يقول: أردت ركوب البحر لألحق بالحبشة، فلما أتيت السفينة لأركبها قال صاحبها: يا عبد الله، لا تركب سفينتي حتى توحد الله، وتخلع ما دونه من الأنداد، فإني أخشى إن لم تفعل أن نهلك فيها، فقلت: وما يركبه أحد حتى يوحد الله ويخلع ما دونه! قال: نعم؛ لا يركبه أحد إلا أخلص. قال: فقلت: ففيم أفارق محمداً! فهذا الذي جاءنا به، فو الله إن إلهنا في البحر لألهنا في البر؛ فعرفت الإسلام عند ذلك، ودخل في قلبي. وأما عبد الله أبن خطل، فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي، أشتركا في دمه، وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبد الله؛ رجل من قومه، فقالت أخت مقيس:

لعمري لقد أخزي نميلة رهطه            وفجع أضياف الشتاء بمقـيس

فلله عيناً من رأى مثل مقـيس           إذا النفساء أصبحت لم تخرس !

وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما، وهربت الأخرى حتى أستؤمن لها رسول الله صل الله عليه وسلم بعد، فأمنها. وأما سارة، فأستؤمن لها فأمنها، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرساً له في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح، فقتلها. وأما الحويرث بن نقيذ، فقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

وقال الواقدي: أمر رسول الله صل الله عليه وسلم بقتل ستة نفر وأربع نسوة، فذكر من الرجال من سماه أبن إسحاق، ومن النساء هند بنت عتبة أبن ربيعة، فأسلمت وبايعت، وسارة مولاة عمرو بن هاشم بن عبد المطلب أبن عبد مناف، قتلت يومئذ، وقريبة؛ قتلت يومئذ، وفرتني عاشت إلى خلافة عثمان.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمر بن موسى أبن الوجيه، عن قتادة السدوسي؛ أن رسول الله صل الله عليه وسلم قام قائماً حين وقف على باب الكعبة، ثم قال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ألا كل مأثرة ، أو دم، أو مال يدعي؛ فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج. ألا وقتيل الخطإ مثل العمد؛ السوط والعصا، فيهما الدية مغلظة مائة من الإبل ، منها أربعون في بطونها أولادها.

يا معشر قريش؛ إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم؛ وآدم خلق من تراب. ثم تلا رسول الله صل الله عليه وسلم: "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" الآية.

يا معشر قريش، ويا أهل مكة؛ ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وأبن أخ كريم. ثم قال: أذهبوا فأنتم الطلقاء .

فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة، وكانوا له فيئاً ، فبذلك يسمى أهل مكة الطلقاء. ثم أجتمع الناس بمكة لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فجلس لهم- فيما بلغني- على الصفا وعمر بن الخطاب تحت رسول الله أسفل من مجلسه يأخذ على الناس. فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة لله ولرسوله- فيما أستطاعوا- وكذلك كانت بيعته لمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس على الإسلام. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال بايع النساء، وأجتمع إليه نساء من نساء قريش؛ فيهن هند بنت عتبة، متنقبة متنكرة لحدثها وما كان من صنيعها بحمزة ، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدثها ذلك، فلما دنون منه ليبايعنه قال، رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني-: تبايعنني على ألا تشركن بالله شيئاً! فقالت هند: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما تأخذه على الرجال وسنؤتيكه، قال: ولا تسرقن، قالت: والله إن كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة والهنة، وما أدري أكان ذلك حلالي أم لا! فقال أبو سفيان- وكان شاهداً لما تقول: أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإنك لهند بنت عتبة! فقالت: أنا هند بنت عتبة، فأعف عما سلف عفا الله عنك! قال: ولا تزنين، قالت: يا رسول الله، هل تزني الحرة! قال: ولا تقتلن أولادكن، قالت: قد ربيناهم صغاراً، وقتلتهم يوم بدر كباراً، فأنت وهم أعلم! فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى أستغرب . قال: ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، قالت: والله إن إتيان البهتان لقبيح؛ ولبعض التجاوز أمثل. قال: ولا تعصينني في معروف، قال: ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: بايعهن وأستغفر لهن رسول الله، فبايعهن عمر، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم لا يصافح النساء، ولا يمس أمرأة ولا تمسه إلا أمرأة أحلها الله له، أو ذات محرم منه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن أبان أبن صالح، أن بيعة النساء قد كانت على نحوين- فيما أخبره بعض أهل العلم- كان يوضع بين يدي رسول الله صل الله عليه وسلم إناء فيه ماء، فإذا أخذ عليهن وأعطينه غمس يده في الإناء، ثم أخرجها، فغمس النساء أيديهن فيه. ثم كان بعد ذلك يأخذ عليهن، فإذا أعطينه ما شرط عليهن، قال: أذهبن فقد بايعتكن، لا يزيد على ذلك.

قال الواقدي: فيها قتل خراش بن أمية الكعبي جنيدب بن الأدلع الهذلي- وقال أبن إسحاق: أبن الأثوع الهذلي- وإنما قتله بذحل، وكان في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خراشاً قتال؛ إن خراشاً قتال! يعيبه بذلك، فأمر النبي صل الله عليه وسلم خزاعة أن يدوه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير- قال محمد بن إسحاق: ولا أعلمه إلا وقد حدثني عن عروة بن الزبير- قال: خرج صفوان بن أمية يريد جدة، ليركب منها إلى اليمن ، فقال عمير بن وهب، يا نبي الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هارباً منك ليقذف نفسه في البحر؛ فأمنه صلى الله عليك! قال: هو آمن، قال: يا رسول الله، أعطني شيئاً يعرف به أمانك؛ فأعطاه عمامته التي دخل فيها مكة؛ فخرج بها عمير حتى أدركه بجدة، وهو يريد أن يركب البحر، فقال: يا صفوان، فداك أبي وأمي! أذكرك الله في نفسك أن تهلكها! فهذا أمان من رسول الله قد جئتك به، قال: ويلك! أغرب عني فلا تكلمني! قال: أي صفوان! فداك أبي وأمي! أفضل الناس وأبر الناس، وأحلم الناس، وخير الناس، أبن عمتك، عزه عزك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك! قال: إني أخافه على نفسي، قال: هو أحلم من ذلك وأكرم؛ فرجع به معه، حتى قدم به على رسول الله صل الله عليه وسلم. فقال صفوان: إن هذا زعم أنك قد أمنتني، قال: صدق، قال: فأجعلني في أمري بالخيار شهرين، قال: أنت فيه بالخيار أربعة أشهر .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام وفاختة بنت الوليد- وكانت فاختة عند صفوان بن أمية، وأم حكيم عند عكرمة بن أبي جهل- أسلمتا، فأما أم حكيم فأستأمنت رسول الله لعكرمة بن أبي جهل، فآمنه، فلحقت به باليمن، فجاءت به؛ فلما أسلم عكرمة وصفوان، أقرهما رسول الله صل الله عليه وسلم عندهما على النكاح الأول .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق؛ لما دخل رسول الله صل الله عليه وسلم مكة هرب هبيرة بن أبي وهب المخزومي وعبد الله بن الزبعري السهمي إلى نجران. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري؛ قال: رمى حسان عبد الله بن الزبعري وهو بنجران ببيت واحد، ما زاده عليه:

لتعد من رجلاً أحلك بغضه            نجران في عيش أحذ لئيم

فلما بلغ ذلك أبن الزبعري، رجع إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، فقال حين أسلم:

يا رسول المليك إن لـسـانـي                  راتق ما فتقـت إذ أنـا بـور

إذ أباري الشيطان في سنن الري            ح ومن مال ميله مـثـبـور

آمن اللحم والعـظـام لـربـي                     ثم نفسي الشهيد أنت الـنـذير

إنني عنـك زاجـر ثـم حـي                       من لؤي فكلـهـم مـغـرور

وأما هبيرة بن أبي وهب، فأقام بها كافراً، وقد قال حين بلغه إسلام أم هانئ بنت أبي طالب وكانت تحته، وأسمها هند:

أشاقتك هند أم نآك سؤالهـا             كذلك النوى أسبابها وأنفتالها

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف؛ من بني غفار أربعمائة، ومن أسلم أربعمائة، ومن مزينة ألف وثلاثة نفر، ومن بني سليم سبعمائة، ومن جهينة ألف وأربعمائة رجل؛ وسائرهم من من قريش والأنصار وحلفائهم وطوائف العرب من بني تميم وقيس وأسد .

قال الواقدي: في هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم مليكة بنت داود الليثية، فجاء إليها بعض أزواج النبي صل الله عليه وسلم، فقالت لها: ألا تستحيين حين تزوجين رجلاً قتل أباك! فأستعاذت منه؛ وكانت جميلة، وكانت حدثة، ففارقها رسول الله؛ وكان قتل أباها يوم فتح مكة.

قال: وفيها هدم خالد بن الوليد العزي ببطن نخلة، لخمس ليال بقين من رمضان؛ وهو صنم لبني شيبان؛ بطن من سليم حلفاء بني هاشم، وبنو أسد بن عبد العزي، يقولون: هذا صنمنا، فخرج إليه خالد، فقال: قد هدمته، قال: أرأيت شيئاً؟ قال: لا، قال: فأرجع فأهدمه، فرجع خالد إلى الصنم فهدم بيته، وكسر الصنم، فجعل السادن يقول: أعزي أغضبي بعض غضباتك! فخرجت عليه أمرأة حبشية عريانة مولولة، فقتلها وأخذ ما فيها من حلية، ثم أتى رسول الله صل الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فقال: تلك العزي، ولا تعبد العزي أبداً.

حدثنا أبن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن أبن إسحاق، قال: بعث رسول الله صل الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزي- وكانت بنخلة، وكانت بيتاً يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها؛ وكانت سدنتها من بني شيبان، من بني سليم حلفاء بني هاشم- فلما سمع صاحبها بمسير خالد إليها، علق عليها سيفه، وأسند في الجبل الذي هي إليه فأصعد فيه، وهو يقول:

أيا عز شدي شدة لا شمى لهـا             على خالد ألقي القناع وشمري

ويا عز إن لم تقتلي اليوم خالداً              فبوئي بإثم عاجل أو تنصـري

فلما أنتهى إليها خالد هدمها، ثم رجع إلى رسول الله صل الله عليه وسلم قال الواقدي: وفيها هدم سواع؛ وكان برهاط لهذيل، وكان حجراً؛ وكان الذي هدمه عمرو بن العاص لما أنتهى إلى الصنم، قال له السادن: ما تريد؟ قال: هدم سواع، قال: لا تطيق تهدمه، قال له عمرو بن العاص: أنت في الباطل بعد! فهدمه عمرو، ولم يجد في خزانته شيئاً، ثم قال عمرو للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت والله.

وفيها هدم مناة بالمشلل، هدمه سعد بن زيد الأشهلي، وكان للأوس والخزرج.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:19 am

غزوة الطائف

غزوة الطائف حدثت في السنة الثامنة للهجرة، بين 12000 من قوات المسلمين بقيادة الرسول محمد وقبيلة ثقيف وبعض الفارين من هوازن. هدفت الغزوة إلى فتح الطائف والقضاء على قوات ثقيف وهوازن الهاربة من غزوة حنين.

ورد في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي"

" وذلك أن رسول الله صل الله عليه وسلم خرج من حنين يوم الطائف وقدم خالد بن الوليد على مقدمته وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة وتهيأوا للقتال‏.‏

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قريبًا من حصن الطائف وعسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل حتى أصيب ناس من المسلمين ورمي عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ فاندمل الجرح ثم انتقض به بعد ذلك فمات منه فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر يومًا وقيل‏:‏ خمسة عشر يومًا ونصب عليهم المنجنيق ونادى منادي رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر ‏"‏‏.‏

فخرج بضعة عشر رجلًا فيهم أبو بكرة فنزل في بكرة فقيل أبو بكرة ولم يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف فأذن بالرحيل فقال المسلمون‏:‏ نرحل ولم يؤذن بفتح لنا قال‏:‏ ‏"‏ فاغدوا على القتال ‏"‏ فقاتلوا أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري أخبرنا ابن حيويه أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن صعد أخبرنا قبيصة حدثنا سفيان عن ثور عن مكحول‏:‏ أن رسول الله صل الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يومًا‏.‏

ومما جرى في هذا الحصار ما أخبرنا به عبد الله بن علي المقري ومحمد بن ناصر الحافظ قالا‏:‏ أخبرنا طراد بن محمد أخبرنا أبو الحسن بن بشران أخبرنا ابن صفوان حدثنا أبو بكر القرشي حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا في بيت أم سلمة وعنده مخنث جالس فقالا لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة‏:‏ يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف غدًا أدلك على بنت غيلان امرأة من ثقيف تقبل بأربع وتدبر بثمان - يعني عكناها فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا يدخل هذا عليكن ‏"‏‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ اسم هذا المخنث هيت وقيل‏:‏ ماتع‏.‏

وكان المخنثون على عهد رسول الله إسلام عروة بن مسعود الثقفي‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عمير الأسلمي عن عبد الله بن أبي يحيى الأسلمي عن من أخبره قالوا‏:‏ لم يحضر عروة بن مسعود وغيلان بن سلمة حصار الطائف كانا بجرش يتعلمان صنعة العرادات والمنجنيق والدبابات فقدما وقد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف فنصبا المنجنيق والعرادات والدبابات واعتدا للقتال ثم ألقى الله في قلب عروة بن مسعود الإسلام وغيره عما كان عليه فخرج إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ثم استأذن في الخروج إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام فقال‏:‏ إنهم إذا قاتلوك قال‏:‏ لا أنا أحب إليهم من أبكار أولادهم ثم استأذنه الثانية ثم الثالثة فقال‏:‏ إن شئت فاخرج‏.‏

فخرج إلى الطائف فقدم عشاء فدخل منزله فجاء قومه فحيوه بتحية الشرك فقال‏:‏ عليكم بتحية أهل الجنة السلام ثم دعاهم إلى الإسلام فخرجوا من عنده يأتمرون به فلما طلع الفجر أوفى على غرفة له فأذن بالصلاة فخرجت ثقيف من كل ناحية فرماه رجل من بني مالك يقال له أوس بن عوف فأصاب أكحله فلم يروا دمه وقام غيلان بن سلمة وكنانة بن عبد يا ليل والحكم بن عمرو ووجوه الأحلاف فلبسوا السلاح وساروا فلما رأى ذلك عروة قال‏:‏ قد تصدقت بدمي على صاحبه لأصلح بذلك بينكم وهي كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات فدفنوه معهم وبلغ رسول الله صل الله عليه وسلم خبرهم فقال‏:‏ ‏"‏ قتله كقتل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه ‏"‏‏.‏

ومما جرى في مسير رسول إلى الطائف أنهم مروا بقبر أبي رغال أخبرنا محمد بن عمر الأرموي قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن النقور أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر السكري أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي حدثنا يحيى بن معين حدثنا وهب ببن جرير بن حازم قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية بن أبي بكير يقول‏:‏ سمعت عبد الله بن عمرو يقول‏:‏ سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال‏:‏ ‏"‏ هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف كان من ثمود وكان هذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب فإن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه ‏"‏‏.‏ فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن‏."‏

وورد في "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

" فحدثنا علي بن نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا أبي، قال: أخبرنا أبان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة، قال: سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك- يعني منصرفه من حنين- حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن؛ لم يخرج إليه في ذلك أحد منهم؛ وأسلم من حولهم من الناس كلهم؛ وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودهم؛ ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة؛ وبها السبي الذي سبي رسول الله من حنين من نسائهم وأبنائهم- ويزعمون أن ذلك السبي الذي أصاب يومئذ من هوازن كانت عدته ستة آلاف من نسائهم وأبنائهم- فلما رجع النبي صل الله عليه وسلم إلى الجعرانة، قدمت عليه وفود هوازن مسلمين، فأعتق أبناءهم ونساءهم كلهم، وأهل بعمرة من الجعرانة؛ وذلك في ذي القعدة.

ثم إن رسول الله صل الله عليه وسلم رجع إلى المدينة، وأستخلف أبا بكر رضي الله تعالى عنه على أهل مكة، وأمره أن يقيم للناس الحج، ويعلم الناس الإسلام، وأمره أن يؤمن من حج من الناس؛ ورجع إلى المدينة؛ فلما قدمها قدم عليه وفود ثقيف، فقاضوه على القضية التي ذكرت؛ فبايعوه، وهو الكتاب الذي عندهم كاتبوه عليه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلك إلى الطائف من حنين على نخلة اليمانية، ثم على قرن، ثم على المليح، ثم على بحرة الرغاء من لية، فأبتني بها مسجداً، فصلى فيه، فأقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها بدم- وهو أول دم أقيد به في الإسلام- رجلاً من بني ليث؛ قتل رجلاً من هذيل، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأمره رسول الله وهو بلبية بحصن مالك بن عوف فهدم؛ ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة، فلما توجه فيها، سأل على أسمها، فقال: ما أسم هذه الطريق؟ فقيل له: الضيفة، فقال: بل هي اليسرى. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخب؛ حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة، قريباً من مال رجل من ثقيف، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إما أن تخرج؛ وإما أن نخرب عليك حائطك؛ فأبى أن يخرج، فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم بإخرابه .

ثم مضى رسول الله حتى نزل قريباً من الطائف؛ فضرب عسكره، فقتل أناس من أصحابه بالنبل؛ وذلك أن العسكر أقترب من حائط الطائف فكانت النبل تنالهم، ولم يقدر المسلمون أن يدخلوا حائطهم، غلقوه دونهم؛ فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل، أرتفع، فوضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم؛ فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة ؛ ومعه أمرأتان من نسائه؛ إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية وأخرى معها- قال الواقدي: الأخرى زينب بنت جحش- فضرب لهما قبتين، فصلى بين القبتين ما أقام.

فلما أسلمت ثقيف ، بني علي مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أبو أمية بن عمرو بن وهب بن معتب بن مالك مسجداً، وكانت في ذلك المسجد سارية- فيما يزعمون- لا تطلع عليها الشمس يوماً من الدهر؛ إلا سمع لها نقيض ؛ فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتلهم قتالاً شديداً، وتراموا بالنبل حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم تحت دبابة؛ ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، وقتلوا رجالاً؛ فأمر رسول الله بقطع أعناب ثقيف، فوقع فيها الناس يقطعون.

وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف. فناديا ثقيفاً: أن أمنونا حتى نكلمكم! فأمنوهما؛ فدعوا نساء من نساء قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما- وهما يخافان عليهن السباء- فأبين؛ منهن آمنة بنت أبي سفيان، كانت عند عروة بن مسعود له منها داود بن عروة وغيرها .

وقال الواقدي: حدثني كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، قال: لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف، أستشار رسول الله نوفل بن معاوية الديلي، وقال: يا نوفل، ما ترى في المقام عليهم؟ قال: يا رسول الله؛ ثعلب في جحر؛ إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر بن أبي قحافة، وهو محاصر ثقيفاً بالطائف: يا أبا بكر، إني رأيت أنه أهديت لي قعبة مملوءة زبداً، فنقرها ديك فأهراق ما فيها؛ فقال أبو بكر: ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد يا رسول الله. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: وأنا لا أرى ذلك.

ثم إن خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية- وهي أمرأة عثمان بن مظعون- قالت: يا رسول الله، أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلى بادية بنت غيلان بن سلمة، أو حلى الفارغة بنت عقيل- وكانتا من أحلى نساء ثقيف- قال: فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة! فخرجت خويلة، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل عمر على رسول الله صل الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما حديث حد ثتنيه خويلة أنك قلته! قال: قد قلته، قال: أو ما أذن فيهم يا رسول الله! قال: لا، قال: أفلا أؤذن بالرحيل في الناس! قال: بلى؛ فأذن عمر بالرحيل؛ فلما أستقل الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج الثقفي: ألا إن الحي مقيم! قال: يقول عيينة بن حصن: أجل والله مجدة كراماً! فقال له رجل من المسلمين: قاتلك الله يا عيينة! أتمدح قوماً من المشركين بالأمتناع من رسول الله، وقد جئت تنصره ! قال: إني والله ما جئت لأقاتل معكم ثقيفاً؛ ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب من ثقيف جارية أتبطنها لعلها أن تلد لي رجلاً؛ فإن ثقيفاً قوم مناكير.

وأستشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم أثنا عشر رجلاً؛ سبعة من قريش ورجل من بني ليث، وأربعة من الأنصار .

أمر أموال هوازن وعطايا المؤلفة قلوبهم منها حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنصرف من الطائف على دحنا؛ حتى نزل الجعرانة بمن معه من المسلمين؛ وكان قدم سبي هوازن حين سار إلى الطائف إلى الجعرانة، فحبس بها؛ ثم أتته وفود هوازن بالجعرانة؛ وكان مع رسول الله صل الله عليه وسلم من سبي هوازن من النساء والذراري عدد كثير، ومن الإبل ستة آلاف بعير، ومن الشاء ما لا يحصي .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة قال: حدثني محمد ابن إسحاق، قال: حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: أتى وفد هوازن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة؛ وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله، إنا أصل وعشيرة؛ وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفي عليك، فأمنن علينا من الله عليك! فقام رجل من هوازن- أحد بني سعد بن بكر، وكان بنو سعدهم الذين أرضعوا رسول الله صل الله عليه وسلم- يقال له زهير بن صرد، وكان يكني بأبي صرد- فقال: يا رسول الله؛ إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك! ولو أننا ملحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل ما نزلت به، رجونا عطفه وعائدته، وأنت خير المكفولين! ثم قال:

أمنن علينا رسول الله في كـرم فإنك المرء نرجوه ونـدخـر

أمنن على بيضة قد عاقها قدر ممزق شملها، في دهرها غير

في أبيات قالها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ فقالوا: يا رسول الله؛ خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل ترد علينا نساءنا وأبناءنا فهم أحب إلينا ، فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم؛ فإذا أنا صليت بالناس، فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا؛ فسأعطيكم عند ذلك؛ وأسأل لكم؛ فلما صلى رسول الله صل الله عليه وسلم بالناس الظهر، قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به، فقال رسول الله: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله. قال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة فلا، وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، قالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله.

قال: يقول العباس لبني سليم: وهنتموني ! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: أما من تمسك بحقه من هذا السبي منكم فله بكل إنسان ست فرائض من أول شيء نصيبه، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن عبيد السعدي أبو وجزة، أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان أعطي علي بن أبي طالب جارية من سبي حنين يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر، وأعطي عثمان جارية يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان، وأعطي عمر بن الخطاب جارية، فوهبها لعبد الله بن عمر .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب جارية من سبي هوازن، فوهبها لي، فبعث بها إلى أخوالي من بني جمح ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم؛ وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها، قال: فخرجت من المسجد حين فرغت؛ فإذا الناس يشتدون، فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: رد علينا رسول الله نساءنا وأبناءنا، قال: قلت: تلكم صاحبتكم في بني جمح؛ أذهبوا فخذوها، فذهبوا إليها فأخذوها؛ وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزاً من عجائز هوازن، وقال حين أخذها: أرى عجوزاً وأرى لها في الحي نسباً؛ وعسى أن يعظم فداؤها! فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض أبي أن يردها، فقال له زهير أبو صرد: خذها عنك؛ فو الله ما فوها ببارد، ولا ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا درها بماكد، ولا زوجها بواجد . فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال؛ فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس، فشكا إليه ذلك، فقال: والله إنك ما أخذتها بكراً غريرة ، ولا نصفاً وثيرة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن، وسألهم عن مالك بن عوف: ما فعل؟ فقالوا: هو بالطائف مع ثقيف؛ فقال رسول الله : أخبروا مالكاً أنه إن أتاني مسلماً رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل، فأتى مالك بذلك؛ فخرج من الطائف إليه؛ وقد كان مالك خاف ثقيفاً على نفسه أن يعلموا أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال له ما قال، فيحبسوه، فأمر براحلته فهيئت له، وأمر بفرس له فأتى به الطائف؛ فخرج ليلاً، فجلس على فرسه فركضه؛ حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس له، فركبها، فلحق برسول الله فأدركه بالجعرانة- أو بمكة- فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مائة من الإبل، وأسلم فحسن إسلامه .

وأستعمله رسول الله صل الله عليه وسلم على قومه وعلى من أسلم من تلك القبائل حول الطائف: ثمالة وسلمة وفهم؛ فكان يقاتل بهم ثقيفاً، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه، حتى ضيق عليهم، فقال أبو محجن أبن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي:

هابت الأعداء جانبنـا ثم تغزونا بنو سلمـه

وأتانا مـالـك بـهـم ناقضاً للعهد والحرمه

وأتونا في منازلـنـا ولقد كنا أولى نقمـه

وهذا آخر حديث أبي وجزة .

ثم رجع الحديث إلى حديث عمرو بن شعيب، قال: فلما فرغ رسول الله صل الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها، ركب وأتبعه الناس يقولون: يا رسول الله، أقسم علينا فيئنا الإبل والغنم، حتى ألجئوه إلى شجرة، فأختطفت الشجرة عنه رداءه، فقال: ردوا علي ردائي أيها الناس؛ فو الله لو كان لي عدد شجر تهامة نعماً لقسمتها عليكم، ثم ما لقيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً. ثم قام إلى جنب بعير، فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصبعيه، ثم رفعها فقال: أيها الناس، إنه والله ليس لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخياط والمخيط ؛ فإن الغلول يكون على أهله عاراً وناراً وشناراً يوم القيامة. فجاءه رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال: يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر، قال: أما نصيبي منها فلك، فقال: إنه إذا بلغت هذه فلا حاجة لي بها، ثم طرحها من يده .

إلى ها هنا حديث عمرو بن شعيب.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله أبن أبي بكر، قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم- وكانوا أشرافاً من أشراف الناس يتألفهم ويتألف به قلوبهم- فأعطي أبا سفيان بن حرب مائة بعير، وأعطي أبنه معاوية مائة بعير، وأعطي حكيم أبن حزام مائة بعير، وأعطي النضير بن الحارث بن كلدة بن علقمة أخا بني عبد الدار مائة بعير، وأعطي العلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير، وأعطي الحارث بن هشام مائة بعير، وأعطي صفوان بن أمية مائة بعير، وأعطي سهيل بن عمرو مائة بعير، وأعطي حويطب بن عبد العزي بن أبي قيس مائة بعير، وأعطي عيينة بن حصن مائة بعير، وأعطي الأقرع أبن حابس التميمي مائة بعير، وأعطي مالك بن عوف النصري مائة بعير، فهؤلاء أصحاب المئين؛ وأعطي دون المائة رجالاً من قريش؛ منهم مخرمة أبن نوفل بن أهيب الزهري، وعمير بن وهب الجمحي، وقد عرف فيما زعم أنها دون المائة- وأعطي سعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل، وأعطي السهمي خمسين من الإبل، وأعطي عباس بن مرداس السلمي أبا عر فنسخطها ، وعاتب فيها رسول الله صل الله عليه وسلم، فقال:

كانت نهـابـاً تـلافـيتـهـا بكرى على المهر في الأجرع

وإيقاظي الـقـوم أن يرقـدوا إذا هجع الناس لـم أهـجـع

فأصبح نهبي ونهب الـعـبـيد د بـين عـيينة والأقـــرع

وقد كنت في الحرب ذا تـدرإ فلم أعط شـيئاً ولـم أمـنـع

إلا أفـائل أعـطـيتـهـــا عديد قـوائمـهـا الأربــع

وما كان حصـن ولاحـابـس يفوقان مرداس في المجمـع

وما كنت دون أمرئ منهـمـا ومن تضع الـيوم لا يرفـع

قال: فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: أذهبوا فأقطعوا عني لسانه؛ فزادوه حتى رضي؛ فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبراهيم بن الحارث، أن قائلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه: يا رسول الله، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمري ! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده، لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض، كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس؛ ولكني تألفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبو عبيدة بن محمد، عن مقسم أبي القاسم مولي عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله أبن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقاً نعليه بيده، فقلنا له: هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين؟ قال: نعم، أفبل رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة، فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعطي الناس، فقال: يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم! فقال رسول الله: أجل؛ فكيف رأيت؟ قال: لم أرك عدلت! فغضب رسول الله صل الله عليه وسلم، ثم قال: ويحك! إذا لم يكن العدل عندي، فعند من يكون! فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ألا نقتله ! فقال: لا، دعوه ؛ فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ، ينظر في النصل فلا يوجد شيء، ثم في القدح فلا يوجد شيء؛ ثم في الفوق فلا يوجد شيء؛ سبق الفرث والدم .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي مثل ذلك؛ وسماه ذا الخويصرة التميمي .

قال أبو جعفر: وقد روى عن أبي سعيد الخدري أن الذي كلم رسول الله صل الله عليه وسلم بهذا الكلام؛ إنما كلمه به في مال كان علي عليه السلام بعثه من اليمن إلى رسول الله، فقسمه بين جماعة؛ منهم عيينة بن حصن، والأقرع، وزيد الخيل؛ فقال حينئذ ما ذكر عن ذي الخويصرة أنه قاله رجل حضره.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد معه حنيناً، قال: والله إني لأسير إلى جنب رسول الله صل الله عليه وسلم على ناقة لي، وفي رجلي نعل غليظة، إذ زحمت ناقتي ناقة رسول الله، ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله فأوجعه، قال: فقرع قدمي بالسوط، قال: أوجعتني فتأخر عني، فأنصرفت؛ فلما كان من الغد إذا رسول الله يلتمسني، قال: قلت: هذا والله لما كنت أصبت من رجل رسول الله بالأمس. قال: فجئته وأنا أتوقع، فقال لي: إنك قد أصبت رجلي بالأمسي فأوجعتني فقرعت قدمك بالسوط، فدعونك لأعوضك منها؛ فأعطاني ثمانين نعجة بالضربة التي ضربني.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عاصم أبن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: لما أعطي رسول الله ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم القالة ؛ حتى قال قائلهم: لقي والله رسول الله قومه! فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله؛ إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفئ الذي أصبت؛ قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد! قال: يا رسول الله ما أنا إلا من قومي! قال: فأجمع لي قومك في الحظيرة، قال: فخرج سعد فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، قال: فجاءه رجال من المهاجرين، فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما أجتمعوا إليه أناه سعد فقال: قد أجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثم قال: يا معشر الأنصار، ما قالة بلغتني عنكم، وموجدة وجدتموها في أنفسكم! ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله؛ وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم! قالوا: بلى، لله ولرسوله المن والفضل! فقال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار! قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله، لله ولرسوله المن والفضل! قال: أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم، ولصدقتم؛ أتيتنا مكذباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك؛ وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم! أفلا ترضون يا معشر الأنصار؛ أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم! فو الذي نفس محمد بيده؛ لولا الهجرة لكنت أمرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً، لسلكت شعب الأنصار! اللهم أرحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار! قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وجظاً، ثم أنصرف رسول الله صل الله عليه وسلم وتفرقوا".

ورد في كتاب "فتوح البلدان" للبلاذري:

" قال: لما هزمت هوازن يوم حنين وقتل دريد بن الصمة أتى فلهم أوطاس. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري فقتل. فقام بأمر الناس أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري. وأقبل المسلمون إلى أوطاس، فلما رأى ذلك مالك بن عوف بن سعد، أحد بنى دهمان بن نصر ابن معاوية بن بكر بن هوازن - وكان رئيس هوازن يومئذ - هرب إلى الطائف فوجد أهلها مستعدين للحصار، قد رموا حصنهم وجمعوا فيه الميرة. فأقام بها، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين حتى نزل الطائف، فرمتهم ثقيف بالحجارة والنبل، ونصب رسول الله صلى الله عليه وسلم منجنيقاً على حصنهم، وكانت مع المسلمين دبابة من جلود البقر، فألقت عليها ثقيف سكك الحديد المحماة فأحرقتها، فأصيب من تحتها من المسلمين، وكان حصار رسول الله صل الله عليه وسلم الطائف خمس عشرة ليلة. وكان غزوه إياها في شوال سنة ثمان.

قالوا: ونزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق من رقيق أهل الطائف، منهم أبو بكرة بن مسروح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه نقيع، ومنهم الأزرق الذي نسبت الأزارقة إليه كان عبداً رومياً حداداً، وهو أبو نافع بن الأزرق الخارجي. فأعتقوا بنزولهم. ويقال إن نافع بن الأزرق الخارجي من بنى حنيفة، وأن الأزرق الذي نزل من الطائف غيره. ثم إن رسول الله صل الله عليه وسلم انصرف إلى الجعرانة ليقسم سبى أهل حنين وغنائمهم. فخافت ثقيف أن يعود إليهم. فبعثوا إليه وفدهم فصالحهم على أن يسلموا ويقرهم على ما في أيديهم من أموالهم وركازهم، واشترط عليهم أن لا يربوا ولا يشربوا الخمر، وكانوا أصحاب ربا. وكتب لهم كتاباز قال: وكانت الطائف تسمى وج، فلما حصنت وبنى سورها سميت الطائف.

حدثني المدائني عن أبي اسماعيل الطائفي عن أبيه، عن أشياخ من أهل الطائف قال :كان بمخالف الطائف قوم من اليهود طردوا من اليمن ويثرب ، فأقاموا بها للتجارة ،فوضعت عليهم الجزية، ومن بعضهم ابتاع معاوية أمواله بالطائف.

قالوا : وكانت للعباس بن عبد المطلب رحمه الله أرض بالطائف. وكان الزبيب يحمل منها فينبذ في السقاية للحج، وكانت لعامة قريش أموال بالطائف يأتونها من مكة فيصلحونها، فلما فتحت مكة وأسلم أهلها طمعت ثقيف فيها، حتى إذا فتحت الطائف أقرت في أيدي المكيين، وصارت أرض الطائف مخلافاً من مخاليف مكة.

قالوا: وفي يوم الطائف أصيبت عين أبي سفيان بن حرب.

حدثنا الوليد بن صالح قال: حدثنا الواقدي عن محمد بن عبدالله عن الزهري عن ابن المسيب.

عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صل الله عليه وسلم أمر أن تخرص أعتاب ثقيف كخرص النخل، ثم تؤخذ زكاتهم زبيباً كما تؤدي زكاة النخل.

قال الواقدي: قات أبو حنيفة لايخرص، ولكنه إذا وضع بلأرض أخذت الصدقة من قليله وكثيره. وقال يعقوب إذا بالأرض فبلغت مكيلته خمسة أوسق ففيه الزكاة العشر أو نصف العشر. وهو قول سفيان بن سعيد الثوري، والوسق ستون صاعاً.

حدثنا شيبان بن أبي شيبه قال: حدثنا حماد بن سلمىقال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عمر أنه جعل في العسل العشر.

حدثنا داود بن عبد الحميد قاضي القة عن مروان بن شجاع عن خصيف، عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله على مكة والطائف: إن في الخلايا صدقة فخذوها منها قال: والخلايا الكوثر.

وقال الواقدي: وروى عن ابن عمر أنه قال:عمر أنه قال: ليس في الخلايا صدقة.

وقال مالك والثورى: لازكاة في العسل وإن كثر، وهو قول الشافعي.

وقال أبو حنيفة: في قليل العسل وكثيره إذا كان في أرض العشر العشر، وإذا كان في ارض الخراج فلا شيء عليه، لأنه لا يجتمع الزكاة والخراج في رجل.

وقال الواقدي: أخبرني القاسم بن معن ويعقوب، عن أبي حنيفة أنه قال في العسل، يكون في أرض ذمى وهي من أرض العشر، إنه لا عشر عليه، وعلى أرضه الخراج. وإذا كان في أرض تغلبي أخذ منه الخمس. وقول زفر مثل قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: إذا كان العسل في أرض الخراج فلا شيء فيه وإذا كان في أرض العشر ففي كل عشرة أرطال رطل.

وقال محمد بن الحسن: ليس فيما دون أفراق صدقة وهو قول ابن أبي ذئب.

وروى خالد بن عبد الله الطحان، عن ابن أبي ليلى أنه قال: إذا كان في أرض الخراج أو العشر ففي كل عشرة أرطال رطل. وهو قول الحسن بن صالح بن حي.

وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي، عن الزهري قال: في كل عشرة زقاق زق.

وحدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا عبد الرحمن بن حميد الرقاشي عن جعفر بن نجيح المديني، عن بشر بن عاصم وعثمان بن عبد الله بن أوس أن سفيان بين عبد الله الثقفي كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عاملاً له على الطائف، يذكر أن قبله حيطاناً فيها كروم وفيها من الفرسك والرمان وما هو أكثر غلة من الكروم أضعافاً، واستأمره في العشر. قال: فكتب إليه عمر: ليس عليها عشر.

قال يحيى بن آدم: وهو قول سفيان بن سعيد سمعته يقول: ليس فيما أخرجت الأرض صدقة إلا أربعة أشياء: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، أذا بلغ كل واحد من ذلك خمسة أوسق.

قال: وقال أبو حنيفة فيما أخرجت أرض العشر العشر ولو دستجة بقل. وهو قول زفر.

وقال مالك وابن أبي ذئب ويعقوب: ليس في البقول وما أشبهها صدقة.

وقالوا: ليس فيما دون خمسة أو سق من الحنطة والشعير والذرة والسلت والزوان والتمر والزبيب والأرز والسمسم والجلبان وأنواع الحبوب التي تكال وتدخر مع العدس واللوبيا والحمص والماش والدخن صدقة، فإذا بلغت خمسة أو سق ففيها صدق. قال الواقدي: وهذا قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن.

وقال الزهري: التوابل والقطانى كلها تزكى.

وقال مالك: لاشيء في المثرى، والفرسك وهو الخوخ، ولا في الرمان وسائر أصناف الفواكه الرطبة من صدقة. وهو قول ابن أبي ليلى.

قال أبو يوسف: ليس الصدقة إلا فيما وقع عليه القفيز وجرى عليه الكيل.

وقال أبو الزناد وابن أبي ذئب وابن أبي سبرة: لا شيء في الخضر والفواكه من صدقة، ولكن الصدقة في أثمانها ساعة تباع.

وحدثني عباس بن هشام عن أبيه، عن جده أن رسول الله صل الله عليه وسلم استعمل عثمان بن أبي العاص الثقفي على الطائف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:20 am

غزوة تبوك

وقعت غزوة تبوك في رجب (سنة 9هـ) في أعقاب فتح مكة وانتصار الرسول (صل الله عليه وسلم) في الطائف، وصلت الرسول أخبار من بلاد الروم تفيد أنَّ ملك الروم وحلفاءه من العرب من لخم وجذام وغسان وعاملة قد هيأ جيشاً لمهاجمة الدولة الإسلامية قبل أن تصبح خطراً على دولته.

وأرسل النبيّ صل الله عليه وسلم إلى القبائل العربية في مختلف المناطق يستنفرهم على قتال الروم، فاجتمع له حوالي ثلاثين ألف مقاتل تصحبهم عشرة آلاف فرس.

ورد في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي:

" غزوة تبوك وذلك في رجب وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن الروم قد جمعت جموعًا كبيرة وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء فندب رسول الله صل الله عليه وسلم الناس وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب ليستنفرهم وذلك في حر شديد وخلف علي بن أبي طالب على أهله واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة وجاء البكاؤون يستحملونه‏.‏

واختلف في عددهم وأسماءهم فروى أبو صالح عن ابن عباس قال‏:‏ هم ستة‏:‏ عبد الله بن معقل وصخر بن سلمان‏.‏

وعبيد الله بن كعب وعلية بن زيد وسالم بن عمير وثعلبة بن غنمة‏.‏

وذكر محمد بن مسلمة مكان صخر بن سلمان سلمة بن صخر ومكان ثعلبة بن غنمة عمرو بن غنمة قال‏:‏ وقيل منهم معقل بن يسار‏.‏

وروى ابن إسحاق عن أشياخ له‏:‏ أن البكائين سبعة من الأنصار‏:‏ سالم بن عمير وعلية بن زيد وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب وعمرو بن الحمام وعبد الله بن معقل وبعض الناس تقول عبد الله بن عمرو المؤني وعرباض بن سارية وهرمي بن عبد الله‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ نزلت في بني مقرن وهم سبعة وقد ذكرهم محمد بن سعد فقال‏:‏ النعمان بن عمرو بن مقرن وسنان بن مقرن وعقيل بن مقرن وعبد الرحمن بن مقرن وعبد الرحمن بن عقيل بن مقرن وقال لهم رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا أجد ما أحملكم عليه‏}‏ فولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا‏.‏

وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلف من غير علة فأذن لهم وهم بضعة وثمانون رجلًا وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا فلم يعذرهم وهم اثنان وثمانون رجلًا وكان عبد الله بن أبي قد عسكر في حلفائه من اليهود والمنافقين على ثنية الوداع واستخلف النبي صل الله عليه وسلم على المدينة محمد بن مسلمة وجاء واثلة بن الأسقع فبايعه ثم لحق به فلما سار تخلف عبد الله بن أبي ومن معه وبقي نفر من المسلمين منهم‏:‏ كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وأبو خيثمة السالمي وأبو ذر الغفاري فقدم تبوكًا في ثلاثين ألفًا من الناس وكانت الخيل عشرة آلاف فرس وكان على حرسه عباد بن بشير ولقوا في الطريق شدة‏.‏

قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ حدثنا عن ساعة العسرة قال‏:‏ خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلن منزلًا أصابنا فيه عطش شديد ظننا أن رقابنا ستقطع حتى أن الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته تتقطع وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا فادع الله لنا قال‏:‏ ‏"‏ تحب ذلك ‏"‏ قال‏:‏ نعم فرفع يديه فلم يرجعها حتى قالت السماء فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر‏.‏

وفي هذه السفرة‏:‏ اشتد بهم العطش ومعهم أداوة فيها ماء فصبه رسول الله صل الله عليه وسلم في إناء ففاضت حتى روي العسكر وهم ثلاثون ألفًا والإبل اثنا عشر ألفًا والخيل عشرة آلاف‏.‏

وفيها‏:‏ مر رسول الله صل الله عليه وسلم بالحجر من أرض ثمود واستقى الناس من أبيارهم فنهاهم‏.‏

قال ابن عمر‏:‏ إن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر فاستسقوا من أبيارها وعجنوا به فأمرهم رسول الله صل الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا من أبيارها وأن يعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من النهر التي كانت ترده الناقة‏.‏

قال علماء السير‏:‏ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة ولحقه أبو خيثمة وأبو ذر وكان أبو خيثمة قد رجع من بعض الطريق فوجد امرأتين له قد هيأت كل واحدة منهما عريشًا وبردت فيه ماء وهيأت طعامًا فوقف فقال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح وأبو خيثمة في ظلال وماء بارد والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

فلحقه ثم انصرف رسول الله صل الله عليه وسلم ولم يلق كيدًا وكان هرقل يومئذ بحمص‏.‏

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في أربع مائة وعشرين فارسًا إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة وكان أكيدر قد ملكهم وكان نصرانيًا فانتهى إليه خالد بن الوليد وقد خرج من حصنه في ليلة مقمرة إلى بقر يطاردها هو وأخوه حسان فشدت عليه خيل خالد فاستأسر أكيدر وامتنع أخوه حسان فقاتل حتى قتل وهرب من كان معه فدخل الحصن وأجار خالد أكيدر من القتل حتى يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يفتح له دومة الجندل ففعل وصالحه على ألفي بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفيًا خالصًا ثم قسم الغنائم فأخرج الخمس ثم قسم ما بقي فقدم به وبأخيه على النبي صلى الله عليه وسلم فقدم أكيدر على رسول الله صل الله عليه وسلم فأهدى له هدية وصالحه على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما وكتب لهما كتابًا فيه أمانهم‏.‏

وفي طريق رجوع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة من تبوك قال من قال من المنافقين‏:‏ إنما كنا نخوض ونلعب‏.‏

وروى صالح عن ابن عباس‏:‏ أن جد بن قيس ووديعة بن خدام والجهير بن جمير كانوا يسيرون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك فجعل رجلان منهم يستهزئان برسول الله صلى الله عليه وسلم والثالث يضحك مما يقولان ولا يتكلم بشيء فنزل جبريل فأخبره بما يستهزئون به ويضحكون منه فقال لعمار بن ياسر‏:‏ ‏"‏ إذهب فسلهم عما كانوا يضحكون منه وقل لهم أحرقكهم الله ‏"‏ ولما سألهم وقال لهم‏:‏ أحرقكم الله وعلموا أنه قد نزل فيهم قرآن فأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وقال الجهير‏:‏ والله ما تكلمت بشيء وإنما ضحكت تعجبًا من قولهم فنزل قوله‏:‏ ‏{‏لا تعتذروا‏}‏ - يعني جد بن قيس ووديعة - أن نعف عن طائفة منكم - يعني الجهير - نعذب طائفة ‏"‏ - يعني الجد ووديعة‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال‏:‏ حدثنا الحسن بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن الفهم قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال‏:‏ حدثنا حميد الطويل عن أنس قال‏:‏ رجعنا من غزاة تبوك فلما دنونا من المدينة قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم ‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله وهم بالمدينة قال‏:‏ ‏"‏ نعم حبسهم العذر ‏"‏‏.‏

فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في رمضان وجاءه من تخلف فعذرهم واستغفر لهم وأرجأ أمر كعب بن مالك وصاحبيه حتى نزلت توبتهم وجعل الناس يبيعون أسلحتهم ويقولون‏:‏ قد انقطع الجهاد فبلغ ذلك رسول الله صل الله عليه وسلم فنهاهم وقال‏:‏ ‏"‏ لا تزال طائفة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الرجال ‏"‏‏.‏

فأما قصة كعب وصاحبيه أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال‏:‏ أخبرنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله عن عمه محمد بن مسلم الزهري قال‏:‏ أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال‏:‏ سمعت كعب بن مالك يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال كعب بن مالك‏:‏ لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحد تخلف عنها لأنه إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أشهر في الناس منها وأذكر وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لأني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزاة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزاة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا واستقبل عدوًا كثيرًا فجلى للمسلمين أمره ليتأهبوا أهبة عدوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان فقال كعب‏:‏ فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل وأما النهار أصغر فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه وطفقت أغدو لكي أتجهز معه فأرجع ولم أقض شيئًا فأقول في نفسي‏:‏ أنا قادر على ذلك إذا أردت فلم يزل كذلك يتمادى بي حتى شمر بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديًا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئًا فقلت‏:‏ الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد ما فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئًا من جهازي ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئًا من جهازي فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارض الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم وليت أني فعلت ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم يحزنني أن لا أرى إلا رجلًا مغموصًا عليه في النفاق أو رجلًا ممن عذره الله ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك‏:‏ ‏"‏ ما فعل كعب بن مالك ‏"‏ قال رجل من بني سلمة‏:‏ حبسه يا رسول الله برداه والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل‏:‏ بئسما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا فسكت رسول الله صل الله عليه وسلم‏.‏

حضرني بثي فطفقت أتفكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غدًا أستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادمًا زاح عني الباطل وعرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدًا فأجمعت صدقه وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلًا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئت فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال لي‏:‏ ‏"‏ تعال ‏"‏ فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي‏:‏ ‏"‏ ما خلفك ألم تكن قد استمر ظهرك قال‏:‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلًا ولكنه والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم بكذب ترضى به عني ليوشكن الله تبارك وتعالى يسخطك علي ولئن حدثتك اليوم بصدق تجد علي فيه إني لأرجو قرة عيني عفوًا من الله تعالى والله ما كان لي عذر والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله تبارك وتعالى فيك ‏"‏‏.‏

فقمت وبادرت رجالًا من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي‏:‏ والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون لقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صل الله عليه وسلم لك ثم قال‏:‏ والله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي‏.‏

قال‏:‏ ثم قلت لهم‏:‏ هل لقي هذا معي أحد قالوا‏:‏ نعم لقيه معك رجلان قالا ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك‏.‏

قال‏:‏ فقلت لهما‏:‏ من هما قالوا‏:‏ مرارة بن الربيع العامري وهلال بن أمية الواقفي قال‏:‏ فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا فقلت‏:‏ لي فيهما أسوة قال‏:‏ فمضيت حين ذكروهما لي قال‏:‏ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس قال‏:‏ وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي كنت أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكنا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صل الله عليه وسلم في مجلسه بعد الصلاة فأسلم فأقول في نفسي‏:‏ هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ثم أصلي قريبًا منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي فإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا أطال على ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت له‏:‏ يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله قال‏:‏ فسكت قال‏:‏ فعدت فناشدته فسكت فعدت فناشدته فقال‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

ففاضت عيناي ونزلت حتى تسورت الحائط‏.‏

فبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا بنبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول‏:‏ من يدلني على كعب بن مالك‏.‏

قال‏:‏ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء فدفع إلي كتابًا من ملك غسان وكنت كاتبًا فإذا فيه‏:‏ أما بعد‏.‏

فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك‏.‏

قال فقلت حين قرأتها‏:‏ وهذا أيضًا من البلاء‏.‏

قال‏:‏ فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال‏:‏ إن رسول الله صل الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ أطلقها أم ماذا أفعل قال‏:‏ بل اعتزلها فلا تقربها‏.‏

قال‏:‏ وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك‏.‏

قال‏:‏ فقلت لامرأتي‏:‏ الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر‏.‏

قال‏:‏ فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له‏:‏ يا رسول الله إن هلالًا شيخ ضائر ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال‏:‏ ‏"‏ لا ولكن لا يقربنك ‏"‏ قالت‏:‏ فإنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما يزال يبكي من لدن أن كان من أمرك ما كان إلى يومه قال‏:‏ فقال لي بعض أهلي‏:‏ لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه قال‏:‏ فقلت‏:‏ والله لا استأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدري ما يقول رسول الله صل الله عليه وسلم إذا استأذنته وأنا رجل شاب‏.‏

قال فلبثنا بعد ذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا‏.‏

قال‏:‏ ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تبارك وتعالى منا قد ضاقت علي نفسي وضاقت الأرض بما رحبت سمعت صارخًا أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته‏:‏ يا كعب بن مالك أبشر قال‏:‏ فخررت ساجدًا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي يبشرون وركض إلي رجل راكب فرسًا وسعى ساع من أسلم وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشارته ووالله ما أملك غيرهما يومئذ فأستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجًا فوجًا يهنؤني بالتوبة يقولون يهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صل الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره‏.‏

قال فكان كعب لا ينساها لطلحة‏.‏

قال كعب‏:‏ فلما سلمت على رسول الله صل الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور‏:‏‏!‏ ‏"‏ أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ‏"‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال‏:‏ ‏"‏ لا بل من عند الله ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وكان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر حتى يعرف ذلك منه‏.‏

قال‏:‏ فلما جلست بين يديه قلت‏:‏ يا رسول الله إن من توبتي أن أتخلع من مالي صدقة إلى الله تعالى وإلى رسوله قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أمسك بعض مالك فهو خير لك ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ إني أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت‏:‏ يا رسول الله إنما نجاني الله تعالى بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت‏.‏

قال‏:‏ فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صل الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تبارك وتعالى والله ما تعمدت كذبًا منذ قلت ذلك لرسول الله‏:‏ إلى يومي هذا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي‏.‏

قال‏:‏ وأنزل الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليثوبوا إن الله هو التواب الرحيم يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏‏.‏

قال كعب‏:‏ فوالله ما أنعم الله تبارك وتعالى علي من نعمة قط بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صل الله عليه وسلم يومئذ أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه فإن الله تبارك وتعالى قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما يقال لأحد فقال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى على القوم الفاسقين} ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صل الله عليه وسلم قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وعلى الثلاثة الذين خلفوا ‏"‏ وليس تخليفه إيانا وإرجاءه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخلفنا عن الغزو وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ أخرجاه في الصحيحين‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ تفارض الغزو ‏"‏ أي‏:‏ تقدم وتباعد وربما قرأه من لا يعرف فقال‏:‏ ‏"‏ العدو ‏"‏ وأطل بالطاء ومعناه دنا وقوله‏:‏ ‏"‏ رجلين شهدا بدرًا ‏"‏ وهم من الزهري فإنهما لم يشهدا بدرًا‏".‏

وفي "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري ورد:

" حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: أقام رسول الله صل الله عليه وسلم بالمدينة بعد منصرفه من الطائف، ما بين ذي الحجة إلى رجب.

ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم؛ فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم؛ كل قد حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها، وبعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض، وكل قد أجتمع حديثه في هذا الحديث. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم؛ وذلك في زمن عسرة من الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد؛ وحين طابت الثمار وأحبت الظلال؛ فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان الذي هم عليه، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم قلماً يخرج في غزوة إلا كنى عنها، وأخبر أنه يريد غير الذي يصمد له؛ ألا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بينها للناس لبعد الشفة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهب الناس لذلك أهبته، وأمر الناس بالجهاز، وأخبرهم أنه يريد الروم.

فتجهز الناس على ما في أنفسهم من الكره لذلك الوجه لما فيه؛ مع ما عظموا من ذكر الروم وغزوهم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أخي بني سلمة: هل لك ياجد العام في جلاد بني الأصفر ؟ فقال: يا رسول الله، أو تأذن لي ولا تفتني! فو الله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجباً بالنساء منى؛ وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر عنهن. فأعرض عنه رسول الله صل الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك؛ ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية: "ومنهم من يقول أئذن لي ولا تفتني" الآية؛ أي إن كان إنما يخشى الفتنة من نساء بني الأصفر- وليس ذلك به- فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله والرغبة بنفسه عن نفسه أعظم؛ وإن جهنم لمن ورائه. وقال قائل من المنافقين لبعض: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكاً في الحق، وإرجافاً بالرسول، فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم: "وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون" إلى قوله: "جزاء بما كانوا يكسبون" .

ثم إن رسول الله صل الله عليه وسلم جد في سفره، فأمر الناس بالجهاز والأنكماش، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله، ورغبهم في ذلك، فحمل رجال من أهل الغنى فأحتسبوا ، وأنفق عثمان أبن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم من نفقته .

ثم إن رجالاً من المسلمين أتوا رسول الله؛ وهم البكاءون، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم ، فأستحملوا رسول الله، وكانوا أهل حاجة، فقال: "لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون" . قال: فبلغني أن يامين بن عمير بن كعب النضري لقي أبا ليلى عبد الرحمن بن كعب وعبد الله بن مغفل، وهما يبكيان، فقال لهما: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا رسول الله ليحملنا، فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه، فأعطاهما ناضحاً فأرتحلاه، وزودهما شيئاً من تمر، فخرجا مع رسول الله صل الله عليه وسلم.

قال: وجاء المعذرون من الأعراب، فأعتذروا إليه فلم يعذرهم الله عز وجل؛ وذكر لي أنهم كانوا من بني غفار، منهم خفاف بن إيماء بن رحضة.

ثم أستتب برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره، وأجمع السير؛ وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله حتى تخلفوا عنه من غير شك ولا أرتياب؛ منهم كعب بن مالك بن أبي كعب أخو بني سلمة، ومرارة بن الربيع أخو بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية أخو بني واقف، وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف؛ وكانوا نفر صدق لا يتهمون في إسلامهم، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع، وضرب عبد الله بن أبي بن سلول عسكره على حدة أسفل منه بحذاء ذباب؛ جبل بالجبانة أسفل من ثنية الوداع. وكان- فيما يزعمون- ليس بأقل العسكرين؛ فلما سار رسول الله صل الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب- وكان عبد الله بن أبي أخا بني عوف بن الخزرج- وعبد الله بن نبتل أخا بني عمرو بن عوف، ورفاعة بن زيد بن التابوت أخا بني قينقاع؛ وكانوا من عظماء المنافقين؛ وكانوا ممن يكيد الإسلام وأهله .

قال: وفيهم- فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن البصري- أنزل الله عز وجل: "لقد أتبغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور" ، الآية.

قال أبن إسحاق: وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، وأستخلف على المدينة سباع بن عرفطة، أخا بني غفار، فأرجف المنافقون بعلي بن أبي طالب، وقالوا: ما خلفه إلا أستثقالا له، وتخففاً منه. فلما قال ذلك المنافقون، أخذ على سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجرف فقال: يا نبي الله؛ زعم المنافقون أنك إنما خلفتني؛ أنك أستثقلتني وتخففت مني! فقال: كذبوا، ولكني إنما خلفتك لما ورائي، فأرجع فأخلفني في أهلي وأهلك؛ أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؛ إلا أنه لا نبي بعدي! فرجع علي إلى المدينة، ومضى رسول الله صل الله عليه وسلم على سفره .

ثم إن أبا خيثمة أخا بني سالم رجع- بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً- إلى أهله في يوم حار، فوجد أمرأتين له في عريشين لهما في حائط ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاماً؛ فلما دخل فقام على باب العريشين؛ فنظر إلى أمرأتيه وما صنعتا له، قال: رسول الله في الضح والريح، وأبو خيثمة في ظلال باردة وماء بارد وطعام مهيإ وأمرأة حسناء، في ماله مقيم! ما هذا بالنصف! ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله؛ فهيئا لي زاداً؛ ففعلتا. ثم قدم ناضحه فأرتحله ، ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق، يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إن لي ذنباً، فلا عليك أن تخلف عني حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففعل، ثم سار حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك، قال الناس: يا رسول الله، هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله: كن أبا خيثمة! فقالوا: يا رسول الله، هو والله أبو خيثمة! فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله: أولى لك يا أبا خيثمة! ثم أخبر رسول الله الخبر، فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم خيراً، ودعا له بخير.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر نزلها وأستقى الناس من بئرها، فلما راحوا منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشربوا من مائها شيئاً، ولا تتوضئوا منها للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئاً، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له؛ ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رجلين من بني ساعدة؛ خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعير له، فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الذي ذهب في طلب بعيره فأحتملته الريح حتى طرحته في جبلي طيئ، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحب له! ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفى، وأما الآخر الذي وقع بجبلي طيئ؛ فإن طيئاً هدته لرسول الله صل الله عليه وسلم حين قدم المدينة .

قال أبو جعفر: والحديث عن الرجلين .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن العباس بن سهل بن سعد الساعدي: فلما أصبح الناس- ولا ماء معهم- شكوا ذلك إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، فدعا الله، فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى أرتوي الناس، وأحتملوا حاجتهم من الماء .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: قلت لمحمود بن لبيد: هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم؟ قال: نعم؛ والله إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن عمه ومن عشيرته، ثم يلبس بعضهم بعضاً على ذلك؛ ثم قال محمود: لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه، كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سار، فلما كان من أمر الماء بالحجر ما كان، ودعا رسول الله صل الله عليه وسلم حين دعا، فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى أرتوى الناس، أقبلنا عليه نقول: ويحك! هل بعد هذا شيء! قال: سحابة مارة.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، يقال له عمارة بن حزم، وكان عقبياً بدرياً، وهو عم بني عمرو بن حزم، وكان في رحله زيد بن لصيب القينقاعي، وكان منافقاً، فقال زيد بن لصيب وهو في رحل عمارة، وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس يزعم محمد أنه نبي يخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- وعمارة عنده: إن رجلاً قال: إن محمداً هذا يخبركم أنه نبي، وهو يزعم أنه يخبركم بخير السماء وهو لا يدري أين ناقته! وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في الوادي من شعب كذا وكذا قد حبستها شجرة بزمامها، فأنطلقوا حتى تأتوا بها، فذهبوا فجاءوا بها، فرجع عمارة بن حزم إلى أهله ، فقال: والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفاً عن مقالة قائل أخبره الله عنه عنه كذا وكذا- للذي قال زيد بن اللصيب- فقال رجل ممن كان في رحل عمارة، ولم يحضر رسول الله: زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي. فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ، ويقول: يا عباد الله، والله إن في رحلي لداهية وما أدري! أخرج يا عدو الله من رحلي فلا تصحبني! قال: فزعم بعض الناس أن زيداً تاب بعد ذلك، وقال بعض: لم يزل متهماً بشر حتى هلك. ثم مضى رسول الله صل الله عليه وسلم سائراً؛ فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان، فيقول: دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه؛ حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره؛ فقال: دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه.

قال: وتلوم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه، فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله ماشياً، ونزل رسول الله في بعض منازله، فنظره ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر! فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله، هو أبو ذر! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر! يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بريدة بن سفيان الأسلمى، عن محمد بن كعب القرظي، قال: لما نفي عثمان أبا ذر نزل أبو ذر الربذة، فأصابه بها قدره، ولم يكن معه أحد إلا أمرأته وغلامه، فأوصاهما أن غسلانى وكفنانى، ثم ضعاني على قارعة الطريق ، فأول ركب يمر بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلاً ذلك به، ثم وضعاه على قارعة الطريق، فأقبل عبد الله بن مسعود ورهط من أهل العراق عماراً، فلم يرعهم إلا بجنازة على الطريق قد كادت الإبل تطؤها، وقام إليهم الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله، فأعينونا على دفنه. قال: فأستهل عبد الله بن مسعود يبكي، ويقول: صدق رسول الله! تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، ثم نزل هو وأصحابه فواروه.

ثم حدثهم ابن مسعود حديثه وما قال له رسول الله في مسيره إلى تبوك.

قال: وقد كان رهط من المنافقين، منهم وديعة بن ثابت أخو بني عمرو ابن عوف، ومنهم رجل من أشجع حليف لبني سلمة، يقال له مخشى ابن حمير، يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم! والله لكأني بكم غداً مقرنين في الحبال؛ إرجافاً وترهيباً للمؤمنين. فقال مخشي ابن حمير: والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، وأنا ننفلت أن ينزل الله فينا قرآنا لمقالتكم هذه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني- لعمار بن ياسر: أدرك القوم، فإنهم قد أحترقوا، فسلهم عما قالوا؛ فإن أنكروا فقل: بلى قد قلتم كذا وكذا. فانطلق إليهم عمار فقال لهم ذلك؛ فأتوا رسول الله يعتذرون إليه، فقام وديعة بن ثابت ورسول الله واقف على ناقته، فجعل يقول وهو آخذ بحقبها : يا رسول الله، كنا نخوض ونلعب؛ فأنزل الله عز وجل فيهم: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب" . وقال مخشي بن حمير: يا رسول الله، قعد بي إسمي وإسم أبي؛ فكان الذي عفى عنه في هذه الآية مخشي بن حمير؛ فسمى عبد الرحمن، وسأل الله أن يقتله شهيداً لا يعلم مكانه، فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر. فلما أنتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، أتاه يحنه بن رؤبة، صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية، وأهل جرباء وأذرح أعطوه الجزية، وكتب رسول الله صل الله عليه وسلم لكل كتاباً؛ فهو عندهم.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خالد بن الوليد، فبعثه إلى أكيدر دومة- وهو أكيدر بن عبد الملك، رجل من كندة، كان ملكاً عليها وكان نصرانياً- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر، فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له، ومعه أمرأته، فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر، فقالت أمرأته: هل رأيت مثل هذا قط! قال: لا والله، قالت: فمن يترك هذا؟ قال: لا أحد. فنزل فأمر بفرسه فأسرج له وركب معه نفر من أهل بيته، فيهم أخ له يقال له حسان، فركب، وخرجوا معه بمطاردهم؛ فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته، وقتلوه أخاه حسان، وقد كان عليه قباء له من ديباج مخوص بالذهب، فأستلبه خالد، فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه عليه حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أنس بن مالك؛ قال: رأيت قباء أكيدر حين قدم به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم، ويتعجبون منه، فقال رسول الله: أتعجبون من هذا! فو الذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم إن خالداً قدم بأكيدر على رسول الله صل الله عليه وسلم، فحقن له دمه، وصالحه على الجزية، ثم خلى سبيله، فرجع إلى قريته.

رجع الحديث إلى حديث يزيد بن رومان الذي في أول غزوة تبوك. قال: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها ، ثم أنصرف قافلا إلى المدينة، فكان في الطريق ماء يخرج من وشل ما يروي الراكب والراكبين والثلاثة، بواد يقال له وادي المشقق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئاً حتى نأتيه. قال: فسبقه إليه نفر من المنافقين فأستقوا ما فيه، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئاً؛ فقال: من سبقنا إلى هذا الماء؟ فقيل له: يا رسول الله ، فلان وفلان، فقال: أو لم ننههم أن يستقوا منه شيئاً حتى نأتيه! ثم لعنهم رسول الله، ودعا عليهم. ثم نزل صلى الله عليه وسلم، فوضع يده تحت الوشل ، فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب، ثم نضحه به ومسحه بيده، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو، فأنخرق من الماء- كما يقول من سمعه: إن له حساً كحس الصواعق؛ فشرب الناس وأستقوا حاجتهم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بقي منكم ليسمعن بهذا الوادي؛ وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان؛ بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار؛ وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا يا رسول الله؛ إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية؛ وإنا نحب أن تأتينا فتصلى لنا فيه. فقال: إني على جناح سفر، وحال شغل- أو كما قال رسول الله- ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه؛ فلما نزل بذي أو أن أتاه خبر المسجد، فدعا رسول الله صل الله عليه وسلم مالك بن الدخشم، أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي - أو أخاه عاصم بن عدي أخا بني العجلان- فقال: أنطلقا إلى المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه؛ فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم ابن عوف؛ وهم رهط مالك بن الدخشم، فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل إلى أهله، فأخذ سعفاً من النخل، فأشعل فيه ناراً، ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله، فحرقاه وهدماه، وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن ما نزل: "والذين أتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين" ، إلى آخر القصة.

وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا: خذام بن خالد، من بني عبيد بن زيد؛ أحد بني عمرو بن عوف- ومن داره أخرج مسجد الشقاق- وثعلبة بن حاطب من بني عبيد- وهو إلى بني أمية بن زيد، ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد، وعباد ابن حنيف؛ أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف، وجارية بن عامر، وابناه مجمع بن جارية وزيد بن جارية، ونبتل بن الحارث، من بني ضبيعة، وبحزج- وهو إلى بني ضبيعة- وبجاد بن عثمان- وهو من بني ضبيعة- ووديعة بن ثابت وهو إلى بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر.

قال: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة- وقد كان تخلف عنه رهط من المنافقين، وتخلف أولئك الرهط من المسلمين من غير شك ولا نفاق: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية- فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: لا يكلمن أحد أحداً من هؤلاء الثلاثة، وأتاه من تخلف عنه من المنافقين، فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ن فصفح عنهم رسول الله ولم يعذرهم الله ولا رسوله، وأعتزل المسلمون كلام هؤلاء الثلاثة النفر، حتى أنزل الله عز وجل قوله: "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار"- إلى قوله- "وكونوا مع الصادقين" ، فتاب الله عليهم.

قال: وقدم رسول الله صل الله عليه وسلم المدينة من تبوك في شهر رمضان. وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف، وقد مضى ذكر خبرهم قبل.

أمر طيئ وعدي بن حاتم قال: وفي هذه السنة- أعني ستة تسع- وجه رسول الله صل الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في سرية إلى بلاد طيئ في ربيع الآخر، فأغار عليهم، فسبى وأخذ سيفين كانا في بيت الصنم؛ يقال لأحدهما: رسوب، وللآخر المخذم؛ وكان لهما ذكر، كان الحارث بن أبي شمر نذرهما له، وسبى أخت عدي بن حاتم.

قال أبو جعفر: فأما الأخبار الواردة عن عدي بن حاتم عندنا بذلك فبغير بيان وقت، وبغير ما قال الواقدي في سبي على أخت عدي بن حاتم.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا سماك، قال: سمعت عباد بن حبيش يحدث عن عدي بن حاتم، قال: جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم- أو قال: رسل رسول الله- فأخذوا عمتي وناساً، فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فصفوا له. قالت: قلت: يا رسول الله، نأى الوافد، وأنقطع الوالد؛ وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة؛ فمن على من الله عليك يا رسول الله! قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم؛ قال: الذي فر من الله ورسوله! قالت فمن علي- ورجل إلى جنبه ترى أنه على عليه السلام، قال: سليه حملاناً- قال: فسألته، فأمر بها فأتتني، فقالت: لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها! قالت: ائته راغباً وراهباً، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال: فأتيته فإذا عنده أمرأة وصبيان- أو صبي- فذكر قربهم من النبي صل الله عليه وسلم- فعرفت أنه ليس بملك كسرى ولا قيصر، فقال لي: يا عدي بن حاتم، ما أفرك أن يقال لا إله إلا الله! فهل من إله إلا الله! وما أفرك أن يقال الله أكبر! فهل من شيء هو أكبر من الله! فأسلمت فرأيت وجهه أستبشر.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن شيبان بن سعد الطائي، قال: كان عدي بن حاتم طيئ يقول فيما بلغني: ما رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله حين سمع به مني؛ أما أنا فكنت أمرأ شريفاً، وكنت نصرانياً أسير في قومي بالمرباع ، فكنت في نفسي على دين، وكنت ملكاً في قومي، لما كان يصنع بي، فلما سمعت برسول الله كرهته، فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعياً لإبلي: لا أبالك! أعدد لي من إبلي أجمالاً ذللا سمانا مسان ، فأحبسها قريباً مني؛ فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني، ففعل. ثم إنه أتاني ذات غداة، فقال: يا عدي؛ ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإني قد رأيت رايات، فسألت عنها، فقالوا: هذه جيوش محمد، قال: فقلت: قرب لي جمالي، فقربها، فأحتملت بأهلي وولدي، ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصاري بالشأم، فسلكت الحوشية وخلفت ابنة حاتم في الحاضر، فلما قدمت الشأم أقمت بها، وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصيب. فقدم بها على رسول الله في سبايا طيئ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشأم. قال: فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن بها، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه- وكانت أمرأة جزلة- فقالت: يا رسول الله؛ هلك الوالد، وغاب الوافد، فأمنن على من الله عليك! قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم، قال: الفار من الله ورسوله! قالت: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني؛ حتى إذا كان الغد مر بي وقد أيست، فأشار إلى رجل من خلفه: أن قومي إليه فكلميه، قالت: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فأمنن علي من الله عليك! قال: قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني. قالت: فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن كلميه فقيل: علي بن أبي طالب. قالت: وأقمت حتى قدم ركب من بلى- أو من قضاعة- قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشأم، قالت: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكساني رسول الله صل الله عليه وسلم، وحملني وأعطاني نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشأم.

قال عدي: فو الله، إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلى تؤمنا. قال: فقلت: ابنة حاتم! قال: فإذا هي هي؛ فلما وقفت على أنسحلت تقول: القاطع الظالم! أحتملت بأهلك وولدك، وتركت بنية والدك وعورته! قال: قلت: يا أخية، لا تقولي إلا خيراً، فو الله مالي عذر، لقد صنعت ما ذكرت. قال: ثم نزلت فأقامت عندي، فقلت لها- وكانت أمرأة حازمة: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى والله أن تلحق به سريعاً، فإن يكن الرجل نبياً فالسابق إليه له فضيلة، وإن يكن ملكاً فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت ! قلت: والله إن هذا للرأي. قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله المدينة، فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه، فقال: من الرجل؟ فقلت: عدي بن حاتم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنطلق بي إلى بيته، فو الله إنه لعامد بي إذ لقيته أمرأة ضعيفة كبيرة فأستوقفته، فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها. قال: فقلت في نفسي: والله ما هذا بملك، ثم مضى رسول الله حتى دخل بيته، فتناول وسادة من أدم محشوة ليفاً، فقذفها إلى، فقال لي: أجلس على هذه، قال: قلت: لا بل أنت، فأجلس عليها. قال: لا بل أنت، فجلست وجلس رسول الله صل الله عليه وسلم بالأرض. قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك، ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم! ألم تك ركوسيا ! قال: قلت: بلى، قال: أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع! قال: قلت: بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك، قال: قلت: أجل والله- وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل- قال: ثم قال: لعله يا عدي بن حاتم؛ إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم! فو الله ليوشكن المال يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه؛ ولعله إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم؛ فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت، لا تخاف إلا الله؛ ولعله إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت. قال: فأسلمت، فكان عدي بن حاتم يقول: مضت الثنتان وبقيت الثالثة، والله لتكونن قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت، ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئاً حتى تحج هذا البيت. وايم الله لتكونن الثالثة ليفيضن المال حتى لا يوجد من يأخذه".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:21 am

موقعة الجمل

موقعة الجمل هي معركة وقعت في البصرة عام 36 هـ بين قوات أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام بالإضافة إلى أم المؤمنين السيدة عائشة التي قيل أنها ذهبت مع جيش المدينة في هودج من حديد على ظهر جمل، وسميت المعركة بالجمل نسبة إلى هذا الواقع.

