القسم الثالث : الفروض والمبادئ المحاسبية المرتبطة بإعداد الميزانية
المبحث الأول: الفروض المحاسبية المرتبطة بإعداد الميزانية
تشتمل الفروض المحاسبية على الآتي: Accounting Assumptions
أولاً: فرض الوحدة المحاسبية، أو الشخصية المعنوية: Accounting Entity Assumption
يعنى هذا الفرض أن تُعامَل كل منشأة، كوحدة محاسبية، لها وجودها المستقل، عن وجود الأفراد الطبيعيين (الحقيقيين) المشكِّلين لها. أي لها شخصية معنوية مستقلة، عن شخصية أصحاب المشروع. ولقد أقرّ القانون للشركة بذمة مالية مستقلة، عن الذمة المالية للشركاء أو المساهمين. وأدّى هذا الفرض إلى ضرورة فصل العمليات المالية، المتعلقة بأصحاب المشروع، عن تلك المتعلقة بالمشروع نفسه. والاقتصار على تسجيل العمليات المالية، المتعلقة بالمشروع فقط، في المجموعة الدفترية.
وفي ظل هذا الفرض، فإن القوائم المالية، تُعبِّر عن نتيجة أعمال هذه الشخصية المعنوية ومركزها المالي. فالربح يعد ملكاً لهذه الشخصية، إلى أن يُوَزّع. وهذا يفسر لنا سبب فرض ضريبتين: ضريبة الأرباح التجارية والصناعية عند تحقق ربح المشروع، وضريبة كسب العمل على الحصص التي تُوزّع من هذه الأرباح. كما أن أصول المشروع تعدّ ملكاً للشخصية المعنوية، وحقاً، فقط، لأصحاب المشروع على هذه الأصول. فليس لهم حق المطالبة بنصيبهم، في هذه الأموال، خلال حياة المشروع. فحقهم يتحدد بنصيبهم في الربح المُوزّع، أو بنصيبهم في الأصول في حالة التصفية فقط.
إن تطبيق مفهوم الشخصية الاعتبارية المستقلة، يُمَكِّن من تحديد المركز المالي للمنشأة بصورة صحيحة. فافتراض أن كل منشأة تُعَدّ وحدة محاسبية مستقلة عن شخصية مالكيها، هو الذي يوضح أن المنشأة مالكة لأصول محددة، وعليها التزامات معينة، وأنها حققت أرباحاً أو خسائر، ومن ثمّ يمكن تحديد حقوق الملكية في هذه المنشأة.
ثانياً: فرض استمرار الوحدة المحاسبية Going Concern assumption
يُعدّ فرض استمرار المشروع من الفروض الرئيسية، التي تؤثر على إعداد الميزانية. هذا الفرض يقوم على قاعدة “عدم التصفية”Non liquidation basis، ويتفق مع التوقع الطبيعي لأصحاب المشروع والإدارة، أمّا احتمال التصفية فتعدّ حالة استثنائية. وكثير من المبادئ العلمية المطبقة في المحاسبة تجد مبررها في فرض الاستمرار، خاصة المبادئ التي تحكم تقويم الأصول الثابتة، التي تُقْتنى من أجل تحقيق خدمات طويلة الأجل في المستقبل. فتقدير الحياة النافعة للأصل، والقيمة المتبقية بعد حساب قيمة الاستهلاك، تقوم على فرض استمرار الأصل في خدمة المشروع. فالميزانية التي يعدّها المحاسب ليست ميزانية تصفية، ولكنها ميزانية مشروع، مستمر في أعماله، وتحقيق أهداف أصحابه.
ولا يعنى فرض “الاستمرار” بقاء المشروع بصفة دائمة، وإنما يعنى أن المشروع سيظل موجوداً لفترة كافية لتنفيذ أعماله الحالية، ومقابلة ارتباطاته القادمة.
ثالثاً: فرض وحدة النقد Monetary unit assumption
تهتم المحاسبة، فقط، بالعمليات، التي يمكن أن تقاس بالنقود. فالنقود تعدّ وسيلة لقياس القيم باعتبارها وسيلة متعارف عليها في القياس. وقد تعرض فرض “القياس النقدي” إلى كثير من الانتقاد، خاصة من الاقتصاديين، نتيجة التغير في القيمة الحقيقة أو القوة الشرائية للنقود، الناتج من التقلبات المستمرة في الأسعار، بسبب التضخمinflation، أو الانكماشdeflation، في الظروف الاقتصادية.
