| الف ليلة و ليلة | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75521 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الف ليلة و ليلة السبت 04 مايو 2013, 10:36 am | |
|
لهذا الكتاب كاتب ....أو لم يعرف لكتاب "ألف ليلة وليلة" كاتب معين ، ينسب جزماً إليه....فهو في ذلك على نحو ما هي عليه مؤلفات كثيرة في العالم ، يحار الرأي العلمي في صحة إنسابها ، كما يحار ،جاداً في حقيقة وجود بعض الذين تنسب إليهم روائع عالمية كهوميروس وشكسبير.... حتى أن المحققين يحارون في تعيين جنسية واضع "ألف ليلة وليلة" وفي هل يكون واحداً أم أكثر من واحد؟؟؟
ويقال أن الأصل الأول لهذا الكتاب فارسي بدليل أن أولى لياليه منقولة إلى العربية عن "هزار افسانه" . ولكن مهما يكن من أمر....ومهما تكب النتائج التي بلغ الباحثون في معرفة حقيقة واضع هذا الكتاب، فما لا مراء فيه أن كتاب "ألف ليلة وليلة" من نتاج مخيلة الشعوب الشرقية ، والآسيوية منها على الأخص ، فلا يستطيع أن يدعيه كاتب من كتّابهم ، ولا يستطيع أن يدعيه شعب من شعوبهم ، إن هو مجموعة حكايات شعبية ولد بعضها في مخيلة الهنود ، وبعضها في مخيلة الفرس ، وبعضها في مخيلة العرب والمصريين ، وكان ذلك من أقدم العصور إلى أن خطر في بال غاو أو حكّاء من العرب أن يجمع كل ذلك في كتاب ، راح بعده الغواة والحكّاؤون يزيدون عليه مع الأيام حتى عرف أخيراً في نص تعددت صيغه بتعدد المخطوطات التي نقلته إلينا....
الكتاب الذي طاف الدنيا بأرجائها، وتمثل فيه سحر الشرق، وترجم إلى معظم لغات العالم. طبع بالعربية لأول مرة في ألمانيا، مع ترجمته إلى الألمانية، وطبع بعدها مرات لا تحصى...
تقول الحكاية الأم التي تبسط ظلالها على حكايا الكتاب: (أن الملك شهريار لم يكتف بعدما اكتشف خيانة زوجته بقتلها هي وجواريه وعبيده، بل صار كل يوم يأخذ بنتاً بكراً فيزيل بكارتها ويقتلها من ليلتها، فضج الناس وهربت بناتهم...فسألت شهرزاد أباها الوزير أن يقدمها لشهريار قائلة: (فإما أن أعيش، وإما ان أكون فداء لبنات المسلمين وسبباً لخلاصهن) وكان الوزير يطلع كل صباح بالكفن تحت إبطه، بينما ابنته شهرزاد تؤجل ميعاد موتها بالحكاية تلو الحكاية، حتى أنجبت للملك ثلاثة أولاد في ألف ليلة قضتها في قصره، وجعلته بحلاوة حديثها وطرافة حكاياها خلقاً آخر).
الجزء الاول الف ليلة وليلة
حكي والله أعلم أنه كان فيما مضى من قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك من ملوك ساسان بجزائر الهند والصين صاحب جند وأعوان وخدم وحشم له ولدان أحدهما كبير والآخر صغير وكانا بطلين وكان الكبير أفرس من الصغير وقد ملك البلاد وحكم بالعدل بين العباد وأحبه أهل بلاده ومملكته وكان اسمه: الملك شهريار، وكان أخوه الصغير اسمه: الملك شاه زمان وكان ملك سمرقند العجم، ولم يزل الأمر مستقيماً في بلادهما وكل واحد منهما في مملكته حاكم عادل في رعيته مدة عشرين سنة وهم في غاية البسط والانشراح.
لم يزالا على هذه الحالة إلى أن اشتاق الكبير إلى أخيه الصغير فأمر وزيره أن يسافر إليه ويحضر به فأجابه بالسمع والطاعة وسافر حتى وصل بالسلامة ودخل على أخيه وبلغه السلام وأعلمه أن أخاه مشتاق إليه وقصده أن يزوره فأجابه بالسمع والطاعة وتجهز وأخرج خيامه وبغاله وخدمه وأعوانه وأقام وزيره حاكماً في بلاده وخرج طالباً بلاد أخيه.
فلما كان في نصف الليل تذكر حاجة نسيها في قصره فرجع ودخل قصره فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة عبداً أسود من العبيد، فلما رأى هذا اسودت الدنيا في وجهه وقال في نفسه: إذا كان هذا الأمر قد وقع وأنا ما فارقت المدينة فكيف حال هذه العاهرة إذا غبت عند أخي مدة،
ثم أنه سل سيفه وضرب الاثنين فقتلهما في الفراش ورجع من وقته وساعته وسار إلى أن وصل إلى مدينة أخيه ففرح أخيه بقدومه ثم خرج إليه ولاقاه وسلم عليه ففرح به غاية الفرح وزين له المدينة وجلس معه يتحدث بانشراح فتذكر الملك شاه زمان ما كان من أمر زوجته فحصل عنده غم زائد واصفر لونه وضعف جسمه، فلما رآه أخوه على هذه الحالة ظن في نفسه أن ذلك بسبب مفارقته بلاده وملكه فترك سبيله ولم يسأل عن ذلك.
ثم أنه قال له في بعض الأيام: يا أخي أنا في باطني جرح، ولم يخبره بما رأى من زوجته، فقال: إني أريد أن تسافر معي إلى الصيد والقنص لعله ينشرح صدرك فأبى ذلك فسافر أخوه وحده إلى الصيد.
وكان في قصر الملك شبابيك تطل على بستان أخيه فنظروا وإذا بباب القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبداً وامرأة أخيه تمشي بينهم وهي غاية في الحسن والجمال حتى وصلوا إلى فسقية وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم، وإذا بامرأة الملك قالت: يا مسعود، فجاءها عبد أسود فعانقها وعانقته وواقعها وكذلك باقي العبيد فعلوا بالجواري، حتى ولى النهار.
فلما رأى أخو الملك فقال: والله إن بليتي أخف من هذه البلية، وقد هان ما عنده من القهر والغم وقال: هذا أعظم مما جرى لي، ولم يزل في أكل وشرب.
وبعد هذا جاء أخوه من السفر فسلما على بعضهما، ونظر الملك شهريار إلى أخيه الملك شاه زمان وقد رد لونه واحمر وجهه وصار يأكل بشهية بعدما كان قليل الأكل، فتعجب من ذلك وقال: يا أخي، كنت أراك مصفر الوجه والآن قد رد إليك لونك فأخبرني بحالك، فقال له: أما تغير لوني فأذكره لك واعف عني إخبارك برد لوني، فقال له: أخبرني أولاً بتغير لونك وضعفك حتى أسمعه.
فقال له: يا أخي، إنك لما أرسلت وزيرك إلي يطلبني للحضور بين يديك جهزت حالي وقد بررت من مدينتي، ثم أني تذكرت الخرزة التي أعطيتها لك في قصري فرجعت فوجدت زوجتي معها عبد أسود وهو نائم في فراشي فقتلتهما وجئت عليك وأنا متفكر في هذا الأمر، فهذا سبب تغير لوني وضعفي، وأما رد لوني فاعف عني من أن أذكره لك.
فلما سمع أخوه كلامه قال له: أقسمت عليك بالله أن تخبرني بسبب رد لونك، فأعاد عليه جميع ما رآه فقال شهريار لأخيه شاه زمان: اجعل أنك مسافر للصيد والقنص واختف عندي وأنت تشاهد ذلك وتحققه عيناك، فنادى الملك من ساعته بالسفر فخرجت العساكر والخيام إلى ظاهر المدينة وخرج الملك ثم أنه جلس في الخيام وقال لغلمانه لا يدخل علي أحد، ثم أنه تنكر وخرج مختفياً إلى القصر الذي فيه أخوه وجلس في الشباك المطل على البستان ساعة من الزمان وإذا بالجواري وسيدتهم دخلوا مع العبيد وفعلوا كما قال أخوه واستمروا كذلك إلى العصر.
فلما رأى الملك شهريار ذلك الأمر طار عقله من رأسه وقال لأخيه شاه زمان: قم بنا نسافر إلى حال سبيلنا وليس لنا حاجة بالملك حتى ننظر هل جرى لأحد مثلنا أو لا فيكون موتنا خير من حياتنا، فأجابه لذلك. ثم أنهما خرجا من باب سري في القصر ولم يزالا مسافرين أياماً وليالي إلى أن وصلا إلى شجرة في وسط مرج عندها عين بجانب البحر المالح فشربا من تلك العين وجلسا يستريحان. فلما كان بعد ساعة مضت من النهار وإذا هم بالبحر قد هاج وطلع منه عمود أسود صاعد إلى السماء وهو قاصد تلك المرجة.
فلما رأيا ذلك خافا وطلعا إلى أعلى الشجرة وكانت عالية وصارا ينظران ماذا يكون الخبر، وإذا بجني طويل القامة عريض الهامة واسع الصدر على رأسه صندوق فطلع إلى البر وأتى الشجرة التي هما فوقها وجلس تحتها وفتح الصندوق وأخرج منه علبة ثم فتحها فخرجت منها صبية بهية كأنها الشمس المضيئة كما قال الشاعر:
أشرقت في الدجى فلاح النهار = واستنارت بنورها الأسحـار من سناها الشموس تشرق لما = تتبدى وتنجـلـي الأقـمـار *تم حذف بيت
وإذا أومضت بروق حمـاهـا = هطلت بالمدامع الأمـطـار
قال: فلما نظر إليها الجني قال: يا سيدة الحرائر التي قد اختطفتك ليلة عرسك أريد أن أنام قليلاً، ثم أن الجني وضع رأسه على ركبتيها ونام فرفعت رأسها إلى أعلى الشجرة فرأت الملكين وهما فوق تلك الشجرة فرفعت رأس الجني من فوق ركبتيها ووضعته على الأرض ووقفت تحت الشجرة وقالت لهما بالإشارة انزلا ولا تخافا من هذا العفريت فقالا لها: بالله عليك أن تسامحينا من هذا الأمر، فقال لهما بالله عليكما أن تنزلا وإلا نبهت عليكما العفريت فيقتلكما شر قتلة
فخافا ونزلا إليها فقامت لهما وقالت ارصعا رصعاً عنيفاً وإلا أنبه عليكما العفريت، فمن خوفهما قال الملك شهريار لأخيه الملك شاه زمان: يا أخي افعل ما أمرتك به فقال: لا أفعل حتى تفعل أنت قبلي، وأخذا يتغامزان على نكاحها فقالت لهما ما أراكما تتغامزان فإن لم تتقدما وتفعلا وإلا نبهت عليكما العفريت، فمن خوفهما من الجني فعلا ما أمرتهما به فلما فرغا قالت لهما أقفا وأخرجت لهما من جيبها كيساً وأخرجت لهما منه عقداً فيه خمسمائة وسبعون خاتماً
فقالت لهما: أتدرون ما هذه؟ فقالا لها: لا ندري فقالت لهما أصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا يفعلون بي على غفلة قرن هذا العفريت فأعطياني خاتميكما أنتما الاثنان الأخران فأعطاها من يديهما خاتمين فقالت لهما أن هذا العفريت قد اختطفني ليلة عرسي ثم أنه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة أقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالأمواج، ويعلم أن المرأة منا إذا أرادت أمر لم يغلبها شيء كما قال بعضهم:
لا تأمنن إلى النـسـاء = ولا تثق بعهـودهـن *تم حذف بيت
بيدين وداً كـاذبـــاً = والغدر حشو ثيابهـن بحديث يوسف فاعتبر = متحذراً من كيدهـن
أو ما تـرى إبـلـيس
فلما سمعا منها هذا الكلام تعجبا غاية العجب وقالا لبعضهما: إذا كان هذا عفريتاً وجرى له أعظم مما جرى لنا فهذا شيء يسلينا.
ثم أنهما انصرفا من ساعتهما ورجعا إلى مدينة الملك شهريار ودخلا قصره. ثم أنه رمى عنق زوجته وكذلك أعناق الجواري والعبيد، وصار الملك شهريار كلما يأخذ بنتاً بكراً يزيل بكارتها ويقتلها من ليلتها، ولم يزل على ذلك مدة ثلاث سنوات فضجت الناس وهربت ببناتها ولم يبق في تلك المدينة بنت تتحمل الوطء.
ثم أن الملك أمر الوزير أن يأتيه بنت على جري عادته، فخرج الوزير وفتش فلم يجد بنتاً فتوجه إلى منزله وهو غضبان مقهور خايف على نفسه من الملك. وكان الوزير له بنتان ذاتا حسن وجمال وبهاء وقد واعتدال الكبيرة اسمها شهرزاد والصغيرة اسمها دنيازاد، وكانت الكبيرة قد قرأت الكتب والتواريخ وسير الملوك المتقدمين وأخبار الأمم الماضيين. قيل أنها جمعت ألف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالأمم السالفة والملوك الخالية والشعراء فقالت لأبيها: مالي أراك متغيراً حامل الهم والأحزان وقد قال بعضهم في المعنى شعراً:
قل لمن يحمل همـاً إن هـمـاً لا يدوم = مثل ما يفنى السرور هكذا تفنى الهمـوم
فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام حكى لها ما جرى له من الأول إلى الآخر مع الملك فقالت له: بالله يا أبت زوجني هذا الملك فإما أن أعيش وإما أن أكون فداء لبنات المسلمين وسبباً لخلاصهن من بين يديه، فقال لها: بالله عليك لا تخاطري بنفسك أبداً فقالت له: لا بد من ذلك فقال: أخشى عليك أن يحصل لكن ما حصل الحمار والثور مع صاحب الزرع
فقالت له: وما الذي جرى لهما يا أبت؟
الجزء الثاني الف ليلة وليلة
رويت بالأمس قصة الملك شهريار واخيه.. وعرفنا معا لماذا أصبح حاله هكذا مع النساء.. ولا يزال في طلب العذارى لقتلهن.. حتى لم تبق بنت في المملكة.. وحكينا كيف أن الوزير بحث عن فتاة ولم يجد.. فذهب إلى منزله لتحدثه بنته شهرزاد
فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام حكى لها ما جرى له من الأول إلى الآخر مع الملك فقالت له: بالله يا أبت زوجني هذا الملك فإما أن أعيش وإما أن أكون فداء لبنات المسلمين وسبباً لخلاصهن من بين يديه، فقال لها: بالله عليك لا تخاطري بنفسك أبداً
فقالت له: لا بد من ذلك فقال: أخشى عليك أن يحصل لكن ما حصل الحمار والثور مع صاحب الزرع
فقالت له: وما الذي جرى لهما يا أبت؟
حكاية الحمار والثور مع صاحب الزرع
قال: اعلمي يا ابنتي أنه كان لبعض التجار أموال ومواش وكان له زوجة وأولاد وكان الله تعالى أعطاه معرفة ألسن الحيوانات والطير وكان مسكن ذلك التاجر الأرياف وكان عنده في داره حمار وثور فأتى يوماً الثور إلى مكان الحمار فوجده منكوساً مرشوشاً وفي معلفه شعير مغربل وتبن مغربل وهو راقد مستريح، وفي بعض الأوقات ركبه صاحبه لحاجة تعرض له ويرجع على حاله فلما كان في بعض الأيام سمع التاجر الثور وهو يقول للحمار: هنيئاً لك ذلك، أنا تعبان وأنت مستريح تأكل الشعير مغربلاً ويخدمونك وفي بعض الأوقات يركبك صاحبك ويرجع وأنا دائماً للحرث.
فقال له الحمار: إذا خرجت إلى الغيط ووضعوا على رقبتك الناف فارقد ولا تقم ولو ضربوك فإن قمت فارقد ثانياً فإذا رجعوا بك ووضعوا لك الفول فلا تأكله كأنك ضعيف وامتنع عن الأكل والشرب يوماً أو يومين أو ثلاثة فإنك تستريح من التعب والجهد
وكان التاجر يسمع كلامهما، فلما جاء السواق إلى الثور بعلفه أكل منه شيئاً يسيراً فأصبح السواق يأخذ الثور إلى الحرث فوجده ضعيفاً فقال له التاجر: خذ الحمار وحرثه مكانه اليوم كله
فلما رجع آخر النهار شكره الثور على تفضلاته حيه أراحه من التعب في ذلك اليوم فلم يرد عليه الحمار جواباً وندم أشد الندامة
فلما رجع كان ثاني يوم جاء المزارع وأخذ الحمار وحرثه إلى آخر النهار فلم يرجع إلا مسلوخ الرقبة شديد الضعف فتأمله الثور وشكره ومجده
فقال له الحمار: أعلم أني لك ناصح وقد سمعت صاحبنا يقول: إن لم يقم الثور من موضعه فأعطوه للجزار ليذبحه ويعمل جلده قطعاً وأنا خائف عليك ونصحتك والسلام. فلما سمع الثور كلام الحمار شكره وقال في غد أسرح معهم، ثم أن الثور أكل علفه بتمامه حتى لحس المذود بلسانه، كل ذلك وصاحبهما يسمع كلامهما، فلما طلع النهار وخرج التاجر وزوجه إلى دار البقر وجلسا فجاء السواق وأخذ الثور وخرج، فلما رأى الثور صاحبه حرك ذنبه وظرط وبرطع، فضحك التاجر حتى استلقى على قفاه.
فقالت له زوجته: من أي شيء تضحك فقال لها: شيء رأيته وسمعته ولا أقدر أن أبيح به فأموت
فقالت له: لا بد أن تخبرني بذلك وما سبب ضحكك ولو كنت تموت
فقال لها: ما أقدر أن أبوح به خوفاً من الموت
فقالت له: أنت لم تضحك إلا علي.
ثم أنها لم تزل تلح عليه وتلح في الكلام إلى أن غلبت عليه، فتحير أحضر أولاده وأرسل أحضر القاضي والشهود وأراد أن يوصي ثم يبوح لها بالسر ويموت لأنه كان يحبها محبة عظيمة لأنها بنت عمه وأم أولاده وكان عمر من العمر مائة وعشرين سنة.
ثم أنه أرسل وأحضر جميع أهلها وأهل جارته وقال لهم حكايته وأنه متى قال لأحد على سره مات
فقال لها جميع الناس ممن حضر: بالله عليك اتركي هذا الأمر لئلا يموت زوجك أبو أولادك
فقالت لهم: لا أرجع عنه حتى يقول لي ولو يموت. فسكتوا عنها. ثم أن التاجر قام من عندهم وتوجه إلى دار الدواب ليتوضأ ثم يرجع يقول لهم ويموت.
وكان عنده ديك تحته خمسون دجاجة، وكان عنده كلب، فسمع التاجر الكلب وهو ينادي الديك ويسبه ويقول له: أنت فرحان وصاحبنا رايح يموت
فقال الديك للكلب: وكيف ذلك الأمر؟
فأعاد الكلب عليه القصة فقال له الديك: والله إن صاحبنا قليل العقل
أنا لي خمسون زوجة أرضي هذه وأغضب هذه وهو ما له إلا زوجة واحدة ولا يعرف صلاح أمره معها، فما له لا يأخذ لها بعضاً من عيدان التوت ثم يدخل إلى حجرتها ويضربها حتى تموت أو تتوب ولا تعود تسأله عن شيء. قال: فلما سمع التاجر كلام الديك وهو يخاطب الكلب رجع إلى عقله وعزم على ضربها
ثم قال الوزير لابنته شهرزاد ربما فعل بك مثل ما فعل التاجر بزوجته، فقالت له: ما فعل؟
قال: دخل عليها الحجرة بعدما قطع لها عيدان التوت وخبأها داخل الحجرة وقال لها: تعالي داخل الحجرة حتى أقول لك ولا ينظرني أحد ثم أموت، فدخلت معه، ثم أنه قفل باب الحجرة عليهما ونزل عليها بالضرب إلى أن أغمي عليها، فقالت له: تبت، ثم أنها قبلت يديه ورجليه وتابت وخرجت وإياه وفرح الجماعة وأهلها وقعدوا في أسر الأحوال إلى الممات.
فلما سمعت ابنة الوزير مقالة أبيها قالت له: لا بد من ذلك
فجهزها وطلع إلى الملك شهريار وكانت قد أوصت أختها الصغيرة وقالت لها: إذا توجهت إلى الملك أرسلت أطلبك فإذا جئت عندي ورأيت الملك قضى حاجته مني قولي يا أختي حدثينا حديثاً غريباً نقطع به السهر وأنا أحدثك حديثاً يكون فيه الخلاص إن شاء الله.
ثم أن أباها الوزير طلع بها إلى الملك فلما رآه فرح وقال: أتيت بحاجتي فقال: نعم
فلما أراد أن يدخل عليها بكت فقال لها: ما بك؟ فقالت: أيها الملك إن لي أختاً صغيرة أريد أن أودعها
فأرسلها الملك إليها فجاءت إلى أختها وعانقتها وجلست تحت السرير فقام الملك وأخذ بكارتها ثم جلسوا يتحدثون فقالت لها أختها الصغيرة: بالله عليك يا أختي حدثينا حديثاً نقطع به سهر ليلتنا فقالت: حباً وكرامة إن أذن الملك المهذب، فلما سمع ذلك الكلام وكان به قلق ففرح بسماع الحديث.