ورد في "البداية والنهاية" لابن كثير:

" لما وقع قتل عثمان بعد أيام التشريق، كان أزواج النبي صل الله عليه وسلم أمهات المؤمنين قد خرجن إلى الحج في هذا العام فراراً من الفتنة، فلما بلغ الناس أن عثمان قد قتل، أقمن بمكة بعد ما خرجوا منها، ورجعوا إليها وأقاموا بها، وجعلوا ينتظرون ما يصنع الناس ويتجسسون الأخبار‏.‏

فلما بويع لعلي وصار حظ الناس عنده بحكم الحال وغلبة الرأي، لا عن اختيار منه لذلك رؤس أولئك الخوارج الذين قتلوا عثمان مع أن علياً في نفس الأمر يكرههم، ولكنه تربص بهم الدوائر، ويود لو تمكن منهم ليأخذ حق الله منهم، ولكن لما وقع الأمر هكذا واستحوذوا عليه، وحجبوا عنه علية الصحابة فر جماعة من بني أمية وغيرهم إلى مكة، واستأذنه طلحة والزبير في الاعتمار، فأذن لهما فخرجا إلى مكة، وتبعهم خلق كثير وجم غفير‏.‏

وكان علي لما عزم على قتال أهل الشام قد ندب أهل المدينة إلى الخروج معه فأبوا عليه، فطلب عبد الله بن عمر بن الخطاب وحرضه على الخروج معه‏.‏

فقال‏:‏ إنما أنا رجل من أهل المدينة، إن خرجوا خرجت على السمع والطاعة، ولكن لا أخرج للقتال في هذا العام، ثم تجهز ابن عمر وخرج إلى مكة، وقدم إلى مكة أيضاً في هذا العام يعلى بن أمية من اليمن - وكان عاملاً عليها لعثمان - ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم، وقدم لها عبد الله بن عامر من البصرة، وكان نائبها لعثمان، فاجتمع فيها خلق من سادات الصحابة وأمهات المؤمنين‏.‏

فقامت عائشة رضي الله عنها في الناس تخطبهم وتحثهم على القيام بطلب دم عثمان، وذكرت ما افتات به أولئك من قتله في بلد حرام وشهر حرام، ولم يراقبوا جوار رسول الله صل الله عليه وسلم وقد سفكوا الدماء وأخذوا الأموال، فاستجاب الناس لها، وطاوعوها على ما تراه من الأمر بالمصلحة، وقالوا لها‏:‏ حيثما ما سرت سرنا معك‏.‏

فقال قائل‏:‏ نذهب إلى الشام‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ إن معاوية قد كفاكم أمرها، ولو قدموها لغلبوا، واجتمع الأمر كله لهم، لأن أكابر الصحابة معهم‏.‏

وقال آخرون‏:‏ نذهب إلى المدينة فنطلب من علي أن يسلم إلينا قتلة عثمان فيقتلوا‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل نذهب إلى البصرة فنتقوى من هنالك بالخيل والرجال، ونبدأ بمن هناك من قتلة عثمان‏.‏

فاتفق الرأي على ذلك، وكان بقية أمهات المؤمنين قد وافقن عائشة على المسير إلى المدينة‏.‏

فلما اتفق الناس على المسير إلى البصرة رجعن عن ذلك، وقلن لا نسير إلى غير المدينة، وجهز الناس يعلى بن أمية فأنفق فيهم ستمائة بعير وستمائة ألف درهم وجهزهم ابن عامر أيضاً بمال كثير‏.‏

وكانت حفصة بنت عمر أم المؤمنين قد وافقت عائشة على المسير إلى البصرة، فمنعها أخوها عبد الله من ذلك، وأبى هو أن يسير معهم إلى غير المدينة، وسار الناس صحبة عائشة في ألف فارس‏.‏

وقيل‏:‏ تسعمائة فارس من أهل المدينة ومكة، وتلاحق بهم آخرون، فصاروا في ثلاثة آلاف، وأم المؤمنين عائشة تحمل في هودج على جمل اسمه عسكر اشتراه يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار، وقيل‏:‏ بثمانين ديناراً، وقيل‏:‏ غير ذلك‏.‏

وسار معها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق ففارقنها هنالك وبكين للوداع، وتباكى الناس، وكان ذلك اليوم يسمى يوم النحيب‏.‏

وسار الناس قاصدين البصرة، وكان الذي يصلي بالناس عن أمر عائشة ابن أختها عبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم يؤذن للناس في أوقات الصلوات، وقد مروا في مسيرهم ليلاً بماء يقال له الحوأب فنبحتهم كلاب عنده، فلما سمعت ذلك عائشة قالت‏:‏ ما اسم هذا المكان‏؟‏

قالوا‏:‏ الحوأب، فضربت بإحدى يديها على الأخرى، وقالت‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون ما أظنني إلا راجعة‏.‏

قالوا‏:‏ ولم‏؟‏

قالت‏:‏ سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول‏:‏ لنسائه‏:‏ ‏(‏‏(‏ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب‏)‏‏)‏‏.‏

ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت‏:‏ ردوني ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب‏.‏

وقد أوردنا هذا الحديث بطرقه وألفاظه في ‏(‏دلائل النبوة‏)‏ كما سبق، فأناخ الناس حولها يوماً وليلة‏.‏

وقال لها عبد الله بن الزبير‏:‏ إن الذي أخبرك أن هذا ماء الحوأب قد كذب، ثم قال الناس‏:‏ النجا النجا، هذا جيش علي بن أبي طالب قد أقبل، فارتحلوا نحو البصرة، فلما اقتربت من البصرة، كتبت إلى الأحنف بن قيس وغيره من رؤوس الناس‏:‏ أنها قد قدمت، فبعث عثمان بن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي إليها ليعلما ما جاءت له، فلما قدما عليها سلما عليها واستعلما منها ما جاءت له، فذكرت لهما ما الذي جاءت له من القيام بطلب دم عثمان، لأنه قتل مظلوماً في شهر حرام وبلد حرام‏.‏

وتلت قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 114‏]‏ فخرجا من عندها فجاءا إلى طلحة، فقالا له‏:‏ ما أقدمك‏؟‏

فقال‏:‏ الطلب بدم عثمان‏.‏

فقالا‏:‏ ما بايعت علياً‏؟‏

قال‏:‏ بلى والسيف على عنقي، ولا أستقبله إن هو لم يخل بيننا وبين قتلة عثمان‏.‏

فذهبا إلى الزبير فقال‏:‏ مثل ذلك‏.‏

قال‏:‏ فرجع عمران وأبو الأسود إلى عثمان بن حنيف، فقال أبو الأسود‏:‏

يا ابن الأحنف قد أتيت فانفر * وطاعن القوم وجالد واصبر

واخرج لهم مستلثماً وشمر *

فقال عثمان بن حنيف‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون دارت رحا الإسلام ورب الكعبة، فانظروا بأي زيفان نزيف‏.‏

فقال عمران‏:‏ إي والله لتعركنكم عركاً طويلاً، يشير عثمان بن حنيف إلى حديث ابن مسعود مرفوعاً‏:‏ ‏(‏‏(‏تدور رحا الإسلام لخمس وثلاثين‏)‏‏)‏ الحديث كما تقدم‏.‏

ثم قال عثمان بن حنيف لعمران بن حصين‏:‏ أشر علي‏.‏

فقال‏:‏ اعتزل، فإني قاعد في منزلي، أو قال قاعد على بعيري فذهب، فقال عثمان‏:‏ بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين، فنادى في الناس يأمرهم بلبس السلاح، والاجتماع في المسجد فاجتمعوا، فأمرهم بالتجهز، فقام رجل وعثمان على المنبر فقال‏:‏ أيها الناس، إن كان هؤلاء القوم جاؤوا خائفين فقد جاؤوا من بلد يأمن فيه الطير، وإن كانوا جاؤوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلته، فأطيعوني وردوهم من حيث جاؤوا‏.‏

فقام الأسود بن سريع السعدي فقال‏:‏ إنما جاؤوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا، فحصبه الناس، فعلم عثمان بن حنيف أن لقتلة عثمان بالبصرة أنصاراً، فكره ذلك، وقدمت أم المؤمنين بمن معها من الناس، فنزلوا المربد من أعلاه قريباً من البصرة، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها، وخرج عثمان بن حنيف بالجيش فاجتمعوا بالمربد، فتكلم طلحة - وكان على الميمنة - فندب إلى الأخذ بثأر عثمان، والطلب بدمه، وتابعه الزبير فتكلم بمثل مقالته فرد عليهما ناس من جيش عثمان بن حنيف، وتكلمت أم المؤمنين فحرضت وحثت على القتال، فتناور طوائف من أطراف الجيش فتراموا بالحجارة‏.‏

ثم تحاجز الناس ورجع كل فريق إلى حوزته، وقد صارت طائفة من جيش عثمان بن حنيف إلى جيش عائشة فكثروا، وجاء حارثة بن قدامة السعدي فقال‏:‏ يا أم المؤمنين‏!‏ والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة للسلاح، إن كنت أتيتينا طائعة فارجعي من حيث جئت إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مكرهة، فاستعيني بالناس في الرجوع‏.‏

وأقبل حكيم بن جبلة - وكان على خيل عثمان بن حنيف - فأنشب القتال وجعل أصحاب أم المؤمنين يكفون أيديهم ويمتنعون من القتال، وجعل حكيم يقتحم عليهم فاقتتلوا على فم السكة‏.‏

وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن، وحجز الليل بينهم، فلما كان اليوم الثاني قصدوا للقتال، فاقتتلوا قتالاً شديداً، إلى أن زال النهار، وقتل خلقٌ كثير من أصحاب ابن حنيف، وكثرت الجراح في الفريقين، فلما عضتهم الحرب تداعوا إلى الصلح على أن يكتبوا بينهم كتاباً، ويبعثوا رسولاً إلى أهل المدينة يسأل أهلها، إن كان طلحة والزبير أكرها على البيعة‏.‏

خرج عثمان بن حنيف عن البصرة وأخلاها، وإن لم يكونا أكرها على البيعة خرج طلحة والزبير عنها وأخلوها لهم، وبعثوا بذلك كعب بن سور القاضي، فقدم المدينة يوم الجمعة، فقام في الناس فسألهم‏:‏

هل بايع طلحة والزبير طائعين أو مكرهين‏؟‏ فسكت الناس فلم يتكلم إلا أسامة بن زيد‏.‏

فقال‏:‏ بل كانا مكرهين، فثار إليه بعض الناس، فأرادوا ضربه فحاجف دونه صهيب، وأبو أيوب، وجماعة حتى خلصوه، وقالوا له‏:‏ ما وسعك ما وسعنا من السكوت ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ لا والله ما كنت أرى أن الأمر ينتهي إلى هذا، وكتب علي إلى عثمان بن حنيف، يقول له‏:‏ إنهما لم يكرها على فرقة، ولقد أكُرها على جماعة وفضل، فإن كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما، وإن كانا يريدان غير ذلك نظرا ونظرنا، وقد كعب بن سور على عثمان بكتاب علي، فقال عثمان‏:‏ هذا أمر آخر غير ما كنا فيه‏.‏

وبعث طلحة والزبير إلى عثمان بن حنيف أن يخرج إليهما فأبى، فجمعا الرجال في ليلة مظلمة وشهدا بهم صلاة العشاء في المسجد الجامع، ولم يخرج عثمان بن حنيف تلك الليلة، فصلى بالناس عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، ووقع من رعاع الناس من أهل البصرة كلام وضرب، فقُتل منهم نحواً من أربعين رجلاً، ودخل الناس على عثمان بن حنيف قصره فأخرجوه إلى طلحة والزبير، ولم يبق في وجهه شعرة إلا نتفوها، فاستعظما ذلك‏.‏

وبعثا إلى عائشة، فأعلماها الخبر، فأمرت أن تخلي سبيله فأطلقوه، وولوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر، وقسم طلحة والزبير أموال بيت المال في الناس، وفضلوا أهل الطاعة وأكب عليهم الناس يأخذون أرزاقهم وأخذوا الحرس، واستبدوا في الأمر بالبصرة، فحمى لذلك جماعة من قوم قتلة عثمان وأنصارهم‏.‏

فركبوا في جيش قريب من ثلاثمائة، ومقدمهم حكيم بن جبلة، وهو أحد من باشر قتل عثمان، فبارزوا وقاتلوا، فضرب رَجل رجل حكيم بن جبلة فقطعها فزحف حتى أخذها وضرب بها ضاربه فقتله، ثم اتكأ عليه، وجعل يقول‏:‏

يا ساق لن تراعي * إن لك ذراعي

أحمى بها كراعي

وقال أيضاً‏:‏

ليس على أن أموت عار * والعار في الناس هو الفرارُ

والمجد لا يفضحه الدمار

فمر عليه رجل وهو متكئ برأسه على ذلك الرجل، فقال له‏:‏ من قتلك‏؟‏

فقال له‏:‏ وسادتي‏.‏

ثم مات حكيم قتيلاً، هو ونحواً من سبعين من قتلة عثمان، وأنصارهم أهل المدينة، فضعف جأش من خالف طلحة والزبير من أهل البصرة‏.‏

ويقال‏:‏ إن أهل البصرة بايعوا طلحة والزبير، وندب الزبير ألف فارس يأخذها معه ويلتقي بها علياً قبل أن يجيء فلم يجبه أحد، وكتبوا بذلك إلى أهل الشام يبشرونهم بذلك، وقد كانت هذه الوقعة لخمس ليال يقين من ربيع الآخرة سنة ست وثلاثين‏.‏

وقد كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان تدعوه إلى نصرتها والقيام معها، فإن لم يجيء فليكف يده، وليلزم منزله، أي‏:‏ لا يكون عليها ولا لها، فقال‏:‏ أنا في نصرتك ما دمت في منزلك، وأبى أن يطيعها في ذلك‏.‏

وقال‏:‏ رحم الله أم المؤمنين، أمرها الله أن تلزم بيتها، وأمرنا أن نقاتل، فخرجت من منزلها، وأمرتنا بلزوم بيوتنا التي كانت هي أحق بذلك منا‏.‏

وكتبت عائشة إلى أهل اليمامة والكوفة بمثل ذلك‏.‏

مسير علي بن أبي طالب من المدينة إلى البصرة بدلاً من الشام

بعد أن كان قد تجهز قاصداً الشام كما ذكرنا، فلما بلغه قصد طلحة والزبير البصرة، خطب الناس وحثهم على المسير إلى البصرة ليمنع أولئك من دخولها إن أمكن، أو يطردهم عنها إن كانوا قد دخلوها، فتثاقل عنه أكثر أهل المدينة، واستجاب له بعضهم‏.‏

قال الشعبي‏:‏ مما نهض معه في هذا الأمر غير ستة نفر من البدريين ليس لهم سابع، وقال غيره‏:‏ أربعة‏.‏

وذكر ابن جرير وغيره قال‏:‏ كان ممن استجاب له من كبار الصحابة‏:‏ أبو الهيثم بن التيهان، وأبو قتادة الأنصاري، وزياد بن حنظلة، وخزيمة بن ثابت‏.‏

قالوا‏:‏ وليس بذي الشهادتين، ذاك مات في زمن عثمان رضي الله عنه‏.‏

وسار على من المدينة نحو البصرة على تعبئته المتقدم ذكرها، غير أنه استخلف على المدينة تمام بن عباس وعلى مكة قثم بن عباس، وذلك في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين‏.‏

وخرج علي من المدينة في نحو من تسعمائة مقاتل، وقد لقي عبد الله بن سلام رضي الله عنه علياً وهو بالربذة فأخذ بعنان فرسه‏.‏

وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، لا تخرج منها فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبداً، فسبه بعض الناس‏.‏

فقال علي‏:‏ دعوه فنعم الرجل من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم، وجاء الحسن بن علي إلى أبيه في الطريق‏.‏

فقال‏:‏ لقد نهيتك فعصيتني تقتل غداً بمضيعة لا ناصر لك‏.‏

فقال له علي‏:‏ إنك لا تزال تحن على حنين الجارية، وما الذي نهيتني عنه فعصيتك ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ ألم آمرك قبل مقتل عثمان أن تخرج منها لئلا يقتل وأنت بها، فيقول قائل‏:‏ أو يتحدث متحدث، ألم آمرك أن لا تبايع الناس بعد قتل عثمان حتى يبعث إليك أهل كل مصر ببيعتهم‏؟‏ وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلان أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فعصيتني في ذلك كله ‏؟‏‏.‏

فقال له علي‏:‏ أما قولك أن أخرج قبل مقتل عثمان، فلقد أحيط بنا كما أحيط به، وأما مبايعتي قبل مجيء بيعة الأمصار، فكرهت أن يضيع هذا الأمر، وأما أن أجلس وقد ذهب هؤلاء إلى ما ذهبوا إليه، فتريد مني أن أكون كالضبع التي يحاط بها، ويقال‏:‏ ليست هاهنا حتى يشق عرقوبها فتخرج، فإذا لم أنظر فيما يلزمني في هذا الأمر ويعنيني، فمن ينظر فيه‏؟‏ فكف عني يا بني‏.‏

ولما انتهى إليه خبر ما صنع القوم بالبصرة من الأمر الذي قدمنا، كتب إلى أهل الكوفة مع محمد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر‏:‏ إني قد اخترتكم على الأمصار، فرغبت إليكم وفزغت لما حدث، فكونوا لدين الله أعواناً وأنصاراً، وأيدونا وانهضوا إلينا، فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخواناً‏.‏

فمضيا، وأرسل إلى المدينة فأخذ ما أراد من سلاح ودواب، وقام في الناس خطيباً، فقال‏:‏ إن الله أعزنا بالإسلام ورفعنا به، وجعلنا به إخواناً، بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد، فجرى الناس على ذلك ما شاء الله، الإسلام دينهم، والحق قائم بينهم، والكتاب إمامهم، حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة، ألا وإن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلها، فنعوذ بالله من شر ما هو كائن‏.‏

ثم عاد ثانية فقال‏:‏ إنه لا بد مما هو كائن أن يكون، ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، شرها فرقة تحبني ولا تعمل بعملي، وقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم، واهتدوا بهديي فإنه هدى نبيكم، واتبعوا سنته وأعرضوا عما أشكل عليكم حتى تعرضوه الكتاب، فما عرفه القرآن فالزموه، وما أنكره فردوه، وارضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن حكماً وإماماً‏.‏

قال‏:‏ فلما عزم على المسير من الربذة قام إليه ابن أبي رفاعة بن رافع فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، أي شيء تريد‏؟‏ وأين تذهب بنا ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ أما الذي نريد وننوي، فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابوا إليه‏.‏

قال‏:‏ فإن لم يجيبوا إليه ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ ندعهم بغدرهم ونعطيهم الحق ونصبر‏.‏

قال‏:‏ فإن لم يرضوا ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ ندعهم ما تركونا‏.‏

قال‏:‏ فإن لم يتركونا ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ امتنعنا منهم‏.‏

قال‏:‏ فنعم إذا‏.‏

فقام إليه الحجاج بن غزية الأنصاري‏.‏

فقال‏:‏ لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول، والله لينصرني الله كما سمانا أنصاراً‏.‏

قال‏:‏ وأتت جماعة من طيء، وعلي الربذة‏.‏

فقيل له‏:‏ هؤلاء جماعة جاؤوا من طيء منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد السلام عليك‏.‏

فقال‏:‏ جزى الله كلاً خيراً، ‏{‏وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 95‏]‏‏.‏

قالوا‏:‏ فسار علي من الربذة على تعبئته، وهو راكب ناقة حمراء يقود فرساً كميتاً، فلما كان بفيد جاءه جماعة من أسد وطيء، فعرضوا أنفسهم عليه‏.‏

فقال‏:‏ فيمن معي كفاية، وجاء رجل من أهل الكوفة يقال له‏:‏ عامر بن مطر الشيباني‏.‏

فقال له علي‏:‏ ما وراءك ‏؟‏‏.‏

فأخبره الخبر، فسأله عن أبي موسى، فقال‏:‏ إن أردت الصلح فأبو موسى صاحبه، وإن أردت القتال فليس بصاحبه‏.‏

فقال علي‏:‏ والله ما أريد إلا الصلح ممن تمرد علينا، وسار‏.‏

فلما اقترب من الكوفة وجاءه الخبر بما وقع من الأمر على جليته، من قتل ومن إخراج عثمان بن حنيف من البصرة وأخذهم أموال بيت المال، جعل يقول‏:‏ اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير‏.‏

فلما انتهى إلى ذي قار أتاه عثمان بن حنيف مهشماً وليس في وجهه شعرة‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، بعثتني إلى البصرة، وأنا ذو لحية، وقد جئتك أمرداً‏.‏

فقال‏:‏ أصبت خيراً وأجراً‏.‏

وقال عن طلحة والزبير‏:‏ اللهم احلل ما عقدا، ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما، وأرهما المساءة فيما قد عملاً - يعني‏:‏ في هذا الأمر - وأقام علي بذي قار ينتظر جواب ما كتب به مع محمد بن أبي بكر، وصاحبه محمد بن جعفر - وكانا قد قدما بكتابه على أبي موسى وقاما في الناس بأمره - فلم يجابا في شيء‏.‏

فلما أمسوا دخل أناس من ذوي الحجبى على أبي موسى يعرضون عليه الطاعة لعلي، فقال‏:‏ كان هذا بالأمس فغضب محمد ومحمد فقالا له قولاً غليظاً‏.‏

فقال لهما‏:‏ والله إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما، فإن لم يكن بد من قتال فلا نقاتل أحداً حتى نفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا ومن كانوا، فانطلقا إلى علي فأخبراه الخبر وهو بذي قار، فقال للأشتر‏:‏

أنت صاحب أبي موسى، والمعرض في كل شيء، فاذهب أنت وابن عباس فأصلح ما أفسدت، فخرجا فقدما الكوفة وكلما أبا موسى واستعانا عليه بنفر من الكوفة، فقام في الناس‏.‏

فقال‏:‏ أيها الناس، إن أصحاب محمد صل الله عليه وسلم الذين صحبوه أعلم بالله ورسوله ممن لم يصحبه، وإن لكم علينا حقاً وأنا مؤد إليكم نصيحة، كان الرأي أن لا تستخفا بسلطان الله وأن لا تجترئوا على أمره‏.‏

وهذه فتنة النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الراكب، والراكب خير من الساعي، فاغمدوا السيوف وانصلوا الأسنة، واقطعوا الأوتار، وأووا المضطهد والمظلوم حتى يلتئم هذا الأمر، وتنجلي هذه الفتنة‏.‏

فرجع ابن عباس والأشتر إلى علي، فأخبراه الخبر، فأرسل الحسن وعمار بن ياسر، وقال لعمار‏:‏ انطلق فأصلح ما أفسدت فانطلقا حتى دخلا المسجد، فكان أول من سلم عليهما مسروق بن الأجدع‏.‏

فقال لعمار‏:‏ علام قتلتم عثمان‏؟‏

فقال‏:‏ على شتم أعراضنا، وضرب أبشارنا‏.‏

فقال‏:‏ والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولو صبرتم لكان خيراً للصابرين‏.‏

قال‏:‏ وخرج أبو موسى، فلقي الحسن بن علي فضمه إليه، وقال لعمار‏:‏ يا أبا اليقظان، أعدوت على أمير المؤمنين عثمان قتلته ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ لم أفعل، ولم يسؤني ذلك، فقطع عليهما الحسن بن علي‏.‏

فقال لأبي موسى‏:‏ لم تثبط الناس عنا، فوالله ما أردنا إلا الإصلاح، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء‏.‏

فقال‏:‏ صدقت بأبي وأمي، ولكن المستشار مؤتمن، سمعت من النبي صل الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب‏)‏‏)‏ وقد جعلنا الله إخواناً، وحرم علينا دماءنا وأموالنا‏.‏

فغضب عمار وسبه، وقال‏:‏ يا أيها الناس، إنما قال له رسول الله صل الله عليه وسلم وحده أنت فيها قاعداً خير منك قائماً‏.‏

فغضب رجل من بني تميم لأبي موسى ونال من عمار، وثار آخرون وجعل أبو موسى يكفكف الناس، وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، وقال أبو موسى‏:‏

أيها الناس أطيعوني، وكونوا خير قوم من خير أمم العرب، يأوي إليهم المظلوم، ويأمن فيهم الخائف، وإن الفتنة إذا أقبلت شبهت، وإذ أدبرت تبينت، ثم أمر الناس بكف أيديهم، ولزوم بيوتهم‏.‏

فقام زيد بن صوحان فقال‏:‏ أيها الناس، سيروا إلى أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، سيروا إليه أجمعون‏.‏

فقام القعقاع بن عمرو فقال‏:‏ إن الحق ما قاله الأمير، ولكن لا بد للناس من أمير يردع الظالم، ويعدي المظلوم، وينتظم به شمل الناس، وأمير المؤمنين علي وليَ بما وليَ وقد أنصف بالدعاء، وإنما يريد الإصلاح، فانفروا إليه‏.‏

وقام عبد خير، فقال‏:‏ الناس أربع فرق، علي بمن معه في ظاهر الكوفة، وطلحة، والزبير بالبصرة، ومعاوية بالشام، وفرقه بالحجاز لا تقاتل ولا عناء بها‏.‏

فقال أبو موسى‏:‏ أولئك خير الفرق، وهذه فتنة‏.‏

ثم تراسل الناس في الكلام ثم قام عمار، والحسن بن علي في الناس علي المنبر يدعوان الناس إلى النفير إلى أمير المؤمنين، فإنه إنما يريد الإصلاح بين الناس‏.‏

وسمع عمار رجلاً يسب عائشة فقال‏:‏ اسكت مقبوحاً منبوحاً، والله إنها لزوجة رسول الله صل الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعوه أو إياها، رواه البخاري‏.‏

وقام حجر بن عدي فقال‏:‏ أيها الناس، سيروا إلى أمير المؤمنين‏:‏ ‏{‏انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 41‏]‏ وجعل الناس كلما قام رجل فحرض الناس على النفير يثبطهم أبو موسى من فوق المنبر، وعمار، والحسن معه على المنبر، حتى قال له الحسن بن علي‏:‏ ويحك‏!‏ اعتزلنا لا أم لك، ودع منبرنا‏.‏

ويقال‏:‏ إن علياً بعث الأشتر فعزل أبا موسى عن الكوفة، وأخرجه من قصر الإمارة من تلك الليلة، واستجاب الناس للنفير، فخرج مع الحسن تسعة آلاف في البر، وفي دجلة‏.‏

ويقال‏:‏ سار معه اثني عشر ألف رجل ورجل واحد، وقدموا على أمير المؤمنين فتلقاهم بذي قار إلى أثناء الطريق في جماعة، منهم‏:‏ ابن عباس فرحب بهم، وقال‏:‏ يا أهل الكوفة‏!‏ أنتم لقيتم ملوك العجم ففضضتم جموعهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة، فإن يرجعوا فذاك الذي نريده، وإن أبوا داويناهم بالرفق حتى يبدأونا بالظلم، ولم ندع أمراً فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى‏.‏

فاجتمعوا عنده بذي قار، وكان من المشهورين من رؤساء من انضاف إلى علي‏:‏ القعقاع بن عمرو، وسعد بن مالك، وهند بن عمرو، والهيثم بن شهاب، وزيد بن صوحان، والأشتر، وعدي بن حاتم، والمسيب بن نجية، ويزيد بن قيس، وحجر بن عدي وأمثالهم‏.‏

وكانت عبد القيس بكمالها بين علي وبين البصرة ينتظرونه وهم ألوف، فبعث علي القعقاع رسولاً إلى طلحة والزبير بالبصرة يدعوهما إلى الألفة والجماعة، ويعظم عليهما الفرقة والاختلاف‏.‏

فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين فقال‏:‏ أي أماه‏!‏ ما أقدمك هذا البلد‏؟‏

فقالت‏:‏ أي بني‏!‏ الإصلاح بين الناس‏.‏

فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا عندها فحضرا، فقال القعقاع‏:‏ إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها‏؟‏ فقالت‏:‏ إنما جئت للإصلاح بين الناس‏.‏

فقالا‏:‏ ونحن كذلك‏.‏

قال‏:‏ فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح‏؟‏ وعلى أي شيء يكون‏؟‏ فوالله لئن عرفناه لنصطلحن، ولئن أنكرناه لا نصطلحن‏.‏

قالا‏:‏ قتلة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركاً للقرآن‏.‏

فقال‏:‏ قتلتما قتلته من أهل البصرة، وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة رجل فغضب لهم ستة آلاف فاعتزلوكم، وخرجوا من بين أظهركم‏.‏

وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون، وإن قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم، وفرقتم من هذا الأمر أعظم مما أراكم تدفعون وتجمعون منه - يعني‏:‏ أن الذي تريدونه من قتل قتلة عثمان مصلحة، ولكنه يترتب عليه مفسدة هي أربى منها - وكما أنكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير، لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد قتله، فعلي أعذر في تركه الآن قتل قتلة عثمان، وإنما أخر قتل قتلة عثمان إلى أن يتمكن منهم فإن الكلمة في جميع الأمصار مختلفة، ثم أعلمهم أن خلقاً من ربيعة ومضر قد اجتمعوا لحربهم بسبب هذا الأمر الذي وقع‏.‏

فقالت له عائشة أم المؤمنين‏:‏ فماذا تقول أنت‏؟‏

قال‏:‏ أقول‏:‏ إن هذا الأمر الذي وقع دواؤه التسكين، فإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير، وتباشير رحمة، وإدراك الثأر، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر وائتنافه كانت علامة شر، وذهاب هذا الملك، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولاً، ولا تعرضونا للبلاء، فتتعرضوا له، فيصرعنا الله وإياكم‏.‏

وأيم الله‏:‏ إني لأقول قولي هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف أن لا يتم، حتى يأخذ الله حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها، ونزل بها ما نزل، فإن هذا الأمر الذي قد حدث أمر عظيم، وليس كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة القبيلة‏.‏

فقالوا‏:‏ قد أصبت وأحسنت، فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح الأمر‏.‏

قال‏:‏ فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه‏.‏

وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيباً‏:‏ فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه صل الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة، أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي من الله بها، وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره‏.‏

ثم قال‏:‏ ألا إني مرتحل غداً فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس‏.‏

فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء، وسالم بن ثعلبة، وغلاب بن الهيثم، وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد‏.‏

فقالوا‏:‏ ما هذا الرأي وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غداً يجمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم‏؟‏

فقال الأشتر‏:‏ قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلحوا على دمائنا، فإن كان الأمر هكذا ألحقنا علياً بعثمان، فرضي القوم منا بالسكوت‏.‏

فقال ابن السوداء‏:‏ بئس ما رأيت، لو قتلناه قتلنا، فإنا يا معشر قتلة عثمان في ألفين وخمسمائة وطلحة والزبير وأصحابهما في خمسة آلاف، لا طاقة لكم بهم، وهم إنما يريدونكم‏.‏

فقال غلاب بن الهيثم‏:‏ دعوهم وارجعوا بنا حتى نتعلق ببعض البلاد فنمتنع بها‏.‏

فقال ابن السوداء‏:‏ بئس ما قلت، إذاً والله كان يتخطفكم الناس‏.‏

ثم قال ابن السوداء‏:‏ قبحه الله يا قوم، إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون، فمن أنتم معه لا يجد بداً من أي يمتنع، ويشغل الله طلحة والزبير ومن معهما عما يحبون، ويأتيهم ما يكرهون، فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه، وأصبح علي مرتحلاً، ومر بعبد القيس فساروا من معه حتى نزلوا بالزاوية، وسار منها يريد البصرة وسار طلحة والزبير ومن معهما للقائه، فاجتمعوا عند قصر عبيد الله بن زياد، ونزل الناس كل في ناحية‏.‏

وقد سبق علي جيشه وهم يتلاحقون به، فمكثوا ثلاثة أيام والرسل بينهم، فكان ذلك للنصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، فأشار بعض الناس على طلحة والزبير بانتهاز الفرصة، من قتلة عثمان فقالا‏:‏ إن علياً أشار بتسكين هذا الأمر، وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك‏.‏

وقام علي في الناس خطيباً، فقام إليه الأعور بن نيار المنقري، فسأله عن إقدامه على أهل البصرة، فقال‏:‏ الإصلاح وإطفاء الثائرة ليجتمع الناس على الخير، ويلتئم شمل هذه الأمة‏.‏

قال‏:‏ فإن لم يجيبونا‏؟‏

قال‏:‏ تركناهم ما تركونا‏.‏

قال‏:‏ فإن لم يتركونا‏؟‏

قال‏:‏ دفعناهم عن أنفسنا‏.‏

قال‏:‏ فهل لهم في هذا الأمر مثل الذي لنا‏؟‏

قال‏:‏ نعم ‏!‏‏.‏

وقام إليه أبو سلام الدالاني فقال‏:‏ هل لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا الله في ذلك‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏!‏

قال‏:‏ فهل لك من حجة في تأخيرك ذلك‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏!‏

قال‏:‏ فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غداً‏؟‏

قال‏:‏ إني لأرجو أن لا يقتل منا ومنهم أحد نقي قلبه لله إلا أدخله الله الجنة‏.‏

وقال في خطبته‏:‏ أيها الناس أمسكوا عن هؤلاء القوم أيديكم وألسنتكم، وإياكم أن يسبقونا غداً، فإن المخصوم غداً مخصوم اليوم .

وجاء في غضون ذلك الأحنف بن قيس في جماعة فانضاف إلى علي، وكان قد منع حرقوص بن زهير من طلحة والزبير، وكان قد بايع علياً بالمدينة، وذلك أنه قدم المدينة وعثمان محصور، فسأل عائشة وطلحة والزبير إن قتل عثمان من أبايع‏؟‏

فقالوا‏:‏ بايع علياً، فلما قتل عثمان بايع علياً‏.‏

قال‏:‏ ثم رجعت إلى قومي فجاءني بعد ذلك ما هو أفظع، حتى قال الناس‏:‏ هذه عائشة جاءت لتأخذ بدم عثمان، فحرت في أمري لمن أتبع، فمنعني الله بحديث سمعته من أبي بكر قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم وقد بلغه أن الفرس قد ملكوا عليهم ابنة كسرى فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة‏)‏‏)‏‏.‏

وأصل هذا الحديث في ‏(‏صحيح البخاري‏)‏‏.‏

والمقصود‏:‏ أن الأحنف لما انحاز إلى علي ومعه ستة آلاف قوس، فقال لعلي‏:‏ إن شئت قاتلت معك، وإن شئت كففت عنك عشرة آلاف سيف، فقال‏:‏ اكفف عنا عشرة آلاف سيف‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:26 am

تابع .....
‏موقعة الجمل

ثم بعث علي إلى طلحة والزبير يقول‏:‏ إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا الأمر، فأرسلا إليه في جواب رسالته‏:‏ إنا على ما فارقنا القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس، فاطمأنت النفوس وسكنت، واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين، فلما أمسوا بعث علي عبد الله بن عباس إليهم، وبعثوا إليه محمد بن طليحة السجاد، وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي رجل فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم‏.‏

وقام الناس من منامهم إلى السلاح فقالوا‏:‏ طرقتنا أهل الكوفة ليلاً، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي، فبلغ الأمر علياً فقال‏:‏ ما للناس‏؟‏

فقالوا‏:‏ بيتنا أهل البصرة فثار كل فريق إلى سلاحه، ولبسوا اللأمة، وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، وقامت الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان فنشبت الحرب، وتوافق الفريقان، وقد اجتمع مع علي عشرون ألفاً، وألتف على عائشة ومن معها نحواً من ثلاثين ألفاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

والسابئة أصحاب ابن السوداء قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي‏:‏ ألا كفوا إلا كفوا، فلا يسمع أحد‏.‏

وجاء كعب بن سوار قاضي البصرة، فقال‏:‏ يا أم المؤمنين أدركي الناس لعل الله أن يصلح بك بين الناس، فجلست في هودجها فوق بعيرها وستروا الهودج بالدروع، وجاءت فوقفت بحيث تنظر إلى الناس عند حركاتهم، فتصاولوا وتجاولوا، وكان في جملة من تبارز الزبير وعمار، فجعل عمار ينخره بالرمح والزبير كاف عنه، ويقول له‏:‏ أتقتلني يا أبا اليقظان‏؟‏

فيقول‏:‏ لا يا أبا عبد الله، وإنما تركه الزبير لقول رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏تقتلك الفئة الباغية‏)‏‏)‏، وإلا فالزبير أقدر عليه منه عليه، فلهذا كف عنه‏.‏

وقد كان من سنتهم في هذا اليوم أنه لا يذفف على جريح، ولا يتبع مدبر، وقد قتل مع هذا خلق كثير جداً، حتى جعل علي يقول لابنه الحسن‏:‏ يا بني ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين عاماً‏.‏

فقال له‏:‏ يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا‏.‏

قال سعيد بن أبي عجرة، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عبادة قال‏:‏ قال علي يوم الجمل‏:‏ يا حسن ليت أباك مات منذ عشرين سنة‏.‏

فقال له‏:‏ يا أبه قد كنت أنهاك عن هذا‏.‏

قال‏:‏ يا بني إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا‏.‏

وقال مبارك بن فضالة‏:‏ عن الحسن بن أبي بكرة‏:‏ لما اشتد القتال يوم الجمل، ورأى علي الرؤوس تندر، أخذ علي ابنه الحسن فضمه إلى صدره ثم قال‏:‏ إنا لله يا حسن‏!‏ أي‏:‏ خير يرجى بعد هذا، فلما ركب الجيشان وترآى الجمعان وطلب علي طلحة والزبير ليكلمهما فاجتمعوا حتى التفت أعناق خيولهم فيقال‏:‏ إنه قال لهما إني أراكما قد جمعتما خيلاً ورجالاً وعدداً، فهل أعددتما عذراً يوم القيامة‏؟‏ فاتقيا الله ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، ألم أكن حاكماً في دمكما تحرمان دمي وأحرم دمكما، فهل من حديث أحل لكما دمي ‏؟‏

فقال طلحة‏:‏ ألبت على عثمان‏.‏

فقال علي‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 25‏]‏‏.‏

ثم قال‏:‏ لعن الله قتلة عثمان، ثم قال‏:‏ يا طلحة‏!‏ أجئت بعرس رسول الله صل الله عليه وسلم تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت، أما بايعتني‏؟‏

قال‏:‏ بايعتك والسيف على عنقي‏.‏

وقال للزبير‏:‏ ما أخرجك‏؟‏

قال‏:‏ أنت، ولا أراك بهذا الأمر أولى به مني‏.‏

فقال له علي‏:‏ أما تذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني غنم فنظر إلي وضحك وضحكت إليه، فقلت‏:‏ لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه ليس بمتمرد لتقاتلنه وأنت ظالم له‏)‏‏)‏‏.‏

فقال الزبير‏:‏ اللهم نعم‏!‏ ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، ووالله لا أقاتلك‏.‏

وفي هذا السياق كله نظر‏.‏

والمحفوظ منه الحديث فقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي فقال‏:‏ حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الدوري، حدثنا أبو عاصم، عن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي، عن جده عبد الملك، عن أبي جرو المازني قال‏:‏ شهدت علياً والزبير حين تواقفا، فقال له علي‏:‏ يا زبير‏!‏ أنشدك الله أسمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إنك تقاتلني وأنت ظالم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ نعم‏!‏ لم أذكره إلا في موقفي هذا، ثم انصرف‏.‏

وقد رواه البيهقي‏:‏ عن الحاكم، عن أبي الوليد الفقيه، عن الحسن بن سفيان، عن قطن بن بشير، عن جعفر بن سليمان، عن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي، عن جده، عن أبي جرو المازني، عن علي والزبير به‏.‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ أنا معمر، عن قتادة قال‏:‏ لما ولي الزبير يوم الجمل بلغ علياً فقال‏:‏ لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولي، وذلك أن رسول الله صل الله عليه وسلم لقيهما في سقيفة بني ساعدة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتحبه يا زبير‏؟‏

فقال‏:‏ وما يمنعني‏؟‏

قال‏:‏ فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له ‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فيرون أنه إنما ولي لذلك‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وهذا مرسل وقد روي موصولاً من وجه آخر‏.‏

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن القاضي، أنا أبو عامر بن مطر، أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي الكوفي، أنا منجاب بن الحارث، ثنا عبد الله بن الأجلح، ثنا أبي، عن مرثد الفقيه، عن أبيه‏.‏ قال‏:‏ وسمعت فضل بن فضالة يحدث، عن حرب بن أبي الأسود الدؤلي - دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه - قال‏:‏ لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض، خرج علي وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى‏:‏ ادعوا لي الزبير بن العوام فإني علي، فدعي له الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي‏:‏ يا زبير‏!‏ نشدتك الله أتذكر يوم مر بك رسول الله صل الله عليه وسلم ونحن في مكان كذا وكذا فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا زبير ألا تحب علياً‏؟‏

فقلت‏:‏ ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلي ديني‏؟‏

فقال‏:‏ يا زبير أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقال الزبير‏:‏ بلى والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك، فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير فقال‏:‏ مالك‏؟‏

فقال‏:‏ ذكرني علي حديثاً سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم، سمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لتقاتلنه وأنت ظالم له‏)‏‏)‏ فقال‏:‏ أو للقتال جئت‏؟‏ إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله بك هذا الأمر، قال‏:‏ قد حلفت أن لا أقاتله، قال‏:‏ اعتق غلامك سرجس وقف حتى تصلح بين الناس، فأعتق غلامه ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه‏.‏

قالوا‏:‏ فرجع الزبير إلى عائشة فذكر أنه قد آلى أن لا يقاتل علياً‏.‏

فقال له ابنه عبد الله‏:‏ إنك جمعت الناس فلما ترآى بعضهم لبعض خرجت من بينهم، كفر عن يمينك واحضر‏.‏

فأعتق غلاماً، وقيل‏:‏ غلامه سرجس‏.‏

وقد قيل‏:‏ إنه إنما رجع عن القتال لما رأى عماراً مع علي، وقد سمع رسول الله صل الله عليه وسلم يقول لعمار‏:‏ ‏(‏‏(‏تقتلك الفئة الباغية‏)‏‏)‏ فخشي أن يقتل عمار في هذا اليوم‏.‏

وعندي أن الحديث الذي أوردناه إن كان صحيحاً عنه فما رجعه سواه، ويبعد أن يكفر عن يمينه ثم يحضر بعد ذلك لقتال علي والله أعلم‏.‏

والمقصود‏:‏ أن الزبير لما رجع يوم الجمل سار فنزل وادياً يقال له‏:‏ وادي السباع، فاتبعه رجل يقال له‏:‏ عمرو بن جرموز فجاءه وهو نائم فقتله غيلة كما سنذكر تفصيله‏.‏

وأما طلحة‏:‏ فجاءه في المعركة سهم غرب يقال‏:‏ رماه به مروان بن الحكم فالله أعلم، فانتظم رجله مع فرسه فجمحت به الفرس، فجعل يقول‏:‏ إلي عباد الله إلي عباد الله، فاتبعه مولى له فأمسكها، فقال له‏:‏ ويحك‏!‏ أعدل بي إلى البيوت وامتلأ خفه دماً، فقال لغلامه‏:‏ أردفني، وذلك أنه نزفه الدم وضعف، فركب وراءه وجاء به إلى بيت في البصرة فمات فيه رضي الله عنه‏.‏

وتقدمت عائشة رضي الله عنها في هودجها، وناولت كعب بن سوار قاضي البصرة مصحفاً وقالت‏:‏ دعهم إليه - وذلك أنه حين اشتد الحرب وحمي القتال، ورجع الزبير، وقتل طلحة رضي الله عنهما - فلما تقدم كعب بن سوار بالمصحف يدعو إليه استقبله مقدمة جيش الكوفيين، وكان عبد الله بن سبأ - وهو ابن السوداء - وأتباعه بين يدي الجيش، يقتلون من قدروا عليه من أهل البصرة، لا يتوقفون في أحد، فلما رأوا كعب بن سوار رافعاً المصحف رشقوه بنبالهم رشقة رجل واحد فقتلوه، ووصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فجعلت تنادي‏:‏ الله الله‏!‏ يا بني اذكروا يوم الحساب، ورفعت يديها تدعو على أولئك النفر من قتلة عثمان، فضج الناس معها بالدعاء حتى بلغت الضجة إلى علي فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏

فقالوا‏:‏ أم المؤمنين تدعو على قتلة عثمان وأشياعهم‏.‏

فقال‏:‏ اللهم ألعن قتلة عثمان، وجعل أولئك النفر لا يقلعون عن رشق هودجها بالنبال حتى لقي مثل القنفذ، وجعلت تحرض الناس على منعهم وكفهم، فحملت معه الحفيظة فطردوهم حتى وصلت الحملة إلى الموضع الذي فيه علي بن أبي طالب، فقال لابنه محمد بن الحنفية‏:‏ ويحك‏!‏ تقدم بالراية فلم يستطع، فأخذها علي من يده فتقدم بها، وجعلت الحرب تأخذ وتعطي، فتارة لأهل البصرة، وتارة لأهل الكوفة، وقتل خلق كثير، وجم غفير، ولم تر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة‏.‏

وجعلت عائشة تحرض الناس على أولئك النفر من قتلة عثمان، ونظرت عن يمينها فقالت‏:‏ من هؤلاء القوم‏؟‏

فقالوا‏:‏ نحن بكر بن وائل‏.‏

فقالت لكم يقول القائل‏:‏

وجاؤوا إلينا بالحديد كأنهم * من الغرة القعساء بكر بن وائل

ثم لجأ إليها بنو ناجية، ثم بنو ضبة، فقتل عنده منهم خلق كثير، ويقال‏:‏ إنه قطعت يد سبعين رجلاً وهي آخذة بخطام الجمل، فلما اثخنوا تقدم بنو عدي بن عبد مناف فقاتلوا قتالاً شديداً، ورفعوا رأس الجمل، وجعل أولئك يقصدون الجمل، وقالوا‏:‏ لا يزال الحرب قائماً ما دام هذا الجمل واقفاً، ورأس الجمل في يد عمرة بن يثربي، وقيل‏:‏ أخوه عمرو بن يثربي‏.‏

ثم صمد عليه علباء بن الهيثم وكان من الشجعان المذكورين، فتقدم إليه عمرو الجملي فقتله ابن يثربي، وقتل زيد بن صوحان، وأرتث صعصعة بن صوحان، فدعاه عمار إلى البراز، فبرز له فتجاولا بين الصفين وعماراً ابن تسعين سنة عليه فروة قد ربط وسطه بحبل ليف‏.‏

فقال الناس‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون الآن يلحق عماراً بأصحابه، فضربه ابن يثربي بالسيف فاتقاه عمار بدرقته، فغصَّ فيها السيف ونشب، وضربه عمار فقطع رجليه، وأخذ أسيراً إلى بين يدي علي‏.‏

فقال‏:‏ استبقني يا أمير المؤمنين‏؟‏

فقال‏:‏ أبعد ثلاثة تقتلهم‏؟‏ ثم أمر به فقتل، واستمر زمام الجمل بعده بيد رجل كان قد استنابه فيه من بني عدي، فبرز إليه ربيعة العقيلي فتجاولا حتى قتل كل واحد صاحبه، وأخذ الزمام الحارث الضبي، فما رؤي أشد منه وجعل يقول‏:‏

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * نبارز القرن إذا القرن نزل

ننعي ابن عفان بأطراف الأسل * الموت أحلى عندنا من العسل

ردوا علينا شيخنا ثم بجسل

وقيل‏:‏ إن هذه الأبيات لوسيم بن عمرو الضبي‏.‏

فكلما قتل واحد ممن يمسك الجمل يقوم غيره حتى قتل منهم أربعون رجلاً‏.‏

قالت عائشة‏:‏ ما زال جملي معتدلاً حتى فقدت أصوات بني ضبة، ثم أخذ الخطام سبعون رجلاً من قريش، وكل واحد يقتل بعد صاحبه، فكان منهم محمد بن طلحة المعروف‏:‏ بالسجاد‏.‏

فقال لعائشة‏:‏ مريني بأمرك يا أمه‏؟‏

فقالت‏:‏ آمرك أن تكون كخير ابني آدم، فامتنع أن ينصرف وثبت في مكانه، وجعل يقول‏:‏ حم لا ينصرون، فتقدم إليه نفر فحملوا عليه فقتلوه، وصار لكل واحد منهم بعد ذلك يدعي قتله، وقد طعنه بعضهم بحربة فأنفذه وقال‏:‏

وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الأذى فيما ترى العين مسلمِ

هتكتُ له بالريح جيبَ قميصه * فخر صريعاً لليدين وللفمِ

يناشدني حم والمرح شاجن * فهلا تلا حم قبل التقدمِ

على غير شيء غير أن ليس تابعاً * علياً ومن لا يتبع الحق يندمِ

وأخذ الخطام عمرو بن الأشرف، فجعل لا يدنو منه أحد إلا حطّه بالسيف، فأقبل إليه الحارث بن زهير الأزدي وهو يقول‏:‏

يا أمنا يا خير أم نعلم * أما ترين كمَ شجاع يكلمُ

وتجتلى هامته والمعصمُ

واختلفا ضربتين فقتل كل واحد صاحبه، وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة، فكان لا يأخذ الراية ولا بخطام الجمل إلا شجاع معروف، فيقتل من قصده، ثم يقتل بعد ذلك، وقد فقأ بعضهم عين عدي بن حاتم ذلك اليوم‏.‏

ثم تقدم عبد الله بن الزبير فأخذ بخطام الجمل وهو لا يتكلم، فقيل لعائشة‏:‏ إنه ابنك ابن أختك، فقالت‏:‏ واثكل أسماء ‏!‏

وجاء مالك بن الحارث الأشتر النخعي فاقتتلا فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحاً شديداً، وضربه عبد الله ضربة خفيفة، ثم اعتنقا وسقطا إلى الأرض يعتركان، فجعل عبد الله بن الزبير يقول‏:‏

اقتلوني ومالكاً * واقتلوا مالكاً معي

فجعل الناس لا يعرفون مالكاً من هو، وإنما هو معروف بالأشتر، فحمل أصحاب علي وعائشة فخلصوهما، وقد جرح عبد الله بن الزبير يوم الجمل بهذه الجراحة سبعاً وثلاثين جراحة، وجرح مروان بن الحكم أيضاً‏.‏

ثم جاء رجل فضرب الجمل على قوائمه فعقره، وسقط إلى الأرض فسمع له عجيج ما سمع أشد ولا أنفذ منه، وآخر من كان الزمام بيده زفر بن الحارث فعقر الجمل وهو في يده‏.‏

ويقال‏:‏ إنه اتفق هو وبجير بن دلجة على عقره‏.‏

ويقال‏:‏ إن الذي أشار بعقر الجمل علي‏.‏

وقيل‏:‏ القعقاع بن عمرو لئلا تصاب أم المؤمنين، فإنها بقيت غرضاً للرماة، ومن يمسك بالزمام برجاساً للرماح، ولينفصل هذا الموقف الذي قد تفانى فيه الناس‏.‏

ولما سقط البعير إلى الأرض انهزم من حوله من الناس، وحمل هودج عائشة وإنه لكالقنفذ من السهام، ونادى منادي علي في الناس‏:‏ إنه لا يتبع مدبر، ولا يذفف على جريح، ولا يدخلوا الدور‏.‏

وأمر علي نفراً أن يحملوا الهودج من بين القتلى، وأمر محمد بن أبي بكر وعماراً أن يضربا عليها قبة، وجاء إليها أخوها محمد، فسألها هل وصل إليك شيء من الجراح ‏؟‏‏.‏

فقالت‏:‏ لا‏!‏ وما أنت ذاك يا ابن الخثعمية‏.‏

وسلم عليها عمّار فقال‏:‏ كيف أنت يا أم‏؟‏

فقالت‏:‏ ليس لك بأم‏.‏

قال‏:‏ بلى‏!‏ وإن كرهت‏.‏

وجاء إليها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين مسلماً فقال‏:‏ كيف أنت يا أمه‏؟‏

قالت‏:‏ بخير‏.‏

فقال‏:‏ يغفر الله لك‏.‏

وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان يسلمون على أم المؤمنين رضي الله عنها، ويقال‏:‏ إن أعين بن ضبيعة المجاشعي اطلع في الهودج، فقالت‏:‏ إليك لعنك الله‏.‏

فقال‏:‏ والله ما أرى إلا حميراء‏.‏

فقالت‏:‏ هتك الله سترك، وقطع يدك، وأبدى عورتك، فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمي عرياناً في خربة من خرابات الأزد‏.‏

فلما كان الليل دخلت أم المؤمنين البصرة - ومعها أخوها محمد بن أبي بكر - فنزلت في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وهي أعظم دار بالبصرة على صفية بنت الحارث بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وهي أم طلحة، الطلحات عبد الله بن خلف‏.‏

وتسلل الجرحى من بين القتلى فدخلوا البصرة، وقد طاف علي بين القتلى فجعل كلما مر برجل يعرفه ترحم عليه ويقول‏:‏ يعز علي أن أرى قريشاً صرعى‏.‏

وقد مر على ما ذكر على طلحة بن عبيد الله وهو مقتول، فقال‏:‏ لهفي عليك يا أبا محمد، إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لقد كنت كما قال الشاعر‏:‏

فتى كان يدنيه الغنى من صديقه * إذا ما هو استغنى ويبعده الفقرُ

وأقام علي بظاهر البصرة ثلاثاً، ثم صلى على القتلى من الفريقين، وخص قريشاً بصلاة من بينهم، ثم جمع ما وجد لأصحاب عائشة في المعسكر، وأمر به أن يحمل إلى مسجد البصرة، فمن عرف شيئاً هو لأهلهم فليأخذه، إلا سلاحاً كان في الخزائن عليه سمة السلطان‏.‏

وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف، خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء، رحمهم الله، ورضي عن الصحابة منهم‏.‏

وقد سأل بعض أصحاب علي علياً أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير، فأبى عليه فطعن فيه السبائية وقالوا‏:‏ كيف يحلُّ لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم‏؟‏

فبلغ ذلك علياً، فقال‏:‏ أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه‏؟‏

فسكت القوم، ولهذا لما دخل البصرة فضَّ في أصحابه أموال بيت المال، فنال كل رجل منهم خمسمائة، وقال‏:‏ لكم مثلها من الشام، فتكلم فيه السبائية أيضاً، ونالوا منه من وراء وراء‏.‏

ولما فرغ علي من أمر الجمل، أتاه وجوه الناس يسلمون عليه، فكان ممن جاءه الأحنف بن قيس في بني سعد - وكانوا قد اعتزلوا القتال - فقال له علي‏:‏ تربعت - يعني بنا - فقال‏:‏ ما كنت أراني إلا قد أحسنت وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين، فارفق فإن طريقك الذي سلكت بعيد، وأنت إلي غداً أحوج منك أمس، فاعرف إحساني، واستبق مودتي لغدٍ، ولا تقل مثل هذا فإني لم أزل لك ناصحاً‏.‏

قالوا‏:‏ ثم دخل علي البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم، حتى الجرحى والمستأمنة‏.‏

وجاءه عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي فبايعه، فقال له علي‏:‏ أين المريض‏؟‏ - يعني‏:‏ أباه -‏.‏

فقال‏:‏ إنه والله مريض يا أمير المؤمنين، وإنه على مسرتك لحريص‏.‏

فقال‏:‏ امش أمامي، فمضى إليه فعاده، واعتذر إليه أبو بكر فعذره، وعرض عليه البصرة فامتنع‏.‏

وقال‏:‏ رجل من أهلك يسكن إليه الناس، وأشار عليه بابن عباس فولاه على البصرة، وجعل معه زياد بن أبيه على الخراج وبيت المال، وأمر ابن عباس أن يسمع من زياد، - وكان زياد معتزلاً -‏.‏

ثم جاء علي إلى الدار التي فيها أم المؤمنين عائشة فاستأذن ودخل، فسلم عليها ورحبت به، وإذا النساء في دار بني خلف يبكين على من قتل، منهم عبد الله وعثمان ابنا خلف، فعبد الله قتل مع عائشة، وعثمان قتل مع علي، فلما دخل علي قالت له‏:‏ صفية امرأة عبد الله، أم طلحة الطلحات‏:‏ أيتم الله منك أولادك كما أيتمت أولادي، فلم يرد عليها علي شيئاً، فلما خرج أعادت عليه المقالة أيضاً فسكت‏.‏

فقال له رجل‏:‏ يا أمير المؤمنين، أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع‏؟‏

فقال‏:‏ ويحك‏!‏ إنا أمرنا أن نكف عن النساء وهن مشركات أفلا نكف عنهن وهن مسلمات‏؟‏‏.‏

فقال له رجل‏:‏ يا أمير المؤمنين إن على الباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر علي القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة، وأن يخرجهما من ثيابهما‏.‏

وقد سألت عائشة عمن قتل معها من المسلمين، ومن قتل من عسكر علي، فجعلت كلما ذكر لها واحد منهم ترحمت عليه ودعت له‏.‏

ولما أرادت أم المؤمنين عائشة الخروج من البصرة، بعث إليها علي رضي الله عنه بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك، وأذن لمن نجا ممن جاء في الجيش معها أن يرجع إلا أن يحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر‏.‏

فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي فوقف على الباب وحضر الناس، وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس، ودعت لهم، وقالت‏:‏ يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الأخيار‏.‏

فقال علي‏:‏ صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم صل الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة‏.‏

وسار علي معها ودعا ومشيعاً أميالاً، وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم - وكان يوم السبت مستهل رجب سنة ست وثلاثين - وقصدت في مسيرها ذلك إلى مكة فأقامت بها إلى أن حجت عامها ذلك، ثم رجعت إلى المدينة رضي الله عنها‏.‏

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:27 am


تابع .....
‏موقعة الجمل

وأما مروان بن الحكم فإنه لما فر استجار بمالك بن مسمع فأجاره ووفى له، ولهذا كان بنو مروان يكرمون مالكاً ويشرفونه، ويقال‏:‏ إنه نزل دار بني خلف، فلما خرجت عائشة خرج معها، فلما سارت هي إلى مكة سار إلى المدينة‏.‏

قالوا‏:‏ وقد علم من بين مكة والمدينة والبصرة بالوقعة يوم الوقعة، وذلك مما كانت النسور تخطفه من الأيدي والأقدام فيسقط منها هنالك، حتى أن أهل المدينة علموا بذلك يوم الجمل قبل أن تغرب الشمس، وذلك أن نسراً مر بهم ومعه شيء فسقط، فإذا هو كف فيه خاتم نقشه عبد الرحمن بن عتاب‏.‏

هذا ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير رحمه الله عن أئمة هذا الشأن، وليس فيما ذكره أهل الأهواء من الشيعة وغيرهم من الأحاديث المختلفة على الصحابة، والأخبار الموضوعة التي ينقلونها بما فيها‏.‏ وإذا دعوا إلى الحق الواضح اعرضوا عنه وقالوا‏:‏ لنا أخبارنا ولكم أخباركم، فنحن حينئذ نقول لهم‏:‏ سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين‏.‏

وررد في "الكامل في التاريخ" لابن الأثير:

"فبينما هم كذلك على التجهز لأهلِ الشام أتاهم الخبرُ عن طلحة، والزبير، وعائشة ، وأهل مكة بنحوٍ آخر وأنهم على الخِلاف ، فأعلَم عليّ الناسَ ذلك وأن عائشة ، وطلحة، والزبير قد سخطوا إمارته ودعوا الناس إلي الإصلاح وقال لهم : سأصبرُ ما لم أخَفْ على جماعتكم ، وأكفُ إنْ كَفُّوا، واقتصرُ على ما بلغني .

ثم أتاه أنّهم يريدون البصرة فسره ذلك وقال : " إن الكوفة فيها رجالُ العرب وبيوتا تهم " .

فقال له ابن عباس : إن الذي سَرك مِنْ ذلك ليسؤني . إن الكوفة فسطاطٌ فيه مِنْ أعلام العرب ، ولا يحملهم عِدّة القوم ، ولا يزال فيها مَنْ يسمو إلي أمرٍ لا يناله ، فإذا كان كذلك شَغَّب على الذي قد نال ما يريد حتى تكسر حدته ". فقال علي : ( إن الأمر ليشبه ما تقول " . وتهيأ للخروج إليهم ، فندب أهلَ المدينة للمسير معهم فتثاقلوا فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلاً النخعي فجاء به فدعاه إلى الخروج معه فقال : إنما أنا مِنْ أهل المدينة وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلتُ معهم فإنْ يخرجوا أخرجْ معهم وإنْ يقعدوا أقعد.

قال : فاعطني كفيلاً. قال : لا أفعل .

فقال له عليّ : لولا ما أعرفُ مِنْ سؤ خلقك صغيراً وكبيراً لأنكرتني ، دعوه فأنا كفيله. فرجع ابنُ عمر إلي المدينة وهم يقولون : والله ما ندري كيف نصنع ، إن الأمر لمشتبه علينا ونحن مقيمون حتى يضيء لنا.

فخرجِ من تحت ليلته وأخبر أم كلثوم ابنة علي وهي زوجة عمر بالذي سَمِع وأنّه يخرج معتمراَ مقيماً على طاعة عليّ ما خلا النهوض ، فأصبح علي فقيل له : حدث الليلة حَدَث هو أشذُ مِنْ طلحة ، والزبير ، وعائشة ، ومعاوية .

قال : وما ذاك ؟ قالوا : خرج ابن عمر إلى الشام . فأتي السوق وأعذ الظهر، والرجال ، وأخذ لكل طريق طلاباً، وماج الناس ، فسمعت أم كلثوم فأتت علياً فأخبرته الخبر فطابت نفسُه وقال : "انصرفوا والله ما كَذَبَتْ ولا كذب . واللهّ إنّه عندي ثقة"ا . فانصرفوا .

وكان سبب اجتماعهم بمكة أنّ عائشة كانت خرجتْ إليها - وعثمان محصور-، ثم خرجت من مكة تريد المدينة فلما كانت بِسَرف  لقيها رجلٌ من أخوالها مِنْ بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة وهو ابن أم كلاب فقالت له : مهيم ؟

قال : قُتلَ عثمان وبقوا ثمانياً. قالت : ثم صنعوا ماذا؟ قال : اجتمعوا على بيعة عليّ . فقالت : ليت هذه انطبقت على هذه إنْ تَمَّ الأمرُ لصاحبك . رُذُوني رُدوني . فانصرفت إلى مكة وهي تقول : "قُتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبن بدمه ". فقال لها : ولم ؟ والله إنّ أول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر. قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خيرٌ مِنْ قولي الأول . فقال لها ابن أم كلاب :

فَمِنْك البَداءُ ومِنْك الغِيَرْ ومِنْك الريَاحُ ومِنْك المَطَرْ

وأنْتِ أمَرْت بقَتْل الإمَام وقُلْت لنَا إنّه قدْ كَفَرْ

فَهَبْتَ أطَعْنَاك في قَتْلِه وَقاتِلُهُ عِنْدَنَا مَنْ أمَرْ

ولَمْ يَسْقُطِ السقفُ مِنْ فَوْقَنا ولم يَنْكَسِف شَمْسُنَا وَالقَمَرْ

وَقَدْ بايعَ الناس ذا تُدْرَأ يُزيل الشبَا ويقيم الصَّغَرْ

وَيلْبِسُ للحَرْبِ أثْوَابَهَا وَمَا مَنْ وَفَى مِثْل مَنْ قَدْ غَدَرْ

فانصرفتْ إلى مكة فقصدت الحِجْر فسترتْ فيه ، فاجتمع الناسُ حولها فقالت :

" أيها الناسُ إنّ الغوغاءَ من أهل الامصار، وأهل المياه ، وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلماً بالأمس ونقموا عليه استعمال مَنْ حَدَثَتْ سِنُه ، وقد استعمل أمثالهم قبله ، ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها، فلما لم يجدوا حُجة ولا عُذْراً بادروا بالعُدوان فسفكوا الدم الحرام ، واستحلوا البلد الحرام ، والشهر الحرام ، وأخذوا المال الحرام والله لأصبعٍ من عثمان خيرٌ من طِبَاق الأرض أمثالهم ، وواللّه لو أنّ الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب مِنْ خبثه أو الثوب مِنْ دَرَنِه إذْ ما صوه كما يماص الثوب بالماء - أي يغسل -.

فقال عبد اللهّ بن عامر الحضرمي - وكان عامل عثمان على مكة-: ها أنا أول طالب . فكان أول مجيب ، وتبعه بنو أميّة على ذلك . وكانوا هربوا مِنْ المدينة بعد قتل عثمان إلى مكة، ورفعوا رؤوسهم ، وكان أول ما تكلموا بالحجاز، وتبعهم سعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة، وسائر بني أمية، وقدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمالٍ كثير ، وجملى بن أمية - وهو ابن منية -من اليمن ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم فأناخ بالأبطح ، وقدم طلحة ، والزبير من المدينة فلقيا عائشة فقالت : ما وراءكما؟ فقالا إنّا تحملنا هراباً من المدينة مِنْ غوغاء، واعراب ، وفارقنا قوماً حياري لا يعرفون حقاً ولا ينكرون باطلاً ولا يمنعون أنفسهم . فقالت : انهضوا إلف هذه الغوغاء . فقالوا : نأتي الشام . فقال ابن عامر: قد كفاكم الشام معاوية، فأتوا البصرة فإن لي بها صنائع ، ولهم في طلحة هوي .

قالوا ة قبّحك اللهّ ، فواللّه ما كنتَ بالمُسَالم ولا بالمحارب ، فهلا أقمتَ كما أقام معاوية فنكفى بك ثم نأتي الكوفة فنسد علن هؤلاء القوم المذاهب. فلم يجدوا عنده جواباً مقبولاً فاستقام الرأي على البصرة ، وقالوا لها : نترك المدينة فإنا خرجنا فكان معنا من لا يطيق مَنْ بها من الغوغاء ونأتي بلداً مضيعاً سيحتجون علينا ببيعة عليّ فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكة [ ثم تقعدين ] فإنْ أصلح اللهُ الأمرَ كان الذي أردنا، وإلاّ دفعنا بجهدنا حتى يقضي اللّهُ ما أراد .

فأجابتهم إلى ذلك ، ودعوا عبد الله بن عمر ليسير معهم فأبى وقال : أنا مِنْ أهل المدينة أفعلُ ما يفعلون . فتركوه ، وكان أزواج النبي صل الله عليه وسلم معها على قصد المدينة فلّما تغير رأيها إلى البصرة تركن ذلك وأجابتهم حفصة إلى المسير معهم فمنعها أخوها عبد الله بن عمر، وجهزهم يعلى بن منية بستمائة بعير وستمائة ألف درهم ، وجهزهم ابن عامر بمال كثير، ونادي مناديها إنّ أم المؤمنين وطلحة، والزبير شاخِصون إلى البصرة فمَنْ أراد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان [ ومَنْ ] ليس له مركب وجهاز فليأت .

فحملوا ستمائة على ستمائة بعير وساروا في ألف ، وقيل : في تسعمائة من أهل المدينة ومكة، ولحقهم الناس فكانوا في ثلاثة آلاف رجل ،وبعثت أم الفضل بنت الحارث أم عبد الله بن عباس رجلاً مِنْ جهينة يدعى ظفراً فاستأجرته على أنْ يأتي علياً بالخبر، فقدِم على علي بكتابها، وخرجت عائشة ومَنْ معها مِنْ مكة فلمّا خرجوا منها أذِن مَرْوان بن الحكم ثم جاء حتى وقف على طلحة، والزبير فقال : "على أيكما أسلّم بالإمرة وأؤذن بالصلاة).

فقال عبد الله بن الزبير: على أبي عبد الله - يعني أباه الزبير-، وقال محمد بن طلحة على أبي محمد - يعني أباه طلحة - ، فأرسلتْ عائشة إلي مروان وقالت له : أتريدُ أنْ تفرّق أمرنا! ليصل بالناس ابن أختي - تعني عبد الله بن الزبير.

وقيل : بلْ صلى بالناس عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد حتى قُتل فكان معاذ بن عبيد [ الله ] يقول : والله لو ظفرنا لاقتتلنا، ما كان الزبير يترك طلحة والأمر، ولا كان طلحة يترك الزبير والأمر.

وتبعها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق فبكوا على الإسلام فلم ير يوم كان أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم فكان يسمى " يوم النحيب "، فلما بلغوا ذات عرق لقي سعيد بن العاص مَرْوان بن الحكم وأصحابه بها فقال : أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم ؟ يعني عائشة ، وطلحة ، والزبير ؟ اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم .

فقالوا : نسير فلعلنا نقتل قَتَلَة عثمان جميعاً . فخلا سعيد بطلحة، والزبير فقال : إنْ ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني . قالا : نجعله لأحدنا أينا أختاره الناس . قال : بل تجعلونه لولد عثمان ، فإنكم خرجتم تطلبون بدمه .

فقالا: نَدَعُ شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام ! قال : فلا أراني أسعى إلا لإخراجها مِنْ بني عبد مناف . فرجع ورجع جمد الله بن خالد بن أسيد، وقال المغيرة بن شعبة : الرأي ما قال سعيد من كان ههنا من ثقيف فليرجع . فرجع ومضى القومُ ومعهم أبان ، والوليد ابنا عثمان ، وأعطى يعلى بن منية عائشة جملاً اسمه " عسكر " اشتراه بثمانين ديناراً فركبته ، وقيل: بل كان جملها لرجل من عرينة قال العرني : بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقان : أتبيع جملك ، قلت : نعم قال : بكم ؟ قلت : بألف درهم . قال : أمجنون أنت ؟ قلت : ولم ؟ والله ما طلبتُ عليه أحداً إلا أدركته ، ولا طلبني وأنا عليه أحدٌ إلا فُتُّه . قال : لو تعلم لمن نريده ، إنما نريده لأم المؤمنين عائشة. فقلت : خذه بغير ثمن . قال : بل ترجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم قال : فرجعتُ معه فأعطوني ناقة مهرية وأربعمائة درهم أو ستمائة وقالوا لي : يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق ؟ قلت : أنا مِنْ أدل الناس .

قالوا : فسِرْ معنا . فسرتُ معهم فلا أمر على واد [ ولا ماء ] إلا سألوني عنه ، حتى طَرَقْنا ( الحوأب "  وهو ماء فنبحتنا كلابه فقالوا: أي ماء هذا؟ فقلت : هذا ماء الحوأب . فصرختْ عائشة بأعلى صوتها [ ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته ] وقالت : ( إنا لله وإنا إليه راجعون إنَي لهية سمعت رسولَ الله صل الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه : " ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب " . ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت : "ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب “ .

فأناخوا حولها يوماً وليلة فقال لها عبد الله بن الزبير: ". إنه كَذب " ولم يزل بها وهي تمتنع فقال لها: " النجاء النجاء قد أدرككم عليّ بن أبي طالب ".

فأرتحلوا نحو البصرة، فلما كانوا بفنائها لقيهم عمير بن عبد الله التميمي ، وقال : يا أم المؤمنين أنشدك الله أن تقدمي اليوم على قوم لم تراسلي منهم أحداً فعجلي ابن عامر فإنّ له بها صنائع فليذهب إليهم ليلقوا الناس إلي أن تقدمي ويسمعوا ما جئتم به . فأرسلته فاندسّ إلى البصرة فأتى القوم ، وكتبتْ عائشةُ إلى رجال من أهل البصرة وإلى الأحنف بن قيس ، وصبرة بن شيمان ، وأمثالهم ، وأقامت " بالحَفِيْر " ( تنتظر الجواب) .

ولما بلغ ذلك أهلُ البصرة دعا عثمان بن حنيف  عِمْران بن حُصَيْن وكان رجل عامة وألزمه بابي الأسود الدؤَليّ وكان رجل خاصة وقال لهما : " انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما عِلْمَهَا وعِلْم من معها ".

فخرجا فانتهيا إليها بالحفير فأذنت لهما فدخلا وسئما وقالا : " إن أميرنا بعثنا إليك لنسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا "؟

فقالت : والله ما مثلي يغطي لبنيه الخبر، إن الغوغاء، ونُزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه وآووا المحدثين فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسول الله صل الله عليه وسلم مع ما نالوا مِنْ قَتْل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر فاستحلوا الدم الحرام ، وسفكوه ، وانتهبوا المال الحرام ، وأحلُّوا البلد الحرام والشهر الحرام ، فخرجتُ في المسلمين أعلمهم ما أتي هؤلاء، وما الناس فيه وراءنا، وما ينبغي لهم من إصلاح هذه القصة وقرأت ( لاَ خَيْرَ فِي كَثِيْرٍ مِنْ نَجْوَاهُم ) الآية فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ومنكر ننهاكم عنه .

فخرج عمران ، وأبو الأسود مِنْ عندها فأتيا طلحة وقالا : ما أقدمك ؟ فقال : الطلب بدم عثمان . فقالا : ألم تبايع علياً؟ فقال : بلى والسيفُ على عُنُقِي وما أستقيل علياً البيعة إنْ هو لم يَحُلْ بيننا وبين قَتَلَة عثمان .

ثم أتيا الزبير فقالا له مثل قولهما لطلحة وقال لهما مثل قول طلحة فرجعا إلى عثمان بن حنيف ونادي مناديها بالرحيل فدخلا على عثمان فبادر أبو الاسود عمران فقال :

يَا بْنَ حُنَيْفٍ قَدْ أتيتَ فانْفِرِ وَطاعِنِ القَوْمَ وجالدْ وَأصْبِرِ

وَابْرُزْ لَهُمْ مُسْتَلِئْماً وَشَمِّرْ

فقال عثمان : " إنا لله وإنّا إليه راجعون دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زَيَفَان  تَزِيْف ، فقال عمران : أي والله لتعرُكنَّكم عركاً(2) طويلاً . فقال : فأشر علي يا عمران . فقال : أعتزلْ فإنى قاعدٌ . قال عثمان : بل أمنعهم حتى يأتيَ أمير المؤمنين .

فانصرف عمران إلى بيته ، وقام عثمان في أمره فاتاه هشام بن عامر فقال : إنّ هذا الأمر الذي تريده يسلم إلي شَرٍّ مما تكره ، إنّ هذا فَتْقٌ لا يُرْتَق ، وصَدْعٌ لا يُجْبَر فارفق بهم وسامحهم حتى يأتيَ أمرُ عليّ. فأبي ، ونادي عثمان في الناس ، وأمَرَهُم بلبس السلاح فاجتمعوا إلى المسجد، وأمرهم بالتجهز، وأمر رجلاً دسه إلى الناس خَدِعاً كوفيّاً قيسيّاً فقام فقال : أيها الناس أنا قيس بن العقدية الحميسي إنّ هؤلاء القوم إنْ كانوا جاءوا خائفين فقد أتوا من بلد يأمن فيه الطير، وإنْ كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقَتَلَة عثمان فأطيعوني ورُدُّوهم مِنْ حيث جاءوا .

فقام الأسود بن سريع السعدي فقال : أ و زعموا أنّا قتلة! إنما أتوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا.

فحصبه الناس ، فعرف عثمان أنّ لهم بالبصرة ناصراً فكسره ذلك ، فأقبلت عائشة فيمن سها حتى انتهوا إلي المِرْبَد  فدخلوا من أعلاه ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه ، وخرج إليها مِنْ أهل البصرة مَنْ أراد أنْ يكون معها، فاجتمع القوم بالمِرْبَد فتكلّم طلحة وهو في ميمنة المربد وعثمان في ميسرته فأنصتوا له ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وذكر عثمان وفَضْله ، وما استحل منه ، ودعا إلي الطلب بدمه ، وحثَّهم عليه ، وكذلك الزبير فقال مَنْ في ميمنة المِرْبد : صدقا وبرا . وقال مَنْ في ميسرته : فَجَرَا وغَدَرَا وأمرا بالباطل فقد بايعا عطياً ثم جاءا يقولان ، وتحاثى الناس ، وتحاصبوا ، وارهجوا ، فتكلمت عائشة وكانت جهورية الصوت فحمدت الله وقالت : كان الناسُ يتجنُّون علن عثمان ، ويزرون على عُمّاله ، ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم ، فننظر   في ذلك فنجده بريئاً تقياً وفتاً ونجدهم فجرة، غَدَرَة، كَذَبَة، وهم يحاولون غير ما يُظْهِرُون ، فلما قووا كاثروه ، واقتحموا عليه داره ، واستحلوا الدم الحرام ، والشهر الحرام ، والبلد الحرام بلا ترة ولا عذر. ألا إن ممًا ينبني لا ينبغي لكم غيره أخْذ قَتَلَة عثمان ، وإقامة كتاب الله. وقَرَأتْ ( أَلَمْ تَرَ إلى ائذِيْنَ أوتُوا نَصِيْباً مِن الكِتَاب يُدْعَوْن إلَى كِتَابِ الله ) . الآية .

فافترق أصحاب عثمان فِرقتين : فرقة قالت : صَدَقَتْ وبرت ، وقال الآخرون : كذبتم والله ما نعرف ما جئتم به .

فتحاثوا وتحاصبوا ، فلما رأتْ عائشة ذلك انحدرتْ ، وانحدر أهلُ الميمنة مفارقين لعثمان بن حنيف حتى وقفوا في المِربْد في موضع الدباغين ، وبقي أصحابُ عثمان على حالهم ، ومال بعضُهم إلي عائشة وبقي بعضُهم مع عثمان ، وأقبل جارية بن قدامة السعدي وقال : " يا أم المؤمنين : والله لَقَتْل عثمان أهون مِنْ خُرُوجِك مِنْ بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح . إنه قد كان لكِ مِن الله ستروحُرْمة، فهتكتِ سترك ، وأبحتِ حرمتك . إنّه مَنْ رأي قتالك يري قَتْلَك ، لئن كنتِ أتيتْينَا طائعةً فارجِعي إلى منزلِكِ ، وإنْ كنتِ أتيِتْينَا مكرهة فاستعيني بالناس " .

وخرج غلامٌ شاب من بني سعد إلى طلحة، والزبير فقال : " أما أنت يا زبير فحواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمّا أنت يا طلحة فَوَقَيْت رسولَ الله صل الله عليه وسلم بيدك ، وأري أمّكما معكما فهل جئتما بنسائكما؟ قالا: لا.

قال : " فما أنا منكم في شيء " . وأعْتَزَلَ وقال في ذلك :

صُنْتُمْ حَلَالكم وقُدْتُم أمكُمْ  هَذَا لَعَمْرُكَ قِلةُ الإنْصَافِ

أمِرَتْ بجَرُ ذيُولهَا فِي بَيْتِهَا فَهَوَتْ تَشُقُّ البِيْدَ بالإيْجَافِ

غَرَضاً يُقاتَلُ دونَها أبْناؤها بالنًبْلِ والخَطِّيٌّ والأسْيافِ

هُتِكَتْ بطَلْحَة والزبَيْرِ سُتُورُهَا هَذا المُخبرُ عَنْهُم وَالكَافِي

وأقبل حكيم بن جبلة العبدي وهو علي الخيل فانشب القتال  وأشرع أصحابُ عائشة رماحهم وأمسكوا ليُمْسك حكيم وأصحابه فلم ينتهِ وقاتلهم أصحاب عائشة كافون يدفعون عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها فاقتتلوا على فم السكة، وأمرتْ عائشة أصحابها فتيامنوا إلي مقبرة بني مازن وحجز الليل بينهم ، ورجع عثمان إلى القصر، وأتى أصحاب عائشة إِلى ناحية دار الرزق وباتوا يتأهبّون ، وبات الناسُ يأتونهم ، واجتمعوا بساحة دار الرزق فغاداهم حكيم بن جبلة وهو يسبّ وبيده الرمح ، فقال له رجلٌ من عبد القيس : منْ هذا الذي تسبه ؟ قال : عائشة : قال : يا بن الخبيثة ألأم المؤمنين تقول هذا؟ فطعنه حكيم فقتله ، ثم مر بامرأة وهو يسبّها أيضاً فقالت له : ألأم المؤمنين تقول هذا يا بن الخبيثة؟ فطعنها فقتلها، ثم سار فاقتتلوا بدار الرزق قتالاً شديداً إلي أنْ زال النهار، وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف ، وكثر الجراح في الفريقين ، فلما عضّتهم الحرب تنادَوا إلي الصلح ، وتوادعوا فكتبوا بينهم كتاباً  على أنْ يبعثوا رسولاً إلي المدينة يسأل أهلها فإنْ كان طلحة، والزبير أكرها خرج عثمان بن حنيف عن البصرة وأخلاها لهما، لانْ لم يكونا أكِرهَا خرج طلحة، والزبير، وكتبوا بينهم كتاباً بذلك ، وسار كعب بن سور إلي أهل المدينة يسألهم ، فلما قدمها اجتمع الناس إليه وكان يوم جمعة فقام وقال : " يا أهل المدينة أنا رسولُ أهل البصرة نسألكم هل اكرِه طلحة والزبير على بيعة عليّ أم أتياها طائعين ؟ فلم يجبه أحد إلا أسامة بن زيد فإنّه قام وقال : إنهما بايعا وهما مُكْرهان . فأمر به تمام بن العباس فواثبه سهل بن حنيف والناس ، وثار صهيب ، وأبو أيوب في عدة من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم فيهم محمد بن مسلمة حين خافوا أنْ يُقتل أسامة فقالوا : " اللهم نعم ،. فتركوه ، وأخذ صهيب أسامة بيده إلي منزله وقال له : أما وَسِعَك ما وَسِعَنا من السكوت. قال : ما كنت أظنّ أنّ الأمر كما أري .

فرجع كعب وبلغ علياً الخبر، فكتب إلى عثمان يحجزه وقال : ( والله ما أكرها على فرقة، ولقد أكرها على جَمَاعةٍ وفَضْل فإنْ كانا يريدان الخلع فلا عُذْر لهما، وإنْ كانا يريدان غير ذلك نَظَرْنَا ونظروا .

فقدم الكتابُ علي عثمان ، وقدم كعب بن سور فأرسلوا إلى عثمان ليخرج فاحتج بالكتاب وقال : " هذا أمرٌ آخر غير ما كنا فيه " . فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر ثم قصدا المسجد فوافقا صلاة العشاء وكانوا يؤخرونها فأبطأ عثمان فقدَّما عبد الرحمن بن عتاب فشهر الزط والسيابجة السلاح ثم وضعوها فيهم فأقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد فقتلوا وهم أربعون رجلاً فأدخلا الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما فما وصل إليهما وقد بقي في وجه شعرة فاستعظما ذلك، وأرسلا إلى عائشة يعلمانها الخبر، فأرسلت إليهما أن خَلّوا سبيله .

وقيل : لما أخذ عثمان أرسلوا إلى عائشة يستشيرونها في أمره فقالتْ : اقتلوه .

فقالت لها امرأة : نشدتُك الله في عثمان وصحبته لرسول الله صل الله عليه وسلم فقالت لهم : احبسوه . فقال لهم مجاشع بن مسعود : اضربوه وانتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه .

فضربوه أربعين سوطاً ونتفوا لحيته ، وحاجبيه ، وأشفار عينيه ، وحبسوه ثم أطلقوه ، وجعلوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق .

وقد قيل في إخراج عثمان غير ما تقدم ، وذلك أن عائشة وطلحة والزبير لما قَدِموا البصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صُوْحَان: " من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله صل الله عليه وسلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد : فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا فإنْ لم تفعل فخذِّل الناسَ عن عليّ .

فكتب إليها " أمّا بعد : فأنا ابنك الخالص إنْ اعتزلتِ ورجعتِ إلي بيتك وإلاّ فأنا أول مَنْ نابذك " .

وقال زيد : " رَحِمَ الله أم المؤمنين أمِرَتْ أنْ تلزم بيتها وأمِرْنَا أنْ نقاتل فتركت ما أمِرَتْ به وأمرتنا به ، وصنعتْ ما أمرنا به ونهتنا عنه " .

وكان على البصرة عند قدومها " عثمان بن حنيف “ فقال لهم : ما نَقِمْتم على صاحبكم ؟

فقالوا : لم نره أولى بها مِنَّا، وقد صنع ما نصع . قال : فإنّ الرجل أمَّرَني فاكتب إليه فأعلمه ما جئتم به على أن أصليَ أنا بالناس حتى يأتينا كتابَه .

