مسجد قانباى أميرا خور
يقع هذا المسجد القاهري على ربوة عالية تشرف على ميدان صلاح الدين على يسار الصاعد إلى القلعة. أنشأه قانباى الرماح، أحد أمراء السلطان قايتباى وأميرا خور ابنه السلطان الناصر محمد، أي الأمير المشرف على اصطبلاته.
أنشئ هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، إذ يشتمل على صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات معقودة. وقد اختلف عما سبقه من مساجد المماليك الجراكسة فى طريقة تسقيف إيواناته. فبينما نرى أسقف المساجد التى أنشئت فى هذا العصر اتخذت من الخشب وحليت بنقوش مذهبة جميلة، نرى أسقف هذا المسجد اتخذت جميعها من الحجر على هيئة قبوات مختلفة الأشكال. فإيوان القبلة تغطيه قبة منبسطة من مداميك من الحجر الأبيض والأحمر على التعاقب، ويدور عند مبدئها طراز مكتوب به آيات قرآنية وألقاب المنشئ واسمه. وقد حلّيت أركانها بزخارف محفورة فى الحجر لازال عليها آثار تذهيب. والإيوان الغربي يغطيه قبو مصلب من الحجر الأبيض والأحمر على التوالي. أما الإيوانان الجانبيان فصغيران ويغطى كلا منهما قبو حجري أيضا. وإلى يمين إيوان القبلة تقع حجرة الضريح تغطيها قبة حجرية مرتفعة محمولة على أربعة أركان من المقرنص المتعدد الحطات. ويحيط بمربعها أسفل المقرنصات طراز مكتوب به آيات قرآنية تنتهى باسم المنشئ وألقابه وتاريخ الإنشاء سنة 908 هجرية. ويكسو جدران القبة وزرة من الرخام الملون يتوسط الجدار الشرقى منها محراب حجرى مماثل لمحراب المسجد. والوجهة الرئيسة للمسجد تشتمل على صفف قليلة الغور تنتهي بمقرنصات. وبها صفان من الشبابيك السفلية معتبة بمزررات والعلوية معقودة، ويتوج الوجهة شرفات مورقة. ويقع المدخل فى الطرف الغربى منها وإلى يساره تقوم منارة مربعة القطاع، لها دورتان وتنتهى بخوذة ذات رأسين. وتقوم القبة فى الطرف الشرقي لهذه الوجهة وهي قبة حجرية يحيط برقبتها طراز مكتوب به آية قرآنية واسم المنشئ وألقابه، كما يحلى سطحها الخارجى بزخارف نباتية جميلة على مثال كثير من القباب التى أنشئت فى أواخر العصر المملوكى.
مسجد وخانقاه السلطان برقوق
تقع هذه الخانقاه العظيمة بقرافة المماليك في مصر. أنشأها السّلطان الملك الناصر أبو السّعادات فرج بن برقوق. شرع فى بنائها سنة 801 هـ/ 1398م، في المكان الذي أوصى والده السّلطان برقوق بدفنه فيه، وأتمّها سنة 813 هـ/1411م. وساهم في بعض الأعمال التّكميلية بها أخوه الملك المنصور عبد العزيز عندما ولّى الملك لفترةٍ قصيرةٍ، سنة 808 هـ/ 1405م. وقد توفّر في هذا المبنى من أغراضٍ دينيّةٍ وخيريّةٍ ما لم يتوفّر في أيّ مبنى أثريٍّ آخر. فقد اشتمل، فضلاً عن كونه خانقاه للصّوفية، على مسجدٍ فسيحٍ وتربتين لأسرة برقوق، وسبيلين وكتابين لتعليم القرآن الكريم. كما حوى من المميّزات العمارية ما لم يحوه أيّ أثرٍ آخر.
