زَوَرّوا لنا التاريخ لنبقى خارج التاريخ.. الصهاينة اليهود والصهاينة المسيحيون وجهان لعملة واحدةadmin - 26 اكتوبر, 2015
د. عبد الحي زلوم
بعد أن انهيت مشاهدة فيديو عن فتاه فلسطينية يتم إطلاق النار عليها بدم بارد وهي رافعة يديها وبعد أن شاهدت فيديو أخر لفتى فلسطيني يتم ملاحقته من الرعاع اليهود صائحين: إرهابي … إرهابي مع أنه لم يكن يحمل حتى سكيناً فتقوم الشرطة عن بعد بإطلاق 7 رصاصات على جسده، اصبت بإشمئزاز وقرف شديدين لم يزد عنهما سوى سقوط النظام الرسمي العربي الذي إكتفى بعقد جلسة على أدنى مستوى لجامعة الدول العربية التي لم تنعقد في تاريخها سوى لتحليل الحرام ضد أحدى الدول العربية كما كان في العراق وسوريا. وما زادني قرفاً ما قاله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري : أن “على الارهاب الفلسطيني أن يتوقف فوراً “. اثار هذا القول اشمئزازي لكنني تذكرت انني كتبتُ كتاباً بعنوان “: أمريكا: إسرائيل الكبرى .. إسرائيل أمريكا الصغرى التاريخ الحقيقي لأمريكا في الشرق الأوسط” من 408 صفحات بينتُ فيه أن الثورة البروتستانية قد اختطفت بعض المسيحيين وأن اليهود قد اختطفوا بدورهم العقيدة البروتستانية . ولكي لا يظن أحد أن في هذا الكلام مبالغة أقتبس أدناه أن الثقافة اليهومسيحية القائمة في العالم البروتستانتي هي فعلاً مسيحية مختطفة . . عن ذلك تقول الإنسايكلوبيديا ويكي بيديا Wikipedia :
“يرى المؤرخون أصل المصطلح (الثقافة اليهومسيحية Judeo-Christian Culture) يعود إلى الثورة البروتوستانتية … وفي السياق الأمريكي يرى المؤرخون بأن استعمال هذا المصطلح هو للدلالة على تأثير العهد القديم اليهودي (التوراة) والكتاب الجديد (الإنجيل) على الفكر البروتوستانتي ومفاهيمه بشكل خاص … لقد رأى المهاجرون الأوائل لأمريكا أنفسهم الوارثين للكتاب المقدس العبري وتعاليمه … والتي أصبحت بدورها أساساً لمفاهيم النظام الأمريكي … لتصبح تلك المفاهيم العبرية أساساً للثورة الأمريكية ، وميثاق الاستقلال ، ودستور الولايات المتحدة.”
كلام واضح لا لبس فيه ! الحضارة الأمريكية جذورها وروحها يهودية تلمودية.
علينا دائماً أن نتذكرأن امريكا واسرائيل وجهان لعملة واحدة .
كان المهاجرون الاوائل لامريكا من طائفة البيورتان ومعتقداتهم الدينية المختلفة عن التيار المسيحي التقليدي، ومن ذلك معارضة إقامة مراسم القداس ومراسم الزواج في الكنيسة، ونأوا بأنفسهم عن الكنائس التقليدية، مفضلين التعبد في أماكن أطلقوا عليها “بيوت اللقاء” الخالية من الصلبان. كان البيوريتان يعتبرون السبت عطلة دينية ويمتنعون عن الاحتفال بالأعياد الدينية المسيحية مثل أعياد الميلاد وعيد الفصح . وعندما احتفلوا بأول عيد شكر لهم في الأرض الجديدة بعد عام من رسو السفينة ماي فلاورز على الشواطئ الأمريكية عام 1621، اعتبر أول المهاجرين الجدد ذلك بمثابة عيد الكفارة أو يوم كيبور ( عيد الغفران لدى اليهود). كان أول ما تفوه به وليام برادفورد أحد المهاجرين البيوريتان وهو يضع قدمه على الأرض الأمريكية عام 1620:” وهو يغادر السفينة ماي فلاورز التي أقلته و101 من أتباعه إلى الأرض الجديدة القول: تعالوا لنعلي كلمة الرب في أرض صهيون”. لقد سبقت المسيحية الصهيونية البروتستانية صهيونية هيرتزل بمئات السنين. وللعلم إن كافة رؤساء الولايات المتحدة من البروتستانت فقط عدا الرئيس جون كنيدي الكاثوليكي والذي تم اغتياله قبل اكماله مدته الرئاسية.