فوقفوا عنه ، فكتب فلم يلبث إلا يومين أو ثلاثة حتى وثبوا على عثمان عند مدينة الرزق فظفروا به ، وأرادوا قتله ثم خشوا غضب الأنصار فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه ، وضربوه ، وحبسوه ، وقام طلحة والزبير خطيَبيْن فقالا : يا أهلَ البصرة توبة لَحِوْبَة  إنما أردنا أنْ نستعتب أميرَ المؤمنين عثمانَ فغلب السفهاء الحلماء فقتلوه .

فقال الناس لطلحة : يا أبا محمد قد كَانت كُتُبُكَ تأتينا بغير هذا. فقال الزبير: هل جاءكم مني كتاب في شأنه ؟ ثم ذكر قَتْل عثمان وأظهر عَيْب عليّ ، فقام إليه رجلٌ مِنْ عبد القيس فقال : ( أيها الرجل انصت حتي نتكلم " . فأنصت فقال العبدي :

" يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لكم بذلك فضل ،ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم ، فلما تُوُفيَ رسول الله صل الله عليه وسلم بايعتم رجلاً منكم فرضينا وسلَمنا ولم تستأمرونا في شيء من ذلك فجعل الله للمسلمين في إمارته بركة، ثم مات واستخلف عليكم رجلاً فلم تشاورونا في ذلك فرضينا وسلَّمنا، فلما توفي جعلِ أمركم إلى ستة نفر فاخترتم عثمان وبايعتموه عَنْ غير مشورتنا، ثم أنكرتم منه شيئاَ فقتلتموه عن غير مشورة منا، ثم بايعتم علي عن غير مشورة منا فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ؟ هل استأثر بفَيءٍ أو عمل بغير الحق أو أتي شيئاً تُنكرونه فنكون معكم عليه وإلاّ فما هذا؟

فهمُّوا بقَتْل ذلك الرجل فمنعته عشيرتُه ، فلما كان الند وثبوا عليه وعلى مَنْ معه فقتلوا منهم سبعين ، وبقي طلحة والزبير بعد أخذ عثمان بالبصرة ومعهم بيت المال والحرس والناس معهما ومَنْ لم يكن معهما استتر وبلغ حُكيم بن جبلة ما صُنِعَ بعثمان بن حنيف فقال : لستُ أخاف الله إنْ لم أنصره . فجاء في جماعة من عبد القيس ومَنْ تبعه من ربيعة وتوجّه نحو دار الرزق وبها طعام أراد عبد الله بن الزبير أنْ يرزقه أصحابَه ، فقال له عبد الله : مالك يا حكيم ؟

قال : نريد أنْ نرتزق من هذا الطعام ، وأن تُخَلُّوا عثمان فيقيم في دار الامارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم عليّ ، وأيم الله لو أجدُ أعواناً عليكم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قَتَلْتُم ، ولقد أصبحتُم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم ، أما تخافون الله ! بم تستحلون الدم الحرام ؟ قال : بدم عثمان . قال : فالذين قتلتم هم قَتَلُوا عثمان ! أما تخافون مقتَ الله ؟

فقال له عبد الله : لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نُخَلي سبيلَ عثمان حتى تخلج علياً . فقال حكيم : اللهم إنّك حَكَمٌ عدل فاشهد. وقال لأصحابه : لستُ في شك مِن قتال هؤلاء القوم ، فمن كان في شَكٍ فلينصرف . وتقدَّم فقاتلهم ، فقال طلحة والزبير: " الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا مِن أهل البصرة، اللهم لا تُبْقِ منهم أحداً ".

فاقتتلوا قتالاً شديداً ومع حُكيم أربعة قواد، فكان حُكَيْم بحيال طلحة وذُرَيْح بحيال الزبير، وابن المحترش  بحيال، عبد الرحمن بن عتاب ، وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلاثمائة وجعل حكيم يضرب بالسيف ويقول :

أضْرِبُهُمْ بِاليَابسِ ضَرْبَ غُلَامٍ عَابِس

مِن الحياةِ آَيِس فِي الغُرُفَاتِ نَافِس



فضرب رجلٌ رِجْلَه فقطعها فحبا حتى أخذها فرمي بها صاحبه فصرعَه ، وأتاه فقتله ، ثم اتكأ عليه وقال :

يَاسَاقي لَنْ تُرَاعِي إنَ مَعِيَ ذِرَاعِي

أحْمِي بِهَا كُرَاعِي

وقال أيضاً :

لَيْسَ عَلى أنْ أمُوتَ عَار وَالعَارُ في النَّاسِ هُو الفرار

وَالمَجْدُ لا يفضحه الدَّمَار

فأتي عليه رجلٌ وهو رثيث رأسه على اخر فقال : مالك يم ا حكيم ؟

قال : قُتِلْتُ . قال : مَنْ قتلك ؟. قال : وسادتي. فاحتمله وضمّه في سبعين مِنْ أصحابه ، وتكلّم يومئذ حكيم وإنه لقائم على رِجْلِ واحدة وإنّ السيوف لتأخدهم وما يتتعتع ويقول : " إنّا خَلفْنَا هذان ، وقد بايعا علياً وأعطياه الطاعة ثم أقبلا مخالِفَيْن محاربَيْن يطلبان بدم عثمان ففرقا بيننا ونحن أهل دارٍ وجوار! اللهم إنهما لم يُرِيْدَا عثمان ا.

فناداه مُنَادٍ : " يا خبيث جزعتَ مِنْ نصبك وأصحابك حين عَضَّك نَكَالُ الله بمَا ركبتم من الإمَام المظلوم ، وفرّقتم الجماعة وأصبتم من الدماء ، فَذُقْ وَبَالَ الله وانتقامِهِ إلى كلام "  .

وقتلوا وقتل معهم قتله " يزيد بن الأسحم الحداني " فوجد حُكيم قتيلاً بين يزيد وأخيه كعب .

وقيل : قتله رجلٌ يقال له " ضخيم " وقُتل معه ابنه الأشرف ، وأخوه الرعل بن جبلة .

ولما قُتِلَ حُكيم أرادوا قتل عثمان بن حنيف فقال لهم : أما إنّ سهلاً بالمدينة فإنْ قتلتموني انتصر فخلوا سبيله ، فقصد علياً، وقُتل ذَرِيح ومَنْ معه ، وأفلت حُرْقُوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجأوا إلي قومهم ، فنادي منادي طلحة والزبير: مَنْ كان فيهم أحدٌ ممن غزا المدينة فليأتنا بهم . فجيء بهم فقُتِلُوا ولم ينج منهم إلاّ حُرْقوص بن زهير فإنّ عشيرته بني سعد منعوه - وكان منهم - فنالهم من ذلك أمرٌ شديد وضربوا فيه أجلاً وخشنوا صدور بني سعد وكانوا عثمانية فاعتزلوا، وغضبتْ عبدُ القيس حين غضبت سعد لمن قُتِلَ منهم بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلي ما هم عليه مِنْ لزوم الطاعة لعليّ ، فأمر طلحة والزبير للناس بأعطياتهم وأرزاقهم وفَضَّلا أهل السمع والطاعة فخرجت عبدُ القيس وكثيرٌ مِنْ بكر بن وائل حين منعوهم الفُضُول فبادروهم إلي بيت المال ، وأكب عليهم الناس فأصابوا منهم ، وخرجوا حتي نزلوا على طريق عليّ ، وأقام طلحة والزبير وليس معهما ثأر إلا حرقوص بن زهير وكتبوا إلى أهل الشام بما صنعوا وصاروا إليه .

وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة بما كان منهم وتأمرهم أنْ يُثَبَطُوا الناس عن عليّ وتحثهم على طلب قتلة عثمان ، وكتبت إلى أهل اليمامة وإلي أهل المدينة بما كان منهم أيضاً، وسيرتَ الكتبَ  . وكانت هذه الوقعة لخمس ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين . لم وبايع أهلُ البصرة طلحة والزبير فلما بايعوهما قال الزبير: " إلا ألف فارس أسيرُ بهم إلى عليّ أقتله بياتاً أو صباحاً قبل أنْ يَصِلَ إلينا " فلم يُجِبْه أحد فقال : " إنّ هذه لَلْفِتنة التي كنا نُحدَث عنها ". فقال له مولاه : " أتسميها فتنة وتقاتِلُ فيها “؟

قال : ويلك إنّا تُبَصّر ولا تبصر! ما كان أمرٌ قط إلاّ وأنا أعلم موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإنّي لا أدري أمقبلٌ أنا فيه أم مدبر؟

وقال علقمة بن وَقَّاص الليثي : لما خرج طلحة والزبير وعائشة رأيتُ طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بلحيته على صدره  فقلت : يا أبا محمد أرى أحبَّ المجالس إليك أخلاها وأنت ضاربٌ بلحيتك على صدرك ، إنْ كرهتَ شيئاً  فاجلس . قال :فقال لي :يا علقمة بينا نحن يدٌ واحدة على مَنْ سِوَانا أذْ صِرْنَا جبلين مِن حديد يطلبُ بعضنَا بعضاً، إنه كان مني في عثمان شيء ليس توبتي إلا أنْ يُسْفَك دمي في طلب دمه . قال : فقلت : فردَ ابنك محمداً فإن لك ضيعة وعيالاً فإن يك شيء يخلفك. قال : فامنَعْه . قال : فأتيتُ محمداً ابنه فقلتُ له : لو أقمتَ فإنْ حدث به حدث كُنْتَ تخلفه في عياله وضيعته . قال : ما أحب أنْ أسأل عنه الركبان ".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:28 am

موقعة اليرموك

وقعت معركة اليرموك (15 هـ - 636 م) بين العرب المسلمين والإمبراطورية البيزنطية. يعتبرها بعض المؤرخين من أهم المعارك في تاريخ العالم لأنها كانت بداية أول موجة انتصارات للمسلمين خارج جزيرة العرب، وآذنت لتقدم الإسلام السريع في بلاد الشام. المعركة حدثت بعد وفاة الرسول عام 632 م بأربع سنوات.

قررت الجيوش الإسلامية الإنسحاب من الجابية بالقرب من دمشق إلى اليرموك بعد تقدم جيش الروم نحوهم. تولَّى خالد بن الوليد القيادة العامة للجيش بعد أن تنازل أبوعبيدة بن الجراح، كانت قوات جيش المسلمين تعدّ 36 ألف مقاتل في حين كانت جيوش الروم تبلغ 250 ألف مقاتل.

دامت المعركة ستة أيام، كان المسلمون فيها يردون هجمات الروم في كل يوم، حيث كان خالد بن الوليد يستخدم "سرية الخيالة المتحركة السريعة" التي يقودها بنفسه ليتحرك بسرعة خاطفة من مكان إلى آخر حيث يكون جيش المسلمين في تراجع تحت ضغط الروم، ويعود كل من الجانبين في نهاية النهار إلى صفوفه الأولية قبل القتال أو إلى معسكراته.

وجرى الأمر كذلك خلال الأربعة أيام الأولى كانت فيها خسائر الروم بالأعداد أكبر من خسائر جيش المسلمين، وفي اليوم الخامس لم يحدث الشيء الكثير بعد رفض خالد "هدنة ثلاثة أيام" التي عرضها الروم بقوله المشهور لرسول الروم "نحن مستعجلون لإنهاء عملنا هذا" حسب النسخة الإنكليزية من هذه الصفحة.

وفي اليوم السادس تحولت إستراتيجية خالد من الدفاع إلى الهجوم، وتمكن بعبقريته الفذة من شن الهجوم المجازف على الروم واستخدام الأسلوب العسكري الفريد من نوعه آنذاك وهو الاستفادة الصحيحة من إمكانيات "سرية الفرسان سريعة التنقل" ليحول الهزيمة الموشكة للمسلمين إلى نصر مؤزر لهم.

وقاتلت نساء المسلمين من خلف الجيوش (في معسكرات المسلمين الخلفية) في هذه المعركة، وقتلن عدداً كبيراً من الروم وقتلت خولة بنت الأزور، وكن يضربن من انهزم من المسلمين بالحجارة ويزجرنهم، وفق تعليمات خالد عند قدومه وتنظيمه لجيش المسلمين، ويصرخن قائلات: "أين تذهبون وتدعوننا للعلوج"، وعندئذ يرجع المنهزمون، وقد تكرر ذلك في كل يوم من أيام المعركة، حتى قيل أن بعض المقاتلين عندما كانوا يهمون بالفرار إلى الخلف كانوا يقولون "مواجهة الروم ولا مواجهة نسائنا" وبعدها يكر المسلمون لشن الهجوم المعاكس. وكان عمرو بن العاص من المنهزمين ومعه أربعة نفر حتى بلغوا النساء، فلما زجرنهم رجعوا إلى القتال.

وورد في "البداية والنهاية" لابن كثير:

" على ما ذكره سيف بن عمر في هذه السنة قبل فتح دمشق، وتبعه على ذلك أبو جعفر بن جرير - رحمه الله - وأما الحافظ ابن عساكر - رحمه الله - فإنه نقل عن يزيد بن أبي عبيدة، والوليد، وابن لهيعة، والليث، وأبي معشر، أنها كانت في سنة خمسة عشرة بعد فتح دمشق‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ كانت في رجب سنة خمس عشرة‏.‏

وقال خليفة بن خياط‏:‏ قال ابن الكلبي‏:‏ كانت وقعة اليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ وهذا هو المحفوظ، وأما ما قاله سيف‏:‏ من أنها قبل فتح دمشق سنة ثلاث عشرة، فلم يتابع عليه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا ذكر سياق سيف وغيره على ما أورده ابن جرير وغيره‏.‏

قال‏:‏ ولما توجهت هذه الجيوش نحو الشام أفزع ذلك الروم، وخافوا خوفاً شديداً، وكتبوا إلى هرقل يعلمونه بما كان من الأمر، فيقال‏:‏ إنه كان يومئذ بحمص، ويقال‏:‏ كان حج عامه ذلك إلى بيت المقدس، فلما انتهى إليه الخبر‏.‏

قال لهم‏:‏ ويحكم إن هؤلاء أهل دين جديد، وإنهم لا قِبَلَ لأحدٍ بهم، فأطيعوني وصالحوهم بما تصالحونهم على نصف خراج الشام، ويبقى لكم جبال الروم، وإن أنتم أبيتم ذلك أخذوا منكم الشام، وضيقوا عليكم جبال الروم‏.‏

فنخروا من ذلك نخرة حمر الوحش كما هي عاداتهم في قلة المعرفة، والرأي بالحرب، والنصرة في الدين والدنيا‏.‏

فعند ذلك سار إلى حمص، وأمر هرقل بخروج الجيوش الرومية صحبة الأمراء، في مقابلة كل أمير من المسلمين جيش كثيف، فبعث إلى عمرو بن العاص أخاً له لأبويه تذارق في تسعين ألفاً من المقاتلة‏.‏

وبعث جرجة بن بوذيها إلى ناحية يزيد بن أبي سفيان، فعسكر بازائه في خمسين ألفاً أو ستين ألفاً‏.‏

وبعث الدارقص إلى شرحبيل بن حسنة‏.‏

وبعث اللقيقار، ويقال‏:‏ القيقلان - قال ابن إسحاق وهو خصي هرقل نسطورس - في ستين ألفاً إلى أبي عبيدة بن الجراح‏.‏

وقالت الروم‏:‏ والله لنشغلن أبا بكر عن أن يورد الخيول إلى أرضنا‏.‏

وجميع عساكر المسلمين أحد وعشرون ألفاً سوى الجيش الذي مع عكرمة بن أبي جهل‏.‏

وكان واقفاً في طرف الشام ردءاً للناس - في سنة آلاف - فكتب الأمراء إلى أبو بكر وعمر يعلمونهما بما وقع من الأمر العظيم، فكتب إليهم أن اجتمعوا وكونوا جنداً واحداً، والقوا جنود المشركين، فأنتم أنصار الله، والله ينصر من نصره، وخاذل من كفره، ولن يؤتى مثلكم عن قلة، ولكن من تلقاء الذنوب فاحترسوا منها، وليصل كل رجل منكم بأصحابه‏.‏

وقال الصديق‏:‏ والله لأشغلن النصارى عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، وبعث إليه وهو بالعراق، ليقدم إلى الشام فيكون الأمير على من به فإذا فرغ عاد إلى عمله بالعراق، فكان ما سنذكره‏.‏

ولما بلغ هرقل ما أمر به الصديق أمراءه من الاجتماع، بعث إلى أمرائه أن يجتمعوا أيضاً، وأن ينزلوا بالجيش منزلا واسع العطن، واسع المطرد، ضيق المهرب، وعلى الناس أخوه تذارق، وعلى المقدمة جرجة، وعلى المجنبتين ماهان، والدارقص، وعلى البحر القيقلان‏.‏

وقال محمد بن عائد عن عبد الأعلى عن سعيد بن عبد العزيز‏:‏ إن المسلمين كانوا أربعة وعشرين ألفاً، وعليهم أبو عبيدة، والروم كانوا عشرين ومائة ألف عليهم ماهان وسقلاب يوم اليرموك‏.‏

وكذا ذكر ابن إسحاق‏:‏ أن سقلاب الخصي كان على الروم يومئذ في مائة ألف، وعلى المقدمة جرجه - من أرمينية - في اثني عشر ألفاً، ومن المستعربة اثني عشر ألفاً عليهم جبلة بن الأيهم، والمسلمون في أربعة وعشرين ألفاً، فقاتلوا قتالاً شديداً، حتى قاتلت النساء من ورائهم أشد القتال‏.‏

وقال الوليد‏:‏ عن صفوان، عن عبد الرحمن بن جبير قال‏:‏ بعث هرقل مائتي ألف عليهم ماهان الأرمني‏.‏

قال سيف‏:‏ فسارت الروم فنزلوا الواقوصة قريباً من اليرموك، وصار الوادي خندقاً عليهم‏.‏

وبعث الصحابة إلى الصديق يستمدونه ويعلمونه بما اجتمع من جيش الروم باليرموك، فكتب الصديق عند ذلك إلى خالد بن الوليد أن يستنيب على العراق، وأن يقفل بمن معه إلى الشام، فإذا وصل إليهم فهو الأمير عليهم، فاستناب المثنى بن حارثة على العراق، وسار خالد مسرعاً في تسعة آلاف وخمسمائة، ودليله رافع بن عميرة الطائي فأخذ به على السماق حتى انتهى إلى قراقر، وسلك به أراضي لم يسلكها قبله أحد، فاجتاب البراري والقفار، وقطع الأودية، وتصعّد على الجبال، وسار في غير مهيع، وجعل رافع يدلهم في مسيرهم على الطريق، وهو في مفاوز معطشة، وعطش النوق وسقاها الماء عللاً بعد نهل، وقطع مشارفها وكعمها حتى لا تجتز رحل أدبارها‏.‏

واستاقها معه، فلما فقدوا الماء نحرها فشربوا ما في أجوافها من الماء، ويقال‏:‏ بل سقاه الخيل، وشربوا ما كانت تحمله من الماء، وأكلوا لحومها، ووصل ولله الحمد والمنة في خمسة أيام، فخرج على الروم من ناحية تدمر، فصالح أهل تدمر وأركه، ولما مر بعذراء أباحها وغنم لغسان أموالاً عظيمة، وخرج من شرقي دمشق ثم سار حتى وصل إلى قناة بصرى فوجد الصحابة تحاربها فصالحه صاحبها وسلمها إليه، فكانت أول مدينة فتحت من الشام ولله الحمد‏.‏

وبعث خالد بأخماس ما غنم من غسان مع بلال بن الحرث المزني إلى الصديق، ثم سار خالد، وأبو عبيدة، ومرثد، وشرحبيل إلى عمرو بن العاص - وقد قصده الروم بأرض العربا من المعور - فكانت واقعة أجنادين‏.‏

وقد قال رجل من المسلمين في مسيرهم هذا مع خالد‏:‏

لله عينا رافع أنى اهتدى * فوز من قراقر إلى نوى

خمساً إذا ماسارها الجيش بكى * ما سارها قبلك أنسي أرى

وقد كان بعض العرب قال له في هذا المسير‏:‏ إن أنت أصبحت عند الشجرة الفلانية نجوت أنت ومن معك، وإن لم تدركها هلكت أنت ومن معك‏.‏

فسار خالد بمن معه، وسروا سروة عظيمة فأصبحوا عندها، فقال خالد‏:‏ عند الصباح يحمد القوم السرى، فأرسلها مثلاً وهو أول من قالها رضي الله عنه‏.‏

ويقول غير ابن إسحاق كسيف بن عمر، وأبي نحيف وغيرهما في تكميل السياق الأول‏:‏ حين اجتمعت الروم مع أمرائها بالواقوصة، وانتقل الصحابة من منزلهم الذي كانوا فيه، فنزلوا قريباً من الروم في طريقهم الذي ليس لهم طريق غيره، فقال عمرو بن العاص‏:‏

أبشروا أيها الناس، فقد حصرت والله الروم، وقلما جاء محصور بخير‏.‏

ويقال‏:‏ إن الصحابة لما اجتمعوا للمشورة في كيفية المسير إلى الروم جلس الأمراء لذلك، فجاء أبو سفيان فقال‏:‏ ما كنت أظن أني أعمر حتى أدرك قوماً يجتمعون لحرب ولا أحضرهم‏.‏

ثم أشار أن يتجزأ الجيش ثلاثة أجزاء‏:‏ فيسير ثلثه فينزلون تجاه الروم، ثم تسير الأثقال والذراري في الثلث الآخر، ويتأخر خالد بالثلث الآخر حتى إذا وصلت الأثقال إلى أولئك سار بعدهم ونزلوا في مكان تكون البرية من وراء ظهورهم، لتصل إليهم البرد والمدد‏.‏

فامتثلوا ما أشار به ونعم الرأي هو‏.‏

وذكر الوليد، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن جبير‏:‏ أن الروم نزلوا فيما بين دير أيوب واليرموك، ونزل المسلمون من وراء النهر من الجانب الآخر، وأذرعات خلفهم ليصل إليهم المدد من المدينة‏.‏

ويقال‏:‏ إن خالداً إنما قدم عليهم بعد ما نزل الصحابة تجاه الروم بعد ما صابروهم وحاصروهم شهر ربيع الأول بكماله، فلما انسلخ وأمكن القتال لقلة الماء بعثوا إلى الصديق يستمدونه فقال خالد لها، فبعث إلى خالد فقدم عليهم في ربيع الآخر، فعند وصول خالد إليهم أقبل ماهان مدداً للروم ومعه القساقسة، والشمامسة، والرهبان، يحثونهم ويحرضونهم على القتال لنصر دين النصرانية‏.‏

فتكامل جيش الروم أربعون ومائتا ألف وثمانون ألفاً مسلسل بالحديد والحبال، وثمانون ألفاً فارس، وثمانون ألفاً راجل‏.‏

قال سيف‏:‏ وقيل بل كان الذين تسلسلوا كل عشرة سلسلة لئلا يفرون ثلاثين ألفاً، فالله أعلم

قال سيف‏:‏ وقدم عكرمة بمن معه من الجيوش فتكامل جيش الصحابة ستة وثلاثين ألفاً إلى الأربعين ألفاً‏.‏

وعند ابن إسحاق والمدايني أيضاً‏:‏ أن وقعة أجنادين قبل وقعة اليرموك، وكانت واقعة أجنادين لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، وقتل بها بشر كثير من الصحابة، وهزم الروم، وقتل أميرهم القيقلان‏.‏

وكان قد بعث رجلاً من نصارى العرب يجس له أمر الصحابة فلما رجع إليه قال‏:‏ وجدت قوماً رهبانا بالليل فرساناً بالنهار، والله لو سرق فيهم ابن ملكهم لقطعوه، أو زنى لرجموه‏.‏

فقال له القيقلان‏:‏ والله لئن كنت صادقاً لبطن الأرض خير من ظهرها‏.‏

وقال سيف بن عمر في سياقه‏:‏ ووجد خالد الجيوش متفرقة، فجيش أبي عبيدة وعمرو بن العاص ناحية، وجيش يزيد وشرحبيل ناحية‏.‏

فقام خالد في الناس خطيباً‏.‏

فأمرهم بالاجتماع ونهاهم عن التفرق والاختلاف‏.‏ فاجتمع الناس وتصافوا مع عدوهم في أول جمادى الآخرة، وقام خالد بن الوليد في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏

إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وإن هذا يوم له ما بعده لو رددناهم اليوم إلى خندقهم فلا نزال نردهم وإن هزمونا لا نفلح بعدها أبداً، فتعالوا فلنتعاور الإمارة فليكن عليها بعضناً اليوم والآخر غداً والآخر بعد غد، حتى يتأمر كلكم، ودعوني اليوم إليكم فأمروه عليهم وهم يظنون أن الأمر يطول جداً، فخرجت الروم في تعبئة لم ير مثلها قبلها قط‏.‏

وخرج خالد في تعبئة لم تعبها العرب من قبل ذلك‏.‏

فخرج في ستة وثلاثين كردوساً إلى الأربعين، كل كردوس ألف رجل عليهم أمير، وجعل أبا عبيدة في القلب، وعلى الميمنة عمرو بن العاص، ومعه شرحبيل بن حسنة، وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان‏.‏

وأمر على كل كردوس أميراً، وعلى الطلائع قباب بن أشيم، وعلى الأقباض عبد الله بن مسعود، والقاضي يومئذ أبو الدرداء، وقاصهم الذي يعظهم ويحثهم على القتال أبو سفيان بن حرب، وقارئهم الذي يدور على الناس فيقرأ سورة الأنفال وآيات الجهاد المقداد بن الأسود‏.‏

وذكر إسحاق بن يسار بإسناده‏:‏ أن أمراء الأرباع يومئذ كانوا أربعة‏:‏

أبو عبيدة، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وخرج الناس على راياتهم وعلى الميمنة معاذ بن جبل، وعلى الميسرة نفاثة بن أسامة الكناني، وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى الخيالة خالد بن الوليد، وهو المشير في الحرب الذي يصدر الناس كلهم عن رأيه‏.‏

ولما أقبلت الروم في خيلائها وفخرها قد سدت أقطار تلك البقعة سهلها ووعرها، كأنهم غمامة سوداء، يصيحون بأصوات مرتفعة، ورهبانهم يتلون الإنجيل ويحثونهم على القتال، وكان خالد في الخيل بين يدي الجيش فساق بفرسه إلى أبي عبيدة فقال له‏:‏ إني مشير بأمر، فقال‏:‏ قل أمرك الله أسمع لك وأطيع فقال له خالد‏:‏

إن هؤلاء القوم لا بد لهم من حملة عظيمة لا محيد لهم عنها، وإني أخشى على الميمنة والميسرة وقد رأيت أن أفرق الخيل فرقتين، وأجعلها وراء الميمنة والميسرة حتى إذا صدموهم كانوا لهم ردءاً فنأتيهم من ورائهم‏.‏

فقال له‏:‏ نعم ما رأيت‏.‏

فكان خالد في أحد الخيلين من وراء الميمنة، وجعل قيس بن هبيرة في الخيل الأخرى، وأمر أبا عبيدة أن يتأخر عن القلب إلى وراء الجيش كله، لكي إذا رآه المنهزم استحى منه ورجع إلى القتال، فجعل أبو عبيدة مكانه في القلب سعيد بن زيد أحد العشر رضي الله عنهم، وساق خالد إلى النساء من وراء الجيش ومعهن عدد من السيوف وغيرها‏.‏

فقال لهن‏:‏ من رأيتموه مولياً فاقتلنه، ثم رجع إلى موقفه رضي الله عنه‏.‏

ولما تراءى الجمعان وتبارز الفريقان وعظ أبو عبيدة المسلمين فقال‏:‏ عباد الله انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار، ولا تبرحوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدأوهم بالقتال وشرِّعوا الرماح واستتروا بالدرق والزموا الصمت إلا من ذكر الله في أنفسكم حتى آمركم إن شاء الله تعالى‏.‏

قالوا‏:‏ وخرج معاذ بن جبل على الناس فجعل يذكرهم ويقول‏:‏ يا أهل القرآن، ومتحفظي الكتاب وأنصار الهدى والحق، إن رحمة الله لا تنال وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتي الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادق المصدق ألم تسمعوا لقول الله‏:‏ ‏{‏وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏55‏]‏ الآية، فاستحيوا رحمكم الله من ربكم أن يراكم فراراً من عدوكم، وأنتم في قبضته وليس لكم ملتحد من دونه ولا عز بغيره‏.‏

وقال عمرو بن العاص‏:‏ يا أيها المسلمون غضوا الأبصار، وأجثوا على الركب، وأشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا إليهم وثبة الأسد، فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه ويمقت الكذب ويجزي بالإحسان إحساناً، لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفراً كفراً وقصراً قصراً فلا يهولكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل‏.‏

وقال أبو سفيان‏:‏ يا معشر المسلمين أنتم العرب وقد أصبحتم في دار العجم منقطعين عن الأهل نائين عن أمير المؤمنين وإمداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بإزاء عدو كثير عدده شديد عليكم حنقه، وقد وترتموهم في أنفسهم وبلادهم ونسائهم، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم، ولا يبلغ بكم رضوان الله غداً إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، ألا وإنها سنة لازمة وأن الأرض ورائكم، بينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة المسلمين صحارى وبراري، ليس لأحد فيها معقل ولا معدل إلا الصبر ورجاء ما وعد لله فهو خير معول، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا ولتكن هي الحصون‏.‏

ثم ذهب إلى النساء فوصاهم، ثم عاد فنادى‏:‏ يا معاشر أهل الإسلام حضر ما ترون فهذا رسول الله والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم، ثم سار إلى موقفه رحمه الله‏.‏

وقد وعظ الناس أبو هريرة أيضاً فجعل يقول‏:‏ سارعوا إلى الحور العين وجوار ربكم عز وجل في جنات النعيم، ما أنتم إلى ربكم في موطن بأحب إليه منكم في مثل هذا الموطن، ألا وإن للصابرين فضلهم‏.‏

قال سيف بن عمر إسناده عن شيوخه أنهم قالوا‏:‏ كان في ذلك الجمع ألف رجل من الصحابة منهم مائة من أهل بدر‏.‏

وجعل أبو سفيان يقف على كل كردوس ويقول‏:‏ الله الله إنكم دارة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم دارة الروم وأنصار الشرك، اللهم إن هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك‏.‏

قالوا‏:‏ ولما أقبل خالد من العراق قال رجل من نصارى العرب لخالد بن الوليد‏:‏ ما أكثر الروم وأقل المسلمين ‏!‏‏!‏ فقال خالد‏:‏ ويلك، أتخوفني بالروم‏؟‏ إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر برأ من توجعه، وأنهم أضعفوا في العدد - وكان فرسه قد حفا واشتكى في مجيئه من العراق -‏.‏

ولما تقارب الناس تقدم أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان ومعهما ضرار بن الأزور، والحارث بن هشام، وأبو جندل بن سهيل، ونادوا‏:‏ إنما نريد أميركم لنجتمع به، فأذن لهم في الدخول على تذارق، وإذا هو جالس في خيمة من حرير‏.‏

فقال الصحابة‏:‏ لا نستحل دخولها فأمر لهم بفرش بسط من حرير، فقالوا‏:‏ ولا نجلس على هذه‏.‏

فجلس معهم حيث أحبوا وتراضوا على الصلح، ورجع عنهم الصحابة بعد ما دعوهم إلى الله عز وجل فلم يتم ذلك‏.‏

وذكر الوليد بن مسلم‏:‏ أن ماهان طلب خالداً ليبرز إليه فيما بين الصفين فيجتمعا في مصلحة لهم‏.‏

فقال ماهان‏:‏ إنا قد علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع، فهلموا إلى أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعام وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها‏.‏

فقال خالد‏:‏ إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنا قوم نشرب الدماء، وأنه بلغنا أن لا دم أطيب من دم الروم فجئنا لذلك‏.‏

فقال أصحاب ماهان‏:‏ هذا والله ما كنا نُحَدَّثُ به العرب‏.‏

قالوا‏:‏ ثم تقدم خالد إلى عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو - وهما على مجنبتي القلب - أن ينشئا القتال‏.‏

فبدرا يرتجزان ودعوا إلى البراز، وتنازل الأبطال، وتجاولوا وحمى الحرب وقامت على ساق‏.‏ هذا وخالد مع كردوس من الحماة الشجعان الأبطال بين يدي الصفوف، والأبطال يتصاولون من الفريقين بين يديه، وهو ينظر ويبعث إلى كل قوم من أصحابه بما يعتمدونه من الأفاعيل، ويدبر أمر الحرب أتم تدبير

وقال إسحاق بن بشير عن سعيد بن عبد العزيز عن قدماء مشايخ دمشق، قالوا‏:‏ ثم زحف ماهان فخرج أبو عبيدة، وقد جعل على الميمنة معاذ بن جبل، وعلى الميسرة قباب بن أشيم الكناني، وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى الخيل خالد بن الوليد، وخرج الناس على راياتهم، وسار أبو عبيدة بالمسلمين، وهو يقول‏:‏

عباد الله انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، يا معاشر المسلمين اصبروا وصابروا فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، ولا تبرحوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدؤوهم بالقتال، وأشرعوا الرماح واستتروا بالدرق، والزموا الصمت إلا من ذكر الله‏.‏

وخرج معاذ بن جبل فجعل يذكرهم، ويقول‏:‏ يا أهل القرآن، ومستحفظي الكتاب، وأنصار الهدى والحق، إن رحمة الله لا تنال، وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتي الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا للصادق المصدق، ألم تسمعوا لقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ إلى آخر الآية فاستحيوا رحمكم الله من ربكم أن يراكم فراراً من عدوكم، وأنتم في قبضته، وليس لكم ملتحد من دونه‏.‏

وسار عمرو بن العاص في الناس وهو يقول‏:‏

أيها المسلمون غضوا الأبصار، واجثوا على الراكب، وأشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا وثبة الأسد، فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه، ويمقت الكذب ويجزي الإحسان إحساناً، لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفراً كفراً وقصراً قصراً، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشد لتطايروا تطاير أولاد الحجل‏.‏

ثم تكلم أبو سفيان فأحسن وحث على القتال فأبلغ في كلام طويل‏.‏

ثم قال حين تواجه الناس‏:‏

يا معشر أهل الإسلام حضر ما ترون، فهذا رسول الله والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم، وحرض أبو سفيان النساء وقال‏:‏ من رأيتنه فارَّاً فاضربنه بهذه الأحجار والعصي حتى يرجع‏.‏

وأشار خالد أن يقف في القلب سعيد بن زيد، وأن يكون أبو عبيدة من وراء الناس ليرد المنهزم، وقسم خالد الخيل قسمين‏:‏

فجعل فرقة وراء الميمنة‏.‏

وفرقة وراء الميسرة‏.‏

لئلا يفر الناس وليكونوا ردءاً لهم من ورائهم‏.‏

فقال له أصحابه‏:‏ افعل ما أراك الله، وامتثلوا ما أشار به خالد رضي الله عنه‏.‏

وأقبلت الروم رافعة صلبانها ولهم أصوات مزعجة كالرعد، والقساقسة والبطارقة تحرضهم على القتال، وهم في عدد وعدد لم ير مثله، فالله المستعان وعليه التكلان‏.‏

وقد كان فيمن شهد اليرموك الزبير بن العوام، وهو أفضل من هناك من الصحابة، وكان من فرسان الناس وشجعانهم، فاجتمع إليه جماعة من الأبطال يومئذ فقالوا‏:‏ ألا تحمل فنحمل معك‏؟‏

فقال‏:‏ إنكم لا تثبتون‏.‏

فقالوا‏:‏ بلى‏!‏ فحمل وحملوا فلما واجهوا صفوف الروم أحجموا وأقدم هو فاخترق صفوف الروم حتى خرج من الجانب الآخر وعاد إلى أصحابه ثم جاؤوا إليه مرة ثانية ففعل كما فعل في الأولى، وجرح يومئذ جرحين بين كتفيه، وفي رواية‏:‏ جرح‏.‏

وقد روى البخاري معنى ما ذكرناه في صحيحه‏.‏

وجعل معاذ بن جبل كلما سمع أصوات القسيسين والرهبان يقول‏:‏ اللهم زلزل أقدامهم، وأرعب قلوبهم، وأنزل علينا السكينة، وألزمنا كلمة التقوى، وحبب إلينا اللقاء، وأرضنا بالقضاء‏.‏

وخرج ماهان فأمر صاحب الميسرة وهو الدبريجان، وكان عدو الله متنسكاً فيهم، فحمل على الميمنة وفيها الأزد، ومذحج، وحضرموت، وخولان، فثبتوا حتى صدقوا أعداء الله، ثم ركبهم من الروم أمثال الجبال‏.‏

فزال المسلمون من الميمنة إلى ناحية القلب، وانكشف طائفة من الناس إلى العسكر، وثبت صور من المسلمين عظيم يقاتلون تحت راياتهم، وانكشف زبيد‏.‏

ثم تنادوا فتراجعوا وحملوا حتى نهنهوا من أمامهم من الروم، وأشغلوهم عن أتباع من انكشف من الناس، واستقبل النساء من انهزم من سرعان الناس يضربنهم بالخشب والحجارة، وجعلت خولة بنت ثعلبة تقول‏:‏



يا هارباً عن نسوة تقّيات * فعن قليل ما ترى سبيات

ولا حصيات ولا رضيات

قال‏:‏ فتراجع الناس إلى مواقفهم‏.‏

وقال سيف بن عمر، عن أبي عثمان الغساني عن أبيه، قال قال عكرمة بن أبي جهل يوم اليرموك‏:‏ قاتلت رسول الله صل الله عليه وسلم في مواطن وأفر منكم اليوم‏؟‏

ثم نادى‏:‏ من يبايع على الموت‏؟‏

فبايعه عمه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جراحاً، وقتل منهم خلق منهم‏:‏ ضرار بن الأزور رضي الله عنهم‏.‏

وقد ذكر الواقدي وغيره‏:‏ أنهم لما صرعوا من الجراح استسقوا ماء فجيء إليهم بشربة ماء فلما اقتربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر فقال‏:‏ ادفعها إليه، فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر، فقال‏:‏ ادفعها إليه فتدافعوها كلهم من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعاً ولم يشربها أحد منهم رضي الله عنهم أجمعين

ويقال‏:‏ إن أول من قتل من المسلمين يومئذ شهيداً رجل جاء إلى أبو عبيدة، فقال‏:‏ إني قد تهيأت لأمري فهل لك من حاجة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم‏؟‏

قال‏:‏ نعم، تقرئه عني السلام وتقول‏:‏ يا رسول الله إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً‏.‏

قال‏:‏ فتقدم هذا الرجل حتى قتل رحمه الله‏.‏

قالوا‏:‏ وثبت كل قوم على رايتهم حتى صارت الروم تدور كأنها الرحا‏.‏

فلم تر يوم اليرموك إلا مخاً ساقطاً، ومعصماً نادراً، وكفاً طائرة من ذلك الموطن‏.‏

ثم حمل خالد بمن معه من الخيالة على الميسرة التي حملت على ميمنة المسلمين فأزالوهم إلى القلب فقتل من الروم في حملته هذه ستة آلاف منهم ثم قال‏:‏ والذي نفسي بيده لم يبق عندهم من الصبر والجلد غير ما رأيتم، وإني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم، ثم اعترضهم فحمل بمائة فارس معه على نحو من مائة ألف فما وصل إليهم حتى انفض جمعهم، وحمل المسلمون عليهم حملة رجل واحد فانكشفوا وتبعهم المسلمون لا يمتنعون منهم‏.‏

قالوا‏:‏ وبينما هم في جولة الحرب وحومة الوغى والأبطال يتصاولون من كل جانب، إذ قدم البريد من نحو الحجاز فدفع إلى خالد بن الوليد فقال له‏:‏ ما الخبر‏؟‏

فقال له - فيما بينه وبينه -‏:‏ إن الصديق رضي الله عنه قد توفي، واستخلف عمر، واستناب على الجيوش أبا عبيدة عامر بن الجراح فأسرها خالد ولم يبد ذلك للناس لئلا يحصل ضعف ووهن في تلك الحال، وقال له والناس يسمعون‏:‏ أحسنت، وأخذ منه الكتاب فوضعه في كنانته واشتغل بما كان فيه من تدبير الحرب والمقاتلة، وأوقف الرسول الذي جاء بالكتاب - وهو منجمة بن زنيم - إلى جانبه، كذا ذكره ابن جرير بأسانيده‏.‏

قالوا‏:‏ وخرج جرجه أحد الأمراء الكبار من الصف واستدعى خالد بن الوليد فجاء إليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال جرجه‏:‏ يا خالد أخبرني فاصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم‏؟‏

قال‏:‏ لا‏!‏

قال‏:‏ فبم سميت سيف الله‏؟‏

قال‏:‏ إن الله بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعاً، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا كذبه وباعده، فكنت فيمن كذبه وباعده، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه‏.‏

فقال لي‏:‏ أنت سيف من سيوف الله سله على المشركين ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين‏.‏ ‏

فقال جرجه‏:‏ يا خالد إلى ما تدعون‏؟‏

قال‏:‏ إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل‏.‏

قال‏:‏ فمن لم يجبكم‏؟‏

قال‏:‏ فالجزية ونمنعهم‏.‏

قال‏:‏ فإن لم يعطها‏؟‏

قال‏:‏ نؤذنه بالحرب ثم نقاتله‏.‏

قال‏:‏ فما منزلة من يجيبكم، ويدخل في هذا الأمر اليوم‏؟‏

قال‏:‏ منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا‏.‏

قال جرجه‏:‏ فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر والذخر‏؟‏

قال‏:‏ نعم وأفضل‏.‏

قال‏:‏ وكيف يساويكم وقد سبقتموه‏؟‏

فقال خالد‏:‏ إنا قبلنا هذا الأمر عنوة، وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا‏.‏

فقال جرجه‏:‏ بالله لقد صدقتني ولم تخادعني‏؟‏

قال‏:‏ تالله لقد صدقتك، وإن الله ولي ما سألت عنه‏.‏

فعند ذلك قلب جرجه الترس ومال مع خالد وقال‏:‏ علمني الإسلام فمال به خالد إلى فسطاطه فسن عليه قربة من ماء ثم صلى به ركعتين‏.‏

وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد وهم يرون أنها منه حملة فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية عليهم عكرمة بن أبي جهل، والحرث بن هشام‏.‏

فركب خالد وجرجه معه والروم خلال المسلمين، فتنادى الناس وثابوا وتراجعت الروم إلى مواقفهم وزحف خالد بالمسلمين حتى تصافحوا بالسيوف فضرب فيهم خالد وجرجه من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب‏.‏

وصلى المسلمون صلاة الظهر وصلاة العصر إيماء وأصيب جرجه رحمه الله ولم يصل لله إلا تلك الركعتين مع خالد رضي الله عنهما، وضعضعت الروم عند ذلك‏.‏

ثم نهد خالد بالقلب حتى صار في وسط خيول الروم، فعند ذلك هربت خيالتهم، وأسندت بهم في تلك الصحراء، وأفرج المسلمون بخيولهم حتى ذهبوا‏.‏

وأخر الناس صلاتي العشاءين، حتى استقر الفتح، وعمد خالد إلى رحل الروم وهم الرجالة ففصلوهم حتى آخرهم حتى صاروا كأنهم حائط قد هدم ثم تبعوا من فر من الخيالة، واقتحم خالد عليهم خندقهم، وجاء الروم في ظلام الليل إلى الواقوصة، فجعل الذين تسلسلوا وقيدوا بعضهم ببعض إذا سقط واحد منهم سقط الذين معه‏.‏

قال ابن جرير وغيره‏:‏ فسقط فيها وقتل عندها مائة ألف وعشرون ألفاً سوى من قتل في المعركة‏.‏

وقد قاتل نساء المسلمين في هذا اليوم وقتلوا خلقاً كثيراً من الروم، وكن يضربن من انهزم من المسلمين، ويقلن‏:‏ أين تذهبون وتدعوننا للعلوج‏؟‏ فإذا زجرنهم لا يملك أحد نفسه حتى يرجع إلى القتال‏.‏

قال‏:‏ وتجلل القيقلان وأشراف من قومه من الروم ببرانسهم، وقالوا‏:‏ إذا لم نقدر على نصر دين النصرانية فلنمت على دينهم، فجاء المسلمون فقتلوهم عن آخرهم‏.‏

قالوا‏:‏ وقتل في هذا اليوم من المسلمين ثلاثة آلاف منهم‏:‏ عكرمة وابنه عمرو، وسلمة بن هشام، وعمرو بن سعيد، وأبان بن سعيد، وأثبت خالد بن سعيد فلا يدرى أين ذهب، وضرار بن الأزور، وهشام بن العاص، وعمرو بن الطفيل بن عمرو الدوسي، وحقق الله رؤيا أبيه يوم اليمامة‏.‏

وقد أتلف في هذا اليوم جماعة من الناس وانهزم عمرو بن العاص في أربعة حتى وصلوا إلى النساء ثم تراجعوا حين وعظهم الأمير بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 111‏]‏ الآية‏.‏

وثبت يومئذ يزيد بن أبي سفيان وقاتل قتالاً شديداً، وذلك أن أباه مر به فقال له‏:‏ يا بني عليك بتقوى الله والصبر فإنه ليس رجل بهذا الوادي من المسلمين إلا محفوفاً بالقتال، فكيف بك وبأشباهك الذين ولو أمور المسلمين ‏؟‏‏!‏ أولئك أحق الناس بالصبر والنصيحة، فاتق الله يا بني، ولا يكونن أحد من أصحابك بأرغب في الأجر والصبر في الحرب، ولا أجرأ على عدو الإسلام منك‏.‏

فقال‏:‏ أفعل إن شاء الله‏.‏

فقاتل يومئذ قتالاً شديداً، وكان من ناحية القلب رضي الله عنه‏.‏

قال سعيد بن المسيب عن أبيه قال‏:‏ هدأت الأصوات يوم اليرموك فسمعنا صوتاً يكاد يملأ العسكر يقول‏:‏ يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين، قال‏:‏ فنظرنا فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد، وأكمل خالد ليلته في خيمة تذارق أخي هرقل - وهو أمير الروم كلهم يومئذ - هرب فيمن هرب، وباتت الخيول تجول نحو خيمة خالد يقتلون من مر بهم من الروم حتى أصبحوا وقتل تذارق وكان له ثلاثون سرادقاً وثلاثون رواقاً من ديباج بما فيها من الفرش والحرير، فلما كان الصباح حازوا ما كان هنالك من الغنائم‏.‏

وما فرحوا بما وجدوا بقدر حزنهم على الصديق حين أعلمهم خالد بذلك ولكن عوضهم الله بالفاروق رضي الله عنه‏.‏

وقال خالد حين عزى المسلمين في الصديق‏:‏ الحمد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت وكان أحب إلي من عمر، والحمد لله الذي ولى عمر وكان أبغض إلى من أبي بكر وألزمني حبه‏.‏

وقد اتبع خالد من انهزم من الروم حتى وصل إلى دمشق فخرج إليه أهلها فقالوا‏:‏ نحن على عهدنا وصلحنا‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

ثم اتبعهم إلى ثنية العقاب فقتل منهم خلقاً كثيراً، ثم ساق وراءهم إلى حمص فخرج إليه أهلها فصالحهم كما صالح أهل دمشق‏.‏

وبعث أبو عبيدة عياض بن غنم وراءهم أيضاً فساق حتى وصل ملطية فصالحه أهلها ورجع‏.‏

فلما بلغ هرقل ذلك بعث إلى مقاتليها فحضروا بين يديه وأمر بملطية فحرقت وانتهت الروم منهزمة إلى هرقل وهو بحمص والمسلمون في آثارهم يقتلون ويأسرون ويغنمون‏.‏

فلما وصل الخبر إلى هرقل ارتحل من حمص، وجعلها بينه وبين المسلمين وترس بها، وقال هرقل‏:‏ أما الشام فلا شام، وويل للروم من المولود المشئوم‏.‏

ومما قيل من الأشعار في يوم اليرموك قول القعقاع بن عمرو‏:‏

ألم ترنا على اليرموك فزنا * كما فزنا بأيام العراق

وعذراء المدائن قد فتحنا * ومرج الصفر على العتاق

فتحنا قبلها بصرى وكانت * محرمة الجناب لدى النعاق

قتلنا من أقام لنا وفينا * نهابهم بأسياف رقاق

قتلنا الروم حتى ما تساوى * على اليرموك معروق الوراق

فضضنا جمعهم لما استجالوا * على الواقوص بالبتر الرقاق

غداة تهافتوا فيها فصاروا * إلى أمر يعضل بالذواق

وقال الأسود بن مقرن التميمي‏:‏

وكم قد أغرنا غارة بعد غارة *يوماً ويوماً قد كشفنا أهاوله

ولولا رجال كان عشو غنيمة * لدى مأقط رجت علينا أوائله

لقيناهم اليرموك لما تضايقت * بمن حل باليرموك منه حمائله

فلا يعد من منا هرقل كتائباً * إذا رامها رام الذي لا يحاوله

وقال عمرو بن العاص‏:‏

القوم لخم وجذام في الحرب * ونحن والروم بمرج نضطرب

فإن يعودوا بها لا نصطحب * بل نعصب الفرار بالضرب الكرب

وروى أحمد بن مروان المالكي في المجالسة‏:‏ حدثنا أبو إسماعيل الترمذي، حدثنا أبو معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق قال‏:‏ كان أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم لا يثبت لهم العدو فواق ناقة عند اللقاء‏.‏

فقال هرقل وهو على أنطاكية لما قدمت منهزمة الروم‏:‏ ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشرا مثلكم‏؟‏

قالوا‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فأنتم أكثر أم هم‏؟‏

قالوا‏:‏ بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن‏.‏

قال‏: فما بالكم تنهزمون‏؟‏

فقال شيخ من عظمائهم‏:‏ من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنا نشرب الخمر، ونزني، ونركب الحرام، وننقض العهد، ونغصب، ونظلم، ونأمر بالسخط وننهى عما يرضي الله، ونفسد في الأرض‏.‏

فقال‏:‏ أنت صدقتني

وقال الوليد بن مسلم‏:‏ أخبرني من سمع يحيى بن يحيى الغساني يحدث عن رجلين من قومه قالا‏:‏ لما نزل المسلمون بناحية الأردن، تحدثنا بيننا أن دمشق ستحاصر فذهبنا نتسوق منها قبل ذلك، فبينا نحن فيها إذ أرسل إلينا بطريقها فجئناه‏.‏

فقال‏:‏ أنتما من العرب‏؟‏

قلنا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ وعلى النصرانية‏؟‏

قلنا‏:‏ نعم‏.‏

فقال‏:‏ ليذهب أحدكما فليتجسس لنا عن هؤلاء القوم ورأيهم، وليثبت الآخر على متاع صاحبه‏.‏

ففعل ذلك أحدنا فلبث ملياً ثم جاءه فقال‏:‏ جئتك من عند رجال دقاق يركبون خيولاً عتاقاً، أما الليل فرهبان، وأما النهار ففرسان، يريشون النبل ويبرونها، ويثقفون القنا، لو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه عنك لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر‏.‏

قال‏:‏ فالتفت إلى أصحابه، وقال‏:‏ آتاكم منهم ما لا طاقة لكم به‏.‏

انتقال إمرة الشام من خالد إلى أبي عبيدة بعد وقعة اليرموك

وصيرورة الإمرة بالشام إلى أبو عبيدة، فكان أبو عبيدة أول من سمي أمير الأمراء‏.‏

وقد تقدم أن البريد قدم بموت الصديق والمسلمون مصافو الروم يوم اليرموك، وأن خالداً كتم ذلك عن المسلمين لئلا يقع وهن، فلما أصبحوا أجلى لهم الأمر وقال ما قال، ثم شرع أبو عبيدة في جمع الغنيمة وتخميسها، وبعث بالفتح والخمس مع قباب بن أشيم إلى الحجاز، ثم نودي بالرحيل إلى دمشق، فساروا حتى نزلوا مرج الصفر، وبعث أبو عبيدة بين يديه طليعة أبا أمامة الباهلي ومعه رجلان من أصحابه‏.‏

قال أبو أمامة‏:‏ فسرت فلما كان ببعض الطريق أمرت الآخر فكمن هناك وسرت أنا وحدي حتى جئت باب البلد، وهو مغلق في الليل وليس هناك أحد فنزلت وغرزت رمحي بالأرض، ونزعت لجام فرسي، وعلقت عليه مخلاته ونمت فلما أصبح الصباح قمت فتوضأت وصليت الفجر، فإذا باب المدينة يقعقع فلما فتح حملت على البواب فطعنته بالرمح فقتلته‏.‏

ثم رجعت والطلب ورائي فلما انتهينا إلى الرجل الذي في الطريق من أصحابي ظنوا أنه كمين فرجعوا عني، ثم سرنا حتى أخذنا الآخر‏.‏

وجئت إلى أبو عبيدة فأخبرته بما رأيت فأقام أبو عبيدة ينتظر كتاب عمر فيما يعتمده من أمر دمشق‏.‏

فجاءه الكتاب يأمره بالمسير إليها، فساروا إليها حتى أحاطوا بها‏.‏

واستخلف أبو عبيدة على اليرموك بشير بن كعب في خيل هناك وقعة جرت بالعراق بعد مجيء خالد إلى الشام وذلك أن أهل فارس اجتمعوا بعد مقتل ملكهم وابنه على تمليك شهريار بن أزدشير بن شهريار، واستغنموا غيبة خالد عنهم فبعثوا إلى نائبه المثنى بن حارثة جيشاً كثيفاً نحواً من عشرة آلاف عليهم هرمز بن حادويه، وكتب شهريار إلى المثنى‏:‏ إني قد بعثت إليك جنداً من وحش أهل فارس، إنما هم رعاة الدجاج والخنازير، ولست أقاتلك إلا بهم‏.‏

فكتب إليه المثنى‏:‏ من المثنى إلى شهريار إنما أنت أحد رجلين‏:‏ إما باغ لذلك شر لك وخير لنا، وإما كاذب فأعظم الكاذبين عقوبة وفضيحة عند الله في الناس الملوك، وأما الذي يدلنا عليه الرأي فإنكم إنما اضطررتم إليهم، فالحمد الله الذي رد كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير‏.‏

قال‏:‏ فجزع أهل فارس من هذا الكتاب، ولاموا شهريار على كتابه إليه واستهجنوا رأيه‏.‏

وسار المثنى من الحرة إلى بابل، ولما التقى المثنى وجيشهم بمكان عند عدوة الصراة الأولى، اقتتلوا قتالاً شديداً جداً، وأرسل الفرس فيلاً بين صفوف الخيل ليفرق خيول المسلمين، فحمل عليه أمير المسلمين المثنى بن الحارثة فقتله، وأمر المسلمين فحملوا، فلم تكن إلا هزيمة الفرس فقتلوهم قتلاً ذريعاً، وغنموا منهم مالاً عظيماً، وفرت الفرس حتى انتهوا إلى المدائن في شر حالة، ووجدوا الملك قد مات فملكوا عليهم ابنة كسرى بوران بنت أبرويز فأقامت العدل، وأحسنت السيرة، فأقامت سنة وسبع شهور، ثم ماتت فملكوا عليهم أختها آزرميدخت زنان فلم ينتظم لهم أمر، فملكوا عليهم سابور بن شهريار وجعلوا أمره إلى الفرخزاذ بن البندوان فزوجه سابور بابنه كسرى آزرميدخت فكرهت ذلك وقالت‏:‏ إنما هذا عبد من عبيدنا فلما كان ليلة عرسها عليه هموا إليه فقتلوه، ثم ساروا إلى سابور فقتلوه أيضاً، وملكوا عليهم هذه المرأة وهي آزرمدخيت ابنة كسرى، ولعبت فارس بملكها لعباً كثيراً، وآخر ما استقر أمرهم عليه في هذه السنة أن ملكوا امرأة، وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة‏)‏‏)‏‏.

وفي هذه الوقعة التي ذكرنا يقول عبدة بن الطبيب السعدي، وكان قد هاجر لمهاجرة حليلة له حتى شهد وقعة بابل هذه، فلما آيسته رجع إلى البادية وقال‏:‏

هل حبل خولة بعد البين موصول * أم أنت عنها بعيد الدار مشغول

وللأحبة أيام تذكرها * وللنوى قبل يوم البين تأويل

حلَّت خويلة في حي عهدتهم * دون المدينة فيها الديك والفيل

يقارعون رؤس العجم ضاحية * منهم فوارس لا عزل ولا ميل

وقد قال الفرزدق في شعره يذكر قتل المثنى ذلك الفيل‏:‏

وبيت المثنى قاتل الفيل عنوة * ببابل إذ في فارس ملك بابل

ثم إن المثنى بن حارثة استبطأ أخبار الصديق لتشاغله بأهل الشام، وما فيه من حرب اليرموك المتقدم ذكره، فسار المثنى بنفسه إلى الصديق، واستناب على العراق بشير بن الخصاصية، وعلى المسالح سعيد بن مرة العجلي، فلما انتهى المثنى إلى المدينة وجد الصديق في آخر مرض الموت‏.‏

وقد عهد إلى عمر بن الخطاب، ولما رأى الصديق المثنى قال لعمر‏:‏ إذا أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس لحرب أهل العراق مع المثنى، وإذا فتح الله على أمرائنا بالشام فاردد أصحاب خالد إلى العراق فإنهم أعلم بحربه‏.‏

فلما مات الصديق ندب عمر المسلمين إلى الجهاد بأرض العراق لقلة من بقي فيه من المقاتلة بعد خالد بن الوليد، فانتدب خلقاً، وأمر عليهم أبا عبيدة بن مسعود، وكان شاباً شجاعاً خبيراً بالحرب والمكيدة، وهذا آخر ما يتعلق بخبر العراق إلى آخر أيام الصديق، وأول دولة الفاروق‏".‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:28 am

وقعة صفين

وقعة صفين هي المعركة التي وقعت بين جيش علي بن أبي طالب وجيش معاوية بن أبي سفيان في سنه 39 هجرية. وحصلت بعد معركة الجمل.

من أسبابها أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، طالب معاوية بالبيعة وعدم الخروج على امام زمانه وارجاع اموال المسلمين ضمن خطة الامام في تعديل الاوضاع وارجاعها كما كانت في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتعديل الانحراف في الاسلام بعد وفاته (صل الله عليه وسلم)، فيما كانت حجة معاوية عليا ً بالقصاص أولاً من قتلة عثمان ثم تكون البيعة. ومع احتدام الموقف توجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الشام مع جيشه (عدده 120 ألفا) لأخذ البيعة من معاوية والذي بدوره أرسل جيش من دمشق(عدده 90 ألفا) أقام في صفين وتقابل الجيشان هناك وقام بينهما قتال شديد كان يستمر يوميا من بعد صلاة الفجر إلى نصف الليل وقتل فيه ما يقارب 70 ألفا.

ورد في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير:

" قد تقدم ما رواه الإمام أحمد‏:‏ عن إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، أنه قال‏:‏ هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم عشرات الألوف، فلم يحضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أمية بن خلد، قال لشعبة‏:‏ إن أبا شيبة روى عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‏:‏ شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلاً، فقال كذب أبو شيبة، والله لقد ذاكرنا الحكم في ذلك فما وجدناه شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت ‏؟‏‏.‏

وقد قيل‏:‏ أنه شهدها من أهل بدر سهل بن حنيف، وكذا أبو أيوب الأنصاري‏.‏

قاله شيخنا العلامة ابن تيمية في كتاب ‏(‏الرد على الرافضة‏)‏‏.‏

وروى ابن بطة بإسناده‏:‏ عن بكير بن الأشج أنه قال‏:‏ أما إن رجالاً من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان، فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم‏.‏

وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإنه لما فرغ من وقعة الجمل، ودخل البصرة، وشيع أم المؤمنين عائشة لما أرادت الرجوع إلى مكة، سار من البصرة إلى الكوفة‏.‏

قال أبو الكنود عبد الرحمن بن عبيد‏:‏ فدخلها علي يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وثلاثين‏.‏

فقيل له‏:‏ انزل بالقصر الأبيض‏.‏

فقال‏:‏ لا‏!‏ إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله، فأنا أكرهه لذلك‏.‏

فنزل في الرحبة، وصلى في الجامع الأعظم ركعتين، ثم خطب الناس فحثهم على الخير، ونهاهم عن الشر، ومدح أهل الكوفة في خطبته هذه‏.‏

ثم بعث إلى جرير بن عبد الله - وكان على همذان ممن زمان عثمان - وإلى الأشعث بن قيس - وهو على نيابة أذربيجان من زمان عثمان - أن يأخذا البيعة على من هنالك من الرعايا ثم يقبلا إليه، ففعلا ذلك‏.‏

فلما أراد علي رضي الله عنه أن يبعث إلى معاوية رضي الله عنه يدعوه إلى بيعته قال جرير بن عبد الله‏:‏ أنا أذهب إليه يا أمير المؤمنين، فإن بيني وبينه ودَّاً، فآخذ لك منه البيعة‏.‏

فقال الأشتر‏:‏ لا تبعثه يا أمير المؤمنين، فإني أخشى أن يكون هواه معه‏.‏

فقال علي‏:‏ دعه، وبعثه وكتب معه كتاباً إلى معاوية يعلمه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ويخبره بما كان في وقعة الجمل، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس‏.‏

فلما انتهى إليه جرير بن عبد الله أعطاه الكتاب، فطلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام، فاستشارهم، فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان، أو أن يُسلم إليهم قتلة عثمان، وإن لم يفعل قاتلوه ولم يبايعوه حتى يقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه‏.‏

فرجع جرير إلى علي فأخبره بما قالوا، فقال الأشتر‏:‏ يا أمير المؤمنين ألم أنهك أن تبعث جريراً، فلو كنت بعثتني لما فتح معاوية باباً إلا أغلقته‏.‏

فقال له جرير‏:‏ لو كنت ثَمَّ لقتلوك بدم عثمان‏.‏

فقال الأشتر‏:‏ والله لو بعثني لم يعيني جواب معاوية، ولأعجلنه عن الفكرة، ولو أطاعني قبل لحبسك وأمثالك حتى يستقيم أمر هذه الأمة‏.‏

فقام جرير مُغضباً، وأقام بقرقيسيا، وكتب إلى معاوية يخبره بما قال وما قيل له‏.‏

فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه، وخرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من الكوفة عازماً على الدخول إلى الشام، فعسكر بالنخيلة، واستخلف على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر البدري الأنصاري، وكان قد أشار عليه جماعة بأن يقيم بالكوفة، ويبعث الجنود، وأشار آخرون أن يخرج فيهم بنفسه‏.‏

وبلغ معاوية أن علياً قد خرج بنفسه، فاستشار عمرو بن العاص فقال له‏:‏ اخرج أنت أيضاً بنفسك‏.‏

وقام عمرو بن العاص في الناس فقال‏:‏ إن صناديد أهل الكوفة والبصرة قد تفانوا يوم الجمل، ولم يبق مع علي إلا شرذمةٌ قليلةٌ من الناس ممن قتل‏.‏

وقد قتل الخليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فالله الله في حقكم أن تضيعوه، وفي دمكم أن تطلبوه، وكتب إلى أجناد الشام فحضروا، وعقدت الألوية والرايات للأمراء، وتهيأ أهل الشام وتأهبوا، وخرجوا أيضاً إلى نحو الفرات من ناحية صفين - حيث يكون مقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه - وسار علي رضي الله عنه بمن معه من الجنود من النخيلة قاصداً أرض الشام‏.‏

قال أبو إسرائيل عن الحكم بن عيينة‏:‏ وكان في جيشه ثمانون بدرياً ومائة وخمسون ممن بايع تحت الشجرة‏.‏ رواه ابن ديزيل‏.‏

وقد اجتاز في طريقه براهب فكان من أمره ما ذكره الحسين بن ويزيل في كتابه فيما رواه عن يحيى بن عبد الله الكرابيسي عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، حدثني مسلم الأعور، عن حبة العرني قال‏:‏ لما أتى علي الرقة نزل بمكان يقال له البلبخ على جانب الفرات، فنزل إليه راهب من صومعته فقال لعلي‏:‏ إن عندنا كتاباً توارثناه عن آبائنا، كتبه أصحاب عيسى بن مريم عليهما السلام أعرضه عليك‏؟‏

فقال علي‏:‏ نعم‏!‏ فقرأ الراهب الكتاب‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر، وكتب فيما كتب أنه باعث في الأميين رسولاً منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ويدلهم على سبيل الله، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل شرف، وفي كل صعود وهبوط، تذل ألسنتهم بالتهليل والتكبير، وينصره الله على كل من ناوأه، فإذا توفاه الله اختلفت أمته، ثم اجتمعت، فلبثت بذلك ما شاء الله، ثم اختلفت ثم يمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق، ولا ينكس الحكم‏.‏

الدنيا أهون عليه من الرماد أو قال التراب - في يوم عصفت فيه الريح - والموت أهون عليه من شرب الماء، يخاف الله في السر، وينصح في العلانية، ولا يخاف في الله لومة لائم، فمن أدرك ذلك النبي من أهل البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة‏.‏

ثم قال لعلي‏:‏ فأنا أصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك‏.‏

فبكى علي ثم قال‏:‏ الحمد لله الذي لم يجعلني عنده نسياً منسياً، والحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار‏.‏

فمضى الراهب معه وأسلم، فكان مع علي حتى أصيب يوم صفين، فلما خرج الناس يطلبون قتلاهم قال علي‏:‏ اطلبوا الراهب، فوجدوه قتيلاً، فلما وجدوه صلّى عليه ودفنه واستغفر له‏.‏

وقد بعث علي بين يديه زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف، ومعه شريح بن هانئ، في أربعة آلاف، فساروا في طريق بين يديه غير طريقه، وجاء علي فقطع دجلة من جسر منبج وسارت المقدمتان‏.‏

فبلغهم أن معاوية ركب في أهل الشام ليلتقي أمير المؤمنين علياً فهموا بلقياه فخافوا من قلة عددهم بالنسبة إليه، فعدلوا عن طريقهم وجاؤا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات فساروا فعبروا من هيت ثم لحقوا علياً - وقد سبقهم - فقال علي‏:‏ مقدمتي تأتي من ورائي‏؟‏

فاعتذروا إليه بما جرى لهم، فعذرهم ثم قدمهم أمامه إلى معاوية بعد أن عبر الفرات فتلقاهم أبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي في مقدمة أهل الشام فتواقفوا، ودعاهم زياد بن النضر أمير مقدمة أهل العراق إلى البيعة، فلم يجيبوه بشيء فكتب إلى علي بذلك فبعث إليهم عليٌّ الأشتر النخعي أميراً، وعلى ميمنته زياد، وعلى ميسرته شريح‏.‏

وأمره أن لا يتقدم إليهم بقتال حتى يبدأوه بالقتال، ولكن ليدعهم إلى البيعة مرة بعد مرة، فإن امتنعوا فلا يقاتلهم حتى يقاتلوه، ولا يقرب منهم قرب من يريد الحرب، ولا يبتعد منهم ابتعاد من يهاب الرجال، ولكن صابرهم حتى آتينك، فأنا حثيث السير وراءك إن شاء الله‏.‏

فتحاجزوا يومهم ذلك، فلما كان آخر النهار حمل عليهم أبو الأعور السلمي، وبعث معه بكتاب الإمارة على المقدمة مع الحارث بن جهمان الجعفي، فلما قدم الأشتر على المقدمة امتثل ما أمره به علي، فتواقف هو ومقدمة معاوية وعليها أبو الأعور السلمي فثبتوا له واصطبروا لهم ساعة‏.‏

ثم انصرف أهل الشام عند المساء، فلما كان الغد تواقفوا أيضاً وتصابروا، فحمل الأشتر فقتل عبد الله بن المنذر التنوخي - وكان من فرسان أهل الشام - قتله رجل من أهل العراق يقال له‏:‏ ظبيان بن عمارة التميمي‏.‏

فعند ذلك حمل عليهم أبو الأعور بمن معه، فتقدموا إليهم وطلب الأشتر من أبي الأعور أن يبارزه فلم يجبه أبو الأعور إلى ذلك، وكأنه رآه غير كفء له في ذلك والله أعلم‏.‏

وتحاجز القوم عن القتال عند إقبال الليل من اليوم الثاني، فلما كان صباح اليوم الثالث أقبل علي رضي الله عنه في جيوشه، وجاء معاوية رضي الله عنه في جنوده فتواجه الفريقان وتقابل الطائفتان فبالله المستعان، فتواقفوا طويلاً‏.‏

وذلك بمكان يقال له‏:‏ صفين، وذلك في أوائل ذي الحجة، ثم عدل علي رضي الله عنه فارتاد لجيشه منزلاً، وقد كان معاوية سبق بجيشه فنزلوا على مشرعة الماء في أسهل موضع وأفسحه، فلما نزل علي نزل بعيداً من الماء، وجاء سرعان أهل العراق ليردوا من الماء فمنعهم أهل الشام فوقع بينهم مقاتلة بسبب ذلك‏.‏

وقد كان معاوية وكل على الشريعة أبا الأعور السلمي، وليس هناك مشرعة سواها، فعطش أصحاب علي عطشاً شديداً فبعث علي الأشعث بن قيس الكندي في جماعة ليصلوا إلى الماء فمنعهم أولئك وقال‏:‏ موتوا عطشاً كما منعتم عثمان الماء‏.‏

فتراموا بالنبل ساعة، ثم تطاعنوا بالرماح أخرى، ثم تقاتلوا بالسيوف بعد ذلك كله، وأمد كل طائفة أهلها حتى جاء الأشتر النخعي من ناحية العراقيين، وعمرو بن العاص من ناحية الشاميين، واشتدت الحرب بينهم أكثر مما كانت، وقد قال رجل من أهل العراق - وهو عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي - وهو يقاتل‏:‏

خلّوا لنا ماء الفرات الجاري * أو أثبتوا بجحفل جرار

لكل قرم مشرب تيار * مطاعنٍ برمحه كرار

ضراب هامات العدي مغوار

ثم ما زال أهل العراق يكشفون الشاميين عن الماء حتى أزاحوهم وخلوا بينهم وبينه، ثم اصطلحوا على الورود حتى صاروا يزدحمون في تلك الشريعة لا يكلم أحد أحداً، ولا يؤذي إنسان إنساناً‏.‏

وفي رواية‏:‏ أن معاوية لما أمر أبا الأعور بحفظ الشريعة وقف دونها برماح مشرعة، وسيوف مسللة، وسهام مفرقة، وقسي موترة، فجاء أصحاب علي علياً فشكوا إليه ذلك فبعث صعصعة بن صوحان إلى معاوية يقول له‏:‏ إنا جئنا كافين عن قتالكم حتى نقيم عليكم الحجة، فبعثت إلينا مقدمتك فقاتلتنا قبل أن نبدأكم، ثم هذه أخرى قد منعونا الماء، فلما بلغه ذلك قال معاوية للقوم‏:‏ ماذا يريدون‏؟‏

فقال عمرو‏:‏ خل بينهم وبينه، فليس من النصف أن نكون ريانين وهم عطاش‏.‏

وقال الوليد‏:‏ دعهم يذوقوا من العطش ما أذاقوا أمير المؤمنين عثمان حين حصروه في داره، ومنعوه طيب الماء والطعام أربعين صباحاً‏.‏

وقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح‏:‏ امنعهم الماء إلى الليل فلعلهم يرجعون إلى بلادهم‏.‏

فسكت معاوية فقال له صعصعة بن صوحان‏:‏ ماذا جوابك‏؟‏

فقال‏:‏ سيأتيكم رأيي بعد هذا، فلما رجع صعصعة فأخبر الخبر ركب الخيل والرجال، فما زالوا حتى أزاحوهم عن الماء ووردوه قهراً، ثم اصطلحوا فيما بينهم على ورود الماء، ولا يمنع أحد أحداً منه‏.‏

وأقام علي يومين لا يكاتب معاوية ولا يكاتبه معاوية، ثم دعا علي بشير بن عمرو الأنصاري، وسعيد بن قيس الهمذاني، وشبيث بن ربعي السهمي فقال‏:‏ إيتوا هذا الرجل فادعوه إلى الطاعة والجماعة، واسمعوا ما يقول لكم‏.‏

فلما دخلوا على معاوية قال له بشير بن عمرو‏:‏ يا معاوية‏!‏ إن الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، والله محاسبك بعملك، ومجازيك بما قدمت يداك، وإني أنشدك اللهأن تفرق جماعة هذه الأمة، وأن تسفك دماءها بينها‏.‏

فقال له معاوية‏:‏ هلا أوصيت بذلك صاحبكم ‏؟‏

فقال له‏:‏ إن صاحبي أحق هذه البرية بالأمر في فضله ودينه وسابقته وقرابته، وإنه يدعوك إلى مبايعته فإنه أسلم لك في دنياك، وخير لك في آخرتك‏.‏

فقال معاوية‏:‏ ويظل دم عثمان‏؟‏ لا والله لا أفعل ذلك أبداً‏.‏

ثم أراد سعيد بن قيس الهمداني أن يتكلم فبدره شبيث بن ربعي فتكلم قبله بكلام فيه غلظة وجفاء في حق معاوية، فزجره معاوية وزبره في افتياته على من هو أشرف منه، وكلامه بما لا علم له به‏.‏

ثم أمر بهم فأخرجوا من بين يديه، وصمم على القيام بطلب دم عثمان الذي قتل مظلوماً، فعند ذلك نشبت الحرب بينهم، وأمر علي بالطلائع والأمراء أن تتقدم للحرب، وجعل علي يؤمر على كل قوم من الحرب أميراً، فمن أمرائه على الحرب الأشتر النخعي - وهو أكبر من كان يخرج للحرب - وحجر بن عدي، وشبيث بن ربعي، وخالد بن المعتمر، وزياد بن النضر، وزياد بن حفصة، وسعيد بن قيس، ومعقل بن قيس، وقيس بن سعد‏.‏

وكذلك كان معاوية يبعث على الحرب كل يوم أميراً، فمن أمرائه‏:‏ عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وأبو الأعور السلمي، وحبيب بن مسلم، وذو الكلاع الحميري، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب، وشرحبيل بن السمط، وحمزة بن مالك الهمداني، وربما اقتتل الناس في اليوم مرتين، وذلك في شهر ذي الحجة بكماله‏."‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:29 am

فتح بيت المقدس

فَتَح القدس جيش الخلافة الإسلامية في 637 م خلال غزو المسلمين للإمبراطورية البيزنطية وبعيد انتصار المسلمين على جيش الرومان (البيزنطيين) في معركة اليرموك.

ورد في كتاب "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

"وعن سالم بن عبد الله، قال: لما قدم عمر رحمه الله الجابية، قال له رجل من يهود: يا أمير المؤمنين ؛ لا ترجع إلى بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء ؛ فبينا عمر بن الخطاب بها ؛ إذ انظر إلى كردوس من خيل مقبل، فلما دنوا منه سلوا السيوف، فقال عمر: هؤلاء قوم يستأمنون، فأمنوهم ؛ فأقبلوا فإذا هم أهل إيلياء، فصالحوه على الجزية، وفتحوها له، فلما فتحت عليه دعا ذلك اليهودي، فقيل له: إن عنده لعماً. قال: فسأله عن الدجال - وكان كثير المسألة عنه - فقال له اليهودي: وما مسألتك عنه يا أمير المؤمنين! فأنتم والله معشر العرب تقتلونه دون باب لد ببضع عشرة ذراعاً.

وعن سالم، قال: لما دخل عمر الشأم تلقاه رجل من يهود دمشق، فقال: السلام عليك يا فاروق! أنت صاحب إيلياء لا والله لا ترجع حتى يفتح الله إيلياء ؛ وكانوا قد أشجوا عمراً وأشجاهم ؛ ولم يقدر عليها ولا على الرملة، فبينا عمر معسكراً بالجابية، فزع الناس إلى السلاح، فقال: ما شأنكم؟ فقالوا: ألا ترى الخيل والسيوف ! فنظر، فإذا كردوس يلمعون بالسيوف ؛ فقال عمر: مستأمنة، ولا تراعوا وأمنوهم ؛ فأمنوهم ؛ وإذا هم أهل إيلياء، فأعطوه واكتتبوا منه على إيلياء وحيزها، والرملة وحيزها ؛ فصارت فلسطين نصفين: نصف مع أهل إيلياء، ونصف مع أهل الرملة؛ وهم عشر كور، وفلسطين تعدل الشأم كله ؛ وشهد ذلك اليهودي الصلح، فسأله عمر عن الدجال ؛ فقال: هو من بني بنيامين ؛ وأنتم والله يا معشر العرب تقتلونه على بضع عشرة ذراعاً من باب لد.

وعن خالد وعبادة، قالا: كان الذي صالح فلسطين العوام من أهل إيلياء والرملة ؛ وذلك أن أرطبون والتذارق لحقاً بمصر مقدم عمر الجابية، وأصبيا بعد في بعض الصوائف .

وقيل: كان سبب قدوم عمر إلى الشأم، أن أبا عبيدة حضر بيت المقدس، فطلب أهله منه أن يصالحهم على صلح أهل مدن الشأم، وأن يكون المتولى للعقد عمر بن الخطاب ؛ فكتب إليه بذلك، فسار عن المدينة.

وعن عدى بن سهل، قال: لما استمد أهل الشأم عمر على أهل فلسطين، استخلف علياً، وخرج ممداً لهم، فقال على: أين تخرج بنفسك! إنك تريد عدواً كلباً، فقال: إني أبادر بجهاد العدو موت العباس ؛ إنكم لو قد فقدتم العباس لا نتقض بكم الشر كما ينتقض أول الحبل.

قال: وانضم عمرو وشرحبيل إلى عمر بالجابية حين جرى الصلح فيما بينهم، فشهد الكتاب.

وعن خالد وعباده، قالا: صالح عمر أهل إيلياء بالجابية، وكتب لهم فيها الصلح لكل كورة كتاباً واحداً، ما خلا أهل إيلياء.

بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان ؛ أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها ؛ أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شئ من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوت ؛ فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم فإنهم مأمنهم ؛ ومن أقام منهم فهو آمن ؛ وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم فإنهم آمنوا على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعدوا عليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم ؛ ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شئ حتى يحصد حصادهم ؛ وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان. وكتب وحضر سنة خمس عشرة.

فأما سائر كتبهم فعلى كتاب لد. بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل لد ومن دخل معهم من أهل فلسطين أجمعين، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبهم وسقيمهم وبريئهم وسائر ملتهم ؛ أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا مللها، ولا من صلبهم ولا من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ؛ ولا يضار أحد منهم ؛ وعلى أهل لد ومن دخل معهم من أهل فلسطين أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل مدائن الشأم، وعليهم إن خرجوا مثل ذلك الشرط إلى آخره. ثم سرح إليهم، وفرق فلسطين على رجلين، فجعل علقمة بن حكيم على نصفها وأنزله الرملة، وعلقممة بن مجزز على نصفها وأنزله إيلياء ؛ فنزل كل واحد منهما في عمله في الجنود التي معه.