في المسجد منارتان متماثلتان وسبيلان يعلوهما كتابان وقبّتان كبيرتان تتوسطهما قبّة ثالثة صغيرة في أعلى المحراب. وتخطيطه عبارة عن صحنٍ مكشوفٍ تحيط به أربعة إيواناتٍ، أكبرها إيوان القبلة يقابله إيوان آخر مماثل له وأقلّ منه اتّساعًا؛ ويتكوّن سقفاهما من قباب نصف كرويّة محمولة على عقود ترتكز على أعمدة حجريةٍ مثمّنة القطاع. أمّا الإيوانان الجانبيان فمتماثلان ومتساويان، وتقوم خلفهما أبنية الخانقاه من خلاو وغرف علوية أُعدّت لإيواء الصّوفية وطُلاّب العلم. وبإيوان القبلة منبر حجري جميل محفور به زخارف منوّعة، أمر بإنشائه السّلطان قايتباي سنة 888 هـ/1483م، وتقوم أعلى المحراب قبّة صغيرة. ويكتنف هذا الإيوان القبّتان الكبيرتان المتماثلتان ويتوصل إليهما من بابين، فتحا على الإيوان المذكور، عليهما حجابان من الخشب على هيئة أشكالٍ هندسيّةٍ.
يرقد بالقبة البحرية السّلطان برقوق فى المكان الذي أوصى بدفنه فيه عند أقدام بعض الفقراء، كما دُفنَ بها وبالقبة القبلية بعض أولاده وحفدته. وللخانقاه مدخلان: أوّلهما بنهاية الوجهة البحرية، والثاني بنهاية الوجهة الغربية. وتشير النقوش الكتابية التي بهما إلى إسم المُنشئ وألقابه وتاريخ الإنشاء. وقد عنى المهندس بالتّماثل عنايةً عظيمةً. كما توفّر هذا التّماثل في الوجهة الشرقية أيضًا. فبوَسَطها القبة الصغيرة التي تعلو المحراب وبطرفيها القبتان الكبيرتان.
مسجد ومدرسة الأشرف برسباى
كان الملك الأشرف أبو النصر برسباى أحد مماليك الظاهر برقوق قدم إليه صغيراً فأعتقه واستمر يتدرج من وظيفة إلى أخرى إلى أن صار دواداراً كبيراً فى أيام الملك الظاهر ططر. وظل كذلك إلى أن توفي ططر وخلفه ابنه الصالح محمد، فما لبث أن خلفه برسباي وولي الملك بعده سنة 825 هـ/ 1422م. وكانت مدة حكمه ست عشرة سنة وبضعة شهور حيث توفي سنة 841 هـ/ 1438م.
يقع هذا المسجد بشارع القاهرة المعز لدين الله عند تلاقيه بشارع جوهر القائد. أنشأه الملك الأشرف برسباى فبدأ فى عمارته سنة 826 هـ/ 1424م وهو أحد مساجد ثلاثة ما زالت باقية إلى الآن أنشأها الأشرف برسباي، وثانيهما مسجده الملحق به مدفنه وخانقاه، والواقع بقرافة الممالك، وثالثهما جامعه الكبير الذى أنشأه ببلدة الخانكة سنة 841 هـ/ 1437م. وكلها تنطق بجمال الهندسة وحسن الزخرف. فقد بلغت فيها صناعة الرخام وخصوصاً بالمدفن شأوا عظيما فى الدقة والإتقان ، كذلك الشبابيك الجصية المفرغة المحلاة بالزجاج الملون فإنها جمعت بين براعة التصميم ودقة الصناعة.
أنشىء هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، أي صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات متقابلة وتقع القبة ملاصقة لإيوان القبلة. وهذا الإيوان كمثيله فى المدارس الأخرى أهم الإيوانات وأكثرها زخرفة. ويسترعي النظر فيه أرضيته الرخامية الجميلة وشبابيكه الجصية الدقيقة المصنوعة حديثا على نمط نظيراتها القديمة بمدفن الأشرف برسباى بقرافة المماليك. أما منبره الخشبى فحافل بالتطعيم بالسن والزرنشان شأنه فى ذلك شأن منابر المساجد التى أنشئت فى القرن التاسع الهجرى - الخامس عشر الميلادي.