ننوه هنا أن الرأسمالية والتي تعتمد على رأس المال والربا كأساس للنظام الاقتصادي يتم تطويع كافة عناصر الاقتصاد والمجتمع لخدمة اصحابه وأن عداء اصحاب النظام الرأسمالي للاسلام والمسلمين يحركه اساساً الاختلاف الجذري بين المفهوم الاقتصادي الاسلامي والرأسمالي بحيث لا يسمح النظام الإسلامي بمبدأ الربا وهو أيضاً محرمٌ في المسيحية الى ان تحايلت عليه وحللته البروتستانتية. وأصحاب راس المال في النظام الرأسمالي الاههم هو المال ولكنهم بخلاف الشيوعية التي تعتبر الدين افيون الشعوب وقد حرمته ومنعته الا ان اصحاب النظام الرأسمالي اعجبهم هذا الافيون المجاني واستعملوه لتطويع الجماهير لخدمة مصالحهم . وكما سنبين أدناه فإن البعثات التبشيرية البروتستانية الى العالم الاسلامي قد استهدفت مسيحيي المشرق بإعتبارهم فئة ضالةً تتبع مسيحية مزيفة . من المهم التفريق بين المسيحيين الصهاينة البروتستانت ومسيحي المشرق الذين هم أصلاً مستهدفون في دينهم ووطنهم كالمسلمين.
الغزو الثقافي للشرق الأوسط:
في عام 1810 شكلت مجموعة من رجال الدين الأمريكيين ما أطلقت عليه: المجلس الأمريكي لمفوضي المهمات الخارجية بهدف دعم المراكز التبشيرية في العالم غير البروتستنتي . وبالنسبة للأميركيين البروتستنت فإن مسيحيي الشرق والروم الأرثوذكس وأتباع الكنيسة الأرمنية يعتبرون من المسيحيين الضالين، وإن كان من السهل إعادة تحولهم للدين كما تراه الكنيسة البروتستنتينية التي تطلق عليهم صفة : ” مسيحيون بالاسم”. أما المسلمون فلهم وضعهم المختلف تماماً باعتبارهم لا شيء من الناحية الروحية وفي وضع يائس بأنتظار الخلاص.
في عام 1816 ورد في عدد من مجلة نايلز وييكلي ريجيستر القول:” عندما يتم إخراج العثمانيين الضعفاء البلهاء من فلسطين، سيعود اليهود وسيجعلون الصحراء “تتفتح سريعاً كما الزهور”. وعليه فقد كان للبروتستنت أجندتهم الخاصة المعدة سلفاً تجاه العمل على تفكيك الدولة العثمانية المسلمة وصولاً لتحقيق العودة لليهود والمسيح إلى فلسطين.
قبل مغادرتهما بوسطون إلى البلاد المقدسة ليكونا أول بعثة تبشيرية تتوجه للشرق الأوسط، شرح المبشران الشابان للجموع المؤمنة في كنيسة أولد ساوث ما عرف بعد ذلك بـ: البرنامج التبشيري الخاص بالعالم الإسلامي. كان القس ليفي بارسونز أول المتحدثين قائلاً:” اليهود هم من علمونا طريق الخلاص.. فقد حافظوا وبإخلاص ونوايا صافية على الإنجيل.. إلهنا هو إلاههم وجنتنا هي جنتهم” والأهم من ذلك أن بارسون استذكر ” الحقيقة الكبرى” وهي أن اليهود هم من زودوا الإنسانية بالمخلص الأعظم.. المسيح”. وفي ذلك قال القس البروتستنتي وهو يستعد للسفر إلى فلسطين: نعم.. إخوتي، إن من سيشفع لكم أمام عرش الله.. هو يهودي”.أضاف القس بارسون بأن على المسيحيين، وعلى سبيل إظهار الامتنان وكنوع من رد الجميل، بذل كل ما يمكنهم من جهد لاستعادة السيادة لليهود في أرض أجدادهم وموطن الإنجيل. وأضاف بارسون:” ما إن يختفي الاحتلال العثماني لفلسطين فإن معجزة فقط هي التي ستحول دون عودة فورية لليهود إليها. ومن جانبه تحدث زميله المبشر الثاني بليني فيسك عن الخلاص وفلسطين، وعندما ختم حديثه بالقول:” كل الأعين مسلطة على القدس″، انخرط الحضور بالبكاء.
اتضحت أجندة الحملة التبشيرية للقساوسة البروتستنت في الشرق الأوسط قبل أن يغادر روادها السواحل الأمريكية، وتلخصت بوضوح في هدفين: عودة اليهود إلى فلسطين، وتدمير الدولة العثمانية المسلمة، والتي كانت تحتل فلسطين على حد تعبير القائمين على الحملات التبشيرية الأمريكية. وتحقيقاً لهذه الأجندة، مارست البعثات التبشيرية البروتستنتينية نشاطها بكثير من الصبر والجلد، وخططت ونفذت غزواً ثقافياً ساعد إلى جانب عوامل أخرى على تفكيك الإمبراطورية العثمانية. ومن ذلك حقيقة أن السفراء الأمريكيين المعينين في العاصمة العثمانية اسطنبول، كانوا جميعاً إما من الصهاينة المسيحيين أو من الصهاينة اليهود أمثال شتراوس، شقيق أصحاب سلسلة متاجر Macy، الذي ساهم وبنشاط وبالتعاون مع الماسونيين اليهود في الإطاحة بالسلطان عبد الحميد طبقاً للسفير البريطاني في اسطنبول في ذلك الوقت. وبالطبع فقد كان موقف السلطان عبد الحميد الرافض لعرض هيرتزل تسديد ديون الإمبراطورية العثمانية مقابل السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، سبباً كافياً لاستهدافه من قبل اليهود والماسونية.