وعن سالم ، قال: استعمل علقمة بن مجزز على إيلياء وعلقمة بن حكيم على الرملة في الجنود التي كانت مع عمرو وضم عمراً وشرحبيل إليه بالجابية، فلما انتهيا إلى الجابية، وافقاً عمر رحمه الله راكباً، فقبلا ركبتيه، وضم عمر كل واحد منهما محتضنهما .

وعن عبادة وخالد، قالا: ولما بعث عمر بأمان أهل إيلياء وسكنها الجند، شخص إلى بيت المقدس من الجابية، فرأى فرسه يتوجى ، فنزل عنه، وأتى ببرذون فركبه، فهزه فنزل، فضرب وجهه بردائه، ثم قال: قبح الله من علمك هذا! ثم دعا بفرسه بعد ما أجمه أياماً يوقحه فركبه، ثم سار حتى انتهى إلى بيت المقدس.

وعن أبي صفية ؛ شيخ من بني شيبان، قال: لما أتى عمر الشأم أتى ببرذون فركبه، فلما سار جعل يتخلج به، فنزل عنه، وضرب وجهه، وقال: لا علم الله من علمك! هذا من الخيلاء ؛ ولم يركب برذونا قبله ولا بعده. وفتحت إيلياء وأرضها كلها على يديه، ما خلا أجنادين فإنها فتحت على يدى عمرو، وقيسارية على يدي معاوية وعن أبي عثمان وأبي حارثة، قالا: افتتحت إيلياء وأرضها على يدي عمر في ربيع الآخر سنة ست عشرة.

وعن أبى مريم مولى سلامة، قال: شهدت فتح إيلياء مع عمر رحمه الله، فسار من الجابية فاصلاً حتى يقدم إيلياء، ثم مضى حتى يدخل المسجد، ثم مضى نحو محراب داود ؛ ونحن معه، فدخله ثم قرأ سجده داود، فسجد وسجدنا معه.

وعن رجاء بن حيوة، عمن شهد ؛ قال: لما شخص عمر من الجانية إلى إيلياء، فدنا من باب المسجد، قال: ارقبوا لي كعباً، فلما انفرق به الباب، قال: لبيك، اللهم لبيك، بما هو أحب إليك! ثم قصد المحراب ؛ محراب داود عليه السلام، وذلك ليلاً، فصلى فيه، ولم يلبث أن طلع الفجر، فأمر المؤذن باٌقامة، فتقدم فصلى بالناس، وقرأ بهم ((ص))، وسجد فيها، ثم قام، وقرأ بهم في الثانية صدر ((بني إسرائيل)) ، ثم ركع ثم انصرف، فقال: على بكعب، فأتى به، فقال: أين ترى أن نجعل المصلى؟ فقال:إلى الصخرة، فقال: ضاهيت والله اليهودية يا كعب، وقد رأيتك، وخلعك نعليك، فقال: أحببت أن أباشره بقدمي، فقال: قد رأيتك،بل نجعل قبلته صدره، كما جعل رسول الله صل الله عليه وسلم قبلة مساجدنا صدورها، اذهب غليك، فإنا لم نؤمر بالصخرة، ولكنا أمرنا بالكعبة، فجعل قبلته صدره، ثم قام من مصلاة إلى كناسة قد كانت الروم قد دفنت بها بيت المقدس في زمان بني إسرائيل ؛ فلما صار إليهم أبرزوا بعضها، وتركوا سائرها، وقال: يا أيها الناس، اصنعوا كما أصنع، وجثا في أصلها، وجثا في فرج من فروج قبائه، وسمع التكبير من خلفه، وكان يكره سوء الرعة في كل شئ فقال: ما هذا؟ فقالوا: كبر كعب وكبر الناس بتكبيره فقال: على به فأتى به، فقال: يا أمير المؤمنين ؛ إنه قد تنبأ على ما صنعت اليوم نبي منذ خمسمائة سنة، فقال: وكيف ؟ فقال: إن الروم أغاروا على بني إسرائيل، فأديلوا عليهم، فدفنوه، ثم أديلوا فلم يفرغوا ثم أدليت الروم عليهم إلى أن وليت، فبعث الله نبياً على الكناسة، فقال: أبشرى أورى شلم! عليك الفاروق ينقيك مما فيك. وبعث إلى القسطنطينية نبي؛ فقام على تلها، فقال: يا قسطنطينية، ما فعل أهلك ببيتي! أخرجوه وشبهوك كعرشي؛ وتأولوا على، فقد قضيت عليك أن أجعلك جلحاء يوماً ما، لا يأوى إليك أحد، ولا يستظل فيك على أيدي بني القاذر سبأ وودان ؛ فما أمسوا حتى ما بقي شئ.

وعن ربيعة الشامي بمثله ؛ وزاد: أتاك الفاروق في جندي المطيع، ويدركون لأهلك بثأرك في الروم. وقال في قسطنطينية: أدعك جلحاء بارزة للشمس، لا يأوى إليك أحد، ولا تظلينه.

وعن أنس بن مالك، قال: شهدت إيلياء مع عمر، فبينا هو يطعم الناس يوماً بها أتاه راهبا وهو لا يشعر أن الخمر محرمة، فقال: هل لك في شراب نجده في كبتنا حلالاً إنا حرمت الخمر! فدعاه بها قال: من أي شئ هذا؟ فأخبره أنه طبخه عصيراً، حتى صار إلى ثلثه، فغرف بإصبعه، ثم حركه في الإناء فشطره، فقال: هذا طلاء ؛ فشبهه بالقطران، وشرب منه، وأمروأمراء الأجناد بالشأم به ؛ وكتب في الأمصار: إني أتيت بشراب مما قد طبخ من العصير حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه كالطلاء، فاطبخوه وارزقوه المسلمين.

وعن أبي عثمان وأبي حارثة، قالا: ولحق أرطبون بمصر مقدم عمر الجابية، ولحق به من أحب ممن أبى الصلح، ثم لحق عند صلح أهل مصر، وغلبهم بالروم في البحر، وبقى بعد ذلك ؛ فكان يكون على صوائف الروم، والتقى هو وصاحب صائفة المسلمين فيختلف هو ورجل من قيس يقال له ضريس ؛ فقطع يد القيسى، وقتله القيسى ، فقال:

فإن يكن أرطبون الروم أفسدها فإن فيها بحمد الله منتـفـعـاً

بنانتان وجـرمـوز أقـيم بـه صدر القناة إذا ما آنسوا فزعاً

وإن يكن أرطبون الروم قطعها فقد تركت بها أوصاله قطعـاً

وقال زياد بن حنظلة:

تذكرت حرب الروم لما تطاولت وإذ نحن في عام كثير نزائلـه

وإذ نحن في أرض الحجاز وبيننا مسيرة شهر بينهن بـلابـلـه

وإذ أرطبون الروم يحمى بـلاده يحاوله قرم هناك يسـاجـلـه

فلما رأى الفاروق أزمان فتحها سما بجنود الله كيما يصـاولـه

فلما أحسوه وخافـوا صـوالـه أتوه وقالوا أنت ممن بواصلـه

وألقت إليه الشأم أفلاذ بطنـهـا وعيشاً خصيباً ما تعد مآكـلـه

أباح لنا ما بين شرق ومغـرب مواريث أعقاب بنتها قراملـه

وكم مثقل لم يضطلع باحتمالـه تحمل عبئاً حين شالت شوائلـه

وقال أيضاً:

سما عمر لمـا أتـتـه رسـائل كأصيد يحمى صرمة الحي أغيدا

وقد عضلت بالشأم أرض بأهلها تريد من الأقوام من كان أنحدا

فلما أتاه مـا أتـاه أجـابـهـم بجيش ترى منه الشبائك سجدا

وأقبلت الشأم العريضة بالـذي أراد أبو حفص وأزكى وأزيدا

فقسط فيما بينهم كـل جـزية وكل رفاد كان أهنا وأحـمـدا

وفي كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي ورد:

" قال علماء السير‏:‏ لما انصرف أبو عبيدة وخالد بن الوليد إلى حمص نزل عمرو وشرحبيل على أهل بيسان فافتتحاها وصالحه أهل الأردن فاجتمع عسكر الروم بأجنادين وبيسان وغزة وكتبوا إلى عمر بتفرقهم فكتب إلى يزيد‏:‏ كن في ظهورهم وسرح معاوية إلى قيسارية وكتب إلى عمرو يصدم الأرطبون وإلى علقمة يصدم الفيقار‏.‏

فسار معاوية إلى قيسارية فهزم أهلها وحصرهم فيها فجعلوا كلما خرجوا إليه هزمهم وردهم إلى حصنهم ثم قاتلوا فبلغت قتلاهم ثمانين ألفًا وكملت في هزيمتهم بمائة ألف‏.‏

وانطلق علقمة فحصر الفيقار بغزة وصمد عمرو إلى الأرطبون ومن بإزائه وخرج معه شرحبيل بن حسنة على مقدمته فنزل على الروم بأجنادين والروم في حصونهم وعليهم الأرطبون وكان أدهى الروم وأبعدهم غورًا وكان قد وضع بالرملة جندًا عظيمًا وبإيلياء جندًا عظيمًا فأقام عمرو على أجنادين لا يقد من الأرطبون على شيء فوليه بنفسه ودخل عليه كأنه رسول فأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمل حصنه فقال الأرطبون في نفسه‏:‏ هذا عمرو ثم دعا حَرسِيا فقال‏:‏ أخرج فأقم مكان كذا وكذا فإذا مرّ بك فاقتله وفطن له عمرو فقال‏:‏ قد سمعت مني وسمعت منك وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر مع هذا الوالي فأرجع فآتيك بهم فإن رأوا في الذي عرضت مثل الذي أرى وإلا رددتم إلى مأمنهم‏.‏

فقال‏:‏ نعم ثم قال لرجل كان هناك‏:‏ إذهب إلى فلان فرده إلي ثم بان له أن عمر وقد خدعه فبلغ الخبر إلى عمر فقال‏:‏ للّه در عمرو ثم التقوا بأجنادين فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثرت القتلى بينهم وانهزم أرطبون فأوى إلى إيلياء ونزل عمرو بأجنادين فكتب إليه أرطبون‏:‏ واللّه لا تفتح من فلسطين شيئًا بعد أجنادين فارجع لا تَغْن وإنما صاحب الفتح رجل إسمه على ثلاثة أحرف فعلم عمرو أنه عمر فكتب إلى عمر يعلمه أن الفتح مدخر له فنادى له الناس واستخلف علي بن أبي طالب فقال له علي‏:‏ أين تخرج بنفسك فقال‏:‏ أبادر لجهاد العدو موت العباس إنكم لو قد فقدتم العباس لانتقض بكم الشر ّكما ينتقض أول الحبل‏.‏

فمات العباس لست خلون من إمارة عثمان وانتقض بالناس الشر‏.‏

وخرج حتى نزل بالجابية وكتب إلى أمراء الأجناد أن يستخلفوا على أعمالهم ويوافوه بالجابية فكان أول من لقيه يزيد ثم أبو عبيدة ثم خالد‏.‏

ودخل الجابية فقال رجل من يهود دمشق‏:‏ السلام عليك يا فاروق أنت والله صاحب أيلة لا والله لا ترجع حتى تفتح إيلياء فجاء أهل السير فصالحوه على الجزية وفتحوها له‏.‏

وقد ذكر قوم أن ذلك كان سنة أربع عشرة وجميع خرجات عمر أربع فأما الأولى فإنه خرج على فرس والثانية على بعير وفي الثالثة قصر عنها لأجل الطاعون دخلها فاستخلف عليها وخرج في الرابعة على حمار‏.‏

فلما كتب لأهل إيلياء كتاب أمان فرق فلسطين بين رجلين فجعل علقمة بن حكيم على نصفها وأنزله الرملة وجعل علقمة بن محمد على نصفها وأنزله إيلياء‏.‏

وقيل‏:‏ كان فتح فلسطين في سنة ست عشرة‏.‏

ثم شخص عمر من الجابية إلى بيت المقدس فرأى فرسه يتوجى فنزل عنه وأتى ببرذون فركبه فهزه فنزل فضرب وجهه بردائه ثم قال‏:‏ فتح اللّه من علمك هذا ثم دعا بفرسه فركبه فانتهى إلى بيت المقدس ولحق أرطبون والتذارق بمصر حينئذ فقدم عمر الجابية ثم قتل أرطبون بعد ذلك وأقام عمر بإيلياء ودخل المسجد ومضى نحو محراب داود وقرأ سجدة داود فسجد‏.‏

وبعث عمرو بن العاص إلى مصر وبعث في أثره الزبير مددًا وبعث أبا عبيدة إلى الرمادة‏".‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:32 am

فتح دمشق

قال سيف بن عمر : لما أرتحل أبو عبيدة من اليرموك فنزل بالجنود على مرج الصفر وهو عازم على حصار دمشق إذ أتاه الخير بقدوم مددهم من حمص ، وجاءه الخبر بأنه اجتمع طائفة كبيرة من الروم بفحل من أرض فلسطين ، وهو لايدري بأي الأمرين يبدأ ، فكتب إلى عمر في ذلك ، فجاء الجواب أن ابدأ بدمشق فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم ، فانهد لها ، وأشغلو عنكم أهل فحل بخيول تكون تلقاءهم ، فإن فتحها الله قبل دمشق فذلك الذي نحب ، وإن فتحت دمشق قبلها فسر أنت ومن معك واستخلف على دمشق ، فإذا فتح الله عليكم فحل فسر أنت وخالد إلى حمص واترك عمراً وشرحبيل على الأردن وفلسطين .

ثم سار أبو عبيدة من مرج الصفر قاصداً دمشق وقد جعل خالد بن الوليد في القلب ،وركب أبو عبيدة وعمرو بن العاص في المجنبتين وعلى الخيل عياض بن غنم ، وحاصروا حمص وكان حصاراً شديداً استمر لسبعين ليلة ، وقيل أبرعة أشهر وقيل ستة أشهر ، وقوى المسلمون واشتد الحصار وجاء فصل الشتاء واشتد البرد وعسر الحال ، وعسر القتال ، فقدر الله الكبير المتعال ذو العزة والجلال ، ان ولد لبطريق دمشق مولوداً في تلك الليالي فصنع لهم طعاماً وسقاهم بعده شراباً .

وبعد إعداد السلاليم من حبال استخدموها في المرور إلى السور فلما استووا على السور رفعوا أصواتهم بالتكبير وجاء المسلمون فصعدوا في تلك السلالم وأنحدر خالد وأصحابه الشجعان من السور إلى البوابين فقتلوهم وقطع خالد وأصحابه الباب بالسيوف وفتحوا الباب عنوة فدخل الجيش الخالدي من الباب الشرقي وكان خالد يقتل كل من رآه منهم فقالوا له : إنا قد أمناهم ، فقال إني قد فتحتها عنوة .

وقد اختلف فيها الصحابة فقال قائلون هي صلح – وقال آخرون بل هي عنوة ولكن اتفقوا بعد مشاورات أن يكون نصفها صلحاً ، ونفها الآخر عنوة فملك أهلها نصف ماكان بأيديهم وأقروا عليه ، واستقرت يد الصحابة على النصف الثاني .

وقعة فحل: سار أبو عبيدة وقد جعل على المقدمة خالد بن الوليد وأبو عبيدة على الميمنة وعمرو بن العاص على الميسرة وعلى الخيل ضرار بن الأزور وعلى الرجالة عياض بن غنم فوصلوا إلى فحل وهي بلدة بالغور ، وقد انحاز الروم إلى بيسان وأرسلوا مياه تلك الأراضي على ما هنالك بينهم وبين المسلمين .

وظن الروم أن المسلمين على غرة ، فركبوا في بعض الليالي ليبيتوهم وعلى الروم سقلاب ابن مخراق ، فهجموا على المسلمين فنهضوا إليه نهضة رجل واحد لأنهم على أهبة دائماً ، فقاتلوهم حتى الصباح وذلك اليوم بكماله في الليل فلما أظلم الليل فر الروم وقتل أميرهم سقلاب وركب المسلمون أكتافهم واسلمتهم هزيمتهم إل ذلك الوحل الذي كانوا قد كادوا به المسلمين فغرقهم الله فيه .

ورد في كتاب "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

" حدثني عمر، عن علي بن محمد، بإسناده، عن النفر الذين ذكرت روايتهم عنهم في أول ذكرى أمر أبي بكر ؛ أنهم قالوا: قدم بوفاة أبي بكر إلى الشأم شداد بن أوس بن ثابت الأنصارى ومحمية بن جزء، ويرفأ ؛ فكتموا الخبر الناس حتى ظفر المسلمون - وكانوا بالياقوصة يقاتلون عدوهم من الروم ؛ وذلك في رجب - فأخبروا أبا عبيدة بوفاة أبي بكر وولايته حرب الشأم، وضم عمر إليه الأمراء، وعزل خالد بن الوليد.

فحدثنا ابن حميد، قال: حدثناي سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما فرغ المسلمون من أجنادين ساروا إلى يفحل من أرض الأردن؛ وقد اجتمعت فيها رافضة الروم ، والمسلمون على أمرائهم وخالد على مقدمة الناس. فلما نزلت الروم بيسان بثقوا أنهارها ؛ وهي أرض سبخة، فكانت وحلاً، ونزلوا فحلاً - وبيسان بين فلسطين وبين الأردن - فلما غشيها المسلمون ولم يعلمون بما صنعت الروم، وحلت خيولهم، ولقوا فيها عناء ، ثم سلمهم الله - وسميت بيسان ذات الردغة لما لقى المسلمون فيها - ثم نهضوا إلى الروم وهم بفحل ؛ فاقتتلوا فهزمت الروم، ودخل المسلمون فحلاً ولحقت وافضة الروم بدمشق ؛ فكانت فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة، على ستة أشهر من خلافة عمر. وأقام تلك الحجة للناس عبد الرحمن بن عوف. ثم ساروا إلى دمشق وخالد على مقدمة الناس ؛ وقد اجتمعت الروم إلى رجل منهم يقال له باهان بدمشق - وقد كان عمر عزل خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على جميع الناس - فالتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم هزم الله الروم، وأصاب منهم المسلمون، ودخلت الروم دكشق ؛ فغلقوا أبوابها وجثم المسلمون عليها فرابطوها حتى فتحت دمشق، وأعطوا الجزية، وقد قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد، فاستحيا أبو عبيدة أن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق لحق باهان - صاحب الروم الذي قاتل المسلمين - بهرقل. وكان فتح دمشق دمشق في سنة أربع عشرة في رجب، وأظهر أبو عبيدة إمارته وعزل خالد ؛ وقد كان المسلمون، التقوا هم والروم ببلد يقال له عين فحل بين فلسطين والأردن، فاقتتلوا به قتالاً شديداً، ثم لحقت الروم بدمشق.

وأما سيف - فيما ذكر السرى، عن شعيب، عنه عن أبي عثمان، عن خالد وعبادة - فإنه ذكر في خبره أن البريد قدم على المسلمين من المدينة بموت أبي بكر وتأمير أبي عبيدة؛ وهم باليرموك ؛ وقد إلتحم القتال بينهم وبين الروم. وقص من خبر اليرموك وخبر اليرموك ؛ وخبر دمشق غير الذي اقتصه ابن إسحاق ؛ وأنا ذاكمر بعض الذي اقتص من ذلك: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن أبي عثمان، عن أبي سعيد، قال: لما قام عمر رضى عن خالد بن سعيد والوليد بن عقبة فأذن لهما بدخول المدينة، وكان أبو بكر قد منعهما لفرتهما التي فراها وردهما إلى الشام، وقال: ليبلغني غناء أبلكما بلاء ؛ فانضما إلى أي أمرائنا أحببتما ؛ فلحقا بالناس فأبليا وأغنيا.

خبر دمشق من رواية سيف: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان، عن خالد وعبادة ؛ قالا لما هزم الله جند اليرموك، وتهافت أهل الواقوصة وفرغ من المقاسم والأنفال ، وبعث بالأخماس وسرحت الوفود، استخلف أبو عبيدة على اليرموك بشير بن كعب بن أبي الحميري كيلا يغتال بردة ؛ ولا تقطع الروم على مواده، وخرج أبو عبيدة حتى ينزل بالصفر ؛ وهو يريد إتباع الفالة ؛ ولا يدري يجتمعون أو يفترقون ؛ فأتاه الخبر بأنهم أزروا إلى فحل، وأتاه الخبر بأن المدد قد أتى أهل دمشق من حمص ، فهو لا يدري أبدمشق يبدأ أم بفحل من بلاد الأردن. فكتب في ذلك إلى عمر، وانتظر الجواب، وأقام بالصفر، فلما جاء عمر فتح اليرموك أقر الأمراء على ما كان استعملهم عليه أبو بكر إلا ما كان من عمرو بن العاص وخالد بن الوليد، فإنه ضم خالداً إلى أبي عبيدة، وأمر عمراً بمعونة الناس؛ حتى يصير الحرب إلى فلسطين، ثم يتولى حربها.

وأما ابن إسحاق ؛ فإنه قال في أمر خالد وعزل عمر إياه ما حدثنا محمد بن حميد، قال حدثنا سلمة عنه، قال: إنما نزع عمر خالداً في كلام كان خالداً في كلام كان خالداً تكلم به - فيما يزعمون - ولم يزل عمر عليه ساخطاً ولأمره كارهاً في زمان أبي بكر كله، لوقعته بابن نويرة، وما كان يعمل به في حربه ؛ فلما استخلف عمر كان أول ما تكلم به عزله، فقال: لا يلي لي عملاً أبداً ؛ فكتب عمر إلى أبي عبيدة: إن خالداً أكذب نفسه فهو أمير على ما هو عليه ؛ وإن هو لم يكذب نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه ؛ ثم انزع عمامته عن رأسه ، وقاسمه ماله نصفين. فلما ذكر أبو عبيدة ذلك لخالد، قال أنظرني أستشر أختي في أمري، ففعل أبو عبيدة ؛ فدخل خالد على أخته فاطمة بنت الوليد - وكانت عند الحارث بن هشام - فذكر لها ذلك ، فقالت: والله لا يحبك عمر أبداً، وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك. فقبل رأسها وقال: صدقت والله ! فتم على أمره، وأبى أن يكذب نفسه. فقام بلال مولى أبي بكر إلى أبي عبيدة، فقال: مأ امرت به خالد؟ قال: أمرت أن أنزع عمامته، وأقاسمه ماله. فقاسمه ماله حتى بقيت نعلاه، فقال أبو عبيدة: إن هذا لا يصلح إلا بهذا فقال خالد: أجل، ما أنا بالذي أعصى أمير المؤمنين ؛ فاصنع ما بدا لك ! فأخذ نعلاً وأعطاه نعلاَ. ثم قدم خالد على عمر المدينة حين عزله.

حدثنا ابن حميد، قال حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمر بم عطاء، عن سليمان بن يسار، قال: كان عمر كلما مر بخالد قال: يا خالد، أخرج مال الله من تحت استك، فيقول: والله ما عندي من مال ؛ فلما أكثر عليه عمر قال له خالد : يا أمير المؤمنين، ما قيمة ما أصيب في سلطانهكم! أربعين ألف درهم! فقال عمر: قد أخذت ذلك منك بأربعين ألف درهم، قال: هو لك ، قال: قد أخذته. ولم يكن لخالد مال إلا عدة ورقيق، فحسب ذلك ، فبلغت قيمته ثمانين ألف درهم فناصفه عمر ذلك، فأعطاه أربعين ألف درهم، وأخذ المال. فقيل له : يا أمير المؤمنين، لو رددت على خالد ماله ! فقال: إنما أنا تاجر للمسلمين ، والله لا أرده عليه أبداً فكان عمر يرى أنه قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك.

رجع الحديث إلى حديث سيف ، عن أبي عثمان، عن خالد وعبادة، قالا: ولما جاء عمر الكتاب عن أبي عبيدة بالذي ينبغي أن يبدأ به كتب إليه: أما بعد؛ فابدءوا بدمشق، فانهدوا لها ؛ فإنها حصن الشأم وبيت مملكتهم، واشغلوا عنكم أهل فحل بخيل تكون بإزائهم في نحورهم وأهل فلسطين وأهل حمص ؛ فإن فتحها الله قبل دمشق فذاك الذي نحب، وإن تأخر فتحها حتى يفتح الله دمشق فلينزل بدمشق من يمسك بها، ودعوها، وانطلق أنت وخالد إلى حمص، ودع شرحبيل وعمراً وأخلهما بالأردن وفلسطين، وأمير كل بلد وجند على الناس حتى يخرجوا من إمارته. فسرح أبو عبيدة إلى فحل عشرة قواد: أبا الأعور السلمى، وعبد عمرو بن يزيد ين عامر الجرشي، وعامر بن حثمة، وعمرو بن كليب من يحصب، وعمارة بن الصعق بن كعب، وصيفي بن علبة بن شامل، وعمرو بن الحبيب بن عمرو ، ولبدة بن عامر بن خثعمة، وبشر بن عصمة، وعمارة بن مخش قائد الناس ؛ ومع كل رجل خمسة قواد ؛ وكانت الرؤساء تكون من الصحابة حتى لا يجدوا من يحتمل ذلك منهم، فساروا من الصفر حتى نزلوا قريباً من فحل، فلما رأت الروم أن الجنود تريدهم بثقوا المياه جول فحل، فأردغت الأرض، ثم وحلت، واغتم المسلمون من ذلك، فحسبوا عن المسلمين بها ثمانين ألف فارس. وكان أول محصور بالشأم أهل فحل، ثم أهل دمشق. وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع حتى كان بين دمشق وحمص رداءاً. وبعث علقمة بن حكيم ومسروقاً فكانا بين دمشق وفلسطين، والأمير يزيد. ففصل ، وفصل بأبي عبيدة من المرج ؛ وقدم خالد بن الوليد، فقدموا على دمشق، وعليهم نسطاس بن نسطورس ؛ فحصروا أهل دمشق، ونزلوا حواليها، فكان أبو عبيدة على ناحية، وعمرو على ناحية، ويزيد على ناحية، وهرقل يومئذ بحمص، ومدينة حمص بينه وبينهم. فحاصروا أهل دمشق نحواً من سبعين ليلة حصاراً شديداً بالزحوف والترامي والمجانيق ؛ وهم معتصمون بالمدينة يرجون الغياث، وهرقل منهم قريب وقد استمدواه . وذو الكلاع بين المسلمين وبين حمص على رأس ليلة من دمشق ؛ كأنه يريد حمص، وجاءت خيول هرقل مغيثة لأهل دمشق، فأشجتها الخيول التي مع ذي الكلاع، وشغلتها عن الناس ، فأرزوا بإزائه، وأهل دمشق على حالهم.

فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا وأبلسوا وازداد المسلمون طعماً فيهم ؛ وقد كانوا يرون أنها كالغارات قبل ذلك ؛ إذا هجم البرد قفل الناس، فسقط النجم والقوم مقيمون ؛ فعند ذلك انقطع رجاؤهم، وندموا على دخول دمشق، وولد للبطريق الذي دخل على أهل دمشق مولود ح فصنع عليه، فأكل القوم وشربوا، وغفلوا عن مواقفهم ؛ ولا يشعر بذلك أحد من المسلمين إلا ما كان من خالد ؛ فإنه كان لا ينام ولا ينيم، ولا يخفي عليه من أمورهم شئ ؛ عيونه ذاكية وهو معنى بما يليه، قد اتخذ حبالاً كهيئة السلاليم وأوهاقاً فلما أمسى من ذلك اليوم نهد ومن معه من جنده الذين قدم بهم عليهم، وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي، وأمثاله من أصحابه في أول يومه، وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا، وانهدوا للباب. فلما انتهى إلى الباب الذي يليه هو وأصحابه المتقدمون رموا بالحبال الشرف وعلى ظهورهم القرب التي قطعوا بها خنمدقهم. فلما ثبت لهم وهقان تسلق فيهما القعقاع ومذعور، ثم لم يدعا أحبولة إلا أثبتاها - والأوهاق بالشرف - وكان المكان الذي اقتحموا منه أحصن مكان يحيط بدمشق، أكثره ماء، وأشده مدخلاً وتوافوا لذلك فلم يبق ممن دخل معه أحد إلا رقى أو دنا من الباب ؛ حتى إذا استووا على السور حدر عامة أصحابه، وانحدر معهم ؛ وخلف من يحمي ذلك لمن يرتقى، وأمرهم بالتكبير، فكبر الذين على رأس السور، فنهد المسلمون إلى الباب، ومال إلى الحبال بشر كثير، فوثبوا فيها، وانتهى خالد إلى أول من يليه فأنامهم، وانحدر إلى الباب، فقتل البوابين، وثار أهل المدينة وفزع سائر الناس ؛ فأخذوا مواقفهم، ولا يدرون ما الشأ، ! وتشاغل أهل كل ناحية بما يليهم، وقطع خالد بن الوليد ومن معه أغلاق الباب بالسيوف، وفتحوا للمسلمين، فأقبلوا عليهم من داخل ، حتى ما بقي مما يلي باب خالد مقاتل إلا أنيم. ولما شد خالد على من يليه ؛ وبلغ منهم الذي أراد عنوة أرز من أفلت إلى أهل الأبواب التي تلي غيره ؛ وقد كان المسلمون دعوهم إلى المشاطرة فأبوا وأبعدوا ، فلم يفجأهم إلا وهم يبوحون لهم بالصلح، فأجابوا وقبلوا منهم ، وفتحوا لهم الأبواب، وقالوا: ادخلوا وامنعونا من أهل ذلك الباب. فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم، ودخل خالد مما يليه عنوة، فالتقى خالد والقواد في وسطها ؛ هذا استعراضاً وانتهاباً وكان صلح دمشق على المقاسمة، الدينار والعقار، ودينار عن كل رأس، فاقتسموا الأسلاب ؛ فكان أصحاب خالد فيها كأصحاب سائر القواد ، وجرى على الديار ومن بقي في الصلح جريب من كل جريب أرض ؛ ووقف كا كان للملوك ومن صوب معهم فيسئاً، وقسموا لذي الكلاع ومن معه، ولأبي الأعور ومن معه، ولبشير ومن معه، وبعثوا بالبشارة إلى عمر، وقدم على أبي عبيدة كتاب عمر ؛ بأن اصرف جند العراق إلى العراق، وأمرهم بالحث إلى سعد بن مالك، فأمر على جند العراق هاشم بن عتبة، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى مجنبتيه عمرو بن مالك الزهري وربعي بن عامر، وضربوا بعد دمشق نحو سعد، فخرج هاشم نحو العراق في جند العراق ؛ وخرج القواد نحو فحل وأصحاب هاشم عشرة آلاف إلا من أصيب منهم، فأتموهم بأناس ممن لم يكن منهم ؛ ومنهم قيس والأشير، وخرج علقمة ومسروق إلى إيلياء، فنزلا على طريقها، وبقي بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان من قواد أهل اليمن عدد ؛ منهم عمرو بم شمرين غزية، وسهم بن المسافر بن هزمة، ومشافع ابن عبد الله بن شافع. وبعث يزيد دحية ين خليفة الكلبي في خيل بعد ما فتح دمشق إلى تدمر، وأبا الزهراء القشيري إلى البثنية وحوران، فصالحوهما على صلح دمشق ؛ وولياً القيام على فتح ما بعثا إليه.

وقال محمد بن إسحاق: كان فتح دمشق في سنة أربع عشرة في رجب.

قال أيضاً: كانت وقعة فحل قبل دمشق ؛ وإنما صار إلى دمشق رافضة فحل، واتبعهم المسلمون إليها. وزعم أن وقعة فحل كانت سنة ثلاث عشرة في ذي القعدة منها ؛ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عنه.

وأما الواقدي: فإنه زعم أن فتح دمشق كان في سنة أربع عشرة ؛ كما قال ابن إسحاق. وزعم أن حصار المسلمين لها كان ستة أشهر. وزعمأن وقعة اليرموك كانت في سنة خمس عشرة وزعم أن هرقل جلا في هذه السنة بعد وقعة اليرموك في شعبان من أنطاكية إلى قسجطنطينية، وأنه لم يكن بعد اليرموك وقعة.

قال أبو جعفر: وقد مضى ذكرى ماروى عن سيف، عمن روى عنه ؛ أن وقعة اليرموك كانت في سنة ثلاث عشرة ؛ وأن المسلمين ورد عليهم البريد بوفاة أبي بكر باليرموك، في اليوم الذي هزمت الروم في آخره، وأن عمر أمرهم بعد فراغهم من اليرموك بالمسير إلى دمشق، وزعم أن فحلاً كانت بعد دمشق ؛ وأن حروباً بعد ذلك كانت بين المسلمين والروم سوى ذلك، قبل شخوص هرقل إلى قسطنطينية ؛ سأذكرها إن شاء الله في مواضعها.

وفي هذه السنة - أعني سنة ثلاث عشرة - وجه عمر بن الخطاب أبا عبيد بن مسعود الثقفينحو العراق. وفيها استشهد في قول الواقدي. وأما ابن إسحاق ؛ فإنه قال: كان يوم الجسر، جسر أبي عبيد بن مسعود الثقفي في سنة أربع عشرة.

ذكر أمر فحل من رواية سيف: قال أبو جعفر: ونذكر الآن أمر فحل إذا كان في الخبر الذي فيه من الاختلاف ما ذكرت من فتوح جند الشأم . ومن الأمور التي تستنكر وقوع مثل الإختلاف الذي ذكرته في وقته ؛ لقرب بعض ذلك من بعض.

فأما ما قال ابن إسحاق من ذلك وقص من قصته، فقد تقدم ذكريه قبل.

وأما السري فإنه فيما كتب به إلى، عن شعيب، عن سيف عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني وأبي حارثة العبشمي ، قالا: خلف الناس بعد فتح دمشق يزيد بن أبي سفيان في خيله في دمشق، ساروا نحو فحل، وعلى الناس شرحبيل بن حسنة، فبعث خالداً على المقدمة وأبا عبيدة وعمرا على مجنبتيه، وعلى الخيل ضرار بن الأزور، وعلى الرجل عياض، وكرهوا أن يصمدوا لهرقل، وخلفهم ثمانون ألفاً، وعلموا أن من بإزاء فحل جنة الروم وإليهم ينظرون، وأن الشأم بعدهم سلم. فلما انتهوا إلى أبي الأعور، قدموه إلى طبرية، فحاصرهم ونزلوا على فحل من الأردن، - وقد كان أهل فحل حين نزل بهم أبو الأعور تركوه وأرزوا إلى بيسان - فنزل شرحبيل بالناس فحلاً، والروم بيسان، وبينهم وبين المسلمين تلك المياه والأوحال، وكتبوا إلى عمر بالخبر، وهم يحدثون أنفسهم بالمقام، ولا يريدون أن يريموا فحلاً حتى يرجع جواب كتابهم من عند عمر، ولا يستطيعون الإقدام على عدوهم في مكانهم لما دونهم من الأوحال، وكانت العرب تسمى تلك الغراة فحلاً وذات الردغة وبيسان. وزأصاب المسلمون من ريف الأردن أفضل مما فيه المشركون ؛ مادتهم متواصلة، وخصبهم رغد ؛ فاغترهم القوم، وعلى القوم سقلا ربن مخراق ؛ ورجوا أن يكونوا على غرة فأتوهم والمسلمون لا يأمنون مجيئهم، فهم على حذر وكان شرحبيل لا يبيت ولا يصبح إلا على تعبية. فلما هجموا على المسلمين غافصوهم ، فلم يناظروهم، واقتتلوا بفحل كأشد قتال اقتتلوا قط ليلتهم ويومهم إلى الليل، فأظلم الليل عليهم وقد حاروا، فانهزموا وهم حيارى. وقد أصضيب وئيسهم سقلاً ربن مخراق ؛ والذي يليه فيهم نسطورس، وظفر المسلمون أحسن ظفر وأهنأه، وركبوهم وهم يرون أنهم على قصد وجدد، فوجدوهم حيارى لا يعرفون مأخذهم، فأسلمتهم هزيمتهم وحيرتهم إلى الوحل، فركبوه، ولحق أوائل المسلمين بهم؛ وقد وحلوا فركبوهم ؛ وما يمنعون يد لامس ح فوخزوهم بالرماح، فكانت الهزيمة في فحل ؛ وكان مقتلهم في الرداغ، فأصيب الثمانون ألفا، لم يفلت منهم إلا الشريد ؛ وكان الله يصنع للمسلمين وهم كارهون، كرهوا البثوق فكانت عوناً لهم على عدوهم، وأناة من الله ليزدادوا بصيرة وجداً، واقتسموا ما أفاء الله عليهم، وانصرف أبو عبيدة بخالد من فحل إلى حمص، وصرفوا سمير بن كعب معهم، ومضوا بذي الكلاع ومن معه، وخلفوا شرحبيل ومن معه.

ذكر بيسان ولما فرغ شرحبيل من وقعة فحل نهد في الناس ومعه عمرو إلى أهل بيسان، فنزلوا عليهم، وأبو الأعور والقواد معه على طبرية، وقد بلغ أفناء أهل الأردن ما لقيت دمشق، وما لقى سقلار والروم بفحل وفي الردغة، ومسير شرحبيل إليهم، معه عمرو بن العاص والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو ؛ يريد بيسانح فحصروهم أياماً. ثم إنهم مخرجوا عليهم فقاتلوهم، فأناموا من خرج إليهم، وصالحوا بقية أهلها، فقبل ذلك على صلح دمشق.

طبرية وبلغ أهل طبرية الخبر، فصالحوا أبا الأعور، على أن يبلغهم شرحبيل، ففعل ؛ فصالحوهم وأهل بيسان على صلح دمشق ؛ على أن يشاطروا المسلمين المنازل في المدائن، وما أحاط بها مما يصلها، فيدعون لهم نصفاً، ويجتمعون في النصف الآخر، وعن كل رأس دينار كل سنة، وعن كل جريب أرض جريب بر أو شعير ؛ أي ذلك حرث ؛ وأشياء في ذلك صالحوهم عليها، ونزلت القواد وخيولهم فيها، وتم صلح الأردن، وتفرقت الأمداد في مدائن الأردن وقراها، وكتب إلى عمر بالفتح.

ذكر خبر المثنى بن حارثة وأبي عبيد بن مسعود كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيفبن عمر، عن محمد بن عبد الله بن سواد وطلحة بن الأعلم وزياد بن سرجس الأحمري بإسنادهم، قالوا: أول ما عمل به عمر أن ندب الناس مع المثنى بن حارثة الشيباني إلى أهل فارس قبل صلاة الفجر، من الليلة التي مات فيها أبو بكر رضى الله عنه، ثم أصبح فبايع الناس، وعاد فندب الناس إلى فارس، وكان وجه فارس من أكره الوجوه إليهم وأثقلها عليهم، لشدة سلطانهم وشوكتهم وعزهم وقهرهم ألأمم. قالوا: فلما كان اليوم الرابع؛ عاد فندب الناس إلى العراق؛ فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود وسعد بن عبيد الأنصاري حليف بني فزازة ؛ هرب يوم الجسر، فكانت الوجوه تعرض عليه بعد ذلك، فيأبى العراق، ويقول: إن الله جل وعز اعتد على فيها بفرة ؛ فلعله أن يرد على فيها كرة وتتابع الناس.

كتب إلى السري بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، قال: وتكلم المثنى بن حارثة ، فقال: يا أيها الناس، لا يعظمن عليكم هذا الوجه ؛ فإنا قد تبحبحنا ريف فارس، وغلبناهم على خير شقي السواد وشاطرناهم ونلنا منهم ؛ وأجترأ من قبلنا عليهم ؛ ولها إن شاء الله ما بعدها. وقام عمر رحمه الله في الناس ؛ فقال: إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النعجة، ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك ؛ أين الطراء المهاجرون عن موعود الله ! سيروا في الأرض التي وعدوكم الله في الكتاب أن يورثكموها؛ فإنه قالSadليظهره على الدين كله)، والهل مظهر دينه، ومعز ناصره، ومول أهله مواريث الأمم. أين عباد الله الصالحون! فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود، ثم ثنى سعد بن عبيد - أو سليط بن قيس - فلما اجتمع ذلك البعث ، قيل لعمر: أمر عليهم رجلاً من السابقين من المهاجرين واظلنصار. قال : لا والله لا أفعل ؛ إن الله إنما رفعكم بسبقكم وسرعتكم إلى العدو ؛ فإذا جبتم وكرهتم اللقاء ؛ فأولى بالرياسة منكم من سبق إلى الدفع، وأجاب إلى الدعاء! والله لآ أؤمر عليهم إلا أولهم انتداباً. ثم دعا أبا عبيد، وسليطاً وسعداً ؛ فقال: أما إنكما لو سبقتماه لوليتكما ولأدركتما بها إلى مالكما من القدمة. فأمر أبا عبيد على الجيش، وقال لأبي عبيد: اسمع من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم ، وأشركهم في الأمر، ولا تجتهد مسرعاً حتى تتبين؛ فإنها الحرب، والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة والكف.

وقال رجل من الأنصار: قال عمر رضي الله عنه لأبي عبيد: إنه لم يمنعني أن أؤمر سليطاً إلا سرعته إلى الحرب ، وفي التسرع إلى الرحب ضياع إلا عن بيان، والله لولا سرعته لأمرته ؛ ولكن الحرب لا يصلحها إلا المكيث.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب بن ابراهيم، عن سيف بن عمر، عن المجالد، عن الشعبي، قال: قدم المثنى بن حارثة على أبي بكر سنة ثلاث عشرة ؛ فبعث معه بعثاً قد كان ندبهم ثلاثاً ؛ فلم ينتدب له أحد حتى انتداب له أبو عبيد ثم سعد بن عبيد، وقال أبو عبيد حين انتدب: أنا لها، وقال سعد: أنا لها؛ لفعله فعلها. وقال سليط: فقيل لعمر : أمر عليهم رجلاً له صحبة، فقال عمر إنما فضل الصحابة بسرعتهم إلى العدو وكفايتهم من أبي ؛ فإذا فعل فعلهم قوم واثاقلوا كان الذي ينفرون خفافاً وثقالاً أولى بها منهم؛ والله لا أبعث عليهم إلا أولهم انتداباً فأمر أبا عبيد، وأوصاه بجنده.

كتب إلى السري بن يحيى، عن شعيبب بن أبراهيم، عن سيف بن عمر، عن سهل، عن القاسم مبشر، عن سالم، قال: كان أول بعث بعثه عمر بعث أبي عبيد، ثم بعث يعلي بن أمية إلى اليمن وامره بإجلاء أهل نجران، لوصية رسول الله صل الله عليه وسلم في مرضه بذلك، ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه، وقال: ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم عن دينهم، ثم أجلهم ؛ من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم ، وامسح أرض كل من تجلى منهم ، ثم خيرهم البلدان، وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله ؛ ألا يترك بجزيرة العرب دينان ؛ فليخرجوا ؛ من أقام على دينه منهم ؛ ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم، إقراراً لهم بالحق على أنفسنا، ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك ، بدلاً بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:33 am


تابع .....
فتح دمشق

خبر النمارق كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن سهل ومبشر بإسنادهما، ومجالد عن الشعبي قالوا: فخرج أبو عبيد ومعه سعد بن عبيد ، وسليط بن قيس ؛ أخو بني النجار، والمثنى بن حارثة أخو بني شيبان، ثم أحد بني هند.

كتب إلى السرى ، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، وعمرو عن الشعبي، وأبي روق، قالوا: كانت بوران بنت كسرى - كلما اختلف الناس بالمدائن - عدلاً بين الناس حتى يصطلحوا ، فلما قتل الفرخزاذبن البندوان وقدم رستم فقتل آزرميدخت، كانت عدلاً إلى أن استخرجوا يزدجرد، فقدم أبو عبيد والعدل بوران، وصاحب الحرب رستم ؛ وقد كانت بوران أهدت للنبي صل الله عليه وسلم فقبل هديتها ، وكانت ضداً على شيرى سنة، ثم إنها تابعته، واجتمعا على أن رأس وجعلها عدلاً.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإستنادهم، لما قالوا: قتل سياوخش فرخزاذ بن البندوان ، وملكت آزرميدخت، اختلف أهل فارس، وتشاغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها إلى أن رجع من المدينة. فبعث بوران إلى رستم بالخبر، واستحثته بالسير ؛ وكان على فرج خراسان، فأقبل في الناس حتى نزل المدائن ؛ لا يلقى جيشاً لآزرميدخت إلا هزمه، فاقتتلوا بالمدائن، فهزم سياوخش وحصر وحصرت آزرميدخت ؛ ثم افتتحها فقتل سياوخش، وفقأ عين آزرميدخت، ونصب بوران ودعته إلى القيام بأمر أهل فارس، وشكت إليه تضعضعهم وإدبار أمرهم ؛ على أن تملكه عشر حجج ؛ ثم يكون الملك في آل كسرى، إن وجدوا من غلمانهم أحداً ؛ وإلا ففي نسائهم. فقال رستم: أما أنا فسامع مطيع، غير طالب عوضاً ولا ثواباً، وإن شرفتموني وصنعتم إلى شيئاً فأنتم أولياء ما صنعتم ؛ إنما أنا سمهكم وطوع أيديكم. فقالت بوران: اغد على ، فغدا عليها ودعت مرازبة فارس، وكتبت له بأنك على حرب فارس ؛ ليس عليك إلا الله عز وجل، عن رضا منا وتسليم لحكمك، وحكمك جائز فيهم ما كان حكمك في منع أرضهم وجمعهم عن فرقتهم. وتوجته وأمرت أهل فارس أن يسمعوا له ويطيعوا. فدانت له فارس بعد قدوم أبي عبيد ؛ وكان أول شئ أحدثه عمر بعد موت أبي بكر من الليل ؛ أن نادى: الصلاة جامعة! ثم ندبهم فتفرقوا على غير إجابة من أحد، ثم ندبهم في اليوم الرابع، فأجاب أبو عبيد في اليوم الرابع أول الناس، وتتابع الناس، وانتخب عمر من أهل المدينة ومن حولها ألف رجل، أمر عليهم أبا عبيد ، فقيل له: استعمل عليهم من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم ، فقال: لاها الله ذا يا أصحاب النبي، لا أندبكم فتنكلون ، وينتدب غيركم فأمروكم عليهم! إنكم إنما فضلتم بتسرعكم إلى مثلها ؛ فإن نلكتم فضلوكم ؛ بل أؤمر عليكم أولكم انتداباً. وعجل المثنى، وقال: النجاء حتى يقدم عليك أصحابك! فكان أول شئ أحدثه عمر في خلافته مع بيعته بعثه أبا عبيد، ثم بعث أهل نجران، ثم ندب أهل الردة فأقبلوا سراعاً من كل أوب ؛ فرمى بهم الشأم والعراق؛ وكتب إلى أهل اليرموك ؛ بأن عليكم أبا عبيدة بن الجراح؛ وكتب إليه: إنك على الناس ؛ فإن أظفرك الله فاصرف أهل العراق إلى العراق ؛ ومن أحب من أمدادكم إذا هم قدموا عليكم. فكان أول فتح أتاه اليرموك على عشرين ليلة من متوفى أبي بكر ؛ وكان في الإمداد إلى اليرموك في زمن عمر قيس بن هبيرة ، ورجع مع أهل العراق ولم يكن منهم، وإنما غزا حين أذن عمر لأهل الردة في الغزو. وقد كانت فارس تشاغلت بموت شهر براز عن المسلمين ؛ فملكت شاه زنان ؛ حتى اصطلحوا على سابور بن شهر براز بن أردشير بن شهريار، فثارت به آزرميدخت، فقتله والفرخزاذ، وملكت - ورستم بن الفرخزاذ بخراسان على فرجها - فأتاه الخبر عن بوران. وقدم المثنى الحيرة من المدينة في عشر، ولحقه أبو عبيد بعد شهر، فأقام المثنى بالحيرة خمس عشرة ليلة ؛ وكتب رستم إلى دهاقين السواد أن يثورا بالمسلمين، ودس في كل رستاق رجلً ليثور بأهله، فبعث جابان إلى البهقباذ الأسفل ؛ وبعث نرسى إلى كسكر، ووعدهم يوماً ؛ وبعث جنداً لمصادمة المثنى ؛ وبلغ المثنى ذلك ؛ فضم إليه مسالحه وحذر، وعجل جابان، فثار ونزل النمارق.

وتوالوا على الخروج ؛ فخرج نرسي، فنزل زندورد، وثار أهل الرساتيق من أعلى الفرات إلى أسفله ؛ وخرج المثنى في جماعة حتى ينزل خفان ؛ لئلا يؤتى من خلفه بشئ يكرهه، وأقام حتى قدم عليه أبو عبيدة ؛ فكان أبو عبيد على الناس، فأقام بخفان أياماً ليستجم أصحابه ؛ وقد اجتمع إلى جابان بشر كثير، وخرج أبو عبيد بعد ما جم الناس وظهورهم، وتعبى، فجعل المثنى على الخيل، وعلى ميمنته والق بن جيدارة، وعلى ميسرته عمرو بن الهيثم بن الصلت بن حبيب السلمى. وعلى مجنبتى جابان جشنس ماه ومردانشاه. فنزلوا على جابان بالنمارق، فاقتتلوا قتالاً شديداً. فهزم الله أهل فارس، وأسرجابان، أسره مطر بن فضة التيمي، وأسر مردانشاه، أسرة أكتل بن شماخ العكلي فأما أكتل فأنه ضرب عنق مردنشاه وأما مطر بن فضة فإن جابان خدعه، حتى تفلت منه بشئ فخلى عنه ؛ فأخذه المسلمون، فأتوا به أبا عبيد وأخبروه أنه الملك، وأشاروا عليه بقتله، فقال: إني أخاف الله أن أقتله ؛ وقد آمنه رجل مسلم والمسلمون، فقالوا له : إنه الملك، قال: وإن كان لا أغدر، فتركه.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن الصلت بن بهرام، عن أبي عمران الجعفى، قال: ولت حربها فارس رستم عشر سنين، وملكوه، وكان منجماً عالماً بالنجوم، فقال له قائل: ما دعاك إلى هذا الأمر وأنت ترى ما ترى ! قال: الطمع وحب الشرف. فكاتب أهل السواد، ودس إليهم الرؤساء، فثارروا بالمسلمين ؛ وقد كان عهد إلى القوم أن الأمير عليكم أول من ثار، فثار جابان في فرات بادقلي، وثار الناس بعده، وأرز المسلمون إلى المثنى بالحيرة، فصمد لخفان، ونزل خفان حتى قدم عليه أبو عبيد وهو الأمير على المثنى وغيره، ونزل جابان النمارق، فسار إليه أبو عبيد من خفان، فالتقوا بالنمارق ؛ فهزم الله أهل فارس وأصابوا منهم ما شاءوا وبصر مطر بن فضة - وكان ينسب إلى أمه - وأبى برجل عليه حلى ؛ فشدا عليه فأخاه أسيراً، فوجداه شيخاً كبيراً فزهد فيه أبى ورغب مطر في فدائه، فاصطلحا على أن سلبه لأبى ، وأن إساره لمطر، فلما خلص مطر به، قال: إنكم معاشر العرب أهل وفاء، فهل لك أن تؤمنني وأعطيتك غلامين أمردين خفيفين في عملك وكذا وكذا ! قال : نعم، قال: فأدخلني على ملككم؛ حتى يكون ذلك بمشهد منه، ففعل فأدخله على أبي عبيد، فتم له على ذلك ؛ فأجاز أبو عبيد، فقام أبي وأناس من ربيعة ؛ فأما أبي فقال : أسرته أما وهو على غير أمان ؛ وإما الآخرون فعرفوه، وقالوا: هذا الملك جابان ؛ وهو الذي لقينا بهذا الجمع، فقال: ما تروني فاعلاً معاشر ربيعة؟ أيؤمنه صاحبكم وأقتله أنا ! معاذ الله من ذلك! وقسم أبو عبيد الغنائم، وكان فيها عطر كثير ونفل، وبعث بالأخماس مع القاسم.

السقاطية بكسكر كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب بن ابراهيم، عن سيف بن عمر، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: وقال أبو عبيد حين انهرموا وأخذوا نحو كسكر ليلجئوا إلى نرسي - نرسى ابن خالة كسرى ؛ وكانت كسكر قطيعة له ؛ وكان النرسيان له، يحميه لا يأكله بشر، ولا يغرسه غيرهم أو ملك فارس إلا من أكرمه بشئ منه، وكان ذلك مذكوراً من فعلهم في الناس، وأن ثمرهم هذا حمى، فقال له رسم وبوران: اشخص إلى قطيعتك فاحمها من عدوك وعدونا وكن رجلاً، فلما انهزم الناس يوم النمارق، ووجهت الفالة نحو نرسى - ونرسى في عسكره ت نادى أبو عبيد بالرحيل، وقال للمجردة: أتبعوهم حتى تدخلوهم عسكر نرسى، أو تبيدهم فيما بين النمارق إلى بارق إلى درتا. وقال عاصم بن عمرو في ذلك:

لعمـري ومـا عـلـى بـهـين                     لقد صبحت بالخزى أهل النمارق

بأيدي رجال هاجروا نحو ربهـم               يجوسونهم ما بين درتـا وبـارق

قتلناهم ما بين مـرج مـسـلـح               وبين الهوافي من طريق البذارق

ومضى أبو عبيد حين ارتحل من النمارق حتى ينزل على نرسى بكسكر - ونرسى يومئذ بأسفل كسكر - والمثى في تعبيته التي قاتل فيها جابان، ونرسى على مجنبتيه ابنا خاله - وهما ابنا خال كسرى بندويه وتيرويه ابنا بسطام - وأهل باروسما ونهر جوبر والزوابي معه إلى جنده وقد أتى الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان؛ فبعثوا إلى الجالنوس، وبلغ ذلك نرسى وأهل كسكر وباروسما ونهر جوبر والزاب، فرجوا أن يلحق قبل الوقعة ، وعاجلهم أبو عبيد فالتقوا أسفل من كسكر بمكان يدعى السقاطية فاقتتلوا في صحارى ملس قتالا شديداً. ثم إن الله هزم فارس، وهرب نرسى، وغلب على عسكره وأرضه، وأخرب أبو عبيد ما كان حول معسكرهم من كسكر ، وجمع الغنائم فرأى من الأطعمة شيئاً عظيماً، فبعث فيمن يليه من العرب فانتقلوا ما شاءوا، وأخذت خزائن نرسى ؛ فلم يكونوا بشئ مما خزن أفرح منهم بالنرسيان ؛ لأنه كان يحميه ويمالئه عليه ملوكهم ؛ فاقتسموه فجعلوا يطعمونه الفلاحين ؛ وبعثوا بخمسة إلى عمر وكتبوا إليه: إن الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحمونها، وأجبنا أن تروها ؛ ولتذكروا إنعام الله وإفضاله.

وأقام أبو عبيد وسرح المثنى إلى باروسما، وبعث والقا إلى الزوابي وعاصماً إلى نهر جوبر؛ فهزموا من كان تجمع وأخبروا وسبوا، وكان مما أخرب المثنى وسبى أهل وزندورد وبسوسيا ، وكانوكان أبو زعبل من سبى زندورد ؛ وهرب ذلك الجند إلى الجالنوس ؛ فكان ممن أسر عاصم أهل بيتيق من نهر جوبر، وممن أسر والق أبو الصلت . وخرج فروخ وفر ونداد إلى المثنى ، يطلبان الجزاء والذمة، دفعاً عن أرضهم ؛ فأبلغهما أبا عبيد: أحدهما باروسما والآخر نهر جوبر، فأعطياه كل رأس أربعة ، فروخ عن باروسما وفر ونداد عن نهر جوبر، ومثل ذلك الزوابي وكسكر، وضمنا لهم الرجال عن التعجيل، ففعلوا وصاروا صلحاً. وجاء فروخ وفر ونداد إلى أبي عبيد بآنية فيها أنواع أطعمة فارس م الألوان والأخبصة وغيرها ؛ فقالوا: هذه كرامة أكرمناك بها، وقرى لك. قال: أأكرمتم الجند وقريتموهم مثله؟ قالوا: لم يتيسر ونحن فاعلون ؛ وإنما يتربصون بهم قدوم الجالنوس وما يصنع ؛ فقال أبو عبيد: فلا حاجة لنا فيما لا يسع الجند، فرده، وخرج أبو عبيد حتى ينزل بباروسما فبلغه مسير الجالنوس.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السرى الضبي، قال: فأتاه الأندرزغربن الحركبذ بمثل ما جاء به فروج وفرونداذ. فقال لهم: أأكرمتم الجند بمثله وقريتموهم؟ قالوا: لا، فرده، وقال: لا حاجة لنا فيه ؛ بئس المرء أبو عبيد ؛ إن صحب قوماً من بلادهم أهراقوا دماءهم دونه، أو لم يهريقوا فاستأثر عليهم بشئ يصيبه! لا والله لا يأكل مما أفاء الله عليهم إلا مثل ما يأكل أوساطهم.

قال أبو جعفر: وقد حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق بنحو من حديث سيف هذا، عن رجاله في توجيه عمر المثنى وأبا عبيد ابن مسعود إلى العراق في حرب من بها من الكفار وحروبهم، ومن حاربهم بها ؛ غير أنه قال: لما هزم جالنوس وأصحابه، ودخل أبو عبيد باروسما، نزل هو وأصحابه قرية من قراها ؛ فاشتملت عليهم، فصنع لأبي عبيد طعام فأتى به؛ فلما رآه قال: ما أنا بالذي آكل هذا دون المسلمين! فقالوا له : كل فإنه ليس من أصحابك أحد إلا وهو يؤتى في منزله بمثل هذا أو أفضل ؛ فأكل فلما رجعوا إليه سألهم عن طعامهم، فأخبروه بما جاءهم من الطعام.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب بن ابراهيم، عن سيف بن عمر، عن محمد وطلحة وزيادة بإسنادهم، قالوا: كان جابان ونرسي استمدا بوران، فأمدتهما بالجالنوس في جند جابان، وأمر أن يبدأ بنرسى ؛ ثم يقاتل أبا عبيد بعد، فبادره أبو عبيد، فنهض في جنده قبل أن يدنو، فلما دنا استقبله أبو عبيد، فنزل الجالنوس بباقسياثا من باروسما، فنهد إليه أبو عبيد في المسلمين ؛ وهو على تعبيته ؛ فالتقوا على باقسياثا، فهزمهم المسلمون وهرب الجالنوس، وأقام أبو عبيد، قد غلب على تلك البلاد.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السرى والمجالد بنجو من وقعة باقسياثا.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة ومجالد وزياد والنضر بإسنادهم، قالوا: أتاه أولئك الدهاقين المتربصون جميعاً بما وسع الجند، وهاربوا وخافوا على أنفسهم. وأما النضر ومجالد فإنهما قالا: قال أبو عبيد: ألم أعلمكم أني لست آكلا إلا ما يسع من معي ممن أصبتم بهم! قالوا: لم يبق أحد إلا وقد أتى بشبعه من هذا في رحالهم وأفضل. فلما راح الناس عليه سألهم عن قرى أهل الأرض فأخبروه، وإنما كانوا قصروا أولا تربصا ومخافة عقوبة أهل فارس. وأما محمد وطلحة وزياد فإنهم قالوا: فلما علم قبل منهم، وأكل وأرسل إلى قوم كانوا يأكلون معه أضيافاً عليه يدعوهم إلى الطعام وقد أصابوا من نزل فارس ولم يروا أنهم أتوا أبا عبيد بشئ فظنوا أنهم يدعون إلى مثل ما كانوا يدعون إليه من غليظ عيش أبي عبيد ؛ وكرهوا ترك ما أتوا به من ذلك ؛ فقالوا له: قل للأمير إنا لا نشتهي شيئاً مع شئ أتتنا به الدهاقين ؛ فأرسل إليهم : إنه طعام كثير من أطعمة الأعاجم؛ أين هو مما أتيتم به? أنه قوؤ نجم وجدزل وشواء وخردل وشواء وخردل فقال في ذلك عاصم بن عمرو وأضيافه عنده: ذلك عاصم بن عمرو وأضيافه عنده:

إن تك ذا قرو ونجم وجـوزل               فعند ابن فروخ شواء وخردل

وقرو رقاق كالصحائف طويت            على مزع فيها بقول وجوزل

وقال أيضاً

صبحنا بالبقايس رهط كسرى                 صبوحاً ليس من خمر السواد

صبحناهم بكل فتى كـمـى                     وأجرد سابح من خيل عـاد

ثم ارتحل أبو عبيد، وقدم المثنى، وسار في تعبيته حتى قدم الحيرة. وقال النضر ومجالد ومحمد وأصحابه: تقدم عمر إلى أبي عبيد، فقال: إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والجبرية، تقدم على قوم جرءوا على الشر فعلموه، وتناسوا الخير فجهلوا، فانظر كيف تكون! واخزن لسانك، ولا تفشين سرك ؛ فإن صاحب السر ما ضبطه، متحصن لا يؤتى من وجه يكرهه ؛ وإذا ضيعه كان بمضيعة وقعة القرقس ويقال لها القس قس الناطف، ويقال لها الجسر، ويقال لها المروحة.

قال أبو جعفر الطبري رحمه الله: كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم ، قالوا: ولما رجع الجالنوس إلى رستم ومن أفلت من جنوده، قال رستم: أي العجم أشد على العرب فيما ترون؟ قالوا: بهمن جاذويه ؛ فوجهه ومعه فيلة ورد الجالنوس معه، وقال له : قدم الجالنوس، فإن عاد لمثلها فاضرب عنقه، فأقبل بهمن جاذويه ومعه درفش كابيان راية كسرى - وكانت من جلود النمر، وعرض ثمانية أذرع في طول اثني عشر ذراعاً - وأقبل أبو عبيد، فنزل المروحة، موضع البرج والعاقول، فبعث إليه بهمن جاذويه: إما أن تعبروا إلينا وندعهم والعبور وإما أن تدعونا نعبر إليكم? فقال الناس: لا تعبر يا أبا عبيد يا أبا عبيد، ننهاك عن العبور. وقالوا له: قل لهم: فليعبروا - وكان من أشد الناس عليه في ذلك سليط - فلج أبو عبيد، وترك الرأي ، وقال: لا يكونون أجرأ على الموت منا ؛ بل نعبر إليهم. فعبروا إليهم وهم في منزل ضيق المطرد والمذهب، فاقتتلوا يوماً - وأبو عبيد فيما بين الستة والعشرة - حتى إذا كان من آخر النهار، واستبطأ رجل من ثقيف الفتح ألف بين الناس فتصافحوا بالسيوف وضرب أبو عبيد الفيل، وخبط الفيل أبا عبيد، وقد أسرعت السيوف في أهل فارس، وأصيب منهم ستة آلاف في المعركة، ولم يبق ولم ينتظر إلا الهزيمة، فلما خبط أبو عبيد، وقام عليه الفيل جال المسلمون جولة، ثم تموا عليها، وركبهم أهل فارس، فبادر رجل من ثقيف إلى الجسر فقطعه، فانتهى الناس إليه والسيوف تأخذهم من خلفهم، فتهافتوا في الفرات، فأصابوا يومئذ من المسلمين أربعة آلاف ؛ من بين غريق وقتيل، وحمى المثنى الناس وعاصم والكلج الضبى ومذعور، حتى عقدوا الجسر وعبروهم ثم عبروا في آثارهم، فأقاموا بالمروحة والمثنى جريح، والكلج ومذعور وعاصم - وكانوا حماة الناس - مع المثنى ، وهرب من الناس بشر كثير على وجوههم ؛ وافتضحوا في أنفسهم، واستحيوا مما نزل بهم، وبلغ ذلك عمر عن بعض من أوى إلى المدينة فقال: عباد الله! اللهم إن كل مسلم في حل منى، أنا فئة كل مسلم ، يرحم الله أبا عبيد ! لو كان عبر فاعتصم بالخيف، أو تحيز إلينا ولم يستقبل لكنا به فئة!

وبينا أهل فارس يحاولون العبور أتاهم الخبر أن الناس بالمدائن قد ثاروا برستم، ونقضوا الذي بينهم وبينه فصاروا فرقتين: الفهلوج على رستم، وأهل فارس على الفيرزان ؛ وكان بين وقعة اليرموك والجسر أربون ليلة. وكان الذي جاء بالخبر عن اليرموك جرير بن عبد الله الحميري ؛ والذي جاء بالخبر عن الجسر عبد الله بن زيد الأنصاري - وليس بالذي رأى الرؤيا - فانتهى إلى عمر وعمر على المنبر. فنادى عمر : الخبر يا عبد الله بن زيد !قال: أتاك الخبر اليقين ؛ ثم صعد إليه المنبر فأسر ذلك إليه.

وكانت اليرموك في أيام من جمادى الآخر، والجسر في شعبان.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وسعيد ابن المرزيان، قالا : واستعمل رستم على حرب أبي عبيد بهمن جاذويه ؛ وهو ذو الحاجب، ورد الجالنوس ومعه الفيلة، فيها فيل أبيض عليه النخل ، وأقبل في الدهم ، وقد استقبله أبو عبيد حتى انتهى إلى بابل ؛ فلما بلغه انحاز حتى جعل الفرات بينه وبينه ؛ فعسكر بالمروحة.

ثم إن أبا عبيد ندم حين نزلوا به قالوا: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر، فحلف ليقطعن الفرات إليهم، وليمحصن ما صنع، فناشده سليط بن قيس ووجوه الناس، قالوا إن العرب لم تلق مثل جنود فارس منذ كانوا، وإنهم قد حفلوا لنا واستقبلوا من الزهاء والعدة بما لم يلقنا به أحد منهم ؛ وقد نزلت منزلاً لنا فيه مجال وملجأ ومرجع؛ من فرة إلى كرة. فقال: لاأفعل ؛ جبنت والله! وكان الرسول فيما بين ذي الحاجب وأبي عبيد مردانشاه الخصى ؛ فأخبرهم أن أهل فارس قد عيروهم ؛ فازداد أبو عبيد محكاً ، ورد على أصحابه الرأى، وجبن سليطاً، فقال: سليط: أنا والله أجرأ منك نفساً ؛ وقد أشرنا عليك الرأي فستعلم! كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السرى، عن الأغر العجلي، قال: أقبل ذو الحاجب حتى وقف على شاطئ الفرات بقس الناطف، وأبو عبيد معسكر على شاطئ الفرات بالمروحة فقال: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم. فقال أبو عبيد: بل نعبر إليكم. فعقد ابن صلوبا الجسر للفريقين جميعاً ؛ وقبل ذلك ما قد رأت دومة امرأة أبي عبيد رؤيا وهي بالمروحة؛ أن رجلاً نزل من السماء بإناء فيه شراب ، فشرب أبو عبيد وجبر في أناس من أهله؛ فأخبرت بها أبا عبيد، فقال: هذه الشهادة وعهد أبو عبيد إلى الناس، فقال: إن قتلت فعلى الناس جبر، فإن قتل فعليكم فلان، حتى أمر الذين شربوا من الإناء على الولاء من كلامه. ثم قال: إ، قتل أبو القاسم فعليكم المثنى، ثم نهد بالناس فعبر وعبروا إليهم، وعضلت الأرض بأهلها، وألحم الناس الحرب. فلما نظرت الخيول إلى الفيلة عليها النخل ؛ والخيل عليها التجافيف والفرسان عليهم الشعر رأت شيئا منكراً لم تكن ترى مثله فجعل المسلمون إذا حملوا عليهم لم تقدم خيولهم، وإذا حملوا على المسلمين بالفيلة والجلاجل فرقت بين كراديسهم ؛ لا تقوم لها الخيل إلا على نفار. وخزقهم الفرس بالنشاب، وعض المسلمين الألم ؛ وجعلوا لا يصلون إليهم ؛ فترجل أبو عبيد وترجل الناس، ثم مشوا إليهم فصافحوهم بالسيوف ؛ فجعلت الفيلة لا تحمل على جماعة إلا دفعتهم ؛ فنادى أبو عبيد: احتوشوا الفيلة ؛ وقطعوا بطنها واقبلوا عنها أهلها ؛ وواثب هو الفيل الأبيض، فتعلق ببطانة فقطعه ؛ ووقع الذين عليه، وفعل القوم مثل ذلك ؛ فما تركوا فيلا إلا حطوا رحله؛ وقتلوا أصحابه، وأهوى الفيل لأبي عبيد، فنفخ مشفره بالسيف، فاتقاه الفيل بيده؛ وأبو عبيد يتجرثمه ؛ فأصابه بيده فوقع فخبطه الفيل، وقام عليه ؛ فلما بصر الناس بأبي عبيد تحت الفيل، خشعت أنفس بعضهم، وأخذ اللواء الذي كان أمره بعده، فقاتل الفيل حتى تنحى عن أبي عبيد، فاجتراه إلى المسلمين، وأحرزوا شلوه ؛ وتجرثم الفيل فاتقاه الفيل بيده، دأب أبي عبيد وخبطه الفيل. وقام عليه وتتابع سبعة من ثقيف ؛ كلهم بأخذ اللواء فيقاتل حتى يموت. ثم أخذ اللواء المثنى، وهرب الناس، فملا رأى عبد الله بن مرثد الثقفي ما لقى أبو عبيد وخلفاؤه وما يصنع الناس، بادرهم إلى الجسر فقطعه، وقال يا أيها الناس، موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا. وحاز المشركون المسلمين إلى الجسر ؛ وخشع ناس فتواثبوا في الفرات ؛ فغرق من لم يصبر وأسرعوا فيمن صبر، وحمى المثنى وفرسان من المسلمين الناس، ونادى: يأيها الناس، إنا دونكم فاعبروا على هينتكم ولا تدهشوا ؛ فإنا لن نزايل حتى نراكم من ذلك الجانب، ولا تغرقوا أنفسكم. فوجدوا الجسر وعبد الله بن مرثد قائم عليه يمنع الناس من العبور، فأخذوه فأتوه به المثنى، فضربه وقال: مما حملك على الذي صنعت؟ قال: ليقاتلوا، ونادى من عبر فجاءوا بعلوج، فضموا إلى السفينة التي قطعت سفائنها، وعبر الناس، وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس، وعبر المثنى وحمى جانبه ؛ فاضرب عسكره، ورامهم ذو الحاجب فلم يقدر عليهم ؛ فلما عبر المثنى وحمى جانبه ارفض عنه أهل المدينة حتى لحقوا بالمدينة وتركها بعضهم ونزلوا البوادي وبقي المثنى في قلة.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن رجل، عن أبي عثمان النهدي، قال: هلك يومئذ أربعة آلاف بين قتيل وغريق ؛ وهرب ألفان، وبقى ثلاثة آلاف، وأتى ذا الحاجب الخبر باختلاف فارس ؛ فرجع بجنده ؛ وكان ذلك سبباً لرفضاضهم عنه ، ورجح المثنى، وأثبت فيه حلق من درعه هتكهن الرمح.كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد وعطية نحواً منه.

كتب إلىالسرى، عن شعيب عن سيف، عن مجالد وعطية والنضر، أن أهل المدينة لما لحقوا بالمدينة وأخبروا عمن سار في البلاد استحيا من الهزيمة، اشتد على عمر ذلك ورحمهم. قال الشعبي: قال عمر: اللهم كل مسلم في حل منى، أنا فئة كل مسلم، من لقى العدو ففظع بشئ من أمره فأنا له فئة ؛ يرحم الله أبا عبيد لو كان انحاز إلى لكنت له فئة ? وبعث المثنى بالخبر إلى عمر مع عبيد بن زيد، وكان أول من قدم على عمر.

وحدثناابن حميد ؛ قال : حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق بنحو خير سيف هذا في أمر أبي عبيد وذي الحاجب، وقصة حربهما، إلا أنه قال: وقد كانت رأت دومة أم المختار بن أبي عبيد، أن رجلاً نزل من السماء معه إناء فيه شراب من الجنة فيما يرى النائم، فشرب منه أبو عبيد وجبر بن أبي عبيد وأناس من أهله. وقال أيضاً: فلما رأى أبو عبيد ما يصنع الفيل، قال: هل لهذه الدابة من مقتل؟ قالوا: نعم ؛ فإذا قطع مشفرها ماتت، فشد على الفيل فضرب ممشفرة فقطعه، وبرك عليه الفيل فقتله. وقال أيضاً: فرجعت الفرس ونزل المثنى بن حارثة أليس، وتفرق الناس، فلحقوا بالمدينة، فكان أول من قدم المدينة بخبر الناس عبد الله بن زيد بن الحصين الخطمى، فأخبر الناس.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة ابنة عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صل الله عليه وسلم ، قالت: سمعت عمر بن الخطاب حين قدم عبد الله بن زيد? وهو داخل المسجد، وهو يمر على باب حجرتي، فقال: ما عندك يا عبد الله بن زيد؟ قال: أتاك الخبر يا أمير المؤمنين ؛ فلما انتهى إليه أخبره خبر الناس، فما سمعت برجل حضر أمراً فحدث عنه كان أثبت خبراً منه. فملما قدم فل الناس، ورأى عمر جزع المسلمين من المهاجرين والأنصار من الفرار، قال: لا تجزعوا يا معشر المسلمين، أنا فئتكم، إنما انحزتم إلى.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة ؛ عن ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحصين وغيره ؛ أن معاذاً القارئ أخا بني النجار ؛ كان ممن شهدها ففر يومئذ، فكان إذا قرأ هذه الآية: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) ، بكى، فيقول له عمر: لا تبك يا معاذ، أنا فئتك، وإنما انحزت إلى".

وفي كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي ورد:

" كان عمر رضي الله عنه قد عزل خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على جميع الناس فالتقى المسلمون والروم حول دمشق فاقتتلوا قتالًا شديدًا ثم هزم الله الروم فدخلوا دمشق فتحصنوا بها فرابطهم المسلمون ستة أشهر حتى فتحوا دمشق وأعطوا الجزية وكان الصلح على يدي خالد وكان قد قدم على أبي عبيدة كتاب بتوليته وعزل خالد واستحى أبو عبيدة أن يقرئه الكتاب‏.‏

فلما فتحت أظهر أبو عبيدة ذلك وكان فتح دمشق في سنة أربع عشرة في رجب وكان حصارها ستة أشهر‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ بل كانت في سنة ثلاث عشرة‏.‏

وروى سيف عن أشياخه‏:‏ أن أبا عبيدة استخلف على اليرموك بشير بن كعب وخرج حتى نزل بالصُّفَر يريد اتباع الفالَّة فأتاه خبرهم أنهم أرَزوا إلى فِحْل‏.‏

وأتاه الخبر أن المدد قد أتى أهل دمشق من حمص فلم يدر أيبدأ بدمشق أم بفحل فكتب بذلك إلى عمر ولما جاء فتح اليرموك إلى عمر أقر الأمراء على ما استعملهم عليه أبو بكر رضي اللّه عنه إلا خالد بن الوليد فإنه ضمه إلى أبي عبيدة وعمرو بن العاص فإنه أمره بمعونة الناس حتى يصير الحرب إلى فلسطين ثم يتولى حربها‏.‏

وكتب إلى أبي عبيدة‏:‏ ابدأوا بدمشق فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم واشغلوا عنكم أهل فحل بخيل تَكون بإزائهم‏.‏

فحاصروا دمشق نحوا من سبعين ليلة حصارًا شديدًا وقاتلوهم بالمجانيق فكان أبو عبيدة على ناحية ويزيد على ناحية وعمرو على ناحية‏.‏

وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع وكان بين دمشق وحمص وهرقل يومئذ بحمص وقد استمدوه وجاءت خيل هرقل مغيثة لأهل الشام فأشجتها الخيول التي مع ذي الكلاع‏.‏

فأيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فأبلسوا فصعد قوم من أصحاب خالد بالأوهاق إلى السور فكبروا‏.‏

وجاء المسلمون إلى الباب وقتل خالد البوابين ودخل عنوة ودخل غير مصالحًا وكان صلح دمشق على المقاسمة في الدينار والعقار ودينار عن كل رأس وبعثوا بالبشائر إلى عمر‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ كانت وقعة فحل قبل دمشق وكانت في سنة ثلاث عشرة ذي القعدة‏".‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:35 am

معركة أجنادين

معركة أجنادين هي معركة وقعت بين المسلمين والبيزنطيين عام 634 م قرب مدينة الرملة في فلسطين.

وكانت وقعة أجنادين أول وقعة بين المسلمين والروم وكانت في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وكان على الناس يومئذ عمرو بن العاص‏.‏

أسلم قبل دخول رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وشهد مع عبد الله بن جحش سريته إلى نخلة وقتل يومئذ عمرو بن الحضرمي‏.‏ وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صل الله عليه وسلم وليس له عقب.

"ورد في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير:

"كانت وقعة أجنادين في قول ابن إسحاق يوم السبت لثلاث من جمادى الأولى منها‏.‏

وكذا عند الواقدي فيما بين الرملة وبين جسرين على الروم القيقلان، وأمير المسلمين عمرو بن العاص، وهو في عشرين ألفاً في قول، فقتل القيقلان انهزمت الروم، وقتل منهم خلق كثير‏.‏

واستشهد من المسلمين أيضاً جماعة منهم وهشام بن العاص، والفضل بن العباس، وأبان بن سعيد، وأخواه خالد وعمرو، ونعيم بن عبد الله بن النحام، والطفيل بن عمرو، وعبد الله بن عمرو الدوسيان، وضرار بن الأزور، وعكرمة بن أبي جهل، وعمه سلمة بن هشام، وهبار بن سفيان، وصخر بن نصر، وتميم وسعيد ابنا الحارث بن قيس رضي الله عنهم الأزور‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ قتل يومئذ طليب بن عمرو، وأمه أروى بنت عبد المطلب عمة رسول الله صل الله عليه وسلم، وممن قتل يومئذ عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وكان عمره يومئذ ثلاثين سنة فيما ذكره الواقدي‏.‏

قال‏:‏ ولم يكن له رواية، وكان ممن صبر يوم حنين‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وقتل يومئذ عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، والحارث بن أوس بن عتيك رضي الله عنهم"‏.‏

وفي كتاب "فتوح البلدان" للبلاذري ورد:

"ثم كانت وقعة أجنادين وشهدها من الروم زهاء مئة ألف سرب هرقل أكثرهم، وتجمع باقوهم من النواحي، وهرقل يومئذ مقيمٌ بحمص. فقاتلهم المسلمون قتالاً شديداً، وأبلى خالد بن الوليد يومئذ بلاءً حسناً، ثم إن الله عزم أعداءه ومزقهم كل ممزق، وقتل منهم خلق كثير. واستشهد يومئذ عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم، وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية، وأخوه أبان بن سعيد، وذلك الثبت، ويقال بل توفي أبان في سنة تسع وعشرين. وطليب بن عمير بن وهب بن عبد بن قصي، بارزه علج فضربه ضربة أبانت يده اليمنى فسقط سيفه مع كفه، ثم غشيه الروم فقتلوه. وأمه أروى بنت عبد المطلب عمة رسول الله صل الله عليه وسلم، وكان يكنى أبا عدي. وسلمة بن هشام بن المغيرة، ويقال إنه قتل بمرج الصفر. وعكرمة بن أبي جهل ابن هشام المخزومي. وهبار بن سفيان بن عبد السد المخزومي، ويقال بل قتل يوم مؤتة. ونعيم بن عبد الله النحام العدوى، ويقال قتل يوم اليرموك. وهشام بن العاص بن وائل السهمي، وقال قتل بوم اليرموك. وعمر بن طفيل ابن عمرو الدوسي، ويقال قتل يوم اليرموك. وجندب بن عمرو الدوسي. وسعيد بن الحارث. والحارث بن الحارث. والحجاج بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي.