لم يبق من أسقف المسجد القديمة سوى سقف الإيوان الغربي المقابل لإيوان القبلة الذي فقد سقفه الأصلى وحل محله سقف آخر. وهذا السقف - سقف الإيوان الغربي - يماثل سقف إيوان القبلة بمسجد برقوق، غني بنقوشة المذهبة الجميلة. ووجهة المسجد الرئيسة تشرف على شارع المعز لدين الله ويقع المدخل فى طرفها القبلى بجواره سبيل وكتاب. ويحلي صدر المدخل رخام ملون وتغطيه مقرنصات. ويكسو الباب الخشبي نحاس مفرغ تفريغا زخرفيا بديعا على شكل سرة فى الوسط وأربعة أركان وطراز علوي وآخر سفلي مكتوب بهما اسم المنشئ وتاريخ التجدي(1332 هـ). وكسوة الأبواب بالنحاس على هذا التصميم تجدها فى مسجد برقوق ومساجد الأشرف برسباى وغيرها من المساجد التى أنشئت فى هذه الحقبة من الزمن، بينما كانت الأبواب السابقة تكسى أوجهها كلها بالنحاس المزخرف كما شاهدنا فى باب مسجد السلطان حسن المركب على باب مسجد المؤيد وغيره.
تقوم إلى يمين المدخل المنارة. الطبقة الأولى منها مربعة والثانية أسطوانية تحليها جفوت متقاطعة، والثالثة تتكون من أعمدة رخامية تعلوها الخوذة. وقد جددت هذه الطبقة سنة 1945م. وبالنهاية البحرية للوجهه تقوم قبة حجرية حليت بخطوط متكسرة على شكل دالات محفورة فى الحجر. أما الوجهة الممتدة بين المدخل والقبة ففيها صفان من الشبابيك تغطيها مقرنصات جميلة وتتوجها شرفات مورقة.
مسجد ومدرسة الأمير صرغتمش
يقع هذا المسجد بشارع الخضيري بالقاهرة، ملاصقًا للزّيادة الغربية لجامع أحمد بن طولون. أنشأه فى سنة 757هـ/ 1356م الأمير سيف الدّين صرغتمش الذى اشتراه الناصر محمد بن قلاون سنة 737هـ/ 1337م، ولم يهتمّ بأمره، فظلّ طول حكمه خامل الذّكر. وفى ولاية الملك المظفر حاجى ابن الناصر محمد، ثم في ولاية أخيه الصّالح محمد كَبُرَ شأنه وصار يرجع إليه فى كل أمرٍ؛ وتعاظم نفوذه فى أيّام السّلطان حسن. وتوفي سنة 759هـ /1358م. بُنيَ هذا المسجد على نظام المدارس ذات التّخطيط المتعامَد. فهو يتكوّن من صحنٍ مكشوفٍ، تُشرف عليه أربعة إيواناتٍ، أكبرها إيوان القبلة الذي يشمل ثلاثة أقسامٍ: القسم الأوسط منها تُغطّيه قبة مرتفعة بأركانها مقرنصات خشبية، أُنشِئَت سنة 1940م بدل القبة القديمة التي هُدمَت أواخر القرن التّاسع عشر. ووجود القبة في أعلى المحراب ظاهرة عمارية شاهدناها في كثير من الجوامع السّابقة، وإن لم نشاهدها في المساجد المشيّدة على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد. وهي في هذا المسجد تُعتبَر منيّرة، انفرد بها دون غيره من المساجد السابقة واللاّحقة. ويقوم بصدر هذا الإيوان محرابٌ من الرخام الملوّن وسط وزرةٍ رخاميّةٍ. أمّا المنبر، فيرجع تاريخه إلى سنة 1118 هـ/ 1706م. ويحيط بالصّحن بين فتحات الإيوانات الأربعة خلاء، وحُلّت عقود أبوابها بصنجٍ من الرّخام الأبيض والأسود، كما فُرِشَت أرضه بالرّخام الملوّن يتوسّطها مكان الوضوء، تغطّيه قبّة لم يبق منها سوى الأعمدة الرّخامية التي كانت تحملها. وإذا ما تَرَك الزّائر الصّحن واتجه إلى الإيوان الغربي، وجد على يساره