ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: ثقافتنا في ضوء التاريخ الثلاثاء 15 ديسمبر 2015, 4:59 am | |
| الثقافة التكنولوجية من الاستهلاك إلى الإنتاج يطرح المفكر المغربي عبد الله العروي في كتابه «ثقافتنا في ضوء التاريخ» (1983)، في الفصل الخامس «الثورة العلمية» قضايا ذات أهمية، في ما يخص علاقة المجتمعات العربية بالعلم، وعلاقة توطين العلم بالذهنية المواتية، التي تتحقق، وتنتشر بوجود قاعدة علمية قوية، يلخصها في خيار سياسي، وإرادة ثقافية، وتتجلى في إقامة مؤسسات تحمي العلم، وتعمل على نشر مبادئه، وتحفز على الابتكار والإبداع . ولهذا، يقترح عبد الله العروي عينة من الأسئلة للتأمل فيها، في سبيل الوعي بعلاقة المجتمعات العربية بالعلم وثقافته، انطلاقا من تسجيل ملاحظة، حول تحول العلم في التجربة العربية إلى علم خدمات. وهذا ما يفسر حالة التناقض الموجودة بين ازدياد عدد الأطباء والصيادلة والمهندسين، من دون أن نلمس انتشارا للذهنية العلمية. يعني وفرة خبراء في تخصص علمي.ويُرجع العروي السبب إلى «أن هؤلاء تعلموا كيف يستفيدون من إبداعات الغير، وفي غياب مؤسسات تشجعهم على الابتكار، فإنهم يتحولون إلى دعاة للعقلية الاستهلاكية». إن سؤال الإنتاج وكيفيته، يظل مُرافقا لوضعية التقدم العلمي في مجتمع من المجتمعات، وعلاقة ذلك بنوعية الثقافة السائدة، ومدى مُلاءمتها لمنطق العلم. عندما نُعيد تأمل طروحات المفكر عبد الله العروي، حول الثورة العلمية، وقضايا التاريخ والحضارة والثقافة واللغة كما ناقشها، وحللها وصاغها أسئلة في كتابه «ثقافتنا في ضوء التاريخ»، الذي تعود طبعته الأولى إلى الثمانينيات من القرن الماضي، سنجدها باعتبارها طريقة في التفكير في وضعية المجتمع العربي، ما تزال تشكل إمكانية لقراءة الثغرات التاريخية التي يعرفها واقع التقدم العربي. ولعلنا نحتاج اليوم، مع الزمن التكنولوجي، وهيمنة وسائطه، في حياة الأفراد والمجتمع، إلى استثمار رؤية العروي، من أجل قراءة علاقة التجربة العربية بالتكنولوجيا، وشكل التعامل معها، خاصة مع الإيقاع السريع في الانخراط في مختلف تجليات هذه الثقافة، عبر وسائطها المتعددة والمتنوعة، والانطلاق من أسئلة العروي نفسها، مع صياغة أسئلة جديدة، من واقع الممارسة التكنولوجية: هل يوازي هذا الإقبال الكبير نحو الوسائط التكنولوجية ممارسة إنتاجية؟ وهل أنتج انخراط الأفراد في الوسائط التكنولوجية خيارا سياسيا، بضرورة توطين التكنولوجيا في التجربة العربية من خلال ذهنية علمية وثقافية مُوازية؟ وهل تحققت شروط هذه الذهنية؟ هل بدأنا نرى مراكز بحث، ومؤسسات علمية تحفز على الابتكار والإبداع التكنولوجي؟ أم أن الأمر ما يزال يقف عند حدود التكوين التخصصي؟ أو ما سماه عبد الله العروي بعلم خدمات؟ أو أن التعامل التكنولوجي ما يزال يتحقق ـ فقط – في القدرة المادية على توفير الوسائط التكنولوجية؟ كيف يمكن تفسير التخلي عن الكفاءات المحلية، والمتخصصة في التكنولوجيا، بالهجرة إلى الخارج، واستفادة الغرب من تجاربها، وفي الوقت نفسه، الاهتمام بجلب الخبراء الأجانب؟ ألا يُعبر ذلك، على أن التقدم العلمي إذا لم يتواز وذهنية مُتحررة، لن تتشربه التربة، ولن يُنتج سبل التطور الحضاري؟ إن فعالية التقدم العلمي والتكنولوجي لا تكمن في القدرة على إتقانه، وتحويله إلى خبرة تُلقَن، لأن ذلك يدخل في إطار الاستهلاك، الذي قد يأخذ درجات مُتقدمة من الإبداع، وإنما في جعله فاعلا في حياة الأفراد، وفي الذهنية التي تتغير، فتنتج ثقافة موازية، يتحول بموجبها المجتمع بكامله. عندما تتطور العلوم ومناهجها، وتتنوع وسائطها وأشكالها، فليس لتبقى تلك العلوم مجرد عملية تعلمية أولا، ثم تطبيقية ثانيا، تنجز خدمات وظيفية، من دون أن تتحول إلى ثقافة وذهنية ورؤية، ولنا أمثلة واضحة من نموذج الدول العربية التي حققت، وتحقق اهتماما كبيرا بالتكنولوجيا، سواء في الحياة العامة، أو في تدبير الاقتصاد والسياسة، غير أن هذا الاهتمام، المدعوم بميزانية كبيرة، لا ينبئ عن ثقافة جديدة، تشكل سلوكا ذهنيا لهذه التكنولوجيا، وتُؤشر على تحول المجتمع، مما يعود بالإيجاب على التكنولوجيا نفسها، والتي ستحظى – حينها- بحياة جديدة