وقال هشام بن محمد الكلبي: قتل النحام يوم مؤتة، وقتل سعيد بن الحارث بن قيس يوم اليرموك، وقتل تميم بن الحارث يوم أجنادين، وقتل عبيد الله بن عبد الأسد أخوه يوم اليرموك. قال: وقتل الحارث بن هشام ابن المغيرة يوم أجنادين.

قالوا: ولما انتهى خبر هذه الوقعة إلى هرقل نخب قلبه وسقط في يده وملىء رعباً، فهرب من حمص إلى إنطاكية.

وقد ذكر بعضهم أن هربه من حمص إلى إنطاكية كان عند قدوم المسلمين الشام. وكانت وقعة أجنادين يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة، ويقال لليلتين خلتا من جمادى الآخرة، ويقال لليلتين بقيتا منه.

قالوا: ثم جمعت الروم جمعاً بالياقوصة، والياقوصة وادٍ فمه الفوارة، فلقيهم المسلمون هناك، فكشفوهم وهزموهم، وقتلوا كثيراً منهم، ولحق فلهم بمدن الشام. وتوفى أبو بكر رضي الله عنه في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فأتى المسلمين نعيه وقم بالياقوصة".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:35 am

معركة جلولاء

جلولاء وكذلك تعرف بـقِزل رباط هي مدينة عراقية وهي مركز ناحية تابعة إدارياً لمحافظة ديالى تقع جنوب غرب خانقين على ضفة نهر ديالى أو سيروان كما يسميه الاكراد. كانت تعتبر محطة هامة في طريق التجارة بين العراق وإيران. اسمها الاصلي كولالة بالكردية وهي نوع من النباتات تنبت بنهر سيروان عند البلدة وتسكنها عشائر باجلان والزند والجاف الكردية وعشيرة العبيد العربية.

مدينة جلولاء الواقعة شمال شرق العاصمة العراقية بغداد تبعد مسافة حوالي 185 كم ومعضم سكانها مسلمين وفيها القومية الكردية والعربية بشكل أساسي وأيضا التركمان. كانت جلولاء آخر معاقل الساسانيين الفرس، فتحت إثر معركة كبيرة بين المسلمين بقيادة قائد جيش المسلمين هاشم بن عتبة وقائد جيش الساسانيين يزدجرد في 7ديسمبر 637م.

ورد في كتاب "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

"كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: لما أقمنا بالمدائن حين هبطناها واقتسمنا ما فيها، وبعثنا إلى عمر بالأخماس، وأوطنّاها، أتانا الخبر بأنّ مهران قد عسكر بجلولاء، وخندق عليه؛ وأنّ أهل الموصل قد عسكروا بتكريت.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن الوليد بن عبد الله ابن أبي طيبة البجلّى، عن أبيه بمثله؛ وزاد فيه: فكتب سعد بذلك إلى عمر، فكتب إلى سعد: أن سرّح هاشم بن عتبة إلى جلولاء في اثنى عشر ألفا، واجعل على مقدّمته القعقاع بن عمرو، وعلى ميمنته سعر بن مالك، وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة، واجعل على ساقته عمرو بن مرّة الجهنىّ.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وزياد، قالوا: وكتب عمر إلى عمر إلى سعد: إن هزم الله الجندين: جند مهران وجند الأنطاق؛ فقدّم القعقاع حتى يكون بين السواد وبين الجبل على حدّ سوادكم وشاركهم عمرو وسعيد. قالوا: وكان من حديث أهل جلولاء، أنّ الأعاجم لما انتهوا بعد الهرب من المدائن إلى جلولاء، وافترقت الطرق بأهل أذربيجان والباب وبأهل الجبال وفارس، تذامروا وقالوا: إن افترقتم لم تجتمعوا أبدا، وهذا مكان يفرّق بيننا، فهلمّوا فلنجتمع للعرب به ولنقاتلهم، فإن كانت لنا فهو الذي نريد، وإن كانت الأخرى كنا قد قضينا الذي علينا، وأبلينا عذرا. فاحتفروا الخندق، واجتمعوا فيه على مهران الرازىّ، ونفذ يزدجرد إلى حلوان فنزل بها، ورماهم بالرّجال؛ وخلّف فيهم الأموال، فأقاموا في خندقهم، وقد أحاطوا به الحسك من الخشب إلاّ طرقهم. قال عمرو، عن عامر الشعبىّ: كان أبو بكر لا يستعين في حربه بأحد من أهل الرّدّة حتى مات، وكان عمر قد استعان بهم؛ فكان لا يؤمّر منهم أحدا إلى على النفر وما دون ذلك؛ وكان لا يعدل أن يؤمّر الصحابة إذا وجد من يجزى عنه في حربه؛ فإن لم يجد ففي التابعين بإحسان؛ ولا يطمع من انبعث في الردّة في الرياسة؛ وكان رؤساء أهل الردّة في تلك الحروب حشوة إلى أن ضرب الإسلام بجرانه.

ثم اشترك عمرو ومحمد والمهلب وطلحة وسعيد، فقالوا: ففصل هاشم ابن عتبة بالناس من المدائن في صفر سنة ستّ عشرة، في اثنى عشر ألفا؛ منهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب ممن ارتدّ وممن لم يرتدّ؛ فسار من المدائن إلى جلولاء أربعا، حتى قدم عليهم، وأحاط بهم، فحاصرهم وطاولهم أهل فارس، وجعلوا لا يخرجون عليهم إلاّ إذا أرادوا؛ وزاحفهم المسلمون بجلولاء ثمانين زحفا، كلّ ذلك يعطى الله المسلمين عليهم الظّفر، وغلبوا المشركين على حسك الخشب، فاتّخذوا حسك الحديد.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عقبة بن مكرم، عن بطان بن بشر، قال: لما نزل هاشم على مهران بجلولاء حصرهم في خندقهم، فكانوا يزاحفون المسلمين في زهاء وأهاويل، وجعل هاشم يقوم في الناس، ويقول: إنّ هذا المنزل منزل له ما بعده؛ وجعل سعد يمدّه بالفرسان حتى إذا كان أخيرا احتفلوا للمسلمين؛ فخرجوا عليهم، فقام هاشم في الناس، فقال: أبلوا الله بلاء حسنا يتم لكم عليه الأجر والمغنم، واعملوا لله. فالتقوا فاقتتلوا، وبعث الله عليهم ريحا أظلمت عليهم البلاد فلم يستطيعوا إلا المحاجزة، فتهافت فرسانهم في الخندق؛ فلم يجدوا بدّا من أن يجعلوا فرضا مما يليهم؛ تصعد منه خيلهم؛ فأفسدا حصنهم؛ وبلغ ذلك المسلمين، فنظروا إليه، فقالوا: أننهض إليهم ثانية فندخله عليهم أو نموت دونه! فلما نهد المسلمون الثانية خرج القوم، فرموا حول الخندق مما يلي المسلمين بحسك الحديد لكيلا يقدم عليهم الخيل، وتركوا للمجال وجها، فخرجوا على المسلمين منه، فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله إلا ليلة الهرير، إلا أنه كان أكمش وأعجل؛ وانتهى القعقاع بن عمرو في الوجه الذي زاحف فيه إلى باب خندقهم، فأخذ به، وأمر مناديا فنادى: يا معشر المسلمين، هذا أميركم قد دخل خندق القوم وأخذ به فأقبلوا إليه؛ ولا يمنعنّكم من بينكم وبينه من دخوله. وإنما أمر بذلك ليقوّى المسلمين به، فحمل المسلمون ولا يشكّون إلا أن هاشما فيه، فلم يقم لحملتهم شئ، حتى انتهوا إلى باب الخندق، فإذا هم بالقعقاع بن عمرو، وقد أخذ به؛ وأخذ المشركون في هزيمة يمنة ويسرة عن المجال الذي بحيال خندقهم؛ فهلكوا فيما أعدّوا للمسلمين فعقرت دوابّهم، وعادوا رجّالة؛ وأتبعهم المسلمون، فلم يفلت منهم إلا من لا يعدّ، وقتل الله منهم يومئذ مائة ألف، فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسمّيت جلولاء بما جللها من قتلاهم؛ فهي جلولاء الوقيعة.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبيد الله بن محفّز، عن أبيه، قال: إني لفي أوائل الجمهور، مدخلهم ساباط ومظلمها، وإني لفي أوائل الجمهور حين عبروا دجلة، ودخلوا المدائن؛ ولقد أصبت بها تمثالا لو قسم في بكر بن وائل لسدّ منهم مسداّ، عليه جوهر، فأدّيته؛ فما لبثنا بالمدائن إلاّ قليلا حتى بلغنا أنّ الأعاجم قد جمعت لنا بجلولاء جمعا عظيما، وقدّموا عيالاتهم إلى الجبال، وحبسوا الأموال؛ فبعث إليهم سعد عمرو بن مالك بن عتبة بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وكان جند جلولاء اثنى عشر ألفا من المسلمين، على مقدّمتهم القعقاع بن عمرو، وكان قد خرج فيهم وجوه الناس وفرسانهم؛ فلما مرّوا ببابل مهروذ صالحه دهقانها، على أن يفرش له جريب أرض دراهم؛ ففعل وصالحه. ثم مضى حتى قدم عليهم بجلولاء، فوجدهم قد خندقوا وتحصنوا في خندقهم، ومعهم بيت مالهم، وتواثقوا وتعاهدوا بالنيران ألاّ يفرّوا، ونزل المسلمون قريبا منهم، وجعلت الأمداد تقدم على المشركين كلّ يوم من حلوان، وجعل يمدّهم بكلّ من أمدّه من أهل الجبال، واستمدّ المسلمون سعدا فأمدّهم بمائتي فارس، ثم مائتين، ثم مائتين. ولما رأى أهل فارس أمداد المسلمين بادروا بقتال المسلمين. وعلى خيل المسلمين يومئذ طليحة بن فلان، أحد بنى عبد الدار، وعلى خيل الأعاجم خرّ زاذ بن خرّ هرمز - فاقتتلوا قتالا شديدا، لم يقاتلوا المسلمين مثله في موطن من المواطن، حتى أنفذوا النبل؛ وحتى أنفدوا النشّاب، وقصفوا الرماح حتى صاروا إلى السيوف والطّبرزينات. فكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهر؛ ولما حضرت الصلاة صلى الناس إيماء، حتى إذا كان بين الصلاتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها، فأقبل القعقاع بن عمرو على الناس، فقال: أهالتكم هذه؟ قالوا: نعم؛ نحن مكلّون وهم مريحون، والكالّ يخاف العجز إلا أن يعقب؛ فقال: إنا حاملون عليهم ومجادّوهم وغير كافّين ولا مقلعين حتى يحكم الله بيننا وبينهم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى تخالطوهم، ولا يكذبنّ أحد منكم. فحمل فانفرجوا، فما نهنه أحد عن باب الخندق، وألبسهم الليل رواقه، فأخذوا يمنة ويسرة؛ وجاء في الأمداد طليحة وقيس بن المكشوح وعمرو بن معد يكرب وحجر بن عدىّ، فوافقوهم قد تحاجزوا مع الليل، ونادى منادى القعقاع بن عمرو: أين تحاجزون وأميركم في الخندق! فتفارّ المشركون، وحمل المسلمون، فأدخل الخندق، فآتى فسطاطا فيه مرافق وثياب؛ وإذا فرش على إنسان فأنبشه، فإذا امرأة كالغزال في حسن الشمس، فأخذتها وثيابها، فأدّيت الثياب، وطلبت في الجارية حتى صارت إلىّ فاتخذتها أمّ ولد.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن حماد بن فلان البرجمىّ، عن أبيه، أنّ خارجة بن الصّلت أصاب يومئذ ناقة من ذهب أو فضة موشحة بالدرّ والياقوت مثل الجفرة إذا وضعت على الأرض، وإذا عليها رجل من ذهب موشّح كذلك، فجاء بها وبه حتّى أدّاهما.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلّب وعمرو وسعيد والوليد بن عبد الله والمجالد وعقبة بن مكرم، قالوا: وأمر هاشم القعقاع بن عمرو بالطلب، فطلبهم حتى بلغ خانقين، ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الجبال، وقدم القعقاع حلوان، وذلك أنّ عمر كان كتب إلى سعد: إن هزم الله الجندين؛ جند مهران وجند الأنطاق، فقدّم القعقاع؛ حتى يكون بين السّواد والجبل، على حدّ سوادكم. فنزل القعقاع بحلوان في جند من الأفناء ومن الحمراء، فلم يزل بها إلى أن تحوّل الناس من المدائن إلى الكوفة؛ فلما خرج سعد من المدائن إلى الكوفة لحق به القعقاع؛ واستعمل على الثغر قباذ - وكان من الحمراء، وأصله من خراسان - ونفّل منها من شهدها، وبعض من كان بالمدائن نائيا.

وقالوا - واشتركوا في ذلك: وكتبوا إلى عمر بفتح جلولاء وبنزول القعقاع حلوان واستأذنوه في إتباعهم، فأبى، وقال: لوددت أنّ بين السواد وبين الجبل سداّ لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم؛ حسبنا من الرّيف السواد، إنىّ آثرت سلامة المسلمين على الأنفال. قالوا: ولما بعث هاشم القعقاع في آثار القوم، أدرك مهران بخانقين، فقتله وأدرك الفيرزان فنزل، وتوقّل في الظّراب، وخلّى فرسه، وأصاب القعقاع سبايا، فبعث بهم إلى هاشم من سباياهم، واقتسموهم فيما اقتسموا من الفئ، فاتّخذن، فولدن في المسلمين. وذلك السبي ينسب إلى جلولاء، فيقال: سبي جلولاء. ومن ذلك السبي أم الشعبيّ، وقعت لرجل من بني عبس، فولدت فمات عنها فخلف عليها شراحيل، فولدت له عامرا، ونشأ في بني عبس.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب، قالوا: واقتسم في جلولاء على كلّ فارس تسعة آلاف، تسعة آلاف؛ وتسعة من الدواب، ورجع هاشم بالأخماس إلى سعد.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبيّ، قال: أفاء الله على المسلمين ما كان في عسكرهم بحلولاء وما كان عليهم، وكلّ دابة كانت معهم إلاّ اليسير لم يفلتوا بشئ من الأموال، وولى قسم ذلك بين المسلمين سلمان بن ربيعة؛ فكانت إليه يومئذ الأقباض والأقسام، وكانت العرب تسمّيه لذلك سلمان الخيل؛ وذلك أنه كان يقسم لها ويقصّر بما دونها، وكانت العتاق عنده ثلاث طبقات، وبلغ سهم الفارس بجلولاء مثل سهمه بالمدائن.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وعمرو، عن الشعبيّ، قال: اقتسم الناس فئ جلولاء على ثلاثين ألف ألف، وكان الخمس ستة آلاف ألف.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة ومحمد والمهلب وسعيد، قالوا: ونفّل سعد من أخماس جلولاء من أعظم البلاء ممن شهدها ومن أعظم البلاء ممن كان نائيا بالمدائن، وبعث بالأخماس مع قضاعىّ ابن عمرو الدّؤلي من الأذهاب والأوراق والآنية والثياب، وبعث بالسبي مع أبي مفزّر الأسود، فمضيا.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن زهرة و محمد بن عمرو، قالا : بعث الأخماس مع قضامىّ و أبى مفزّر، و الحساب مع زياد ابن أبى سفيان، و كان الذي يكتب للناس و يدوّنهم، فلما قدموا على عمر كلم زياد عمر فيما جاء له، ووصف له، فقال عمر: هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل الذي كلمتني به ؟ فقال: و الله ما على الأرض شخص أهيب في صدري منك، فكيف لا أقوى على هذا من غيرك! فقام بالناس بما أصابوا و بما صنعوا، و بما تستأذنون فيه من الانسياح في البلاد. فقال عمر: هذا الخطيب المصقع، فقال: إنّ جندنا أطلقوا بالفعال لساننا.

كتب إلى السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن زهرة و محمد، عن أبى سلمة، قال: لما قدم على عمر بالأخماس من جلولاء، قال عمر: و الله لا يجنه سقف بيت حتى أقسمه. فبات عبد الرحمن بن عوف و عبد الله بن أرقم يحرسانه في صحن المسجد، فلما أصبح جاء في الناس فكشف عن جلابيبه - وهي الأنطاع - فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى، فقال: عمر: والله ما ذاك يبكيني، وتالله ما أعطى الله هذا قوما إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلاّ ألقي بأسهم بينهم. وأشكل على عمر في أخماس القادسيّة حتى خطر عليه ما أفا الله - يعني من الخمس - فوضع ذلك في أهله، فأجرى خمس جلولاء مجرى خمس القادسيّة عن ملإ وتشاور وإجماع من المسلمين، ونفّل من ذلك بعض أهل المدينة.

كتب إلى السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وسعيد وعمرو، قالوا: وجمع سعد من وراء المدائن، وأمر بالإحصاء فوجدهم بضعة وثلاثين ومائة ألف، ووجدهم بضعة وثلاثين ألف أهل بيت، ووجد قسمتهم ثلاثة لكلّ رجل منهم بأهلهم؛ فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن أقرّ الفلاحين على حالهم؛ إلاّ من حارب أو هرب منك إلى عدوّك فأدركته، وأجر لهم ما أجريت للفلاحين قبلهم؛ وإذا كتبت إليك في قوم فأجروا أمثالهم مجراهم. فكتب إليه سعد فيمن لم يكن فلاحا فأجابه: أما من سوى الفلاّحين فذاك إليكم ما لم تغنموه - يعني تقتسموه - ومن ترك أرضه من أهل الحرب فخلاّها فهي لكم؛ فإن دعوتموهم وقبلتم منهم الجزاء ورددتموهم قبل قسمتها فذّمة؛ وإن لم تدعوهم ففئ لكم لمن أفاء الله ذلك عليه. وكان أحظى بفئ الأرض أهل جلولاء؛ استأثروا بفئ ما وراء النّهروان، وشاركوا الناس فيما كان قبل ذلك، فأقرّوا الفلاحين ودعوا من لجّ، ووضعوا الخراج على الفلاحين وعلى من رجع وقبل الذّمة، واستصفوا ما كان لآل كسرى ومن لجّ معهم فيئا لمن أفاء الله عليه، لا يجاز بيع شئ من ذلك فيما بين الجبل إلى الجبل من أرض العرب إلاّ من أهله الذين أفاء الله عليهم، ولم يجيزوا بيع ذلك فيما بين الناس - يعني فيمن لم يفئه الله تعالى عليه ممن يعاملهم من لم يفئه الله عزّ وجلّ عليه - فأقرّه المسلمون؛ لم يقتمسوه؛ لأن قسمته لم تتأتّ لهم؛ فمن ذلك الآجام ومغيض المياه وما كان لمن قتل، والأرحاء؛ فكان بعض من يرقّ يسأل الولاة قسم ذلك؛ فيمنعهم من ذلك الجمهور، أبوا ذلك، فانتهوا إلى رأيهم ولم يجيبوا، وقالوا: لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لفعلنا؛ ولو كان طلب ذلك منهم عن ملإ لقسمها بينهم.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة بن الأعلم، عن ماهان، قال: لم يثبت أحد من أهل السواد على العهد فيما بينهم وبين أهل الأيام إلاّ أهل قريات، أخذوها عنوة، كلهم نكث؛ ما خلا أولئك القريات، فلما دعوا إلى الرّجوع صاروا ذمّة، وعليهم الجزاء، ولهم المنعة، إلا ما كان لآل كسرى ومن معهم، فإنه صافية فيما بين حلوان والعراق؛ وكان عمر قد رضى بالسّواد من الرّيف.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن ماهان، قال: كتبوا إلى عمر في الصّوافى، فكتب إليهم: أن اعمدوا إلى الصّوافى التي أصفاكموها الله، فوزّعوها على من أفاءها الله عليه؛ أربعة أخماس للجند، وخمس في مواضعه إلىّ، وإن أحبّوا أن ينزلوها فهو الذي لهم. فلما جعل ذلك إليهم رأوا ألاّ يفترقوا في بلاد العجم، وأقرّوها حبيسا لهم يولونها من تراضوا عليه، ثم يقتسمونها في كلّ عام، ولا يولونها إلا من أجمعوا عليه بالرّضا، وكانوا لا يجمعون إلاّ على الأمراء، كانوا بذلك في المدائن؛ وفي الكوفة حين تحوّلوا إلى الكوفة.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن الوليد بن عبد الله ابن أبي طيبة، عن أبيه، قال: كتب عمر: أن احتازوا فيئكم فإنكم إن لم تفعلوا فتقادم الأمر يلحج؛ وقد قضيت الذي علىّ. اللهمّ إنّي أشهدك عليهم فاشهد.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن الوليد بن عبد الله، عن أبيه، قال: فكان الفلاّحون للطرق والجسور والأسواق والحرث والدّلالة مع الجزاء عن أيديهم على قدر طاقتهم؛ وكانت الدّهاقين للجزية عن أيديهم والعمارة، وعلى كلهم الإرشاد وضيافة ابن السبيل من المهاجرين، وكانت الضّيافة لمن أفاءها الله خاصّة ميراثا.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت بنحو منه، وقالوا جميعا: كان فتح جلولاء في ذي القعدة سنة ستّ عشرة في أولها، بينها وبين المدائن تسعة أشهر. وقالوا جميعا: كان صلح عمر الذي صالح عليه أهل الذمة؛ أنهم إن غشّوا المسلمين لعدوّهم برئت منهم الذّمة، وإن سبّوا مسلما أن ينهكوا عقوبة، وإن قاتلوا مسلما أن يقتلوا؛ وعلى عمر منعتهم؛ وبرئ عمر إلى كلّ ذي عهد من معرّة الجيوش.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله والمستنير، عن إبراهيم بمثله.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن ماهان، قال: كان أشفى أهل فارس بجلولاء أهل الرّى؛ كانوا بها حماة أهل فارس ففنى أهل الرّى يوم جلولاء. وقالوا جميعا: ولما رجع أهل جلولاء إلى المدائن نزلوا قطائعهم، وصار السواد ذمة لهم إلا ما أصفاهم الله به من مال الأكاسرة، ومن لجّ معهم. وقالوا جميعا: ولما بلغ أهل فارس قول عمر ورأيه في السواد وما خلفه، قالوا: ونحن نرضى بمثل الذي رضوا به، لا يرضى أكراد كلّ بلد أن ينالوا من ريفهم.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن المستنير بن يزيد وحكيم بن عمير، عن إبراهيم بن يزيد، قال: لا يحلّ اشتراء أرض فيما بين حلوان والقادسيّة؛ والقادسيّة من الصوافى، لأنه لمن أفاءه الله عليه.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبيّ مثله.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن المغيرة بن شبل، قال: اشترى جرير من أرض السواد صافية على شاطئ الفرات، فأتى عمر فأخبره، فردّ ذلك الشراء وكرهه، ونهى عن شراء شئ لم يقتسمه أهله.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، قال: قلت للشعبيّ: أخذ السواد عنوة؟ قال: نعم، وكلّ أرض إلاّ بعض القلاع والحصون؛ فإن بعضهم صالح وبعضهم غلب، قلت: فهل لأهل السواد ذمّة اعتقدوها قبل الهرب؟ قال: لا، ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج وأخذ منهم صاروا ذمّة.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد العزيز، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: ليس لأحد من أهل السواد عقد إلاّ بني صلوبا وأهل الحيرة وأهل كلواذى وقرى من قرى الفرات، ثم غدروا، ثم دعوا إلى الذمّة بعد ما غدروا. وقال هاشم بن عتبة في يوم جلولاء:

يوم جلولاء ويوم رسـتـم ويوم زحف الكوفة المقدّم

ويوم عرض النهر المحرّم من بين أيّام خلون صرّم

شيّبن أصداغى فهنّ هرّم مثل ثغام البلد المـحـرّم

وقال أبو بجيذ في ذلك:

ويوم جلولاء الوقيعة أصبـحـت كتائبنا تردى بـأسـد عـوابـس

ففضّت جموع الفرس ثمّ أنمتهـم فتبا لأجساد المجوس النّجـائس!

وأفلتهنّ الـفـيرزان بـجـرعة ومهران أردت يوم حزّ القوانس

أقاموا بدار للـمـنّـية مـوعـد وللتّرب تحثوها خجوج الرّوامس

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب ومرو وسعيد، قالوا: وقد كان عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد: إن فتح الله عليكم جلولاء فسرّح القعقاع بن عمرو في آثار القوم حتى ينزل بحلوان، فيكون ردءا للمسلمين ويحرز الله لكم سوادكم. فلما هزم الله عزّ وجلّ أهل جلولاء، أقام هاشم بن عتبة بجلولاء، وخرج القعقاع بن عمرو في آثار القوم إلى خانقين في جند من أفناء الناس ومن الحمراء، فأدرك سبيا من سبيهم؛ وقتل مقاتلة من أدرك، وقتل مهران وأفلت الفيرزان؛ فلما بلغ يزدجرد هزيمة أهل جلولاء ومصاب مهران، خرج من حلوان سائرا نحو الرّيّ، وخلف بحلوان خيلا عليها خسروشنوم؛ وأقبل القعقاع حتى إذا كان بقصر شيرين على رأس فرسخ من حلوان خرج إليه خسروشنوم، وقدم الزّينبي دهقان حلوان، فلقيه القعقاع فاقتتلوا فقتل الزينبيّ، واحتقّ فيه عميرة بن طارق وعبد الله، فجعله وسلبه بينهما، فعدّ عميرة ذلك حقرة وهرب خسروشنوم، واستولى المسلمون على حلوان وأنزلها القعقاع الحمراء، وولّى عليهم قباذ، ولم يزل القعقاع هنالك على الثغر والجزاء بعد ما دعاهم، فتراجعوا وأقرّوا بالجزاء إلى أن تحوّل سعد من المدائن إلى الكوفة، فلحق به، واستخلف قباذ على الثغر، وكان أصله خراسانياّ".

وفي كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي ورد:

" لما توطن المسلمون المدائن وبعثوا إلى عمر بالأخماس أتاهم الخبر بأن مهران قد عسكر بجلولاء وخندق وأن أهل الموصل قد عسكروا بتكريت‏.‏

فكتب سعد بذلك إلى عمر رضي اللّه عنه فكتب إليه‏:‏ أن سرح هاشم بن عتبة إلى جَلُولاء في اثني عشر ألفًا واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو وعلى ميمنته سعد بن مالك وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة وعلى ساقته عمرو بن مرة الجهني‏.‏

وكان الأعاجم لما هربوا من المدائن إلى جلولاء قالوا‏:‏ إن افترقتم لم تجتمعوا أبدًا فهلموا فلنجتمع للعرب ولنقاتلهم فإن كانت لنا فهو الذي نريد وإن كانت علينا كنا قد قضينا الذي علينا فاحتفروا الخندق واجتمعوا على مهران الرازي ونفذ يزدجرد إلى حلوان فنزل بها ورماهم بالرجال والأموال‏.‏

ففصل هاشم بن عتبة بالناس من المدائن في صفر سنة ست عشرة في اثني عشر ألفًا فيهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب فقدم جلولاء فحاصرهم فخرجوا على المسلمين فاققتلوا وبعث اللّه عز وجل عليهم ريحًا أظلمت عليهم البلاد فتهافتت فرسانهم في الخندق ثم اقتتلوا قتالًا شديدًا لم ير مثله وانهزموا واتبعهم المسلمون وقتل منهم يومئذ مائة ألف فجللت القتلى المجال وما بين يديهما حوله فسميت جلولاء لما جللها من قتلاهم‏.‏

وطلبهم القعقاع حتى بلغ خانقين فأدرك مهران فقتله ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الجبل واقتسم في جلولاء على كل فارس سبعة آلاف وتسعة من الدواب‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين الحاجي وإسماعيل بن أحمد السمرقندي قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور أخبرنا المخلص أخبرنا أحمد بن عبد اللهّ بن سيف أخبرنا السري بن يحيى أخبرنا شعيب بن إبرإهيم عن سيف بن عمر التميمي عن مجالد عن الشعبي قال‏:‏ اقتسم الناس في جلولاء على ثلاثين ألف ألف وكان الخمس ستة آلاف ألف‏.‏

وحدَثنا سيف عن زهرة ومحمد عن أبي سلمة قال‏:‏ لما قدم على عمر بالأخماس من جلولاء قال عمر‏:‏ والله لا يُجنّه سقف بيت حتى أقسمه‏.‏

فباتَ عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن أرقم يحرسانه في المسجد فلما أصبح عمر جاء فكشف عنه الأنطاع فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده ولؤلؤه وجوهره بكى فقال له عبد الرحمن‏:‏ ما يبكيك يا أمير المؤمنين والله إن هذا لموطن شكر فقال عمر‏:‏ واللّه ما ذاك يبكيني وتالله ما أعطى اللّه هذا قومًا إلا تحاسدوا وتباغضوا ولا تحاسدوا إلا ألقى بأسهم بينهم‏.‏

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكيِ قال‏:‏ حدَثنا محمد بن زكريا قال‏:‏ حدَثنا عبد اللهّ بن سلمان قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن يحيى الحنيني قال‏:‏ حدَّثنا أبو أسامة عن الصلتَ قال‏:‏ حدَثني جميع بن عمير الليثي قال‏:‏ سمعت عبد الله بن عمر يقول‏:‏ شهدت جلولاء وابتعت من الغنائم بأربعين ألفًا فقدمت بها إلى المدينة على عمر فقال‏:‏ ما هذا فقلت‏:‏ ابتعت من الغنائم بأربعين ألفًا فقال‏:‏ يا عبد الله لو انطلق بي إلى الناس كنت مفتدى قلت‏:‏ نعم بكل شيء أملك قال‏:‏ فإني مخاصم وكأني بك تبابع والناس بجلولاء يقولون‏:‏ هذا عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صل الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأكرم أهله عليه وأن يرخصوا عليك كذا وكذا درهمًا أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم وسأعطيك من الربح أفضل ما ربح رجل من قريِش‏.‏

ثم أتى باب صفية بنت أبي عبيد فقال‏:‏ يا بنت أبي عبيد اقتسمت عليك أن تخرجي من بيتك شيئًا أو تخرجن منه وإن كان عنق ظبية فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين لك ذلك‏.‏

ثم تركني سبعة أيام ثم دعى التجار ثم قال‏:‏ يا عبد اللّه بن عمر إني مسؤول قال‏:‏ فباع من التجار متاعًا بأربعمائة ألف فأعطاني ثمانين ألفًا وأرسل ثلاثمائة وعشرين ألفًا إلى سعد فقال‏:‏ اقسم هذا المال في من شهد الوقعة وإن كان أحدهم مات فابعث نصيبه إلى ورثته‏.‏

وكان فتح جلولاء في ذي القعدة سنة ست عشرة وبينها وبين المدائن تسعة أشهر‏.‏

وورد في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير:

" لما سار كسرى، وهو‏:‏ يزدجرد بن شهريار من المدائن هارباً إلى حلوان، شرع في أثناء الطريق في جمع رجال وأعوان وجنود، من البلدان التي هناك، فاجتمع إليه خلق كثير، وجم غفير من الفرس، وأمر على الجميع مهران، وسار كسرى إلى حلوان فأقام الجمع الذي جمعه بينه وبين المسلمين في جلولاء، واحتفروا خندقاً عظيماً حولها، وأقاموا بها في العَدد والعُدد وآلات الحصار، فكتب سعد إلى عمر يخبره بذلك‏.‏

فكتب إليه عمر أن يقيم هو بالمدائن، ويبعث ابن أخيه هاشم بن عتبة أميراً على الجيش الذي يبعثه إلى كسرى، ويكون على المقدمة القعقاع بن عمرو، وعلى الميمنة سعد بن مالك، وعلى الميسرة أخوه عمر بن مالك، وعلى الساقة عمرو بن مرة الجهني‏.‏

ففعل سعد ذلك وبعث مع ابن أخيه جيشاً كثيفاً يقارب اثني عشر ألفاً من سادات المسلمين ووجوه المهاجرين والأنصار، ورءوس العرب‏.‏

وذلك في صفر من هذه السنة بعد فراغهم من أمر المدائن، فساروا حتى انتهوا إلى المجوس وهم بجلولاء قد خندقوا عليهم، فحاصرهم هاشم بن عتبة، وكانوا يخرجون من بلدهم للقتال في كل وقت فيقاتلون قتالاً لم يسمع بمثله‏.‏

وجعل كسرى يبعث إليهم الأمداد، وكذلك سعد يبعث المدد إلى ابن أخيه مرة بعد أخرى، وحمي القتال واشتد النزال، واضطرمت نار الحرب، وقام في الناس هاشم فخطبهم غير مرة، فحرضهم على القتال والتوكل على الله‏.‏

وقد تعاقدت الفرس وتعاهدت وحلفوا بالنار أن لا يفروا أبداً حتى يفنوا العرب‏.‏

فلما كان الموقف الأخير وهو يوم الفيصل والفرقان، تواقفوا من أول النهار، فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يعهد مثله حتى فني النشاب من الطرفين، وتقصفت الرماح من هؤلاء ومن هؤلاء، وصاروا إلى السيوف والطبرزنيات، وحانت صلاة الظهر فصلى المسلمون إيماءاً، وذهبت فرقة المجوس، وجاءت مكانها أخرى‏.‏

فقام القعقاع بن عمرو في المسلمين فقال‏:‏ أهالكم‏؟‏ ما رأيتم أيها المسلمون ‏؟‏

قالوا‏:‏ نعم، إنا كالون وهم مريحون‏.‏

فقال‏:‏ بل إنا حاملون عليهم ومجدون في طلبهم، حتى يحكم الله بيننا، فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى نخالطهم، فحمل وحمل الناس‏.‏

فأما القعقاع بن عمرو فإنه صمم الحملة في جماعة من الفرسان والأبطال والشجعان، حتى انتهى إلى باب الخندق، وأقبل الليل بظلامه وجالت بقية الأبطال بمن معهم في الناس، وجعلوا يأخذون في التحاجز من أجل إقبال الليل‏.‏

وفي الأبطال يومئذ‏:‏ طليحة الأسدي، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، وقيس بن مكشوح، وحجر بن عدي‏.‏

ولم يعلموا بما صنعه القعقاع في ظلمة الليل، ولم يشعروا بذلك، لولا مناديه ينادي‏:‏

أين أيها المسلمون، هذا أميركم على باب خندقهم‏.‏

فلما سمع ذلك المجوس فروا وحمل المسلمون نحو القعقاع بن عمرو، فإذا هو على باب الخندق قد ملكه عليهم، وهربت الفرس كل مهرب، وأخذهم المسلمون من كل وجه، وقعدوا لهم كل مرصد، فقتل منهم في ذلك الموقف مائة ألف حتى جللوا وجه الأرض بالقتلى، فلذلك سميت جلولاء‏.‏

وغنموا من الأموال والسلاح والذهب والفضة قريباً مما غنموا من المدائن قبلها‏.‏

وبعث هاشم بن عتبة القعقاع بن عمرو في إثر من انهزم منهم وراء كسرى، فساق خلفهم حتى أدرك مهران منهزماً، فقتله القعقاع بن عمرو، وأفلتهم الفيرزان فاستمر منهزماً، وأسر سبايا كثيرة بعث بها إلى هاشم بن عتبة، وغنموا دواب كثيرة جداً‏.‏

ثم بعث هاشم بالغنائم والأموال إلى عمه سعد بن أبي وقاص فنفل سعد ذوي النجدة، ثم أمر بقسم ذلك على الغانمين‏.‏

قال الشعبي‏:‏ كان المال المتحصل من وقعه جلولاء ثلاثين ألف ألف، فكان خمسه ستة آلاف ألف‏.‏

وقال غيره‏:‏ كان الذي أصاب كل فارس يوم جلولاء نظير ما حصل له يوم المدائن - يعني‏:‏ اثني عشر ألفاً لكل فارس - وقيل‏:‏ أصاب كل فارس تسعة آلاف وتسع دواب‏.‏

وكان الذي ولي قسم ذلك بين المسلمين وتحصيله، سلمان الفارسي رضي الله عنه‏.‏

ثم بعث بالأخماس من المال والرقيق والدواب مع زياد بن أبي سفيان، وقضاعي بن عمرو، وأبي مقرن الأسود‏.‏

فلما قدموا على عمر سأل عمر زياد بن أبي سفيان عن كيفية الوقعة فذكرها له، وكان زياد فصيحاً، فأعجب إيراده لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأحب أن يسمع المسلمون منه ذلك، فقال‏:‏ أتستطيع أن تخطب الناس بما أخبرتني به ‏؟‏

قال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين، إنه ليس أحد على وجه الأرض أهيب عندي منك، فكيف لا أقوى على هذا مع غيرك‏؟‏

فقام في الناس فقص عليهم خبر الوقعة، وكم قتلوا، وكم غنموا، بعبارة عظيمة بليغة‏.‏

فقال عمر‏:‏ إن هذا لهو الخطيب المصقع - يعني‏:‏ الفصيح - فقال زياد‏:‏

إن جندنا أطلقوا بالفعال لساننا‏.‏

ثم حلف عمر بن الخطاب أن لا يجن هذا المال الذي جاؤا به سقف حتى يقسمه، فبات عبد الله بن أرقم، وعبد الرحمن بن عوف يحرسانه في المسجد، فلما أصبح جاء عمر في الناس بعد ما صلى الغداة وطلعت الشمس، فأمر فكشف عنه جلابيبه، فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وذهبه الأصفر وفضته البيضاء، بكى عمر‏.‏

فقال له عبد الرحمن‏:‏ ما يبكيك يا أمير المؤمنين ‏؟‏‏!‏ فوالله إن هذا لموطن شكر‏.‏

فقال عمر‏:‏ والله ما ذاك يبكيني، وتالله ما أعطي الله هذا قوماً إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقى بأسهم بينهم‏.‏

ثم قسمه كما قسم أموال القادسية‏.‏

وروى سيف بن عمر، عن شيوخه أنهم قالوا‏:‏ وكان فتح جلولاء في ذي القعدة من سنة ستة عشر، وكان بينه وبين فتح المدائن تسعة أشهر‏.‏

وقد تكلم ابن جرير ههنا فيما رواه عن سيف على ما يتعلق بأرض السواد وخراجها، وموضع تحرير ذلك كتاب ‏(‏الأحكام‏)‏‏.‏

وقد قال هاشم بن عتبة في يوم جلولاء‏:‏

يوم جلولاء ويم رستم * ويوم زحف الكوفة المقدم

ويوم عرض الشهر المحرم * وأيام خلت من بينهن صرم

شيبن أصدغي فهي هرم * مثل ثغام البلد المحرم

وقال أبو نجيد في ذلك‏:‏

ويوم جلولاء الوقيعة أصبحت * كتائبنا تردى بأسد عوابس

فضضت جموع الفرس ثم أئمتهم * فتباً لأجساد المجوس النجائس

وأفلتهن الفيرزان بجرعة * ومهران أردت يوم حز القوانس

أقاموا بدار للمنية موعد * وللترب تحثوها خجوج الروامس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:36 am

معركة نهاوند

معركة نهاوند من المعارك الفاصلة في الفتح الإسلامي لفارس. وقعت في خلافة عمر بن الخطاب، سنة 21 هـ (642 م) وقيل سنة 18 أو 19 هـ قرب بلدة نهاوند في فارس، وانتصر فيها المسلمون انتصاراً كبيراً بقيادة النعمان بن مقرن على الفرس الساسانيين، إلا أن النعمان قتل في المعركة. بانتصار المسلمين انتهى حكم الدولة الساسانية في إيران بعد أن دام حكمها 416 عاما.

ورد في كتاب "الكامل في التاريخ" للطبري:

قيل‏:‏ فيها كانت وقعة نهاوند وقيل‏:‏ كانت سنة ثماني عشرة وقيل سنة تسع عشرة‏.‏

وكان الذي هيج أمر نهاوند أن المسلمين ما خلصوا جند العلاء من بلاد فارس وفتحوا الأهواز كاتبت الفرس ملكهم وهو بمرو فحركوه وكاتب الملوك بين الباب والسند وخراسان وحلوان فتحركوا وتكاتبوا واجتمعوا إلى نهاوند ولما وصلها أوائلهم بلغ سعدًا الخبر فكت إلى عمر وثار بسعدٍ قومٌ سعوا به وألبوا عليه ولم يشغلهم ما نزل بالناس وكان ممن تحرك في أمره الجراح بن سنان الأسدي في نفر‏.‏

فقال لهم عمر إن الدليل على ما عندكم من الشر نهوضكم في هذا الأمر وقد استعد لكم من استعد‏:‏ والله ما يمنعني ما نزل بكم من النظر فيما لديكم‏.‏

فبعث عمر محمد بن مسلمة والناس في الاستعداد للفرس وكان محمد صاحب العمال يقتص آثار من شكا زمان عمر فطاف بسعدٍ على أهل الكوفة يسأل عنه فما سأل عنه جماعةً إلا أثنوا عليه خيرًا سوى من مالأ الجراح الأسدي فإنهم سكتوا ولم يقولوا سوءًا ولا يسوغ لهم ويتعمدون ترك الثناء حتى انتهى إلى بني عبس فسألهم فقال أسامة بن قتادة‏:‏ اللهم إنه لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية ولا يغزو في السرية‏.‏

فقال سعد‏:‏ اللهم إن كان قالها رياءً وكذبًا وسمعة فأعم بصره وأكثر عياله وعرضه لمضلات الفتن‏.‏

فعمي واجتمع عنده عشر بنات وكان يسمع بالمرأة فيأتيها حتى يحبسها فإذا عثر عليه قال‏:‏ دعوة سعد الرجل المبارك‏.‏

ثم دعا سعد على أولئك النفر فقال‏:‏ اللهم إن كانوا خرجوا أشرًا وبطرًا ورياء فاجهد بلادهم‏.‏

فجهدوا وقطع الجراح بالسيوف يوم بادر الحسن بن علي رضي الله عنه ليغتاله بساباط وشدخ قبيصة بالحجارة وقتل أربد بالوجء ونعال السيوف‏.‏وقال سعد‏:‏ إني أول رجلٍ أهراق دمًا من المشركين ولقد جمع لي رسول الله ـ إن شاء الله ـ أبويه وما جمعهما لأحدٍ قبلي ولقد رأيتني خمس الإسلام وبنو أسد تزعم أني لا أحسن أصلي وأن الصيد يلهيني‏.‏

وخرج محمد بسعد وبهم معه إلى المدينة فقدموا على عمر فأخبروه الخبر فقال‏:‏ كيف تصلي يا سعد قال‏:‏ أطيل الأوليين وأحذف الأخريين‏.‏

فقال‏:‏ هكذا الظن بك يا أبا إسحاق ولولا الاحتياط لكان سبيلهم بينًا‏.‏

وقال‏:‏ من خليفتك يا سعد على الكوفة فقال‏:‏ عبد الله بن عبد الله بن عتبان‏.‏

فأقره‏.‏

فكان سبب نهاوند وبعثها زمن سعد‏.‏

وأما الوقعة فهي زمن عبد الله فنفرت الأعاجم بكتاب يزدجرد فاجتمعوا بنهاوند على الفيرزان في خمسين ألفًا ومائة ألف مقاتل وكان سعد كتب إلى عمر بالخبر ثم شافهه به لما قدم عليه وقال له‏:‏ إن أهل الكوفة يستأذنونك في الانسياح وأن يبدؤوهم بالشدة ليكون أهيب لهم على عدوهم‏.‏

فجمع عمر الناس واستشارهم وقال لهم‏:‏ هذا يوم له ما بعده وقد هممت أن أسير فيمن قبلي ومن قدرت عليه فأنزل منزلًا وسطًا بين هذين المصرين ثم أستنفرهم وأكون لهم ردءًا حتى يفتح الله عليهم ويقضي ما أحب فإن فتح الله عليهم صبيتهم في بلدانهم‏.‏

فقال طلحة بن عبيد الله‏:‏ يا أمير المؤمنين قد أحكمتك الأمور وعجمتك البلابل واحتنكتك التجارب وأنت وشأنك ورأيك لا ننبو في يديك ولا نكل عليك إليه هذا الأمر فمرنا نطع وادعنا نجب واحملنا نركب وقدنا ننقد فإنك ولي هذا الأمر وقد بلوت وجربت واحتربت فلم ينكشف شيء من عواقب قضاء الله لك إلا عن خيارهم‏.‏

ثم جلس‏.‏

فعاد عمر فقام عثمان فقال‏:‏ أرى يا أمير المؤمنين أن تكتب إلى أهل الشام فيسيروا من شامهم وإلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم ثم تسير أنت بأهل الحرمين إلى الكوفة والبصرة فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين فإنك إذا سرت قل عندك ما قد تكاثر من عدد القوم وكنت أعز عزًا وأكثر‏.‏

يا أمير المؤمنين إنك لا تستبقي بعد نفسك من العرب باقية ولا تمتع من الدنيا بعزيز ولا تلوذ منها بحريز‏.‏

إن هذا يوم له ما بعده من الأيام فاشهده برأيك وأعوانك ولا تغب عنه‏.‏

وجلس‏.‏

فعاد عمر فقام إليه علي بن أبي طالب فقال‏:‏ أما بعد يا أمير المؤمنين فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم وإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والغيالات أقرر هؤلاء في أمصارهم واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا ثلاث فرق‏:‏ فرقة في حرمهم وذراريهم وفرقة في أهل عهدهم حتى لا ينتقضوا ولتسر فرقةٌ إلى إخوانهم بالكوفة مددًا لهم إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدًا قالوا‏:‏ هذا أمير المؤمنين أمير العرب وأصلها فكان ذلك أشد لكلبهم عليك‏.‏

وأما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله هو أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على تغيير ما يكره وأما فقال عمر‏:‏ هذا هو الرأي كنت أحب أن أتابع عليه فأشيروا علي برجل أوليه ذلك الثغر‏.‏

وقيل‏:‏ إن طلحة وعثمان وغيرهما أشاروا عليه بالمقام‏.‏

والله أعلم‏.‏

فلما قال عمر‏:‏ أشيروا علي برجل أوليه ذلك الثغر وليكن عراقيًا قالوا‏:‏ أنت أعلم بجندك وقد وفدوا عليك ورأيتهم وكلمتهم‏.‏فقال‏:‏ والله لأولين أمرهم رجلًا يكون أول الأسنة إذا لقيها غدًا‏.‏

فقيل‏:‏ من هو فقال‏:‏ هو النعمان بن مقرن المزني‏.‏

فقالوا‏:‏ هو لها‏.‏

وكان النعمان يومئذ معه جمعٌ من أهل الكوفة قد اقتحموا جنديسابور والسوس‏.‏

فكتب إليه عمر يأمره بالمسير إلى ماه لتجتمع الجيوش عليه فإذا اجتمعوا إليه سار بهم إلى الفيرزان ومن معه‏.‏

وقيل بل كان النعمان بكسكر‏.‏

فكتب إلى عمر يسأله أن يعزله ويبعثه إلى جيش من المسلمين‏.‏

فكتب إليه عمر يأمره بنهاوند فسار‏.‏

فكتب عمر إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان ليستنفر الناس مع النعمان كذا وكاذ ويجتمعوا عليه بماه‏.‏

فندب الناس فكان أسرعهم إلى ذلك الروادف ليبلوا في الدين وليدركوا حظًا‏.‏

فخرج الناس منها وعليهم حذيفة بن اليمان ومعه نعيم بن مقرن حتى قدموا على النعمان وتقدم عمر إلى الجند الذين كانوا بالأهواز ليشغلوا فارسًا عن المسلمين وعليهم المقترب الأسود بن ربيعة وحرملة بن مريطة ووزر بن كليب فأقاموا بتخوم أصبهان وفارس وقطعوا أمداد فارس عن أهل نهاوند واجتمع الناس على النعمان وفيهم حذيفة بن اليمان وابن عمر وجرير بن عبد الله البجلي والمغيرة ابن شعبة وغيرهم فأرسل النعمان طليحة بن خويلد وعمرو بن معد يكرب وعمرو ابن ثني وهو ابن أبي سلمى ليأتوه بخبرهم‏.‏

وخرجوا وساروا يومًا إلى الليل فرجع إليه عمرو بن ثني فقالوا‏:‏ ما رجعك فقال‏:‏ لم أكن في أرض العجم وقتلت أرضٌ جاهلها وقتل أرضًا عالمها‏.‏

ومضى طليحة وعمرو ابن معد يكرب‏.‏

فلما كان آخر الليل رجع عمرو فقالوا‏:‏ ما رجعك قال‏:‏ سرنا يومًا وليلةً ولم نر شيئًا وخفت أن يؤخذ علينا الطريق فرجعت‏.‏

ومضى طليحة ولم يحفل بهما حتى انتهى إلى نهاوند‏.‏

وبين موضع المسلمين الذي هم به ونهاوند بضعة وعشرون فرسخًا‏.‏

فقال الناس‏:‏ ارتد طليحة الثانية‏.‏

فعلم كلام القوم ورجع‏.‏فلما رأوه كبروا‏.‏

فقال‏:‏ ما شأنكم فأعلموه بالذي خافوا عليه‏.‏فقال‏:‏ والله لو لم يكن دين إلا العربي ما كنت لأجزر العجم الطماطم هذه العرب العاربة‏.‏

فأعلم النعمان أنه ليس بينهم وبين نهاوند شيء يكرهه ولا أحد‏.‏

فرحل النعمان وعبى أصحابه وهم ثلاثون ألفًا فجعل على مقدمته نعيم ابن مقرن وعلى مجنبتيه حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن وعلى المجردة القعقاع بن عمرو وعلى الساقة مجاشع بن مسعود‏.‏

وقد توافت إليه أمداد المدينة فيهم المغيرة بن شعبة فانتهوا إلى إسبيذهان والفرس وقوف على تعبيتهم وأميرهم الفيرزان وعلى مجنبتيه الزردق وبهمن جاذويه الذي جعل مكان ذي الحاجب‏.‏

وقد توافى إليهم الأمداد بنهاوند كل من غاب عن القادسية ليسوا بدونهم فلما رآهم النعمان كبر وكبر معه الناس فتزلزلت الأعاجم وحطت العرب الأثقال وضرب فسطاط النعمان فابتدر أشراف الكوفة فضربوه منهم‏:‏ حذيفة بن اليمان وعقبة بن عامر والمغيرة بن شعبة وبشير ابن الخصاصية وحنظلة الكاتب وجرير بن عبد الله البجلي والأشعث ابن قيس وسعيد بن قيس الهمداني ووائل بن حجر وغيرهم‏.‏

فلم ير بناء فسطاط بالعراق كهؤلاء‏.‏

وأنشب النعمان القتال بعد حط الأثقال فاقتتلوا يوم الأربعاء ويوم الخميس والحرب بينهم سجالٌ وإنهم انجحروا في خنادقهم يوم الجمعة وحصرهم المسلمون وأقاموا عليهم ما شاء الله والفرس بالخيار لا يخرجون إلا إذا أرادوا الخروج فخاف المسلمون أن يطول أمرهم حتى إذا كان ذات يوم في جمعة من الجمع تجمع أهل الرأي من المسلمين وقالوا‏:‏ نراهم علينا بالخيار‏.‏

وأتوا النعمان في ذلك فوافوه وهو يروي في الذي رووا فيه فأخبروه فبعث إلى من بقي من أهل النجدات والرأي فأحضرهم فتكلم النعمان فقال‏:‏ ‏(‏قد ترون المشركين واعتصامهم بخنادقهم ومدنهم وأنهم لا يخرجون إلينا إلا إذا شاؤوا ولا يقدر المسلمون على إخراجهم وقد ترون الذي فيه المسلمون من فتكلم عمرو بن ثني وكان أكبر الناس وكانوا يتكلمون على الأسنان فقال‏:‏ التحصن عليهم أشد من المطاولة عليكم فدعهم وقاتل من أتاك منهم‏.‏

فردوا عليه رأيه‏.‏

وتكلم عمرو بن معد يكرب فقال‏:‏ ناهدهم وكابرهم ولا تخفهم فردوا جميعًا عليه رأيه وقالوا‏:‏ إنما يناطح بنا الجدران وهي أعوان علينا‏.‏

وقال طليحة‏:‏ أرى أن نبعث خيلًا لينشبوا القتال فإذا اختلطوا بهم رجعوا إلينا استطرادًا فإنا لم نستطرد لهم في طول ما قاتلناهم فإذا رأوا ذلك طمعوا وخرجوا فقاتلناهم حتى يقضي الله فيهم وفينا ما أحب‏.‏

فأمر النعمان القعقاع بن عمرو وكان على المجردة فأنشب القتال فأخرجهم من خنادقهم كأنهم جبال حديد قد تواثقوا أن لا يفروا وقد قرن بعضهم بعضًا كل سبعة في قران وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا ينهزموا‏.‏

فلما خرجوا نكص ثم نكص واغتنمها الأعاجم ففعلوا كما ظن طليحة وقالوا‏:‏ هي هي فلم يبق أحد إلا من يقوم على الأبواب وركبوهم‏.‏

ولحق القعقاع بالناس وانقطع الفرس عن حصنهم بعض الانقطاع والمسلمون على تعبية في يوم جمعة صدر النهار وقد عهد النعمان إلى الناس عهده وأمرهم أن يلزموا الأرض ولا يقاتلوا حتى يأذن لهم ففعلوا واستتروا بالحجف من الرمي واقبل المشركون عليهم يرمونهم حتى أفشوا فيهم الجراح‏.‏

وشكا بعض الناس وقالوا للنعمان‏:‏ ألا ترى ما نحن فيه فما تنتظر بهم ائذن للناس في قتالهم‏.‏

فقال‏:‏ رويدًا رويدًا‏.‏

وانتظر النعمان بالقتال أحب الساعات كانت إلى رسول الله ـ إن شاء الله ـ أن يلقى العدو فيها وذلك عند الزوال فلما كان قريبًا من تلك الساعة ركب فرسه وسار في الناس ووقف على كل راية يذكرهم ويحرضهم ويمنيهم الظفر وقال لم‏:‏ إني مكبر ثلاثًا فإذا كبرت الثالثة فإني حامل فاحملوا وإن قتلت فالأمير بعدي حذيفة فإن قتل ففلان حتى عد سبعة آخرهم المغيرة‏.‏

ثم قال‏:‏ اللهم أعزز دينك وانصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك‏.‏

وقيل‏:‏ بل قال‏:‏ اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام واقبضني شهيدًا‏.‏

فبكى الناس‏.‏

ورجع إلى موقفه فكبر ثلاثًا والناس سامعون مطيعون مستعدون للقتال وحمل النعمان والناس معه وانقضت رايته انقضاض العقاب والنعمان معلم ببياض القباء والقلنسوة فاقتتلوا قتالًا شديدًا لم يسمع السامعون بوقعة كانت أشد منها وما كان يسمع إلا وقع الحديد وصبر لهم المسلمون صبرًا عظيمًا وانهزم الأعاجم وقتل منهم ما بين الزوال والإعتام ما طبق أرض المعركة دمًا يزلق الناس والدواب‏.‏

فلما أقر الله عين النعمان بالفتح استجاب له فقتل شهيدًا زلق به فرسه فصرع‏.‏

وقيل‏:‏ بل رمي بسهم في خاصرته فقتله فسجاه أخوه نعيم بثوب وأخذ الراية قبل أن تقع وناولها حذيفة فأخذها وتقدم إلى موضع النعمان وترك نعيمًا مكانه‏.‏

وقال لهم المغيرة‏:‏ اكتموا مصاب أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم لئلا يهن الناس‏.‏

فاقتتلوا‏.‏

فلما أظلم الليل عليهم انهزم المشركون وذهبوا ولزمهم المسلمون وعمي عليهم قصدهم فتركوه وأخذوا نحو اللهب الذي كانوا دونه بأسبيذهان فوقعوا فيه فكان الواحد منهم يقع فيقع عليه ستة بعضهم على بعضهم في قياد واحد فيقتلون جميعًا وجعل يعقرهم حسك الحديد فمات منهم في اللهب مائة ألف أو يزيدون سوى من قتل في المعركة‏.‏

وقيل‏:‏ قتل في اللهب ثمانون ألفًا وفي المعركة ثلاثون ألفًا سوى من قتل في الطلب ولم يفلت إلا الشريد ونجا الفيرزان من بين الصرعى فهرب نحو همذان فاتبعه نعيم بن مقرن وقدم القعقاع قدامه فأدركه بثنية همذان وهي إذ ذاك مشحونة من بغال وحمير موقرة عسلًا فحبسه الدواب على أجله‏.‏

فلما لم يجد طريقًا نزل عن دابته وصعد في الجبل فتبعه القعقاع راجلًا فأدركه فقتله المسلمون على الثنية وقالوا‏:‏ إن لله جنودًا من عسل‏.‏

واستاقوا العسل وما معه من الأحمال‏.‏

وسميت الثنية ثنية العسل‏.‏ودخل المشركون همذان والمسلمون في آثارهم فنزلوا عليها وأخذوا ما حولها‏.‏

فلما رأى ذلك خسروشنوم استأمنهم ولما تم الظفر للمسلمين جعلوا يسألون عن أميرهم النعمان بن مقرن فقال لهم أخوه معقل‏:‏ هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة فاتبعوا حذيفة‏.‏

ودخل المسلمون نهاوند يوم الوقعة بعد الهزيمة واحتووا ما فيها من الأمتعة وغيرها وما حولها من الأسلاب والأثاث وجمعوا إلى صاحب الأقباض السائب ابن الأقرع‏.‏

وانتظر من بنهاوند ما يأتيهم من إخوانهم الذين على همذان مع القعقاع ونعيم فأتاهم الهربذ صاحب بيت النار على أمان فأبلغ حذيفة فقال‏:‏ أتؤمنني ومن شئت على أن أخرج لك ذخيرةً لكسرى تركت عندي لنوائب الزمان قال‏:‏ نعم‏.‏

فأحضر جوهرًا نفيسًا في سفطين فأرسلهما مع الأخماس إلى عمر‏.‏

وكان حذيفة قد نفل منها وأرسل الباقي مع السائب ابن الأقرع الثقفي وكان كاتبًا حاسبًا أرسله عمر إليهم وقال له‏:‏ إن فتح الله عليكم فاقسم على المسلمين فيئهم وخذ الخمس وإن هلك هذا الجيش فاذهب فبطن الأرض خيرٌ من ظهرها‏.‏

قال السائب‏:‏ فلما فتح الله على المسلمين وأحضر الفارسي السفطين اللذين أودعهما عنده النخير جان فإذا فيهما اللؤلؤ والزبرجد والياقوت فلما فرغت من القسمة احتملتهما معي وقدمت على عمر وكان قد قدر الوقعة فبات يتململ ويخرج ويتوقع الأخبار فبينما رجل من المسلمين قد خرج في بعض حوائجه فرجع إلى المدينة ليلًا فمر به راكب فسأله‏:‏ من أين أقبل

فقال‏:‏ من نهاوند وأخبره بالفتح وقتل النعمان فلما أصبح الرجل تحدث بهذا بعد ثلاث من الوقعة فبلغ الخبر عمر فسأله فأخبره فقال ذلك بريد الجن‏.‏

ثم قدم البريد بعد ذلك فأخبره بما يسره ولم يخبره بقتل النعمان‏:‏ قال السائب‏:‏ فخرج عمر من الغد يتوقع الأخبار‏.‏

قال‏:‏ فأتيته فقال‏:‏ ما وراءك فقلت‏:‏ خيرًا يا أمير المؤمنين‏.‏

فتح الله عليك وأعظم الفتح واستشهد النعمان بن مقرن‏.‏

فقال عمر‏:‏ ‏{‏إنا لله وإنا إليه راجعون‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 156‏]‏‏.‏

ثم بكى فنشج حتى بانت فروع كتفيه فوق كتده‏.‏

قال‏:‏ فلما رأيت ذلك وما لقي قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ما أصيب بعده رجل يعرف وجهه‏.‏

فقال‏:‏ أولئك المستضعفون من المسلمين ولكن الذي أكرمهم بالشهادة يعرف وجوههم وأنسابهم وما يصنع أولئك بمعرفة عمر‏!‏ ثم أخبرته بالسفطين فقال‏:‏ أدخلهما بيت المال حتى ننظر في شأنهما والحق بجندك‏.‏

قال‏:‏ ففعلت وخرجت سريعًا إلى الكوفة‏.‏

وبات عمر فلما أصبح بعث في أثري رسولًا فما أدركني حتى دخلت الكوفة فأنخت بعيري وأناخ بعيره على عرقوبي بعيري فقال‏:‏ الحق بأمير المؤمنين فقد بعثني في طلبك فلم أقدر عليك إلا الآن‏.‏

قال‏:‏ فركبت معه فقدمت على عمر فلما رآني قال‏:‏ إلي وما لي وللسائب‏!‏ قلت‏:‏ ولماذا قال‏:‏ ويحك والله ما هو إلا أن نمت الليلة التي خرجت فيها فباتت الملائكة تستحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان نارًا فيقولون‏:‏ لنكوينك بهما فأقول‏:‏ إني سأقسمهما بين المسلمين‏.‏

فخذهما عني فبعهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم‏.‏

قال‏:‏ فخرجت بهما فوضعتهما في مسجد الكوفة فابتاعهما مني عمرو بن حريث المخزومي بألفي ألف درهم ثم خرج بهما إلى أرض الأعاجم فباعهما بأربعة آلاف ألف فما زال أكثر أهل الكوفة مالًا ثم قسم ثمنهما بين الغانمين فنال كل فارس أربعة آلاف درهم من ثمن السفطين‏.‏

وكان سهم الفارس بنهاوند ستة آلاف وسهم الراجل ألفين‏.‏

وقد نفل حذيفة من الأخماس من شاء من أهل البلاء يوم نهاوند وكان المسلمون ثلاثين ألفًا‏.‏

ولما قدم سبي نهاوند المدينة جعل أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة لا يلقى منهم صغيرًا إلا مسح رأسه وبكى وقال له‏:‏ أكل عمر كبدي‏!‏ وكان من نهاوند فأسرته الروم وأسره المسلمون من الروم فنسب إلى حيث سبي‏.‏

وكان المسلمون يسمون فتح نهاوند فتح الفتوح لأنه لم يكن للفرس بعده اجتماع‏.‏

وملك المسلمون بلادهم‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:36 am

وقعة المذار

كانت وقعة المذار في صفر من السنة الثانية عشرة . ويقال وقعة الثني ، وهو النهر . وهنا سار خالد بمن معه من الجيوش حتى نزل على المذار وهو على تعبئة، وخرج قارن يدعو إلى البراز فبرز إليه خالد وابتدره الشجعان من الأمراء فقتل معقل بن الأعشى ابن النباش قارناً وقتل عدي بن حاتم قباذاً وقتل عاصم أنوشجان . وكان قارن قد انتهى شرفه في أبناء فارس . وجمع بقية الغنيمة وخمسها . فإن أقرهم بالجزية ، وكان في هذا السبي حبيب أبو الحسن البصري وكان نصرانياً ثم أمر خالد على الجند سعيد بن النعمان وعلى الجزية سويد بن مقرن وأمره أن ينزل الحفير ليجبي إليه الأموال وأقام خالد يتجسس الأخبار عن الأعداء .

ورد في كتاب "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

"قال: وكانت وقعة المذار في صفر سنة اثنتي عشرة، ويومئذ قال الناس: صفر الأصفار، فيه يقتل كل جبار، على مجمع الأنهار . حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن زياد والمهلب، عن عبد الرحمن بن سياه الأحمري.

وأما فيما كتب به إلى السري، عن شعيب، عن سيف، فإنه عن سيف، عن المهلب بن عقبة وزياد بن سرجس الأحمري وعبد الرحمن بن سياه الأحمري وسفيان الأحمري، قالوا: وقد كان هرمز كتب إلى أردشير وشيرى بالخبر بكتاب خالد إليه بمسيره من اليمامة نحوه، فأمده بقارن بن قريانس، فخرج قارن من المدائن ممداً لهرمز ؛ حتى إذا انتهى إلى المذار بلغته الهزيمة ؛ وانتهت إليه الفلال السواد والجبل: إن افترقتم لم تجتمعوا بعدها أبداً؛ فاجتمعوا على العود مرة واحدو، فهذا مدد الملك وهذا قارن، لعل الله يديلنا ويشفينا من عدونا وندرك بعض ما أصابوا منا ففعلوا وعسكروا بالمذار، واستعمل قارن على مجنبته قباذ وأنوشجان، وأرز المثنى والمعنى إلى خالد بالخبر ؛ ولما انتهى الخبر إلى خالد عن قارن قسم الفئ على من أفاءه الله عليه، ونفل من الخمس ما شاء الله، وبعث ببقيته وبالفتح إلى أبى ابن عقبة - والعرب تسمى كل نهر الثنى - وخرج خالد سائراً حتى ينزل المذار على قارن في جموعه، فالتقوا وخالد على تعبيته، فاقتتلوا على حنق وحفيظة، وخرج قارن يدعو للبراز، فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى بن النباش، فابتدراه، فسبقه إليه معقل، فقتله وقتل عاصم الأنوشجان، وقتل عدي قباذ . وكان شرف قارن قد النتهى ؛ ثم لم يقاتل المسلمون بعده أحداً انتهى شرفه في الأعاجم، وقتلت فارس مقتله عظيمة ؛ فضموا السفن، ومنعت المياه المسلمين من طلبهم، وأقام خالد بالمذار، وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت، وقسم الفئ ونفل من الأخماس أهل البلاء، وبعث ببقية الأخماس، ووفد وفداً مع سعيد بن النعمان أخي بني عدي بن كعب.

حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن أبي عثمان، قال: قتل ليلة المذار ثلاثون ألفاً سوى من غرق ولولا المياه لأتى على آخرهم ؛ ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة.

قال سيف، عن عمرو والمجالد، عن الشعبي، قال: كان أول من لقي خالد مهبطه العراق هرمز بالكواظم، ثم نزل الفرات بشاطئ دجلة ؛ فلم يلق كيداً، وتبحبح بشاطئ دجلة، ثم الثنى، ولم يلق بعد هرمز أحداً إلا كانت الوقعة الآخرة أعظم من التي قبلها، حتى أتى دومة الجندل، وزاد سهم الفارس في يوم الثنى على سهمه في ذات السلاسل. فأقام خالد بالثنى يسبي عيالات النقاتلة ومن أعانهم، وأقر الفلاحين ومن أجاب إلى الخراج من جميع الناس بعد ما دعوزا، وكل ذلك أخذ عنوة ولكن دعوا إلى الجزاء ، فأجابوا وتراجعوا، وصاروا ذمة وصارت أرضهم لهم كذلك جرى ما لم يقسم فإذا اقتسم فلا.

وكان في السبي حبيب أبو الحسن - يعني أبا الحسن البصري - وكان نصرانياً، وما فنة مولى عثمان، وأبو زياد مولى المغيرة بن شعبة.

وأمر على الجند سعيد بن النعمان، وعلى الجزاء سويد بن مقرن المزني، وأمره بنزول الحفير، وأمرهي ببث عماله ووضع يده في الجباية، وأقام لعدوه يتحسس الأخبار".

وفي كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الأثير ورد:

"أرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو باليمامة يأمره بالمسير إلى العراق وقيل‏:‏ بل قدم المدينة من اليمامة فسيره أبو بكر إلى العراق فسار حتى نزل ببانقيا وباروسما وأليس وصالحه أهلها‏.‏

وكان الذي صالحه عليها ابن صلوبا على عشرة آلاف دينار سوى حرزة كسرى وكانت على كل رأس أربعة دراهم وأخذ منهم الجزية‏.‏

ثم سار حتى نزل الحيرة فخرج إليه أشرافها مع إياس بن قبيصة الطائي وكان أميرًا عليها بعد النعمان بن المنذر فدعاهم خالد إلى الإسلام أو الجزية أو المحاربة فاختاروا الجزية فصالحهم على تسعين ألف درهم فكانت أول جزية أخذت من الفرس في الإسلام هي والقريات التي صالح عليها‏.‏

وقيل‏:‏ إنما أمره أبو بكر أن يبدأ بالأبلة وكتب إلى عياض بن غنم أن يقصد العراق ويبدأ بالمصيخ ويدخل العراق من أعلاه ويسير حتى يلقى خالدًا وكان المثنى بن حارثة الشيباني قد استأذن أبا بكر أن يغزو بالعراق فأذن له فكان يغزوهم قبل قدوم خالد وأمر أبو بكر خالدًا وعياضًا أن يستنفرا من قاتل أهل الردة وأن لا يغزون معهما مرتد ففعلا وكتبا إليه يستمدانه فأمد خالدًا بالقعقاع بن عمرو التميمي فقيل له‏:‏ أتمده برجل واحد فقال‏:‏ لا يهزم جيش فيهم مثل هذا‏.‏

وأمد عياضًا بعبد بن غوث الحميري‏.‏

وكتب أبو بكر إلى المثنى وحرملة ومعذور وسلمى أن يلحقوا بخالد بالأبلة‏.‏

فقدم خالد ومعه عشرة آلاف مقاتل وكان مع المثنى وأصحابه ثمانية آلاف‏.‏

ولما قدم خالد فرق جنده ثلاث فرق ولم يحملهم على طريق واحد على مقدمته المثنى وبعده عدي بن حاتم وجاء خالد بعدهما ووعدهما الحفير ليصادموا عدوهم وكان ذلك الفرج أعظم فروج فارس وأشدها شوكة فكان صاحبه أسوار اسمه هرمز فكان يحارب العرب في البر والهند في البحر‏.‏ فلما سمع هرمز بهم كتب إلى أردشير الملك بالخبر وتعجل هو إلى الكواظم في سرعان أصحابه ليتلقى خالدًا فسمع أنهم تواعدوا الحفير فسبقهم إليه ونزل به وجعل على مقدمته قباذ وأنوشجان وكانا من أولاد أردشير الأكبر واقترنوا في السلاسل لئلا يفروا فسمع بهم خالد فمال بالناس إلى كاظمة فسبقه هرمز إليها وكان سيء المجاورة للعرب فكلهم عليه حنقٌ وكانوا يضربونه مثلًا في الخبث فيقولون‏:‏ أكفر من هرمز‏.‏

وقدم خالد فنزل على غير ماء فقال له أصحاب في ذلك‏:‏ ما تفعل فقال لهم‏:‏ لعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين فحطوا أثقالهم وتقدم خالد إلى الفرس فلاقاهم وأرسل الله سحابة فأإدرت وراء صف المسلمين فقويت قلوبهم وخرج هرمز ودعا خالدًا إلى البراز وأوطأ أصحابه على الغدر بخالد فبرز إليه خالد ومشى نحوه راجلًا ونزل هرمز أيضًا وتضاربا فاحتضنه خالد وحمل أصحاب هرمز فما شغله ذلك عن قتله وحمل القعقاع بن عمرو فأزاحهم وانهزم أهل فارس وركبهم المسلمون وسميت الوقعة ذات السلاسل ونجا قباذ وأنوشجان.

وأخذ خالد سلب هرمز وكانت قلنسوته بمائة ألف لأنه كان قد تم شرفه في الفرس وكانت هذه عادتهم إذا تم شرف الإنسان تكون قلنسوته بمائة ألف‏.‏

وبعث خالد بالفتح والأخماس إلى أبي بكر وسار حتى نزل بموضع الجسر الأعظم بالبصرة وبعث المثنى بن حارثة في آثارهم وأرسل معقل بن مقرن إلى الأبلة ففتحها فجمع الأموال بها والسبي‏.‏

وهذا القول خلاف ما يعرفه أهل النقل لأن فتح الأبلة كان على يد عتبة ابن غزوان أيام عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة‏.‏

وحاصر المثنى بن حارثة حصن المرأة ففتحه وأسلمت ولم يعرض خالد وأصحابه إلى الفلاحين لأن أبا بكر أمرهم بذلك‏.‏

لما وصل كتاب هرمز إلى أردشير بخبر خالد أمده بقارن بن قريانس فلما انتهى إلى المذار لقيه المنهزمون فاجتمعوا ورجعوا ومعهم قباذ وأنوشجان ونزلوا الثني وهو النهر وسار إليهم خالد فلقيهم واقتتلوا فبرز قارن فقتله معقل بن الأعشى بن النباش وقتل عاصم أنوشجان وقتل عدي ابن حاتم قباذ وكان شرف قارن قد انتهى‏.‏

ولم يقاتل المسلمون بعده أحدًا انتهى شرفه وقتل من الفرس مقتلة عظيمة يبلغون ثلاثين ألفًا سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم‏.‏

وقسم الفيء وأنفذ الأخماس إلى المدينة وأعطى الأسلاب من سلبها وكانت الغنيمة عظيمة وسبى عيالات المقاتلة وأخذ الجزية من الفلاحين وصاروا ذمةً‏.‏

وكان في السبي أبو الحسن البصري وكان نصرانيًا وأمر على الجند سعيد بن النعمان وعلى الحرز سويد بن مقرن المزني وأمره بنزول الحفير وأقام بتجسس الأخبار"‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:38 am

معركة القادسية

معركة القادسية هي معركة وقعت في 13 شعبان 15هـ 635م - وقيل في 16 هـ 636م - بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص والفرس بقيادة رستم فرّخزاد في القادسية انتهت بانتصار المسلمين ومقتل رستم.

من أسباب المعركة أنه في عام 14 هـ جمع يزدجرد طاقاته ضد المسلمين، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إلى عمر بن الخطاب فأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين في العراق واجتمع الناس بالمدينة المنورة فخرج عمر معهم إلى مكان يبعد عن المدينة ثلاثة أميال على طريق العراق والناس لا يدرون ما يريد أن يصنع عمر، واستشار عمر الصحابة في قيادته للجيش بنفسه فقرروا أن يبعث على رأس الجيش رجلاً من أصحاب الرسول ويقيم هو ولا يخرج واستشارهم في من يقود الجيش فأشير إلية بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

أستدعى عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص وكان على صدقات هوازن فولاه الجيش وأمره بالسير ومعه أربعة آلاف ثم أمده بألفي يماني وألفي نجديّ وكان مع المثنى ثمانية آلاف ومات المثنى قبل وصول سعد وتتابعت الإمدادات حتى صار مع سعد ستة و ثلاثون ألفاً.

كان منهم تسعة وتسعون بدرياً وثلاثمائة وبضعة عشر ممن كان له صحبة فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك وثلاثمائة ممن شهد الفتح وسبعمائة من أبناء الصحابة فنظم الجيش وجعل على الميمنة عبد الله بن المعتم وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي وجعل خليفته إذا استشهد خالد بن عرفطة وجعل عاصم بن عمرو التميمي وسواد بن مالك على الطلائع وسلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة وعلى الرجالة حمال بن مالك الأسدي وعلى الركبان عبد الله بن ذي السهمي وجعل داعيتهم سلمان الفارسي والكاتب زياد بن أبيه وعلى القضاء بينهم عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي.

أما الفرس فقد أجبر يزدجرد رستم على قيادة الجيش الفارسي بنفسه وأرسل سعد وفداً إلى رستم فيهم: النعمان بن مقرن المزني وبسر بن أبي رهم والمغيرة بن شعبة والمغيرة بن زرارة.

وسار رستم وفي مقدمته (الجالينوس) وجعل في ميمنته (الهرمزان) وعلى الميسرة (مهران بن بهرام) ثم سار رستم حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى وصل القادسية ومعه سبعون فيلاً.