بابًا يؤدّي إلى الضّريح تتوسطه تركيبة رخامية دقيقة الصّنع. ويُغطّي الضّريح قبةً ترتكزُ على أركان المُقرنَص المتعدّد الحطّات، بشكلٍ يختلف عن مقرنصات القبّة التى تعلو المحراب؛ ويُحلّي رقبة القبة كما يُحلّي حائط الضّريح، من أعلى، شبابيك من الجص المفرّغ المُحلّى بالزّجاج الملوّن برسوماتٍ دقيقةٍ. أما الواجهة فمقسمة إلى صفف، فُتِحَ بها نوافذ سفلية وأخرى علوية من الجص المفرّغ. ويقع المدخل فى الطرف البحري للواجهة، وهو على النّظام المألوف فى مداخل المساجد، تُغطّيه من أعلى طاقية مجوّفة، بأسفلها مقرنصات جميلة، ومكتوبٌ فوق أحد جانبيه إسم المُنشئ وتاريخ الإنشاء. وتقوم المنارة على يسار المدخل، وهى مبنيّة من الحجر الأبيض والأحمر، ومؤلّفة من ثلاث طبقات: السُّفلية منها مثمّنة وتنتهى بمقرنصاتٍ تكوّن الدّورة الأولى للمنارة، والطبقة الثّانية مُثمّنةً أيضًا وتنتهى بمقرنصاتٍ تكوّن الدّورة الثّانية؛ أما الطّبقة الثالثة فتشتمل على ثمانية أعمدةٍ رخاميّةٍ تحمل الخوذه. وقد قامت إدارة حفظ الآثار العربية بفكّ هذه المنارة لخللها، وأعادت بناءها سنة 1935م؛ كما قامت بتجديد أرض الصّحن الرّخامية سنة 1945م.
مسجد ومدرسة ألجاي اليوسفي
يقع هذا المسجد بشارع سوق السّلاح، قرب نهايته من جهة القلعة في القاهرة. أنشأه سنة 774 هـ/1373م الأمير سيف الدّين الجاي أتابك العساكر، كبير الأمراء، في أيّام الملك الأشرف شعبان، على نظام المدارس ذات التّخطيط المُتعامد. يتكوّن المسجد من صحنٍ مكشوفٍ كبيرٍ تحيط به أربعة إيواناتٍ معقودة الفتحات، يدلّ ما بقى من النّقوش المذهّبة بسقفيّ الإيوانين، البحري والقبلي، على ما كان عليه سقفا الإيوانين الآخرين من غنى وجمال. وإيوان القبلة، على خلاف نظائره فى المساجد الأخرى، ترك محرابه وجدرانه بغير وزرةٍ رخاميةٍ. أما منبره، ولو أنّه فقد الجزء العلوي منه، إلاّ أنه يُعتبر من المنابر الخشبية الدّقيقة الصنع، اجتمعت فيه دقّة الحفر فى الخشب وجمال التّطعيم. كُتِبَ بأعلى بابه تاريخ عمله، سنة 774 هجرية. وتقع غرفة الضّريح فى الركن الغربي القبلي من المسجد وتغطيها قبّة حجرية مرتفعة. أمّا الوجهة الرئيسة للمسجد فجميلة، سواء من حيث تَناسُب أجزائها أو براعة تقاسيمها؛ فهي تشتمل على صفتين كبيرتين تنتهيان من أعلى بمقرنصاتٍ، وصفتين صغيرتين تنتهي كلّ منهما من أعلى بعقدٍ مثلّث على هيئة مروحةٍ وفتح بهذه الصفف ثلاثة صفوف من الشبابيك : الصّف الأوّل منها معتّب يعلوه عقد عاتق، والصّف الثانى شبابيك معقودة، والصّف الثّالث مكوّن من شبابيك قندليّة. وتقوم المنارة على يمين المدخل، وهي مكوّنة من ثلاث طبقات: الطّبقة الأولى مثمّنة، حُلّيت بفتحاتٍ وصفف معقودةٍ، وتنتهي بمقرنصاتٍ تكوّن الدورة الأولى للمنارة؛ والطبقة الثانية أسطوانيّة تنتهي بمقرنصاتٍ أيضًا، تكوّن الدّورة الثّانية؛ والطبقة الثالثة مكوّنة من ثمانية أعمدةٍ رخاميّةٍ تحمل الخوذة الجميلة. أما القبة الواقعة فى الطّرف القبلي من الوجهة، فهي من نوع القباب ذات التّضليع المَحنيّ.