ويؤثر هذا الفرض على الميزانية، خاصة بالنسبة إلى تقويم الأصول الثابتة، لأن كل أصل من الأصول يدرج بالميزانية على أساس قيمته النقدية المعبر عنها بوحدات نقد مدفوعة في فترات مختلفة. ومن ثم، يصبح للأصل قيم مختلفة، مع التغيرات الجارية في المستوى العام للأسعار.
وقد ترتب على هذا الفرض كثير من الجدل العلمي، فيما يتعلق بمدى أهمية أخذ تقلبات الأسعار في الحسبان، عند إعداد القوائم المالية، ومنها الميزانية. فقد نادى بعض المحللين بضرورة تجاهل تقلبات الأسعار، وافتراض ثبات قيمة العملة “value stability of money“، وتقويم الأصول الثابتة على أساس نفقاتها التاريخية مطروحاً منها قيمة الاستهلاك، إن وجد. ورأى محللون آخرون ضرورة إظهار أثر تقلبات الأسعار على القوائم، سواء عن طريق إعادة التقدير كل عام، أو كل دورة اقتصادية، أو عن طريق استخدام الأرقام القياسية، أو عن طريق الاكتفاء بإلحاق جداول تفسيرية للأرقام الواردة في قائمة المركز المالي (الميزانية)، لتبيان مدى صحة النفقات التاريخية في ظل الأسعار الجارية.
رابعاً: فرض الدورية Periodicity Assumption
على الرغم من أن نتائج عمليات مشروعات الأعمال لا يمكن تحديدها، بدقة، إلاّ عند انتهاء حياة المشروع أو التصفية النهائية، لكن وجود القوائم المالية على فترات دورية من حياة المشروع، يُعَدّ ضرورة للمهتمين بدراسة هذه القوائم وتحليلها. إذ إنه لا يمكن الانتظار حتى التصفية لمعرفة نتائج الأعمال، والمركز المالي للمشروع.
وطبقاً لهذا الفرض، تُقسّم حياة المشروع إلى فترات زمنية متساوية، تسمى الفترات المحاسبية، وتُعدّ السنة الميلادية (أو الهجرية) هو الفترة المحاسبية التقليدية الشائعة، التي يجهز عنها قوائم مالية، وذلك لأن قوانين الضرائب على الدخل، التي تصدرها الحكومات تتطلب تحديد الدخل الخاضع للضريبة على أساس قاعدة “السنوية”. وحديثاً أصبح من الشائع أن تصدر الشركات قوائم مالية (ميزانيات) مؤقتة ربع سنوية، إضافة إلى التقارير الداخلية اليومية والأسبوعية أو الشهرية.
المبحث الثاني: المبادئ المحاسبية المرتبطة بإعداد الميزانية
إن مشكلة التقويم، هي المشكلة الرئيسية، في إعداد الميزانية، وتحديد المركز المالي. فإذا حُصرت أصول المنشأة وقُوِّمت تقويماً سليماً، فإنه يمكن تصوير قائمة تعبر تعبيراً صحيحاً عن المركز المالي للمشروع. ولذلك، فالمبادئ العلمية المتعلقة بتحديد المركز المالي، هي، في واقع الأمر، مبادئ تقويم مرتبطة بالأصول، إضافة إلى مبدأ الإفصاح الكامل عن الحقائق المهمة والضرورية لمستخدمي الميزانية. وتشتمل المبادئ المحاسبية “Accounting Principles” على الآتي:
أولاً: مبدأ التكلفة التاريخية ناقص الاستهلاك: Historical or Original Cost less depreciation
تُقْتَنَى الأصول الثابتة من أجل المساعدة على الإنتاج، لا من أجل بيعها وتحقيق ربح، لأنها تؤدى للمشروع خدمات طويلة الأجل. ولذا، فهي تُقَوّم على أساس تكلفتها الأصلية أو التاريخية، أي التي اُشتريت بها مطروحاً منها قيمة الاستهلاك، إن وجد، والذي يعبر عن النقص الفعلي لقيمة الأصل الناتج من الاستعمال أو التقادم أو احتمال ظهور اختراعات حديثة.