ورد في كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي الجزء الرابع"

"وذلك أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه خرج في أول يوم من المحرم من سنة أربع عشرة فنزل على ماء يدعى صراراَ فعسكر به ولا يدري الناس ما يريد أيسير أم يقيم وكانوا إذا أرادوا أن يسألوه عن شيء رموه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف وكان عثمان يدعى في زمان عمر رديفًا وكانوا إذا لم يقدر هذان على شيء مما يريدون ثلثوا بالعباس قال‏:‏ فقال عثمان لعمر‏:‏ ما بلغك‏.‏

ما الذي تريد‏.‏

فنادى‏:‏ الصلاة جامعة فاجتمع الناس فأخبرهم الخبر الذي اقتصصناه في ذكر ما هيج أمر القادسية من اجتماع الناس على يزدجرد وقصد فارس إهلاك العرب فقال عامة الناس‏:‏ سر وسر بنا فقال‏:‏ استعدوا فإني سائر إلا أن يجيء رأي هو أمثل من هذا‏.‏

ثم بعث إلى أهل الرأي فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلام العرب فقال‏:‏ أحضروني الرأي فاجتمع ملؤهم على أن يبعث رجلًا من أصحاب رسول اللّه صل الله عليه وسلم ويقيم ويرميه بالجنود فإن كان الذي يشتهي من الفتح فهو الذي يريد وإلا أعاد رجلًا وندب جندًا آخر‏.‏

فأرسل إلى عليّ رضي الله عنه وكان قد استخلفه على المدينة وإلى طلحة وكان قد بعثه على المقدمة وجعل على المجنبتين الزبير وعبد الرحمن بن عوف فقال له عبد الرحمن‏:‏ أقم وابعث جندًا فليس انهزام جندك كهزيمتك فقال‏:‏ إني كنت عزمت على الخروج فقد رأيت أني أقيم وأبعث رجلًا فمن تَرونه فقالوا‏:‏ سعد بن مالك وكان سعد على صدقات هوازن فكتب إليه عمر أن ينتخب ذوي الرأي والنجدة فانتخب ألف فارس ثم أرسل إليه فقدم‏.‏

وكتب عمر إلى المثنى‏:‏ تنح إلى البر وأقم من الأعاجم قريبًا على حدود أرضك وأرضهم حتى يأتيك أمري‏.‏

وعاجلتهم الأعاجم فخرج المثنى بالناس حتى نزل العراق ففرق الناس في مسالحه وكانوا كالأسد ينازعون فرائسهم وكانت فارس منزعجة‏.‏

ولما قدم سعد ولاه عمر حرب العراق وقال‏:‏ يا سعد لا يغرنك إن قيِل‏:‏ خال رسول اللّه صل الله عليه وسلم وصاحبه فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب إلا الطاعة وإنك تقدم على أمر شديد فالصبر الصبر على ما أصابك‏.‏

ثم سرحه فيمن اجتمع معه فخرج قاصدًا إلى العراق في أربعة آلاف ثم أمده عمر بثلاثة آلاف‏.‏

وكتب إلى جرير بن عبد اللهّ والمثنى أن يجتمعا إلى سعد وأمره عليهما فمات المثنى من جراحة كان قد جرحها‏.‏

وبعض الناس يقول‏:‏ كان أهل القادسية ثمانية آلاف وبعضهم يقول‏:‏ تسعة آلاف وبعضهم يقول‏:‏ اثني عشر ألفًا‏.‏

وخرج سعد في ثمانية آلاف ثم أضيف إليه خلق فشهد القادسية مع سعد بضعة وثلاثون ألفَاَ‏.‏

وكتب عمر إلى سعد‏:‏ إذا جاءك كتابي هذا فعشر الناس وأمر على أجنادهم وواعد الناس القادسية واكتب إليَّ بما يستقر أمر الناس عليه‏.‏

فجاءه الكتاب وهو بشراف ثم كتب إليه‏:‏ أما بعد فسر من شراف نحو فارس بمن معك من المسلمين وتوكل على الله واستعن به على أمرك كله واعلم أنَّك تقدم على قوم علاهم كثير وبأسهم شديد فبادروهم بالضرب ولا يخدعنكم فإنهم خدعة مكرة وإذا انتهيت إلى القادسية والقادسية باب فارس في الجاهلية وهو منزل حصين دونه قناطر وأنهار ممتنعة فلتكن مسالحك على انقابها فإنهم إذا أحسوك رموك بجمعهم فإن أنتم صبرتم لعدوكم ونويتم الأمانة رجوت أن تنصروا عليهم وإن تكن الأخرى انصرفتم من أدنى مدرة من أرضهم حتى يرد الله لكم الكرة‏.‏

ثم قدم عليه كتاب جواب عمر‏:‏ أما بعد فتعاهد قلبك وحادث جندك بالموعظة والصبر الصبر فإن المعونة تأتَي من الله على قدر النية والأجر على قدر الحِسْبَة وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله وصف لي منازل المسلمين كأني أنظر إليها وقد ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم فإن منحك اللّه أكتافهم فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن فإنها خرابها إن شاء الله‏.‏

ومضى سعد حتى نزل القادسية وأصاب المسلمون في طريقهم غنائم من أهل فارس عارضوها في طريقهم وجاء الخبر إلى سعد أن الملك قد ولى رستم الأرمَنّي حربه فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر‏:‏ لا يكربنَّك ما يأتيك عنهم واستعن بالله وتوكل عليه‏.‏

فعسكر رستم بساباط دون المدائن وزحف بالخيول والفيول وبعثوا إلى سعد أنه لا بد لكم منا ولا سلاح معكم فما جاء بكم وكانوا يضحكون منهم ومن نبلهم ويقولون هذه مغازل‏.‏

فلما أبوا أن يرجعوا عن حربهم قالوا لهم‏:‏ ابعثوا لنا رجا منكم عاقلًا يبين لنا ما جاء بكم فقال المغيرة بن شعبة‏:‏ أنا فعبر إليهم فقعد مع رستم على السرير فصاحوا عليه فقال‏:‏ إن هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم فقال رستم‏:‏ صدق ثم قال‏:‏ ما جاء بكم‏.‏

فقال‏:‏ إنا كنا قومًا في ضلالة فبعث اللهّ فينا نبي فهدانا اللهّ به فإن قتلتمونا دخلنا الجنة وإن قتلتم دخلتم النار فقال‏:‏ أو ماذا قال‏:‏ أو تؤدون الجزيِة فلما سمعوا نخروا وصاحوا وقالوا‏:‏ لا صلح بيننا وبينكم فقال المغيرة‏:‏ تعبرون إلينا أو نعبر إليكم‏.‏

فقال رستم‏:‏ بل نعبر إليكم فاستأخر المسلمون حتى عبر منهم من عبر فحملوا عليهم فهزموهم فأصاب المسلمون فيما أصابوا جرابًا و من كافور فحسبوه ملحًا فألقوا منه في الطبيخ فلما ذاقوه قالوا‏:‏ لا خير في هذا‏.‏

وانهزم القوم حتى انتهوا إلى الصَّراةَ فطلبوهم فانهزموا حتى انتهوا إلى المدائن ثم انهزموا حتى أتوا شاطىء دجلة فمنهم من عبر من كَلْواذىَ ومنهم من عبر من أسفل المدائن فحاصروهم حتى ما يجدون طعامًا يأكلونه إلا كلابهم وسنانيرهم فخرجوا ليلًا فلحقوا بجلولاء فأتاهم المسلمون وعلى مقدمة سعد هاشم بن عتبة وهي الوقعة التي كانت فهزم المشركون حتى ألحقهم سعد بنهاوند‏.‏

وبعث سعد بجماعة من المسلمين إلى يزدجرد يدعونه إلى الإسلام فلما دخلوا عليه قال‏:‏ ما الذي دعاكمِ إلى غزونا والولوع ببلادنا فقال له النعمان بن مقرن‏:‏ إن الله تعالى أرسل إلينا رسولاَ يدلنا على الخير فأمرنا أن ندعو الناس إلى الإنصاف ونحن ندعوكم إلى ديننا فإن أبيتم فالمناجزة فقال يزدجرد‏:‏ إني لا أعلم في الأرض أمة أشقى منكم فقال المغيرة بن زرارة الأسير‏:‏ اختر إن شئت الجزية عن يدٍ وأنت صاغر وإن شئت السيف أو تسلم فقال‏:‏ أتستقبلني بمثل هذا فقال‏:‏ ما استقبلتَ إِلا من كلمني فقال‏:‏ لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك لا شيء لكم عندي ثم قال‏:‏ ائتوني بوقر من تراب واحملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن ارجعوا إلى صاحبكم فاعلموه أني مرسل إليهم رستم حتى يدفنه وجنده في خندق القادسية ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما ثم قال‏:‏ من أشرفكم‏.‏

فسكت القوم فقال عاصم بن عمرو‏:‏ أنا فحملنيه فحمله على عنقه فأتى به سعدًا فقال‏:‏ ملكنا اللّه أرضهم تفاؤلًا بأخذ التراب‏.‏

وأقام سعد بالقادسية شهرين وشيئًا حتى ظفر وعج أهل السواد إلى يزدجرد وقالوا‏:‏ العرب قد نزلوا القادسية فلم يبقوا على شيء وأخربوا ما بينهم وبين الفرات ولم يبق إلا أن يستنزلونا فإن أبطأ عنا الغياث أعطيناهم بأيدينا‏.‏

فبعث إليهم رستم وجاء الخبر إلى سعد فكتب بذلك إلى عمر وكان من رأي رستم المدافعة والمناهلة فأبى عليه الملك إلا الخروج وقال له‏:‏ إن لم تسر أنت سرت بنفسي فخرج حتى نزل بساباط وجمعِ أداة الحرب وبعث على مقدمته الجالنوس في أربعين ألفًا وخرج في ستين ألفاَ واستعمل على ميمنته الهرمزان‏.‏

وعلى ميسرته مهران بن بهرام وعلى ساقته النبدوان في عشرين ألفًا ولهم أتباع فكانوا بأتباعهم أكثر من مائتي ألف‏.‏

فلما فصل رستم من ساباط أخذ له رجل من أصحاب سعد فقال له‏:‏ ما جئتم تطلبون قال‏:‏ جئنا نطلب موعود اللهّ قال‏:‏ وما هو قال‏:‏ أرضكم وأبناؤكم ودماؤكم إذ أبيتم أن تَسلموا قال‏:‏ فإن قتلتم قبل ذلك قال‏:‏ في موعود اللهّ أن من قتل منا قبل ذلك دخل الجنة وينجز لمن بقي منا ما قلت لك فقتله‏.‏

ثم خرج حتى نزل ببُرس فغصب أصحابه الناس أموالهم ووقعوا على النساء وشربوا الخمور فقام إلى الناس فقال‏:‏ إن اللهّ كان ينصركم على عدوكم لحسن السيرة وكف الظلم والوفاء بالعهد فأما إذا تحولتم عن هذه الأعمال فلا أرى اللّه إلا مغيرًا ما بكم‏.‏

ثم نزل مما يلي الفرات ودعا أهل الحيرة فقال‏:‏ فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا وكنتم عونًا لهم علينا وقويتموهم بالأموال فقالوا‏:‏ واللهّ ما فرحنا بمجيئهم وما هم على ديننا وأما قولك‏:‏ كنتم عونًا لهم فما يحوجهم إلى ذلك وقد هرب أصحابكم منهم وخلّوا لهم القرى وقولك‏:‏ ‏"‏ قويناهم بالأموال ‏"‏ فإنا صانعنا هم بالأموال عن أنفسنا‏.‏

فارتحل رستم فنزل النجف وكان بين خروجه من المدائن إلى أن لقي سعدًا أربعة أشهر لا يُقدِم ولا يقاتل رجاء أن يضجروا بمكانهم وأن يجهدوا فينصرفوا وكره قتالهم فطاولهم والملك يستعجله وعهد عمر إلى سعد والمسلمين أن ينزلوا على حدود أرضهم وأن يطاولهم فنزلوا القادسية وقد وطنوا أنفسهم على الصبر والمطاولة فكانوا يغيرون على السواد فانتسفوا ما حولهم وأعدوه للمطاولة‏.‏

وكان عمر يمدهم وقال بعض الناس لسعد‏:‏ قد ضاف بنا المكان فأقدم فزبره وقال‏:‏ إذا كفيتم الرأي فلا تكلفوه وخرج سواد وحُمْيضة في مائة مائة فأغاروا على النهرين وقد كان سعد نهاهما أن يًمعِنا وبلغ ذلك رستم فبعث خيلًا فبعث سعد إليهم قومًا فغنموا وسلموا‏.‏

ومضى طليحة حتى دخل عسكر رستم وبات فيه يحرسه وينتظر‏.‏

فلما أدبر الليل أتى أفضل من توسم في ناحية العسكر فإذا فرس لهم لم ير في خيل القوم مثله فانتضى سيفه فقطع مقود الفرس ثم ضمه إلى مقود فرسه ثم حرك فرسه فخرج يعدو ونذر به الرجل والقوم فركبوا الصعب والذلول وخرجوا في طلبه فلحقه فارس فعدل إليه طليحة فقصم ظهره بالرمح ثم لحق به آخر ففعل به مثل ذلك ثم لحق به آخر فكر عليه طليحة ودعاه إلى الأسار فاستأسر فجاء به إلى سعد فأخبره الخبر فقال للأسير‏:‏ تكلم فقال‏:‏ قد باشرت الحروب وغشيتها وسمعت بالأبطال ولقيتها ما رأيت ولا سمعت بمثل هذا أن رجلًا قطع عسكرين لا يجترىء عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفًا فلم يرض أن يخرج حتى سلب فارس الجند وهتك أطناب بيته فطلبناه فأدركه الأول وهو فارس الناس يعدل بألف فارس فقتله ثم أدركه الثاني وهو نظيره فقتله ثم أدركته ولا أظنني خلفت بعدي من يعدلني فرأيت الموت فاستأسرت‏.‏

ثم أخبرهم بأن الجند عشرون ومائة ألف وأن الأتباع مثلهم خدام لهم وأسلم الرجل وسماه سعد مسلمًا وعاد إلى طليحة وقال‏:‏ واللّه لا يهزمون على ما أرى من الوفاء والصدق والإصلاح لا حاجة لي في صحبة فارس فكان من أهل البلاء يومئذ‏.‏

وقال سعد لقيس بن هبيرة‏:‏ أخرج حتى تأتيني بخبر القوم فخرج وسرح عمرو بن معدي كرب وطليحة فإذا خيل القوم فأنشب قيسٌ القتال وطاردهم فكانت هزيمتهم وأصاب منهم اثني عشر رجلاَ وثلاثة أسراء وأسلابًا فأتوا بالغنيمة سعدًا‏.‏

فلما أصبح رستم تقدم حتى انتهى إلى العتيق فتباسر حتى إذا كان بحيال قديس خندق خندقًا بحيال عسكر سعد وكان رستم منجمًا فكان يبكي مما يرى من أسباب تدل على غلبة المسلمين إياهم ومما رأى أن عمر دخل عسكر فارس ومعه ملك فختم على سلاحهم ثم حزمه ودفعه إلى عمر‏.‏

وكان مع رستم ثلاثة وثلاثون فيلَاَ في القلب ثمانية عشر وفي المجنبتين خمسة عشر فيلًا منها فيل سابور الأبيض وكان أعظم الفيلة‏.‏

فلما أصبح رستم من ليلته التي بات بها في العتيق ركب في خيله فنظر إلى المسلمين ثم صعد نحو القنطرة وحرز الناس وراسل زُهرة فخرج إليه وأراد أن يصالحهم وجعل يقول‏:‏ إنكم جيراننا وقد كانت طائفة منكم في سلطاننا فكنا نحسن جوارهم ونكف الأذى عنهم ونوليهم المرافق الكثيرة فنرعيهم مراعينا ونميرهم من بلادنا وإنما يريد بذلك الصلح ولا يصرح فقال زهرة‏:‏ ليس أمرنا أمر أولئك إنا لم نأتكم لطلب الدنيا إنما طلبنا الآخرة كنا نضرع إليكم فنطلب ما في أيديكم فبعث الله إلينا رسولًا فأجبناه إلى دين الحق‏.‏

فدعا رستم رجال أهل فارس فذكر لهم ذلك فأنفوا فقال‏:‏ أبعدكم اللّه فمال الرُّفَيل إلى زهرة فأسلم وأسلم‏.‏

وأرسل سعد إلى المغيرة بن شعبة وبسر بن أبي رهم وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن وربعي بن عامر وقرفة بن زاهر التيمي ومذعور بن عدي العجلي والمضارب بن يزيد العجلي ومعبد بن مرة العجلي وكان من دهاة العرب فقال‏:‏ إني مرسلكم إلى هؤلاء القوم فما عندكم‏.‏

قالوا جميعًا‏:‏ نتبع ما تأمرنا به وننتهي إليه فإذا جاء أمر لم يكن منك فيه شيء نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس فكلمناهم به‏.‏

فقال سعد‏:‏ هذا فعل الحَزَمة إذهبوا فتهيَّئوا‏.‏

فقال ربعي بن عامر‏:‏ إن الأعاجم لهم آراء وآداب متى ما نأتهم جميعًا يروا أنا قد احتفلنا لهم فلا تزيد على رجل فسرحوني‏.‏

فخرج ربعي ليدخل على رستم عسكره فاحتبسه الذين على القنطرة وأرسل إلى رستم بمجيئه فاستشار عظماء أهل فارس فقال‏:‏ ما ترون أنتهاون أم نباهي‏.‏

قالوا‏:‏ نباهي فأظهروا الزبرجد وبسطوا البسط والنمارق ووضع لرستم سرير ذهب عليه الوسائد المنسوجة بالذهب‏.‏

وأقبل ربعي وغمد سيفه لفافة ثوب خلق ورمحه معلوب بقِدّ معه حَجَفة من جلود البقر فجاء حتى جلس على الأرض وقال‏:‏ إنا لا نستحب القعود على زينتكم فكلمه وقال‏:‏ ما جاء بكم‏.‏

قال‏:‏ اللّه جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة اللّه من جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام فمن قبل ذلك قبلنا منه ومن أبى قاتلناه حتى نُفْضِيَ إلى موعود اللّه‏.‏

قال‏:‏ وما هو موعود اللهّ‏.‏

قال‏:‏ الجنة لمن مات على قتال من أبى والظَفَر لمن بقي‏.‏

فقال رستم‏:‏ هل لكم أن تؤخروا هذا الأمر لننظر فيه وتنظروا قال‏:‏ إنا لا نؤجل أكثر من ثلاث‏.‏

فخلص رستم برؤساء أهل فارس وقال‏:‏ ما ترون هل رأيتم قط كلامًا أوضح أما ترى إلى ثيابه فقال‏:‏ ويحكم لا تنظرون إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب‏.‏

فرجع ربعي إلى أن ينظروا في الأجل فلما كان في الغد بعثوا أن ابعث إلينا ذلك الرجل فبعث إليهم سعد حذيفة بن محصن فلما جاء إلى البساط قالوا‏:‏ انزل قال‏:‏ ذاك لو جئتكم في حاجتي الحاجة لكم لا لي فجاء حتى وقف ورستم على سريره فقال له‏:‏ انزل قال‏:‏ لا أفعل فقال‏:‏ ما بالك ولم يجيء صاحبنا بالأمس‏.‏

قال‏:‏ أميرنا يحب أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء وهذه نوبتي فتكلم بنحو ما تكلم به ربعي ورجع‏.‏

فلما كان من الغد أرسلوا‏:‏ ابعث لنا رجلًا فبعث إليهم المغيرة بن شعبة فجاء حتى جلس مع رستم على سريره فترتروه وأنزلوه ومغثوه فقال‏:‏ كانت تبلغنا عنكمِ الأحلام ولا أرى قومًا أسفه منكم إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاَ فظننت أنكَم تواسون قومكم كما نتواسى وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض فقال رستم‏:‏ لم نزل متمكنين من الأرض والبلاد ظاهرين على الأعداء ننصر على الناس ولا ينصرون علينا ولم يكن في الناس أمة أصغر عندنا أمرًا منكم ولا نراكم شيئًا ولا نعدكم وكنتم إذا قحطت أرضكم استعنتم بأرضنا فنأمر لكم بالشيء من التمر والشعير ثم نردكم وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما أصابكم من الجهد في بلادكم فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم وآمر لكل رجل منكم بوقرتي تمر وثوبين وتنصرفون عنا فإني لست أشتهي أن أقتلكم ولا آسركم‏.‏

فتكلم المغيرة فحمد اللهّ وأثنى عليه وقال‏:‏ لسنا ننكر ما وصفت به نفسك وأهل بلادك من التمكن في البلاد وسوء حالنا غير أن الأمر غير ما تذهبون إليه إن اللّه تعالى بعث فينا رسولًا فذكر نحو كلام ربعي إلى أن قال‏:‏ فكن لنا عبدًا تؤدي الجزية وأنت صاغر وإلا السيف إن أبيت فنخر نخرة واستشاط غضبًا ثم حلف بالشمس‏:‏ لا يِّرتفع الضحى غدًا حتى أقتلكم أجمعين‏.‏

فانصرف المغيرة وخلص رستم بأشراف فارس فقال‏:‏ إني أرى للّه فيكم نقمة لا تستطيعون ردها عن أنفسكم ثم قال رستم للمسلمين‏:‏ أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم‏.‏

فقالوا‏:‏ لا بل أعبر إلينا فأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم فأراد المشركون العبور على القنطرة فأرسل إليهم سعد ولا كرامة متى قد غلبناكم عليها لن نردها عليكم تكلفوا معبرًا غير القناطر فباتوا يسكرون العتيق والقصب حتى الصباح بأمتعتهم فجعلوه طريقًا"‏.‏

وفي كتاب "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري ورد:

" ففي أول يوم من المحرم سنة أربع عشرة - فيما كتب إلى به السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد يإسنادهم - خرج عمر حتى نزل على ماء يدعى صراراً، فعسكر به ولا يدري الناس ما يريد ؛ أيسير أم يقيم. وكانوا إذا ارادوا أن يسألوه عن شئ رموه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف ؛ وكان عثمان يدعى في إمارة عمر رديفاً - قالوا: والرديف بلسان العرب الرجل الذي بعد الرجل، والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد رئيسهم - وكانوا إذا لم يقدر هذان على علم شئ مما يريدون، ثلثوا بالعباس، فقال عثمان لعمر: ما بلغك؟ ما الذي تريد؟ فنادى: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس إليه، فأخبرهم الخبر. ثم نظر ما يقول الناس، فقال العامة: سر وسر بنا معك ؛ فدخل معهم في رأيهم، وكره أن يدعهم حتى يخرجهم منه في رفق، فقال: استعدوا وأعدوا فإني سائر إلا أن يجئ رأى هو أمثل من ذلك . ثم بعث إلى أهل الرأى، فاجتمع إليه وجوه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأعلام العرب، فقال: أحضروني الرأي فإني سائر. فاجتمعوا جميعاً، وأجمع ملؤهم على أن يبعث رجلاً من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم ويقيم، ويرميه بالجنود، فإن كان الذي يشتهي من الفتح، فهو الذي يريد ويريدون ؛ وإلا أعاد رجلاً وندب جنداً آخر ؛ وفي ذلك ما يغيظ العدو، ويرعوى المسلمون، ويجئ نصر الله بإنجاز موعود الله. فنادى عمر: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس إليه، وأرسل إلى على عليه السلام، وقد استخلفه على المدينة، فأتاه، وإلى طلحة وقد بعثه على المقدمة، فرجع إليه، وجعل على المجنبتين الزبير وعبد الرحمن بن عوف، فقام الناس فقال: إن الله عز وجل قد جمع على الإسلام أهله؛ فألف بين القلوب، وجعلهم فيه إخواناً، والمسلمون فيما بينهم كالجسد لا يخلو منه شئ من شئ أصاب غيره ؛ وكذلك يحق على المسلمين أن يكونوا أمرهم شورى بينهم وبين ذوى الرأى منهم؛ فالناس تبع لمن قام بهذا الأمر ؛ ما اجتمعوا عليه ورضوا به لزم الناس وكانوا فيه تبعاً لهم، ومن أقام بهذا الأمر تبع لأولى رأيهم ما رأوا لهم ورضوا به لهم من مكيدة في حرب كانوا فيه تبعاً لهم. بأيها الناس، إني إنما كنت كرجل منكم حتى صرفني ذوو الرأي منكم عن الخروج، فقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلاً، وقد أحضرت هذا الأمر ؛ من قدمت ومن خلفت. وكان على عليه السلام خليفته على المدينة، وطلحة على مقدمته بالأعوص ؛ فأحضرهما ذلك.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن عمر بن عبد العزيز، قال: لما انتهى قتل أبي عبيد ابن مسعود إلى عمر، واجتماع أهل فارس على رجل من آل كسرى، ونادى في المهاجرين والأنصار ؛ وخرج حتى أتى صراراً، وقدم طلحة بن عبيد الله حتى بأتي الأعوص، وسمى لميمنته عبد الرحمن بن عوف، ولميسرته الزبير بن العوام، واستخلف علياً رضى الله عنه على المدينة، واستشار الناس، فكلهم أشار عليه بالسير إلى فارس، ولم يكن استشار في الذي كان حتى نزل بصرار ورجع طلحة، فاستشار ذوى الرأي فكان طلحة ممن تابع الناس، وكان عبد الرحمن ممن نهاه، فقال عبد الرحمن: فما فديت أحداً بأبي وأمي بعد النبي صل الله عليه وسلم قبل يومئذ ولا بعده ؛ فقلت: يا بأبي وأمي، اجعل عجزها بي وأقم وابعث جنداً، فقد رأيت قضاء الله لك في جنودك قبل وبعد، فإنه إن يهزم جيشك ليس كهزيمتك ؛ وإنك إن تقتل أو تهزم في أنف الأمر خشيت ألا يكبر المسلمون وألا يشهدوا أن لا إله إلا الله أبداً وهو في ارتياد من رجل ؛ وأتى كتاب سعد علىحفف كشورتهم ؛ وهو على بعض صدقات نجد، فقال عمر: فأشيروا على برجل، فقال عبد الرحمن: وجدته، قال: من هو ؟ قال: الأسد في براثنه ؛ سعد بن مالك ؛ ومالأه أولو الرأى.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن خليد بن ذفرة ، عن أبيه، قال: كتب المثنى إلى عمر بإجتماع فارس على يزد جرد وببعوثهم، وبحال أهل الذمة. فكتب إليه عمر ؛ أن تنح إلى البر، وادع من يليك، وأقم منهم قريباً على حدود أرضك وأرضهم ؛ حتى يأتيك أمري.وعاجلتهم الأعاجم فزاحفتهم الزحوف ، وثار بهم أهل الذمة ؛ فخرج المثنى بالناس حتى ينزل الطف، ففرقهم فيه من أوله إلى آخره، فأقام ما بين غضى إلى القططقانة مسالحه، وعادت مسالح كسرى وثغوره، واستقر أمر فارس وهم في ذلك هائبون مشفقون، والمسلمون متدفقون قد ضروابهم كالأسد ينازع فريسته ثم يعادود الكر ؛ وأمراؤهم يكفكفونهم بكتاب عمر وأمداد المسلمين.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب بن ابراهيم، عن سيف بن عمر، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، قال: قد كان أبو بكر استعمل سعداً على صدقات هوازن بنجد، فأقره عمر، وكتب إليه فيمن كتب إليه من العمال حين استنفر الناس أن ينتخب أهل الخيل والسلاح ممن له رأى ونجدة. فرجع إليه كتاب سعد بمن جمع الله له من ذلك الضرب ؛ فوافق عمر وقد استشارهم في رجل، فشاروا عليه به عند ذكره.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة بإسنادهما، قالا: كان سعد بن أبي وقاص على صدقات هوزان، فكتب إليه عمر فيمن كتب غليه بانتخاب ذوى الرأى والنجدة ممن كان له سلاح أو فرس، فجاءه كتاب سعد: إني قد انتخبت لك ألف فارس مؤذ كلهم له نجدة ورأى، وصاحب حيطة يحوط حريم قومه، ويمنع ذمارهم، إليهم انتهت أحسابهم ورأيهم، فشأنك بهم. ووافق كتابه مشورتهم، فقالوا: قد وجدته، قال: فمن؟ قالوا: الأسد عادياً، قال: من؟ قالوا: سعد، فانتهى إلى قولهم فأرسل إليه، فقدم عليه، فأمره على حرب العراق وأوصاه. فقال: يا سعد، سعد بنى وهيب ؛ لا يغرنك من الله أن عز وجل لا يمحو السيئ ؛ ولكنه يمحو السيئ بالحسن ؛ فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته ؛ فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء ؛ الله ربهم وهم عباده، يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عنده بالطاعة. فانظر الأمر الذي رأيت النبي صل الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا فالزمة فإنه الأمر. هذه عظتى إياك إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك ؛ وكنت من الخاسرين.

ولما أراد أن يسرحه دعاه، فقال: إني قد وليتك حرب العراق فاحفظ وصيتى فإنك تقدم على أمر شديد كريه لا يخلص منه إلا الحق، فعود نفسك ومن معك الخير، واستفتح به. واعلم أن لكل عادة عتاداً، فعتاد الخير الصبر ؛ فالصبر على ما أصابك أو نابك ؛ يجتمع لك خشية الله. واعلم أن خشية الله تجتمع في أمرين: في طاعته واجتناب معصيته ؛ وإنما أطاعه من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة، وعصاه من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة ؛ وللقلوب حقائق ينشئها الله إنشاء ؛ منها السر، ومنها العلانية ؛ فأما العلانية فأن يكون حامده وذامه في الحق سواء، وأما السر فيعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه، وبمحبة الناس ؛ فلا تزهد في التحبب فإن النبيين قد سألوا محبتهم ؛ وإن الله إذا أحب عبداً حببه ؛ وإذا أبغض عبداً بغضه. فاعتبر منزلتك عند الله تعالى بمنزلتك عند الناس، ممن بشرع معك في أمرك. ثم سرحه فيمن اجتمع إليه بالمدينة من نفير المسلمين. فخرج سعد بن أبي وقاص من المدينة قاصداً العراق في أربعة آلاف ؛ ثلاثة ممن قدم عليه من اليمن والسراة ؛ وعلى أهل السروات حميضة بن النعمان بن حميضة البارقى ؛ وهم بارق وألمع وغامد وسائر إخوانهم ؛ وفي سبعمائة من أهل السراة، وأهل اليمن ألفان وثلاثمائة ؛ منهم النخع بن عمرو، وجميعهم يومئذ أربعة آلاف ؛ مقاتلهم وذرارتهم ونساؤهم ؛ وأتاهم عمر في عسكرهم ؛ فأرادهم جميعاً على العراق، فأبوا إلا الشأم، وأبى إلا العراق، فسمح نصفهم فأمضاهم نحو العراق، وأمضى النصف الآخر نحو الشأم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن حنش النخعي، عن أبيه وغيره منهم، أن عمر أتاهم في عسكرهم ؛ فقال: إن الشرف فيكم يا معشر النخع لمتربع ، سيروا مع سعد. فنزعوا إلى الشأم، وأبى إلا العراق، وأبوا إلا الشأم؛ فسرح نصفهم إلى الشأم ؛ فسرح نصفهم إلى الشأم ونصفهم إلى العراق.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمستنير وحنش؛ قالوا: وكان فيهم من حضرموت والصدف ستمائة ؛ عليهم شداد بن ضمعج، وكان فيهم ألف وثلثمائة من مذحج، على ثلاثة رؤساء: عمرو بن معد يكرب على بني منبه، وأبو سبرة بن ذؤيب على جعفى ومن في حلف جعفى من إخوة جزء وزبيد وأنس الله ومن لفهم، ويزيد بن الحارث الصدائي على صداء وجنب ومسلية في ثلثمائة ؛ هؤلاء شهدوا من مذحج فيمن خرج من المدينة مخرج سعد منها، وخرج معه من قيس عيلان ألف بشر بن عبد الله الهلالي.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عبيدة، عن ابراهيم، قال: خرج أهل القادسية من المدينة، وكانوا أربعة آلاف ؛ ثلاثة آلاف منهم من أهل اليمن وألف من سائر الناس.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وسهل، عن القاسم، قالوا: وشيعهم عمر من صرار إلى الأعوص، ثم قام في الناس خطيباً، فقال: إن الله تعالى إنما ضرب لكم الأمثال، وصرف لكم القول، ليحيى به القلوب ؛ فإن القلوب ميتة في صدورها حتى يحييها الله؛ من علم شيئاً فلينتفع به ؛ وإن للعدل أمارات وتباشير ؛ فأما الأمارات فالحياء والسخاء والهين واللين، وأما التباشير فالرحمة وقد جعل الله لكل أمر باباً ويسر لكل باب مفتاحاً، فباب العدل الإعتبار ومفتاحه الزهد. والإعتبار. ذكر الموت بتذكر الأموات، والإستعداد له بتقديم الأعمال، والزهد أخذ الحق من كل أحد قبله حق، وتأديه الحق إلى كل أحد له حق. ولا تصانع في ذلك أحداً، واكتف بما يكفيك من الكفاف ؛ فإن من لم يكفه الكفاف لم يغنه شئ. إني بينكم وبين الله ؛ وليس بيني وبينه أحد ؛ وإن الله قد ألزمني دفع الدعاء عنه، فأنهوا شكاتكم إلينا ؛ فمن لم يستطع فإلى من يبلغناها نأخذ له الحق غير متعتع. وأمر سعداً بالسير، وقال: إذا انتهت إلى زرود فانزل بها ؛ وتفرقوا فيما حولها، واندب من حولك منهم، وانتخب أهل النجدة والرأى والقوة والعدة.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن سوقة، عن رجل، قال: مرت السكون مع أول كندة مع حصين بن نمير السكوني ومعاوية بن حديج في أربعمائة ؛ فاعترضهم ؛ فإذا فيهم فتية دلم سباط مع معاوية بن حديج، فأعرض عنهم، ثم أعرض، ثم أعرض ؛ حتى قبل له: مالك ولهؤلاء! قال: إني عنهم لمتردد، وما مر بي قوم من العرب أكره إلى منهم. ثم أمضاهم، فكان بعد يكثر أن يتذكرهم بالكراهية، وتعجب الناس من رأى عمر. وكان منهم رجل يقال له سودان بن حمران، قتل عثمان بن عفان رضى الله عنه ؛ وإذا منهم حليف لهم يقال له خالد بن ملجم ، قتل علي بن أبي طالب رحمه الله ؛ وإذا منهم معاوية بن حديج ؛ فنهض في قوم منهم يتبع قتلة عثمان يقتلهم ؛ وإذا منهم قوم يقرون قتلة عثمان.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، عن ماهان، وزياد بإسناده، قالوا: وأمد عمر سعداً بعد خروجه بألفى يماني وألفى نجدي مؤد من غطفان وسائر قيس، فقدم سعد زرود في أول الشتاء، فنزلها وتفرقت الجنود فيما حولها من أمواه بني تميم وأسد، وانتظر اجتماع الناس، وأمر عمر، وانتخب من بني تميم والرباب أربعة آلاف ؛ ثلاثة آلاف تميمي وألف ربي ؛ وانتخب من بني أسد ثلاثة آلاف ، وأمرهم أن ينزلوا على حد أرضهم بين الحزن والبسيطة، فأقاموا هنالك بين سعد بن أبي وقاص وبين المثنى بن حارثة، وكان المثنى في ثمانية آلاف ؛ من ربيعة ستة آلاف من بكر بن وائل، وألفان من سائر ربيعة أربعة آلاف ممن كان النحت بعد فصول خالد زأربعة آلاف كانوا معه ممن بقي يوم الجسر وكان معه من أهل اليمن ألفان من بحيلة، وألفان من قضاعة وطيئ ممن النتخبوا إلى ما كان قبل ذلك ، على طيئ عدي بن حاتم، وعلى قضاعة عمرو بن وبرة، وعلى بجيلة جرير بن عبد الله، فبينا الناس لذلك سند يرجو أن عليه عليه المثنى، والمثى يرجو أن يقدم عليه سعد، مات المثنى من جراحته التي كان جرحها يوم الجسر، انتفضت به؛ فاستخلف المثنى على الناس بشير بن الخصاصية، وسعد يومئذ بزرود، ومع بشير يومئذ وجوه أهل العراق، ومع سعد وفود أهل العراق الذين كانوا قدموا على عمر، منهم فرات بن حيان العجلي وعتيبة، فردهم مع سعد.

كتب إلى السسرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بإسناده، وزياد عن ماهان، قالا: فمن أجل ذلك اختلف الناس في عدد أهل القادسية، فمن قال: اربعة آلاف فلمخرجهم مع سعد من المدينة، ومن قال: ثمانية آلاف فلاجتماعهم يزرود، ومن قال: تسعة آلاف فللحاق القيسيين، ومن قال: اثنا عشر ألفاً فلدفوف بني أسد من فروع الحزن بثلاثة آلاف. وأمر سعداً بالإقدام، فأقام ونهض إلى العراق وجموع الناس بشراف، وقدم عليه مع قومه شراف الأشعث بن قيس في ألف وسبعمائة من أهل ؛ فجميع من شهد القادسية بضعة وثلاثون ألفاً، وجميع من قسم عليه فئ القادسية نحو من ثلاثين ألفاً.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الملك بن عمير، عن زياد، عن جرير، قال: كان أهل اليمن ينزعون إلى الشأم ؛ وكانت مضر تنزع إلى العراق، فقال عمر: أرحامكم أرسخ من أرحامنا! ما بال مضر لا تذكر أسلافها من أهل الشأم! كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي سعد بن المرزبان، عمن حدثه، عن محمد بن حذيفة بن اليمان، قال: لم يكن أحد من العرب أجرأ على فارس من ربيعة، فكان المسلمون يسمونهم ربيعة الأسد إلى ربيعة الفرس، وكانت العرب في جاهليتها تسمى فارس الأسد ولاروم الأسد.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن ماهان، قال: قال عمر: والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب ؛ فلم يدع رئيساً، ولا ذا رأي، ولا ذا شرف، ولا ذا سطة ولا خطيباً ؛ ولا شاعراً ؛ إلا رماهم به، فرماهم بوجوه الناس وغررهم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قال: كان عمر قد كتب إلى سعد مرتحله من زرود؛ أن ابعث إلى فرج الهند رجلاً ترضاه يكون بحياله، ويكون ردءاً لك من شئ إن أتاك من تلك التخوم ؛ فبعث المغيرة بن شعبة في خمسمائة ؛ فكان بحيال الأبلة من أرض العرب ؛ فأتى غضياً، ونزل على جرير ؛ وهو فيما هنالك يومئذ. فلما نزل سعد بشراف، كتب إلى عمر بمنزله وبمنازل الناس فيما بين غضى إلى الجبانة، فكتب إليه عمر: إذا جاءك كتابي هذا فعشر الناس وعرف عليهم، وأمر على أجنادهم، وعبهم، ومرو رؤساء المسلمين فليشهدوا، وقدر هم وهم شهود ؛ ثم وجههم إلى اصحابهم، وواعدهم القادسية ؛ واضمم إليك المغيرة بن شعبة في خيلة ؛ والتب إلى بالذي يستقر عليه أمرهم.

فبعث سعد إلى المغيرة ؛ فانضم إليه وغلى رؤساء القبائل، فأتوه، فقدر الناس وعباهم بشراف، وأمر أمراء الأجناد، وعرف العرفاء ؛ فعرف على كل عشرة رجلاً، كما كانت العرافات أزمان النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كانت إلى أن فرض العطاء، وأمر على الرايات رجالاً من أهل السابقة، وعشر الناس، وأمر على الأعشار رجالاً من الناس لهم وسائل في الإسلام، وولى الحروب رجالاً، فولى على مقدماتها ومجنباتها وساقتها ومجرداتها وطلائعها ورجلها وركبانها، فلم بفصل إلا على تعبية، ولم بفصل منها إلا بكتاب عمر وإذنه ؛ فأما أمراء التعبية، فاستعمل زهرة بن عبد الله بن قتادة بن الحوية بن مرثد بن معاوية بن معن بن مالك بن أرثم بن جشم بن الحارث الأعرج ؛ وكان ملك هجر قد سوده في الجاهلية، ووفده على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقدمه، ففصل بالمقدمات بعد الإذن من شراف ؛ حتى انتهى إلى العذيب، واستعمل على الميمنة عبد الله بن المعتم، وكان من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم ، فتممهم طلحة بن عبيد الله عشرة ؛ فكانوا عرافة، واستعمل على الميسرة شرحبيل بن السمط بن شرحبيل الكندي - وكان غلاماً شاباً، وكان قد قاتل أهل الردة، ووفى الله ، فعرف ذلك له، وكان قد غلب الأشعث على الشرف فيما بين المدينة ؛ إلى أن اختلطت الكوفة وكان أبوه ممن تقدم إلى الشأم مع أبي عبيدة بن الجراح - وجعل خليفة خالد أبن عرفطة، وجعل عاصم بن عمرو التيمي ثم العمري على الساقة، وسواد بن مالك التيمي على الطلائع، وسلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة، وعلى الرجل حمال بن مالك الأسدي، وعلى الركبان عبد الله بن ذي السهمين الخثعمي، فكان أمراء التعبية يلون الأمير، والذين يلون أمراء الأعشار، والذين يلون أمراء الأعشار أصحاب الرايات، والذين يلون أصحاب الرايات والقواد رءوس القبائل وقالوا جميعاً: لا يستعين أبو بكر في الردة ولا على الأعاجم بمرتد، واستنفرهم عمر ولم يول منهم أحداً.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد وعمرو بإسنادهم، وسعيد بن المرزبان، قالوا: بعث عمر الأطبة، وجعل على قضاء الناس عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي ذا النور، وجعل إليه الأقباص وقسمة الفئ، وجعل داعيتهم ورائدهم سلمان الفارسي.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عمرو، عن أبي عثمان النهدي ؛ قال : والترجمان هلال الهجري والكاتب زياد بن أبي سفيان. فملا فرغ سعد من تعبيته، وعد لكل شئ من أمره جماعاً ورأساً، كتب بذلك إلى عمر، وكان من أمر سعد فيما بين كتابه إلى عمر بالذي جمع عليه الناس وبين رجوع جوابه ورحله من شراف إلى القادسية قدوم المعنى بن حارثة وسلمى بنت خصفة التيمية ؛ تيم اللات، إلى سعد بوصية المثنى، وكان قد أوصى بها، وأمرهم أن يعجلوها على سعة بزرود، فلم يفرغوا لذلك وشغلهم عنه قابوس بن قابوس بن المنذر ؛ وذلك أن الآزاذمرد بن الآزاذبه بعثه إلى القادسية، وقال له : ادع العرب، فأنت على من أجابك، وكن كما كان آباؤك . فنزل القادسية، وكاتب بكر بن وائل بمثل ما كان النعمان يكاتبهم به مقاربة ووعيداً . فملا انتهى إلى المعنى خبره، اسرى المعنى من ذي قار حتى بيته، فأنامه ومن معه، ثم رجع إلى ذي قار، وخرج منها هو وسلمى إلى سعد بوصية المثنى بن حارثة ورأيه، فقدموا عليه وهو بشراف، يذكر فيها أن رأيه لسعد ألا يقاتل عدوه وعدوهم - يعني المسلمين - ومن أهل فارس ؛ إذا استجمع أمرهم وملؤهم في عقر دارهم، وأن يقاتلهم على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب وأدنى مدرة من أرض العجم ؛ فإن يظهر الله المسلمين عليهم فلهم ما وراءهم ؛ وإن تكن الأخرى فاءوا إلى فئة، ثم يكونوا أعلم بسبيلهم، وأجرأ على أرضهم ؛ إلى أن يرد الله الكرة عليهم.

فلما انتهى إلى سعد رأى المثنى ووصيته ترحم عليه، وأمر المعنى على عمله، وأوصى بأهل بيته خيراً، وخطب سلمى فتزوجها وبنى بها ؛ وكان في الأعشار كلها بضعة وسبعون بدرياُ، وثلثمائة وبضعة عشر ممن كانت له صحبة، فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك، وثلثمائة ممن شهد الفتح، وسبعمائة من أبناء الصحابة، في جميع أحياء العرب. وقدم على سعد وهو بشراف كتاب عمر بمثل رأى المثنى ؛ وقد كتب إلى أبي عبيدة مع كتاب سعد ؛ ففصل كتاباهما إليهما، فأمر أبا عبيدة في كتابه بصرف أهل العراق وهم ستة آلاف، ومن اشتهى أن يلحق بهم ؛ وكان كتابه إلى سعد: أما بعد، فسر من شراف نحو فارس بمن معك من المسلمين ؛ وتوكل على الله، واستعن به على أمرك كله ؛ واعلم فيما لديك أنك تقدم على أمة عددهم كثير، وعدتهم فاضلة، وبأسهم شديد، وعلى بلد منيع - وإن كان سهلا - كؤود لبحوره وفيوضه ودآدئه ؛ إلا أن توافقوا غيضاً من فيض، وإذا لقيم القوم أو أحد منهم فابدءوهم الشدة والضرب ، وإياكم والمناظرة لجموعهم ولا يخدعنكم ؛ فإنهم خدعة مكرة ؛ أمرهم غير أمركم ؛ إلا أن تجادوهم، وإذا انتهت إلى القادسية - والقادسية باب فارس في الجاهلية، وهي أجمع تلك الأبواب لما دتهم، ولما يريدونه من تلك الآصل ؛ وهو منزل رغيب خصيب حصين دونه قناطر، وأنهار ممتنعة - فتكون مسالحك على أنقابها ، ويكون الناس بين الحجر والمدر علىحافات الحجر وحافات المدر، والجزاع بينهما ؛ ثم الزم مكانك فلا تبرحه ؛ فإنهم إذا أحسوك أنغضتهم ورموك بجمعهم الذي يأتي على خيلهم ورجلهم وحدهم وجدهم ؛ فإن أنتم صبرتم لعدوكم واحتسبتم لقتاله ونويتم الأمانة؛ رجوت أن تنصروا عليهم ؛ ثم لا يجتمع لكم مثلهم أبداً إلا أن يجتمعوا وليست معهم قلوبهم، وإن تكن الأخرى كان الحجر في أدباركم ؛ فانصرفتم من أدنى مدرة من أرضهم إلى أدنى حجر من أرضكم ؛ ثم كنتم عليها أجرأ وبها أعلم، وكانوا عنها أجبن وبها أجهل ؛ حتى يأتى الله بالفتح عليهم، ويرد لكم الكرة.

وكتب إليه أيضاً باليوم الذي يرتحل فيه من شراف: فإذا كان يوم كذا وكذا فارتحل بالناس حتى تنزل فيما بين عذيب الهجانات وعذيب القوادس، وشرق بالناس وغرب بهم.

ثم قدم عليه كتاب جواب عمر: أما بعد، فتعاهد قبلك، وحادث جندك بالموعظة والنية والحسبة، ومن غفل فليحدثهما ؛ والصبر الصبر ؛ فإن المعونة تأتى من الله على قدر النية ؛ والأحر على قدر الحسنة. والحذر الحذر على من أنت عليه وما أنت بسبيله، واسألوا الله العافية، وأكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله ، واكتب إلى أين بلغك جمعهم، ومن رأسهم الذي يلي مصادمتكم ؛ فإنه قد منعني من بعض ما أردت الكتاب به قلة علمي بما هجمتم عليه، والذي استقر عليه أمر عدوكم ؛ فصف لنا منازل المسلمين، والبلد الذي بينكم وبين المدائن صفة كأنى أنظر إليها، واجعلني من أمركم على الجلية، وخف الله وارجه، ولا تدل بشئ .واعلم أن الله قد وعدكم. وتوكل لهذا الأمر بما لا خلف له ؛ فاحذر أن تصرفه عنك، ويستندل بكم غيركم.

فكتب إليه سعد بصفة البلدان: إن القادسية بين الخندق والعتيق، وإن ما عن يسار القادسية بحر أخضر في جوف لاح إلى الحيرة بين طريقين ؛ فأما أحدهما فعلى الظهر، وأما الآخر فعلى شاطئ نهر يدعى الحضوض ؛ يطلع بمن سلكه على ما بين الخورنق والحيرة ؛ وما عن يمين القادسية إلى الولجة فيض من فيوض مياههم. وإن جميع من صالح المسلمين من أهل السواد قبلى ألب لأهل فارس قد خفوا لهم، واستعدوا لنا . وإن الذي أعدوا لمصادمتنا رستم في أمثال منهم ؛ فهم يحاولون إنغاضنا وإقحامنا ؛ ونحن نحاول إنغاضهم وإبرازهم ؛ وأمر الله بعد ماض؛ وقضاؤه مسلم إلى ما قدر لنا وعلينا ؛ فنسأل الله خير القضاء، وخير القدر في عافية.

فكتب إليه عمر: قد جاءني كتابك وفهمته، فأقم بمكانك حتى ينغض الله لك عدوك ؛ واعلم أن لها ما بعدها، فإن منحك الله أدبارهم فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن ؛ فإنه خرابها إن شاء الله.

وجعل عمر يدعو لسعد خاصة، ويدعون له معه، وللمسلمين عامة، فقدم زهرة سعد حتى عسكر بعذيب الهجانات، ثم خرج في أثره حتى ينزل على زهرة بعذيب الهاجنات، وقدمه، فنزل زهرة القادسية بين العتيق والخندق بحيال القنظرة ؛ وقديس يومئذ أسفل منها بميل.

كتب إلىالسرى، عن شعيب، عن سيف، عن القعقاع بإسناده، قال:وكتب عمر إلى سعد: إني قد أقى في روعى أنكم إذا لقيم العدو هزكتمزهم، فاطرحوا الشك، وآثروا التقية عليه؛ فإن لاعب أحد منكم أحداً من العجم بأمان أو قرفة بإشارة أو بلسان، فكان لا يدري الأعجمي ما كلمه به، وكان عندهم أماناً ؛ فأجروا ذلك له مجرى الأمان. وإياكم والضحك ؛ والوفاء الوفاء! فإن الخطأ بالوفاء بقية وإن الخطأ بالغدر الهلكة، وفيها وهنكم وقوة عدوكم، وذهاب ريحكم، وإقبال ريحكم. واعلموا أنى أحذركم أن تكونوا شيئاً على المسلمين وسبباً لتوهينهم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن مسلم العكلى والمقدام بن أبي المقدام، عن أبيه، عن كرب بن أبي كرب العكلى - وكان في المقدمات أيام القادسية - قال: قدمنا سعد من شراف، فنزلنا بعذيب الهجانات ثم ارتحل ؛ فلما نزل علينا بعذيب الهاجانات وذلك في وجه الصبح خرج زهرة بن الحوية في المقامات، فلما رفع لنا العذيب - وكان من مسالحهم - استبناً على بروجه ناساً، فما نشاء أن نرى على برج من بروجه رجلاً أو بين شرفتين إلا رأيناه، وكنا في سرعان الخيل ، فأمسكنا حتى تلاحق بنا كثف ونحن نرى أن فيها خيلاً، ثم أقدمنا على العذيب، فلما دنونا منه، خرج رجل يركض نحو القادسية، فانتهينا إليه، فدخلناه فإذا ليس فيه أحد ؛ وإذا ذلك الرجل هو الذي كان يتراءى لنا على البروج وهو بين الشرف مكيدة، ثم انطلق بخبرنا، فطلبناه فأعجزنا، وسمع بذلك زهرة فاتبعنا، فلحق بنا وخلفنا واتبعه. وقال: إن أفلت الربئ أتاهم الخبر. فلحقه بالخندق فطعنه فجد له فيه، وكان أهل القادسية يتعجبون من شجاعة ذلك الرجل، ومن علمه بالحرب، لم يلحق به، ولم يصبه زهرة، ووجد المسلمون في العذيب رماحاً ونشاباً وأسفاطاً من جلود وغيرها، انتفع بها المسلمون. ثم بث الغازات، وسرحهم في جوف الليل، وأمرهم بالغارة على الحيرة، وأمر عليهم بكير بن عبد الله الليثي - وكان فيها الشماخ الشاعر القيسي في ثلاثين معروفين بالنجدة والبأس - فسروا حتى جازوا السيلحين، وقطعوا جسرها يريدون الحيرة، فسمعوا جلبة وأزفلة، فأحجموا عن الإقدام، وأٌاموا كميناً حتى يتبينوا، فما زالوا كذلك حتى جازوا بهم، فإذا خيول تقدم تلك الغوغاء، فتركوها فنفذت الطريق إلى الصنين، وإذا هم لم يشعروا بهم ؛ وإنما ينتظرون ذلك العين لا يريدنهم، ولا يأبهون لهم، إنما همتهم الصنين ؛ وإذا أخت آزاذ مردبن آزاذبه مرزبان الحيرة تزف إلى صاحب الصنين - وكان من أشرف العجم - فسار معها من يبلغها مخافة ما هو دون الذي لقوا ؛ فلما انقطعت الخيل عن الزواف، والمسلمون كمين في النخل، فقصم صلبه، وطارت الخيل على وجوهها، وأخذوا الأثقال وابنة آزاذبه في ثلاثين امرأة من الدهاقين ومائة من التوابع، ومعهم مالا يدري قيمته، ثم عاج واستاق ذلك، فصبح سعداً بعذيب الهجانات بما أفاء الله على المسلمين، فكبروا تكبيرة شديدة. فقال سعد: أقسم بالله لقد كبرتم تكبيرة قوم عرفت فيهم العز، فقسم ذلك سعد على المسلمين فالخمس نفله، وأعطى المجاهدين بقيته، فوقع منهم موقعاً، ووضع سعد بالعذيب خيلاً تحوط الحريم، وانضم إليها حاطة كل حريم، وأمر عليهم غالب بن عبد الله الليثي، ونزل سعد القادسية، فنزل بقديس، ونزل زهرة بحيال قنطرة العتيق في موضع القادسية اليوم ؛ وبعث بخبر سرية يكبر، وبنزوله قديساً، فأقام بها شهراً، ثم كتب إلى عمر: لم يوجه القوم غلينا أحداً، ولم يسندوا حرباً إلى أحد علمناه، ومتى ما يبلغنا ذلك نكتب به ؛ واستنصر الله، فإنا بمنحاة دنيا عريضة ؛ دونها بأس شديد ؛ قد تقدم إلينا في الدعاء إليهم، فقال: (ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:44 am

تابع .....
معركة القادسية

وبعث سعد في مقامه ذلك إلى أسفل الفرات عاصم بن عمرو فسار حتى أنى ميسان فطلب غنماً أو بقراً فلم يقدر عليها، وتحصن منه من في الأفدان، ووغلوا في الآجام، ووغل حتى أصاب رجلاً على طف أجمة، فسأله واستد له على البقر والغنم، فحلف له وقال: لا أعلم ؛ وإذا هو راعى ما في تلك الأجمة، فصاح منها ثور كذب والله وها نحن أولاء ؛ فدخل فاستاق الثيران وأتى بها العسكر، فقسم ذلك سعد على الناس فأخصبوا أياماً ؛ وبلغ ذلك الحجاج في زمانه، فأرسل إلى نفر ممن شهدها أحدهم نذير بن عمرو والوليد بن عبد شمس وزاهر، فسألهم فقالوا: نعم، نحن سمعنا ذلك، ورأيناه واستقناها، فقال: كذبتم! فقالوا: كذلك ؛ إن كنت شهدتها وغبنا عنها، فقال: صدقتم، فما كان الناس يقولون في ذلك ؟ قالوا: آية تبشير يستدل بها على رضا الله، وفتح عدونا ؛ فقال: والله ما يكون هذا إلا والجمع أبرار أتقياء، قالوا: والله ما ندري ما أجنت قلوبهم ؛ فأما ما رأينا فإنا لم نر قوماً قط أزهد في دنيا منهم، ولا أشد لها بغضاً؛ ما اعتد على رجل منهم في ذلك اليوم بواحدة من ثلاث ؛ لا بجبن ولا بغدر ولا بغلول ؛ وكان هذا اليوم يوم الأباقر ؛ وبث الغازات بين كسكر والأنبار، فحووا من الأطعمة ما كانوا يستكفون به زماناً، وبعث سعد عيوناً إلى أهل الحيرة وإلى صلوبا، ليعلموا له خبر أهل فارس ؛ فرجعوا إليه بالخبر ؛ بأن الملك قد ولى رستم بن الفرخزاذ الأزمنى حربه، وأمره بالعسكرة. فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: لا يكربنك ما يأتيك عنهم، ولا ما يأتونك به ؛ واستعن بالله وتوكل عليه، وابعث إليه رجالاً من أهل المنظرة والرأى والجلد يدعونه، فإن الله جاعل دعاءهم توهينا لهم، وفلجاً عليهم ؛ واكتب إلى كل يوم. ولما عسكر رستم بساباط كتبوا بذلك إلى عمر.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي ضمرة، عن بن سيرين، وإسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، قالا: لما بلغ سعداً فصول رسم إلى ساباط، أقام في عسكره لاجتماع الناس ؛ فأما إسماعيل فإنه قال: كتب إليه سعد أن رستم قد ضرب عسكره بساباط دون المدائن وزحف إلينا ؛ وأما أبو ضمرة فإنه قال: كتب إليه أن رستم قد عسكر بساباط، وزحف إلينا بالخيول والفيول وزهاء فارس، وليس شئ أهم إلى ولا أنا له أكثر ذكراً منى لما أحببت أن أكون عليه ؛ ونستعين بالله، ونتوكل عليه، وقد بعثت فلاناً وفلاناً وهم ما وصفت.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو والمجالد بإسنادهما، وسعيد بن المرزبان ؛ أن سعد بن أبي وقاص حين جاءه أمر عمر فيهم، جمع نفراً عليهم نجار، ولهم آراء، ونفراً لهم منظر ؛ وعليهم مهابة ولهم آراء ؛ فأما الذين عليهم نجار لهم آراء ولهم اجتهاد فالنعمان بن مقرن وبسر بن أبي رهم وحملة بن جوية الكناني وحنظلة بن الربيع التميمي وفرات بن حيان العجلي وعدي بن سهيل والمغيرة بن زرارة بن البناش بن حبيب ؛ وأمامن لهم منظر لأجسامهم ؛ وعليهم مهابة ولهم آراء ؛ فعطارد بن حاجب والأشعث بن قيس والحارث بن حسان وعاصم بن عمرو وعمرو بن معد يكرب والمغيرة بن شعبة والمعنى بن حارثة ؛ فبعثهم دعاة إلى الملك.

حدثني محمد بن عبد الله بن صفوان الثقفي، قال: حدثنا أمية بن خالد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن حصين بن عبد الرحمن، قال: قال أبو وائل: جاء سعد حتى نزل القادسية، ومعه الناس، قال: لا أدري لعلنا لا نزيد على سبعة آلاف أو نحو من ذلك، والمشركين ثلاثون ألفاً أو نحو ذلك: فقالوا لنا: لا يدى لكم ولا قوة ولا سلاح، ما جاء بكم؟ ارجعوا، قال: قلنا: لا نرجع؛ وما نحن براجعين، فكانوا يضحكون من نبلنا، ويقولون: دوك دوك ، ويشيهونها بالمغازل. قال: فلما أبينا عليهم أن نرجع، قالوا: ابعثوا إلينا رجلاً منكم، عاقلاً يبين لنا ما جاء بكم ؛ فقال المغيرة بن شعبة: أنا، فعبر إليهم، فقعد مع رستم على السرير، فنخروا وصاحوا، فقال: إن هذا لم يزدني رفعة، ولم ينقص صاحبكم، قال رستم: صدقت، ماجاء بكم؟ قال: إنا كنا قوماً في شر وضلالة ؛ فبعث الله فينا نبياً، فهدانا الله به ورزقنا على يديه ؛ فكان مما رزقنا حبة زعمت تنبت بهذا البلد ؛ فلما أكلناها وأطعمناها أهلينا قالوا: لا صبر لنا عن هذه، أنزلونا هذه الأرض حتى نأكل من هذه الحبة، فقال رستم: إذاً نقتلكم، فقال: إن قتلتمونا دخلنا الجنة، وإن قتلناكم دخلتم النار ؛ أو أديتم الجزية. قال: فلما قال: أديتم الجزية، نخروا وصالحوا، وقالوا: لا صلح بيننا وبينكم، فقال المغيرة: تعبرون غلينا أو نعبر إليكم؟ فقال رستم: بل نبد إليكم، فاستأخر المسلمون حتى عبر منهم من عبر، فحملوا عليهم فهزموهم.

قال حصين: فحدثني رجل منا يقال له عبيد بن جحش السلمى، قال: لقد رأيتنا وإنا لنطأ على ظهور الرجال، ما مسهم سلاح، قتل بعضهم بعضاً، ولقد رأينا أصبنا جراباً من كافور، فحسبناه ملحاً لا نشك أنه ملح ؛ فطبخنا لحماً، فجعلنا نلقه في القدر فلا نجد له طعماً، فمر بنا عبادي معه قميص فقال: يا معشر المعربين، لا تفسدوا طعامكم ؛ فإن ملح هذه الأرض لا خير فيه، هل لكم أن تأخذوا هذا القميص به؟ فأخذناه منه، وأعطيناه منا رجلاً يلبسه، فجعلنا نطيف به ونعجب منه، فلما عرفنا الثياب، إذا ثمن ذلك القميص درهمان. قال: ولقد رأيتني أقرب إلى رجل عليه سواران من ذهب، وسلاحه، فجاء فما كلمته حتى صربت عنقه.

قال: فانهزموا حتى انتهوا إلى الصراة ؛ فطلبناهم فانهزموا حتى انتهوا إلى المدائن ؛ فكان المسلمون بكوثى وكان مسلحة المشركين بدير المسلاخ، فأتاهم المسلمون فالتقوا، فهزم المشركون حتى نزلوا بشاطئ دجلة، فمنهم من عبر من كلواذى، ومنهم من عبر من أسفل المدائن، فحصروهم حتى ما يجدون طعاماً يأكلونه، إلا كلابهم وسنانيرهم. فخرجوا ليلاً، فلحقوا بجلولاء فأتاهم المسلمون ؛ وعلى مقدمة سعد هاشم بن عتبة، وموضع الوقعة التي ألحقهم منها فريد. قال أبو وائل: فبعث عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان على أهل الكوفة، ومجاشع بن مسعود على أهل البصرة.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، وطلحة عن المغيرة، قالوا: فخرجوا من العسكر حتى قدموا المدائن احتجاجاً ودعاة ليزدجرد، فطووا رستم، حتى انتهوا إلى باب يزدجرد، فوقفوا على خيول عروات، معهم جنائب، وكلها صهال، فاستأذنوا فحبسوا، وبعث يزدجرد إلى وزرائه ووجوه أرضه يستشيرهم فيما يصنع بهم، ويقوله لهم، وسمع بهم الناس فحضروهم ينظرون إليهم، وعليهم المقطعات والبرود، وفي أيديهم سياط دقاق، وفي أرجلهم النعال. فلما اجتمع رأيهم أذن لهم فأدخلوا عليه.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن بنت كيسان الضبية، عن بعض سبايا القادسية ممن حسن إسلامه، وحضر هذا اليوم الذي قدم فيه وفود العرب. قال: وثاب إليهم الناس ينظرون إليهم ؛ فلم أر عشرة قط يعدلون في الهيئة بألف غيرهم، وخيلهم تخبط ويوعد بعضها بعضاً. وجلع أهل فارس يسوءهم ما يرون من حالهم وحال خيلهم ؛ فلما دخلوا على يزدجرد أمرهم بالجلوس ؛ وكان سيئ الأدب، فكان أول شئ دار بينه وبينهم أن أمر الترجمان بينه وبينهم فقال: سلهم ما يسمون هذه الأردية؟ فسأل النعمان - وكان على الوفد: ما تسمى رداءك؟ قال: البرد، فتطير وقال بردجهان، وتغيرت ألوان فارس وشق ذلك عليهم. ثم قال: سلهم عن أحذيتهم، فقال: ما تسمون هذه الحذية؟ فقال: النعال، فعاد لمثلها، فقال: ناله ناله في أرضنا ، ثم سأله عن الذي في يده فقال: سوط، والسوط بالفارسية الحريق، فقال: أحرقوا فارس أحرقهم الله! وكان تطيره على أهل فارس، وكانوا يجدون من كلامه.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، بمثله وزاد: ثم قال الملك: سلهم ما جاء بكم؟ وما دعاكم إلى غزونا والولوع ببلادنا؟ أمن أجل أنا أجممناكم، وتشاغلنا عنكم، اجترأتم علينا! فقال لهم النعمان بن مقرن: إن شئتم أجبت عنكم ؛ ومن شاء آثرته. فقالوا: بل تكلم، وقالوا للملك: كلام هذا الرجل كلامنا. فتكلم النعمان، فقال: إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير ويأمرنا به، ويعرفنا الشر وينهانا عنه، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة ؛ فلم يدع إلى ذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين؛ فرقة تقاربه، وفرقة تباعده، ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص. فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث، ثم أمر أن ينبذ إلى من خالفه من العرب ؛ وبدأ بهم وفعل ؛ فدخلوا معه جميعاً على وجهين: مكروه عليه فاغتبط ؛ وطائع أتاه فازداد ؛ فعرفنا جميعاً فضل ما جاء به على الذي كما عليه من العداوة والضيق ؛ ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف ، فنحن ندعوكم إلى ديننا، وهو دين حسن الحسن وقبح القبيح كله، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء ؛ فإن أبيتم فالمناجزة، فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله، وأقمناكم عليه، على أن تحكموا بأحكامه، ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم ؛ وإن اتقيتمونا بالجزاء قبلنا ومنعناكم ؛ وإلا قاتلناكم.

قال: فتكلم يزدجرد، فقال: إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عدداً ولا أسوأ ذات بين منكم ؛ قد كنا نوكل بكم قرى الضواحى فيكفونناكم . لا تغزون فارس ولا تطعمون أن تقوموا لهم، فإن كان عدد لحق فلا يغرنكم منا، وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتاً إلى خصبكم ؛ وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم.

فأسكت القوم. فقام المغيرة بن زرارة بن النباش الأسيدى، فقال أيها الملك، إن هؤلاء رءوس العرب ووجوههم ؛ وهم أشراف يستحيون من الأشراف ؛ وإنما يكرم الأشراف الأشراف، ويعظم حقوق الأشراف الأشراف، ويفخم الأشراف الأشراف، وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك، ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك؛ فجاوبني لأكون الذي أبلغك، ويشهدون على ذلك ؛ إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالماً، فأنا ما ذكرت من سوء الحال، فما كان أسوأ حالاً منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات ؛ فنرى ذلك طعامنا. وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم ؛ ديننا أن يقتل بعضنا بعضاً، ويغير بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأل من طعامنا ؛ فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك ؛ فبعث الله إلينا رجلاً معروفاً، نعرف نسبة، ونعرف وجهه ومولده ؛ فأرضه خير أرضنا، وحسبة خير أحسابنا، وبيته أعظم بيوتنا ؛ وقبيلته خير قبائلنا ؛ وهو بنفسه كان خيرنا في الحال التي فيها أصدقنا وأحملنا ؛ فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد قبل ترب كان له وكان الخليفة من بعده، فقال وقلنا، وصدق وكذبنا، وزاد ونقصنا، فلم يقل شيئاً إلا كان، فقذف الله في قلوبنا التصثديق له واتباعه ؛ فصار فيما بيننا وبين رب العالمين ؛ فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله ؛ فقال لنا: إن ربكم يقول: إني أنا الله وحدي لا شريك لي، كنت إذ لم يكن شئ، وكل شئ هالك إلا وجهي، وأنا خلقت كل شئ، وإلى يصير كل شئ، وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي، ولأحلكم داري ؛ دار السلام، فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق، وقال: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبي فاعرضوا عليه الجزية، ثم امنعوا مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبي فقاتلوه، فأنا الحكم بينكم. فمن قتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من نأوأه ؛ فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر ؛ وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجى نفسك. فقال: أتستقبلني بمثل هذا! فقال: ما استقبلت إلا من كلمني ولو كلمني غيرك لم أأستقبلك به. فقال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم ؛ لا شئ لكم عندي، وقال : ائتوني بوقر من تراب، فقال: احملوه على أشرف هؤلاء، ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن ؛ ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أنى مرسل إليكم رستم حتى يدفيكم ويدفيه في خندق القادسية، وينكل به وبكم من بعد، ثم أورده بلادكم، حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما نالكم من سابور.

ثم قال: من أشرفكم؟ فسكت القوم، فقال عاصم بن عمرو - وافتأت ليأخذ التراب: أنا أشرفهم، أنا سيد هؤلاء فحملينه، فقال : أكذاك؟ قالوا: نعم فحمله على عنقه، فخرج به من الإيوان والدار حتى أتى راحلته فحمله عليها ؛ ثم انجذب في السير، فأتوا به سعداً وسبقهم عاصم فمر بباب قديس فطواه، فقال: بشروا الأمير بالظفر، ظفرنا إن شاء الله. ثم مضى حتى جعل التراب في الحجر، ثم رجع فدخل على سعد، فأخبر الخبر فقال: أبشروا فقد والله أعطانا الله أقاليد ملكهم.

وجاء أصحابه وجعلوا يزدادون في كل يوم قوة، ويزداد عدوهم في كل يوم وهناً، واشتد ما صنع المسلمون، وصنع الملك من قبول التراب على جلساء الملك، وراح رستم من ساباط إلى الملك يسأله عما كان من أمره وأمرهم، وكيف رآهم، فقال الملك: ما كنت أرى أن في العرب مثل رجال رأيتهم دخلوا على وما أنتم بأعقل منهم، ولا أحسن جواباً منهم ؛ وأخبره بكلام متكلمهم، وقال: لقد صدقني القوم، لقد وعد القوم أمراً ليدركنه أو ليموتن عليه، على أنى قد وجدت أفضلهم أحمقهم، لما ذكروا الجزية أعطيته تراباً فحمله على رأسه، فخرج به، ولو شاء أتقى بغيره ؛ وأنا لا أعلم .

قال: أيها الملك، إنه لأعقلهم، وتطير إلى ذلك، وأبصرها دون أصحابه.

وخرج رستم من عنده كئيباً غضبان - وكان منجماً كاهناُ - فبعث في أثر الوفد، وقال لثقته : إن أدركهم الرسول تلافينا أرضنا ، وإن أعجزوه سلبكم الله أرضكم وأبناءكم. فرجع الرسول من الحيرة بفواتهم، فقال: ذهب القوم بأرضكم غير ذي شك، ماكان من شأن ابن الحجامة الملك ذهب القوم بمفاتيح أرضنا? فكان ذلك مما زاد الله به فارس غيظاً. وأغاروا بعدما خرج الوفد إلى يزدجرد، إلى أن جاءوا إلى صيادين قد اصطادوا سمكاً، وسار سواد بن مالك التيمي إلى النجاف والفراض إلى جنبها، فاستاق ثلثمائة دابة من بين بغل وحمار وثور، فأوقروها سمكاً، واستاقوها، فصبحوا العسكر، فقسم السمك بين الناس سعد، وقسم الدواب، ونفل الخمس إلا ما رد على المجاهدين منه، وأسهم على السبى ؛ وهذا يوم الحيتان، وقد كان الآزاذ مرد بن الآزاذبه خرج في الطلب، فعطف عليه سواد وفوارس معه، فقاتلهم على قنطرة السليحين ؛ حتى عرفوا أن الغنيمة قد نجت، ثم اتبعوها فأبلغوها المسلمين، فكانوا قد اكتسبوا منها ما اكتفوا به لو أقاموا زماناً ؛ فكانت السرايا إنما تسرى للحوم، ويسمون أيامها بها، ومن أيام الحم يوم الأباقر ويم الحيتان. وبعث مالك بن ربيعة بم خالد التيمي ؛ تيم الرباب، ثم الواثلي ومعه المساور بن النعمان التيمي ثم الربيعي في سرية أخرى ؛ فأغاروا على الفيوم ؛ فأصابا إبلاً لبني تغلب والنمر فشلاها ومن فيها، فغدوا بها على سعد فنحرت الإبل في الناس. وأخصبوا، وأغار على النهرين عمرو بن الحارث، فوجدوا على باب ثوراء مواشي كثيرة، فسلكوا أرض شيلى - وهي اليوم نهر زياد - حتى أتوا بها العسكر.

وقال عمرو: ليس بها يومئذ إلا نهران. وكان بين قدوم خالد العراق ونزول سعد القادسية سنتان وشئ. وكان مقام سعد بها شهرين وشيئاً حتى ظفر.

وقال - والإسناد الأول - : وكان من حديث فارس والعرب بعد البويب أن الأنوشجان بن الهربذ خرج من سواد البصرة يريد أهل غض، فاعترضه أربعة نفر على أفناء تميم ؛ وهم بإزائهم: المستورد وهو على الرباب، وعبد الله بن زيد يسانده ؛ الرباب بينهما، وجزء بن معاوية وابن النابغة يسانده ؛ سعد بينهما، والحصين بن نيار والأعور بن يشامة يسانده على عمرو، والحصين بن معبد والشبه على حنظلة، فقتلوه دونهم. وقدم سعد فانضموا إليه هم وأهل غضى وجميع تلك الفرق.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وعمرو بإسنادهم، قالوا: وعج أهل السواد إلى يزدجرد بن شهريار، وأرسلوا إليه أن العرب قد نزلوا القادسية بأمر ليس يشبه إلا الحرب، وإن فعل العرب مذ نزلوا القادسية لا يبقى عليه شئ؛ وقد أخربوا ما بينهم وبين الفرات ؛ وليس فيما هنالك أنيس إلا في الحصون، وقد ذهب الدواب وكل شئ لم تحتمله الحصون من الأطعمة، ولم يبق إلا أن يستنزلونا ، فإن أبطأ عنا الغياث أعطيناهم بأيدينا. وكتب إليه بذلك الملوك الذين لهم الضياع بالطف، وأعانهم عليه، وهيجوه على بعثه رستم.

ولما بدا ليزدجرد أن يرسل رستم أرسل إليه، فدخل عليه، فقال له: إني أريد أن أوجهك في هذا الوجه ؛ وإنما يعد للأمور على قدرها، وأنت رجل أهل فارس اليوم ، وقد ترى ما جاء أهل فارس من أمر لم يأتهم مثله منذ ولى آل أردشير. فأراه أن قد قبل منه، وأثنى عليه.

فقال له الملك: قد أحب أن أنظر فيما لديك لأعرف ما عندك، فصف لي العرب وفعلهم منذ نزلوا القادسية، وصف لي العجم وما يلقون منهم.

فقال رستم: صفة ذئاب صادفت غرة من رعاء فأفسدت. فقال: ليس كذلك ؛ إني إنما سألتك رجاء أن تعرب صفتهم فأقويك لتعمل على قدر ذلك فلم تصب، فافهم عنى ؛ إنما مثلهم ومثل أهل فارس كمثل عقاب أوفى على جبل يأوى إليه الطير بالليل، فتبيت في سفحه في أوكارها، فلما أصبحت تجلت الطير، فأبصرته يرقبها، فإن شذ منها شئ اختطفه، فلما أبصرته الطير لم تنهض من مخافته ؛ وجعلت كلما شذ منها طائر اختطفه، فلو نهضت نهضة واحدة ردته ؛ وأشد شئ يكون في ذلك أن تنجو كلها إلا واحداً ؛ وإن اختلفت لم تنهض فرقة إلا هلكت ؛ فهذا مثلهم ومثل الأعاجم ؛ فاعمل على قدر ذلك. فقال له رستم: أيها الملك، دعني ؛ فإن العرب لا تزال تهاب العجم ما لم تضرهم بي ؛ ولعل الدولة أن تثبت بي فيكون الله قد كفى، ونكون قد أصبنا المكيدة ورأى الحرب ؛ فإن الرأى فيها والمكيدة أنفع من بعض الظفر. فأبى عليه، وقال : أي شئ بقى! فقال رستم: إن للأناة في الحرب خير من العجلة، والأناة اليوم موضع، وقتال جيش بعد جيش أمثل من هزيمة بمرة وأشد على عدونا. فلج وأبى، فخرج حتى ضرب عسكره بساباط، وجعلت تختلف إلى الملك الرسل ليرى موضعاً لإعفائه وبعثه غيره، ويجتمع إليه الناس. وجاء العيون إلى سعد بذلك من قبل الحيرة وبني صلوبا، وكتب إلى عمر بذلك. ولما كثرت الإستغاثة على يزدجر من أهل السواد على يدى الآزاذ به جشعت نفسه واتقى الحرب برستمر، وترك الرأي - وكان ضيفاً لجوجاً - فاستحث رستم، فأعاد عليه رستم القول، وقال: أيها الملك ؛ لقد اضطرني تضييع الرأى إلى إعظام نفسي وتزكيتها ؛ ولو أجد من ذلك بداً لم أتكلم به، فأنشدك الله في نفسك وأهلك وملكك ؛ دعنى أقم بعسكري وأسرح الجالنوس ؛ فإن تكن لنا فذلك ؛ وإلا فأنا على رجل وأبعث غيره، حتى إذا لم نجد بداً ولا حيلة صبرنا لهم ؛ وقد وهنا هم وحسرناهم ونحن جامون. فأبى إلا أن يسير.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السرى الضبى، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: لما نزل رستم بساباط، وجمع آله الحرب وأداتها بعث على مقدمته الجالنوس في أربعين ألفاً، وقال: ازحف زحفاً، ولا تنجذب إلا بأمري ؛ واستعمل على ميمنته الهرمزان، وعلى ميسرته مهران بن بهران الرازي، وعلى ساقته البيرزان، وقال رستم ليشجع الملك: إن فتح الله علينا القوم فهو وجهنا إلى ملكهم في دارهم حتى نشغلهم في أصلهم وبلادهم، إلى أن يقبلوا المسالمة أو يرضوا بما كانوا يرضون به. فلما قدمت وفود سعد على الملك، ورجعوا من عنده رأى رستم فيما يرى النائم رؤيا فكرهها، وأحس بالشر، وكره لها الخروج ولقاء القوم، واختلف عليه رأيه واضطرب، . وسأل الملك أن يمضى الجالنوس ويقيم حتى ينظر ما يصنعون، وقال : إن غناء الجالنوس كغنائي، وإن كان إسمي أشد عليهم من إسمه، فإن ظفر فهو الذي نريد، وإن تكن الأخرى وجهت مثله، ودفعنا هؤلاء القوم إلى يوم ما ؛ فإني لا أزال مرجواً في أهل فارس، ما لم أهزم ينشطون، ولا أزال مهيباً في صدرور العرب ؛ ولا يزالون يهابون الإقدام ما لم أباشرهم ؛ فإن باشرتهم اجترءوا آخر دهرهم، وانكسر أهل فارس آخر دهرهم. فبعث مقدمته أربعين ألفاً ؛ وخرج في ستين ألفاً، وساقته في عشرين ألفاً.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد وعمرو بإسنادهم ؛ قالوا: وخرج رستم في عشرين ومائة ومائة ألف، كلهم متبوع، وكانوا بأتباعهم أكثر من مائتي ألف، وخرج من المدائن في ستين ألف متبوع.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رستم زحف لسعد وهو بالقادسية في ستين ألف متبوع.

كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد وعمرو بإسنادهم، قالوا: لما أبى الملك إلا السير، كتب رستم إلى أخيه وإلى رءوس أهل بلادهم: من رستم إلى البندوان مرزبن الباب، وسهم أهل، الذي كان لكل كون يكون، فيفض الله به كل جند عظيم شديد، ويفتح به كل حصن حصين، ومن يليه ؛ فرموا حصونكم، وأعدوا واستعدوا، فكأنكم بالعرب قد وردوا بلادكم، وقارعكم عن أرضكم وأبنائكم، وقد كان من رأي مدافتهم ومطاولتهم حتى تعود سعود هم نحوساً ؛ فأبى الملك.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن الصلت بن بهرام، عن رجل ؛ أن يزدجرد لما أمر رستم بالخروج من ساباط، كتب إلى أخيه بنحو من الكتاب الأول، وزاد فيه: فإن السمكة قد كدرت الماء، وإن النعائم قد حسنت، وحسنت الزهرة ، واعتل الميزان، وذهب بهرام ؛ ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا، ويستولون على ما يلينا. وإن أشد ما رأيت أن الملك قال: لتسيرن إليهم أو لأسير إليهم أنا بنفسي. فأنا سائر إليهم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السرى، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: كان الذي جرأ يزدجرد على إرسال رستم غلام جابان منجم كسرى، وكان من أهل فرات بادقلى، فأرسل إليه فقال: ما ترى في مسير رستم وحرب العرب اليوم؟ فخافه على الصدق فكذبه، وكان رستم يعلم نحواً من علمه، فثقل عليه مسيره لعلمه، وخف على الملك لما غره منه، وقال: إني أحب أن تخبرني بشئ أراه أطمئن به إلى قولك، فقال الغلام لزرنا الهندي: أخبره، فقال: سلنى، فسأله فقال: أيها الملك يقبل طائر فيقع على إيوانك فيقع منه شئ في فيه ها هنا - وخط دارة - فقال العبد: صدق، والطائر غراب، والذي في فيه درهم. وبلغ جابان أن الملك طلبه، فأقبل حتى دخل عليه، فسأله عما قال غلامه، فحسب فقال: صدق ولم يصب ؛ هو عقيق، والذي في فيه درهم، فيقع منه على هذا المكان، وكذب زرنا. ينزو الدرهم فيستقر ها هنا - ودور دارة أخرى - فما قاموا حتى وقع على الشرفات عقعق، فسقط منه الدرهم في الخط الأول، فنزا فاستقر في الخط الآخر ونافر الهندي جابان حيث خطأه ؛ فأتيا ببقرة نتوج ؛ فقال الهندي: سخلتها غراء سوداء، فقال جابان: كذبت، بل سوداء صبغاء ، فنحرت البقرة فاستخرجت سخلتها، فإذا هي ذنبها بين عينيها، فقال جابان: من ها هنا أتى زرنا، وشجعاه على إخراج رستم، فأمضاه، وكتب جابان إل جشنسماه: إن أهل فارس قد زال أمرهم، وأديل عدوهم عليهم، وذهب ملك المجوسية، وأقبل ملك العرب، وأديل دينهم ؛ فاعتقد منهم الذمة، ولا تخلبنك الأمور، والعجل العجل قبل أن تؤخذ!فلما وقع الكتاب إليه خرج جشنسماه إليهم حتى أتى المعنى ؛ وهو في خيل بالعتيق، وأرسله إلى سعد، فاعتقد منه على نفسه وأهل بيته ومن استجاب له ورده، وكان صاحب أخبارهم. وأهدى للمعنى فالوذق ، فقال لأمرأته: ما هذا؟ فقالت: أظن البائسة امرأته أراغت العصيدة فأخطأتها، فقال المعنى: بؤساً لها! كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد وعمرو بإسنادهم، قالوا: لما فصل رستم من ساباط، لقيه جابان على القنطرة، فشكا إليه، وقال: ألا ترى ما أرى؟ فقال له رستم: أما أنا فأقاد بخشاش وزمام، ولا أجد بداً من الإنقياد. وأمر الجالنوس حتى قدم الحيرة ؛ فمضى واضطرب فسطاطه بالنجف، وخرج رستم وأمر الجالنوس حتى ينزل بكوني، وكتب إلى الجالنوس والآززاذ مرد: أصيبا لي رجلاًمن العرب من جند سعد فركبا بأنفسهما طليعة فأصابا رجلاً، فبعثا به إليه وهو بكوثى فاستخبره، ثم قتله.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السرى، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: لما فصل رستم، وأمر الجالنوس بالتقدم إلى الحيرة، أمره أن يصيب له رجلاً من العرب، فخرج هو والآزاذ مرد سرية في مائة ؛ حتى انتهيا إلى القادسية، يفأصابا رجلاً دون قنطرة القادسية فاختطفاه، فنفر الناس فأعجزوهم إلا ما أصاب المسلمون في أخرياتهم. فملا انتهيا إلى النجف سرحا به إلى رستم، وهو بكوثى، فقال له رستم: ما جاء بكم؟ وماذا تطلبون؟ قال: جئنا نطلب موعود الله، قال: وما هو؟ قال: ارضكم وأبناؤكم ودماؤكم إن أبيتم أن تسلموا. قال رستم: فإن قتلتم قبل ذلك؟ قال: في موعود الله أن من قتل منا قبل ذلك أدخله الجنة. وأنجز لمن بقي منا ما قلت لك، فنحن على يقين . فقال رستم: قد وضعنا إذاً في أيديكم ؛ قال: ويحك يا رستم! إن أعمالكم وضعتكم فأسلمكم الله بها ؛ فلا يغرنك ما ترى حولك، فإنك لست تحاول الإنس ؛ وإنما تحاول القضاء والقدر! فاستشاط غضباً ؛ فأمر به فضربت عنقه، وخرج رستم من كوثى ؛ حتى ينزل ببرس، فغضب أصحابه الناس أموالهم ووقعوا على النساء، وشربوا الخمور. فضج العلوج إلى رستم، وشكوا إليه ما يلقون في أموالهم وأبنائهم. فقام فيهم، فقال: يا معشر أهل فارس، والله لقد صدق العربي ؛ والله ما أسلمنا إلا أعمالنا، والله للعرب في هؤلاء وهم لهم ولنا حرب أحسن سيرة منكم. إن الله كان ينصركم على العدو، ويمكن لكم في البلاد بحسن السيرة وكف الظلم والوفاء بالعهود والإحسان ؛ فأما إذ تحولتم عن ذلك إلى هذه الأعمال، فلا أرى الله إلا مغيراً ما بكم، وما أنا بآمن أن ينزع الله سلطانه منكم. وبعث الرجال ؛ فلقطوا له بعض من يشكى فأتى بنفر، فضرب أعناقهم، ثم ركب ونادى في الناس بالرحيل، فخرج ونزل بحيال أهل دير الأعور، ثم انصب إلى المطاط؛ فعسكر مما يلي الفرات بحيال أهل النجف بحيال الخورنق إلى الغريين، ودعا بأهل الحيرة، فأوعدهم وهم بهم، فقال له ابن بقيلة: لا تجمع علينا اثنتين: أن تعجز عن نصرتنا، وتلومنا على الدفع عن أنفسنا وبلادنا. فسكت.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، والمقدام الحارثى عمن ذكره، قالا: دعا رستم أهل الحيرة وسرادقه إلى جانب الدير، فقال: يا أعداء الله، فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا، وكنتم عيوناً لهم علينا، وقويتموهم بالأموال! فاتقوه بابن بقيلة، وقالوا له: كن أنت الذي تكلمه، فتقدم، فقال: أما أنت وقولك: إنا فرحنا بمجيئهم . فماذا فعلوا؟ وبأى ذلك من أمورهم نفرح ! إنهم ليزعمون أنا عبيد لهم، وما هم على ديننا ؛ وإنهم ليشهدون علينا أنا من أهل النار. وأما قولك: إنا كنا عيوناً لهم، فما الذي يحوجهم إلى أن نكون عيوناً لهم، وقد هرب أصحابكم منهم، وخلوا لهم القرى! فليس يمنعهم أحد من وجه ارادوه ؛ إن شاءوا أخذوا يميناً أو شكالاً. وأما قولك: إنا قويناهم بالأموال ؛ فإنا صانعناهم بالأموال عن أنفسنا ؛ وإذ لم تمنعونا مخافة أن نسبى وأن نحرب ، وتقتل مقاتلتنا - وقد عجز منهم من لقيهم منكم - فكنا نحن أعجز ؛ ولعمري لأنتم أحب إلينا منهم ؛ وأحسن عندنا بلاء، فامنعونا منهم لكن لكم أعواناً؛ فإنما نحن بمنزلة علوج السواد، عبيد من غلب. فقال رستم: صدقكم الرجل.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: رأى رستم بالدير أن ملكاً جاء حتى دخل عسكر فارس، فختم السلاح أجمع.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وأصحابه ؛ وشاركهم النضر بإسناده، قالوا: ولما اطمأن رستم أمر الجالنوس أن يسير من النجف، فسار في المقدمات، فنزل فيما بين النجف والسيلحين، وارتحل رستم، فنزل النجف - وكان بين خروج رستم من المدائن وعسكرته بساباط وزحفه منها إلى أن لقى سعداً أربعة أشهر، ولا يقدم ولا يقاتل - رجاء أن يضجروا بمكانهم، وأن يجهدوا فينصرفوا، وكره قتالهم مخافة أن يلقى ما لقى من قبله . وطالهم لولا ماجعل الملك يستعجله وينهضه ويقدمه ؛ حتى أقحمه ؛ فملا نزل رستم النجف عادت عليه الرؤيا، فرأى ذلك الملك ومعه النبي صلى الله عليه وسلم وعمر، فأخذ الملك سلاح أهل فارس، فختمه، ثم دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه النبي صل الله عليه وسلم إلى عمر. فأصبح رستم، فازداد حزناً، فملا رأى الرفيل ذلك رغب في الإسلام ؛ فكانت داعيته إلى اٌسلام، وعرف عمر أن القوم سيطاولونهم، فعهد إلى سعد وإلى المسلمين أن ينزلوا حدود أرضهم، وأن يطالوهم أبداً حتى ينغضوهم، فنزلوا القادسية، وقد وطنوا أنفسهم على الصبر والمطاولة، وأبى الله إلا أن يتم نوره، فأقاموا واطمأنوا، فكانوا يغيرون على السواد، فانتسفوا ما حولهم فحووه وأعدوا للمطاولة؛ وعلى ذلك جاءوا، أو يفتح الله عليهم . وكان عمر يمدهم بالأسواق إلى ما يصيبون؛ فلما رأى ذلك الملك ورستم وعرفوا حالهم، وبلغهم عنهم فعلهم؛ علم أن القوم غير منتهين، وأنه إن أقام لم يتركوه ؛ فرأى أن يشخص رستم، ورأى رستم أن ينزل بين العتيق والنجف، ثم يطالولهم مع المنازلة، ورأى أن ذلك أمثل ما هم فاعلون ، حتى يصيبوا من الإحجام حاجتهم ، أو تدور لهم سعود.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: وجعلت السرايا تطوف، ورستم بالنجف والجالنوس بين النجف والسيلحين وذو الحاجب بين رستم والجالنوس، والهرمزان ومهران على مجنبتيه، والبيرزان على ساقته وزاد بن بهيش صاحب فرات سريا على الرجالة ؛ وكنارى على المجردة ؛ وكان جنده مائة وعشرين ألفاً ، وستين ألف متبوع مع الرجل الشاكرى، ومن الستين ألفاً خمسة عشر ألف شريف متبوع، وقد تسلسلوا وتقارنوا لتدور عليهم رحى الحرب.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:46 am


تابع .....
معركة القادسية

كتب إلى السرى، عن شعيب،عن سيف، عن محمد بن قيس، عن موسى بن طريف، قال: قال الناس لسعد: لقد ضاق بنا المكان؛ فأقدم، فزبر من كلمه بذلك، وقال: إذا كفيتم الرأى، فلا تكلفوا؛ فإنا لن نقدم إلا على رأى ذوى الرأى، فاسكتوا ما سكتنا عنكم وبعث طليحة وعمراً في غير خيل كالطليعة، وخرج سواد وحمضية في مائة مائة ؛ فأغاروا على النهرين ؛ وقد كان سعدنها هما أن يمنعا، وبلغ رستم، فأرسل إليهم خيلاً، وبلغ سعداً أن خيله قد وغلت: فدعا عاصم بم عمرو وجابراً الأسدي، فأرسلهما في آثارهما يقتصانها، وسلكا طريقهما، وقال لعاصم: إن جمعكم قتال فأنت عليهم، فلقيهم بين النهرين وإصطيميا ؛ وخيل أهل فارس محتوشتهم، يريدون تخلص ما بين أيديهم؛ وقد قال سواد لحمضية: أختر؛ إما أن تقيم لهم وأستاق الغنيمة، أو أقيم لهم وتستاق الغنيمة. قال: أقم لهم ونهنههم عنى، وأنا أبلغ لك الغنيمة ؛ فأقام لهم سواد ، وانجذب حمضية، فلقيه عاصم بن عمرو، فطن حمضية أنها خيل للأعاجم أخرى، فصد عنها منحرفاً ؛ فلما تعارفوا ساقها ؛ ومضى عاصم إلى سواد - وقد كان أهل فارس تنقذوا بعضها - فلما رأت الأعاجم عاصماً هربوا، وتنقذ سواد ما كانوا ارتجعوا ؛ فأتوا سعداً بالفتح والغنائم والسلامة ؛ وقد خرج طليحة وعمرو ؛ فأما طليحة فأمره بعسكر رستم، وأما عمرو فأمره بعسكر الجالنوس ؛ فخرج طليحة وحده، وخرج عمرو في عدة، فبعث قيس بن هبيرة في آثارهما ؛ فقال: إن لقيت قتالاً فأنت عليهم - وأراد إذلال طليحة لمعصيته، وأما عمرو فقد أطاعه - فخرج حتى تلقى عمراً، فسأله عن طليحة، فقال: لا علم لي به، فلما انتهينا إلى النجف من قبل الجوف، قال له قيس: ما تريد؟ قال: أريد أن أغير على أدنى عسكرهم ؛ قال: في هؤلاء! قال: نعم، قال: لا أدعك والله وذاك! أتعرض المسلمين لما لا يطيقون قال: وما أنت وذاك! قال: إني أمرت عليك ؛ ولو لم أكن أميراً لم أدعك طليحة إذا اجتمعتم، فقال عمرو: والله يا قيس؛ إن زماناً تكون على فيه أميراً لزمان سوء! لأن أرجع عن دينكم هذا إلى ديني الذي كنت عليه وأقاتل عليه حتى أموت أحب إلى من أن تتأمر على ثانية. وقال: لئن عاد صاحبك الذي بعثك لمثلها لنفارقنه ؛ قال: ذاك إليك بعد مرتك هذه، فرده؛ فرجعا إلى سعد بالخبر. وبأعلاج وأفراس، وشكاكل واحد منهما صاحبه ؛ أما قيس فشكا عصيان عمرو، وأما عمرو، فشكا غلظة قيس، فقال سعد: يا عمرو، الخبر والسلامة أحب إلى من مصاب مائة بقتل ألف، أتعمد إلى حلبة فارس فتصاد مهم بمائة إن كنت لأراك أعلم بالحرب مماأرى. فقال: إن الأمر لكما قلت ؛ وخرج طليحة حتى دخل عسكرهم في ليلة مقمرة، فتوسم فيه، فهتك أطناب بيت رجل عليه، واقتاد فرسه، ثم خرج حتى مر بعسكر ذي الحاجب، فهتك علىرجل آخر بيته، وحل فرسه ثم دخل على الجالنوس عسكره فهتك على آخر بيته، وحل فرسه، ثم دخل على الجالنوس ؛ فهتك على آخر بيته، وحل فرسه ثم حتى أتى الحرارة وخرج الذي كان بالنجف، والذي كان في عسكر ذي الحاجب فاتبعه الذي كان في عسكر الجالنوس، فكان أولهم لحاقاً به الجالنوس ثم الحاجبي، ثم النجفى ؛ فأصاب الأولين، وأسر الآخر. وأتى به سعداً فأخبره، وأسلم ؛ فسماه سعد مسلماً ؛ ولزم طليحة ؛ فكان معه في تلك المغازى كلها.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عمرو، عن أبي عثمان النهدي، قال: كان عمر قد عهد إلى سعد جين بعثه إلى فارس ؛ ألا يمر بماء من المياه بذي قوة ونجدة ورياسة إلا أشخصه ؛ فإن أبي انتخبه، فأمره عمر، فقدم القادسية في أثنى عشرألفاً من أهل الأيام، وأناس من الحمراء استجابوا للمسلمين، فأعانوهم ؛ أسلم بعضهم قبل القتال، وأسلم بعضهم غب القتال، فأشركوا في الغنيمة، وفرضت لهم فرائض أهل القادسية: ألفين ألفين ؛ وسألوا عن أمنع قبائل العرب، فعادوا تميماً ؛ فلما دنا وستم، ونزل النجف بعث سعد الطلائع ؛ وأمرهم أن يصيبوا رجلا ليسأله عن أهل فارس ؛ فخرجت الطلائع بعد اختلاف ؛ فلما أجمع ملأ الناس أن الطليعة من الواحد إلىالعشرة سمحوا فأخرج سعد طليحة في خمسة، وعمرو بن معد يكرب في خمسة ؛ وذلك صبيحة قدم رستم الجالنوس وذا الحاجب ؛ ولا يشعرون بفصولهم من النجف ؛ فلم يسيروا إلا فرسخاً وبعض آخر ؛ حتى رأوا مسالحهم وسرحهم على الطفوف قد ملئوها، فقال بعضهم: ارجعوا إلى أميركم فإنه سرحكم ؛ وهو يرى أن القوم بالنجف ؛ فأخبروه الخبر، وقال بعضهم: ارجعوا لا ينذر بكم عدوكم! فقال عمرو لأصحابه: صدقتم، وقال طليحة لأصحابه: كذبتم؛ ما بعثتم لتخبروا عن السرح، وما بعثتم إلا للخبر قالوا: فما تريد؟ قال: أريد أن أخاطر القوم أو أهلك، فقالوا: أنت رجل في نفسك غدر ؛ ولن تفلح بعد قتل عكاشة بن محصن؛ فاجع بنا فأبى . وأتى سعداً الخبر برحيلهم ؛ فبعث قيس بن هبيرة الأسدي، وأمره على مائة، وعليهم إن هو لقيهم. فانتهى إليهم وقد افترقوا، فلما رآه عمرو قال: تجلدوا له، أروه أنهم يريدون الغارة ؛ فردهم، ووجد طليحة قد فارقهم فرجع بهم. فأتوا سعداً، فأخبروه بقرب القوم، ومضى طليحة، وعارض المياه على الطفوف ؛ حتى دخل عسكر رستم، وبات فيه يجوسه وينظر ويتوسم ؛ فلما أدبر الليل، خرج وقرأتي أفضل من توسم في ناحية العسكر،فإذا فرس له لم ير في خيل القوم مثله، وفسطاط أبيض لم ير مثله ؛ فانتضى سيفه، فقطع مقود الفرس، ثم ضمه إلى مقود فرسه، ثم حرك فرسه، فخرج يعدو به، ونذر به الناس والرجل، فتنادوا وركبوا الصعبة والذلول، وعجل بعضهم أن يسرج، فخرجوا في طلبه، فأصبح وقد لحقه فارس من الجند، فلما غشيه وبوأ له الرمح ليطعنه عدل طليحة فرسه، فندر الفارسي بين يديه، فكر عليه طليحة، فقصم ظهره بالرمج، ثم لحق له آخر، ففعل به مثل ذلك، ثم لحق به آخر؛ وقد رأى مصرع صاحبيه - وهما ابنا عمه - فازداد حنقاً، فلما لحق بطليحة، وبوأ له الرمح، عدل طليحة فرسه، فندر الفارسى أمامه، وكر عليه طليحة أن يركض ؛ ودعاه إلى الإسار، فعرف الفارسي أنه قاتله فاستأسر، وأمره طليحة أن يركض بين يديه؛ ففعل . ولحق الناس فرأوا فارسى الجند قدقتلا وقد أسرى الثالث، وقد شارف طليحة عسكرهم، فأحجموا عنه، ونكسوا، وأقبل طليحة حتى غشى العسكر، وهم على تعبية، فأفرغ الناس، وجوزوه إلى سعد ؛ فلما انتهى إليه، قال: ويحك ما وراءك! قال: دخلت عساكرهم وجستها منذ الليلة، وقد أخذت أفضلهم توسماً، وما أدري أصبت أم أخطأت ! وها هو ذا فاستخبره. فأقيم الترجمان بين سعد وبين الفارسي، فقال له الفارس: أتؤمننى على دمى إن صدقتك؟ قال: نعم، الصدق في الحرب أحب إلينا من الكذب، قال: أخبركم عن صاحبكم هذا قبل أن أخبركم عمن قبلي ؛ باشرت الحروب وغشيتها، وسمعت بالأبطال ولقيتها ؛ منذ أنا غلام إلى أن بلغت ما ترى، ولم أر ولم أسمع بمثل هذا ؛ أم رجلاً قطع عسكرين لا يجترى عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفاً ، يخدم الرجل منهم الخمسة والعشرة إلى ما هو دون ؛ فلم يرض أم يخرج كما دخل حتى سلب فارس الجند ؛ وهتك أطناب بيته فأنذروه، فأنذرنا به، فطلبناه، فأدركه الأول وهو فارس الناس، يعدل ألف فارس فقتله، فأدركه الثاني وهو نظيره فقتله، ثم أدركته، ولا أظن أنني خلقت بعدي من يعدلني وأنا الثائر بالقتيلين، وهما ابنا عمي، فرأيت المونت فاستأسرت. ثم أخبره عن أهل فارس ؛ بأن الجند عشرون ومائة ألف، وأن الأتباع مثلهم خدام لهم . وأسلم الرجل وسماه سعد مسلماً، وعاد إلى طليحة، وقال: لا والله، لا تهزمون ما دمتم على ما أرى من الوفاءوالصدق والإصلاح والمؤاساة ؛ لا حاجة لي في صحبة فارس ؛ فكان من أهل البلاء يومئذ.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن موسى بنطريف، قال: قال سعد لقيس بن هبيرة الأسدي: اخرج يا عاقل، فإنه ليس وراءك من الدنيا شئ تحنو عليه حتى تأتينى بعلم القوم. فخرج وسرح عمرو بن معد يكرب وطليحة ؛ فلما حاذى القنطرة لم يسر إلا يسيراً حتى لحق، فانتهى إلى خيل عظيمة منهم بحيالها ترد عن عسكرهم، فإذا رستم قد ارتحل من النجف، فنزل منزل ذي الحاجب، فارتحل الجالنوس، فنزل ذو الحاجب منزله، والجالنوس منزله، والجالنوس يريد طيزنا باذ ؛ فنزل بها، وقدم تلك الخيل. وإن ما خمل سعداً على إرسال عمرو وطليحة معه لمقالة بلغته عن عمرو، وكلمة قالها لقيس بن هبيرة قبل هذه المرة، فقال: قاتلوا عدوكم يا معشر المسلمين. فأنشب القتال، وطاردهم ساعة. ثم إن قيساً حمل عليهم، فكانت هزيمتهم، فأصاب منهم اثني عشر رجلاً، وثلاثة أسراء، وأصاب أسلاباً، فأتوا بالغنيمة سعداً وأخبروه الخبر ؛ فقال: هذه بشرى إن شاء الله ؛ إذا لقيتم جمعهم الأعظم وحدهم ؛ فلهم أمثالهم، ودعا عمرا وطليحة، فقال: كيف رأيتما قيساً؟ فقال طليحة: رأيناه أكمانا ، وقال عمرو: الأمير أعلم بالرجال منا. قال سعد: إن الله تعالى أحياناً بالإسلام وأحيا به قلوباً كانت ميتة، وأمات به قلوباً كانت حية، وإني أحذركما أن تؤثرا أمر الجاهلية على الإسلام ؛ فتموت قلوبكما وأنتما حيان ؛ الزما السمع والطاعة والإعتراف بالحقوق ؛ فما رأى الناس كأقوام أعزهم الله بالإسلام.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وعمرو وزياد ؛ وشاركهم المجالد وسعيد بن المرزبان، قالوا: فلما أصبح رستم من الغد من يوم نزل السيلحين قدم الجالنوس وذا الحاجب، فارتحل الجالنوس، فنزل من دون القنطرة بحيال زهرة، ونزل إلى صاحب المقدمة، ونزل ذو الحاجب؛ منزله بطرنا باذ، ونزل رستم منزل ذي الحلجب بالحرارة ثم قدم ذا الحاجب فلما انتهى إلى العتيق تياسر حتى إذا كان بحيال قديس خندق خندقاً، وارتحل الجالنوس فنزل عليه وعلى مقدمته - أعني سعداً - زهرة بن الحوية، وعلى مجنبتيه عبد الله بن المعتم، وشرحبيل بن السمط الكندي، وعلى مجردته عاصم بن عمرو، وعلى المرامية فلان، وعلى الرجل فلان، وعلى الطلائع سواد بن مالك، وعلى مقدمة رستم الجالنوس، وعلى مجنبتيه الهرمزان ومهران وعلى مجردته ذو الحاجب، وعلى الطلائع البيرزان، وعلى الرجالة زاذ بن بهيش. فملا انتهى رستم إلى العتيق، وقف عليه بحيال عسكر سعد ؛ ونزل الناس ؛ فما زالوا يتلاحقون وينزلولهم فينزلون ؛ حتى أعتموا من كثرتهم ؛ فبات بها تلك الليلة والمسلمون ممسكون عنهم.

قال سعيد بن المرزبان: فلما أصبحوا من ليلتهم بشاطئ العتيق غدا منجم رستم على رستم برؤيا أريها من الليل، قال: رأيت الدلو في السماء ؛ دلواً أفرغ ماؤه، ورأيت السمكة ؛ سمكة في ضحضاح من الماء تضطرب، ورأيت النعائم والزهرة تزدهر، قال: ويحك! هل أخبرت أحداً؟ قال: لا، قال: فاكتمها.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبي، قال: كان رستم منجماً، فكان يبكي مما يرى ويقدم عليه، فلما كان بظهر الكوفة رأى أن عمر دخل عسكر فارس، ومعه ملك ، فختم على سلاحهم، ثم حزمه ودفعه إلى عمر.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم - وكان قد شهد القادسية - قال : كان مع رستم ثمانية عشر فيلاً، ومع الجالنوس عشر فيلا.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد، عن الشعبي ؛ قال: كان مع رستم يوم القادسية ثلاثون فيلا.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن سعيد بن المرزبان، عن رجل ، قال: كان مع رستم ثلاثة وثلاثون فيلا ؛ منها فيل سابور الأبيض ؛ وكانت الفيلة تألفه، وكان أعظمها وأقدمها.

كتب إلى السرى، عن شعيب عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: كان معه ثلاثة وثلاثون فيلا، معه في القلب ثمانية عشر فيلاً، ومعه المجنبتين خمسة عشر فيلا.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وسعيد وطلحة وعمرو وزياد، قالوا: فلما أصبح رسم من ليلته التي باتها بالعتيق، أصبح راكباً في خيله، فنظر إلى المسلمين، ثم صعد نحو القنطرة، وقد حزر الناس، فوقف بحيالهم دون القنظرة ؛ وأرسل إليهم رجلاً ؛ إن رستم يقول لكم: أرسلوا إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، وانصرف فأرسل زهرة إلى سعد بذلك ؛ فأرسل إليه المغيرة بن شعبة، فأخرجه زهرة إلى الجالنوس ؛ فأبلغه الجالنوس رستم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: لما نزل رستم على العتيق وبات به، أصبح غادياً على التصفح والحزر ، فساير العتيق نحو خفان ؛ حتى أتى على منقطع عسكر المسلمين، ثم صعد حتى انتهى إلى القنطرة ؛ فتأمل القوم ؛ حتى أتى على شئ يشرف منه عليهم ؛ فلما وقف على القنطرة راسل زهرة، فخرج إليه حتى واقفه، فأراده أن يصالحهم، ويجعل له جعلاً على أن ينصرفوا عنه، وجعل يقول فيما يقول : انتم جيراننا وقد كانت طائفة منكم في سلطاننا ؛ فكنا نحسن جوارهم، ونكف الأذى عنهم، ونوليهم المرافق الكثيرة، نحفظهم في أهل باديتهم ؛ فنزعيهم مراينا، ونميرهم من بلادنا، ولا نمنعهم من التجارة في شئ من أرضنا ؛ وقد كان لهم في ذلك معاش - يعرض لهم بالصلح ؛ وإنما يخبره بصنيعهم، والصلح يريد ولا يصرح - فقال له زهرة: صدقت، قد كان ما تذكر ؛ وليس أمرنا أمر أولئك ولا طلبتنا. إنا لم نأتكم لطلب الدنيا ؛ إنما طلبنا وهمتنا الآخرة ؛ كنا كما ذكرت، يدين لكم من ورد عليكم منا، ويضرع إليكم يطلب ما في أيديكم. ثم بعث الله تبارك وتعالى إلينا رسولاً، فدعانا إلى ربه، فأجبناه، فقال لنبيه صل الله عليه وسلم : إني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني، فأنا منتقم بهم منهم ؛ وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به، وهو دين الحق، لا يرغب عنه أحد إلا ذل، ولا يعتصم به أحد إلا عز. فقال له رستم: وما هو؟ قال: أما عموده الذي لا يصلح منه شئ إلا به، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله تعالى. قال: ما أحسن هذا ? وأي شئ أيضاً؟ قال: وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله تعالى. قال: حسن، وأي شئ أيضاً؟ قال: والناس بنو آدم وحواء، إخوة لأب وأم، قال: ما أحسن هذا? ثم قال له رستم : أرأيت لو أني رضيت بهذا الأمر وأجبتكم إليه ؛ ومعي قومي كيف يكون أمركم أترجعون؟ قال: إي والله، ثم لا نقرب بلادكم أبداً إلا في تجارة أو حاجة . قال: صدقني الله، أما إن أهل فارس منذ ولى أردشير لم يدعوا أحداً يخرج من عمله من السفلة، كانوا يقولن إذا خرجوا من أعمالهم: تعدوا طورهم. وعادوا أشرافهم. فقال له زهرة: نحن خير الناس للناس، فلا نستطيع أن نكون كما تقولون ؛ نطيع الله في السفلة، ولا يضرنا من عصى الله فينا. فانصرف عنه، ودعا رجال فارس فذاكرهم هذا فحموا من ذلك وأنفوا ، فقال: ابعدكم الله وأسحقكم أخزى الله أخرعنا وأجبنا ? فلما انصرف رستم ملت إلى زهرة، فكان إسلامي ؛ وكنت له عديداً. وفرض لي فرائض أهل القادسية.

كتب إلى السرى، عن شعيب عن سيف، عن محمد وطلحة وعمرو وزياد بإسنادهم مثله. قالوا: وأرسل سعد إلى المغيرة بن شعبة وبسر بن أبلي رهم وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن وربعي بن عامر وقرفة بن زاهر التيمي ثم الوائلى ومذعور بن عدي العجلي، والمضارب بن يزيد العجلي ومعبد بن مرة العجلي - وكان من دهاة العرب - فقال: إني مرسلكم إلى هؤلاء القوم ؛ فما عندكم؟ قالوا جميعاً: نتبع ما تأمرنا به، وننتهي غليه ؛ فإذا جاء أمر لم يكن منك فيه شئ نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس؛ فكلمناهم به. فقال سعد: هذا فعل الحزمة، اذهبوا فتهيئوا، فقال ربعي بن عامر: إن الأعاجم لهم آراء وآداب، ومتى نأتهم جميعاً يروا أنا قد احتفلنا بهم? فلا تزدهم على رجل ؛ فمألئوه جميعاً على ذلك، فقال: فسرحوني، فسرحه، فخرج ربعي ليدخل على رستم عسكره، فاحتسبه الذين على القنطرة، وأرسل إلى رستم لمجيئه، فاستشار عظماء أهل فارس ، فقال: ما ترون أنباهي أم نتهاون فأجمع ملؤهم على التهاون، فأظهروا الزبرج، وبسطوا البسط والنمارق، ولم يتركوا شيئاً، ووضع لرستم سرير الذهب، وألبس زينته من النماط والوسائد المنسوجة بالذهب. وأقبل ربعي يسير على فرس له رباء قصيرة، معه سيف له، غمدة لفلفه ثوب خلق، ورمحه مغلوب بقدمعه حجفة من جلود البقر ؛ على وجهها أديم أحمر مثل الرغيف، ومعه قوسه ونبله. فلما غشى الملك، وانتهى إليه وإلى أدنى البسط، قيل له: انزل، فحملها على البساط، فلما استوت عليه، نزل عنها وربطها بوسادتين فشقهما، ثم أدخل الحبل فيهما، فلم يستطيعوا أن ينهوه ؛ وإنما أرواه التهاون وعرف ما أرادوا، فأراد استحراجهم ، وعليه درع له كأنها أضاة ويلمقه عباءة بعيره، قد جابها وتدرعها، وشدها على وسطه بسلب وقد شد رأسه بمعجرته؛ وكان أكثر العرب شعرة، ومعجرته نسعة بعيره ؛ ولرأسه أربع ضفائر؛ قد قمن قياماً، كأنهن قرون الوعلة. فقالوا: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم، أنتم دعوتموني، فإن أبيتم أن آتيكم كما أريد رجعت. فأخبروا رستم ؛ فقال: ائذنوا له؛ هل هو إلا رجل واحد? فأقبل يتوكأ على رمحه، وزجه نصل يقارب الخطو، ويزج النمارق والبسط ؛ فما ترك لهم نمرقه ولا بساطاً إلا أفسده وتركه منهتكاً مخرقاً ؛ فملما دنا من رستم تعلق به الحرس، وجلس على الأرض، وركز رمحه بالبسط، فقالوا: ما حملك على هذا؟ قال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه فكلمه، فقال: ما جاء بكم؟ قال: الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عباده العبادة إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه حتى نفضي إلى موعود الله قال: وما موعود الله: قال الجنة لمن مات على قتال من أبي لمن بقي فقال رستم: قد سمعت مقالتكمورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبي قاتلناه أبداً ؛ فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا! قال: نعم، كم أحب إليكم؟ أيوماً أو يومين؟ قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. وأراد مقاربته ومدافعته، فقال: إن مما سن لنا رسول الله صل الله عليه وسلم وعمل به أئتمتنا، ألا نمكن الأعداء من آذاننا، ولا نؤجلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث، فنحن مترددون عنكم ثلاثاً، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، اختر الإسلام وندعك وأرضك، أو الجزاء، فنقبل ونكف عنك ؛ وإن كنت عن نصرنا غنياً تركناك منه، وإن كنت إليه محتاجاً منعناك ؛ أو المنابذة في اليوم الرابع ؛ ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا ؛ أنا كفيل لك بذلك على أصحابي وعلى جميع من ترى. قال: أسيدهم أنت؟ قال: لا ؛ ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض ؛ يجير أدناهم على أعلاهم. فخلص رستم برؤساء أهل فارس، ما تورن؟ هل رأيتم كلاماً قط أوضح ولا أعز من كلام هذا الرجل؟ قالوا: معاذ الله لك أن تميل إلى شئ من هذا وتدع دينك لهذا الكلب! أما ترى إلى ثيابه! فقال: ويحكم لا تنظرو إلى الثبات ؛ ولكن انظروا ؛ ولكن انظروا إلى الرأى والكلام والسيرة ؛ إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب، ليسوا مثلكم في اللباس، ولا يرون فيه ما ترون. وأقبلوا إليه يتناولون سلاحه، ويزهدونه فيه، فقال لهم: هل لكم إلى أن تروني فأريكم؟ فأخرج سيفه من خرقه كأنه شعلة نار. فقال القوم: اغمد ، فغمده ؛ ثم رمى ترساً ورموا حجفته، فخرق ترسهم، وسلمت حجفته، فقال: يا أهل فارس ؛ إنكم عظمتم الطعام واللباس والشراب ؛ وإنا صغرناهن. ثم رجع إلى أن ينظروا إلى الأجل ، فلما كان من الغد بعثوا أن ابعث إلينا ذلك الرجل ؛ فبعث إليهم سعد حذيفة بن محصن، فأقبل في نحو من ذلك الزي، حتى إذا كان على أدنى البساط، قيل له: انزل، قال: ذلك لو جئتكم في حاجتي ؛ فقولا لملككم: أله الحاجة أم لي؟ فإن قال: لي ؛ فقد كذب ؛ ورجعت وتركتكم ؛ فإن قال: له، لم آتكم إلا على ما أحب. فقال: دعوه، فجاء حتى وقف عليه ورستم على سريره، فقال: انزل، قال: لا أفعل، فلما أبى سأله: ما بالك جئت ولم يجئ صاحبنا بالأمس ؟ قال: إن أميرنا يحب أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء ؛ فهذه نوبتي. قال: ما جاء بكم؟ قال: إن الله عو وجل من علينا بدينه، وأرانا آياته، حتى عرفناه وكنا له منكرين. ثم أمرنا بدعاء الناس إلى واحدة من ثلاث ؛ فأيها أجابوا إليها قبلناها: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء ونمنعكم إن احتجتم إلى ذلك، أو المنابذة فقال: أو الموادعة إلى يوم ما؟ فقال: نعم، ثلاثاً من أمس. فلما لم يجد عنده إلا ذلك رده وأقبل على أصحابه، فقال: ويحكم ! ألا ترون إلى ما أرى! جاءنا الأول بالأمس فغلبنا على أرضنا، وحقر ما نعظم، وأقام فرسه على زبرجنا وربطه به ؛ فهو في يمن الطائر، وذهب بأرضنا وما فيها إليهم، مع فضل عقله. وجاءنا هذا اليوم فوقف علينا ؛ فهو في يمن الطائر يقوم على أرضنا دوننا ؛ حتى أغضبهم وأغضبوه. فلما كان من الغد أرسل: ابعثوا إلينا رجلاً، فبعثوا إليهم المغيرة بن شعبة.

كتب إلى السرى، عن سيف، عن سيف، عن أبي عثمان النهدي. قال: لما جاء المغيرة إلى القنطرة فعبرها إلى أهل فارس حبسوه واستأذنوا رستم في إجازته، ولم يغيروا شيئاً من شارتهم، تقوية لتهاونهم ؛ فأقبل المغيرة بن شعبة، والقوم في زيهم، عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، وبسطهم على غلوة لا يصل إلى صاحبهم ؛ حتى يمشي عليهم غلوة ؛ وأقبل المغيرة وله أربع ضفائر يمشي ؛ حتى جلس معه على سريره وووسادته ؛ فوثبوا عليه فترتروه وأنزلوا ومغثوه . فقال: كانت تبلغنا عنكم الأحلام ؛ ولا أرى قوماً أسفه منكم! إنا معشر العرب سواء ؛ ولا يستعبد بعضنا بعضاً إلا أن يكون محارباً لصاحبه ؛ فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى ؛ وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر فيكم فلا نصفه، نصنعه، ولم آتكم، ولكن دعوتموين اليوم، علمت أن أمركم لا يستقم فيكم مضمحل، وأنكم مغلوبون ؛ وأن ملكاً لا يقول على هذه السيرة، ولا على هذه العقول.

فقال السفلة: صدق والله العربي، وقالت الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه ؛ قاتل الله أولينا، ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة ! فمازحه رستم ليمحو ما صنع، وقال له: يا عربي ؛ إن الحاشية قد تصنع ما لا يوافق الملك، فيتراخى عنها مخافة أن يكسرها عما ينبغي من ذلك ؛ فالأمر على ماتحب من الوفاء وقبول الحق ؛ ما هذه المغازل التي معك؟ قال: ما ضر الجمرة ألا تكون طويلة ! ثم راماهم. وقال: ما بال سيفك رثاً! قال: رث الكسوة ، حديد المضربة . ثم عاطاه سيفه، ثم قال له رستم: تكلم أم أتكلم؟ فقال المغيرة: أنت الذي بعثت إلينا، فتكلم. فأقام الترجمان بينهما، وتكلم رستم، فحمد قومه، وعظم أمرهم وطوله. وقال: لم نزل متمكنين في البلاد، ظاهرين على الأعداء، أشرافاً في الأمم ؛ فليس لأحد من الملوك مثل عزنا وشرفنا وسلطاننا، ننصر على الناس ولا ينصرون علينا إلا اليوم واليومين، أو الشهر والشهرين ؛ للذنوب ؛ فإذا انتقم الله فرضى رد إلينا عزنا، وجمعنا لعدونا شر يوم هو آت عليهم. ثم إنه لم يكن في الناس أمة أصغر عندنا أمراً منكم ؛ كنتم أهل قشف ومعيشة سيئة، لا نراكم شيئاً ولا نعدكم، وكنتم إذا قطحت أرضكم، وأصابتكم السنة استغثتم بناحية أرضنا فنأمر لكم بالشئ من التمر والشعير ثم نردكم، وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنتعتم إلا ما أصابكم من الجهد في بلاد، فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم، وآمر لكل رجل منكم بوقر تمر وبثوبين، وتنصرفون عنا، فإني لست أشتهى أن أقتلكم ولا آسركم.

فتكلم المغيرة بن شعبة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن الله خالق كل شئ ورازقه ؛ فمن صنع شيئاً فإنما هو الذي يصنعه هو له . وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك ؛ من الظهور على الأعداء والتمكن في البلاد وعظم السلطان في الدنيا ؛ فنحن نعرفه، ولسنا ننكره ؛ فالله صنعه بكم ؛ ووضعه فيكم وهو له دونكم ؛ وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال، وضيق المعيشة واختلاف القلوب ؛ فنحن نعرفه ؛ ولسنا ننكره ؛ والله ابتلانا بذلك، وصيرنا إليه، والدنيا دول ؛ ولم يزل أهل شدائدها يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليها ؛ ولو يزل أهل رخاتها يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم ويصيروا إليها ولوكنتم فيما آتاكم الله ذوى شكر، كان شكركم يقصر عما أوتيتم، وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال ؛ ولو كنا فيما ابتلينا به أهل كفر ؛ كان عظيم ما تتابع علينا مستجلبا من الله رحمة يرفه بها عنا، ولكن الشأن غير ما تذهبون إليه ؛ أو كنتم تعرفوننا به ؛ إن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولاً....ثم ذكر مثل الكلام الأول ؛ حتى انتهى إلى قوله: وإن احتجت إلينا أن نمنعك فكن لنا عبد تؤدى الجزية عن يد وأنت صاغر، وإلا فالسيف إن أبيت! فنخر نخرة، واستشاط غضباً، ثم حلف بالشمس لا يرتفع لكم الصبح غداً حتى أقتلكم أجمعين.

فانصرف المغيرة ؛ وخلص رستم تألفا بأهل فارس، وقال: أين هؤلاء منكم؟ ما بعد هذا! ألم يأتكم الأولان فحسراكم واستحرجاكم، ثم جاءكم هذا، فلم يختلوفا، وسلكوا طريقاً واحجداً، ولزموا أمراً واحداً ؛ هؤلاء والله الرجال ؛ صادقين كانوا أم كاذبين! والله لئن كان بلغ من إربهم وصونهم لسرهم ألا يختلفوا، فما قوم أبلغ فيما أرادوا منهم ؛ لئن كانوا صادقين ما يقول لهؤلاء شئ! فلجوا وتجلدوا وقال: والله إني لأعلم أنكم تصغون إلى ما أقول لكم ؛ وإن هذا منكم رئاء ؛ فازدادوا لجاجة.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: فأرسل مع المغيرة رجلاً. وقال له: إذا قطع القنطرة، ووصل إلى أصحابه، فناد: إن الملك كان منجماً قد حسب لك ونظر في أمرك، فقال: إنك غداً تفقأ عينك . ففعل الرسول، فقال المغيرة: بشرتني بخير وأجر ؛ ولولا أن أجاهد بعد اليوم أشباهكم من المشركين، لتمنيت أن الأخرى ذهبت أيضاً. فرآهم يضحكون من مقالته، ويتعجبون من بصيرته ؛ فرجع إلى الملك بذلك، فقال: أطيعوني يا أهل فارس ؛ وإني لأرى لله فيكم نقمة لا تستطيعون ردها عن أنفسكم. وكانت خيولهم تلقى على القنطرة لا تلقى إلا عليها، فلا يزالون يبدءون المسلمين، والمسلمون كافون عنهم الثلاثة الأيام؛ لا يبدءونهم ؛ فإذا كان ذلك منهم صدوهم ورد عوهم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان ترجمان رستم عن أهل الحيرة يدعى عبود.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبي وسعيد بن المرزبان، قالا: دعا رستم بالمغيرة، فجاء ححتى جلس على سريره، ودعا رستم ترجمانه - وكان عربياً من أهل الحيرة، يدعى عبود - فقال له المغيرة: ويحك يا عبود! أنت رجل عربي ؛ فأبلغه عنى إذا أنا تكلمت كما تبلغي عنه. فقال له رستم مثل مقالته، وقال له المغيرة مثل ومقالته، إلى إحدى ثلاث خلال: إلى الإسلام ولكم فيه مالنا وعليكم فيه ما علينا ؛ ليس فيه تفاضل بيننا، أو الجزية عن يد وأنتم صاغرون. قال: ما صاغرون؟ قال: أن يقوم الرجل منكم على رأس أحدنا بالجزية يحمده أن يقبلها منه ... إلى آخر الحديث؛ والإسلام أحب إلينا منهما.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عبيدة، عن شقيق، قال: شهدت القادسية غلاماً بعدما احتملت ؛ فقدم سعد القادسية في اثنى عشر ألفاً ؛ وبها أهل الأيام، فقدمت علينا مقدمات رستم، ثم زحف إلينا في ستين ألفاً، فملا أشرف رستم على العسكرقال: يا معشر العرب، ابعثوا إلينا رجلاً يكلمنا ونكلمه ؛ فبعث إليه المغيرة بن شعبة ونفراً، فلما أتوا رستم جلس المغيرة على السرير، فنخر أخو رستم، فقال المغيرة: لا تنخر ؛ فما زادني هذا شرفاً ولا نقص أخاك. فقال رستم: يا مغيرة، كنتم أهل شقاء، حتى بلغ ؛ وإن كان لكم أمر سوى ذلك، فأخبرونا. ثم أخذ رستم سهماً من كنانته، وقال: لا تروا أن هذه المغازل تغنى عنكم شيئاً ؛ فقال المغيرة مجيباً له، فذكر النبي صل الله عليه وسلم قال : فكان مما رزقنا الله على يديه حبة تنبت في أرضكم هذه ؛ فلما أذقناها عيالنا، قالوا: لا صبر لما عنها، فجئنا لنطعمهم أو نموت. فقال رستم: إذاً تموتون أو تقتلون، فقال المغيرة: إذاً يدخل من قتل منا الجنة، ويدخل من قتلنا منكم النار، ويظفر من بقى منا بمن بقى منكم ؛ فنحن نخيرك بين ثلاث خلال ...إلى آخر الحديث فقال رستم: لا صلح بيننا وبينكم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: أرسل إليهم سعد بقية ذوى الرأى جميعاً، وحبس الثلاثة ، فخرجوا حبى أتوه ليعظموا عليه استقباحاً، فقالوا له: إن أميرنا يقول لك: إن الجوار يحفظ الولاة، وإنى أدعوك إلى ما هو خير لنا ولك، العافية أن تقبل ما دعاك الله إليه، ونرجع إلى أرضنا، وترجع إلى أرضك وبعضنا من بعض ؛ إلا أن داركم لكم، وأمركم فيكم ؛ وما أصبتم مما وراءكم كان زيادة لكم دوننا ؛ وكنا لكم عونا على أحد إن ارادكم أو قوى عليكم. واتق الله يا رستم ؛ ولا يكونن هلاك قومك على يديك، فإنه ليس بينك وبين أن تغبط به إلا أن تدخل فيه وتطرد به الشيطان عنك ؛ فقال: إني قد كلمت منكم نفراً، ولو أنهم فهموا عنى رجوت أن تكونوا قد فهمتم، وإن الأمثال أوضح من كثير من الكلام، وسأضرب لكم مثلكم تبصروا. إنكم كنتم أهل جهد في المعيشة، وقشف في الهيئة، لا تمتنعون ولا تنتصفون، فلم نسئ جواركم، ولم ندع مواساتكم، تقحمون المرة بعد المرة، فنميركم ثم نردكم ، وتأتوننا أجراء وتجاراً، فنحسن إليكم ؛ فلما تطاعمتم بطعامنا، وشربتم شرابنا، وأظلكم ظلنا، وصفتم لقومكن ؛ فدعوتموهم، ثم أتيتمونا بهم، وإنما مثلكم في ذلك ومثلنا كمثل رجل كان له كرم، فرأى فيه ثعلباً، فقال: وما ثعلب ! فانطلق الثعلب، فدعا الثعالب إلى ذلك الكرم، فلما اجتمعن عليه سد عليهن صاحب الكرم الحجر الذي كن يدخلن منه، فقتلهن، وقد علمت أنا الذي حملكم على حملكم علىهذا الحرص والطمع والجهد، فارجعوا عنا عامكم هذا، وامتاروا حاجتكم، ولكم العود كلما احتجتم، فإني لا أشتهي أن أقتلكم.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن عمارة بن القعقاع الضبى، عن رجل من يربوع شهدها، قال: وقال وقد أصاب أناس كثير منكم من أرضنا ما أرادوا، ثم كان مصيركم القتل والهرب، ومن سن هذا لكم خير منكم وأقوى ؛ وقد رأيتم أنتم كلما أصابوا شيئاً أصيب بعضهم ونجا بعضهم ؛ وخرج مما كان أصاب، ومن أمثالكم فيما تصنعون مثل جردان ألفت جرة فيها حب ، وفي الجرة ثقب، فدخل الأول فأقام فيها، وجعل الأخر ينقلن منها ويرجعن ويكلمنه في الرجوع، فيأبى فانتهى سمن الذي في الجرة، فاشتاق إلى أهله ليريهم حسن حاله، فضاق عليه الحجر، ولم يطق الخروج، فشكا القلق إلى أصحابه، وسألهم المخرج، فقلن له: ما أنت بخارج منها حتى تعود كماكنت قبل أن تدخل، فكف وجوع نفسه، وبقى في الخوف، حتى إذا عاد كما كان قبل أن يدخلها أتى عليه صاحب الجرة فقتله. فاخرجوا ولا يكونن هذا لكم مثلاً.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: وقال: لم يخلق الله خلقاً أولع من ذباب ولا أضر ؛ ما خلاكم يا معشر العرب ؛ ترون الهلاك ويدليكم فيه الطمع ؛ وسأضرب لكم مثلكم: إن الذباب إذا رأى العسل طار، وقال: من يوصلني إليه وله درهمان حتى يدخله؟ لا ينهنهه أحد إلا عصاه، فإذا دخله غرق ونشب وقال: من يخرجني وله اربعة دراهم؟ وقال أيضاً: إنما مثلكم مثل ثعلب دخل حجراً وهو مهزول ضعيف إلى كرم، فكان فيه يأكل ما شاء الله، فرآه صاحب الكرم، ورأى ما به، فرحمه، فملا طال مكثه في الكرم وسمن، وصلحت حاله، وذهب ما كان به من الهزال أشر، فجعل يبعث بالكرم ويفسد أكثر مما يأكل، فاشتد على صاحب الكرم، فقال: لا أصبر على هذا من أمر هذا، فأخذ له خشبة واستعان عليه غلمانه، فطلبوه وجعل يراوغهم في الكرم، فملا رأى أنهم غير مقلعين عنه، ذهب ليخرج من الحجر الذي دخل منه، فنشب. أتسع عليه وهو مهزول، وضاق عليه وهو سمين ؛ فجاءه وهو على تلك الحال صاحب الكرم، فلم يزل يضربه حتى قتله، وقد جئتم وأنتم مهازيل ؛ وقد سمنتم شيئاً من سمن ؛ فانظروا كيف تخرجون! وقال أيضاً: إن رجلا وضع سلا، وجعل طعامه فيه ؛ فأتى الجرذان ، فخرجوا سله، فدخلوا فيه فأراد سده، فقيل له: لا تفعل، إذاً يخرقنه، ولكن انقب بحياله ؛ ثم اجعل فيها قصبة مجوفة، فإذا جاءت الجرذان دخلن من القصبة وخرجن منها، فلكما طلع عليكم جرذ قتلموه. وقد سددت عليكم ؛ فإياكم أن تقتحموا القصبة، فلا يخرج منها أحد إلا قتل، وما دعاكم إلى ما صنعتم ؛ ولا أرى عدد ولا عدة! كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة بإسنادهما وزياد معهما، قالوا فتكلم القوم فقالوا: أما ما ذكرتم من سوء حالنا فيما مضى، وانتشار أمرنا، فلما تبلغ كنهه! يموت الميت منا إلى النار، ويبقى الباقي منا في بؤس؛ فبينا نحن في أسوإ ذلك ؛ بعث الله فينا رسولاً من أنفسنا إلى الإنس والجن، رحمة رحم بها من أراد رحمته، ونقمة ينتقم بها من رد كرامته ؛ فبدأ بنا قبيلة قبيلة، فلم يكن أحد أشد عليه ؛ ولا أشد إنكاراً لما جاء به، ولا أجهد على قتله ورد الذي جاء به من قومه، ثم الذين يلونهم، حتى طابقناه على ذلك كلنا، فنصبنا له جميعاً، وهو وحده فرد ليس معه إلا الله تعالى، فأعطى الظفر علينا، فدخل بعضنا طوعاً، وبعضنا كرهاً، ثم عرفنا جميعاً الحق والصدق لما أتانا به من الآيات المعجزة ؛ وكان مما أتانا به من عند ربنا جهاد الأدنى فالأدنى، فسرنا بذلك فيما بيننا، نرى أن الذي قال لنا ووعدنا لا يخرم عنه ولا ينقض ؛ حتى اجتمعت العرب على هذا، وكانوا من اختلاف الرأى فيما لا يطيق الخلائق تألفيهم. ثم اتيناكم بأمر ربنا، نجاهد في سبيله، وننفذ لأمره ، وننتجز موعوده، وندعوكم إلى الإسلام وحكمه؛ فإن أجبتمونا تركناكم ورجعنا وخلفنا فيكم كتاب الله ؛ وإن أبيتم لم يحل لنا إلا أن نعاطيكم القتال أو تفتدوا بالجزى ؛ فإن فعلتم وإى فإن الله قد أورثنا أرضكم وأبناءكم وأموالكم. فاقبلوا نصيحتنا ؛ فوالله لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم، ولقتالكم بعد أحب من صلحكم. وأما ما ذكرت من رثائتنا وقلتنا فإن أداتنا الطاعة، وقتالنا الصبر . وأما ما ضربتم لنا من الأمثال، فإنكم ضربتم للرجال والأمور الجسام وللجد الهزل؛ ولكنا سنضرب مثلكم، وإنما مثلكم مثل رجل غرس أرضاً، واختار لها الشجر والحب، وأجرى إليها ألأنهار، وزينها بالقصور، وأقام فيها فلاحين يسكنون قصورها، ويقومون على جناتها، فخلا الفلاحون في القصور على ما لا يحب، وفي الجنان بمثل ذلك، فأطال نظرتهم ؛ فلما لم يستحيوا من تلقاء أنفسهم ؛ استعتبهم فكابروه، فدعا إليها غيرهم، وأخرجهم منها ؛ فإن ذهبوا عنها تخطفهم الناس، وإن أقاموا فيها صاروا خولاً لهؤلاء يملكونهم ؛ ولا يملكون عليهم؛ فيسمونهم الخسف أبداً ؛ والله أن لو لم يكن ما نقول لك حقاً، ولم يكن إلا الدنيا، لما كان لنا عما ضربنا به من لذيذ عيشكم، ورأينا من زبر جكم من صبر، ولقارعناكم حتى نغلبكم عليه.

فقال رستم: أتعبرون إلينا أن نعبر إليكم؟ فقالوا: بل عبروا إلينا، فخرجوا من عنده عشياً، وأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم، وأرسل إليهم: شأنكم والعبور ؛ فأرادوا القنظرة، فأرسل إليهم: لا ولا كرامة ! أما شئ قد غلبناكم عليه فلم نرده عليكم ؛ تكفلوا معبراً غير القناطر، فباتوا يسكرون العتيق حتى الصباح بأمتعتهم.

وورد في كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الأثير:

" لما اجتمع الناس إلى عمر خرج من المدينة حتى نزل على ماء يدعى صرارًا فعسكر به ولا يدري الناس ما يريد أيسير أم يقيم وكانوا إذا أرادوا أن يسألوه عن شيء رموه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف فإن لم يقدر هذان على علم شيء مما يريد ثلثوا بالعباس بن عبد المطلب فسأله عثمان عن سبب حركته فأحضر الناس فأعلمهم الخبر واستشارهم في المسير إلى العراق فقال العامة‏:‏ سر وسر بنا معك‏.‏

فدخل معهم في رأيهم وقال‏:‏ اغدوا واستعدوا فإني سائر إلا أن يجيء رأي هو أمثل من هذا‏.‏

ثم جمع وجوه أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأرسل إلى علي وكان استخلفه على المدينة فأتاه إلى طلحة وكان على المقدمة فرجع إليه وإلى الزبير وعبد الرحمن وكانا على المجنبتين فحضرا ثم استشارهم فاجتمعوا على أن يبعث رجلًا من أصحاب رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ ويرميه بالجنود فإن كان الذي يشتهي فهو الفتح وإلا أعاد رجلًا وبعث آخر ففي ذلك غيظ العدو‏.‏

فجمع عمر الناس وقال لهم‏:‏ إني كنت عزمت على المسير حتى صرفني ذوو الرأي منكم وقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلًا فأشيروا علي برجل‏.‏

وكان سعد بن أبي وقاص على صدقات هوازن فكتب إليه عمر بانتخاب ذوي الرأي والنجدة والسلاح فجاءه كتاب سعد وعمر يستشير الناس فيمن يبعثه يقول‏:‏ قد انتخبت لك ألف فارس كلهم له نجدة ورأي وصاحب حيطة يحوط حريم قومه إليهم انتهت أحسابهم ورأيهم‏.‏

فلما وصل كتابه قالوا لعمر‏:‏ قد وجدته‏.‏

قال‏:‏ من هو قالوا الأسد عاديًا سعد بن مالك فانتهى إلى قولهم وأحضره وأمره على حرب العراق ووصاه وقال‏:‏ لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكنه يمحو السيء بالحسن وليس بين الله وبين أحد نسب إلا طاعته فالناس في ذات الله سواء الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عنده بالطاعة فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ يلزمه فالزمه‏.‏

ووصاه بالصبر وسرحه فيمن اجتمع إليه من نفر المسلمين وهم أربعة آلاف فيهم حميضة بن النعمان بن حميضة على بارق وعمرو بن معدي كرب وأبو سبرة بن ذؤيب على مذحج ويزيد بن الحارث الصدائي على صداء وحبيب ومسلية وبشر بن عبد الله الهلالي في قيس عيلان‏.‏

وخرج إليهم عمر فمر بفتية من السكون مع حصين بن نمير ومعاوية ابن حديج دلمٍ سباطٍ فأعرض عنهم فقيل له‏:‏ ما لك وهؤلاء فقال‏:‏ ما مر بي قوم من العرب أكره إلي منهم‏.‏

ثم أمضاهم فكان بعد يذكرهم بالكراهة فكان منهم سودان بن حمران قتل عثمان وابن ملجم قتل عليًا ومعاوية حديج جرد السيف في المسلمين يظهر الأخذ بثأر عثمان وحصين بن نمير كان أشد الناس في قتال علي‏.‏

ثم إن عمر أخذ بوصيتهم وبعظتهم ثم سيرهم وأمد عمر سعدًا بعد خروجه بألفي يماني وألفي نجدي وكان المثنى بن حارثة في ثمانية آلاف وسار سعد والمثنى ينتظر قدومه فمات المثنى قبل قدوم سعد من جراحة انتقضت عليه واستخلف على الناس بشير بن الخصاصية وسعد يومئذٍ بزرود وقد اجتمع معه ثمانية آلاف وأمر عمر بني أسد أن ينزلوا على حد أرضهم بين الحزن والبسيطة فنزلوا في ثلاثة آلاف وسار سعد إلى شراف فنزلها ولحقه بها الأشعث بن قيس في ألف وسبعمائة من أهل اليمن فكان جميع من شهد القادسية بضعة وثلاثين ألفًا وجميع من قسم عليه فيئها نحو من ثلاثين ألفًا‏.‏

ولم يكن أحد أجرأ على أهل فارس من ربيعة فكان المسلمون يسمونهم ربيعة الأسد إلى ربيعة الفرس ولم يدع عمر ذا رأيٍ ولا شرف ولا خطيبًا ولا شاعرًا ولا وجيهًا من وجوه الناس إلا سيره إلى سعد‏.‏

وجمع سعد من كان بالعراق من المسلمين من عسكر المثنى فاجتمعوا بشراف فعبأهم وأمر الأمراء وعرف على كل عشرة عريفًا وجعل على الرايات رجالًا من أهل السابقة وولى الحروب رجالًا على ساقتها ومقدمتها ورجلها وطلائعها ومجنباتها ولم يفصل إلا بكتاب عمر فجعل على المقدمة زهرة بن عبد الله ابن قتادة بن الحوية فانتهى إلى العذيب وكان من أصحاب رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ وجعل على الميمنة عبد الله بن المعتم وكان من الصحابة أيضًا واستعمل على الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي وجعل خليفته خالد بن عرفطة حليف بني عبد شمس وجعل عاصم بن عمرو التميمي على الساقة وسواد بن مالك التميمي على الطلائع وسلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة وعلى الرجالة حمال بن مالك الأسدي وعلى الركبان عبد الله ابن ذي السهمين الحنفي وجعل عمر على القضاء بينهم عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي وعلى قسمة الفيء أيضًا وجعل رائدهم وداعيتهم سلمان الفارسي والكاتب زياد بن أبيه‏.‏

وقدم المعنى بن حارثة الشيباني وسلمى بنت خصفة زوج المثنى بشراف وكان المعنى بعد موت أخيه قد سار إلى قابوس بن قابوس بن المنذر بالقادسية وكان قد بعثه إليها الفرس يستنفر العرب فسار إليه المعنى فقفله فأنامه ومن معه ورجع إلى ذي قار وسار إلى سعد يعلمه برأي المثنى له وللمسلمين يأمرهم أن يقاتلوا الفرس على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب ولا يقاتلوهم بعقر دارهم فإن يظهر الله المسلمين فلهم ما وراءهم وإن كانت الأخرى رجعوا إلى فئة ثم يكونوا أعلم بسبيلهم وأجرأ على أرضهم إلى أن يرد الله الكرة عليهم‏.‏

فترحم سعد ومن معه على المثنى وجعل المعنى على عمله وأوصى بأهل بيته خيرًا ثم تزج سعد سلمى زوج المثنى‏.‏

وكان معه تسعة وتسعون بدريًا وثلاثمائة وبضعة عشر ممن كانت له صحبة فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك وثلاثمائة ممن شهد الفتح وسبعمائة من أبناء الصحابة‏.‏

وقدم على سعد وهو بشراف كتاب عمر بمثل رأي المثنى وكتب عمر أيضًا إلى أبي عبيدة ليصرف أهل العراق ومن اختار أن يلحق بهم إلى العراق‏.‏

وكان للفرس رابطة بقصر ابن مقاتل عليها النعمان بن قبيصة الطائي وهو ابن عم قبيصة بن إياس صاحب الحيرة فلما سمع بمجيء سعد سال عنه وعنده عبد الله بن سنان بن خزيم الأسدي فقيل‏:‏ رجل من قريش‏.‏

فقال‏:‏ والله لأحادنه القتال فإن قريشًا عبيد من غلب والله لا يخرجون من بلادهم إلا بخفين‏!‏ فغضب عبد الله بن سنان من قوله وأمهله حتى دخل قبته فقتله ولحق بسعد وأسلم‏.‏


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:46 am


تابع .....
معركة القادسية
وسار سعد من شراف فنزل العذيب ثم سار حتى نزل القادسية بين العتيق والخندق بحيال القنطرة وقديس أسفل منها بميل‏.‏

وكتب عمر إلى سعد‏:‏ ‏(‏إني ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم فمتى لاعب أحد منكم أحدًا من العجم بأمان أو بإشارة أو بلسان كان لا يدري الأعجمي ما كلمه به كان عندهم أمانًا فأجروا له ذلك مجرى الأمان والوفاء فإن الخطأ بالوفاء بقية وإن الخطأ بالغدر هلكة وفيها وهنكم وقوة عدوكم وذهاب ريحكم وإقبال ريحهم‏.‏ واعلموا أني أحذركم أن تكونوا شيئًا على المسلمين وسببًا لتوهينهم‏)‏‏.‏

فلما نزل زهرة في المقدمة وأمسى بعث سرية في ثلاثين معروفين بالنجدة وأمرهم بالغارة على الحيرة فلما جازوا السيلحين سمعوا جلبة فمكثوا حتى حاذوهم وإذا أخت آزادمرد بن آزاذبه مرزبان الحيرة تزف إلى صاحب الصنين وهو من أشارف العجم فحمل بكير ابن عبد الله الليثي أمير السرية على شيرزاد بن آزاذبه فدق صلبه وطارت الخيل على وجوهها وأخذوا الأثقال وابنة آزاذبه في ثلاثين أمرًا من الدهاقين ومائة من التوابع ومعهم ما لا يدري قيمته فاستاق ذلك ورجع فصبح سعدًا بعذيب الهجانات فقسم ذلك على المسلمين وترك الحريم بالعذيب ومعها خيل تحوطها وأمر عليهم غالب بن عبد الله الليثي‏.‏

ونزل سعد القادسية وأقام بها شهرًا لم يأته من الفرس أحد‏.‏

فأرسل سعد عاصم ابن عمرو إلى ميسان فطلب غنمًا أو بقرًا فلم يقدر عليها وتحصن منه من هناك فأصاب عاصم رجلًا بجانب أجمة فسأله عن البقر والغنم فقال‏:‏ ما أعلم‏.‏فصاح ثور من الأجمة‏:‏ كذب عدو الله ها نحن‏!‏ فدخل فاستاق البقر فأتى بها العسكر قسمه سعد على الناس فأخصبوا أيامًا‏.‏

فبلغ ذلك الحجاج في زمانه فأرسل إلى جماعة فسألهم فشدوا أنهم سمعوا ذلك وشاهدوه فقال‏:‏ كذبتم‏.‏

قالوا‏:‏ ذلك إن كنت شهدتها وغبنا عنها‏.‏

قال‏:‏ صدقتم فما كنا الناس يقولون في ذلك قالوا‏:‏ آية تبشر وإنه يستدل بها على رضى الله وفتح عدونا‏.‏

فقال‏:‏ ما يكون هذا إلا والجمع أبرار أتقياء‏.‏

قالوا‏:‏ ما ندري ما أجنب قلوبهم فأما ما رأينا فما رأينا قط أزهد في دنيا منهم ولا أشد بغضًا لها ليس فيهم جبان ولا عار ولا غدار‏.‏

وذلك يوم الأباقر‏.‏

وبث سعد الغارات والنهب بين كسكر والأنبار فحووا من الأطعمة ما استكفوا به زمانًا وكان بين نزول خالد بن الوليد العراق وبين نزول سعد القادسية والفراغ منها سنتان وشيء فاستغاث أهل السواد إلى يزدجرد وأعلموه أن العرب قد نزلوا القادسية ولا يبقى على فعلهم شيء وقد أخربوا ما بينهم وبين الفرات ونهبوا الدواب والأطعمة وإن أبطأ الغياث أعطيناهم بأيدينا وكتب إليه بذلك الذي لهم الضياع بالطف وهيجوه على إرسال الجنود‏.‏

فأرسل يزدجرد إلى رستم فدخل عليه فقال‏:‏ ‏(‏إني أريد أن أوجهك في هذا الوجه وإنما يعد للأمور على قدرها فأنت رجل فارس اليوم وقد ترى ما حل بالفرس مما لم يأتهم مثله‏)‏‏.‏ فأظهر له الإجابة ثم قال له‏:‏ دعني فإن العرب لا تزال تهاب العجم ما لم تضربهم بي ولعل الدولة أن تثبت بي إذا لم أحضر الحرب فيكون الله قد كفى ونكون قد أصبنا المكيدة والرأي في الحرب أنفع من بعض الظفر والأناة خير من العجلة وقتال جيش بعد جيش أمثل من هزيمة بمرة وأشد على عدونا‏.‏

فأبى عليه وأعاد رستم كلامه وقال‏:‏ قد اضطرني تضييع الرأي إلى إعظام نفسي وتزكيتها ولو أجد من ذلك بدًا لم أتكلم به فأنشدك الله في نفسك وملكك دعني أقم بعسكري وأسرح الجالينوس فإن تكن لنا فذلك وإلا بعثنا غيره حتى إذا لم نجد بدًا صبرنا لهم وقد وهناهم ونحن حامون فإني لا أزال مرجوًا في أهل فارس ما لم أهزم‏.‏

فأبى إلا أن يسير فخرج حتى ضرب عسكره بساباط وأرسل إلى الملك ليعفيه فأبى‏.‏وجاءت الأخبار إلى سعد بذلك فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر‏:‏ ‏(‏لا يكربنك ما يأتيك عنهم واستعن بالله وتوكل عليه وابعث إليه رجالًا من أهل المناظرة والرأي والجلد يدعونه فإن الله جاعلٌ دعاءهم توهينًا لهم‏)‏‏.‏

فأرسل سعد نفرًا منهم‏:‏ النعمان بن مقرن وبسر بن أبي رهم وحملة بن حوية وحنظلة بن الربيع وفرات بن حيان وعدي بن سهيل وعطارد بن حاجب والمغيرة بن زرارة بن النباش الأسدي والأشعث بن قيس والحارث بن حسان وعاصم بن عمرو وعمرو بن معدي كرب والمغيرة بن شعبة والمعنى بن حارثة إلى يزدجرد دعاة فخرجوا من العسكر فقدموا على يزدجرد وطووا رستم واستأذنوا على يزدجرد فحبسوا وأحضر وزراءه ورستم معهم واستشارهم فيما يصنع ويقول لهم‏.‏

واجتمع الناس ينظرون إليهم وتحتهم خيول كلها صهال وعليهم البرود وبأيديهم السياط فأذن لهم وأحضر الترجمان وقال له‏:‏ سلهم ما جاء بكم وما دعاكم إلى غزونا والولوع ببلادنا أمن أجل أننا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا فقال النعمان بن مقرن لأصحابه‏:‏ إن شئتم تكلمت عنكم ومن شاء آثرته‏.‏

فقالوا‏:‏ بل تكلم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولًا يأمرنا بالخير وينهانا عن الشر ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة فلم يدع قبيلة غلا وقاربه منها فرقة وتباعد عنه بها فرقة ثم أمر أن ينبذ إلى من خالفه من العرب فبدأ بهم فدخلوا معه على وجهين‏:‏ مكره عليه فاغتبط وطائع فازداد فعرفنا جميعًا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين حسن الحسن وقبح القبيح كله فإن أبيتم فأمرٌ من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزية فإن أبيتم فالمناجزة فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمنا على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم وإن بذلتم الجزاء قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم‏)‏‏.‏

فتكلم يزدجرد فقال‏:‏ ‏(‏إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددًا ولا أسوأ ذات بينٍ منكم قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفوننا أمركم لا تغزوكم فارس ولا تطمعوا أن تقوموا لفارس فإن كان غرر لحقكم فلا يغرنكم منا وإن كان لجهد دعاكم فرضنا لكم قوتًا إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكًا يرفق بكم‏.‏

فأسكت القوم فقام المغيرة بن زرارة فقال‏.‏

أيها الملك إن هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم وهم أشراف يستحيون من الأشراف وإنما يكرم الأشراف ويعظم حقهم الأشراف وليس كل ما أرسلوا به قالوه ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه فجاوبني لأكون الذي أبلغك وهم يشهدون على ذلك لي فأما ما ذكرت من سوء الحال فهي على ما وصفت وأشد ثم ذكر من سوء عيش العرب وإرسال الله النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ إليهم نحو قول النعمان وقتال من خالفهم أو الجزية ثم قال له‏:‏ اختر إن شئت الجزية عن يدٍ وأنت صاغر وإن شئت فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك‏.‏

فقال‏:‏ لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم‏!‏ لا شيء لكم عندي‏.‏

ثم استدعى بوقر من تراب فقال‏:‏ احملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن‏.‏

ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفنه ويدفنكم معه في خندق القادسية ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم بأنفسكم بأشد مما نالكم من سابور‏.‏

فقام عاصم بن عمرو ليأخذ التراب وقال‏:‏ أنا أشرفهم أنا سيد هؤلاء فحمله على عنقه وخرج إلى راحلته فركبها وأخذ التراب وقال لسعد‏:‏ ‏(‏أبشر فوالله لقد أعطانا الله أقاليد ملكهم‏)‏‏.‏

واشتد ذلك على جلساء الملك‏.‏

وقال الملك لرستم وقد حضر عنده من ساباط‏:‏ ما كنت أرى أن في العرب مثل هؤلاء ما أنتم بأحسن جوابًا منهم ولقد صدقني القوم لقد وعدوا أمرًا ليدركنه أو ليموتن عليه على أني وجدت أفضلهم أحمقهم حيث حمل التراب على رأسه‏.‏

فقال رستم‏:‏ ‏(‏أيها الملك إنه أعقلهم وتطير إلى ذلك وأبصرها دون أصحابه‏)‏‏.‏

وخرج رستم من عند الملك غضبان كئيبًا وبعث في أثر الوفد وقال لثقته‏:‏ ‏(‏إن أدركهم الرسول تلافينا أرضنا وإن أعجزه سلبكم الله أرضكم‏)‏‏.‏

فرجع الرسول من الحيرة بفواتهم فقال‏:‏ ذهب القوم بأرضكم من غير شك وكان منجمًا كاهنًا‏.‏

وأغار سواد بن مالك التميمي بعد مسير الوفد إلى يزدجرد على النجاف والفراض فاستقا ثلاثمائة دابة من بين بغل وحمار وثور وأوقرها سمكًا وصبح العسكر فقسمه سعد بين الناس وهذا يوم الحيتان وكانت السرايا تسري لطلب اللحوم فإن الطعام كان كثيرًا عندهم فكانوا يسمون الأيام بها‏:‏ يوم الأباقر ويوم الحيتان‏.‏

وبعث سعد سرية أخرى فأغاروا فأصابوا إبلًا لبني تغلب والنمر واستاقوها ومن فيها فنحر سعد الإبل وقسمها في الناس فأخصبوا‏.‏

وأغار عمرو بن الحارث على النهرين فاستاق مواشي كثيرة وعاد‏.‏

وسار رستم من ساباط وجمع آلة الحرب وبعث على مقدمته الجالينوس في أربعين ألفًا وخرج هو في ستين ألفًا وفي ساقته عشرون ألفًا وجعل في ميمنته الهرمزان وعلى الميسرة مهران بن بهرام الرازي وعلى ساقته البيرزان وقال رستم للملك يشجعه بذلك‏:‏ ‏(‏إن فتح الله علينا القوم فتوجهنا إلى ملكهم في دارهم حتى نشغلهم في أصلهم وبلادهم إلى أن يقبلوا المسالمة‏)‏‏.‏

وكان خروج رستم من المدائن في ستين ألف متبوع ومسيره عن ساباط في مائة ألف وعشرين

ولما فصل رستم عن ساباط كتب إلى أخيه البنذوان‏:‏ أما بعد فرموا حصونكم وأعدوا واستعدوا فكأنكم بالعرب قد وردوا بلادكم وقارعوكم عن أرضكم وأبنائكم وقد كان من رأيي مدافعتهم ومطاولتهم حتى تعود سعودهم نحوسًا فإن السمكة قد كدرت الماء وإن النعائم قد حسنت والزهرة قد حسنت واعتدل الميزان وذهب بهرام ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا ويستولون على ما يلينا وإن أشد ما رأيت أن الملك قال‏:‏ لتسيرن إليهم أو لأسيرن بنفسي‏.‏

ولقي جابان رستم على قنطرة ساباط وكانا منجمين فشكا إليه وقال له‏:‏ ألا ترى ما أرى فقال له رستم‏:‏ ‏(‏أما أنا فأقاد بخشاش وزمام ولا أجد بدًا من الانقياد‏)‏‏.‏

ثم سار فنزل بكوثى فأتي برجل من العرب فقال له‏:‏ ما جاء بكم وماذا تطلبون فقال‏:‏ جئنا نطلب موعود الله بملك أرضكم وأبنائكم إن أبيتم أن تسلموا‏.‏

قال رستم‏:‏ فإن قتلتم قبل ذلك‏!‏ قال‏:‏ من قتل منا دخل الجنة ومن بقي منا أنجزه الله ما وعده فنحن على يقين‏.‏

فقال رستم‏:‏ قد وضعنا إذن في أيديكم‏!‏ فقال‏:‏ أعمالكم وضعتكم فأسلمكم الله بها فلا يغرنك من ترى حولك فإنك لست تجاول الإنس إنما تجاول القضاء والقدر‏.‏

فضرب عنقه ثم سار فنزل البرس فغضب أصحابه الناس أبناءهم وأموالهم ووقعوا على النساء وشربوا الخمور فضج أهلها إلى رستم وشكوا إليه ما يلقون فقام إليهم فقال‏:‏ يا معشر فارس والله لقد صدق العربي والله ما أسلمنا إلا أعمالنا والله إن العرب مع هؤلاء وهم لهم حرب أحسن سيرةً منكم إن الله كان ينصركم على العدو ويمكن لكم في البلاد بحسن السيرة وكف الظلم والوفاء والإحسان فإذا تغيرتم فلا أرى الله إلا مغيرًا ما بكم وما أنا بآمن من أن ينزع الله سلطانه منكم‏.‏

وأتي ببعض من يشكى منه فضرب عنقه‏.‏

ثم سار حتى نزل الحيرة ودعا أهلها وتهددهم وهم بهم فقال له ابن بقيلة‏:‏ لا تجمع علينا‏:‏ أن تعجز عن نصرتنا وتلومنا على الدفع عن أنفسنا‏.‏

ولما نزل رستم بالنجف رأى كأن ملكًا نزل من السماء ومعه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعمر فأخذ الملك سلاح أهل فارس فختمه ثم دفعه إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدفعه النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ إلى عمر فأصبح رستم حزينًا‏.‏

وأرسل سعد السرايا ورستم بالنجف والجالينوس بين النجف والسيلحين فطافت في السواد فبعث سوادًا وحميضة في مائة مائة فأغاروا على النهرين وبلغ رستم الخبر فأرسل إليهم خيلًا وسمع سعدٌ أن خيله قد وغلت فأرسل عاصم بن عمرو وجابرًا الأسدي في آثارهم فلقيهم عاصم وخيل فارس تحوشهم ليخلصوا ما بأيديهم فلما رأته الفرس هربوا ورجع المسلمون بالغنائم‏.‏

وأرسل سعدٌ عمرو بن معدي كرب وطليحة الأسدي طليعة فسارا في عشرة فلم يسيروا إلا فرسخًا وبعض آخر حتى رأوا مسالحهم وسرحهم على الطفوف قد ملأوها فرجع عمرو ومن معه وأبى طليحة إلا التقدم فقالوا له‏:‏ أنت رجل في نفسك غدر ولن تفلح بعد قتل عكاشة بن محصن فارجع معنا‏.‏

فأبى فرجعوا إلى سعد فأخبروه بقرب القوم‏.‏

مضى طليحة حتى دخل عسكر رستم وبات فيه يجوسه ويتوسم فهتك أطناب بيت رجل عليه واقتاد فرسه ثم هتك على آخر بيته وحل فرسه ثم فعل بآخر كذلك ثم خرج يعدو به فرسه ونذر به الناس فركبوا في طلبه فأصبح وقد لحقه فارس من الجند فقتله طليحة ثم آخر فقتله ثم لحق به ثالث فرأى مصرع صاحبيه وهما ابنا عمه فازداد حنقًا فلحق طليحة فكر عليه طليحة وأسره ولحقه الناس فرأوا فارسي الجند قد قتلا وأسر الثالث وقد شارف طليحة عسكره فأحجموا عنه ودخل طليحة على سعد ومعه الفارسي وأخبره الخبر فسأل الترجمان الفارسي فطلب الأمان فآمنه سعد قال‏:‏ أخبركم عن صاحبكم هذا قبل أن أخبركم عمن قبلي باشرت الحروب منذ أنا غلام إلى الآن وسمعت بالأبطال ولم أسمع بمثل هذا أن رجلًا قطع فرسخين إلى عسكر فيه سبعون ألفًا يخدم الرجل منهم الخمسة والعشرة فلم يرض أن يخرج كما دخل حتى سلب فرسان الجند وهتك عليهم البيوت فلما أدركناه قتل الأول وهو يعد بألف فارس ثم الثاني وهو نظيره فقتله ثم أدركته أنا ولا أظن أنني خلفت من بعدي من يعدلني وأنا الثائر بالقتيلين فرأيت الموت واستؤسرت‏.‏