مسجد ومدرسة السّلطان الغوري وقبّته
يقع هذا المسجد عند تلاقي شارع المعز لدين الله، بشارع الأزهر في القاهرة. وإلى جانب مدخل القبة، يقوم سبيل يعلوه كتاب، ويقع خلفها خانقاه ومقعد؛ وإلى جوارها ثلاثة منازل تجتمع كلّها في وجهةٍ واحدةٍ متّصلةٍ، تشرف على شارع الأزهر. أنشأ هذه المجموعة من المباني الملك الأشرف قانصوه الغورى، فى سنة 909/ 910 هـ 1503/ 1504م. وكان الغوري فى الأصل أحد مماليك الأشرف قايتباي. وقد استمر فى خدمته إلى أن أعتقه وصار يتقلّب فى عدّة وظائف إلى أن بلغ أسماها فى أيّام الملك الأشرف، جان بلاط. وفى سنة 906 هـ/ 1501م وُلّي ملك مصر واستمرّ حكمه لها إلى سنة 922 هـ/ 1516م، حيث قُتِل فى شهر رجب من العام ذاته، فى معركة مرج دابق، مع السّلطان سليم العُثماني. كان الغوري شغوفًا بالعمارة، فأنشأ الكثير من المباني الدّينية والخيريّة. ولم يكن اهتمامه بالعمارة قاصرًا على المُنشآت التي أقامها، بل تعدّاها إلى ترميم وإصلاح وتجديد كثير من الآثار التّي شيّدها أسلافه؛ واقتدى به الأمراء، فشيّدوا الكثير من المباني التي مازالت باقية إلى الآن، تنطق جميعها بازدهار العمارة والفنون فى عصره ازدهارًا عظيمًا. وأعظم ما تركه الغوري من منشآتٍ، هي تلك المجموعة الأثرية التي نصفها الآن والتي تُعتبر بحقّ من أبدع ما خلّفه لنا سلاطين دولةالمماليك الجراكسة. فقد عني بها الغوري عنايةً فائقةً وبالغ فى تجميلها وزخرفتها لكي تزهو على مثيلاتها المنشأة فى عصر قايتباي. لهذا المسجد ثلاث وجهات أهمّها الوجهة الشرقية التي تشرف على شارع المعز لدين الله؛ وبوسطها المدخل الرّئيس وبأسفلها دكاكين، وفتح بها ثلاثة صفوف من الشّبابيك، يعلوها طراز مكتوب به بالخطّ المملوكي آية قرآنية ثم إسم الغوري وألقابه وأدعية له. وتتوّجها شرفات مورقة حلّيت أوجهها بزخارف محفورة فى الحجر. وصَدرُ المدخل مُحلّى بتلابيس من الرّخام الأبيض والأسود، وتُغطّيه طاقية من المقرنص الجميل، وكُسيَ مصراعَا بابه بالنُّحاس المُزخرف. وبطرف هذه الوجهة من الجهة القبلية، تقوم منارةٌ ضخمةٌ مربّعة القطاع، لها دورتان تتكوّن من مقرنصاتٍ منوّعةٍ وتنتهي من أعلى بحطة مربّعة، تعلوها خمسة رؤوس. ويؤدّي الباب الرّئيس الذي يتوصّل إليه ببضع درجات إلى دركاتٍ مربّعةٍ، أرضيتها من الرّخام المُلوّن الدّقيق، وسقفها من الخشب المنقوش بزخارف مذهّبة.