الجزء الثالث الف ليلة وليلة
لم تزل شهرزاد على ابيها حتى تقنعه بأن تتتزوج من الملك حتى تنقذ بنات جنسها.. جاء اليوم الموعود.. وكانت شهرزاد قد أعدت خطة لخلاصها.. فطلبت من الملك الارسال في طلب اختها فجلست عندها.. وبعد أن أخذ الملك بكارتها ودنت نهايتها.. تحدثت اختها فقالت: بالله عليك يا أختي حدثينا حديثاً نقطع به سهر ليلتنا فقالت: حباً وكرامة إن أذن الملك المهذب فلما سمع ذلك الكلام وكان به قلق ففرح بسماع الحديث.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75521 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الف ليلة و ليلة السبت 04 مايو 2013, 10:38 am | |
|
حـــكـايــــة الـــتــــاجــــر مــــع الــــعـــــفـــــريـــــــت
الليلة الأولى
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه كان تاجر من التجار، كثير المال والمعاملات في البلاد قد ركب يوماً وخرج يطالب في بعض البلاد فاشتد عليه الحر فجلس تحت شجرة وحط يده في خرجه وأكل كسرة كانت معه وتمرة فلما فرغ من أكل التمرة رمى النواة وإذا هو بعفريت طويل القامة وبيده سيف، فدنا من ذلك التاجر وقال له: قم حتى أقتلك مثل ما قتلت ولدي فقال له التاجر: كيف قتلت ولدك؟ قال له: لما أكلت التمرة ورميت نواتها جاءت النواة في صدر ولدي فقضي عليه ومات من ساعته فقال التاجر للعفريت: أعلم أيها العفريت أني على دين ولي مال كثير وأولاد وزوجة وعندي رهون فدعني أذهب إلى بيتي وأعطي كل ذي حق حقه ثم أعود إليك، ولك علي عهد وميثاق أني أعود إليك فتفعل بي ما تريد والله على ما أقول وكيل. فاستوثق منه الجني وأطلقه فرجع إلى بلده وقضى جميع تعلقاته وأوصل الحقوق إلى أهلها وأعلم زوجته وأولاده بما جرى له فبكوا وكذلك جميع أهله ونساءه وأولاده وأوصى وقعد عندهم إلى تمام السنة ثم توجه وأخذ كفنه تحت إبطه وودع أهله وجيرانه وجميع أهله وخرج رغماً عن أنفه وأقيم عليه العياط والصراخ فمشى إلى أن وصل إلى ذلك البستان وكان ذلك اليوم أول السنة الجديدة فبينما هو جالس يبكي على ما يحصل له وإذا بشيخ كبير قد أقبل عليه ومعه غزالة مسلسلة فسلم على هذا التاجر وحياه وقال له: ما سبب جلوسك في هذا المكان وأنت منفرد وهو مأوى الجن؟ فأخبره التاجر بما جرى له مع ذلك العفريت وبسبب قعوده في هذا المكان فتعجب الشيخ صاحب الغزالة وقال: والله يا أخي ما دينك إلا دين عظيم وحكايتك حكاية عجيبة لو كتبت بالإبر على آفاق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر ثم أنه جلس بجانبه وقال والله يا أخي لا أبرح من عندك حتى أنظر ما يجري لك مع ذلك العفريت ثم أنه جلس عنده يتحدث معه فغشي على ذلك التاجر وحصل له الخوف والفزع والغم الشديد والفكر المزيد وصاحب الغزالة بجانبه فإذا بشيخ ثان قد أقبل عليهما ومعه كلبتان سلاقيتان من الكلاب السود. فسألهما بعد السلام عليهما عن سبب جلوسهما في هذا المكان وهو مأوى الجان فأخبراه بالقصة من أولها إلى آخرها فلم يستقر به الجلوس حتى أقبل عليهم شيخ ثالث ومعه بغلة زرزورية فسلم عليهم وسألهم عن سبب جلوسهم في هذا المكان فأخبروه بالقصة من أولها إلى آخرها وبينما كذلك إذا بغبرة هاجت وزوبعة عظيمة قد أقبلت من وسط تلك البرية فانكشفت الغبرة وإذا بذلك الجني وبيده سيف مسلول وعيونه ترمي بالشرر فأتاهم وجذب ذلك التاجر من بينهم وقال له: قم أقتلك مثل ما قتلت ولدي وحشاشة كبدي فانتحب ذلك التاجر وبكى وأعلن الثلاثة شيوخ بالبكاء والعويل والنحيب فانتبه منهم الشيخ الأول وهو صاحب الغزالة وقبل يد ذلك العفريت وقال له: يا أيها الجني وتاج ملوك الجان إذا حكيت لك حكايتي مع هذه الغزالة ورأيتها عجيبة، أتهب لي ثلث دم هذا التاجر؟ قال: نعم. يا أيها الشيخ، إذا أنت حكيت لي الحكاية ورأيتها عجيبة وهبت لك ثلث دمه فقال ذلك الشيخ الأول: اعلم يا أيها العفريت أن هذه الغزالة هي بنت عمي ومن لحمي ودمي وكنت تزوجت بها وهي صغيرة السن وأقمت معها نحو ثلاثين سنة فلم أرزق منها بولد فأخذت لي سرية فرزقت منها بولد ذكر كأنه البدر إذا بدا بعينين مليحتين وحاجبين مزججين وأعضاء كاملة فكبر شيئاً فشيئاً إلى أن صار ابن خمس عشرة سنة فطرأت لي سفرة إلى بعض المدائن فسافرت بمتجر عظيم
وكانت بنت عمي هذه الغزالة تعلمت السحر والكهانة من صغرها فسحرت ذلك الولد عجلاً وسحرت الجارية أمه بقرة وسلمتها إلى الراعي ثم جئت أنا بعد مدة طويلة من السفر فسألت عن ولدي وعن أمه فقالت لي جاريتك ماتت وابنك هرب ولم أعلم أين راح فجلست مدة سنة وأنا حزين القلب باكي العين إلى أن جاء عيد الضحية فأرسلت إلى الراعي أن يخصني ببقرة سمينة وهي سريتي التي سحرتها تلك الغزالة فشمرت ثيابي وأخذت السكين بيدي وتهيأت لذبحها فصاحت وبكت بكاء شديداً فقمت عنها وأمرت ذلك الراعي فذبحها وسلخها فلم يجد فيها شحماً ولا لحماً غير جلد وعظم فندمت على ذبحها حيث لا ينفعني الندم وأعطيتها للراعي وقلت له: ائتني بعجل سمين فأتاني بولدي المسحور عجلاً فلما رآني ذلك العجل قطع حبله وجاءني وتمرغ علي وولول وبكى فأخذتني الرأفة عليه وقلت للراعي ائتني ببقرة ودع هذا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. فقالت لها أختها: ما أطيب حديثك وألطفه وألذه وأعذبه فقالت: وأين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك فقال الملك في نفسه: والله ما أقتلها حتى أسمع بقية حديثها ثم أنهم باتوا تلك الليلة إلى الصباح متعانقين فخرج الملك إلى محل حكمه وطلع الوزير بالكفن تحت إبطه ثم حكم الملك وولى وعزل إلى آخر النهار ولم يخبر الوزير بشيء من ذلك فتعجب الوزير غاية العجب ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار قصره.
الجزء الرابع الف ليلة وليلة
أمضت شهرزاد الليل في قصر الملك تقص عليه حكاية التاجر والجني حتى طلع الصباح.. فأرجأ الملك قتلها حتى تنهي القصة.. ومضت الليلة الأولى..
وفي الليلة الثانية
وقالت دنيازاد لأختها شهرزاد: يا أختي أتممي لنا حديثك الذي هو حديث التاجر والجني. قالت حباً وكرامة إن أذن لي الملك، في ذلك فقال لها الملك: احكي فقالت: بلغني أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد أنه لما رأى بكاء العجل حن قلبه إليه وقال للراعي: ابق هذا العجل بين البهائم. كل ذلك والجني يتعجب من حكاية ذلك الكلام العجيب ثم قال صاحب الغزالة: يا سيد ملوك الجان كل ذلك جرى وابنة عمي هذه الغزالة تنظر وترى وتقول اذبح هذا العجل فإنه سمين، فلم يهن علي أن أذبحه وأمرت الراعي أن يأخذه وتوجه به
ففي ثاني يوم وأنا جالس وإذا بالراعي أقبل علي وقال: يا سيدي إني أقول شيئاً تسر به ولي البشارة. فقلت: نعم فقال: أيها التاجر إن لي بنتاً كانت تعلمت السحر في صغرها من امرأة عجوز كانت عندنا، فلما كنا بالأمس وأعطيتني العجل دخلت به عليها فنظرت إليه ابنتي وغطت وجهها وبكت ثم إنها ضحكت وقالت: يا أبي قد خس قدري عندك حتى تدخل علي الرجال الأجانب. فقلت لها: وأين الرجال الأجانب ولماذا بكيت وضحكت؟ فقالت لي أن هذا العجل الذي معك ابن سيدي التاجر ولكنه مسحور وسحرته زوجة أبيه هو وأمه فهذا سبب ضحكي وأما سبب بكائي فمن أجل أمه حيث ذبحها أبوه فتعجبت من ذلك غاية العجب وما صدقت بطلوع الصباح حتى جئت إليك لأعلمك..
فلما سمعت أيها الجني كلام هذا الراعي خرجت معه وأنا سكران من غير مدام من كثرة الفرح والسرور والذي حصل لي إلى أن أتيت إلى داره فرحبت بي ابنة الراعي وقبلت يدي ثم إن العجل جاء إلي وتمرغ علي فقلت لابنة الراعي: أحق ما تقولينه عن ذلك العجل؟ فقالت: نعم يا سيدي إيه ابنك وحشاشة كبدك فقلت لها: أيها الصبية إن أنت خلصتيه فلك عندي ما تحت يد أبيك من المواشي والأموال فتبسمت وقالت: يا سيدي ليس لي رغبة في المال إلا بشرطين: الأول: أن تزوجني به والثاني: أن أسر من سحرته وأحبسها وإلا فلست آمن مكرها فلما سمعت أيها الجني كلام بنت الراعي قلت: ولك فوق جميع ما تحت يد أبيك من الأموال زيادة وأما بنت عمي فدمها لك مباح.
فلما سمعت كلامي أخذت طاسة وملأتها ماء ثم أنها عزمت عليها ورشت بها العجل وقالت: إن كان الله خلقك عجلاً فدم على هذه الصفة ولا تتغير وإن كنت مسحوراً فعد إلى خلقتك الأولى بإذن الله تعالى وإذا به انتفض ثم صار إنساناً فوقعت عليه وقلت له: بالله عليك احك لي جميع ما صنعت بك وبأمك بنت عمي فحكى لي جميع ما جرى لهما فقلت: يا ولدي قد قيض الله لك من خلصك وخلص حقك..
ثم إني أيها الجني زوجته ابنة الراعي ثم أنها سحرت ابنة عمي هذه الغزالة وجئت إلى هنا فرأيت هؤلاء الجماعة فسألتهم عن حالهم فأخبروني بما جرى لهذا التاجر فجلست لأنظر ما يكون وهذا حديثي فقال الجني: هذا حديث عجيب وقد وهبت لك ثلث دمه فعند ذلك تقدم الشيخ صاحب الكلبتين السلاقيتين وقال له: اعلم يا سيد ملوك الجان أن هاتين الكلبتين أخوتي وأنا ثالثهم ومات والدي وخلف لنا ثلاثة آلاف دينار ففتحت دكاناً أبيع فيه وأشتري وسافر أخي بتجارته وغاب عنا مدة سنة مع القوافل ثم أتى وما معه شيء فقلت له: يا أخي أما أشرت عليك بعدم السفر؟ فبكى وقال: يا أخي قدر الله عز وجل علي بهذا ولم يبق لهذا الكلام فائدة ولست أملك شيئاً فأخذته وطلعت به إلى الدكان ثم ذهبت به إلى الحمام وألبسته حلة من الملابس الفاخرة وأكلت أنا وإياه وقلت له: يا أخي إني أحسب ربح دكاني من السنة إلى السنة ثم أقسمه دون رأس المال بيني وبينك ثم إني عملت حساب الدكان من بربح مالي فوجدته ألفي دينار فحمدت الله عز وجل وفرحت غاية الفرح وقسمت الربح بيني وبينه شطرين وأقمنا مع بعضنا أياماً ثم إن أخوتي طلبوا السفر أيضاً وأرادوا أن أسافر معهم فلم أرض وقلت لهم: أي شيء كسبتم من سفركم حتى أكسب أنا؟
فألحوا علي ولم أطعهم بل أقمنا في دكاكيننا نبيع ونشتري سنة كاملة وهم يعرضون علي السفر وأنا لم أرض حتى مضت ست سنوات كوامل.
ثم وافقتهم على السفر وقلت لهم: يا أخوتي إننا نحسب ما عندنا من المال فحسبناه فإذا هو ستة آلاف دينار فقلت: ندفن نصفها تحت الأرض لينفعا إذا أصابنا أمر ويأخذ كل واحد منا ألف دينار ونتسبب فيها قالوا: نعم الرأي فأخذت المال وقسمته نصفين ودفنت ثلاثة آلاف دينار. وأما الثلاثة آلاف الأخرى فأعطيت كل واحد منهم ألف دينار وجهزنا بضائع واشترينا مركباً ونقلنا فيها حوائجنا وسافرنا مدة شهر كامل إلى أن دخلنا مدينة وبعنا بضائعنا فربحنا في التجارة عشرة دنانير ثم أردنا السفر فوجدنا على شاطئ البحر جارية عليها خلق مقطع فقبلت يدي وقالت: يا سيدي هل عندك إحسان ومعروف أجازيك عليهما؟ قلت: نعم إن عندي الإحسان والمعروف ولو لم تجازيني فقالت: يا سيدي تزوجني وخذني إلى بلادك فإني قد وهبتك نفسي فافعل معي معروفاً لأني ممن يصنع معه المعروف والإحسان، ويجازي عليهما ولا يغرنك حالي. فلما سمعت كلامها حن قلبي إليها لأمر يريده الله عز وجل، فأخذتها وكسوتها وفرشت لها في المركب فرشاً حسناً وأقبلت عليها وأكرمتها ثم سافرنا وقد أحبها قلبي محبة عظيمة وصرت لا أفارقها ليلاً ولا نهاراً أو اشتغلت بها عن إخوتي فغاروا مني وحسدوني على مالي وكثرت بضاعتي وطمحت عيونهم في المال جميعه، وتحدثوا بقتلي وأخذ مالي وقالوا: نقتل أخانا ويصير المال جميعه لنا وزين لهم الشيطان أعمالهم فجاءوني وأنا نائم بجانب زوجتي ورموني في البحر فلما استيقظت زوجتي انتفضت فصارت عفريتة وحملتني وأطلعتني على جزيرة وغابت عني قليلاً وعادت إلي عند الصباح وقالت لي: أنا زوجتك التي حملتك ونجيتك من القتل بإذن الله تعالى، واعلم أني جنية رأيتك فحبك قلبي وأنا مؤمنة بالله ورسوله فجئتك بالحال الذي رأيتني فيه فتزوجت بي وها أنا قد نجيتك من الغرق، وقد غضبت على إخوتك ولا بد أن أقتلهم. فلما سمعت حكايتها تعجبت وشكرتها على فعلها وقلت لها أما هلاك إخوتي فلا ينبغي ثم حكيت لها ما جرى لي معهم من أول الزمان إلى آخره. فلما سمعت كلامي قالت: أنا في هذه الليلة أطير إليهم وأغرق مراكبهم وأهلكهم فقلت لها: بالله لا تفعلي فإن صاحب المثل يقول: يا محسناً لمن أساء كفى المسيء فعله وهم إخوتي على كل حال قالت لا بد من قتلهم فاستعطفتها ثم أنها حملتني وطارت، فوضعتني على سطح داري ففتحت الأبواب وأخرجت الذي خبأته تحت الأرض وفتحت دكاني بعد ما سلمت على الناس واشتريت بضائع فلما كان الليل، دخلت داري فوجدت هاتين الكلبتين مربوطتين فيها، فلما رأياني قاما إلي وبكيا وتعلقا بي فلم أشعر إلا وزوجتي قالت هؤلاء إخوتك فقلت من فعل بهم هذا الفعل قالت أنا أرسلت إلى أختي ففعلت بهم ذلك وما يتخلصون إلا بعد عشر سنوات، فجئت وأنا سائر إليها تخلصهم بعد إقامتهم عشر سنوات، في هذا الحال، فرأيت هذا الفتى فأخبرني بما جرى له فأردت أن لا أبرح حتى أنظر ما يجري بينك وبينه وهذه قصتي. قال الجني: إنها حكاية عجيبة وقد وهبت لك ثلث دمه في جنايته فعند ذلك تقدم الشيخ الثالث صاحب البغلة، وقال للجني أنا أحكي لك حكاية أعجب من حكاية الاثنين، وتهب لي باقي دمه وجنايته فقال الجني نعم فقال الشيخ أيها السلطان ورئيس الجان إن هذه البغلة كانت زوجتي سافرت وغبت عنها سنة كاملة، ثم قضيت سفري وجئت إليها في الليل فرأيت عبد أسود راقد معها في الفراش وهما في كلام وغنج وضحك وتقبيل وهراش فلما رأتني عجلت وقامت إلي بكوز فيه ماء فتكلمت عليه ورشتني، وقالت اخرج من هذه الصورة إلى صورة كلب فصرت في الحال كلباً فطردتني من البيت فخرجت من الباب ولم أزل سائراً، حتى وصلت دكان جزار فتقدمت وصرت آكل من العظام. فلما رآني صاحب الدكان أخذني ودخل بي بيته فلما رأتني بنت الجزار غطت وجهها مني فقالت أتجيء لنا برجل وتدخل علينا به فقال أبوها أين الرجل قالت إن هذا الكلب سحرته امرأة وأنا أقدر على تخليصه فلما سمع أبوها كلامها قال: بالله عليك يا بنتي خلصيه فأخذت كوزاً فيه ماء وتكلمت عليه ورشت علي منه قليلاً وقالت: اخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى فصرت إلى صورتي الأولى فقبلت يدها وقلت لها: أريد أن تسحري زوجتي كما سحرتني فأعطتني قليلاً من الماء، وقالت إذا رأيتها نائمة فرش هذا الماء عليها فإنها تصير كما أنت طالب فوجدتها نائمة فرششت عليها الماء، وقلت اخرجي من هذه الصورة إلى صورة بغلة فصارت في الحال بغلة وهي هذه التي تنظرها بعينك أيها السلطان ورئيس ملوك الجان ثم التفت إليها وقال: أصحيح هذا فهزت رأسها وقالت بالإشارة نعم هذا صحيح فلما فرغ من حديثه اهتز الجني من الطرب ووهب له باقي دمه وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. فقالت لها أختها: يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه فقالت: أين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك فقال الملك: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه عجيب ثم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح فخرج الملك إلى محل حكمه ودخل عليه الوزير والعسكر واحتبك الديوان فحكم الملك وولى وعزل ونهى وأمر إلى آخر النهار ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار إلى قصره.
الجزء الخامس الف ليلة وليلة
شهرزاد في قصر الملك.. حكت له بالامس حكاية عجب منها وأعجبته.. وقالت أختها يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه فقالت: أين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك فقال الملك: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه عجيب ثم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح وفي الليلة التالية تروي شهرزاد
حكاية الحمال مع البنات
فإنه كان إنسان من مدينة بغداد وكان حمالاً. فبينما هو في السوق يوماً من الأيام متكئاً على قفصه إذ وقفت عليه امرأة ملتفة بإزار موصلي من حرير مزركش بالذهب وحاشيتاه من قصب فرفعت قناعها فبان من تحته عيون سوداء بأهداب وأجفان وهي ناعمة الأطراف كاملة الأوصاف وبعد ذلك قالت بحلاوة لفظها: هات قفصك واتبعني. فحمل الحمال القفص وتبعها إلى أن وقفت على باب دار فطرقت الباب فنزل له رجل نصراني، فأعطته ديناراً وأخذت منه مقداراً من الزيتون وضعته في القفص وقالت له: احمله واتبعني فقال الحمال: هذا والله نهار مبارك. ثم حمل القفص وتبعها فوقفت عند دكان فاكهاني واشترت منه تفاحاً شامياً وسفرجلاً عثمانياً وخوخاً عمانياً وياسميناً حلبياً وبنو فراده شقياً وخياراً نيلياً وليموناً مصرياً وتمر حنا وشقائق النعمان وبنفسجاً ووضعت الجميع في قفص الحمال وقالت له: احمل، فحمل وتبعها حتى وقفت على جزار وقالت له: اقطع عشرة أرطال لحمة فقطع لها ولفت اللحم في ورق موز ووضعته في القفص وقالت له: احمل يا حمال فحمل وتبعها ثم وقفت على النقلي وأخذت من سائر النقل وقالت للحمال: احمل واتبعني فحمل القفص وتبعها إلى أن وقفت على دكان الحلواني واشترت طبقاً وملأته جميع ما عنده من مشبك وقطايف وميمونة وأمشاط وأصابع ولقيمات القاضي ووضعت جميع أنواع الحلاوة في الطبق ووضعته في القفص. فقال الحمال: لو أعلمتني لجئت معي ببغل تحمل عليه هذه الأشياء، فتبسمت. ثم وقفت على العطار واشترت منه عشرة مياه ماء ورد وماء زهر وخلافه وأخذت قدراً من السكر وأخذت ماء ورد ممسك وحصى لبان ذكر وعودا عنبر ومسكاً وأخذت شمعاً اسكندرانياً ووضعت الجميع في القفص وقالت للحمال: احمل قفصك واتبعني فحمل القفص وتبعها إلى أن أتت داراً مليحة وقدامها رحبة فسيحة وهي عالية البنيان مشيدة الأركان بابها صنع من الأبنوس مصفح بصفائح الذهب الأحمر، فوقفت الصبية على الباب ودقت دقاً لطيفاً وإذا بالباب انفتح بشقتيه. فنظر الحمال إلى من فتح لها الباب فوجدها صبية رشيقة القد قاعدة النهد ذات حسن وجمال وقد واعتدال وجبين كثغرة الهلال وعيون كعيون الغزلان وحواجب كهلال رمضان وخدود مثل شقائق النعمان وفم كخاتم سليمان ووجه كالبدر في الإشراق ونهدين كرمانتين وبطن مطوي تحت الثياب كطي السجل للكتاب. فلما نظر الحمال إليها سلبت عقله وكاد القفص أن يقع من فوق رأسه ثم قال: ما رأيت عمري أبرك من هذا النهار فقالت الصبية البوابة للدلالة والحمال مرحبا وهي من داخل الباب ومشوا حتى انتهوا إلى قاعة فسيحة مزركشة مليحة ذات تراكيب وشاذر وأثاث ومصاطب وسدلات وخزائن عليها الستور مرخيات وفي وسط القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر منصوب عليه ناموسية من الأطلس الأحمر ومن داخله صبية بعيون بابلية وقامة ألفية ووجه يخجل الشمس المضيئة، فكأنها بعض الكواكب الدرية أو عقيلة عربية كما قال فيها الشاعر:
من قاس قدك بالغصن الرطيب فقد = أضحى القياس به زوراً وبهتانـا
فنهضت الصبية الثالثة من فوق السرير وخطرت قليلاً إلى أن صارت في وسط القاعة عند أختيها وقالت: ما وقوفهم، حطوا عن رأس هذا الحمال المسكين فجاءت الدلالة من قدامه والبوابة من خلفه، وساعدتهما الثالثة وحططن عن الحمال وأفرغن ما في القفص وصفوا كل شيء في محله وأعطين الحمال دينارين وقلن له: توجه يا حمال، فنظر إلى البنات وما هن فيه من الحسن والطبائع الحسان فلم ير أحسن منهن ولكن ليس عندهن رجال. ونظر ما عندهن من الشراب والفواكه والمشمومات وغير ذلك فتعجب غاية العجب ووقف عن الخروج فقالت له الصبية: ما بالك لا تروح؟ هل أنت استقللت الأجرة والتفتت إلى أختها وقالت لها: أعطيه ديناراً آخر فقال الحمال: والله يا سيداتي إن أجرتي نصفان، وما استقللت الأجرة وإنما اشتغل قلبي وسري بكن وكيف حالكن وأنتن وحدكن وما عندكن رجال ولا أحد يؤانسكن وأنتن تعرفن أن المنارة لا تثبت إلا على أربعة وليس لكن رابع، وما يكمل حظ النساء إلا بالرجال كما قال الشاعر:
انظر إلى أربع عندي قد اجتمعت= جنك وعود وقانون ومـزمـار
أنتن ثلاثة فتفتقرن إلى رابع يكون رجلاً عاقلاً لبيباً حاذقاً وللأسرار كاتماً فقلن له: نحن بنات ونخاف أن نودع السر عند من لا يحفظه، وقد قرأنا في الأخبار شعراً:
صن عن سواك السر لا تودعنه = من أودع السر فقد ضـيعـه فلما سمع الحمال كلامهن قال: وحياتكن أني رجل عاقل أمين قرأت الكتب وطالعت التواريخ، أظهر الجميل وأخفي القبيح وأعمل بقول الشاعر:
لا يكتم السر إلا كل ذي ثـقة = والسر عند خيار الناس مكتوم السر عندي في بيت له غلـق = ضاعت الفاتحة والباب مختوم فلما سمعت البنات الشعر والنظام وما أبداه من الكلام قلن له: أنت تعلم أننا غرمنا على هذا المقام جملة من المال فهل معك شيء تجازينا به، فنحن لا ندعك تجلس عندنا حتى تغرم مبلغنا من المال لأن خاطرك أن تجلس عندنا وتصير نديمنا وتطلع على وجوهنا الصباح الملاح. فقالت صاحبة الدار: وإذا كانت بغير المال محبة فلا تساوي وزن حبة
وقالت البوابة إن يكن معك شيء رح بلا شيء فقالت الدلالة يا أختي نكف عنه فوالله ما قصر اليوم معنا ولو كان غيره ما طول روحه علينا ومهما جاء عليه أغرمه عنه. ففرح الحمال وقال والله ما استفتحت بالدراهم إلا منكن فقلن له اجلس على الرأس والعين وقامت الدلالة وشدت وسطها وصبت القناني وروقت المدام وعملت الخضرة على جانب البحرة وأحضرت ما يحتاجون إليه ثم قدمت وجلست هي وأختها وجلس الحمال بينهن وهو يظن أنه في المنام. ولم يزل الحمال معهن في عناق وتقبيل وهذه تكلمه وهذه تجذبه وهذه بالمشموم تضربه وهو معهن حتى لعبت الخمرة بعقولهم. وأخذ من كل واحدة حضناً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75521 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الف ليلة و ليلة السبت 04 مايو 2013, 10:41 am | |
|
الجزء السادس الف ليلة وليلة
حكينا عن الحمال الذي نادم الفتيات الثلاث ووقفت شهرزاد بطلوع الصباح فزاد شوق ملكنا لمعرفة باقي الرواية..
في الـلـيـلـة الـعـاشـرة
قالت لها أختها دنيازاد: يا أختي أتمي لنا حديثك قالت حباً وكرامة: قد بلغني أيها الملك السعيد أنهن لم يزلن في منادمتهم ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل عليهم فقلن للحمال توجه وأرنا عرض أكتافك. فقال الحمال والله خروج الروح أهون من الخروج من عندكن، دعونا نصل الليل بالنهار وكل منا يروح في حال سبيله فقالت الدلالة بحياتي عندكن تدعنه ينام عندنا نضحك عليه فإنه خليع ظريف فقلن له: تبيت عندنا بشرط أن تدخل تحت الحكم ومهما رأيته لا تسأل عنه ولا عن سببه، فقالت نعم فقلن قم واقرأ ما على الباب مكتوباً، فقام إلى الباب فوجد مكتوباً عليه بماء الذهب: لا تتكلم فيما لا يعنيك تسمع ما لا يرضيك. فقال الحمال اشهدوا أني لا أتكلم فيما لا يعنيني، ثم قامت الدلالة وجهزت لهم مأكولاً ثم أوقدوا الشمع والعود وقعدوا في أكل وشرب وإذا هم سمعوا دق الباب فلم يختل نظامهم فقامت واحدة منهن إلى الباب ثم عادت وقالت كمل صفاؤنا في هذه الليلة لأني وجدت بالباب ثلاثة أعجام ذقونهم محلوقة وهم عور بالعين الشمال وهذا من أعجب الاتفاق وهم ناس غرباء قد حضروا من أرض الروم ولكل واحد منهم شكل وصورة مضحكة، فإن دخلوا نضحك عليهم. ولم تزل تتلطف بصاحبتيها حتى قالتا لها دعيهم يدخلون واشترطي عليهم أن لا يتكلموا في ما لا يعنيهم فيسمعوا ما لا يرضيهم. ففرحت وزاحت ثم عادت ومعها الثلاثة العور ذقونهم محلوقة وشواربهم مبرومة ممشوقة وهم صعاليك فسلموا فقام لهم البنات وأقعدوهم فنظر الرجال الثلاثة إلى الحمال فوجدوه سكران فلما عاينوه ظنوا أنه منهم وقالوا: هو صعلوك مثلنا يؤانسنا. فلما سمع الحمال هذا الكلام قام وقلب عينيه وقال لهم: اقعدوا بلا فضول أما قرأتم ما على الباب فضحك البنات وقلن لبعضهن إننا نضحك على الصعاليك والحمال، ثم وضعن الأكل للصعاليك فأكلوا ثم جلسوا يتنادمون والبوابة تسقيهم. ولما دار الكأس بينهم قال الحمال للصعاليك يا إخواننا هل معكم حكاية أو نادرة تسلوننا بها فديت فيهم الحرارة وطلبوا آلات اللهو فأحضرت لهم البوابة دفا موصليا وعوداً عراقياً وجنكاً عجمياً فقام الصعاليك واقفين وأخذ واحد منهم الدف، وأخذ واحد العود، وأخذ واحد الجنك وضربوا بها وغنت البنات وصار لهم صوت عال. فبينما هم كذلك وإذا بطارق يطرق الباب، فقامت البوابة لتنظر من بالباب وكان السبب في دق الباب أن في تلك الليلة نزل هارون الرشيد لينظر ويسمع ما يتجدد من الأخبار هو وجعفر وزيره وسياف نقمته، وكان من عادته أن يتنكر في صفة التجار فلما نزل تلك الليلة ومشى في المدينة جاءت طريقهم على تلك الدار فسمعوا آلات الملاهي فقال الخليفة جعفر هؤلاء قوم قد دخل السكر فيهم ونخشى أن يصيبنا منهم شر، فقال لا بد من دخولنا وأريد أن نتحيل حتى ندخل عليهم فقال جعفر: سمعاً وطاعة. ثم تقدم جعفر وطرق الباب فخرجت البوابة وفتحت الباب فقال لها: يا سيدتي نحن تجار من طبرية ولنا في بغداد عشرة أيام ومعنا تجارة ونحن نازلون في خان التجار وعزم علينا تاجر في هذه الليلة فدخلنا عنده وقدم لنا طعاماً فأكلنا ثم تنادمنا عنده ساعة ثم أذن لنا بالانصراف فخرجنا بالليل ونحن غرباء فتهنا عن الخان الذي نحن فيه فنرجو من مكارمكم أن تدخلونا هذه الليلة نبيت عندكم ولكم الثواب فنظرت البوابة إليهم فوجدتهم بهيئة التجار وعليهم الوقار فدخلت لصاحبتيها وشاورتهما فقالتا لها أدخليهم. فرجعت وفتحت لهم الباب فقالوا ندخل بإذنك، قالت ادخلوا فدخل الخليفة وجعفر ومسرور فلما أتتهم البنات قمن لهم وخدمنهم وقلن مرحباً وأهلاً وسهلاً بضيوفنا ولنا عليكم شرط أن لا تتكلموا فيما لا يعنيكم فتسمعوا ما لا يرضيكم قالوا نعم. وبعد ذلك جلسوا للشراب والمنادمة فنظر الخليفة إلى الصعاليك الثلاثة فوجدهم عور العين الشمال فتعجب منهم ونظر إلى البنات وما هم فيه من الحسن والجمال فتحير وتعجب، واستمر في المنادمة والحديث وأتين الخليفة بشراب فقال أنا حاج وانعزل عنهم. فقامت البوابة وقدمت له سفرة مزركشة ووضعت عليها بمطية من الصيني وسكبت فيها ماء الخلاف وأرخت فيه قطعة من الثلج ومزجته بسكر فشكرها الخليفة وقال في نفسه لا بد أن أجازيها في غد على فعلها من صنيع الخير ثم اشتغلوا بمنادمتهم، فلما تحكم الشراب قامت صاحبة البيت وخدمتهم، ثم أخذت بيد الدلالة وقالت: يا أختي قومي بمقتضى ديننا فقالت لها نعم فعند ذلك قامت البوابة وأطلعت الصعاليك خلف الأبواب قدامهن وذلك بعد أن أخلت وسط القاعة ونادين الحمال وقلن له: ما أقل مودتك ما أنت غريب بل أنت من أهل الدار. فقام الحمال وشد أوسطه وقال: ما تردن فلن تقف مكانك، ثم قامت الدلالة وقالت للحمال ساعدني، فرأى كلبتين من الكلاب السود في رقبتيهما جنازير فأخذهما الحمال ودخل بهما إلى وسط القاعة فقامت صاحبة المنزل وشمرت عن معصميها وأخذت سوطاً وقالت للحمال قوّم كلبة منهما فجرها في الجنزير وقدمها والكلبة تبكي وتحرك رأسها إلى الصبية فنزلت عليها الصبية بالضرب على رأسها والكلبة تصرخ وما زالت تضربها حتى كلت سواعدها فرمت السوط من يدها ثم ضمت الكلبة إلى صدرها ومسحت دموعها وقبلت رأسها ثم قالت للحمال ردها وهات التالية، فجاء بها وفعلت بها مثل ما فعلت بالأولى. فعند ذلك اشتعل قلب الخليفة وضاق صدره وغمز جعفر أن يسألها، فقال له بالإشارة اسكت، ثم التفتت صاحبة البيت للبوابة وقالت لها: قومي لقضاء ما عليك قالت نعم. ثم إن صاحبة البيت صعدت على سرير من المرمر مصفح بالذهب والفضة وقالت البوابة والدلالة ائتيا بما عندكما فأما البوابة فإنها صعدت على سرير بجانبها وأما الدلالة فإنها دخلت مخدعاً وأخرجت منه كيساً من الأطلس بأهداب خضر ووقفت قدام الصبية صاحبة المنزل ونفضت الكيس وأخرجت منه عوداً وأصلحت أوتاره وأنشدت هذه الأبيات:
ردوا على جفني النوم الذي سلـبـا = وخبروني بعـقـلـي آية ذهـبـا علمت لما رضيت الحب مـنـزلة = إن المنام على جفني قد غصـبـا قالوا عهدناك من أهل الرشاد فمـا = أغواك قلت اطلبوا من لحظة السببا إني له عن دمي المسفوك معتـذر = أقول حملته في سفكـه تـعـبـا ألقى بمرآة فكري شمس صورته = فعكسها شب في أحشائي اللهبـا من صاغه الله من ماء الحياة وقد = أجرى بقيته في ثغـره شـنـبـا ماذا ترى في محب ما ذكرت لـه = إلا شكى أو بكى أو حن أو أطربا يرى خيالك في المـاء الـذلال إذا = رام الشراب فيروى وهو ما شربا وأنشدت أيضاً:
سكرت من لحظه لا من مدامته = ومال بالنوم عن عيني تمايلـه فما السلاف سلتني بل سوالفـه = وما الشمل شلتني بل شمائلـه فلما سمعت الصبية ذلك، قالت طيبك الله، ثم شقت ثيابها ووقعت على الأرض مغشياً عليها، فلما نكشف جسدها رأى الخليفة أثر ضرب المقارع والسياط فتعجب من ذلك غاية العجب فقامت البوابة ورشت الماء على وجهها وأتت إليها بحلة وألبستها إياها فقال الخليفة لجعفر أما تنظر إلى هذه المرأة وما عليها من أثر الضرب، فأنا لا أقدر أن أسكت على هذا وما أستريح إلا إن وقفت على حقيقة خبر هذه الصبية وحقيقة خبر هاتين الكلبتين فقال جعفر: يا مولانا قد شرطوا علينا شرطاً وهو أن لا نتكلم فيما لا يعنينا فنسمع ما لا يرضينا، ثم قامت الدلالة فأخذت العود وأسندته إلى نهدها، وغمزته بأناملها وأنشدت تقول:
إن شكونا الهوى فمـاذا تـقـول = أو تلفنا شوقاً فماذا الـسـبـيل أو بعثنا رسلاً نتـرجـم عـنـا = ما يؤدي شكوى المحب رسـول أو صبرنا فما لنـا مـن بـقـاء= بعد فقد الأحـبـاب إلا قـلـيل ليس إلا تـأسـفـاً ثـم حـزنـاً = ودموعاً على الخـدود تـسـيل أيها الغائبون عن لمـح عـينـي = وعم في الفؤاد منـي حـلـول هل حفظتم لدى الهوى عهد صب = ليس عنه مدى الزمـان يحـول أم نسيتم على التبـاعـد صـبـا = شفه فبكم الضنى والـنـحـول وإذا الحشر ضمنـا أتـمـنـى = من لدن وبنا حسـابـاً يطـول
فلما سمعت المرأة الثانية. شعر الدلالة شقت ثيابها. كما فعلت الأولى. وصرخت ثم ألقت نفسها على الأرض مغشياً عليها، فقامت الدلالة وألبستها حلة ثانية بعد أن رشت الماء على وجهها ثم قامت المرأة الثالثة وجلست على سرير وقالت للدلالة غني لي لا في ديني فما بقي غير هذا الصوت فأصلحت الدلالة العود وأنشدت هذه الأبيات:
فإلى متى هذا الصدود وذا الجفـا = فلقد جوى من أدمعي ما قد كفى كم قد أطلت الهجر لي معتـمـداً = إن كان قصدك حاسدي فقد اشتفى لو أنصف الدهر الخؤون لعاشـق = ما كان يوم العواذل منـصـفـا فلمن أبوح بصبوتي يا قـاتـلـي = يا خيبة الشاكي إذا فقـد الـوفـا ويزيد وجدي في هواك تلـهـفـاً = فمتى وعدت ولا رأيتك مخلـفـا يا مسلمون خذوا بـنـار مـتـيم = ألف الشهادة لديه طرف ما غفـا أيحل في شرع الغرام تـذلـلـي =ويكون غيري بالوصال مشرفـا ولقد كلفت بحبـكـم مـتـلـذذاً = وغدا عذولي في الهوى متكلفـا
فلما سمعت المرأة الثالثة قصيدتها صرخت وشقت ثيابها وألقت نفسها على الأرض مغشياً عليها فلما انكشف جسدها ظهر فيه ضرب المقارع، مثل من قبلها فقال الصعاليك ليتنا ما دخلنا هذه الدار وكنا بتنا على الكتمان، فقد تكدر مبيتنا هنا بشيء يقطع الصلب فالتفت الخليفة إليهم وقال لهم لم ذلك قالوا قد اشتغل سرنا بهذا الأمر فقال الخليفة أما أنتم من هذا البيت؟ قالوا لا ولا ظننا هذا الموضع إلا للرجل الذي عندكم. فقال الحمال والله ما رأيت هذا الموضع إلا هذه الليلة وليتني بت على الكيمان ولم أبت فيه. فقال الجميع نحن سبعة رجال وهن ثلاث نسوة وليس لهن رابعة فنسألهن عن حالهن فإن لم يجبننا طوعاً أجبننا كرهاً واتفق الجميع على ذلك فقال جعفر ما هذا رأي سديد دعوهن فنحن ضيوف عندهن وقد شرطن علينا، شرطاً فنوفي به ولم يبق من الليل إلا القليل وكل منا يمضي إلى حال سبيله ثم إنه غمز الخليفة وقال ما بقي غير ساعة، وفي غد تحضرهن بين يديك، فتسألهن عن قصتهن فأبى الخليفة وقال لم يبق لي صبر عن خبرهن وقد كثر بينهن القيل والقال ثم قالوا ومن يسألهن فقال بعضهم الحمال ثم قال لهم النساء يا جماعة في أي شيء تتكلمون. فقال الحمال لصاحبة البيت وقال لها يا سيدتي سألتك بالله وأقسم عليك به أن تخبرينا عن حال الكلبتين، وأي سبب تعاقبيهما ثم تعودين تبكين، وتقبليهما وأن تخبرينا عن سبب ضرب أختك بالمقارع وهذا سؤالنا والسلام فقالت صاحبة المكان للجماعة ما يقوله عنكم فقال الجميع نعم، إلا جعفر فإنه سكت. فلما سمعت الصبية كلامهم قالت والله لقد آذيتمونا يا ضيوفنا، الأذية البالغة، وتقدم لنا أننا شرطنا عليكم أن من تكلم فيما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه أما كفى أننا أدخلناكم منزلنا وأطعمناكم زادنا ولكن لا ذنب لكم وإنما الذنب لمن أوصلكم إلينا ثم شمرت عن معصمها وضربت الأرض ثلاث ضربات وقالت عجلوا. وإذا بباب خزانة قد فتح وخرج منها سبعة عبيد بأيديهم سيوف مسلولة وقالت كتفوا هؤلاء الذين كثر كلامهم واربطوا بعضهم ببعض ففعلوا وقالوا أيتها المخدرة ائذني لنا في ضرب رقابهم فقالت أمهلوهم ساعة حتى أسألهم عن حالهم قبل ضرب رقابهم فقال الحمال بالله يا سيدتي لا تقتليني بذنب الغير فإن الجميع أخطأوا، ودخلوا في الذنب، إلا أنا والله لقد كانت ليلتنا طيبة لو سلمنا من هؤلاء الصعاليك الذين لو دخلوا مدينة عامرة لأخربوها، ثم أنشد يقول:
ما أحسن الغفران من قادر = لا سيما عن غير ذي ناصر بحرمة الود الذي بـينـنـا = لا تقتلي الأول بـالآخـر فلما فرغ الحمال من كلامه ضحكت الصبية، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الجزءالسابع الف ليلة وليلة
حكينا عن الفتيات اللواتي أدخلن الحمال ثم الأعاجم الثلاثة ثم أمير المؤمنين إلى دارهن.. ورأوا من العجب ما رأوا.. حتى لم يستطيعوا كتمان عجبهم فسألن الفتيات عن خبرهن.. فأرسلت صاحبة الدار في طلب السياف.. وإذا بباب خزانة قد فتح وخرج منها سبعة عبيد بأيديهم سيوف مسلولة وقالت كتفوا هؤلاء الذين كثر كلامهم واربطوا بعضهم ببعض ففعلوا وقالوا أيتها المخدرة ائذني لنا في ضرب رقابهم فقالت أمهلوهم ساعة حتى أسألهم عن حالهم قبل ضرب رقابهم فقال الحمال بالله يا سيدتي لا تقتليني بذنب الغير فإن الجميع أخطأوا، ودخلوا في الذنب، إلا أنا والله لقد كانت ليلتنا طيبة لو سلمنا من هؤلاء الصعاليك الذين لو دخلوا مدينة عامرة لأخربوها، ثم أنشد يقول:
ما أحسن الغفران من قادر = لا سيما عن غير ذي ناصر بحرمة الود الذي بـينـنـا = لا تقتلي الأول بـالآخـر فلما فرغ الحمال من كلامه ضحكت الصبية
لليلة الحادية عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية لما ضحكت بعد غيظها، أقبلت على الجماعة وقالت أخبروني بخبركم فما بقي من عمركم إلا ساعة ولولا أنتم أعزاء فقال الخليفة ويلك يا جعفر عرفها بنا وإلا تقتلنا فقال جعفر من بعض ما نستحق فقال له الخليفة لا ينبغي الهزل في وقت الجد كل منهم له وقت ثم أن الصبية أقبلت على الصعاليك، وقالت لهم هل أنتم أخوة فقالوا لا والله ما نحن إلا فقراء الحجام. فقالت لواحد منهم هل أنت ولدت أعور فقال لا والله وإنما جرى لي أمر غريب حيت تلفت عيني ولهذا الأمر حكاية لو كتبت بالإبر على أماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر فسألت الثاني والثالث فقالا لها مثل الأول ثم قالوا أن كل منا من بلد وأن حديثنا عجيب وأمرنا غريب فالتفتت الصبية لهم، وقالت كل واحد منكم يحكي حكايته وما سبب مجيئه إلى مكاننا ثم يملس على رأسه ويروح إلى حال سبيله فأول من تقدم الحمال، فقال يا سيدتي أنا رجل حمال حملتني هذه الدلالة وأتت بي إلى هنا وجرى لي معكم ما جرى وهذا حديثي والسلام، فقالت له ملس على رأسك وروح فقال والله ما أروح حتى أسمع حديث رفقائي. فتقدم الصعلوك الأول وقال لها يا سيدتي، إن سبب حلق ذقني وتلف عيني أن والدي كان ملكاً وله أخ وكان أخوه ملكاً على مدينة أخرى واتفق أن أمي ولدتني في اليوم الذي ولد فيه ابن عمي، ثم مضت سنون وأعوام، وأيام حتى كبرنا وكنت أزور عمي في بعض السنين وأقعد عنده أشهر عديدة فزرته مرة فأكرمني غاية الإكرام وذبح لي الأغنام وروق لي المدام وجلسنا للشراب فلما تحكم الشراب فينا قال ابن عمي: يا ابن عمي إن لي عندك حاجة مهمة فاستوثق مني بالإيمان العظام ونهض من وقته وساعته وغاب قليلاً، ثم عاد وخلفه امرأة مزينة مطيبة وعليها من الحلل ما يساوي مبلغاً عظيماً. فالتفت إلي والمرأة خلفه، وقال خذ هذه المرأة واسبقني على الجبانة الفلانية ووصفها لي فعرفتها وقال ادخل بها التربة وانتظرني هناك فلم يمكني المخالفة ولم أقدر على رد سؤاله لأجل الذي خلفته فأخذت المرأة وسرت إلى أن دخلت التربة أنا وإياها فلما استقر بنا الجلوس جاء ابن عمي ومعه طاسة فيها ماء وكيس فيه جبس وقدوم ثم إنه أخذ القدوم وجاء إلى قبر في وسط التربة ففكه ونقض أحجاره إلى ناحية التربة، ثم حفر بالقدوم في الأرض، حتى كشف عن طابق قدر الباب الصغير فبان من تحت الطابق سلم معقود. لم ألتفت إلى المرأة بالإشارة وقال لها دونك وما تختارين به فنزلت المرأة على ذلك السلم، ثم التفت إلي وقال يا ابن عمي تمم المعروف إذا نزلت أنا في ذلك الموضع فرد الطابق ورد عليه التراب كما كان وهذا تمام المعروف وهذا الجبس الذي في الكيس وهذا الماء الذي في الطاسة أعجن منه الجبس وجبس القبر في دائر الأحجار كما كان أول حتى لا يعرفه أحد ولا يقول هذا فتح جديد وتطيينه عتق لأن لي سنة كاملة، وأنا أعمل فيه، وما يعلم به إلا الله وهذه حاجتي عندك، ثم قال لي لا أوحش الله منك، يا ابن عمي، ثم نزل على السلم. فلما غاب عني قمت ورددت الطابق وفعلت ما أمرني به حتى صار القبر كما كان ثم رجعت إلى قصر عمي، وكان عمي في الصيد والقنص فنمت تلك الليلة فلما أصبح الصباح تذكرت الليلة الماضية وما جرى فيها بيني وبين ابن عمي وندمت على ما فعلت معه حيث لا ينفع الندم، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الجزء الثامن الف ليلة وليلة
بدأ أحد العور الثلاثة يروي قصتة.. وقال أنه لم يولد هكذا.. وتحدث عن ابن عمه الذي أخذع الى التربة مع امرأة.. ثم دخلت الى داخل القبر.. فأغلق القبر ورائها وأعاده كما كان
ثم رجعت إلى قصر عمي، وكان عمي في الصيد والقنص فنمت تلك الليلة فلما أصبح الصباح تذكرت الليلة الماضية وما جرى فيها بيني وبين ابن عمي وندمت على ما فعلت معه حيث لا ينفع الندم
في الليلة الثانية عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية ثم خرجت إلى المقابر وفتشت على التربة فلم أعرفها ولم أزل أفتش حتى أقبل الليل ولم أهتد إليها فرجعت إلى القصر لم آكل ولم أشرب وقد اشتغل خاطري بابن عمي من حيث لا أعلم له حالاً فاغتممت غماً شديداً وبت ليلتي مغموماً، إلى الصباح فجئت ثانياً إلى الجبانة وأنا أتفكر فيما فعله ابن عمي، وندمت على سماعي منه وقد فتشت في الترب جميعاً فلم أعرف تلك التربة، ولا رمت التفتيش سبعة أيام فلم أعرف له طريقاً. فزاد بي الوسواس حتى كدت أن أجن فلم أجد فرجاً دون أن سافرت، ورجعت غليه، فساعة وصولي إلى مدينة أبي نهض إلى جماعة من باب المدينة وكتفوني فتعجبت كل العجب إني ابن سلطان المدينة وهم خدم أبي وغلماني ولحقني منهم خوف زائد، فقلت في نفسي يا ترى أجرى على والدي وصرت أسأل الذين كنفوني عن سبب ذلك فلم يردوا علي جواباً. ثم بعد حين قال لي بعضهم وكان خادماً عندي، إن أباك قد غدر به الزمان وخانته العساكر وقتله الوزير ونحن نترقب وقوعك فأخذوني وأنا غائب عن الدنيا بسبب هذه الأخبار التي سمعتها عن أبي فلما تمثلت بين يدي الوزير الذي قتل أبي وكان بيني وبينه عداوة قديمة وسبب تلك العداوة أني كنت مولعاً بضر البندقية فاتفق أني كنت واقفاً يوماً من الأيام على سطح قصر وإذا بطائر نزل على سطح قصر الوزير وكان واقفاً هناك، فأردت أن أضرب الطير وغذا بالبندقية أخطأت عين الوزير، فأتلفتها بالقضاء والقدر كما قال الشاعر:
دع الأقدار تفعل ما تـشـاء = وطب نفساً بما فعل القضاء ولا تفرح ولا تحزن بشيء = فإن الشيء ليس له بـقـاء وكما قال الآخر:
مشينا خطا كتبـت عـلـينـا = ومن كتب عليه خطاً مشاهـا ومن كانت منـيتـه بـأرض = فليس يموت في أرض سواها
ثم قال ذلك الصعلوك: فلما أتلفت عين الوزير لم يقدر أن يتكلم لأن والدي كان ملك المدينة فهذا سبب العداوة التي بيني وبينه فلما وقفت قدامه، وأنا مكتف أمر فضرب عنقي فقلت أتقتلني بغير ذنب فقال أي ذنب أعظم من هذا وأشار إلى عينه المتلفة فقلت له: فعلت ذلك خطأ، فقال إن كنت فعلته خطأ فأنا أفعله بك عمداً ثم قال قدموه بين يدي فقدموني بين يديه، فمد إصبعه في عيني الشمال فأتلفها فصرت من ذلك الوقت أعور كما تروني، ثم كتفني ووضعني في صندوق وقال للسياف: تسلم هذا وأشهر حسامك، وخذه واذهب به إلى خارج المدينة واقتله ودعه للوحوش، تأكله فذهب بي السياف وصار حتى خرج من المدينة، وأخرجني من الصندوق وأنا مكتوف اليدين مقيد الرجلين وأراد أن يغمي عيني ويقتلني فبكيت وأنشدت هذه الأبيات:
جعلتكموا درعاً حصيناً لتمنعوا = سهام العدا عني فكنتم نصالها وكنت أرجي عند كل مـلـمة = تخص يميني أن تكون شمالها دعوا قصة العذال عني بمعزل = وخلوا العدا ترمي إلي نبالهـا إذا لم تقوا نفسي مكايدة العـدا = فكونوا سكوتاً لا عليها ولا لها وأنشدت أيضاً هذه الأبيات:
وإخوان اتخذتـهـم دروعـاً = فكانوها ولكن لـلأعـادي رحلتهم سهامـاً صـائبـات = فكانوا ولكن فـي فـؤادي وقالوا قد سعينا كل سـعـي = لقد صدقوا ولكن في فسادي
فلما سمع السياف شعري وكان سياف أبي ولي عليه إحسان، قال يا سيدي كيف أفعل وأنا عبد مأمور ثم قال لي فر بعمرك ولا تعد إلى هذه المدينة فتهلك وتهلكني معك كما قال الشاعر:
ونفسك فر بها إن خفت ضيماً = وخل الدار تنعي من بناهـا فإنك واحد أرضـاً بـأرض = ونفسك لم تجد نفساً سواهـا عجبت لمن يعيش بـدار ذل = وأرض الله واسعة فـلاهـا وما غلظت رقاب الأسد حتى = بأنفسها تولت ما عـنـاهـا فلما قال ذلك قبلت يديه وما صدقت حتى فررت وهان علي تلف عيني بنجاتي من القتل، وسافرت حتى وصلت إلى مدينة عمي فدخلت عليه وأعلمته بما جرى لوالدي، وبما جرى لي من تلف عيني فبكى بكاء شديداً وقال لقد زدتني هماً على همي وغماً على غمي، فإن ابن عمك قد فقد منذ أيام ولم أعلم بما جرى له ولم يخبرني أحد بخبره وبكى حتى أغمي عليه فلما استفاق قال يا ولدي قد حزنت على ابن عمك حزناً شديداً وأنت زدتني بما حصل لك ولابيك، غماً على غمي، ولكن يا ولدي بعينك ولا بروحك ثم إنه لم يمكني السكوت عن ابن عمي الذي هو ولده فأعلمته بالذي جرى له كله ففرح عمي بما قلته له فرحاً شديداً عند سماع خبر ابنه، وقال أرني التربة فقلت والله يا عمي لم أعرف مكانها لأني رجعت بعد ذلك مرات لأفتش عليها فلم أعرف مكانها، ثم ذهبت أنا وعمي إلى الجبانة، ونظرت يميناً وشمالاً فعرفتها ففرحت أنا وعمي فرحاً شديداً ودخلت أنا وإياه التربة وأزحنا التراب ورفعنا الطابق ونزلت أنا وعمي مقدار خمسين درجة، فلما وصلنا إلى آخر السلم وإذا بدخان طلع علينا فغشي أبصارنا فقال عمي الكلمة التي لا يخاف قائلها وهي لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم مشينا وإذا نحن بقاعة ممتلئة دقيقاً وحبوباً ومأكولات وغير ذلك ورأينا في وسط القاعة ستارة مسبولة على سرير فنظر عمي إلى السرير فوجد ابنه هو والمرأة التي قد نزلت معه صار فحماً أسود وهما متعانقان كأنهما ألقيا في جب نار، فلما نظر عمي بصق في وجهه وقال تستحق يا خبيث فهذا عذاب الدنيا وبقي عذاب الآخرة وهو أشد وأبقى وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75521 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الف ليلة و ليلة السبت 04 مايو 2013, 10:45 am | |
|
الجزء التاسع الف ليلة وليلة
لا نزال في سيرة الأعجمي الاول الذي قتل والده وهرب إلى أرض عمه.. وحكينا عن ابن عمه الذي اختفى في التربة.. وتوجها إلى هناك ودخلت أنا وإياه التربة وأزحنا التراب ورفعنا الطابق ونزلت أنا وعمي مقدار خمسين درجة، فلما وصلنا إلى آخر السلم وإذا بدخان طلع علينا فغشي أبصارنا فقال عمي الكلمة التي لا يخاف قائلها وهي لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم مشينا وإذا نحن بقاعة ممتلئة دقيقاً وحبوباً ومأكولات وغير ذلك ورأينا في وسط القاعة ستارة مسبولة على سرير فنظر عمي إلى السرير فوجد ابنه هو والمرأة التي قد نزلت معه صار فحماً أسود وهما متعانقان كأنهما ألقيا في جب نار، فلما نظر عمي بصق في وجهه وقال تستحق يا خبيث فهذا عذاب الدنيا وبقي عذاب الآخرة وهو أشد وأبقى...
في الليلة الثالثة عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية والجماعة والخليفة وجعفر يستمعون الكلام، ثم أن عمي ضرب ولده بالنعال وهو راقد كالفحم الأسود فتعجبت من ضربه وحزنت على ابن عمي حيث صار هو والصبية فحماً أسود ثم قلت بالله يا عمي خفف الهم عن قلبك، فقد اشتغل سري وخاطري بما قد جرى لولدك وكيف صار هو والصبية فحماً أسود ما يكفيك ما هو فيه حتى تضربه بالنعال. فقال يا ابن أخي إن ولدي هذا كان من صغره مولعاً بحب أخته وكنت أنهاه عنها وأقول في نفسي إنهما صغيران فلما كبر وقع بينهما القبيح وسمعت بذلك ولم أصدق ولكن زجرته زجراً بليغاً وقلت له أحذر من هذه الفعال القبيحة التي لم يفعلها أحد قبلك ولا يفعلها أحد بعدك وإلا نبقى بين الملوك بالعار والنقصان إلى الممات وتشيع أخبارنا مع الركبان وإياك أن تصدر منك هذه الفعال فإني أسخط عليك وأقتلك ثم حجبته عنها وحجبتها عنه وكانت الخبيثة تحبه محبة عظيمة وقد تمكن الشيطان منها. فلما رآني حجبته فعل هذا المكان الذي تحت الأرض الخفية. ونقل فيه المأكول كما تراه واستغفلني لما خرجت إلى الصيد وأتى إلى هذا المكان فغار عليه وعليها الحق سبحانه وتعالى وأحرقهما ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ثم بكى وبكيت معه وقال لي أنت ولدي عوضاً عنه ثم أني تفكرت ساعة في الدنيا وحوادثها من قتل الوزير لوالدي وأخذ مكانه وتلف عيني، وما جرى لابن عمي من الحوادث الغريبة. فبكيت ثم أننا صعدنا ورددنا الطابق والتراب، وعملنا القبر كما كان، ثم رجعنا إلى منزلنا فلم يستقر بيننا جلوس حتى سمعنا دق طبول وبوقات ورمحت الأبطال وامتلأت الدنيا بالعجاج والغبار من حوافر الخيل فحارت عقولنا ولم نعرف الخبر فسأل الملك عن الخبر فقيل إن وزير أخيك قتله وجمع العسكر والجنود وجاء بعسكره ليهجموا على المدينة وأهل المدينة لم يكن لهم طاقة بهم فسلموا إليه فقلت في نفسي متى وقعت أنا في يده قتلني. وتراكمت الأحزان وتذكرت الحوادث التي حدثت لأبي وأمي ولم أعرف كيف العمل فإن ظهرت عرفني أهل المدينة، وعسكر أبي فيسعون في قتلي وهلاكي فلم أجد شيئاً أنجو به إلا حلق ذقني فحلقتها وغيرت ثيابي وخرجت من المدينة وقصدت هذه المدينة والسلام لعل أحداً يوصلني إلى أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين حتى أحكي له قصتي، وما جرى لي فوصلت إلى هذه المدينة في هذه الليلة، فوقفت حائراً ولم أدر أين أمضي وإذا بهذا الصعلوك واقف. فسلمت عليه وقلت له أنا غريب أيضاً، فبينما نحن كذلك وإذا برفيقنا هذا الثالث جاءنا وسلم علينا، وقال أنا غريب، فقلنا له ونحن غريبان فمشينا وقد هجم علينا الظلام فساقنا القدر إليكم، وهذا سبب حلق ذقني وتلف عيني فقالت الصبية ملس على رأسك وروح، فقال لها لا أروح حتى أسمع خبر غيري فتعجبوا من حديثه. فقال الخليفة لجعفر والله أنا ما رأيت مثل الذي جرى لهذا الصعلوك، ثم تقدم الصعلوك الثاني وقبل الأرض وقال يا سيدتي أنا ما ولدت أعور، وإنما لي حكاية عجيبة لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر فأنا ملك ابن ملك وقرأت القرآن على سبع روايات وقرأت الكتب على أربابها من مشايخ العلم وقرأت علم النجوم وكلام الشعراء واجتهدت في سائر العلوم حتى فقت أهل زماني فعظم حظي عند سائر الكتبة وشاع ذكري في سائر الأقاليم والبلدان وشاع خبري عند سائر الملوك. فسمع بي ملك الهند فأرسل يطلبني من أبي وأرسل إليه هدايا وتحفاً تصلح للملوك فجهزني أبي في ست مراكب وسرنا في البحر مدة شهر كامل حتى وصلنا إلى البر وأخرجنا حبلاً كانت معنا في المركب وحملنا عشرة جمال هدايا ومشينا قليلاً وإذا بغبار قد علا وثار حتى سد الأقطار واستمر ساعة من النهار ثم انكشف قبان من تحته ستون فارساً وهم ليوث وعوانس فتأملناهم وإذا هم عرب قطاع طريق فلما رأونا ونحن نفر قليل ومعنا عشرة أجمال هدايا لملك الهند رمحوا علينا وشرعوا الرماح بين أيديهم نحونا. فأشرنا إليهم بالأصابع وقلنا لهم: نحن رسل إلى ملك الهند المعظم فلا تؤذونا فقالوا نحن لسنا في أرضه ولا تحت حكمه ثم إنهم قتلوا بعض الغلمان وهرب الباقون وهربت أنا بعد أن جرحت جرحاً بليغاً واشتغلت عنا العرب بالمال والهدايا التي كانت معنا فصرت لا أدري أين أذهب، وكنت عزيزاً فصرت ذليلاً وسرت إلى أن أتيت رأس الجبل فدخلت مغارة حتى طلع النهار ثم سرت منها حتى وصلت إلى مدينة عامرة بالخير وقد ولى عنها الشتاء ببرده وأقبل عليها الربيع بورده. ففرحت بوصولي إليها وقد تعبت من المشي وعلاني الهم والاصفرار فتغيرت حالتي ولا أدري أين أسلك فملت إلى خياط في دكان وسلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي وباسطني عن سبب غربتي فأخبرته بما جرى لي من أوله إلى آخره، فاغتم لأجلي وقال يا فتى لا تظهر ما عندك فإني أخاف عليك من ملك المدينة لأنه أكبر أعداء أبيك وله عنده ثأر. ثم أحضر لي مأكولاً ومشروباً فأكلت وأكل معي وتحادثت معه في الليل وأخلى لي محلاً في جانب حانوته وأتاني بما أحتاج إليه من فراش وغطاء، فأقمت عنده ثلاثة أيام، ثم قال لي أما تعرف صنعة تكسب بها فقلت له: إني فقيه طالب علم كاتب حاسب فقال: إن صنعتك في بلادنا كاسدة وليس في مدينتنا من يعرف علماً ولا كتابة غير المال. فقلت والله لا أدري شيئاً غير الذي ذكرته لك، فقال شد وسطك وخذ فأساً وحبلاً واحتطب في البرية حطباً تتقوت به إلى أن يفرج الله عنك ولا تعرف أحداً بنفسك فيقتلوك، ثم اشترى لي فأساً وحبلاً وأرسلني مع بعض الحطابين وأوصاهم علي فخرجت معهم واحتطبت فأتيت بحمل على رأسي فبعته بنصف دينار فأكلت ببعضه وأبقيت بعضه، ودمت على هذا الحال مدة سنة. ثم بعد السنة ذهبت يوماً على عادتي إلى البرية لأحتطب منها ودخلتها، فوجدت فيها خميلة أشجار فيها حطب كثير فدخلت الخميلة، وأتيت شجرة وحفرت حولها وأزلت التراب عن جدارها فاصطكت الفأس في حلقة نحاس فنظفت التراب وإذا هي في طابق من خشب فكشفته فبان تحت سلم فنزلت إلى أسفل السلم فرأيت باباً فدخلته فرأيت قصراً محكم البنيان فوجدت فيه صبية كالدرة السنية تنفي إلى القلب كل هم وغم وبلية. فلما نظرت إليها سجدت لخالقها لما أبدع فيها من الحسن والجمال فنظرت إلي وقالت لي أنت أنسي أم جني، فقلت لها: إنسي، فقالت: ومن أوصلك إلى هذا المكان الذي لي فيه خمسة وعشرون سنة، ما رأيت فيه إنسياً أبداً فلما سمعت كلامها وجدت له عذوبة وقلت لها يا سيدتي أوصلني الله إلى منزلك ولعله يزيل همي وغمي وحكيت لها ما جرى لي من الأول إلى الآخر. فصعب عليها حالي وبكت وقالت أنا الأخرى أعلمك بقصتي فاعلم أني بنت ملك أقصى الهند صاحب جزيرة الآبنوس وكان قد زوجني بابن عمي فاختطفني ليلة زفافي عفريت اسمه جرجريس بن رجوس بن إبليس فطار بي إلى هذا المكان ونقل فيه كل ما أحتاج إليه من الحلى والحلل والقماش والمتاع والطعام والشراب. في كل عشرة أيام يجيئني مرة فيبيت هنا ليلة وعاهدني إذا عرضت لي حاجة ليلاً أو نهاراً أن ألمس بيدي هذين السطرين المكتوبين على القبة فما ارفع يدي حتى أراه عندي ومنذ كان عندي له اليوم أربعة أيام وبقي له ستة أيام حتى يأتي فهل لك أن تقيم عندي خمسة أيام، ثم تنصرف قبل مجيئه بيوم فقلت نعم. ففرحت ثم نهضت على أقدامها وأخذت بيدي وأدخلتني من باب مقنطر وانتهت بي إلى حمام لطيف ظريف فلما رأيته دخلت فجلست على مرتبة وأجلستني معها وسقتني ثم قدمت لي مأكولاً وتحادثنا ثم قالت لي استرح فإنك تعبان فنمت يا سيدتي وقد نسيت ما جرى لي، وشكرتها فلما استيقظت وجدتها تكبس رجلي فدعوت لها وجلسنا نتحادث ساعة، ثم قالت والله إني كنت ضيقة الصدر وأنا تحت الأرض وحدي ولم أجد من يحدثني خمسة وعشرين سنة فالحمد لله الذي أرسلك إلي ثم أنشدت:
لو علمنا مجيئكم لفـرشـنـا = مهجة القلب أو سواد العيون وفرشنا خدودنا والتـقـينـا = لكون المسير فوق الجفـون فلما سمعت شعرها شكرتها وقد تمكنت محبتها في قلبي، وذهب عني همي وغمي، ثم جلسنا في منادمة إلى الليل، فبت معها ليلة ما رأيت مثلها في عمري وأصبحنا مسرورين فقلت لها هل أطلعك من تحت الأرض وأريحك من هذا الجني فضحكت وقالت اقنع واسكت ففي كل عشرة أيام يوم للعفريت وتسعة لك فقلت وقد غلب علي الغرام فأنا في هذه أكسر هذه القبة التي عليها النقش المكتوب لعل العفريت يجيء حتى أقتله فإني موعود بقتل العفاريت فلما سمعت كلامي أنشدت:
يا طالباً للفراق مـهـلاً = بحيلة قد كفى اشتـياق اصبر فطبع الزمان غدر= وآخر الصحبة الفـراق فلما سمعت شعرها لم ألتفت لكلامها بل رفست القبة رفساً قوياً وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الجزء العاشر الف ليلة وليلة
لا نزال في قصة الاعجمي الثاني.. كان ابن ملك، وكان صاحب علم واشتهر به، فأرسل إليه ملك الصين يطلبه وفي طريقهم إلى ملك الصين هاجمهم قطاع طرق سلبو اموال القافلة ولكن صاحبنا استطاع النجاة واشتغل حطابا.. حتى التقى ذات يوم بقتاة اختطفها الجني وراح يستريح عندها فنمت يا سيدتي وقد نسيت ما جرى لي، وشكرتها ثم قالت والله إني كنت ضيقة الصدر وأنا تحت الأرض وحدي ولم أجد من يحدثني خمسة وعشرين سنة فالحمد لله الذي أرسلك إلي ، ثم جلسنا في منادمة إلى الليل،فلما أصبحنا قلت لها هل أطلعك من تحت الأرض وأريحك من هذا الجني فضحكت وقالت اقنع واسكت ففي كل عشرة أيام يوم للعفريت وتسعة لك فقلت وقد غلب علي الغرام فأنا في هذه أكسر هذه القبة التي عليها النقش المكتوب لعل العفريت يجيء حتى أقتله فإني موعود بقتل العفاريت فلما سمعت كلامي أنشدت:
يا طالباً للفراق مـهـلاً = بحيلة قد كفى اشتـياق اصبر فطبع الزمان غدر= وآخر الصحبة الفـراق فلما سمعت شعرها لم ألتفت لكلامها بل رفست القبة رفساً قوياً
وفي الليلة الرابعة عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثاني قال للصبية يا سيدتي لما رفست القبة رفساً قوياً، قالت لي المرأة أن العفريت قد وصل إلينا أما حذرتك من هذا ولله لقد آذيتني ولكن انج بنفسك واطلع من المكان الذي جئت منه فمن شدة خوفي نسيت نعلي وفأسي، فلما طلعت درجتين التفت لأنظرهما فرأيت الأرض قد انشقت وطلع منها عفريت ومنظر شنيع، وقال ما هذه الزعجة التي أرعشتني بها فما مصيبتك. فقالت ما أصابني شيء غير أن صدري ضاق، فأردت أن أشرب شراباً يشرح صدري فنهضت لأقضي أشغالي فوقعت على القبة، فقال لها العفريت يا فاجرة ونظر في القصر يميناً وشمالاً فرأى النعل والفأس فقال لها ما هذه إلا متاع الإنس من جاء إليك فقالت: ما نظرتهما إلا في هذه الساعة ولعلهما تعلقا معك. فقال العفريت هذا كلام محال لا ينطلي علي يا عاهرة، ثم أنه صلبها بين أربعة أوتاد وجعل يعاقبها ويقررها بما كان فلم يهن علي أن أسمع بكاءها فطلعت من السلم مذعوراً من الخوف فلما وصلت إلى أعلى الموضع رددت الطابق كما كان وسترته بالتراب وندمت على ما فعلت غاية الندم وتذكرت الصبية وحسنها وكيف يعاقبها هذا الملعون وهي لها معه خمسة وعشرون سنة وما عاقبها إلا بسببي وتذكرت أبي ومملكته وكيف صرت حطاباً، فقلت هذا البيت:
إذا ما أتاك الدهر يوماً بنـكـبة= فيوم ترى يسراً ويوم ترى عسرا
ثم مشيت إلى أن أتيت رفيقي الخياط فلقيته من أجلي على مقالي النار وهو لي في الانتظار فقال لي: بت البارحة وقلبي عندك وخفت عليك من وحش أو غيره فالحمد لله على سلامتك فشكرته على شفقته علي ودخلت خلوتي، وجعلت أتفكر فيما جرى لي وألوم نفسي على رفسي هذه القبة وإذا بصديقي الخياط دخل علي وقال لي في الدكان شخص أعجمي يطلبك ومعه فأسك ونعلك قد جاء بهما إلى الخياطين وقال لهم أني خرجت وقت آذان المؤذن، لأجل صلاة الفجر فعثرت بهما ولم أعلم لمن هما فدلوني على صاحبها، فدله الخياطون عليك وها هو قاعد في دكاني فاخرج إليه واشكره وخذ فأسك ونعلك. فلما سمعت هكذا الكلام اصفر لوني وتغير حالي فبينما أنا كذلك وإذا بأرض محلي قد انشقت وطلع منها الأعجمي وإذا هو العفريت وقد كان عاقب الصبية غاية العقاب فلم تقر له بشيء فأخذ الفأس والنعل وقال لها إن كنت جرجريس من ذرية إبليس فأنا أجيء بصاحب هذا الفأس والنعل ثم جاء بهذه الحيلة إلى الخياطين ودخل علي ولم يمهلني بل اختطفني وطار وعلا بي ونزل بي وغاص في الأرض وأنا لا أعلم بنفسي، ثم طلع بي القصر الذي كنت فيه فرأيت الصبية والدم يسيل من جوانبها فقطرت عيناي بالدموع. فأخذها العفريت وقال لها يا عاهرة هذا عشيقك فنظرت إلي وقالت له لا أعرفه ولا رأيته إلا في هذه الساعة فقال لها العفريت أهذه العقوبة ولم تقري، فقالت ما رأيته عمري وما يحل من الله أن أكذب عليه، فقال لها العفريت إن كنت لا تعرفينه، فخذي هذا السيف واضربي عنقه فأخذت السيف وجاءتني ووقفت على رأسي فأشرت لها بحاجبي فنهضت وغمزتني وقالت أنت الذي فعلت هذا كله فأشرت لها أن هذا وقت العفو ولسان حالي يقول:
يترجم طرفي عن لساني لتعلمـوا = ويبدو لكم ما كان في صدري يكتم ولما التقينا والـدمـوع سـواجـم = خرست وطرفي بالهوى يتكـلـم تشير لنا عما تقول بـطـرفـهـا = وأرمي إليها بالبنان فـتـفـهـم حواجبنا تقضي الحوائج بـينـنـا = فنحن سكوت والهوى يتـكـلـم
فلما فهمت الصبية إشارتي رمت السيف من يدها، فناولني العفريت السيف وقال لي اضرب عنقها وأنا أطلقك ولا أنكد عليك فقلت نعم، وأخذت السيف وتقدمت نشاط ورفعت يدي فقالت لي بحاجبها أنا ما قصرت في حقك فهملت عيناي بالدموع ورميت السيف من يدي وقلت أيها العفريت الشديد والبطل الصنديد، إذا كانت امرأة ناقصة عقل ودين لم تستحل ضرب عنقي فكيف يحل لي أن أضرب عنقها ولم أرها عمري، فلا أفعل ذلك أبداً ولو سقيت من الموت كأس الردى. فقال العفريت أنتما بينكما مودة أخذ السيف وضرب يد الصبية فقطعها ثم ضرب الثانية فقطعها ثم قطع رجلها اليمنى ثم قطع رجلها اليسرى حتى قطع أرباعها بأربع ضربات وأنا أنظر بعيني فأيقنت بالموت ثم أشارت إلي بعينيها فرآها العفريت فقال لها وقد زنيت بعينك ثم ضربها فقطع رأسها، والتفت إلي وقال يا آنسي نحن في شرعنا إذا زنت الزوجة يحل لنا قتلها، وهذه الصبية اختطفتها ليلة عرسها، وهي بنت اثنتي عشرة سنة ولم تعرف أحداً غيري وكنت أجيئها في كل عشرة أيام ليلة واحدة في زي رجل أعجمي. فلما تحققت أنها خانتني فقتلتها وأما أنت فلم أتحقق أنك خنتني فيها، ولكن لا بد أني إما اخليك في عافية فتمن علي أي ضرر فرحت يا سيدتي غاية الفرح وطمعت في العفريت وقلت له: وما أتمناه عليك قال تمن علي أي صورة اسحرك فيها إما صورة كلب وإما صورة حمار وإما صورة قرد فقلت له وقد طمعت أنه يعفو عني والله إن عفوت عني يعفو الله عنك، بعفوك عن رجل مسلم لم يؤذيك وتضرعت إليه غاية التضرع، وبقيت بين يديه، وقلت له أنا رجل مظلوم. فقال لي لا تطل علي الكلام أما القتل فلا تخف منه وأما العفو عنك فلا تطمع فيه وأما سحرك فلا بد منه ثم شق الأرض وطار بي إلى الجو حتى نظرت إلى الدنيا حتى كأنها قصعة ماء ثم حطني على جبل وأخذ قليلاً من التراب وهمهم عليه وتكلم وقال اخرج من هذه الصورة إلى صورة قرد. فمنذ ذلك الوقت صرت قرداً ابن مائة سنة فلما رأيت نفسي في هذه الصورة القبيحة بكيت على روحي وصبرت على جور الزمان وعلمت أن الزمان ليس لأحد وانحدرت من أعلى الجبل إلى أسفله وسافرت مدة شهر، ثم ذهبت إلى شاطئ البحر المالح، فوقفت ساعة وإذا أنا بمركب في وسط البحر قد طاب ريحها وهي قاصدة البر، فاختفيت خلف صخرة على جانب البحر وسرت إلى أن أتيت وسط المركب. فقال واحد منهم أخرجوا هذا المشؤوم من المركب، وقال واحد منهم نقتله، وقال آخر اقتله بهذا السيف فأمسكت طرف السيف وبكيت وسالت دموعي فحن علي الريس وقال لهم يا تجار إن هذا القرد استجار بي وقد أجرته وهو في جواري فلا أحد يعرض له ولا يشوش عليه، ثم أن الريس صار يحسن إلي ومهما تكلم به أفهمه وأقضي حوائجه وأخدمه في المركب. وقد طاب لها الريح مدة خمسين يوماً فرسينا على مدينة عظيمة، وفيها عالم كثير لايحصى عددهم إلا الله تعالى فساعة وصولنا أوقفنا مركبنا فجاءتنا مماليك من طرف ملك المدينة فنزلوا المركب وهنوا التجار بالسلامة وقالوا إن ملكنا يهنئكم بالسلامة وقد أرسل إليكم هذا الدرج الورق وقال كل واحد يكتب فيه سطرا فقمت وأنا في صورة القرد وخطفت الدرج من أيديهم، فخافوا أني أقطعه وأرميه في الماء فنهروني وأرادوا قتلي فأشرت لهم أني أكتب فقال لهم الريس دعوه يكتب فإن لخبط الكتابة طردناه عنا وإن أحسنها اتخذته ولداً فإني ما رأيت قرداً أفهم منه ثم أخذ القلم واستمديت الحبر وكتبت سطراً بقلم الرقاع ورقمت هذا الشعر: لقد كتب الدهر
فضل الكرام = وفضلك للآن لايحـسـب فلا أيتم الله منـك الـورى = لأنك للفضل نـعـم الأب وكتبت بقلم الثلث هذين البيتين:
وما من كاتب إلاسيفـنـى = ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بخطك غير شيء = يسرك في القيامة أن تراه وكتبت تحته بقلم المشق هذين البيتين:
إذا فتحت دواة العز والـنـعـم = فاجعل مدادك من جود ومن كرم واكتب بخير إذا ما كنت مقتـدراً = بذاك شرفت فضلاً نسبه القلـم ثم ناولتهم ذلك الدرج الورق فطلعوا به إلى الملك، فلما تأمل الملك ما في ذلك الدرج لم يعجبه خط أحد إلا خطي فقال لأصحابه توجهوا إلى صاحب هذا الخط وألبسوه هذه الحلة وأركبوه بغلة وهاتوه بالنوبة وأحضروه بين يدي فلما سمعوا كلام الملك تبسموا فغضب منهم ثم قال كيف آمركم بأمر فتضحكون علي، فقالوا أيها الملك ما نضحك على كلامك، بل الذي كتب هذا الخط قرد وليس هو آدميا وهو مع ريس المركب. فتعجب الملك من كلامهم واهتز من الطرب، وقال أريد أن أشتري هذا القرد، ثم بعث رسلا إلى المركب ومعهم البغلة والحلة وقال لابد أن تلبسوه هذه الحلة وتركبوه البغلة وتأتوا به فساروا إلى المركب وأخذوني من الريس وألبسوني الحلة فاندهش الخلائق وصاروا يتفرجون علي، فلما طلعوا بي للملك ورأيته قبلت الأرض ثلاث مرات فأمرني بالجلوس، فجلست على ركبتي. فتعجب الحاضرون من أدبي وكان الملك أكثرهم تعجبا ثم أن الملك أمر الخلق بالإنصراف فانصرفوا، ولم يبق إلا الملك والطواشي ومملوك صغير وأنا ثم أمر الملك بطعام فقدموا سفرة طعام فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فأشار إلي الملك أن كل فقمت وقبلت الأرض بين يديه سبع مرات وجلست آكل معه وقد ارتفعت السفرة وذهبت فغسلت يدي وأخذت الدواة والقلم والقرطاس وكتبت هذين البيتين:
أتاجر الضأن ترياق من العلـل = وأصحن الحلو فيها منتهى أملي يا لهف قلبي على مد السماط إذا = ماجت كنافته بالسمن والعسـل ثم قمت وجلست بعيدا أنتظر الملك إلى ما كتبته وقرأه فتعجب وقال هذا يكون عند قرد هذه الفصاحة وهذا الخط والله إن هذا من أعجب العجب ثم قدم للملك شطرنج فقال لي الملك أتلعب قلت برأسي نعم فتقدمت وصففت الشطرنج ولعبت معه مرتين فغلبته فحار عقل الملك وقال لو كان هذا آدميا لفاق أهل زمانه، ثم قال لخادمه إذهب إلى سيدتك وقل لها: كلمي الملك حتى تجيء فتتفرج على هذا القرد العجيب. فذهب الطواشي وعاد معه سيدته بنت الملك، فلما نظرت إلي غطت وجهها، وقالت يا أبي كيف طاب على خاطرك أن ترسل إلي فيراني الرجال الأجانب
فقال يابنتي ما عندك سوى المملوك الصغير والطواشي الذي رباك وهذا القرد وأنا أبوك فممن تغطين وجهك. فقالت إن هذا القرد إبن ملك وإسم أبيه إيمار، صاحب جزائر الأبنوس الداخلة وهو مسحور وسحره العفريت جرجريس الذي هو من ذرية إبليس، وقد قتل زوجته بنت ملك أقناموس وهذا الذي تزعم أنه قردا إنما هو رجل عالم عاقل. فتعجب الملك من إبنته ونظر إلي وقال: أحق ما تقول عنك فقلت برأسي نعم وبكيت فقال الملك لبنته من أين عرفت أنه مسحور فقالت: يا أبت كان عندي وأنا صغيرة عجوز ماكرة ساحرة علمتني السحر، وقد حفظته وأتقنته وعرفت مائة وسبعين بابا من أبوابه، أقل باب منها أنقل به حجارة مدينتك خلف جبل قاف وأجعلها لجة بحر وأجعل أهلها سمكا في وسطه. فقال أبوها: بحق إسم الله عليك أن تخلصي لنا هذا الشاب، حتى أجعله وزيري وهل فيك هذه الفضيلة ولم أعلم فخلصيه حتى أجعله وزيري لأنه شاب ظريف لبيب، فقالت له حبا وكرامة، ثم أخذت بيدها سكينا، وعملت دائرة، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الجزء الحادي عشر الف ليلة وليلة
لا نزال في قصة الأعجمي الثاني.. الذي كان ابن ملك وكان ذا علم.. وحكينا قصته مع الجني الذي أحاله إلى قرد.. ورأينا كيف طلبه الملك بعدما رأى خطه إذ أرسل إلى السفينة.. وأعجب الملك بالقدر ودعا ابنته لكي تراه . فذهب الطواشي وعاد معه سيدته بنت الملك، فلما نظرت إلي غطت وجهها، فقال هو ممن تغطين وجهك. فقالت إن الذي تزعم أنه قرد إنما هو رجل عالم عاقل. فتعجب الملك من إبنته ونظر إلي وقال: أحق ما تقول عنك فقلت برأسي نعم وبكيت فقال الملك لبنته من أين عرفت أنه مسحور فقالت: يا أبت كان عندي وأنا صغيرة عجوز ماكرة ساحرة علمتني السحر، وقد حفظته وأتقنته وعرفت مائة وسبعين بابا من أبوابه، أقل باب منها أنقل به حجارة مدينتك خلف جبل قاف وأجعلها لجة بحر وأجعل أهلها سمكا في وسطه. فقال أبوها: بحق إسم الله عليك أن تخلصي لنا هذا الشاب، حتى أجعله وزيري وهل فيك هذه الفضيلة ولم أعلم فخلصيه حتى أجعله وزيري لأنه شاب ظريف لبيب
وفي الليلة الخامسة عشرة
قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية يا سيدتي، ثم أن بنت الملك أخذت بيدها سكينا مكتوبا عليها أسماء عبرانية، وخطت بها دائرة في وسط وكتبت فيها أسماء وطلاسم وعزمت بكلام وقرأت كلاما، لا يفهم فبعد ساعة أظلمت علينا جهات القصر، حتى ظننا أن الدنيا قد إنطبقت علينا وإذا بالعفريت قد تدلى علينا في أقبح صفة بأيد كالمداري ورجلين كالصواري وعينين كمشعلين يوقدان نارا، ففزعنا منه. فقالت بنت الملك لا أهلا بك ولا سهلا، فقال العفريت وهو في صورة أسد يا خائنة كيف خنت اليمين أما تحالفنا على أن لا يعترض أحدنا للآخر فقالت له يا لعين ومن أين لك يمين فقال العفريت خذي ما جاءك ثم انقلب أسدا وفتح فاه وهجم على الصبية. فأسرعت وأخذت شعرة من شعرها بيدها، وهمهمت بشفتيها فصارت الشعرة سيفا ماضيا وضربت ذلك الأسد فقطعته نصفين فصارت رأسه عقربا، وانقلبت الصبية حية عظيمة وهمهمت على هذا اللعين وهو في صفة عقرب، فتقاتلا قتالا شديدا، ثم انقلب العقرب عقابا فانقلبت الحية نسرا وصارت وراء العقاب واستمرا ساعة زمانية ثم انقلب العقاب قطا أسود، فانقلبت الصبية ذئبا فتشاحنا في القصر ساعة زمانية وتقاتلا قتالا شديدا فرأى القط نفسه مغلوبا فانقلب وصار رمانة حمراء كبيرة ووقعت تلك الرمانة في بركة وانتثر الحب كل حبة وحدها وامتلأت أرض القصر حبا فانقلب ذلك الذئب ديكا لأجل أن يلتقط ذلك الحب حتى لا يترك منه حبة فبالأمر المقدر دارت حبة في جانب الفسقية فصار الديك يصيح ويرفرف بأجنحته ويشير إلينا بمنقاره ونحن لا نفهم ما يقول، ثم صرخ علينا صرخة تخيل لنا منها أن القصر قد انقلب علينا ودار في أرض القصر كلها حتى رأى الحبة التي تدارت في جانب الفسقية فانقض عليها ليلتقطها وإذا بالحبة سقطت في الماء فانقلب الديك حمارا كبيرا ونزل خلفها وغاب ساعة وإذا بنا قد سمعنا صراخا عاليا فارتجفنا. وبعد ذلك طلع العفريت وهو شعلة نار فألقى من فمه نارا ومن عينيه ومنخريه نارا ودخانا وانقلبت الصبية لجة نار فاردنا أن نغطس في ذلك الماء خوفا على أنفسنا من الحريق فما شعرنا إلا العفريت قد صرخ من تحت النيران وصار عندنا في الليوان ونفخ في وجوهنا بالنار فلحقته الصبية ونفخت في وجهه بالنار أيضا فأصابنا الشر منها ومنه، فأما شررها فلم يؤذينا وأما شرره فلحقني منه شرارة في عيني فأتلفتها وأنا في صورة القرد ولحق الملك شرارة منه في وجهه فأحرقت نصفه التحتاني بذقنه وحنكه ووقفت أسنانه التحتانية ووقعت شرارة في صدر الطواشي فاحترق ومات من وقته وساعته فأيقنا بالهلاك وقطعنا رجائنا من الحياة. فبينما نحن كذلك وإذا بقائل يقول: الله أكبر الله أكبر قد فتح ربي ونصر وخذل من كفر بدين محمد سيد البشر وإذا بالقائل بنت الملك قد أحضرت العفريت فنظرنا إليه فرأيناه قد صار كوم رماد، ثم جاءت الصبية وقالت إلحقوني بطاسة ماء فجاؤوا بها فتكلمت عليها بكلام لا نفهمه ثم رشتني بالماء وقالت أخلص بحق الحق وبحق إسم الله الأعظم إلى صورتك الأولى فصرت بشرا كما كنت أولا ولكن تلفت عيني. فقالت الصبية النار يا والدي ثم أنها لم تزل تستغيث من النار وإذا بشرر أسود قد طلع إلى صدرها وطلع إلى وجهها فلما وصل إلى وجهها بكت وقالت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. ثم نظرنا إليها فرأيناها كوم رماد بجانب كوم العفريت فحزنا عليها وتمنيت لو كنت مكانها ولا أرى ذلك الوجه المليح الذي عمل في هذا المعروف يصير رمادا ولكن حكم الله لا يرد. فلما رأى الملك أبنته صارت كوم رماد نتف لحيته ولطم على وجهه وشق ثيابه وفعلت كما فعل وبكينا عليها ثم جاء الحجاب وأرباب الدولة فوجدوا السلطان في حالة العدم وعنده كوم رماد فتعجبوا وداروا حول الملك ساعة فلما أفاق أخبرهم بما جرى لإبنته مع العفريت فعظمت مصيبتهم وصرخ النساء والجواري وعملوا العزاء سبعة أيام. ثم إن الملك أمر أن يبني على رماد ابنته قبة عظيمة وأوقد فيها الشموع والقناديل وأما رماد العفريت فإنهم أذروه في الهواء إلى لعنة الله ثم مرض السلطان مرضا أشرف منه على الموت واستمر مرضه شهرا وعادت إليه العافية فطلبني وقال لي يا فتى قد قضينا زماننا في أهنأ عيش آمنين من نوائب الزمان حتى جئنا فأقبلت علينا الأكدار فليتنا ما رأيناك ولا رأينا طلعتك القبيحة التي لسببها صرنا في حالة العدم. فأولا عدمت ابنتي التي كانت تساوي مائة رجل وثانيا جرى لي من الحريق ما جرى وعدم أضراسي ومات خادمي ولكن ما بيدك حيلة بل جرى قضاء الله علينا وعليك والحمد لله حيث خلصتك إبنتي وأهلكت نفسها، فاخرج يا ولدي من بلدي وكفى ما جرى بسببك وكل ذلك مقدر علينا وعليك، فاخرج بسلام. فخرجت يا سيدتي من عنده وما صدقت بالنجاة ولا أدري أين أتوجه، وخطر على قلبي ما جرى لي وكيف خلوني في الطريق سالما منهم ومشيت شهرا وتذكرت دخولي في المدينة واجتماعي بالخياط واجتماعي بالصبية تحت الأرض وخلاصي من العفريت بعد أن كان عازما على قتلي وتذكرت ما حصل لي من المبدأ إلى المنتهى فحمدت الله وقلت بعيني ولا بروحي ودخلت الحمام قبل أن أخرج من المدينة وحلقت ذقني وجئت يا سيدتي وفي كل يوم أبكي وأتفكر المصائب التي عاقبتها تلف عيني، وكلما أتذكر ما جرى لي أبكي وأنشد هذه الأبيات:
تحيرت والرحمن لاشك فـي أمـري = وحلت بي الأحزان من حيث لا أدري سأصبر حتى يعلم الصـبـر أنـنـي = صبرت على شيء أمر من الصبـر وما أحسن الصبر الجميل مع التقـى = وما قدر المولى على خلقه يجـري سرائر سري ترجمـان سـريرتـي = إذا مان سر السر سرك في سـري ولو أن ما بي بالجبـال لـهـدمـت = وبالنار أطفأهـا والـريح لـم يسـر ومن قال أن الـدهـر فـيه حـلاوة = فلا بد من يوم أمـر مـن الـمـر ثم سافرت الأقطار ووردت الأمصار وقصدت دار السلام بغداد لعلي أتوصل إلى أمير المؤمنين وأخبره بما جرى، فوصلت إلى بغداد هذه الليلة فوجدت أخي هذا الأول واقفا متحيرا فقلت السلام عليك وتحدثت معه وإذا بأخينا الثالث قد أقبل علينا وقال السلام عليكم أنا رجل غريب فقلنا ونحن غريبان وقد وصلنا هذه الليلة المباركة. فمشينا نحن الثلاثة وما فينا أحد يعرف حكاية أحد فساقتنا المقادير إلى هذا الباب ودخلنا عليكم وهذا سبب حلق ذقني وتلف عيني فقالت له إن كانت حكايتك غريبة فامسح على رأسك واخرج في حال سبيلك، فقال لا أخرج حتى أسمع حديث رفيقي. فتقدم الصعلوك الثالث وقال أيتها السيدة الجليلة ما قصتي مثل قصتهما بل قصتي أعجب وذلك أن هذين جاءهما القضاء والقدر وأما أنا فسبب حلق ذقني وتلف عيني أنني جلبت القضاء لنفسي والهم لقلبي وذلك أني كنت ملكا إبن ملك، ومات والدي وأخذت الملك من بعده وحكمت وعدلت وأحسنت للرعية وكان لي محبة في السفر في البحر وكانت مدينتي على البحر والبحر متسع وحولنا جزائر معدة للقتال. فأردت أن أتفرج على الجزائر فنزلت في عشرة مراكب وأخذت معي مؤونة شهر وسافرت عشرين يوما. ففي ليلة من الليالي هبت علينا رياح مختلفة إلى أن لاح الفجر فهدأ الريح وسكن البحر حتى أشرقت الشمس، ثم أننا أشرفنا على جزيرة وطلعنا إلى البر وطبخنا شيئا نأكله فأكلنا ثم أقمنا يومين وسافرنا عشرين يوما فاختلفت علينا المياه وعلى الريس استغرب الريس البحر فقلنا للناطور: انظر البحر بتأمل، فطلع على الصاري ثم نزل الناطور وقال للريس: رأيت عن يميني سمكا على وجه الماء ونظرت إلى وسط البحر فرأيت سوادا من بعيد يلوح تارة أسود وتارة أبيض. فلما سمع الريس كلام الناطور ضرب الأرض بعمامته ونتف لحيته وقال للناس ابشروا بهلاكنا جميعا ولا يسلم منا أحد، وشرع يبكي وكذلك نحن الجميع نبكي على أنفسنا فقلت أيها الريس أخبرنا بما رأى الناطور فقال يا سيدي أعلم أننا تهنا يوم جاءت علينا الرياح المختلفة ولم يهدأ الريح إلا بكرة النهار ثم أقمنا يومين فتهنا في البحر ولم نزل تائهين أحد عشر يوما من تلك الليلة وليس لنا ريح يرجعنا إلى ما نحن قاصدون آخر النهار وفي غد نصل إلى جبل من حجر أسود يسمى حجر المغناطيس ويجرنا المياه غصبا إلى جهته. فيتمزق المركب ويروح كل مسمار في المركب إلى الجبل ويلتصق به لان الله وضع في حجر المغناطيس سرا وهو أن جميع الحديد يذهب إليه وفي ذلك الجبل حديد كثير لا يعلمه إلا الله تعالى حتى أنه تكسر من قديم الزمان مراكب كثيرة بسبب ذلك الجبل ويلي ذلك البحر قبة من النحاس الأصفر معمودة على عشرة أعمدة وفوق القبة فارس على فرس من نحاس وفي يد ذلك الفارس رمح من النحاس ومعلق في صدر الفارس لوح من رصاص منقوش عليه أسماء وطلاسم فيها أيها الملك ما دام هذا الفارس راكبا على هذه الفرس تنكسر المراكب التي تفوت من تحته ويهلك ركابها جميعا ويلتصق جميع الحديد الذي في المركب بالجبل وما الخلاص إلا إذا وقع هذا الفارس من فوق تلك الفرس ثم إن الريس يا سيدتي بكى بكاء شديد فتحققنا أننا هالكون لا محالة وكل منا ودع صاحبه. فلما جاء الصباح قربنا من تلك الجبل وساقتنا المياه إليه غصبا، فلما صارت المياه تحته انفتحت وفرت المسامير منها وكل حديد فيها نحو حجر المغناطيس ونحن دائرون حوله في آخر النهار وتمزقت المراكب فمنا من غرق ومنا من سلم ولكن أكثرنا غرق والذين سلموا لم يعلموا ببعضهم لأن تلك الأمواج واختلاف الرياح أدهشتهم. وأما أنا يا سيدتي فنجاني الله تعالى لما أراده من مشقتي وعذابي وبلوتي، فطلعت على لوح من الألواح فألقاه الريح والموج إلى جبل فأصبت طريقا متطرفا إلى أعلاه على هيئة السلالم منقورة في الجبل فسميت الله تعالى وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75521 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الف ليلة و ليلة السبت 04 مايو 2013, 11:17 am | |
|
الجزء الثاني عشر الف ليلة وليلة
حكينا عن الأعجمي الثالث الذي خرج في رحلة فهاج بهم البحر وماج إلى أن انتهى إلى الجبل وأما أنا يا سيدتي فنجاني الله تعالى لما أراده من مشقتي وعذابي وبلوتي، فطلعت على لوح من الألواح فألقاه الريح والموج إلى جبل فأصبت طريقا متطرفا إلى أعلاه على هيئة السلالم منقورة في الجبل فسميت الله تعالى...
وفي الليلة السادسة عشرة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثالث قال للصبية والجماعة مكتفون والعبيد واقفين بالسيوف على رؤوسهم، ثم أني سميت الله ودعوته وابتهلت إليه وحاولت الطلوع على الجبل وصرت أتمسك بالنقر التي فيه حتى أسكن الله الريح في تلك الساعة وأعانني على الطلوع فطلعت سالما على الجبل وفرحت بسلامتي غاية الفرح ولم يكن لي دأب إلا القبة فدخلتها وصليت فيها ركعتين شكرا لله على سلامتي ثم إني نمت تحت القبة. فسمعت قائلا يقول يا ابن خصيب إذا انتهيت من منامك، فاحفر تحت رجليك قوسا من نحاس وثلاث نشابات من رصاص منقوشا عليها طلاسم فخذ القوس والنشابات وارم للفارس الذي على القبة وارح الناس من هذا البلاء العظيم فإذا رميت الفارس يقع في البحر ويقع القوس من يدك فخذ القوس، وادفنه في موضعه. فإذا فعلت ذلك يطفو البحر ويعلو حتى يساوي الجبل، ويطلع عليه زورق فيه شخص غير الذي رميته فيجيء عليه وفي يده مجذاف فاركب معه ولا تسم الله تعالى فإنه يحملك ويسافر بك مدة عشرة أيام إلى أن يوصلك إلى بلدك وهذا غنما يتم لك إن لم تسم الله. ثم استيقظت من نومي، وقمت بنشاط وقصدت الماء، كما قال الهاتف وضربت الفارس فرميته فوقع في البحر ووقع القوس من يدي فأخذت القوس ودفنته فهاج البحر وعلا حتى ساوى الجبل الذي أنا عليه فلم ألبث غير ساعة حتى رأيت زورقا في وسط البحر يقصدني فحمدت الله تعالى فلما وصل إلي الزورق وجدت فيه شخصا من النحاس صدره لوح من الرصاص، منقوش بأسماء وطلاسم. فنزلت في الزورق وأنا ساكت لا أتكلم فحملني الشخص أول يوم والثاني والثالث إلى تمام عشرة أيام حتى جزائر السلامة ففرحت فرحا عظيما ومن شدة فرحي ذكرت الله وسميت وهللت وكبرت فلما فعلت ذلك قذفني من الزورق في البحر ثم رجع في البحر وكنت أعرف العوم فعمت ذلك اليوم إلى الليل حتى كلت سواعدي وتعبت أكتافي وصرت في الهلكات ثم تشهدت وأيقنت بالموت وهاج البحر من كثرة الرياح فجاءت موجة كالقلعة العظيمة، فحملتني وقذفتني قذفة صرت بها فوق البر، لما يريد الله فطلعت البر وعصرت ثيابي ونشفتها على الأرض وبت. فلما أصبحت لبست ثيابي وقمت أنظر أين أمشي فوجدت غوطة فجئتها ودرت حولها فوجدت الموضع الذي فيه جزيرة صغيرة، والبحر محيط بها
فقلت في نفسي كلما أخلص من بلية أقع في أعظم منها فبينما أنا متفكر في أمري أتمنى الموت إذ نظرت مركبا فيها ناس. فقمت وطلعت على شجرة وإذا بالمركب التصقت بالبر وطلع منها عشرة عبيد معهم مساحي فمشوا حتى وصلوا إلى وسط الجزيرة وحفروا في الأرض وكشفوا عن طابق فرفعوا الطابق وفتحوا بابه ثم عادوا إلى المركب ونقلوا منها خبزا ودقيقا وسمناً وعسلاً وأغناماً وجميع ما يحتاج إليه الساكن وصار العبيد مترددين بين المركب وباب الطابق وهم يحولون من المركب وينزلون في الطابق إلى أن نقلوا جميع ما في المركب. ثم بعد ذلك طلع العبيد ومعهم ثياب أحسن ما يكون وفي وسطهم، شيخ كبير هرم قد عمر زمنا طويلا وأضعفه الدهر، حتى صار فانيا ويد ذلك الشيخ في يد صبي قد أفرغ في قالب الجمال وألبس حلة الكمال حتى أنه يضرب بحسنه الأمثال وهو كالقضيب الرطب يسحر كل قلب بجماله ويسلب كل لب بكماله فلم يزالوا يا سيدتي سائرين حتى أتوا إلى الطابق ونزلوا فيه، وغابوا عن عيني. فلما توجهوا قمت ونزلت من فوق الشجرة ومشيت إلى موضع الردم، ونبشت التراب ونقلته وصبرت نفسي حتى أزلت جميع التراب فانكشف الطابق فإذا هو خشب مقدار حجر الطاحون فرفعته فبان من تحته سلم معقود من حجر فتعجبت من ذلك ونزلت السلم حتى إنتهيت إلى آخره فوجدت شيئا نظيفا ووجدت بستانا وثانيا إلى تمام تسعة وثلاثين وكل بستان أرى فيه ما يكل عنه الواصفون من أشجار وأنهار وأثمار وذخائر. ورأيت بابا فقلت في نفسي ما الذي في هذا المكان، فلابد أن أفتحه وأنظر ما فيه ثم فتحته فوجدت فيه فرسا مسرجا ملحما مربوطا ففككته وركبته فطار بي إلى حطني على سطح وأنزلني وضربني بذيله فأتلف عيني وفر مني فنزلت من فوق السطح فوجدت عشرة شبان عور فلما رأوني قالوا لا مرحبا بك، فقلت لهم: أتقبلوني أجلس عندكم. فقالوا والله لا تجلس عندنا فخرجت من عندهم حزين القلب باكي العين، وكتب الله لي السلامة حتى وصلت إلى بغداد فحلقت ذقني وصرت صعلوكا فوجدت هذين الإثنين العورين فسلمت عليهما وقلت لهما أنا غريب، فقالا ونحن غريبان فهذا سبب تلف عيني، وحلق ذقني، فقالت له أمسح على رأسك وروح فقال: لا أروح حتى أسمع قصة هؤلاء. ثم أن الصبية التفتت إلى الخليفة وجعفر ومسرور وقالت لهم أخبروني بخبركم، فتقدم جعفر وحكى لها الحكاية التي قالها للبوابة عند دخولهم فلما سمعت كلامه قالت وهبت بعضكم لبعض فخرجوا إلى أن صاروا في الزقاق فقال الخليفة للصعاليك يا جماعة إلى أين تذهبون فقالوا ما ندري أين نذهب فقال لهم الخليفة سيروا وبيتوا عندنا وقال لجعفر خذهم واحضرهم لي غدا، حتى ننظر ما يكون، فامتثل جعفر ما أمره به الخليفة. ثم أن الخليفة طلع إلى قصره ولم يجئه نوم في تلك الليلة فلما اصبح جلس على كرسي المملكة ودخلت عليه أرباب الدولة، فالتفت إلى جعفر بعد أن طلعت أرباب الدولة وقال ائتني بالثلاث صبايا والكلبتين والصعاليك، فنهض جعفر وأحضرهم بين يديه فأدخل الصبايا تحت الأسنار. والتفت لهن جعفر وقال لهن قد عفونا عنكن لما أسلفتن من الإحسان إلينا ولم تعرفنا فها أنا أعرفكن وأنتن بين يدي الخامس من بني العباس هارون الرشيد، فلا تخبرنه إلا حقا فلما سمع الصبايا كلام جعفر، عن لسان أمير المؤمنين تقدمت الكبيرة وقالت يا أمير المؤمنين أن لي حديثا لو كتب بالإبر على آماق البصر لكان عبرة لمن اعتبر وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الجزء الثالث عشر
لا نزال في قصة الفتيات اللواتي أدخلن الرجال السبعة إلى منزلهن ورأوا منهن العجب.. فلما أتى اليوم التالي طلب الخليفة من وزيره أن تمثل الفتيات بين يديه ليسألهن عما رأى من أمرهن والتفت لهن جعفر وقال لهن قد عفونا عنكن لما أسلفتن من الإحسان إلينا ولم تعرفنا فها أنا أعرفكن وأنتن بين يدي الخامس من بني العباس هارون الرشيد، فلا تخبرنه إلا حقا فلما سمع الصبايا كلام جعفر، عن لسان أمير المؤمنين تقدمت الكبيرة وقالت يا أمير المؤمنين أن لي حديثا لو كتب بالإبر على آماق البصر لكان عبرة لمن اعتبر
وفي الليلة السابعة عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن كبيرة الصبايا، لما تقدمت بين يدي أمير المؤمنين وقالت إن لي حديثا عجيبا وهو أن هاتين الصبيتين أختاي من أبي من غير أمي فمات والدنا وخلف خمسة آلاف دينار وكنت أنا اصغرهن سنا فتجهزت أختاي وتزوجت كل واحدة برجل ومكثنا مدة ثم إن كل واحد من أزواجهما هيأ متجرا واخذ من زوجته ألف دينار وسافروا مع بعضهم، وتركوني فغابوا أربع سنين وضيع زوجاهما المال، وخسرا وتركاهما في بلاد الناس فجاءاني في هيئة الشحاتين. فلما رأيتهما ذهلت عنهما ولم أعرفهما ثم إني لما عرفتهما، قلت لهما: ما هذا الحال، فقالتا يا أختاه إن الكلام لا يفيد الآن، وقد جرى القلم بما حكم الله فأرسلتهما إلى الحمام وألبست كل واحدة حلة وقلت لهما يا أختي أنتما الكبيرة وأنا الصغيرة وأنتم عوض عن أبي وأمي والإرث الذي ناسي معكما قد جعل الله فيه البركة فكلا من زكاته وأحوالي جليلة وأنا وأنتما سواء وأحسنت إليهما غاية الإحسان فمكثا عندي مدة سنة كاملة وصار لهما مال من مالي فقالتا لي أن الزواج خير لنا وليس لنا صبر عنه. فقلت لهما يا أختي لم تريا في الزواج خيرا فإن الرجل الجيد قليل في هذا الزمان وقد اخترتما الزواج فلم يقبلا كلامي، وتزوجا بغير رضاي فزوجتهما من مالي وسترتهما ومضتا مع زوجيهما فأقاما مدة يسيرة ولعب عليهما زوجهما وأخذ ما كان معهما وسافرا وتركاهما فجاءتا عندي وهما عريانتين واعتذرتا وقالتا لا تؤاخذينا، فأنت أصغر منا سنا وأكمل عقلا، وما بقينا نذكر الزواج أبدا. فقلت مرحبا بكما يا أختي ما عندي أعز منكما وقبلتهما وزدتهما إكراما ولم تزل على هذه الحالة سنة كاملة فأردت أن أجهز لي مركبا إلى البصرة، فجهزت مركبا كبيرة وحملت فيها البضائع والمتاجر وما أحتاج إليه في المركب وقلت يا أختي هل لكما أن تقعدوا في المنزل حتى أسافر وأرجع أو تسافرا معي، فقالتا تسافر معك فإنا لا نطيق فراقك فأخذتهما وسافرنا، وكنت قسمت مالي نصفين فأخذت النصف وخبأت النصف الثاني وقلت ربما يصيب المركب شيء ويكون في العمر مدة فإذا رجعنا نجد شيئا ينفعنا. ولم نزل مسافرين أياما وليالي، فتاهت بنا المركب وغفل الريس عن الطريق ودخلت المركب بحرا غير البحر الذي نريده ولم نعلم بذلك مدة، وطاب لنا الريح عشرة أيام فلاحت لنا مدينة على بعد فقلنا للريس ما إسم هذه المدينة التي أشرفنا عليها فقال والله لا أعلم ولا رأيتها قط، ولا سلكت عمري هذا البحر، ولكن جاء الأمر بسلامة فما بقي إلا أن تدخلوا هذه المدينة وتخرجوا بضائعكم فإن حصل لكم بيع فبيعوا وغاب ساعة. ثم جاءنا وقال قوموا إلى المدينة وتعجبوا من صنع الله في خلقه واستعيذوا من سخطه فطلعنا المدينة فوجدنا كل من فيها مسخوطا حجارة سوداء، فاندهشنا من ذلك ومشينا في الأسواق فوجدنا البضائع باقية والذهب والفضة باقيين على حالهما ففرحنا وقلنا لعل هذا يكون له أمر عجيب،وتفرقنا في شوارع المدينة وكل واحد اشتغل عن رفيقه بما فيها من المال والقماش . وأما أنا فطلعت إلى القلعة فوجدتها محكمة فدخلت قصر الملك فوجدت فيه جميع الأواني من الذهب والفضة ثم رأيت الملك جالسا وعنده حجابه ونوابه ووزرائه وعليه من الملابس شيء يتحير فيه الفكر فلما قربت من الملك وجدته جالسا على كرسي مرصع بالدر والجواهر فيه كل درة تضيء كالنجمة وعليه حلة مزركشة بالذهب وواقفا حوله خمسون مملوكا بين أنواع الحرير، وفي أيديهم السيوف مجردة. فلما نظرت لذلك دهش عقلي ثم مشيت ودخلت قاعة الحريم، فوجدت في حيطانها ستائر من الحرير ووجدت الملكة عليها حلة مزركشة بالؤلؤ الرطب وعلى رأسها تاج مكلل بأنواع الجواهر وفي عنقها قلائد وعقودا وجميع ما عليها من الملبوس والمصاغ باق على حاله وهي ممسوخة حجر أسود ووجدت بابا مفتوحا فدخلته ووجدت فيه سلما بسبع درج فصعدته، فرأيت مكانا مرخما مفروشا بالبسط المذهبة ووجدت فيه سرير من المرمر مرصعا بالدر والجواهر ونظرت نورا لامعا في جهة فقصدتها فوجدت فيها جوهرة مضيئة قدر بيض النعامة على كرسي صغير، وهي تضيء كالشمعة، ونورها ساطع ومفروش على ذلك السرير من أنواع الحرير ما يحير الناظر. فلما نظرت إلى ذلك تعجبت ورأيت في ذلك المكان شموعا موقدة فقلت في نفسي لابد أن أحدا أوقد هذه الشموع، ثم إني مشيت حتى دخلت موضعا غيره وصرت أفتش في تلك الأماكن ونسيت نفسي مما أدهشني من التعجب من تلك الأحوال، واستغرق فكري إلى أن دخل الليل فأردت الخروج فلم أعرف الباب وتهت عنه فعدت إلى الجهة التي فيها الشموع الموقدة وجلست على السرير وتغطيت بلحاف بعد أن قرأت شيئا من القرآن وأوردة النوم فلم أستطع ولحقني القلق. فلما انتصف الليل سمعت تلاوة القرآن بصوت حسن رقيق فالتفت إلى مخدع فرأيت بابه مفتوحا فدخلت الباب ونظرت المكان فإذا هو معبد وفيه قناديل معلقة موقدة وفيه سجادة مفروشة جالس عليها شاب حسن المنظر فتعجبت كيف هو سالم دون أهل المدينة فدخلت وسلمت عليه فرفع بصره ورد علي السلام فقلت له أسألك بحق ما تتلوه من كتاب الله أن تجيبني عن سؤالي. فتبسم وقال أخبرني عن سبب دخولك هذا المكان وأنا أخبرك بجواب ما تسألينه عنه فأخبرته بخبري فتعجب من ذلك، ثم إنني سألته عن خبر هذه المدينة فقال أمهليني ثم طبق المصحف وادخله كيس من الأطلس وأجلسني بجنبه فنظرت إليه فإذا هو كالبدر حسن الأوصاف لين الأعطاف بهي المنظر رشيق القد أسيل الخد زهي الجنات كأنه المقصود من هذه الأبيات:
رصد النجم ليلـه فـبـدا لـه = قد المليح يمـيس فـي بـرديه وأمـد زحـل ســواد ذوائب = والمسك هادي الخال في خديه وغدت من المربح حمرة خـده = والقوس يرمي النبل من جفنيه وعطارد أعطاه فـرط ذكـائه = وأبى السها نظر الوشـاة إلـيه فغدا المنجم حائرا مـمـا أرى = والأرض باس الأرض بين يديه فنظرت له نظرة أعقبتني ألف حسرة وأوقدت بقلبي كل جمرة فقلت له يا مولاي أخبرني عما سألتك فقال سمعا وطاعة. أعلمي أن هذه المدينة مدينة والدي وجميع أهله وقومه وهو الملك الذي رأيته على الكرسي ممسوخا حجرا وأما الملكة التي رأيتها فهي أمي وقد كانوا مجوسا يعبدون النار دون الملك الجبار وكانوا يقسمون بالنار والنور والظل والخرور والفلك الذي يدور وكان أبي ليس له ولد فرزق بي في آخر عمره فرباني حتى نشأت وقد سبقت لي السعادة، وكان عندنا عجوز طاعنة في السن مسلمة تؤمن بالله ورسوله في الباطن وتوافق أهلي في الظاهر وكان أبي يعتقد فيها لما يرى عليها من الأمانة والعفة وكان يكرمها ويزيد في إكرامها وكان يعتقد أنها على دينه. فلما كبرت سلمني أبي إليها وقال: خذيه وربيه وعلميه أحوال ديننا وأحسني تربيته وقومي بخدمته فأخذتني العجوز وعلمتني دين الإسلام من الطهارة والوضوء والصلاة وحفظتني القرآن فلما أتمت ذلك قالت لي يا ولدي أكتم هذا الأمر عن أبيك ولا تعلمه به لئلا يقتلك فكتمته عنه ولم أزل على هذا الحال مدة أيام قلائل وقد ماتت العجوز وزاد أهل المدينة في كفرهم وعتوهم وضلالهم. فبينما هم على ما هم فيه إذ سمعوا مناديا ينادي بأعلى صوته مثل الرعد القاصف سمعه القريب والبعيد يقول يا أهل المدينة أرجعوا عن عبادة النار واعبدوا الملك الجبار فحصل عند أهل المدينة فزع واجتمعوا عند أبي وهو ملك المدينة وقالوا له: ما هذا الصوت المزعج الذي سمعناه فاندهشنا من شدة هوله فقال لهم لايهولنكم الصوت ولا يردعنكم عن دينكم. فمالت قلوبهم إلى قول أبي ولم يزالوا مكبين على عبادة النار واستمروا على طغيانهم مدة سنة حتى جاء ميعاد ما سمعوا الصوت الأول فظهر لهم ثانيا فسمعوا ثلاث مرات على ثلاث سنين في كل سنة مرة فلم يزالوا عاكفين على ما هم عليه حتى نزل عليهم المقت والسخط من السماء بعد طلوع الفجر، فمسخوا حجارة سودا وكذلك دوابهم وأنعامهم ولم يسلم من أهل هذه المدينة غيري، ومن يوم ما جرت هذه الحادثة وأنا على هذه الحالة في صلاة وصيام وتلاوة قرآن وقد يئست من الوحدة وما عندي من يؤنسني. فعند ذلك قلت له أيها الشاب هل لك أن تروح معي إلى مدينة بغداد وتنظر إلى العلماء وإلى الفقهاء فتزداد علما وفقها وأكون أنا جاريتك مع إني سيدة قومي وحاكمة على رجال وخدم وغلمان وعندي مركب مشحون بالمتجر وقد رمتنا المقادير على هذه المدينة حتى كان ذلك سببا في إطلاعنا على هذه الأمور وكان النصيب في إجتماعنا ولم أزل أرغبه في التوجه حتى أجابني إليه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الجزء الرابع عشر
نحن في قصة الصبية الأولى.. اذ حكت قصتها مع اختبها وفي المدينة التي وصل المركب إليها.. وهناك رأوا منظرا عجيبا... من حجارة....