بداية محبطة
في عام1840 حط المبشر سايروس هاملين برحاله في اسطنبول، حيث حصل على ترخيص بفتح مدرسة في بيبيك غير بعيد عن العاصمة. وعندما التحق بعض الأطفال الأرمن بالمدرسة المذكورة علت أصوات بطريرك الأرمن بالاحتجاج. ومع ذلك فقد تعاظم نفوذ المبشرين الأمريكيين داخل القصر السلطاني ، الأمر الذي تجلى في إهداء هذه الجماعات للسلطان مدرسة خاصة بأبناء الضباط أقيمت على نمط المدارس الأمريكية.
عندما وصل إلى بيروت عام 1855 كان المبشر الأمريكي دانييل بليس لا يزال شاباً في منتصف الثلاثينات من العمر، ومع ذلك نجح بليس وبسرعة في وضع يده على نقطة الضعف في العملية التبشيرية، التي حالت حتى ذلك الحين دون تحقيق نتائج تذكر على صعيد تحويل الأهالي مسلمين ومسيحيين شرقيين إلى المذهب البروتنستنتي. فسرعان ما تخلى بليس عن مشروعه الذي جاء من أجله وهو إقامة مركز تبشيري في جبل لبنان خاصة مع الوضع المتفجر هناك بسبب المواجهة بين الدروز والموارنة. وفي بيروت وبعد مشاورات مع المبشرين من كبار السن استقر الرأي على الطلب من المجلس الأمريكي للمهمات الخارجية الذي يدير عملية التبشير من عن بعد، السماح له بإقامة كلية في بيروت بهدف شحذ المشاعر القومية لدى الشبان العرب مسلمين ومسيحيين. حملت الكلية الجديدة التي اعتمدت العربية لغة التدريس فيها اسم الكلية البروتستنتينية السورية. كان رأي بليس كما عرضه أمام المجلس الأمريكي يقوم على المنطق التالي: بما أن البعثات التبشيرية عاجزة عن نشر المذهب البروتستنتي في المنطقة فليس أقل من العمل على فرض العلمانية والقيم الأمريكية هناك. كان بليس يرى بأن العلمانية من خلال القومية كفيلة بإيقاظ العنصرية النائمة، بل وحتى التعصب القبلي بين الجماعات العرقية العديدة والمختلفة التي تعج بها الإمبراطورية العثمانية ، وبهذا يمكن تحقيق الهدف الثاني من الحملة الصليبية الجديدة أي: تفكيك الإمبراطورية العثمانية. أصبحت الكلية البروتستنتينية السورية التي غيرت اسمها عام 1920 إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، مهداً فعلياً للقومية العربية حيث كان معظم قادة هذه الحركة من خريجي هذه الجامعة في القرنين التاسع عشر والعشرين . اقام المبشرون بالتوازي في تركيا كلية روبرتس لبث روح القومية الطورانية . بعد النتائج الكبيرة التي تحققت من خطوة الجماعات التبشيرية في بيروت، جاء دور القاهرة لينال المصريون نصيبهم من الخير القادم من الغرب، فكان قرار الجماعات البروتستنتينية إنشاء الجامعة الأمريكية في القاهرة التي ستسير على خطى زميلتها في بيروت في نشر العلمانية من خلال القومية. وبالرغم من ارتفاع ميزانية المؤسسات التبشيرية سبعة أضعاف على مدار عشر سنوات(1885-1895) وزيادة عدد المدارس التابعة للجماعات التبشيرية إلى 400 مدرسة يتربى فيها أكثر من20 ألف طالب على مبادئ العلمانية، فإن المد القومي المستهدف لم يحقق سوى تقدم بطئ خلال القرن التاسع عشر. وعن ذلك كتب مايكل أورين في كتابه المعنون : السلطة، العقيدة والخيال، يقول:
” بعد الرفض القاطع الذي أظهره العرب المسلمون للطروحات الدينية للجماعات التبشيرية، تعاملوا مع الأفكار القومية الجديدة بفتور.. فقد كان لديهم الأمة الإسلامية التي تمثلها الدولة العثمانية بالفعل ولم يكونوا بحاجة لجهة جديدة تلزمهم بالولاء.. وبدلاً من الانفصال عن الإمبراطورية ، وجد هؤلاء بأن من الأفضل لهم محاولة الحصول على حقوق إضافية ضمن الدولة وتحقيق الوحدة ليس من خلال فلسفة دخيلة بل بالعودة للإسلام”
بعد 97 سنة من أول بعثة تبشيرية إلى فلسطين،تم تفكيك الدولة الاسلامية العثمانية وحين دخل الجنرال الانجليزي البروتستانتي اللنبي إلى القدس قال:” الأن انتهت الحروب الصليبية.” لكنها ما زالت مستعمرة ليومنا هذا تحت إسم محاربة الارهاب!!! وأي إرهاب هو، إنه الارهاب الذي صنعوه بانفسهم . محاربة الارهاب تبدأ بمحاربة الارهاب الصهيوني في فلسطين.
مستشار ومؤلف وباحث