شُيِّد هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد. فهو يتكوّن من صحنٍ يُحيط به أربعة إيواناتٍ. اثنان منها كبيران، وهما إيوان القبلة والإيوان المقابل له؛ وأمّا الآخران، وهما الجانبيان، فصغيران. ويحيط بجدرانها وزرةٌ من الرّخام الملوّن، تنتهي من أعلى بطرازٍ رُخاميٍّ مكتوب به بالخط الكوفيّ المزهر آيات قرآنية وتاريخ الفراغ من أعمال البناء سنة 909هـ . وفوق عقود الإيوانات الأربعة، طراز مكتوب بالخطّ المملوكيّ آيات قرآنية يعلوه إزار من المقرنصات الجميلة. ويتوسّط صدر إيوان القبلة محراب من الرّخام المُلوّن وبجواره منبر خشبيّ دقيق الصّنع. وأرض المسجد مفروشة بالرّخام الملوّن بتقاسيم بديعة. وتقوم دكّة المبلغ على كابولين خشبيين في مؤخّرة الإيوان الغربي، وفي مواجهة المحراب مكتوب عليها إسم الغوري وألقابه وأدعية له.
تقع وجهة قُبّة المسجد فى مواجهة وُجهة البناء وبها المدخل بزخارفه ومقرنصاته وتلابيسه الرّخامية المماثلة لمدخل المسجد؛ كما وأن بها صفّين من الشّبابيك داخل صففٍ، السّفلية منها معتّبة بمزرّرات من الرّخام الأبيض والأسود، والعلوية على هيئة شبابيك قندلية. وتنتهي الوجهة بشرفاتٍ مورّقةٍ مُحلاّة الأوجه بزخارف محفورة في الحجر. ويبرز من هذه الوجهة، بنهايتها البحرية، سبيل له ثلاث فتحات كبيرة وأرضية من أجمل الأرضيّات الرّخامية، يعلوها كتاب مفتوح من كلّ جانبٍ من جوانبه الثّلاثة بعقدين محمولين على عمودٍ فى الوسط ويغطّيها رفراف من الخشب، محمول على كوابيل خشبيّة ويتوصل إلى المدخل ببضع درجات؛ وهو يؤدّي إلى ردهةٍ مربّعةٍ، سقفها منقوش وأرضيتها من الرّخام المُلّون كنظيرتها بالمسجد. وعلى يمينها، باب يؤدي إلى القبة التي لم يبق منها سوى حوائط مربعها الحافلة بالزخارف والكتابات المحفورة فى الحجر، وأركانها ذات المقرنصات المتعدّدة الحطّات.
أمّا القبة نفسها فغير موجودة، إذ هُدِمَت في أيّام الغوري مرّتين لخللها، وأعيد بناؤها ثمّ هُدمَت مرّةً أخرى وأقيمت من الخشب حوالي سنة 1881م، إلى أن هُدِمَت وحلّ محلّها السّقف الخشبيّ الموجود الآن.
مسجد ومدرسة السُّلطان برقوق
يقعُ هذا المسجد المصري بشارع المعز لدين الله، بين المدرسة الكاملية ومسجد النّاصر محمد؛ أنشأه سنة 786-788 هـ/ 1384-1386م السّلطان الظّاهر أبو سعيد برقوق، أوّل من تولّى حكممصر من المماليك الجراكسة. وكان فى الأصل مملوكًا للأمير يلبغا، فأعتقه. وظلّ يتقلّب فى مناصب الدولة إلى أن أسعده الحظ، فوُلِّيَ الملك فى سنة 784 هـ /1382م. بُنِيَ هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد. فهو مكوّن من صحنٍ مكشوفٍ، تحيط به أربعة إيوانات. وقد عني مهندسه، ابن الطّولوني، بتخطيطه وتنسيقه، وتأنق فى زخرفته وتزيينه. فقسّم إيوان القبلة إلى ثلاثة أقسام وغطّى القسم الأوسط منها بسقفٍ مُستوٍ حُلّيَ بنقوشٍ مذهّبةٍ جميلةٍ وفصَلَه عن القسمين الجانبيين بِصَفّين من الأعمدة الضّخمة؛ وكسا جدران هذا الإيوان بوزرةٍ من الرّخام الملوّن، يتوسّطها محرابٌ من الرّخام الدقيق المطعّم بفصوصٍ من الصّدف. كما فرش أرضيته بالرّخام الملون برسوماتٍ متناسبةٍ.