ثم أخبره عن الفرس واسلم ولزم طليحة وكان من أهل البلاء بالقادسية وسماه سعد مسلمًا‏.‏

ثم سار رستم وقدم الجالينوس وذا الحاجب فنزل الجالينوس بحيال زهرة من دون القنطرة ونزل ذو الحاجب بطيزناباذ ونزل رستم بالخرارة ثم سار رستم فنزل بالقادسية وكان بين مسيره من المدائن ووصوله القادسية أربعة أشهر لا يقدم رجاء أن يضجروا بمكانهم فينصرفوا وخاف أن يلقي ما لقي من قبله وطاولهم لولا ما جعل الملك يستعجله وينهضه ويقدمه حتى أقحمه‏.‏

وكان عمر قد كتب إلى سعد يأمره بالصبر والمطاولة أيضًا فأعد للمطاولة‏.‏

فلما وصل رستم القادسية وقف على العتيق بحيال عسكر سعد ونزل الناس فما زالوا يتلاحقون حتى أعتموا من كثرتهم والمسلمون ممسكون عنهم‏.‏

وكان مع رستم ثلاثة وثلاثون فيلًا منها فيل سابور الأبيض وكانت الفيلة تألفه فجعل في القلب ثمانية عشر فيلًا وفي المجنبتين خمسة عشر فيلًا‏.‏

فلما أصبح رستم من تلك الليلة ركب وساير العتيق نحو خفان حتى أتى على منقطع عسكر المسلمين ثم صعد حتى انتهى إلى القنطرة فتأمل المسلمين ووقف على موضع يشرف منه عليهم ووقف على القنطرة وأرسل إلى زهرة فوافقه فأراده على أن يصالحه ويجعل له جعلًا على أن ينصرفوا عنه من غير أن يصرح له بذلك بل يقول له‏:‏ ‏(‏كنتم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونحفظكم ويخبره عن صنيعهم مع العرب‏)‏‏.‏

فقال له زهرة‏:‏ ‏(‏ليس أمرنا أمر أولئك إنا لم نأتكم لطلب الدنيا إنما طلبتنا وهمتنا الآخرة وقد كنا كما ذكرت إلى أن بعث الله فينا رسولًا فدعانا إلى ربه فأجبناه فقال لرسوله‏:‏ إني سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني فأنا منتقم به منهم وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به وهو دين الحق لا يرغب عنه أحد إلا ذل ولا يعتصم به أحد إلا عز‏)‏‏.‏

فقال له رستم‏:‏ ما هو قال‏:‏ ‏(‏أما عموده الذي لا يصلح إلا به فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وأي شيء أيضًا قال‏:‏ وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله والناس بنو آدم وحواء إخوة لأب وأم‏.‏

قال‏:‏ ما أحسن هذا‏!‏ ثم قال رستم‏:‏ أرأيت إن أجبت إلى هذا ومعي قومي كيف يكون أمركم أترجعون قال‏:‏ إي والله‏.‏

قال‏:‏ صدقتني أما إن أهل فارس منذ ولي أردشير لم يدعوا أحدًا يخرج من عمله من السفلة كانوا يقولون إذا خرجوا من أعمالهم‏:‏ تعدوا طورهم وعادوا أشرافهم‏.‏

فقال زهرة‏:‏ ‏(‏نحن خير الناس للناس فلا نستطيع أن نكون كما تقولون بل نطيع الله في السفلة ولا يضرنا من عصى الله فينا‏)‏‏.‏

المراسلة بين سعد ورستم

فانصرف عنه ودعا رجال فارس فذاكرهم هذا فأنفوا فقال‏:‏ أبعدكم الله وأسحقكم أخزى الله أخرعنا وأجبتا‏.‏

فأرسل إلى سعد‏:‏ أن ابعث إلينا رجلًا نكلمه ويكلمنا‏.‏

فدعا سعدٌ جماعة ليرسلهم إليهم‏.‏

فقال له ربيع بن عامر‏:‏ إن الأعاجم لهم أراء وأداب ومتى نأتهم جميعًا يروا أنا قد احتفلنا بهم فلا تزدهم على رجل فمالئوه جميعًا على ذلك‏.‏

فأرسله وحده فسار إليهم فحبسوه على القنطرة‏.‏

وأعلم رستم بمجيئه فأظهر زينته وجلس على سرير من ذهب وبسط البسط والنمارق والوسائد المنسوجة بالذهب وأقبل ربعي على فرسه وسيفه في خرقة ورمحه مشدود بعصب وقد فلما انتهى إلى البسط قيل له‏:‏ انزل فحمل فرسه عليها ونزل وربطها بوسادتين شقهما وأدخل الحبل فيهما فلم ينهوه وأروه التهاون وعرف ما أرادوا وعليه درع وأخذ عباءة بعيره فتدرعها وشدها على وسطه‏.‏

فقالوا‏:‏ ضع سلاحك‏.‏

فقال‏:‏ لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم أنتم دعوتموني فإن أبيتم أن آتيكم إلا كما أريد وإلا رجعت‏.‏

فأخبروا رستم فقال‏:‏ ائذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه ويقارب خطوه فلم يدع لهم نمرقًا ولابساطًا إلا أفسده وهتكه‏.‏

فلما دنا من رستم جلس على الأرض وركز رمحه على البسط فقيل له‏:‏ ما حملك على هذا قال‏:‏ إنا لا نستحب القعود على زينتكم‏.‏

فقال له ترجمان رستم واسمه عبود من أهل الحيرة‏:‏ ما جاء بكم قال‏:‏ الله جاء بنا وهو بعثنا لنخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبله قبلنا منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه دوننا ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى الجنة أو الظفر‏.‏

فقال رستم‏:‏ قد سمعنا قولكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه قال‏:‏ نعم وإن مما سن لنا رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ أن لا نمكن الأعداء أكثر من ثلاث فنحن مترددون عنكم ثلاثًا فانظر في أمرك واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل‏:‏ إما الإسلام وندعك وأرضك أو الجزاء فنقبل ونكف عنك وإن احتجت إلينا نصرناك أو المنابذة في اليوم الرابع ولسنا نبدأك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأ بنا أنا كفيل بذلك عن أصحابي‏.‏

قال‏:‏ أسيدهم أنت قال‏:‏ لا ولكن المسلمين كالجسد الوحد بعضهم من بعض يجيز أدناهم على أعلاهم‏.‏

فخلا رستم برؤساء قومه فقال‏:‏ هل رأيتم كلامًا قط أعز وأوضح من كلام هذا الرجل فقالوا‏:‏ معاذ الله أن نميل إلى دين هذا الكلب‏!‏ أما ترى إلى ثيابه فقال‏:‏ ويحكم‏!‏ لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة إن العرب تستخف باللباس وتصون الأحساب ليسوا مثلكم‏.‏

فلما كان من الغد أرسل رستم إلى سعد‏:‏ أن ابعث إلينا ذلك الرجل‏.‏

فبعث إليهم حذيفة بن محصن فأقبل في نحو من ذلك الزي ولم ينزل عن فرسه ووقف على رستم راكبًا‏.‏

قال له‏:‏ انزل‏.‏

قال‏:‏ لا أفعل‏.‏

فقال له‏:‏ ما جاء بك ولم يجىء الأول قال له‏:‏ إن أميرنا يحب أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء وهذه نوبتي‏.‏

فقال‏:‏ ما جاء بكم فأجابه مثل الأول‏.‏

فقال رستم‏:‏ أو الموادعة إلى يوم ما قال‏:‏ نعم ثلاثًا من أمس‏.‏

فرده وأقبل على أصحابه وقال‏:‏ ويحكم أما ترون ما أرى جاءنا الأول بالأمس فغلبنا على أرضنا وحقر ما نعظم وأقام فرسه على زبرجنا وجاء هذا اليوم فوقف علينا وهو في يمن الطائر يقوم على أرضنا دوننا‏.‏

فلما كان الغد أرسل‏:‏ ابعثوا إلينا رجلًا‏.‏

فبعث المغيرة بن شعبة فأقبل إليهم وعليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب وبسطهم على غلوة لا يوصل إلى صاحبهم حتى يمشى عليها فأقبل المغيرة حتى جلس مع رستم على سريره فوثبوا عليه وأنزلوه ومعكوه وقال‏:‏ قد كانت تبلغنا عنكم الأحلام ولا أرى قومًا أسفه منكم إنا معشر العرب لا نستعبد بعضنا بعضًا فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى فكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعضٍ فإن هذا الأمر لا يستقيم فيكم ولا يصنعه أحدٌ وإني لم آتكم ولكم دعوتموني اليوم علمت أنكم مغلبون وأن ملكًا لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول‏.‏

فقالت السفلة‏:‏ صدق والله العربي‏.‏

وقالت الدهاقين‏:‏ والله لقد رمى بكلام لا تزال عبيدنا ينزعون إليه قاتل ثم تكلم رستم فحمد قومه وعظم أمرهم وقال‏:‏ لم نزل متمكنين في البلاد ظاهرين على الأعداء أشرافًا في الأمم فليس لأحد مثل عزنا وسلطاننا ننصر عليهم ولا ينصرون علينا إلا اليوم واليومين والشهر للذنوب فإذا انتقم الله منا ورضي علينا رد لنا الكرة على عدونا ولم يكن في الأمم أمة أصغر عندنا أمرًا منكم كنتم أهل قشفٍ ومعيشةٍ لا نراكم شيئًا وكنتم تقصدوننا إذا قحطت بلادكم فنأمر لكم بشيء من التمر والشعير ثم نردكم وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا الجهد في بلادكم فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم وآمر لكل منكم بوقر تمر وتنصرفون عنا فإني لست أشتهي أن أقتلكم‏.‏

فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ إن الله خالق كل شيء ورازقه فمن صنع شيئًا فإنما هو يصنعه وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الظهور على الأعداء والتمكن في البلاد فنحن نعرفه فالله صنعه بكم ووضعه فيكم وهو له دونكم وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال والضيق والاختلاف فنحن نعرفه ولسنا ننكره والله ابتلانا به والدنيا دولٌ ولم يزل أهل الشدائد يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه ولم يزل أهل الرخاء يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم ولو شكرتم ما آتاتتكم الله لكان شكركم يقصر عما أوتيتم وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال ولو كنا فيما باتلينا به أهل كفر لكان عظيم ما بتلينا به مستجلبًا من الله رحمةً يرفه بها عنا إن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولًا‏.‏

ثم ذكر مثل ما تقدم من ذكر الإسلام والجزية والقتال وقال له‏:‏ وإن عيالنا قد ذاقوا طعام بلادكم فقالوا‏:‏ لا صبر لنا عنه‏.‏

فقال رستم‏:‏ إذًا تموتون دونها‏.‏

فقال المغيرة‏:‏ يدخل منقتل منا الجنة ومن قتل منكم النار ويظفر من بقي منا بمن بقي منكم‏.‏

فاستشاط رستم غضبًا ثم حلف بالشمس أن لا يرتفع الصبح غدًا حتى نقتلكم أجمعين‏.‏

وانصرف المغيرة وخلص رستم بأهل فارس وقال‏:‏ أين هؤلاء منكم‏!‏ هؤلاء والله الرجال صادقين كانوا أم كاذبين والله لئن كان بلغ من عقلهم وصونهم لسرهم أن لا يختلفوا فما قوم أبلغ لما ارادوا منهم ولئن كانوا صادقين فيما يقوم لهؤلاء شيء‏!‏ فلجوا وتجلدوا‏.‏

وقال‏:‏ والله إني لأعلم أنكم تصغون إلى ما أقول لكم وإن هذا منكم رثاء‏.‏

فازدادوا لجاجة‏.‏

فأرسل رستم رسولًا خلف المغيرة وقال له‏:‏ إذا قطع القنطرة فأعلمه أن عينه تفقأ غدًا فأعلمه الرسول ذلك فقال المغيرة‏:‏ بشرتني بخير وأجر ولولا أن أجاهد بعد هذا اليوم أشباهكم من المشركين لتمنيت أن الأخرى ذهبت‏.‏

فرجع إلى رستم فأخبره‏.‏

فقال‏:‏ أطيعوني يا أهل فارس إني لأرى لله فيكم نقمة لا تستطيعون ردها عن أنفسكم‏.‏

ثم أرسل إليه سعدٌ بقية ذوي الرأي فساروا وكانوا ثلاثة إلى رستم فقالوا له‏:‏ إن أميرنا يدعوك

إلى ما هو خيرٌ لنا ولك العافية أن تقبل ما دعاك إليه ونرجع إلى أرضنا وترجع إلى أرضك وداركم لكم وأمركم فيكم وما أصبتم كان زيادة لكم دوننا وكنا عونًا لكم على أحد إن أرادكم أو قوي عليكم فاتق الله ولا يكونن هلاك قومك على يدك وليس بينك وبين أن تغبط بهذا الأمر إلا أن تدخل فيه وتطرد به الشيطان عنك‏.‏

فقال لهم‏:‏ إن الأمثال أوضح من كثير من الكلام وسأضرب لكم مثلكم تبصروا‏:‏ إنكم كنتم أهل جهد وقشفٍ لا تنتصفون ولا تمتنعون فلم نسىء جواركم وكنا نميركم ونحسن إليكم فلما طعمتم طعامنا وشربتم شرابنا وصفتم لقومكم ذلك ودعوتموهم ثم أتيتمونا وإنما مثلكم ومثلنا كمثل رجل كان له كرم فرأى فيه ثعلبًا فقال‏:‏ وما ثعلب‏!‏ فانطلق الثعلب فدعا الثعالب إلى ذلك الكرم فلما اجتمعوا إليه سد صاحب الكرم النقب الذي كن يدخلن منه فقتلهن فقد علمت أن الذي حملكم على هذا الحرص والجهد فارجعوا عنا عامكم هذا ونحن نميركم فإني لا أشتهي أن أقتلكم ومثلكم أيضًا كالذباب يرى العسل فيقول‏:‏ من يوصلني إليه وله درهمان فإذا دخله غرق ونشب فيقول‏:‏ من يخرجني وله أربعة دراهم وقال أيضًا‏:‏ إن رجلًا وضع سلة وجعل طعامًا فيها فأتى الجرذان فخرقن السلة فدخلن فيها فأراد سدها فقيل له‏:‏ لا تفعل إذن يخرقنه لكن انقب بحياله ثم اجعل فيها قصبة مجوفة فإذا دخلها الجرذان وخرجن منها فاقتل كل ما خرج منها وقد سددت عليكم فإياكم أن تقتحموا القصبة فلا يخرج منها أحدٌ إلا قتل فما دعاكم إلى ما صنعتم ولا أرى عددًا ولا عدة‏!‏ قال‏:‏ فتكلم القوم وذكروا سوء حالهم وما من الله به عليهم من إرسال رسوله واختلافهم أولًا ثم اجتماعهم على الإسلام وما أمرهم به من الجهاد وقالوا‏:‏ وأما ما ضربت لنا من الأمثال فليس كذلك ولكن سنضرب مثلكم إنما مثلكم كمثل رجل غرس أرضًا واختار لها الشجر وأجرى إليها الأنهار وزينها بالقصور وأقام فيها فلاحين يسكنون قصورها ويقومون على جناتها فخلا الفلاحون في القصور على ما لا يحب فأطال إمهالهم فلم يستحيوا فدعا إليها غيرهم وأخرجهم منها فإن ذهبوا عنها تخطفهم الناس وإن أقاموا فيها صاروا خولًا لهؤلاء فيسومونهم الخسف أبدًا والله لو لم يكن ما نقول حقًا ولم يكن إلا الدنيا لما صبرنا على الذي نحن فيه من لذيذ عيشكم ورأينا من زبرجكم ولقارعناكم حتى نغلبكم عليه‏!‏ فقال رستم‏:‏ أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم فقالوا‏:‏ بل اعبروا إلينا‏.‏

ورجعوا من عنده عشيًا وأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم وأرسل إليهم شأنكم والعبور فأرادوا القنطرة فقال‏:‏ لا ولا كرامة‏!‏ أما شيء غلبناكم عليه فلن نرده عليكم‏.‏

فباتوا يسكرون العتيق حتى الصباح بالتراب والقصب والبراذع حتى جعلوه طريقًا واستتم بعدما ارتفع النهار‏.‏

ورأى رستم من الليل كأن ملكًا نزل من السماء فأخذ قسي أصحابه فختم عليها ثم صعد بها إلى السماء فاستيقظ مهمومًا واستدعى خاصته فقصها عليهم وقال‏:‏ إن الله ليعظنا لو اتعظنا‏.‏

ولما ركب رستم ليعبر كان عليه درعان ومغفر وأخذ سلاحه ووثب فإذا هو على فرسه لم يضع رجله في الركاب وقال‏:‏ غدًا ندقهم دقًا‏!‏ فقال له رجل‏:‏ إن شاء الله‏.‏

فقال‏:‏ وإن لم يشأ‏!‏ ثم قال‏:‏ إما ضغا الثعلب حين مات الأسد - يعني كسرى - وإني أخشى أن تكون هذه سنة القرود‏!‏ فإنما قال هذه الأشياء توهينًا للمسلمين عند الفرس وإلا فالمشهور عنه الخوف من المسلمين وقد أظهر ذلك إلى من يثق به‏.‏

ذكر يوم أرماث

لما عبر الفرس العتيق جلس رستم على سريره وضرب عليه طيارة وعبى في القلب ثمانية عشر فيلًا عليها صناديق ورجال وفي المجنبتين ثمانية وسبعة وأقام لجالينوس بينه وبين ميمنته والفيرزان بينه وبين ميسرته وبقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين وخيول المشركين وكان يزدجرد قد وضع بينه وبين رستم رجالًا على كل دعوة رجلًا أولهم على باب إيوانه وآخرهم مع رستم فكلما فعل رستم شيئًا قال الذي معه للذي يليه‏:‏ كان كذا وكذا ثم يقول الثاني ذلك للذي يليه وهكذا إلى أن ينتهي إلى يزدجرد في أسرع وقت‏.‏

وأخذ المسلمون مصافهم‏.‏

وكان بسعد دماميل وعرق النسا فلا يستطيع الجلوس وإنما هو مكب على وجهه في صدره وسادة على سطح القصر يشرف على الناس والصف في أصل حائطه لو أعراه الصف فواق ناقةٍ لأخذ برمته فما كرثه هول تلك الأيام شجاعة وذكر ذلك الناس وعابه بعضهم بذلك فقال‏:‏ نقاتل حتى أنزل الله نصره وسعدٌ بباب القادسية معصم فأبنا وقد آمت نساءٌ كثيرةٌ ونسوة سعدٍ ليس فيهن أيم فبلغت أبياته سعدًا فقال‏:‏ اللهم إن كان هذا كاذبًا وقال الذي قاله رياء وسمعةً فاقطع عني لسانه‏!‏ إنه لواقفٌ في الصف يومئذ أتاه سهم غرب فأصاب لسانه فما تكلم بكلمة حتى لحق بالله تعالى‏.‏

فقال جرير بن عبد الله نحو ذلك أيضًا وكذلك غيره ونزل سعدٌ إلى الناس فاعتذر إليهم وأراهم ما به من القروح في فخذيه وأليتيه فعذره الناس وعلموا حاله ولما عجز عن الركوب استخلف خالد عرفطة على الناس فاختلف عليه فأخذ نفرًا ممن شغب عليه فحبسهم في القصر منهم‏:‏ أبو محجن الثقفي وقيدهم وقيل‏:‏ بل كان حبس أبي محجن بسبب الخمر وأعلم الناس أنه قد استخلف خالدًا وإنما يأمرهم خالد فسمعوا وأطاعوا وخطب الناس يومئذٍ وهو يوم الاثنين من المحرم سنة أربع عشرة وحثهم على الجهاد وذكرهم ما وعدهم الله من فتح البلاد وما نال من كان قبلهم من المسلمين من الفرس وكذلك فعل أمير كل قوم وأرسل سعد نفرًا من ذوي الرأي والنجدة منهم‏:‏ المغيرة وحذيفة وعاصم وطليحة وقيس الأسدي وغالب وعمرو ابن معدي كرب وأمثالهم ومن الشعراء‏:‏ الشماخ والحطيئة وأوس بن مغراء وعبدة بن الطبيب وغيرهم وأمرهم بتحريض الناس على القتال ففعلوا‏.‏

وكان صف المشركين على شفير العتيق وكان صف المسلمين مع حائط قديس والخندق فكان المسلمون والمشركون بين الخندق والعتيق ومع الفرس ثلاثون ألف مسلسل وثلاثون فيلًا تقاتل وأمر سعد الناس بقراءة سورة الجهاد وهي الأنفال فلما قرئت هشت قلوب الناس وعيونهم وعرفوا السكينة مع قراءتها‏.‏

فلما فرغ القراء منها قال سعد‏:‏ الزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا فإذا سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم‏.‏

ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعًا حتى تخالطوا عدوكم وقولوا لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏

فلما كبر سعد الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال وخرج إليهم من الفرس أمثالهم فاعتوروا الطعن والضرب وقال غالب بن عبد الله قد علمت واردة المشائح ذات اللبان والبيان الواضح أني سمام البطل المسالح وفارج الأمر المهم الفادح فخرج إليه هرمز وكام من ملوك الباب والأبواب وكان متوجًا فأسره غالب فجاء به سعدًا ورجع وخرج عاصم وهو يقول‏:‏ قد علمت بيضاء صفراء اللبب مثل اللجين إذ تغشاه الذهب أني امرؤٌ لا من يعيبه السبب مثلي على مثلك يغريه العتب فطارد فارسيًا فانهزم فاتبعه عاصم حتى خالط صفهم فحموه فأخذ عاصم رجلًا على بغل وعاد به وإذا هو خباز الملك معه من طعام الملك وخبيصٌ فأتى به سعدًا فنفه أهل موقفه‏.‏

وخرج فارسي فطلب البراز فبرز إليه عمرو بن معدي كرب فأخذه وجلد به الأرض فذبحه وأخذ سواريه ومنطقته‏.‏

وحملت الفيلة عليهم ففرقت بين الكتائب فنفرت الخيل وكانت الفرس قد قصدت بجيلة بسبعة عشر فيلًا فنفرت خيل بجيلة فكادت بجيلة تهلك لنفار خيلها عنها وعمن معها وأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة وعمن معها من الناس‏.‏

فخرج طليحة بن خويلد وحمال بن مالك قفي كتائبهما فباشروا الفيلة حتى عدلها ركبانها‏.‏

وخرج إلى طليحة عظيم منهم فقتله طليحة وقام الأشعث بن قيس في كندة حين استصرخهم سعد فقال‏:‏ يا معشر كندة لله در بني أسد أي فري يفرون واي هذٍّ يهذون عن موقفهم أغنى كل قوم ما يليهم وأنتم تنتظرون من يكفيكم أشهد ما أحسنتم أسوة قومكم من العرب‏.‏

فنهد ونهدوا معه فأزالوا الذين بأزائهم‏.‏

فلما رأى الفرس ما يلقى الناس والفيلة من أسد رموهم بحدهم وحملوا عليهم وفيهم ذو الحاجب والجالينوس والمسلمون ينتظرون التكبيرة الرابعة من سعد فاجتمعت حلبة فارس على أسد ومعهم تلك الفيلة فثبتوا لهم وكبر سعد الرابعة وزحف إليهم المسلمون ورحا الحرب تدور على أسد وحملت الفيول على الميمنة والميسرة فكانت الخيول تحيد عنها‏.‏

فأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو التميمي‏:‏ يا معشر بني تميم أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة قالوا‏:‏ بلى والله‏!‏ ثم نادى في رجال من قومه رماة وآخرين لهم ثقافة فقال‏:‏ يا معشر الرماة ذبوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل‏.‏

وقال‏:‏ يا معشر أهل الثقافة استدبروا الفيلة فقطعوا وضنها وخرج يحميهم ورحا الحرب تدور على أسد وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد وأقبل أصحاب عاصم على الفيلة فأخذوا بأذناب توابيتها فقطعوا وضنها وارتفع عواؤهم فما بقي لهم فيل إلا أوى وقتل أصحابها ونفس عن أسد وردوا فارسًا عنهم إلى مواقفهم واقتتلوا حتى غربت الشمس ثم حتى ذهبت هدأة من الليل ثم رجع هؤلاء وهؤلاء وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة وكانوا ردءًا للناس وكان عاصم حامية للناس وهذا اليوم الأول وهو يوم أرماث فقال عمرو بن شأس الأسدي‏:‏ جلبنا الخيل من أكناف نيقٍ إلى كسرى فوافقها رعالا تركن لهم على الأقسام شجوًا وبالحقوبين أيامًا طوالا قتلنا رستمًا وبنيه قسرًا تثير الخيل فوقهم الهيالا الأبيات‏.‏

وكان سعد قد تزوج سلمى امرأة المثنى بن حارثة الشيباني بعده بشراف فلما جال الناس يوم أرماث وكان سعد لا يطيق الجلوس جعل سعد يتململ جزعًا فوق القصر فلما رأت سلمى ما يصنع الفرس قالت‏:‏ وامثنياه‏!‏ ولا مثنى للخيل اليوم‏!‏ قالت ذلك عند رجل ضجر مما يرى في أصحابه ونفسه فلطم وجهها وقال‏:‏ أين المثنى عن هذه الكتيبة التي تدور عليها الرحا‏!‏ يعني أسدًا وعاصمًا‏.‏

فقالت‏:‏ أغيرةً وجبنًا فقال‏:‏ والله لا يعذرني اليوم أحد إن لم تعذريني وأنت ترين ما بي‏!‏ فتعلقها الناس لم يبق شاعر إلا اعتد بها عليه وكان غير جبان ولا ملوم‏.‏

ذكر يوم أغواث

ولما أصبح القوم وكل سعد بالقتلى والجرحى من ينقلهم إلى العذيب فسلم الجرحى إلى النساء ليقمن عليهم وأما القتلى فدفنوا هنالك على مشرق وهو وادٍ بين العذيب وعين الشمس‏.‏

فلما نقل سعد القتلى والجرحى طلعت نواصي الخيل من الشام وكان فتح دمشق قبل القادسية بشهر فلما قدم كتاب عمر على أبي عبيدة بن الجراح بإرسال أهل العراق سيرهم وعليهم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو التميمي فتعجل القعقاع فقدم على الناس صبيحة هذا اليوم وهو يوم أغواث وقد عهد إلى أصحابه أن يتقطعوا أعشارًا وهم ألفٌ كلما بلغ عشرة مدى البصر سرحوا عشرة فقدم أصحابه في عشرة فأتى الناس فسلم عليهم وبشرهم بالجنود وحرضهم على القتال وقال‏:‏ اصنعوا كما أصنع وطلب البراز فقالوا فيه بقول أبي بكر‏:‏ ‏(‏لا يهزم جيش فيهم مثل هذا‏)‏‏.‏

فخرج إليه ذو الحاجب فعرفه القعقاع فنادى‏:‏ يا لثارات أبي عبيد وسليط وأصحاب يوم الجسر‏!‏ وتضاربا فقتله القعقاع وجعلت خيله ترد إلى الليل وتنشط الناس وكأن لم يكن بالأمس مصيبة وفرحوا بقتل ذي الحاجب وانكسرت الأعاجم بذلك‏.‏

وطلب القعقاع البراز فخرج إليه الفيرزان والبنذوان فانضم إلى القعقاع الحارث بن ظبيان بن الحارث أحد بيني تيم اللات فتبارزوا فقتل القعقاع الفيرزان وقتل الحارث البنذوان ونادى

القعقاع‏:‏ يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف فإنما يحصد الناس بها‏!‏ فاقتتلوا حتى المساء فلم ير أهل فارس في هذا اليوم شيئًا مما يعجبهم وأكثر المسلمون فيهم القتل ولم يقاتلوا في هذا اليوم على فيل كانت وابيتها تكسرت بالأمس فاستأنفوا عملها فلم يفرغوا منها حتى كان الغد‏.‏

وجعل القعقاع كلما طلعت قطعة من أصحابه كبر وكبر المسلمون ويحمل ويحملون وحمل بنو عم للقعقاع عشرةً عشرة على إبل قد ألبسوها وهي مجللة مبرقعة وأطاف بهم خيولهم تحميهم وأمرهم القعقاع أن يحملوها على خيل الفرس يتشبهون بالفيلة ففعلوا بهم هذا اليوم وهو يوم أغواث كما فعلت فارس يوم أرماث فجعلت خيل الفرس تفر منها وركبتها خيول المسلمين‏.‏

فلما رأى الناس ذلك استنوا بهم فلقي الفرس من الإبل يوم أغواث أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة يوم أرماث‏.‏

وحمل رجل من تميم على رستم يريد قتله فقتل دونه‏.‏

وخرج رجل من فارس يبارز فبرز إليه الأعرف بن الأعلم العقيلي فقتله ثم برز إليه آخر فقتله وأحاطت به فوارس منهم فصرعوه وأخذوا سلاحه فغبر في وجوههم التراب حتى رجع إلى أصحابه‏.‏

وحمل القعقاع بن عمرو يومئذٍ ثلاثين حملة كلما طلعت قطعة حمل حملة وأصاب فيها وقتل فكان آخرهم بزرجمهر الهمذاني‏.‏

وبارز الأعور بن قطبة شهريار سجستان فقتل كل واحد منهما صاحبه وقاتلت الفرسان إلى انتصاف النهار‏.‏

فلما اعتدل النهار تزاحف الناس فاقتتلوا حتى انتصف الليل‏.‏

فكانت ليلة أرماث تدعى الهدأة وليلة أغواث تدعى السواد ولم يزل المسلمون يرون يوم أغواث الظفر وقتلوا فيه عامة أعلامهم وجالت فيه خيل القلب وثبت رجلهم فلولا أن خيلهم عادت أخذ رستم أخذًا‏.‏

وبات الناس على ما بات عليه القوم ليلة أرماث ولم يزل المسلمون ينتمون‏.‏

فلما سمع سعد ذلك قال لبعض من عنده‏:‏ إن تم الناس على الانتماء فلا توقظني فإنهم أقوياء وإن سكتوا ولم ينتم الأخرون فلا توقظني فإنهم على السواء فإن سمعتهم ينتمون فأيقظني فإن انتماءهم عن السوء‏.‏ ‏ ‏‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:47 am

فتح الأندلس

بعد أن ولَّى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك قائده موسى بن نصير على المغرب ، استطاع أن يفتح طنجة ، وترك بها حامية يقودها مولاه طارق بن زياد ، ومنذ ذلك الحين بدأ طارق يتطلع لفتح بلاد الأندلس التي لم يكن بينهم وبينها إلا خليج يسير ، وكان ميناء سبته هو أقرب المدن إليه ، وكان حاكمها هو الكونت يوليان الذي كان نائباً للإمبراطور البيزنطي لذريق حاكم طليطلة ، ولكنه تحرر من سلطان الدولة البيزنطية ، وأصبح كالحاكم المستقل في سبتة وما حولها ، بسبب أحقاد كانت بينهما ، وذلك أن لذريق اعتدى على عِرض ابنة يوليان بعد أن بعث بها إليه لتخدمه واستأمنه عليها . وقد استفاد موسى من هذه الخصومة وراسل يوليان حتى كسب وده ، وصار دليلاً لهم في تلك البلاد .

وعندها كتب موسى بن نصير يستأذن الخليفة في أن يوسع دائرة الفتح لتشمل بلاد الأندلس ، فرد عليه الوليد بن عبد الملك قائلاً له : " خضها بالسرايا حتى ترى وتختبر شأنها ، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال " ، فكتب إليه موسى مبيِّنا له أنه ليس ببحر خِضَمّ ، وإنما هو خليج يبين للناظر منه ما خلفه " ، فرد عليه الوليد بأنه لا بد من اختباره بالسرايا قبل خوضه واقتحامه .

فأرسل موسى رجلاً من البربر يسمى طريفاً في مائة فارس وأربعمائة رجل ، وجاز البحر في أربعة مراكب ، مستعيناً بيوليان ، وكان دخوله في شهر رمضان سنة 91 هـ ، فسار حتى نزل ساحل البحر بالأندلس ، فيما يحاذي طنجة ، وهو المعروف اليوم بـ" جزيرة طريف " التي سميت باسمه لنزوله فيها ، فقام بسلسلة من الغارات السريعة على الساحل ، وغنم فيها الشيء الكثير ، ثم رجع سالماً غانماً ، وكان في ذلك تشجيعاً لموسى بن نصير على فتح الأندلس .

وبعدها انتدب موسى لهذه المهمة طارق بن زياد ، فركب البحر في سبعة آلاف من المسلمين ، أكثرهم من البربر .

ورست السفن عند جبل لا يزال يعرف حتى اليوم بـ " جبل طارق " ، وكان نزوله في رجب سنة 92هـ ، ولما نزل فتح الجزيرة الخضراء وغيرها، وبلغ لذريق نزول المسلمين بأرض الأندلس، عظم ذلك عليه ، وكان غائباً في بعض غزواته، فجمع جيشاً جراراً بلغ مائة ألف .

وكتب طارق إلى موسى يطلب منه المدد ويخبره بما فتح الله عليه ، وأنه قد زحف عليه ملك الأندلس بما لا طاقة له به ، فبعث إليه موسى بخمسة آلاف مقاتل معظمهم من العرب ، فتكامل المسلمون اثني عشر ألفاً ومعهم يوليان يدلهم على عورة البلاد ويتجسس لهم الأخبار ، فأتاهم لذريق في جنده والتقى الجيشان على نهر لكة ، يوم الأحد لليلتين بقيتا من رمضان سنة 92هـ ، واستمرت المعركة ثمانية أيام ، وأخذ يوليان ورجاله يخذلون الناس عن لذريق ويقولون لهم : " إن العرب جاؤوا للقضاء على لذريق فقط ، وإنكم إن خذلتموه اليوم صفت لكم الأندلس بعد ذلك " ، وأثر هذا الكلام في الجنود فاضطرب نظام جيشه ، وفر الكثير منهم ، وخارت قوى لذريق ، لما رأى جنده يفرون أو ينضمون للمسلمين ، وهجم طارق على لذريق فضربه بسيفه فقتله ، وقيل : إنه جرحه ، ثم رمى لذريق بنفسه في وادي لكة فغرق .

وبعد هذه المعركة توسع طارق في الفتح ، وتوجه إلى المدن الرئيسية في الأندلس ، ففتح شذونة ومدوّرة ، وقرمونة ، وإشبيلية ، واستجة ، واستمر في زحفه حتى انتهى إلى عاصمة الأندلس " طليطلة " وتمكن من فتحها ، وحينها جاءته الرسائل من موسى بن نصير تأمره بالتوقف .

ودخل موسى الأندلس في رمضان سنة 93 هـ في جمع كثير قوامه ثمانية عشر ألفاً ، ففتح المدن التي لم يفتحها طارق كشذونة ، وقرمونة ، وإشبيلية ، وماردة .

ورد في كتاب "فتوح البلدان" للبلاذري:

" قال الواقدي: غزا طارق بن زياد عامل موسى بن نصير الأندلس وهو أول من غزاها، وذلك في سنة اثنتين وتسعين. فلقيه آليان وهو والٍ على مجاز الأندلس فآمنة طارق على أن حمله وأصحابه إلى الأندلس في أسفن. فلما صار إليها حاربه أهلها ففتحها، وذلك في سنة اثنتين وتسعين. وكان ملكها فيما يزعمون من الأسبان، وأصلها من أصبهان. ثم إن موسى بن نصير كتب إلى طارق كتاباً غليظاً لتغريره بالمسلمين وافتياته عليه بالرأي في غزوه، وأمره أن لا يجاوز قرطبة. وسار موسى إلى قرطبة من الأندلس فترضاه طارق فرضي عنه. فافتتح طارق مدينة طليطلة، وهي مدينة مملكة الأندلس، وهي مما يلي فرنجة، وأصاب بها مائدةً عظيمة أهداها موسى بن نصير إلى الوليد بن عبد الملك بدمشق حين قفل سنة ست وتسعين، والوليد مريض. فلما ولى سليمان لن عبد الملك أخذ موسى بن نصير بمئة ألف دينار. فكلمه فيه يزيد بن المهلب فأمسك عنه. ثم لما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ولى المغرب إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر مولى بنى مخزوم. سار أحسن سيرة، ودعا البربر إلى الإسلام. وكتب إليهم عمر بن عبد العزيز كتباً يدعوهم بعد إلى ذلك. فقرأها إسماعيل عليهم في النواحي فغلب الإسلام على المغرب. قالوا: ولما ولى يزيد بن عبد الملك ولى يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج بن يوسف إفريقية والمغرب. فقدم إفريقية في سنة اثنتين ومئة. وكان حرسه البربر، فوسم كل امرئٍ منهم على يده حرسى. فأنكروا ذلك وملوا سيرته فدب بعضهم إلى بعض وتضافروا على قتله، فخرج ذات عشيةٍ لصلاة المغرب فقتلوه في مصلاه.

فولى يزيد بشر بن صفوان الكلبي، فضرب عنق عبد الله بن موسى بن نصير بيزيد. وذلك أنه اتهم بقتله وتأليب الناس عليه.

ثم ولى هشام بن عبد الملك بشر بن صفوان أيضاً، فتوفى بالقيروان سنة تسع ومئة. فولى مكانه عبيده بن عبد الرحمن القيسي.

ثم استعمل بعده عبد الله بن الحبحاب مولى بنى سلول. فأغزا عبد الرحمن ابن حبيب بن أبي عبيده بن عقبة بن نافع الفهري السوس وأرض السودان. فظفر ظفراً لم ير أحدٌ مثله قط، وأصاب جاريتين من نساء ما هناك ليس للمرأة منهن إلا ثدي واحد وهم يسمون تراجان.

ثم ولى بعد ابن الحبحاب كلثوم بن عياض القيشري، فقدم إفريقية في سنة ثلاث وعشرين فقتل. ثم ولى بعده حنظلة بن صفوان الكلبي أخا بشر بن صفوان فقاتل الخوارج وتوفى هناك وهو وال.

وقام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فخالف عليه عبد الرحمن بن حبيب الفهري، وكان محبباً في ذلك الثغر، لما كان من أثار جده عقبة بن نافع فيه، فغل عليه وانصرف فنع حنظلة. فبقي عبد الرحمن عليه.

وولى يزيد بن الوليد الخلافة فلم يبعث إلى المغرب عاملاً.

وقام مروان بن محمد فكاتبه عبد الرحمن بن حبيب وأظهر له الطاعة وبعث إليه بالهدايا. وكان كاتبه خالد بن ربيعة الإفريقي، وكان بينه وبين عبد الحميد ابن يحيى مودة ومكاتبة، فأقر مروان عبد الرحمن على النغر.

ثم ولى بعده الياس بن حبيب، ثم حبيب بن عبد الرحمن، ثم غلب البربر والإباضية من الخوارج.

ثم دخل محمد بن الأشعث الخز اعي إفريقية والياً عليها في آخر خلافة أبي العباس في سبعين ألفاً، ويقال في أربعين ألفاً، فوليها أربع سنين. فرم مدينة القيروان. ثم وثب عليه جند البلد وغيرهم.

وسمعت من يحدث أن أهل البلد والجند المقيمين فيه وثبوا به فمكث يقاتلهم أربعين يوماً وهو في قصره، حتى اجتمع إليه أهل الطاعة ممن كان شخص معه من أهل خرا سان وغيرهم، وظفر بمن حاربه، وعرضهم على الأسماء: فمن كان اسمه معاوية أو سفيان أو مروان أو اسماً موافقاً لأسماء بنى أمية قتله، ومن كان اسمه خلاف ذلك استبقاه. فعزله المنصور، وولى عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبي صفرة المتكى، وهو الذي سمى هزار مرد، وكان المنصور به معجباً. فدخل إفريقية وغزا منها حتى بلغ أقصى بلاد البربر، وابتنى هناك مدينة سماها العباسية. ثم إن أبا حاتم اسدر أتي الإباضي من أهل سدراتة، وهو مولى لكندة، قاتله. فاستشهد وجماعة من أهل بيته، واتقض الثغر وهدمت تلك المدينة التي ابتناها، وولى بعد هزار مرد يزيد بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب. فخرج في خمسين ألفاً، وشيعه أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس، وأنفق عليه مالاً عظيماً. فسار يزيد حتى لقي أبا حاتم بأطرابلس، فقتله ودخل إفريقية. فاستقامت له. ثم ولى بعد يزيد بن حاتم روح بن حاتم، ثم الفضل إن روح فوثب الجند عليه فذبحوه.

وحدثني أحمد بن نقد مولى بنى الأغلب قال: كان الأغلب بن سالم التميمي من أهل مرو الروذ في من قدم مع المسودة من خرا سان، فولاه موسى الهادي المغرب. فجمع له حريش، وهو رجل كان من جند الثغر من تونس، جمعاً وسار إليه وهو بقيروان إفريقية فحصره. ثم إن الأغلب خرج إليه فقاتله، فأصابه في المعركة سهم فسقط ميتاً وأصحابه لا يعلمون بمصابه. ولم يعلم به أصحاب حريش. ثم إن حريشاً انهزم وجيشه فاتبعهم أصحاب الأغلب ثلاثة أيام فقتلوهم وقتلوا حريشاً بموضعٍ يعرف بسوق الأحد. فسمى الأغلب الشهيد. قال: وكان إبراهيم بن الأغلب من وجوه جند مصر. فوثب واثنا عشر رجل معه فأخذوا من بيت المال مقدار أرزاقهم لم يزدادوا على ذلك شيئا وهربوا، فلحقوا بموضع يقال له الزاب، وهو من القيروان على مسيرة أكثر من عشرة أيام، وعامل الثغر يومئذ من قبل الرشيد هارون هر ثمة بن أعين . واعتقد إبراهيم بن لأغلب على من كان من تلك الناحية من الجند وغيرهم الرياسة، وأقبل يهدى إلى هرثمة و يلاطفه ويكتب إليه يعلمه أنه لم يخرج يداً من طاعة ولا اشتمل على معصية، وأنه إنما دعاه إلى ما كان منه الأحواج والضرورة. فولاه هرثمة ناحيته واستكفاه أمرها. فلما صرف هرثمة من الثغر وليه بعده ابن الكعى. فساء أثره فيه حتى انتقض عليه. فاستشار الرشيد هرثمة في رجلٍ يوليه إياه ويقلده أمره. فأشار عليه باستصلاح إبراهيم واصطناعه وتوليته الثغر. فكتب إليه الرشيد يعلمه أنه قد صفح له عن جرمه وأقاله هفوته ورأى توليته بلاد المغرب اصطناعاً له، ليستقبل به الإحسان ويستقبل به النصيحة. فولى إبراهيم ذلك الثغر وقام به وضبطه.

ثم إن رجلاً من جند البلد يقال له عمران بن مجلد خالف ونقض. فانضم إليه جند الثغر وطلبوا أرزاقهم وحاصروا إبراهيم بالقيروان. فلم يلبثوا أن أتاهم العراض والمعطون ومعهم مالٌ من خراج مصر. فلما أعطوا تفرقوا. فابتنى إبراهيم القصر الأبيض الذي في قبلة القيروان على ميلين منها. وخط للناس حوله فابتنوا، ومصر ما هناك، وبنى مسجداً جامعاً بالجص والآجر وعمد الرخام، وسقفه بالأرز، وجعله مئتي ذراع في نحو مئتي ذراع. وابتاع عبيداً أعتقهم فبلغوا خمسة آلاف، وأسكنهم حوله. وسمى تلك المدينة العباسية، وهي اليوم آهلة عامرة.

وكان محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب أحدث في سنة تسع وثلاثين ومائتين مدينة بقرب تاهرت سماها العباسية أيضاً. فأخربها أفلح بن عبد الوهاب الإباضي، وكتب إلى الأموي صاحب الأندلس يعلمه ذلك تقرباً إليه به. فبعث إليه الأموي مئة ألف درهم.

وبالمغرب أرضٌ تعرف بالأرض الكبيرة، وبينها وبين برقة مسيرة خمسة عشر يوماً أو أقل من ذلك قليلاً وأكثر قليلا. وبها مدينةٌ على شاطئ البحر تدعى بارة، وكان أهلها نصارى وليسوا بروم. غزاها حبله مولى الأغلب فلم يقدر عليها. ثم غزاها خلفون البربري، ويقال إنه مولى لربيعه ففتحها في أول خلافة المتوكل على الله. وقام بعده رجلٌ يقال له المفرج بن سلام ففتح أربعة وعشرين حصناً واستولى عليها، وكتب إلى صاحب البريد بمصر يعلمه خبره وأنه لا يرى لنفسه ومن معه من المسلمين صلاة إلا بأن يعقد له الإمام على ناحيته ويوليه إياها ليخرج من حد المنغلبين. وبنى مسجداً جامعاً. ثم إن أصحابه شغبوا عليه فقتلوه. وقام بعده سوران فوجه رسوله إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله يسأله عقداً وكتاب ولاية. فتوفى قبل أن ينصرف رسوله إليه. وتوفى المنتصر بالله وكانت خلافته ستة أشهر. وقام المستعين بالله أحمد بن محمد بن المعتصم بالله فأمر عامله على المغرب، وهو أوتا مش مولى أمير المؤمنين، بأن يعقد على ناحيته. فلم يشخص رسوله من سر من رأى حتى قتل أوتا مش وولى الناحية وصيف مولى أمير المؤمنين فعقد له وأنفذه".

وفي كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الأثير ورد:

" غزا طارق بن زياد مولى موسى بن نصير الأندلس في اثني عشر ألفاً فلقي ملك الأندلس واسمه اذرينوق وكان من أهل أصبهان وهم ملوك عجم الأندلس فزحف له طارق بجميع من معه وزحف الأذرينوق وفتح الأندلس سنة اثنتين وتسعين‏.‏

هذا جميعه ذكره أبو جعفر في فتح الأندلس وبمثل ذلك الإقليم العظيم والفتح المبين لا يقتصر فيه على هذا القدر وأنا أذكر فتحها على وجه أتم من هذا إن شاء الله تعالى من تصانيف أهلها إذ هم أعلم ببلادهم‏.‏

قالوا‏:‏ أول من سكنها قوم يعرفون بالأندلش بشين معجمه فسمي البلد بهم ثم عرب بعد ذلك

بسين مهملة والنصارى يسمون الأندلس اشبانية باسم رجل صلب فيها يقال له اشبانس وقيل‏:‏ باسم ملك كان بها في الزمان الأول اسمه إشبان بن طيطس وهذا هو اسمها عند بطلميوس‏.‏

وقيل‏:‏ سميت بأندلس بن يافث بن نوح وهو أول من عمرها قيل‏:‏ أول من سكن الأندلس بعد الطوفان قوم يعرفون بالأندلس فعمروها وتداولوا ملكها دهراً طويلاً وكانوا مجوساً ثم حبس الله عنهم المطر وتوالى عليهم القحط فهلك أكثرهم وفر منها من أطاق الفرار فخلت الأندلس مائة سنة ثم ابتعث الله لعمارتها الأفارقة فدخل إليها قوم منهم أجلاهم ملك إفريقية تخففاً منهم لقحط توالى على بلاده حتى كاد يفنى أهلها فحملها في السفن مع أمير من عنده فأرسوا بجزيرة قاس ورأوا الأندلس قد أخصبت بلادها وجرت أنهارها فسكنوها وعمروها ونصبوا لهم ملوكاً يضبطون أمرهم وهم على دين من قبلهم وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب من أرض إشبيلية بنوها وسكنوها وأقاموا مدة تزيد على مائة وخمسين سنة ملك منهم فيها أحد عشر ملكاً‏.‏

ثم أرسل الله عليهم عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطس فغزاهم ومزقهم وقتل فيهم وحاصرهم بطالقة وقد تحصنوا فيها فابتنى عليهم إشبانية وهي إشبيلية واتخذها درا مملكته وكثرت جموعه وعتا وتجبر وغزا بين المقدس فغنم ما فيه وقتل فيه مائة ألف ونقل المرمر منه إلى إشبيلية وغيرها وغنم أيضاً مائدة سليمان بن داود عليه السلام وهي التي غنمها طارق من طيطلة لما افتتحها وغنم أيضاً قليلة الذهب والحجر الذي لقي بماردة‏.‏

وكان هذا إشبان قد وقف عليه الخضر وهو يحرث الأرض فقال له‏:‏ يا إشبان سوف تحظى وتملك وتعلو فإذا ملكت إيلياء فارفق بذرية الأنبياء‏.‏

فقال‏:‏ أتسخر مني كيف ينال مثلي الملك فقال‏:‏ قد جعله فيك من جعل عصاك هذه كما ترى‏.‏

فنظر إليه فإذا هي قد أورقت فارتاع وذهب عنه الخضر وقد وثق إشبان بقوله فداخل الناس فارتقى حتى ملك ملكاً عظيماً وكان ملكه عشرين سنة ودام ملك الإشبانيين بعده إلى أن ملك منهم خمسة وخمسون ملكاً‏.‏

ثم دخل عليهم من عجم رومة أمة يدعون البشنوليات وملكهم طويش بن نيطة وذلك حين بعث الله المسيح فغلبوا عليها واسترلوا على ملكها وكانت مدينة ماردة دار مملكتهم وملك منهم سبعة وعشرون ملكاً‏.‏

ثم دخلت عليهم أمة القوط مع ملك لهم فغلبوا على الأندلس فاقتطعوها من يومئذٍ عن صاحب رومة وكان ابتداء ظهورهم من ناحية إيطالية شرق الأندلس فأغارت على بلاد مدونية من تلك الناحية وذلك في أيام قليوذيوس قيصر ثالث القياصرة فخرج إليهم وهزمهم وقتل فيهم ولم يظهروا بعدها إلى أيام قسطنطين الأكبر وأعادوا الغارة فسير إليهم جيشاً فلم يثبتوا له وانقطع خبرهم إلى ثلث دولة قيصر فإنهم قدموا على أنفسهم أمير اسمه لذريق وكان يعبد الأوثان فسار إلى رومة ليحمل النصارى على السجود لأوثانه فظهر منه سوء سيرته فتخاذل أصحابه عنه ومالوا إلى أخيه وحاربوه فاستعان بصاحب رومة فبعث إليه جيشاً فهزم أخاه ودان بدين النصارى وكانت ولايته ثلاث عشرة سنة ثم ولي بعده اقريط وبعده املريق وبعده وغديش وكانوا قد عادوا إلى عبادة الأوثان فجمع من أصحابه مائة ألف وسار إلى رومة فسير إليه ملك الروم جيشاً فهزموه وقتلوه‏.‏

ثم بعده اطلوف ست سنين وخرج عن بلد إيطالية وأقام ببلد غاليس مجاوراً أقصى الأندلس ثم انتقل منها إلى برشلونة‏.‏

ثم بعده أخوه ثلاث سنين ثم بعده والياً ثم بوردزاريش ثلاثاً وثلاثين سنة ثم ابنه طرشمند ثم بعده أخوه لذريق ثلاث عشرة سنة ثم بعده أوريق سبع عشرة سنة ثم بعده الريق بطلوشة ثلاثاً وعشرين سنة ثم عشليق ثم امليق سنتين ثم توذيوش سبع عشرة سنة وخمسة أشهر ثم بعده ليوبا ثلاث أشهر ثم بعده اثله خمس سنين ثم بعده اطلنجة خمس عشرة سنة ثم بعده ليوبا ثلاث أشهر ثم بعده اثله خمس سنين ثم بعده اطلنجة خمس عشرة سنة ثم بعده طودتقليس سنة وثلاث أشهر ثم بعده اثله خمس سنين ثم بعده اطلنجة خمس عشرة سنة ثم بعده ليوبا ثلاث سنين ثم بعده أخوه لويلد وهو أولمن اتخذ طليطلة دار ملك ونزلها ليكون متوسطاً لملكه ليحارب من خرج عن طاعته عن قريب فلم يزل يحارب من خرج عن طاعته حتى احتوى على جميع الأندلس وبنى مدينة رقوبل وأتقنها وأكثر بساتينها وهو على القرب من طليطلة وسماها باسم ولده وغزا بلاد البشقنس حتى أذلهم وخطب إلى ملك الفرنج ابنته لولده ارمنجلد فزوجه وأسكنه إشبيلية فحسنت له عصيان والده ففعل فسار إليه أبوه وحصرهما وضيق عليه وطال مقامه إلى أن أخذه عنوة وسجنه إلى أن مات‏.‏

ثم ملك بعد لويلد ابنه ركرد وكان حسن السيرة فجمع الأساقفة وغير سيرة أبيه وسلم البلاد إليهم وكانوا نحو ثمانين أسقفاً وكان تقياً عفيفاً قد لبس ثياب الرهبان وهو الذي بنى الكنيسة المعروفة بالوزقة بإزاء مدينة وادي آش‏.‏

ثم بعده ابنه ليوبا فسار كسيرة أبيه فاغتاله رجل من القوط يقال له بتريق فقتله وملك بعده بتريق رضا أهل الأندلس وكان مجرماً طاغياً فاسقاً فثار عليه رجل من خاصته فقتله‏.‏

ثم ملك من بعده غندمار سنتين ثم ملك بعده سيسيفوط وكانت ولايته تسع سنين وكان حسن السيرة ثم بعده ابنه ركريد وكان صغيراً عمره ثلاثة أشهر ومات ثم ملك شنتله وكان ملكه عند البعث وكان مشكوراً ثم بعده سشنند خمس سنين ثم بعده خنتلة ستة أعوام ثم بعده خندس أربعة أعوام ثم بعده بنبان ثمانية أعوام ثم بعده أروى سبع سنين‏.‏

وكان في دولته قحط شديد حتى كادت بلاد الأندلس تخرب لشدة الجوع‏.‏

ثم بعده ابقه خمس عشرة سنة وكان جائراً مذموماً ثم ملك بعده ابنه غيطشه وكانت ولايته سنة سبع وسبعين للهجرة وكان حسن السيرة لين العريكة وأطلق كل محبوس كان في سجن أبيه وأدى الأموال إلى أربابها‏.‏

ثم توفي وخلف ولدين فلم يرض بهما أهل الأندلس وتراضوا برجل يقال له رذريق وكان شجاعاً وليس من بيت الملك وكانت عادة ملوك الأندلس إنهم يبعثون أولادهم الذكور والإناث إلى مدينة طليطلة يكونون في خدمة الملك لا يخدمه غيرهم يتأدبون بذلك فإذا بلغوا الحلم أنكح بعضهم بعضاً وتولى تجهيزهم فلما ولي رذريق أرسل إليه يوليان وهو صاحب الجزيرة الخضراء وسبتة وغيرهما ابنةً له فاستحسنها رذريق وافتضها فكتبت إلى أبيها فأغضبه ذلك فكتب إلى موسى بن نصير عامل الوليد بن عبد الملك على إفريقية بالطاعة واستدعاه إليه فسار إليه فأدخله يوليان مدائنه وأخذ عليه العهود له ولأصحابه بما يرض به ثم وصف له الأندلس ودعاه إليها وذلك آخر سنة تسعين‏.‏

فكتب موسى إلى الوليد بما فتح الله عليه وما دعاه إليه يوليان‏.‏

فكتب إليه الوليد‏:‏ خضها بالسرايا ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال‏.‏

فكتب إليه موسى‏:‏ إنه ليس ببحر متسع وإنما هو خليج يبين ما وراءه‏.‏

فكتب إليه الوليد أن اختبرها بالسرايا وإن كان الأمر على ما حكيت‏.‏

فبعث رجلاً من مواليه يقال له طريف في أربعمائة رجل ومعهم مائة فرس فسار في أربع سفائن فخرج في جزيرة بالأندلس فسميت جزيرة طريف لنزوله فيها ثم أغار على الجزيرة الخضراء فأصاب غنيمةً كثيرة ورجع سالماً في رمضان سنة إحدى وتسعين‏.‏

فلما رأى الناس ذلك تسرعوا إلى الغزو‏.‏

ثم إن موسى دعا مولى له كان على مقدمات جيوشه يقال له طارق بن زياد فبعثه في سبعة آلاف من المسلمين أكثرهم البربر والموالي وأقلهم العرب فساروا في البحر وقصد إلى جبل منيف وهو متصل بالبر فنزله فسمي الجبل جبل طارق إلى اليوم ولما ملك عبد المؤمن البلاد أمر ببناء مدينة على هذا الجبل وسماه جبل الفتح فلم يثبت له هذا الاسم وجرت الألسنة على الأول‏.‏

وكان حلول طارق فيه في رجب سنة اثنتين وتسعين من الهجرة‏.‏

ولما ركب طارق البحر غلبته عينه فرأى النبي ومعه المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف ونكبوا القسي فقال له النبي صل الله عليه وسلم‏:‏ يا طارق تقدم لشأنك‏.‏

وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد فنظر طارق فرأى النبي صل الله عليه وسلم وأصحابه قد دخلوا الأنلدلس أمامه فاستيقظ من نومه مستبشراً وبشر أصحابه وقويت نفسه ولم يشك في الظفر‏.‏

فلما تكامل أصحاب طارق بالجبل نزل إلى الصحراء وفتح الجزيرة الخضراء فأصاب بها عجوزاً فقالت له‏:‏ إني كان لي زوج وكان عالماً بالحوادث وكان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم فيغلب عليه ووصف من نعته أنه ضخم الهامة وان في كتفه اليسرى شامة عليها شعر فكشف طارق ثوبه فإذا الشامة كما ذكرت فاستبشر طارق أيضاً هو ومن معه‏.‏

ونزل من الجبل إلى الصحراء وافتتح الجزيرة الخضراء وغيرها وفارق الحصن الذي في الجبل‏.‏

ولما بلغ ذريق غزو طارق بلاده عظم ذلك عليه وكان غائباً في غزاته فرجع منها طارق قد دخل بلاده فجمع له جمعاً يقال بلغ مائة ألف فلما بلغ طارقاً الخبر كتب إلى موسى يستمده ويخبره بما فتح وأنه زحف إليه ملك الأندلس بما لا طاقة له به‏.‏

فبعث إليه بخمسة آلاف فتكامل المسلمون اثني عسر ألفاً ومعهم يوليان يدلهم على عورة البلاد ويتجسس لهم الأخبار‏.‏

فأتاهم رذريق في جنده فالتقوا على نهر لكة من أعمال شذونة لليلتين بقيتا من رمضان سنة اثنتين وتسعين واتصلت الحرب ثمانية أيام وكان على ميمنته وميسرته ولدا الملك الذي كان قبله وغيرهما من أبناء الملوك وافتقوا على الهزيمة بغضاً لرذريق وقالوا‏:‏ إن المسلمين إذا امتلأت أيديهم من الغنيمة عادوا إلى بلادهم وبقي الملك لنا‏.‏

فانهزموا وهزم الله رذريق ومن معه وغرق رذريق في النهر وسار طارق إلى مدينة إستجة متبعاً لهم فلقيه أهلها ومعهم من المنهزمين خلق كثير فقاتلوه قتالاً شديداً ثم انهزم أهل الأندلس ولم يلق المسلمون بعدها حرباً مثلها‏.‏

ونزل طارق على عين بينها وبين مدينة إسجة أربعة أميال فسميت عين طارق إلى الآن‏.‏

ولما سمعت القوط بهاتين الهزيمتين قذف الله في قلوبهم الرعب وكانوا يظنون أنه يفعل فعل طريف فهربوا إلى طليطلة وكان طريف قد أوهمهم أنه يأكلهم هو ومن معه‏.‏

فلما دخلوا لطيلطلة وأخلوا مدائن الأندلس قال له يوليان‏:‏ قد فرغت من الأندلس ففرق جيوشك وسر أنت إلى طيطلة‏.‏

ففرق جيوشه من مدينة إستجة وبعث جيشاً إلى قرطبة وجيشاً إلى غرناطة وجيشاً إلى مالقة وجيشاً إلى تدمير وسار إلى قرطبة فإنهم دلهم راعٍ على ثغرة في سورها فدخلوا منها البلد وملكوه‏.‏

وأما الذين قصدوا تدمير فلقيهم صاحبها واسمه تدمير وبه سميت وكان اسمها أرويولة وكان معه جيش كثيف فقاتلهم قتالاً شديداً ثم انهزم فقتل من أصحابه خلق كثير فأمر تدمير النساء فلبسن السلاح ثم صالح المسلمين عليها وفتح سائر الجيوش ما قصدوا إليه من البلاد‏.‏وأما طارق فلما رأى طليطلة فازغة ضم إليها اليهود وترك معهم رجالاً من أصحابه وسار هو إلى وادي الحجارة فقطع الجبل من فج فيه فسمي بفج طارق إلى اليوم‏.‏

وانتهى إلى مدينة خلف الجبل تسمى مدينة المائدة وفيها وجد مائدة سليمان بن داود عليه السلام وهي من زبرجد خضر حافاتها وأرجلها منها مكللة باللؤلؤ والمرجان والياقوت وغير ذلك وكان لها ثلاثمائة وستون رجلاً‏.‏

ثم مضى إلى مدينة ماية فغنم منها ورجع إلى طليطلة في سنة ثلاث وتسعين‏.‏

وقيل‏:‏ اقتحم أرض جليقية فخرقها حتى انتهى إلى مدينة استرقة وانصرف إلى طليطلة ووافته جيوشه التي وجهها من إستجة بعد فراغهم من فتح تلك المدن التي سيرهم إليها‏.‏

ودخل موسى بن نصير الأندلس في رمضان سنة ثلاث وتسعين في جمع كثير وكان قد بلغه ما صنعه طارق فحسده فلما عبر إلى الأندلس ونزل الجزيرة الخضراء قيل له‏:‏ تسلك طريق طارق فأبى فقال له الأدلاء‏:‏ نحن ندلك على طريق اشرفن طريقه ومدائن لم تفتح بعد ووعده يوليان بفتح عظيم فسر بذلك وكان قد غمه‏.‏

فساروا به إلى مدينة ابن السليم فافتتحها عنوة ثم سار إلى مدينة قرمونة وهي أحصن مدن الأندلس فقدم إليها يوليان وخاصته فأتوهم على الحال المنهزمين معهم السلاح فأدخلوهم مدينتهم فأرسل موسى إليهم الخيل ففتحوها لهم ليلاً فدخلها المسلمون وملكوها ثم سار موسى إلى إشبيلية وهي من أعظم مدائن الأندلس بنياناً وأعزها آثاراً فحصرها أشهراً وفتحها وهرب من بها فأنزلها موسى اليهود وسار إلى مدينة ماردة فحصرها وقد كان أهلها خرجوا إليه فقاتلوه قتالاً شديداً فكمن لهم موسى ليلاً في مقاطع الصخر فلم يرهم الكفار فلما أصبحوا زحف إليهم فخرجوا إلى المسلمين على عادتهم فخرجوا عليهم من الكمين وأحدقوا بهم وحالوا بينهم وبين البلد وقتلوهم قتلاً ذريعاً ونجا من نجا منهم فدخل المدينة وكانت حصينة فحصرهم بها شهراً وقاتلهم وزحف إليهم بدبابة عملها ونقبوا سورها فخرج أهلها على المسلمين فقتلوهم عند البرج فسمي برج الشهداء إلى اليوم ثم افتتحها آخر رمضان سنة أربع وتسعين يوم الفطر صلحاً على جميع أموال القتلى يوم الكمين وأموال الهاربين إلى جليقية وأموال الكنائس وحيلها للمسلمين‏.‏

ثم إن أهل إشبيلية اجتمعوا وقصدوها فقتلوا من بها من المسلمين فسير موسى إليها ابنه عبد العزيز بجيش فحصرها وملكها عنوةً وقتل من بها من أهلها وسار عنها إلى لبلة وباجة فملكها وعاد إلى إشبيلية‏.‏

وسار موسى من مدينة ماردة في شوان يريد طليطلة فخرج إليه طارق فلقيه فلما أبصره نزل إليه فضربه موسى بالسوط على رأسه ووبخه على ما كان من خلافه ثم سار به إلى مدينة طليطلة فطلب منه ما غنم والمائدة أيضاً فأتاه بها وقد انتزع رجلاً من أرجلها فسأله عنها فقال‏:‏ لا علم لي كذلك وجدتها فعمل عوضها من ذهب‏.‏

وسار موسى إلى سرقسطة ومدائنها فافتتحها وأوغل في بلاد الفرنج فانتهى إلى مفازة كبيرة وأرض سهلة ذات آثار فأصاب فيها صنماً قائماً فيه مكتوب بالنقر‏:‏ يا بني إسماعيل هاهنا منتهاكم فارجعوا وإن سألتم إلى ماذا ترجعون أخبرتكم أنكم ترجعون إلى الإختلاف فيما بينكم حتى يضرب بعضكم أعناق بعض وقد فعلتم‏.‏فرجع ووافاه رسول الوليد في أثناء ذلك يأمره بالخروج عن الأندلس والقفول إليه فساءه ذلك ومطل الرسول وهو يقصد بلاد العدو في غير ناحية الصنم يقتل ويسبي ويهدم الكنائس ويكسر النواقيس حتى بلغ صخرة بلاي على البحر الأخضر وهو في قوة وظهور فقدم عليه رسول آخر للوليد يستحثه وأجذ بعنان بغلته وأخرجه وكان موافاة الرسول بمدينة لك بجليقية وخرج على الفج المعروف بفج موسى ووافاه طارق من الثغر الأعلى معه ومضيا جميعاً‏.‏

واستخلف موسى على الأندلس ابنه عبد العزيز بن موسى فلما عبر البحر إلى سبتة استخلف عليها وعلى طنجة وما والاهما ابنه عبد الملك واستخلف على إفريقية وأعمالها ابنه الكبير عبد الله وسار إلى الشام وحمل الأموال التي غنمت من الأندلس والذخائر والمائدة ومعه ثلاثون ألف بكر من بنات ملوك القوط وأعيانهم ومن نفيس الجوهر والأمتعة ما لا يحصى فورد الشام وقد مات الوليد بن عبد الملك واستخلف سليمان بن عبد الملك وكان منحرفاً عن موسى بن نصير فعزله عن جميع أعماله وأقصاه وحبسه وأغرمه حتى احتاج أن يسأل العرب في معونته‏.‏

وقيل‏:‏ إنه قدم الشام والوليد حي وكان قد كتب إليه وادعى أنه هو الذي فتح الأندلس وأخبره خبر المائدة فلما حضر عنده عرض عليه ما معه وعرض المائدة ومعه طارق فقال طارق‏:‏ أنا غنمتها‏.‏ فكذبه موسى‏.‏

فقال طارق للوليد‏:‏ سله عن رجلها المعدومة‏.‏

فسأله عنها فلم يكن عنده علم فأظهرها طارق وذكر أنه أخفاها لهذا السبب‏.‏

فعلم الوليد صدق طارق وإنما فعل هذا لأنه كان حبسه وضربه حتى أرسل الوليد فأخرجه وقيل لم يحبسه‏.‏

قالوا‏:‏ ولما دخلت الروم بلاد الأندلس كان في مملكتهم بيت إذا ولي ملك منهم أقفل عليه قفلاً فلما ملكت القوط فعلوا كفعلهم فلما ملك رذريق أراد فتح الأقفال فنهاه أكابر أهل البلاد عن ذلك فلم يقبل منهم وفتح الأقفال فرأى في البيت صور العرب وعليهم العمائم الحمر على خيول شهب وفيه كتاب‏:‏ إذا فتح هذا البيت دخل هؤلاء القوم هذا البلد‏.‏

ففتحت الأندلس تلك السنة‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

وقعات العرب Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقعات العرب   وقعات العرب Emptyالأربعاء 04 نوفمبر 2015, 7:47 am

معركة عين جالوت

قام السلطان قطز بجمع صفوف العرب في الشام ومصر للتصدي للخطر المغولي الذي لم تستطع قوة في الشرق الأدنى الصمود أمامه، وبعد أن تلقى تهديداً من هولاكو استخف به وأعد العدة لمجابهته، أوفد بيبرس على رأس جيش إلى غزة فاحتلها، فعاد هولاكو وترك نائبه كتبغا لكي يجابه قطز في عين جالوت سنة 1260م، وهو يصيح "وا إسلاماه" فقتل كتبغا وكثيراً من رجاله وولى من نجا من المغول الأدبار. ومما ساعد على الانتصار تعصر الصليبيين بالوقوف على الحياد. وكان بيبرس قد مضى بجيشه لفتح حلب.

وتعد هذه الموقعة من المواقع الفاصلة في التاريخ، فلقد حالت دون وصول المغول إلى مصر وكانت السبب في توحيد مصر وسورية، وأظهرت المماليك على أنهم حماة العرب والإسلام. وجعلت من مصر عاصمة قوية، كما جعلت من دمشق مركز الانطلاق الجنوبي لتحرير البلاد من الصليبيين وصد المغول. ولقد أنقذت موقعة عين جالوت الغرب من زحف المغول.

ورد في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير:

" اتفق وقوع هذا كله في العشر الأخير من رمضان من هذه السنة، فما مضت سوى ثلاثة أيام حتى جاءت البشارة بنصرة المسلمين على التتار بعين جالوت، وذلك أن الملك المظفر قطز صاحب مصر لما بلغه أن التتار قد فعلوا بالشام ما ذكرنا، وقد نهبوا البلاد كلها حتى وصلوا إلى غزة، وقد عزموا على الدخول إلى مصر، وقد عزم الملك الناصر صاحب دمشق على الرحيل إلى مصر، وليته فعل، وكان في صحبته الملك المنصور صاحب حماه وخلق من الأمراء وأبناء الملوك‏.‏

وقد وصل إلى قطية وأكرم الملك المظفر قطز صاحب حماه، ووعده ببلده ووفاه له، ولم يدخل الملك الناصر مصر بل كر راجعاً إلى ناحية تيه بني إسرائيل، ودخل عامة من كان معه إلى مصر، ولو دخل كان أيسر عليه مما صار إليه‏.‏

ولكنه خاف منهم لأجل العداوة فعدل إلى ناحية الكرك فتحصن بها وليته استمر فيها، ولكنه قلق فركب نحو البرية - وليته ذهب فيها - واستجار ببعض أمراء الأعراب، فقصدته التتار وأتلفوا ما هنالك من الأموال وخربوا الديار وقتلوا الكبار والصغار وهجموا على الأعراب التي بتلك النواحي فقتلوا منهم خلقاً وسبوا من نسلهم ونسائهم‏.‏

وقد اقتص منهم العرب بعد ذلك، فأغاروا على خيل جشارهم في نصف شعبان فساقوها بأسرها، فساقت وراءهم التتار فلم يدركوا لهم الغبار ولا استردوا منهم فرساً ولا حماراً‏.‏

وما زال التتار وراء الناصر حتى أخذوه عند بركة زيزي، وأرسلوه مع ولده العزيز، وهو صغير وأخيه إلى ملكهم هولاكو خان وهو نازل على حلب، فما زالوا في أسره حتى قتلهم في السنة الآتية كما سنذكره‏.‏

والمقصود أن المظفر قطز لما بلغه ما كان من أمر التتار بالشام المحروسة وأنهم عازمون على الدخول إلى ديار مصر بعد تمهيد ملكهم بالشام، بادرهم قبل أن يبادروه وبرز إليهم وأقدم عليهم قبل أن يقدموا عليه‏.‏

فخرج في عساكره وقد اجتمعت الكلمة عليه، حتى انتهى إلى الشام واستيقظ له عسكر المغول وعليهم كتبغانوين‏.‏

وكان إذ ذاك في البقاع فاستشار الأشرف صاحب حمص والمجير بن الزكي، فأشاروا عليه بأنه لا قبل له بالمظفر حتى يستمد هولاكو فأبى إلا أن يناجزه سريعاً، فساروا إليه وسار المظفر إليهم، فكان اجتماعهم على عين جالوت يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان‏.‏

فاقتتلوا قتالاً عظيماً، فكانت النصرة ولله الحمد للإسلام وأهله، فهزمهم المسلمون هزيمة هائلة، وقتل أمير المغول كتبغانوين وجماعة من بيته، وقد قيل إن الذي قتل كتبغانوين الأمير جمال الدين آقوش الشمسي، واتبعهم الجيش الإسلامي يقتلونهم في كل موضع، وقد قاتل الملك المنصور صاحب حماه مع الملك المظفر قتالاً شديداً‏.‏

وكذلك الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب، وكان أتابك العسكر، وقد أسر من جماعة كتبغانوين الملك السعيد بن العزيز بن العادل فأمر المظفر بضرب عنقه، وأستأمن الأشرف صاحب حمص‏.‏

وكان مع التتار وقد جعله هولاكو خان نائباً على الشام كله، فأمنه الملك المظفر، ورد إليه حمص، وكذلك رد حماه إلى المنصور وزاده المعرة وغيرها‏.‏

وأطلق سلمية للأمير شرف الدين عيسى بن مهنا بن مانع أمير العرب، واتبع الأمير بيبرس البندقداري وجماعة من الشجعان التتار يقتلونهم في كل مكان، إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب، وهرب من بدمشق منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان‏.‏

فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم، ويستفكّون الأسارى من أيديهم، وجاءت بذلك البشارة ولله الحمد على جبره إياهم بلطفه فجاوبتها دق البشائر من القلعة وفرح المؤمنون بنصر الله فرحاً شديداً، وأيد الله الإسلام وأهله تأييداً وكبت الله النصارى واليهود والمنافقين وظهر دين الله وهم كارهون‏.‏

فتبادر عند ذلك المسلمون إلى كنيسة النصارى التي خرج منها الصليب فانتهبوا ما فيها وأحرقوها وألقوا النار فيما حولها فاحترق دور كثيرة إلى النصارى، وملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، وأحرق بعض كنيسة اليعاقبة، وهمت طائفة بنهب اليهود‏.‏

فقيل لهم إنه لم يكن منهم من الطغيان كما كان من عبدة الصلبان، وقتلت العامة وسط الجامع شيخاً رافضياً كان مصانعاً للتتار على أموال الناس يقال له‏:‏ الفخر محمد بن يوسف بن محمد الكنجي، كان خبيث الطوية مشرقياً ممالئاً لهم على أموال المسلمين قبحه الله‏.‏

وقتلوا جماعة مثله من المنافقين فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين‏.‏

وقد كان هولاكو أرسل تقليداً بولاية القضاء على جميع المدائن‏:‏ الشام، والجزيرة، والموصل، وماردين، والأكراد وغير ذلك، للقاضي كمال الدين عمر بن بدار التفليسي‏.‏

وقد كان نائب الحكم بدمشق عن القاضي صدر الدين أحمد بن يحيى بن هبة الله بن سني الدولة من مدة خمس عشرة سنة، فحين وصل التقليد في سادس عشرين ربيع الأول قرئ بالميدان الأخضر فاستقل بالحكم في دمشق، وقد كان فاضلاً‏.‏

فسار القاضيان المعزولان صدر الدين بن سني الدولة ومحيي الدين بن الزكي إلى خدمة هولاكو خان إلى حلب، فخدع ابن الزكي لابن سني الدولة وبذل أموالاً جزيلة، وتولى القضاء بدمشق ورجعا‏.‏

فمات ابن سني الدولة ببعلبك، وقدم ابن الزكي على القضاء ومعه تقليده وخلعة مذهبة فلبسها وجلس في خدمة إبل سنان تحت قبة النسر عند الباب الكبير، وبينهما الخاتون زوجة إبل سنان حاسرة عن وجهها‏.‏

وقرئ التقليد هناك والحالة كذلك، وحين ذكر اسم هولاكو نثر الذهب والفضة فوق رؤوس الناس، فإنا لله وإنا إليه راجعون، قبح الله ذلك القاضي والأمير والزوجة والسلطان‏.‏

وذكر أبو شامة‏:‏ أن ابن الزكي استحوذ على مدارس كثيرة في مدته هذه القصيرة، فإنه عزل قبل رأس الحول، فأخذ في هذه المدة العذراوية والسلطانية والفلكية والركنية والقيمرية والعزيزية مع المدرستين اللتين كانتا بيده التقوية والعزيزية‏.‏

وأخذ لولده عيسى تدريس الأمينية ومشيخة الشيوخ، وأخذ أم الصالح لبعض أصحابه وهو العماد المصري، وأخذ الشامية البارانية لصاحب له، واستناب أخاه لأمه شهاب الدين إسماعيل بن أسعد بن حبيش في القضاء وولاه الرواحية والشامية البرانية‏.‏

قال أبو شامة‏:‏ مع أن شرط واقفها أن لا يجمع بينها وبين غيرها‏.‏

ولما رجعت دمشق وغيرها إلى المسلمين، سعى في القضاء وبذل أموالاً ليستمر فيه وفيما بيديه من المدارس، فلم يستمر بل عزل بالقاضي نجم الدين أبي بكر بن صدر الدين بن سني الدولة، فقرئ توقيعه بالقضاء يوم الجمعة بعد الصلاة في الحادي والعشرين من ذي القعدة عند الشباك الكمالي من مشهد عثمان من جامع دمشق‏.‏

ولما كسر الملك المظفر قطز عساكر التتار بعين جالوت ساق وراءهم ودخل دمشق في أبهة عظيمة وفرح به الناس فرحاً شديداً ودعوا له دعاء كثيراً، وأقر صاحب حمص الملك الأشرف عليها، وكذلك المنصور صاحب حماه، واسترد حلب من يد هولاكو، وعاد الحق إلى نصابه ومهد القواعد‏.‏

وكان قد أرسل بين يديه الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري ليطرد التتار عن حلب ويتسلمها ووعده بنيابتها، فلما طردهم عنها وأخرجهم منها وتسلمها المسلمون استناب عليها غيره وهو علاء الدين ابن صاحب الموصل‏.‏

وكان ذلك سبب الوحشة التي وقعت بينهما واقتضت قتل الملك المظفر قطز سريعاً، ولله الأمر من قبل ومن بعد‏.‏

فلما فرغ المظفر من الشام عزم على الرجوع إلى مصر واستناب على دمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير والأمير مجير الدين بن الحسين بن آقشتمر، وعزل القاضي ابن الزكي عن قضاء دمشق، وولي ابن سني الدولة ثم رجع إلى الديار المصرية والعساكر الإسلامية في خدمته، وعيون الأعيان تنظر إليه شزراً من شدة هيبته"‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
وقعات العرب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سبب نكبة العرب : الفيديو اللذي انتظره العرب والمسلمين
» العرب والعالم
»  أقسام العرب
» العرب والاسلام الى أين؟
»  شاعرات العرب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ-
انتقل الى: