الناس في بلادنا !!
خيري منصور
حين أصدر الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور ديوانا بعنوان الناس في بلادي رد عليه مفكر وناقد مصري هو د . زكي نجيب محمود بمقالة عنوانها ما هكذا الناس في بلادي، فكل واحد منا يرى الناس حوله كما يشتهي ان يراهم وهو لا يجري للملايين فحوصا نفسية واخلاقية وثقافية كي يحكم عليهم بالجملة، واحيانا يلحق بنا الأذى شخص ما فنحكم على الاخرين كلهم من خلاله وكأنهم مجرد اسماء مستعارة له .
لكن المثير في هذه الظاهرة وهي الكتابة عن الناس من حولنا هو الخضوع للرغائبية واحيانا يكتب في مديح الناس أناس يقيسون منسوب الجودة والرداءة بمعيار تجاري لا يتجاوز ثنائية الربح والخسارة، وهنا علينا ان نشعر بالريبة ونحن نسمع من يبالغون في مديح الناس والاوطان لأن من هؤلاء من بذلوا جهدا يعادل جهد الحرب تهربا من التجنيد الاجباري ومنهم من كان في الازمات كفأر السفينة، ما ان شمّ بأنف مدرّب رائحة الغرق حتى قفز الى اليابسة .
وسمعت ذات يوم من صحفي فرنسي كلاما استهجنته في وقته، لكنني اراه الان معقولا، وهو لو ان العرب صادقون في أغانيهم وأناشيدهم الوطنية وخطب ساستهم وجنرالاتهم ايام السّلم لكانوا الان في طليعة امم الأرض، لكن ما اسفرت عنه الحروب بمختلف انواعها بدءا من الحرب مع العدو حتى حروب الاخوة الاعداء يقدم نتائج تدعو الى التأمل، فما اسرع الهجرة من الاوطان فور تعرّضها للخطر، وما اسرع التدافع على الخبز والطعام اذا ارتطم كوز بجرّة، فالماء كما يقال يكذّب الغطّاسين خصوصا اذا ادعوا انهم لامسوا قيعان المحيط الاطلسي وهم في الحقيقة تعلموا السباحة على الرمال والغطس في طشت الغسيل!.
ان ما تمر به بلادنا كلها من الغني الى الفقير ومن المتمدن الى الفلاح والبدوي هو اختبار تاريخي وثقافي ووطني، لكن مستوى الرسوب في هذا الاختبار كارثي بامتياز .
فالفرد لا يفكر بما هو ابعد من انفه والموعظة الحرقاء عن نجاة سعد وهلاك سعيد اثبت التاريخ بطلانها لأن؛ الهلاك اذا ازف موعده لن ينجو من أحد .