ثانياً: مبدأ القيمة المنتظر تحقيقها مستقبلاً Realizable Value
الأصول المتداولة هي جميع الأصول النقدية، أو القابلة للتحويل إلى نقدية سائلة، في فترة زمنية قصيرة الأجل. وعن طريق حركة هذه الأصول تحقق المنشأة ربحاً أو خسارة. لذا، تُقَوّم هذه الأصول على أساس “مبدأ القيمة التي يمكن تحقيقها مستقبلاً”. ومعنى ذلك، أنه عند تقويم مفردات هذه الأصول، يجب أن يؤخذ في الحسبان القيمة الممكن الحصول عليها، مستقبلاً، نتيجة تحصيل قيمة الأصل الدفتري (أي قيمة الأصل في الدفاتر)، ولا بد أن يُقَوِّم الأصل بأقل السعريْن، أو يُكوّن احتياطي أو مخصص (حسب الأحوال)، لمقابلة هذا النقص المتوقع.
ومثال على ذلك، يُقَوَّم بند “المدينين” بحساب رصيدهم في نهاية المدة، مطروحاً منه أي ديون معدومة (هي الديون التي يصعب تحصيلها)، عند الجرد. فإذا اتضح أن هناك ديوناً مشكوك في تحصيلها، فيجب أن يُكَوّن احتياطي (يسمى احتياطي أو مخصص الديون المشكوك فيها)، كعبء على الإيرادات، ويطرح من رصيد المدينين في قائمة المركزالمالي، حتى تظهر قيمة الديون الجيدة. وإذا وضعت الشركة حافزاً للمدينين بخصم نقدي، إذا سددوا التزاماتهم قبل تاريخ الاستحقاق، فيجب تكوين احتياطي أو مخصص لمقابلة الخصم المنتظر السماح به.
وكذلك الحال عند تقويم المخزون السلعي، فيُقَوّم على أساس سعر التكلفة أو سعر السوق أيهما أقل، ويُكَوّن، نتيجة للفرق بين سعر السوق وسعر التكلفة، “احتياطي هبوط الأسعار”. وتطبق هذه الأسس، كذلك، بالنسبة إلى بنود الاستثمارات المختلفة لمقابلة احتمال النقص في سعر السوق عن السعر الدفتري.
ثالثاً: مبدأ الإفصاح الكامل Full Disclosure Principle
يؤثر هذا المبدأ على القوائم المالية تأثيراً واضحاً، ويعنى أن القوائم المالية يجب أن تفصح عن الحقائق المهمة والضرورية، حتى لا تكون مضلله لمستخدمي هذه القوائم. ولا يقتصر الإفصاح الكامل على القوائم المالية فقط، وإنما يشتمل،كذلك، على الملاحظات الإيضاحية، التي تُعَدّ جزءاً مكملاً للقوائم المالية. وبناءً على ذلك، فإن الإفصاح عن الحقائق المختلفة في الميزانية، قد يكون في الميزانية نفسها، أو في الملاحظات المرفقة بها أو في الاثنين معاً.
ولا تقتصر ضرورة الإفصاح الكامل على الحوادث والأعمال، التي حدثت، فعلاً، قبل تاريخ الميزانية، وعن الفترة التي تغطيها تلك الميزانية، وإنما يمتد ذلك إلى الحوادث المهمة، التي قد تحدث بعد تاريخ الميزانية، ولكن قبل نشر القوائم المالية. مثال ذلك، بيع أو إزالة أحد الأصول المهمة، أو انخفاض كبير في أسعار السوق للمواد الأولية، أو صدور حكم قضائي، في مصلحة المنشأة أو في غير مصلحتها. ونظراً إلى أنه قد ينتج عن هذه الأحداث آثار مادية كبيرة تؤثر في الإيرادات المستقبلية المحتملة، ومركز المشروع، لذا ينبغي الإفصاح عنها.