فُقِدَ المنبر الأصليّ للمسجد وحلّ محلّه المنبر الحالي الذي أمر ببناءه السّلطان أبو سعيد جقمق فى منتصف القرن التّاسع الهجري/ مُنتصف القرن الخامس عشر الميلادي. أمّا الإيوانات الثّلاثة الأخرى، فتُغطّيها قبوات معقودة أكبرها الغربي المقابل لإيوان القبلة الذي بُنيَ قبّوه من الحجر الأحمر والأبيض على شكلٍ زخرفيٍّ جميلٍ. وتكتنفُ هذه الإيوانات أبوابًا متقابلةً، يؤدّي الشّرقي الأوّل منها إلى طريق تُوصل إلى ردهة المدخل العمومي للمسجد. ويؤدي الشّرقى الثاني المقابل له إلى القبّة. أمّا وجهات الإيوانات المشرفة على الصّحن، فقد تنتهى من أعلى، بطرازٍ مكتوبٍ به آيات قرآنية. ويتوسّط الصّحن فُسقيّة تعلوها قبّة محمولة على أعمدةٍ رخاميّةٍ، وأرضه مفروشة برخامٍ أبيض تتخلّله دوائر وأشرطة من الرّخام الأسود. وكما تفنّن المهندس فى تجميل إيوان القبلة، فقد أبدع أيضًا فى زخرفة الضّريح وتزيينه. ولم تقتصر عنايته قط على ذلك، بل بالغ فى تجميل القبّة التي تغطي الضّريح؛ فحلّى مقرنصات أركانها بنقوشٍ رائعةٍ وفتح برقبتها شبابيك من الجص المُفرّغ المُحلّى بالزُّجاج الملوّن، أحاطها بنقوشٍ مُذهّبةٍ. أمّا أبواب المسجد، فقد كسا مصراعيّ الباب الخارجى منها بصفائح من النُّحاس ذات التقاسيم الهندسية المزخرفة على مثال أبواب مسجد السّلطان حسن وقلاون وغيرهما. وفى الأبواب الدّاخلية، نراه قد استنبط تصميمًا آخر شاع استعماله فيما جاء بعده من المساجد. أمّا الواجهة، فهي كغيرها مقسّمة إلى صُفُفٍ، تنتهى بمقرنصاتٍ بداخلها صفّان من النّوافذ. ويتوّج الواجهة شرفات مورّقة، ويسير بكامل طولها طراز مكتوب، به حفر فى الحجر إسم الملك برقوق وتاريخ الإنتهاء من أعمال البناء سنة 788هجرية. وتنتهى الوجهة من النّاحية القبلية بالمدخل الشّاهق بمقرنصاته الجميلة، وبتلابيس الرّخام التى تحلّي صدره. وتقوم المنارة فى الطّرف البحري من الواجهة، وهى منارةٌ ضخمةٌ مكوّنةٌ من ثلاث طبقاتٍ مثمنة.
مسجد ومدرسة القاضى عبد الباسط
يقع هذا المسجد بالخرنفش بالقاهرة. أنشأه فى سنة 823 هجرية /1420م القاضى عبد الباسط الذى كان ناظر الخزانة والكسوة الشريفة فى أيام الملك المؤيد شيخ المحمودي ومن المقربين إليه. وفى أيام الأشرف برسباي أسندت إليه الوزارة والاستادارية ( نظارة الخاصة الملكية).
للمسجد وجهتان يقوم عند تلاقيهما سبيل يعلوه كتاب وله مدخلان يقع أحدهما بالوجهة الشرقية والثاني بالوجهة البحرية. ويتكون كل منهما من صفة معقودة بمقرنصات وله باب خشبي حلّي بالنحاس المزخرف على شكل سرة مستديرة فى الوسط وأربعة أركان يحصرها من أعلى وأسفل طراز مكتوب. وتقوم المنارة بالوجهة البحرية وهى تكاد تكون صورة طبق الأصل من منارة جامع المؤيد المنشأة في التاريخ نفسه. وقد بني هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد إذ يتكون من صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات يتوسط صدر إيوان القبلة محراب حجرى بسيط يجاوره منبر خشبى دقيق الصنع طعّمت حشواته بالسن والزرنشان. وهو يعتبر من المنابر التى بلغت فيها دقة الصناعة شأوا عظيما. وأرض إيوان القبلة والصحن مفروشتان بالرخام الملون بتقاسيم هندسية جميلة. ويدل سقفا السبيل والطرقة الموصلة من الباب الشرقى للصحن وما بهما من نقوش جميلة مذهبة على ما كانت عليه أسقف المسجد من أبهة وجمال. وقد شملت إدارة حفظ الآثار العربية هذا المسجد بعنايتها فقامت فى السنين الأخيرة بترميم منبره وإصلاحه كما قامت بتكملة قمة منارته.
مسجد ومدرسة أبو بكر مزهر
يقع هذا المسجد بحارة برجوان بحي الجمالية بمصر. أنشأه فى سنة 884 هـ 1479/ 80م أبو بكر مزهر الذي تلقى علومه بمصر حتى نبغ فيها وحصل على إجازة التدريس والإفتاء، وصار من أفاضل العلماء، وقد ولي عدة وظائف سامية، كان آخرها ولايته لديوان الإنشاء فى أيام الملك الأشرف قايتباى.
يعتبر هذا المسجد من النماذج الرائعة للمساجد التى أنشئت فى عصر الملك الأشرف قايتباى، إذ تتمثل فيه وفى نظرائه من المساجد التى أنشئت فى هذه الحقبة من الزمن، مثل مسجد قجماس الأسحاقى ومسجد أزبك اليوسفى، براعة التخطيط وجمال التناسب، ودقة الصناعات المختلفة ووفرتها وبلوغها شأواً عظيما من الإتقان. كل هذه ناطقة وواضحة فى منبره وشبابيكه وأبوابه، كما فى وزرته الرخامية الجميلة وأرضياته البديعة. ولهذا المسجد وجهتان، يقع المدخل الرئيس بالواجهة الشرقية منهما، ويمتاز بزخارفه الجميلة المحفورة فى الرخام والحجر، وببابه المغشى بالنحاس المزخرف بأشكال هندسية. ويعلو هذا المدخل المنارة وهي مكوّنة من ثلاث دورات. وهى كمثيلاتها المعاصرة حافلة بالزخارف والمقرنصات. وبالواجهة القبلية باب يوصل إلى دورة المياه وإلى السبيل والكُتّاب الملحقين بالمسجد. ويؤدي المدخل الرئيس إلى ردهة صغيرة على يسارها شباك مفتوح على إيوان القبلة وعلى يمينها طرقة إلى الصحن. وقد بُني هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد. فهو يتكون من صحن مسقوف يحيط به أربعة إيوانات: إيوان القبلة والإيوان المقابل له ينفتح كل منهما على الصحن بثلاثة عقود محمولة على عمودين من الرخام، والإيوانان الجانبيان ينفتح كل منهما بعقد واحد.
فرشت أرض الصحن وأرضية الإيوانات بالرخام الملون بتقاسيم هندسية جميلة. ويحيط بجدار إيوان القبلة وزرة مرتفعة من الرخام الملون يتوسطها محراب رخامي جميل يقوم إلى يمينه منبر خشبى دقيق الصنع، تعلوها شبابيك من الجص المفرغ المحلى بالزجاج الملون. وقد سجل الصانع الذي قام بأعمال الزخرفة والنقوش فى المسجد اسمه فى وسط عقد الشباك المجاور للمحراب بأن كتب : عمل عبد القادر النقاش. وهذه ظاهرة نادرة الوجود، إذ أننا نشاهد عادة ضمن الكتابات الموجودة بالمساجد الأثرية اسم المنشئ سواء أكان ملكاً أو أميراً، وفي الغالب الأعم نجهل اسم المهندس الذي قام بوضع تصميم المسجد أو الصانع الذى ساهم فى نقشه وزخرفته. ولا تقل أسقف المسجد عن غيرها من أجزائه المختلفة روعة وجمالا، فهى مصنوعة من الخشب على شكل مربعات وطبال منقوشة بزخارف دقيقة مموهة بالذهب.