من خلال أسئلة مجتمع جديد، بحاجيات مختلفة، وإنتاج مختلف. ولهذا، سيظل الفرق يتعمق بين التكنولوجيا باعتبارها وسائط خدماتية، والتكنولوجيا باعتبارها ذهنية وثقافة وسلوكا في الحياة. ذلك، لأن المسألة لا تخص فقط استثمار التقدم العلمي في قضايا الراهن، والبحث من خلاله عن أجوبة لأسئلة الحياة والمجتمع والسياسة، ولكن التقدم العلمي يُوفر للإنسان القدرة على فهم تاريخه، ومُنجزه الماضي، وحياته التراثية، وإعادة اكتشاف هذا المُنجز وفق رؤية العلم الجديد، بشكل يُطور التعامل معه. يقول عبد الله العروي في الكتاب نفسه، «إذا توقف مجتمع ما عن التقدم العلمي فإنه لا يلبث أن يفقد السيطرة على إنجازاته الماضية لأنه يفقد بسرعة القدرة على فهمها واستيعابها. نفهم هكذا كيف يمكن أن تنحط أمة من قمة العلم إلى حضيض الجهل. يكفي أن ينقطع، لسبب عارض، حبل التواصل بين أجيال العلماء».فإخضاع أي علم أو معرفة لمنطق الاستهلاك، من دون إرادة سياسية وثقافية بجعله سلوكا ذهنيا، يُعد أيضا مظهرا من مظاهر التخلف العلمي. يطرح العروي مسألة مهمة، تخص أهمية الوعي بالعلم باعتباره ضرورة ليس فقط في الحاضر، إنما في العلاقة مع المنجز الفكري والعلمي السابق، وذلك بالقدرة على عقد الصلة معه بفهمه، والفهمُ هو السبيل إلى جعل المُنجز واقعا معرفيا، واستمرارا تاريخيا، ورؤية تتجدد بتجدد الذهنية. لهذا، فتطور العلوم والمعارف، لا يخص فقط المُنجز الراهن، وما سينجزه الفكر مستقبلا، إنما التقدم العلمي يكون في صالح الماضي أيضا، لأنه يُعيد اكتشافه، وفهمه، ووعيه بشكل يجعل منه إمكانية لتطوير الحياة والواقع، كما يعتمده وسيطا منهجيا وفكريا يُساعد الأفراد والمجتمعات على تجاوز خلل اللحظة الراهنة. لعل من بين الأسباب التي تُحفز على ضرورة صياغة أسئلة حول واقع التكنولوجيا في التجربة/التجارب العربية، بعيدا عن ثقافة الانبهار بالأرقام والإحصائيات التي تشير إلى الجانب المادي للحضور التكنولوجي في الحياة والتعليم والاقتصاد والخدمات، أكثر من مقاربة سؤال الحالة الذهنية المُرافقة، نستحضر من جهة، قوة انخراط فئة الشباب في التكنولوجيا، بشكل سريع، وهو انخراط تتفاوت درجات فاعليته من مجتمع إلى آخر، تبعا للوضعية السياسية والثقافية، ومن جهة أخرى، فإن سرعة الانخراط في التكنولوجيا، والقدرة على التعلم الذاتي السريع، بدأ يُنتج مظاهر جديدة لأساليب جديدة في التفكير، وفي التعامل مع القضايا والأسئلة، كما بدأ يخلخل منظومة القيم المألوفة، ويُنتج تصورات مختلفة عن المُتداول، ويتم بالمقابل، استقبال تلك التصورات، وقبول التواصل معها، مع الدفاع عن أحقيتها في الوجود إلى جانب غيرها، عكس ما كان يحدث في السابق، إذ كان مجرد إعلان تصورات جديدة، أو مختلفة عن المألوف، يأخذ مساحة مهمة من الزمن وتدبير الذهنية المُستقبلية. لذا، نطرح الأسئلة التالية: هل ينبئ هذا الوضع عن إمكانية حدوث ثورة ذهنية؟ وهل يمكن التفكير في بداية تشكل عناصر ثقافة جديدة، تُولد بموازاة عملية الانخراط في التكنولوجيا، تُعطي للفرد إحساسا بقدرته على الفعل والقرار وإنتاج السؤال، واقتراح الجواب؟ ألا يمكن اعتبار أشكال استعمال التكنولوجيا، مظهرا من مظاهر التحول الذهني؟ ألا يشكل هذا الإحساس ـ في حد ذاته- لحظة تحول في موقع الفرد في الواقع (الحياة، المؤسسات. . . )، ولهذا، بدأنا نشاهد تراجع المؤسسات، سواء الحزبية أو الثقافية أو ما شابه، التي بدأ فعل الفرد عبر التكنولوجيا يتجاوز خطابها ودورها ومنطق اشتغالها؟ ألا يمكن اعتبار هذا التجلي- في حدود ما هو موجود في التجارب العربية- بداية تكوَن طريقة في التفكير، وسلوك في الحياة، يعني ذهنية جديدة تتجاوز المألوف، وتُؤشر إلى ثقافة مختلفة، يحضر فيها الفرد بقوة اقتراحية؟ ألا يحتاج هذا الوضع إلى وعي سياسي، بضرورة التأطير وفق مؤسسات علمية ورؤية فلسفية، تُوجه التجارب نحو إمكانية الإنتاج الوظيفي المسؤول حضاريا؟ عندما يتحول العلم إلى حالة ذهنية، يتحقق الانتقال من الاستهلاك إلى الإنتاج.كتاب عبد الله العروى ..ثقافتنا في ضوء التاريخ |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: ثقافتنا في ضوء التاريخ الثلاثاء 15 ديسمبر 2015, 8:35 am | |
| |
|