في الليلة الثامنة عشرة
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية ما زالت تحسن للشاب التوجه معها حتى غلب عليها النوم فنامت تلك الليلة تحت رجليه وهي لا تصدق بما هي فيه من الفرح ثم قالت فلما أصبح الصباح قمنا ودخلنا إلى الخزائن وأخذنا ما خف حمله وغلا ثمنه ونزلنا من القلعة إلى المدينة فقابلنا العبيد والريس وهم يفتشون علي فلما رأوني فرحوا بي وسألوني عن سبب غيابي فأخبرتهم بما رأيت وحكيت لهم قصة الشاب وسبب مسخ أهل هذه المدينة وما جرى لهم فتعجبوا من ذلك. فلما رأتني أختاي ومعي ذلك الشاب حسدتاني عليه وصارتا في غيظ وأضمرتا المكر لي. ثم نزلنا المركب وأنا بغاية الفرح وأكثر فرحي بصحبة هذا الشاب وأقمنا ننتظر الريح حتى طابت لنا الريح فنشرنا القلوع وسافرنا فقعدت أختاي عندنا وصارت تتحدثان فقالتا لي يا أختاه ما تصنعين بهذا الشاب الحسن فقلت لهما قصدي أن اتخذه بعلا، ثم التفت إليه وأقبلت عليه وقلت يا سيدي أنا أقصد أن أقول لك شيئا فلا تخالفني فيه. فقال سمعا وطاعة. ثم التفت إلى أختاي وقلت لهما يكفيني هذا الشاب وجميع هذه الأموال لكما فقالتا نعم ما فعلت ولكنهما أضمرتا لي الشر ولم نزل سائرين مع اعتدال الريح حتى خرجنا من بحر الخوف ودخلنا بحر الأمان وسافرنا أياما قلائل إلى أن قربنا من مدينة البصرة ولاحت لنا أبنيتها، فأدركنا المساء فلما أخذنا النوم قامت أختاي وحملتاني أنا والغلام ورمتانا في البحر، فأما الشاب فإنه كان لا يحسن العوم فغرق وكتبه الله من الشهداء. وأما أنا فكنت من السالمين، فلما سقطت في البحر رزقني الله بقطعة من خشب فركبتها وضربتني الأمواج إلى أن رمتني على ساحل جزيرة فلم أزل أمشي في الجزيرة باقي ليلتي فلما أصبح الصباح رأيت طريقا فيه أثر مشي على قدر ابن آدم وتلك الطريق متصلة من الجزيرة إلى البر وقد طلعت الشمس فنشفت ثيابي فيها وسرت في الطريق ولم أزل سائرة إلى أن قربت من البر الذي فيه المدينة وإذا بحية تقصدني وخلفها ثعبان يريد هلاكها وقد تدلى لسانها من شدة التعب. فأخذتني الشفقة عليها فقعدت إلى حجر وألقيته على رأس الثعبان فمات من وقته فنشرت الحية جناحين وصارت في الجو فتعجبت من ذلك وقد تعبت فنمت في موضعي ساعة، فلما أفقت وجدت تحت رجلي جارية وهي تكبس رجلي فجلست واستحيت منها وقلت لها من أنت وما شانك فقالت ما أسرع ما نسيتني أنت التي فعلت معي الجميل وقتلت عدوي، فإني الحية التي خلصتيني من الثعبان جني وهو عدوي وما نجاني منه إلا أنت. فلما نجيتني منه طرت في الريح وذهبت إلى المركب التي رماك منها أختاك ونقلت جميع ما فيها إلى بيتك وأحرقتها وأما أختاك فإني سحرتهما كلبتين من الكلاب السود، فإني عرفت جميع ما جرى لك معهما، وأما الشاب فإنه غرق ثم حملتني أنا والكلبتين والقتنا فوق سطح داري فرأيت جميع ما كان في المركب من الأموال في وسط بيتي ولم يضع منه شيء، ثم أن الحية قالت لي وحق النقش الذي على خاتم سليمان إذا لم تضربي كل واحدة منها في كل يوم ثلاثمائة سوط لآتين أجعلك مثلهما فقلت سمعا وطاعة. فلم أزل يا أمير المؤمنين أضربها ذلك الضرب وأشفق عليهما، فتعجب الخليفة من ذلك ثم قال للصبية الثانية: وأنت ما سبب الضرب الذي على جسدك فقالت: يا أمير المؤمنين إني كان لي والد مات وخلف مالا كثيرا، فأقمت بعده مدة يسيرة وتزوجت برجل اسعد أهل زمانه فأقمت معه سنة كاملة ومات فورثت منه ثمانين ألف دينار، فبينما أنا جالسة في يوم من الأيام إذ دخلت علي عجوز بوجه مسقوط وحاجب ممغوط وعيونها مفجرة وأسنانها مكسرة ومخاطها سائل وعنقها مائل كما قال فيها الشاعر:
عجوز النحس إبليس يراها = تعلمه الخديعة من سكوت تقود من السياسة ألف بغل = إذا انفردوا بخيط العنكبوت فلما دخلت العجوز علمت علي وقالت أن عندي بنتا يتيمة والليلة عملت عرسها وأنا قصدي لك الأجر والثواب فاحضري عرسها فأنها مكسورة الخاطر ليس لها إلا الله تعالى ثم بكت وقبلت رجلي فأخذتني الرحمة والرأفة فقلت سمعا وطاعة فقالت جهزي نفسك فإني وقت العشاء أجي وآخذك ثم قبلت يدي وذهبت فقمت وهيأت نفسي وجهزت حالي وإذا بالعجوز قد أقبلت وقالت يا سيدتي أن سيدات البلد قد حضرن وأخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك، فقمت وتهيأت وأخذت جواري معي وسرت حتى أتينا إلى زقاق هب فيه النسيم وراق فرأينا بوابة مقنطرة قبة من الرخام مشيدة البنيان وفي داخلها قصر قد قام من التراب وتعلق بالسحاب فلما وصلنا إلى الباب طرقته العجوز ففتح لنا ودخلنا فوجدنا دهليزا مفروشا بالبسط معلقا فيه قناديل موقدة وشموع مضيئة وفيه الجواهر والمعادن معلقة فمشينا في الدهليز إلى أن دخلنا القاعة فلم يوجد لها نظير مفروشة بالفراش الحرير معلقا فيها القناديل الموقدة والشموع المضيئة وفي صدر القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر وعليه ناموسية من الأطلس وإذا بصبية خرجت من الناموسية مثل القمر فقالت لي مرحبا وأهلا وسهلا يا أختي آنستيني وجبرت خاطري وأنشدت تقول:
لو تعلم الدار من زارها فرحـت = واستبشرت ثم باست موضع القدم وأعلنت بلسـان الـحـال قـائلة = أهلا وسهلا بأهل الجود والكرم ثم جلست وقالت يا أختي أن لي أخا وقد رآك في الأفراح وهو شاب احسن مني وقد أحبك قلبه حبا شديدا وأعطى هذه العجوز دراهم حتى أتتك وعملت الحيلة لأجل اجتماعه بك ويريد أخي أن يتزوجك بسنة الله ورسوله وما في الحلال من عيب فلما سمعت كلامها ورأيت نفسي قد انحجزت في الدار فقلت للصبية سمعا وطاعة ففرحت وصفقت بيدها وفتحت بابا، فخرج منه شاب مثل القمر كما قال الشاعر:
قد زاد حسنا تبارك الـلـه = جل الذي صاغـه وسـواه قد حاز كل الجمال منفـردا = كل الورى في جماله تهواه فلما نظرت إليه مال قلبي له ثم جاء وجلس وإذا بالقاضي قد دخل ومعه أربعة شهود فسلموا وجلسوا، ثم أنهم كتبوا كتابي على ذلك الشاب وانصرفوا فالتفت الشاب إلي وقال ليلتنا مباركة ثم قال يا سيدتي أني شارط عليك شرطا فقلت يا سيدي وما الشرط فقام وأحضر لي مصحفا وقال احلفي لي أنك لا تختاري أحدا غيري ولا تميلي إليه فحلفت له على ذلك ففرح فرحا شديدا وعانقني فأخذت محبته بمجامح قلبي وقدموا لنا السماط فأكلنا وشربنا حتى اكتفينا فدخل علينا الليل. فأخذني ونام معي على الفراش وبتنا في عناق إلى الصباح، ولم نزل على هذه الحالة مدة شهر، ونحن في هناء وسرور وبعد الشهر استأذنته في أن أسير إلى السوق وأشتري بعض قماش فأذن لي في الرواح، فلبست ثيابي وأخذت العجوز معي ونزلت في السوق فجلست على دكان تاجر تعرفه العجوز وقالت لي هذا ولد صغير مات أبوه وخلف مالا كثيرا ثم قالت له هات أعز ما عندك من القماش لهذه الصبية. فقال لها سمعا وطاعة فصارت العجوز تثني عليه فقلت ما لنا حاجة بثنائك عليه لأن مرادنا أن نأخذ حاجتنا منه ونعود إلى منزلنا فأخرج لنا ما طلبناه وأعطيناه الدراهم فأبى أن يأخذ شيئا وقال هذه ضيافتكما اليوم عندي فقلت للعجوز إن لم يأخذ الدراهم أعطه قماشه. فقال: والله لا آخذ شيئا والجميع هدية من عندي في قبلة واحدة فإنها عندي أحسن من ما في دكاني. فقالت العجوز ما الذي يفيدك من القبلة ثم قالت يا بنتي قد سمعت ما قال هذا الشاب وما يصيبك شيء اخذ منك قبلة وتأخذين ما تطلبينه فقلت لها أما تعرفين أني حالفة فقالت دعيه يقبلك وأنت ساكتة ولا عليك شيء وتأخذين هذه الدراهم ولازالت تحسن لي الأمر حتى أدخلت رأسي في الجراب ورضيت بذلك ثم إني غطيت عيني وداريت بطرف إزاري من الناس وحط فمه تحت إزاري على خدي فما أن قبلني حتى عضني عضة قوية، حتى قطع اللحم من خدي فغشي علي ثم آخذتني العجوز في حضنها. فلما أفقت وجدت الدكان مقفولة والعجوز تظهر لي الحزن، وتقول ما دفع الله كان أعظم ثم قالت لي قومي بنا إلى البيت وأعملي نفسك ضعيفة وأنا أجيء إليك بدواء تداوين به هذه العضة فتبرئين سريعا فبعد ساعة قمت من مكاني وأنا في غاية الفكر واشتداد الخوف، فمشيت حتى وصلت إلى البيت وأظهرت حالة المرض وإذا بزوجي داخل وقال ما الذي أصابك يا سيدتي في هذا الخروج فقلت له ما انا طيبة فنظر إلي وقال لي ما هذا الجرح الذي بخدك وهو في المكان الناعم. فقلت لما استأذنتك وخرجت في هذا النهار لأشتري القماش زاحمني جمل حامل حطبا فشرط نقابي وجرح خدي كما ترى فإن الطريق ضيق في هذه المدينة فقال غدا أروح للحاكم وأشكوا له فيشنق كل حطاب في المدينة فقلت بالله عليك لا تتحمل خطيئة أحد فإني ركبت حمارا نفر بي فوقعت على الأرض فصادفني عود فخدش خدي وجرحني، فقال غدا أطلع لجعفر البرمكي وأحكي له الحكاية فيقتل كل حمار في هذه المدينة فقلت هل أنت تقتل الناس كلهم بسببي وهذا الذي جرى لي بقضاء الله وقدره. فقال لابد من ذلك وشدد علي ونهض قائما وصاح صيحة عظيمة فانفتح الباب وطلع منه سبعة عبيد سود فسحبوني من فراشي ورموني في وسط الدار ثم أمر عبدا منهم أن يمسكني من أكتافي، ويجلس على رأسي وأمر الثاني أن يجلس على ركبتي ويمسك رجلي وجاء الثالث وفي يده سيف فقال يا سيدي أضربها بالسيف فأقسمها نصفين وكل واحد يأخذ قطعة يرميها في بحر الدجلة فيأكلها السمك وهذا جزاء من يخون الإيمان المودة وأنشد هذا الشعر:
إذا كان لي فيمن أحب مـشـارك = منعت الهوى روحي ليتلفني وجدي وقلت لها يا نفس موتـي كـريهة = فلا خير في حب يكون مع الضد ثم قال للعبد اضربها يا سعد فجرد السيف وقال اذكري الشهادة وتذكري ما كان لك من الحوائج واوصي ثم رفعت رأسي ونظرت إلى حالي وكيف صرت في الذل بعد العجز فجرت عبرتي وبكيت أنشدت هذه الأبيات:
أقمتم فؤادي في الهوى وقعدتـم = واسهرتم جفني القريح ونمـتـم ومنزلكم بين الفؤاد ونـاظـري = فلا القلب يسلوكم ولا الدمع يكتم وعاهدتموني أن تقيموا على الوفا = فلما تملكتم فـؤادي غـدرتـم ولم ترحموا وجدي بكم وتلهفـي = أأنتم صروف الحادثات أمنـتـم سألتكم بالله أن مت فاكتبـوا = على لوح قبري أن هذا متيم لعل شجيا عارفا لوعة الهوى = يمر على قبر المحب فيرحم فلما فرغت من شعري بكيت فلما سمع الشعر ونظر إلى بكائي أزداد غيظا على غيظه وأنشد هذين البيتين:
تركت حبيب القلب لاعن ملانة = ولكن جنى ذنبا يؤدي إلى الترك إذا ارى شريكا في المحبة بيننـا = وإيمان قلبي لا يميل إلى الشرك فلما فرغ من شعره بكيت واستعطفته، وإذا بالعجوز قد دخلت ورمت نفسها على أقدام الشاب وقبلتها وقالت يا ولدي بحق تربيتي لك تعفوا عن هذه الصبية فإنها ما فعلت ذنبا يوجب ذلك وأنت شاب صغير فأخاف عليك من دعائها ثم بكت العجوز، ولم تزل تلح عليه حتى قال عفوت عنها، ولكن لابد لي أن أعمل فيها أثرا يظهر عليها بقية عمرها، ثم أمر العبيد فجذبوني من ثيابي وأحضر قضيبا من سفرجل ونزل به على جسدي بالضرب، ولم يزل يضربني ذلك الشاب على ظهري وجنبي حتى غبت عن الدنيا من شدة الضرب وقد يئست من حياتي ثم أمر العبيد أنه إذا دخل الليل يحملونني ويأخذون العجوز معهم ويرمونني في بيتي الذي كنت فيه سابقا. ففعلوا ما أمرهم به سيدهم ورموني في بيتي، فتعاهدت نفسي وتداويت فلما شفيت بقيت أضلاعي كأنها مضروبة بالمقارع، كما ترى فاستمريت في مداواة نفسي أربعة أشهر حتى شفيت، ثم جئت إلى الدار التي جرت لي فيها ذلك الأمر فوجدتها خربة ووجدت الزقاق مهد وما من أوله إلى آخره ووجدت في موقع الدار كيما ولم أعلم سبب ذلك فجئت إلى أختي هذه التي من أبي فوجدت عندها هاتين الكلبتين فسلمت عليها وأخبرتها بخبري وبجميع ما جرى لي. فقالت من ذا الذي من نكبات الزمان، سلم الحمد لله الذي جعل الأمر بسلامة ثم أخبرتني بخبرها وبجميع ما جرى لها من أختيها وقعدت أنا وهي لا نذكر خبر الزواج على ألسنتنا ثم صاحبتنا هذه الصبية الدلالة في كل يوم تخرج فتشتري لنا ما نحتاج إليه من المصالح على جري علاتها، فوقع لنا ما وقع من مجيء الجمال والصعاليك ومن مجيئكم في صفة تجار فلما صرنا في هذا اليوم ولم نشعر إلا نحن بين يديك وهذه حكايتنا، فتعجب الخليفة من هذه الحكاية وجعلها تاريخها مثبتا في خزانته وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75521 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الف ليلة و ليلة السبت 04 مايو 2013, 11:23 am | |
|
الجزء الخامس عشر شهرزاد في قصر الملك.. حكت له بالامس حكاية عجب منها وأعجبته.. وقالت أختها يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه فقالت: أين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك فقال الملك: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه عجيب ثم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح وفي الليلة التالية تروي شهرزاد
حكاية الحمال مع البنات
فإنه كان إنسان من مدينة بغداد وكان حمالاً. فبينما هو في السوق يوماً من الأيام متكئاً على قفصه إذ وقفت عليه امرأة ملتفة بإزار موصلي من حرير مزركش بالذهب وحاشيتاه من قصب فرفعت قناعها فبان من تحته عيون سوداء بأهداب وأجفان وهي ناعمة الأطراف كاملة الأوصاف وبعد ذلك قالت بحلاوة لفظها: هات قفصك واتبعني. فحمل الحمال القفص وتبعها إلى أن وقفت على باب دار فطرقت الباب فنزل له رجل نصراني، فأعطته ديناراً وأخذت منه مقداراً من الزيتون وضعته في القفص وقالت له: احمله واتبعني فقال الحمال: هذا والله نهار مبارك. ثم حمل القفص وتبعها فوقفت عند دكان فاكهاني واشترت منه تفاحاً شامياً وسفرجلاً عثمانياً وخوخاً عمانياً وياسميناً حلبياً وبنو فراده شقياً وخياراً نيلياً وليموناً مصرياً وتمر حنا وشقائق النعمان وبنفسجاً ووضعت الجميع في قفص الحمال وقالت له: احمل، فحمل وتبعها حتى وقفت على جزار وقالت له: اقطع عشرة أرطال لحمة فقطع لها ولفت اللحم في ورق موز ووضعته في القفص وقالت له: احمل يا حمال فحمل وتبعها ثم وقفت على النقلي وأخذت من سائر النقل وقالت للحمال: احمل واتبعني فحمل القفص وتبعها إلى أن وقفت على دكان الحلواني واشترت طبقاً وملأته جميع ما عنده من مشبك وقطايف وميمونة وأمشاط وأصابع ولقيمات القاضي ووضعت جميع أنواع الحلاوة في الطبق ووضعته في القفص. فقال الحمال: لو أعلمتني لجئت معي ببغل تحمل عليه هذه الأشياء، فتبسمت. ثم وقفت على العطار واشترت منه عشرة مياه ماء ورد وماء زهر وخلافه وأخذت قدراً من السكر وأخذت ماء ورد ممسك وحصى لبان ذكر وعودا عنبر ومسكاً وأخذت شمعاً اسكندرانياً ووضعت الجميع في القفص وقالت للحمال: احمل قفصك واتبعني فحمل القفص وتبعها إلى أن أتت داراً مليحة وقدامها رحبة فسيحة وهي عالية البنيان مشيدة الأركان بابها صنع من الأبنوس مصفح بصفائح الذهب الأحمر، فوقفت الصبية على الباب ودقت دقاً لطيفاً وإذا بالباب انفتح بشقتيه. فنظر الحمال إلى من فتح لها الباب فوجدها صبية رشيقة القد قاعدة النهد ذات حسن وجمال وقد واعتدال وجبين كثغرة الهلال وعيون كعيون الغزلان وحواجب كهلال رمضان وخدود مثل شقائق النعمان وفم كخاتم سليمان ووجه كالبدر في الإشراق ونهدين كرمانتين وبطن مطوي تحت الثياب كطي السجل للكتاب. فلما نظر الحمال إليها سلبت عقله وكاد القفص أن يقع من فوق رأسه ثم قال: ما رأيت عمري أبرك من هذا النهار فقالت الصبية البوابة للدلالة والحمال مرحبا وهي من داخل الباب ومشوا حتى انتهوا إلى قاعة فسيحة مزركشة مليحة ذات تراكيب وشاذر وأثاث ومصاطب وسدلات وخزائن عليها الستور مرخيات وفي وسط القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر منصوب عليه ناموسية من الأطلس الأحمر ومن داخله صبية بعيون بابلية وقامة ألفية ووجه يخجل الشمس المضيئة، فكأنها بعض الكواكب الدرية أو عقيلة عربية كما قال فيها الشاعر:
من قاس قدك بالغصن الرطيب فقد = أضحى القياس به زوراً وبهتانـا
فنهضت الصبية الثالثة من فوق السرير وخطرت قليلاً إلى أن صارت في وسط القاعة عند أختيها وقالت: ما وقوفهم، حطوا عن رأس هذا الحمال المسكين فجاءت الدلالة من قدامه والبوابة من خلفه، وساعدتهما الثالثة وحططن عن الحمال وأفرغن ما في القفص وصفوا كل شيء في محله وأعطين الحمال دينارين وقلن له: توجه يا حمال، فنظر إلى البنات وما هن فيه من الحسن والطبائع الحسان فلم ير أحسن منهن ولكن ليس عندهن رجال. ونظر ما عندهن من الشراب والفواكه والمشمومات وغير ذلك فتعجب غاية العجب ووقف عن الخروج فقالت له الصبية: ما بالك لا تروح؟ هل أنت استقللت الأجرة والتفتت إلى أختها وقالت لها: أعطيه ديناراً آخر فقال الحمال: والله يا سيداتي إن أجرتي نصفان، وما استقللت الأجرة وإنما اشتغل قلبي وسري بكن وكيف حالكن وأنتن وحدكن وما عندكن رجال ولا أحد يؤانسكن وأنتن تعرفن أن المنارة لا تثبت إلا على أربعة وليس لكن رابع، وما يكمل حظ النساء إلا بالرجال كما قال الشاعر:
انظر إلى أربع عندي قد اجتمعت= جنك وعود وقانون ومـزمـار
أنتن ثلاثة فتفتقرن إلى رابع يكون رجلاً عاقلاً لبيباً حاذقاً وللأسرار كاتماً فقلن له: نحن بنات ونخاف أن نودع السر عند من لا يحفظه، وقد قرأنا في الأخبار شعراً:
صن عن سواك السر لا تودعنه = من أودع السر فقد ضـيعـه فلما سمع الحمال كلامهن قال: وحياتكن أني رجل عاقل أمين قرأت الكتب وطالعت التواريخ، أظهر الجميل وأخفي القبيح وأعمل بقول الشاعر:
لا يكتم السر إلا كل ذي ثـقة = والسر عند خيار الناس مكتوم السر عندي في بيت له غلـق = ضاعت الفاتحة والباب مختوم فلما سمعت البنات الشعر والنظام وما أبداه من الكلام قلن له: أنت تعلم أننا غرمنا على هذا المقام جملة من المال فهل معك شيء تجازينا به، فنحن لا ندعك تجلس عندنا حتى تغرم مبلغنا من المال لأن خاطرك أن تجلس عندنا وتصير نديمنا وتطلع على وجوهنا الصباح الملاح. فقالت صاحبة الدار: وإذا كانت بغير المال محبة فلا تساوي وزن حبة
وقالت البوابة إن يكن معك شيء رح بلا شيء فقالت الدلالة يا أختي نكف عنه فوالله ما قصر اليوم معنا ولو كان غيره ما طول روحه علينا ومهما جاء عليه أغرمه عنه. ففرح الحمال وقال والله ما استفتحت بالدراهم إلا منكن فقلن له اجلس على الرأس والعين وقامت الدلالة وشدت وسطها وصبت القناني وروقت المدام وعملت الخضرة على جانب البحرة وأحضرت ما يحتاجون إليه ثم قدمت وجلست هي وأختها وجلس الحمال بينهن وهو يظن أنه في المنام. ولم يزل الحمال معهن في عناق وتقبيل وهذه تكلمه وهذه تجذبه وهذه بالمشموم تضربه وهو معهن حتى لعبت الخمرة بعقولهم. وأخذ من كل واحدة حضناً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الجزء السادس عشر
حكينا قصة الخليفة وقد وجد صندوقا به جثة امرأة.. فكلف جعفر بالبحث عن القاتل ولكنه عجز عن ايجاده.. فحكم عليه الخليفة بالاعدام.. ولولا أن ظهر الرجل يقول أنه قتل هذه المرأة لكان جعفر قد أعدم.. واعترف الشاب بالجريمة.. وحكى عن العبد الذي دفعه إلى الجريمة بكذبه.. فلما سمع الخليفة كلام الشاب تعجب وقال والله لا أقتل إلا العبد
في الليلة العشرون
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة اقسم أنه لا يقتل إلا العبد لأن الشاب معذور، ثم أن الخليفة التفت إلى جعفر وقال له أحضر لي هذا العبد الخبيث الذي كان سببا في هذه القضية وإن لم تحضره فأنت تقتل عوضا عنه فنزل يبكي ويقول: من أين أحضره ولا كل مرة تسلم الجرة وليس لي في هذا الأمر حيلة والذي سلمني في الأول يسلمني في الثاني، والله ما بقيت أخرج من بيتي ثلاثة أيام والحق سبحانه يفعل ما يشاء. ثم أقام في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أحضر القاضي وأوصى وودع أولاده وبكى وإذا برسول الخليفة أتى إليه وقال له أن أمير المؤمنين في أشد ما يكون من الغضب وأرسلني إليك وحلف أنه لا يمر هذا النهار إلا وأنت مقتول إن لم تحضر العبد. فلما سمع جعفر هذا الكلام بكى هو وأولاده فلما فرغ من التوديع تقدم إلى بنته الصغيرة ليودعها وكان يحبها أكثر من أولاده جميعا فضمها إلى صدره وبكى على فراقها فوجد في جيبها شيئا مكببا فقال لها ما الذي في جيبك فقالت له يا أبت تفاحة جاء بها عبدنا ريحان ولها معي أربعة أيام وما أعطاها لي حتى أخذ مني دينارين. فلما سمع جعفر بذكر العبد والتفاحة فرح وقال يا قريب الفرج، ثم إنه أمر بإحضار العبد فحضر فقال له من أين هذه التفاحة فقال يا سيدي من مدة خمسة أيام كنت ماشيا فدخلت في بعض أزقة المدينة فنظرت صغار يلعبون ومع واحد منهم هذه التفاحة فخطفتها منه وضربته فبكى وقال هذه لأمي وهي مريضة واشتهت على أبي تفاحا فسافر إلى البصرة وجاء لها بثلاث تفاحات بثلاث دنانير فأخذت هذه ألعب بها ثم بكى فلم ألتفت إليه وأخذتها وجئت بها إلى هنا فأخذتها سيدتي الصغيرة بدينارين، فلما سمع جعفر هذه القصة تعجب لكون الفتنة وقتل الصبية من عبده وأمر بسجن العبد وفرح بخلاص نفسه ثم أنشد هذين البيتين:
ومن كانت دريته بعـبـد = فما للنفس تجعله فداهـا فإنك واجد خدما كـثـيرا = ونفسك لم تجد نفسا سواها ثم أنه قبض على العبد وطلع به إلى الخليفة فأمر أن تؤرخ هذه الحكاية وتجعل سيرا بين الناس فقال له جعفر لاتعجب يا أمير المؤمنين من هذه القصة فما هي بأعجب من حديث نور الدين مع شمس الدين أخيه فقال الخليفة وأي حكاية أعجب من هذه الحكاية فقال جعفر: يا أمير المؤمنين لا أحدثك إلا بشرط أن تعتق عبدي من القتل. فقال قد وهبت لك دمه. أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الجزء السابع عشر
لا أزال نروي قصة الوزير جعفر مع الخلفة.. ووصلنا حيث أحضر جعفر عبده الذي كان سبب قتل الزوجة التي أحضر لها الزوج التفاح.. فأمر أن تؤرخ هذه الحكاية وتجعل سيرا بين الناس فقال له جعفر لاتعجب يا أمير المؤمنين من هذه القصة فما هي بأعجب من حديث نور الدين مع شمس الدين أخيه فقال الخليفة وأي حكاية أعجب من هذه الحكاية فقال جعفر: يا أمير المؤمنين لا أحدثك إلا بشرط أن تعتق عبدي من القتل.
الليلة الحادية والعشرون
فقال جعفر: أعلم يا أمير المؤمنين أنه كان في مصر سلطان صاحب عدل وإحسان له وزير عاقل خبير له علم بالأمور والتدبير وكان شيخا كبيرا وله ولدان كأنهما قمران وكان الكبير شمس الدين وأدهم الصغير نور الدين وكان الصغير أميز من الكبير في الحسن والجمال وليس في زمانه أحسن منه حتى أنه شاع ذكره في البلاد فكان بعض أهلها يسافر من بلاده إلى بلده لأجل رؤية جماله، ثم إن والدهما مات فحزن عليه السلطان وأقبل على الوالدين وفر بهما وخلع عليهما وقال لهما أنتما في مرتبة أبيكما ففرح وقبلا الأرض بين يديه وعملا العزاء لأبيهما شهرا كاملا ودخلا في الوزارة وكل منهما يتولاها جمعة وإذا أراد السلطان السفر يسافر مع واحد منهما، وفي ليلة من الليالي أن السلطان كان عازما على السفر في الصباح وكانت النوبة للكبير. فبينما الأخوان يتحدثان في تلك الليلة: إذ قال الكبير يا أخي قصدي أن أتزوج أنا وأنت في ليلة واحدة فقال الصغير إفعل يا أخي ما تريد فإني موافقك على ما تقول واتفقا على ذلك. ثم أن الكبير قال لأخيه إن قدر الله وخطبنا بنتين ودخلنا في ليلة واحدة ووضعنا في يوم واحد وأراد الله وجاءت زوجتك بغلام وجاءت زوجتي ببنت نزوجهما لبعضهما لأنهما أولاد عم فقال نور الدين يا أخي ما تأخذ من ولدي في مهر بنتك قال آخذ من ولدك في مهر بنتي ثلاثة آلاف دينار وثلاثة بساتين وثلاث ضياع فإن عقد الشاب عقده بغير هذا لا يصح. فلما سمع نور الدين هذا الكلام قال ما هذا المهر الذي اشترطه على ولدي أما تعلم أننا إخوان ونحن الإثنان وزيران في مقام واحد وكان الواجب عليك أن تقدم ابنتك لولدي هدية من غير مهر، فانك تعلم أن الذكر أفضل من الأنثى وولدي ذكر ويذكر به وخلاف ابنتك فقال ومالها قال لا ذكر بها بين الأمراء ولكن أنت تريد أن تفعل معي على رأي الذي قال أن أردت أن تطرده فأجمل الثمن غاليا، وقيل أن بعض الناس قدم على بعض أصحابه فقصده في حاجة فغلى عليه الثمن. فقال له شمس الدين أراك قد قصرت لأنك تعمل ابنك أفضل من بنتي ولا شك أنك ناقص عقل وليس لك أخلاق حيث تذكر شركة الوزارة وأنا ما أدخلتك معي في الوزارة إلا شفقة عليك ولأجل أن تساعدني وتكون لي معينا ولكن قل ما شئت وحيث صدر منك هذا القول والله لا أزوج بنتي لولدك ولو وزنت ثقلها ذهبا فلما سمع نور الدين كلام أخيه اغتاظ وقال وأنا لا أزوج إبني إبنتك فقال شمس الدين أنا لا أرضاه لها بعلا ولو أنني أريد السفر لكنت عملت معك العبر ولكن لما أرجع من السفر يعمل الله ما يريد. فلما سمع نور الدين من أخيه ذلك الكلام امتلأ غيظا وغاب عن الدنيا وكتم ما به وبات كل واحد في ناحية. فلما أصبح الصباح برز السلطان للسفر وعدي إلى الجزيرة وقصد الأهرام وصحبه الوزير شمس الدين، وأما أخوه نور الدين فبات في تلك الليلة في أشد ما يكون من الغيظ فلما أصبح الصباح قام وصلى الصبح وعمد إلى خزانته وأخذ منها خرجا صغيرا وملأه ذهبا وتذكر قول أخيه واحتقاره إياه وافتخاره فأنشد هذه الأبيات:
سافر تجد عوضا عمن تـفـارقـه =وانصب فإن لذيذ العيش في النصب ما في المقام لـذي لـب وذي أدب= معزة فاترك الأمطان واغـتـرب إني رأيت وقوف المـاء يفـسـده= فإن جرى طاب أو لم يجر لم يطب والبدر أفول منـه مـا نـظـرت إليه= في كل حين عين مـرتـقـب والأسد لولا فراق الغاب ما قنصت= والسهم لولا فراق القوس لم يصب والتبر كالتراب ملقى في أماكـنـه= والعود في أرضه نوع من الحطب فإن تغرب هذا عـز مـطـلـبـه =وإن أقام فلا يعلـوا إلـى رتـب
فلما فرغ من شعره أمر بعض غلمانه أن يشد له بغلة زرزورية غالية سريعة المشي فشدها ووضع عليها سرجا مذهبا بركابات هندية وعباآت من القطيفة الأصفهانية فسارت كأنها عروس مجلية وأمر أن يجعل عليها بساط حرير وسجادة وأن يوضع الخرج من تحت السجادة ثم قال للغلام والعبيد: قصدي أن أتفرج خارج المدينة وأروح نواحي القلبونية وأبيت ثلاث ليال فلا يتبعني منكم أحد فإن عندي ضيق صدر. ثم أسرع وركب البغلة وأخذ معه شيئا قليلا من الزاد وخرج من مصر واستقبل البر فما جاء عليه الظهر حتى دخل مدينة فليبس فنزل عن بغلته واستراح وأراح البغلة وأكل شيئا وأخذ من فليبس ما يحتاج إليه وما يعلق به على بغلته ثم استقبل البر فما جاء عليه الظهر بعد يومين حتى دخل مدينة القدس فنزل عن بغلته واستراح وأراح بغلته وأخرج شيئا أكله ثم وضع الخرج تحت رأسه وفرش البساط ونام في مكان والغيظ غالب عليه، ثم أنه بات في ذلك المكان. فلما أصبح الصباح ركب وصار يسوق البغلة إلى أن وصل إلى مدينة حلب فنزل في بعض الخانات وأقام ثلاثة أيام حتى استراح وأراح البغلة وشم الهواء ثم عزم على السفر وركب بغلته وخرج مسافرا ولا يدري أين يذهب ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى مدينة البصرة ليلا ولم يشعر بذلك حتى نزل في الخان وأنزل الخرج عن البغلة وفرش السجادة وأودع البغلة بعدتها عند البواب وأمره أن يسيرها فأخذها وسيرها فاتفق أن وزير البصرة كان جالس في شباك قصره فنظر إلى البغلة ونظر ما عليها من العدة المثمنة فظنها بغلة وزير من الوزراء أو ملك من الملوك، فتأمل في ذلك وحار عقله وقال لبعض غلمانه ائتني بهذا البواب. فذهب الغلام إلى الوزير فتقدم البواب وقبل الأرض بين يديه وكان الوزير شيخا كبيرا، فقال للبواب من صاحب هذه البغلة وما صفاته، فقال البواب يا سيدي إن صاحب هذه البغلة شاب صغير ظريف الشمائل من أولاد التجار عليه هيبة ووقار. فلما سمع الوزير كلام البواب قام على قدميه وركب وسار إلى الخان، ودخل على الشاب فلما رأى نور الدين الوزير قادما عليه قام ولاقاه واحتضنه ونزل الوزير من فوق جواده وسلم عليه فرحب به وأجلسه عنده، وقال له يا ولدي من أين أقبلت وماذا تريد. فقال نور الدين يا مولاي إني قدمت من مدينة مصر، وكان أبي وزيرا فيها وقد انتقل إلى رحمة الله وأخبره بما جرى من المبتدأ إلى المنتهى ثم قال وعزمت على نفسي أن لا أعود أبدا حتى أنظر جميع المدن والبلدان، فلما سمع الوزير كلامه قال له يا ولدي لا تطاوع النفس فترميك في الهلاك، فإن البلدان خراب وأنا أخاف عليك من عواقب الزمان. ثم إنه أمر بوضع الخرج عن البغلة والبساط والسجادة، وأخذ نور الدين معه إلى بيته وأنزله في مكان ظريف وأكرمه وأحسن إليه وأحبه حبا شديدا وقال له يا ولدي أنا بقيت رجلا كبيرا ولم يكن لي ولد ذكر وقد رزقني الله بنتا تقاربك في الحسن ومنعت عنها خطابا كثيرة وقد وقع حبك في قلبي، فهل لك أن تأخذ إبنتي جارية لخدمتك وتكون لها بعلا. فإن كنت تقبل ذلك أطلع إلى سلطان البصرة وأقول له أنه ولد أخي وأوصلك إليه، حتى أجعلك وزيرا مكاني وألزم أنا بيتي فإني صرت رجلا كبيرا. فلما سمع نور الدين كلام وزير البصرة أطرق برأسه ثم قال سمعا وطاعة، ففرح الوزير بذلك وأمر غلمانه أن يصنعوا له طعاما وأن يزينوا قاعة الجلوس الكبرة المعدة لحضور أكابر الأمراء، ثم جمع أصحابه ودعا أكابر الدولة وتجار البصرة فحضروا بين يديه وقال لهم أنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية ورزقه الله ولدين وأنا كما تعلمون رزقني الله بنتا، وكان أخي أوصاني أن أزوج بنتي لأحد أولاده فأجبته إلى ذلك فلما استحقت الزواج أرسل إلي أحد أولاده وهو هذا الشاب الحاضر، فلما جائني أحببت أن أكتب كتابه على بنتي ويدخل بها عندي. فقالوا: نعم ما قلت، ثم شربوا ورشوا ماء الورود وانصرفوا وأما الوزير فإنه أمر غلمانه أن يأخذوا نور الدين ويدخلوا به الحمام وأعماه الوزير بدلة من خاص ملبوسه وأرسل إليه الفوط والطاسات ومجامر البخور وما يحتاج إليه فلما خرج من الحمام لبس البدلة فصار كالبدر ليلة تمامه، ثم ركب بغلته ودخل على الوزير فقبل يده، ورحب الوزير وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الجزء الثامن عشر
أحكي لكم قصة ابني الوزير.. ووصلت حيث كان الابن الأصغر قد سافر إلى أمصار بعيدة حتى وصل إلى بغداد ورأى هناك الوزير وخطب ابنته ... وأما الوزير فإنه أمر غلمانه أن يأخذوا نور الدين ويدخلوا به الحمام وأعماه الوزير بدلة من خاص ملبوسه وأرسل إليه الفوط والطاسات ومجامر البخور وما يحتاج إليه فلما خرج من الحمام لبس البدلة فصار كالبدر ليلة تمامه
وفي الليلة الثانية والعشرون
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قام له ورحب به وقال له: قم وأدخل هذه الليلة على زوجتك وفي غد أطلع بك إلى السلطان، وأرجوا لك من الله كل خير فقام نور الدين ودخل على زوجته بنت الوزير هذا ما كان من أمر نور الدين وأما ما كان من أمر أخيه فإنه غاب مع السلطان مدة في السفر، ثم رجع فلم يجد أخاه فسأل عنه الخدم، فقالوا له من يوم سافرت مع السلطان ركب بغلته بعدة الموكب، وقال أنا متوجه إلى جهة القيلوبية فأغيب يوما أو يومين فإن صدري ضاق ولا يتبعني، منكم أحد. ومن يوم خروجه إلى هذا اليوم لم نسمع له خبرا فتشوش خاطر شمس الدين على فراق أخيه واغتم غما شديدا لفقده وقال في نفسه ما سبب ذلك إلا أني أغلظت عليه في الحديث ليلة سفري مع السلطان فلعله تغير خاطره وخرج مسافرا فلا بد أن أرسل خلفه ثم طلع وأعلم السلطان بذلك فكتب بطاقات وأرسل بها إلى نوابه في جميع البلاد ونور الدين قطع بلادا بعيدة في مدة غياب أخيه مع السلطان فذهبت الرسل بالمكاتيب ثم عادوا ولم يقفوا له على خبر ويئس شمس الدين من أخيه، وقال لقد أغظت بكلامي من جهة زواج الأولاد فليت ذلك لم يكن وما حصل ذلك إلا من قلة عقلي وعدم تدبيري. ثم بعد مدة يسيرة خطب بنت رجل من تجار مصر وكتب كتابه عليها ودخل بها وقد اتفق أن ليلة دخول شمس الدين، على زوجته كانت ليلة دخول نور الدين على زوجته بنت وزير البصرة وذلك بإرادة الله تعالى حتى ينفذ حكمه في خلقه وكان الأمر كما قالاه فاتفق أن الزوجتين حملتا منهما وقد وضعت زوجة شمس الدين وزير مصر بنتا لا يرى في مصر أحسن منها، ووضعت زوجة نور الدين، ولدا ذكرا لا يرى في زمانه أحسن منه كما قال الشاعر:
ومهفهف يغني النديم بـريقـه= عن كأسه الملأى وعن أبريقه فعل المدام ولونها ومذاقـهـا= من مقلتيه ووجنتـيه وريقـه فسموه حسنا وفي سابع ولادته صنعوا الولائم وعملوا أسمطة لا تصلح إلا لأولاد الملوك
ثم أن وزير البصرة أخذ معه نور الدين وطلع به إلى السلطان فلما صار قدامه قبل الأرض بين يديه وكان نور الدين فصيح اللسان ثابت الجنان صاحب حسن وإحسان فأنشد قول الشاعر:
هذا الذي عم الأنام بعدلـه= وسطا فمهد سائر الآفـاق أشكر صنائعه فلسن صنائعا= لكنهن قـلائد الأعـنـاق فألزمها السلطان وشكر نور الدين على ما قال وقال لوزيره من هذا الشاب فحكى له الوزير قصته من أولها إلى آخرها وقال له هذا إبن أخي فقال وكيف يكون إبن أخيك ولم نسمع به، فقال يا مولانا السلطان إنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية وقد مات وخلف ولدين، فالكبير جلس في مرتبة والده وزيرا وهذا الصغير جاء عندي وحلف أني لا أزوج إبنتي إلا له، فلما جاء زوجته بها وهو شاب.. وأنا صرت شيخا كبيرا وقل سمعي وعجز تدبيري والقصد من مولانا السلطان أن يجعله في مرتبتي، فإنه إبن أخي وزوج إبنتي وهو أهل للوزارة لأنه صاحب رأي وتدبير. فنظر السلطان إليه فأعجبه، واستحسن رأي الوزير بما أشار عليه من تقديمه في رتبة الوزراء فأنعم عليه بها، وأمر له بخلعة عظيمة، وزاد له الجوامك والجرايات إلى أن إتسع عليه الحال وسار له مراكب تسافر من تحت يده بالمتاجر وغيرها وعمر أملاكا كثيرة ودواليب وبساتين إلى أن بلغ عمر ولده حسن أربع سنين، فتوفي الوزير الكبير والد زوجة نور الدين، فأخرجه خرجة عظيمة وأوراه في التراب ثم اشتغل بعد ذلك بتربية ولده فلما بلغ أشده أحضر له فقيها يقرئه في بيته وأوصاه بتعليمه وحسن تربيته فأقرأه وعلمه فوائد في العلم بعد أن حفظ القرآن في مدة سنوات وما زال حسن يزداد جمالا وحسنا واعتدالا كما قال الشاعر:
قمر تكامل في المحاسن وانتهى =فالشمس تشرق من شقائق خده ملك الجمال بأسره فكـأنـمـا= حسن البرية كلها من عـنـده
وقد رباه الفقيه في قصر أبيه ومن حين نشأته لم يخرج من قصر الوزارة إلى أن أخذه والده الوزير نور الدين يوما من الأيام وألبسه بدلة من أفخر ملبوسه وأركبه بغلة من خيار بغاله وطلع به إلى السلطان ودخل به عليه فنظر الملك حسن بدر الدين بن الوزير نور الدين فانبهر من حسنه، وقال لأبيه يا وزير لابد أنك تحضره معك في كل يوم فقال سمعا وطاعة ثم عاد الوزير بولده إلى منزله وما زال يطلع به إلى حضرة السلطان في كل يوم إلى أن بلغ الولد من العمر خمسة عشر عاما ثم ضعف والده الوزير نور الدين، فاحضره وقال له: يا ولدي أعلم أن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء وأريد أن أوصيك وصايا فافهم ما أقول لك وأصغ قلبك إليه وصار يوصيه بحسن عشرة الناس وحسن التدبير. ثم إن نور الدين تذكر أخاه وأوطانه وبلاده وبكى على فرقة الأحباب، وسجت دموعه وقال يا ولدي إسمع قولي فإن لي أخا يسمى شمس الدين، وهو عمك ولكنه وزير بمصر قد فارقته وخرجت على غير رضاه،والقصد أنك تأخذ دوجا من الورق وتكتب ما أمليه عليك فأحضر قرطاسا وصار يكتب فيه كل ما قاله أبوه فأملى عليه جميع ما جرى له من أوله إلى آخره وكتب له تاريخ زواجه ودخوله على بنت الوزير وتاريخ وصوله إلى البصرة واجتماعه بوزيرها. وكتب وصية موثقة ثم قال لولده: إحفظ هذه الوصية فإن ورقتها فيها، أصلك وحسبك ونسبك فإن أصابك شئ من الأمور فاقصد مصر، واستدل على عمك وسلم عليه وأعلمه أني مت غريبا مشتاقا إليه فأخذ حسن بدر الدين الرقعة وطواها ولف عليها خرقة مشمعة وخاطها بين البطانة والظهارة وصار يبكي على أبيه من أجل فراقه وهو صغير وما زال نور الدين يوصي ولده حسن بدر الدين حتى طلعت روحه فأقام الحزن في بيته وحزن عليه السلطان وجميع الأمراء ودفنوه ولم يزالوا في حزن مدة شهرين، وولده لم يركب ولم يطلع الديوان ولم يقابل السلطان وأقام مكانه بعض الحجاب،وولى السلطان وزيرا مكانه وأمره أن يختم على أماكن نور الدين وعلى عماراته وعلى أملاكه. فنزل الوزير الجديد وأخذ الحجاب وتوجهوا إلى بيت الوزير نور الدين يختمون عليه ويقبضون على ولده حسن الدين ويطلعون به إلى السلطان ليعمل فيه ما يقتضي رأيه وكان بين العسكر مملوك من مماليك الوزير نور الدين المتوفى فلم يهن عليه ولد سيده فذهب ذلك المملوك إلى حسن بدر الدين فوجده منكس الرأس حزين القلب على فراق والده فأعلمه بما جرى، فقال له هل في الأمر مهلة حتى أدخل فآخذ معي شيئا من الدنيا لأستعين به على الغربة فقال له المملوك أنج بنفسك فلما سمع كلام المملوك غطى رأسه بذيله وخرج ماشيا إلى أن صار خارج المدينة فسمع الناس يقولون أن السلطان أرسل الوزير الجديد إلى بيت الوزير المتوفي ليختم على ماله وأماكنه ويقبض على ولده حسن بدر الدين ويطلع به إليه فيقتله وصارت الناس تتأسف على حسنه وجماله فلما سمع كلام الناس خرج إلى غير مقصد ولم يعلم أين يذهب. فلم يزل سائرا إلى أن ساقته المقادير إلى تربة والده فدخل المقبرة ومشى بين القبور إلى أن جلس عند قبر أبيه وأنزل ذيله من فوق رأسه، فبينما هو جالس عند تربة أبيه إذ قدم عليه يهودي من البصرة وقال يا سيدي مالي أراك متغيرا فقال له إني كنت نائما في هذه الساعة، فرأيت أبي يعاتبني على عدم زيارتي قبره فقمت وأنا مرعوب وخفت أن يفوت النهار ولم أزره، فيصعب علي الأمر، فقال له اليهودي يا سيدي إن أباك كان أرسل مراكب تجارة وقدم منها البعض ومرادي أن أشتري منك وثق كل مركب قدمت بألف دينار ثم أخرج اليهودي كيسا ممتلئا من الذهب، وعد منه ألف دينار ودفعه إلى حسن إبن الوزير ثم قال اليهودي إكتب لي ورقة واختمها فأخذ حسن إبن الوزير ورقة وكتب فيها كاتب هذه الورقة حسن بدر الدين إبن الوزير نور الدين قد باع اليهودي فلان جميع وثق كل مركب، وردت من مراكب أبيه المسافرين بألف دينار وقبض الثمن على سبيل التعجيل. فأخذ اليهودي الورقة وصار حسن يبكي ويتذكر ما كان فيه من العز والإقبال ثم دخل عليه الليل وأدركه النوم فنام عند قبر أبيه ولم يزل نائما حتى طلع القمر فتدحرجت رأسه عن القبر ونام على ظهره وصار يلمع وجهه في القمر وكانت المقابر عامرة بالجن المؤمنين، فخرجت جنية فنظرت وجه حسن وهو نائم فلما رأته تعجبت من حسنه وجماله وقالت سبحان الله ما هذا الشاب إلا كأنه من الحور العين،
ثم طارت إلى الجو تطوف على عادتها فرأت عفريتا طائرا فسلمت عليه وسلم عليها فقالت له من أين أقبلت قال: من مصر فقالت له هل لك أن تروح معي، حتى تنظر إلى حسن هذا الشاب النائم في المقبرة فقال لها نعم فسارا حتى نزلا في المقبرة فقالت له هل رأيت في عمرك مثل هذا فنظر العفريت إليه وقال سبحان من لا شبيه له ولكن يا أختي إن أردت حدثتك بما رأيت فقالت له حدثني، فقال لها إني رأيت مثل هذا الشاب في إقليم مصر وهي بنت الوزير وقد علم بها الملك فخطبها من أبيها شمس الدين. فقال له يا مولانا السلطان أقبل عذري وارحم عبرتي فإنك تعرف أن أخي نور الدين خرج من عندنا ولا نعلم أين هو، وكان شريكي في الوزارة وسبب خروجه أني جلست أتحدث معه في شأن الزواج فغضب مني وخرج مغضبا وحكى للملك جميع ما جرى بينهما، ثم قال للملك فكان ذلك سببا لغيظه وأنا حالف أن لا أزوج بنتي إلا لإبن أخي من يوم ولدتها أمها وذلك نحو ثمان عشرة سنة ومن مدة قريبة سمعت أن أخي تزوج بنت وزير البصرة وجاء منها بولد وأنا لا أزوج بنتي إلا له كرامة لأخي ثم إني أرخت وقت زواجي وحمل زوجتي وولدت هذه البنت وهي باسم ابن عمها والبنات كثير. فلما سمع السلطان كلام الوزير غضب غضبا شديدا، وقال له كيف يخطب مثلي من مثلك بنتا فتمنعها منه وتحتج بحجة باردة وحياة رأسي لا أزوجها إلا لأقل مني برغم أنفك وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75521 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الف ليلة و ليلة السبت 04 مايو 2013, 11:26 am | |
|
الجزء التاسع عشر
كنا في قصة ابني الوزير.. اذ ذهب احدهما الى بغداد ومكث الآخر في مصر فولد للذي ببغداد ولد لا يشبه جماله أحد.. وولد لصاحب مصر فتاة لا يشابهها في جمالها أحد ومات والد حسن - بدر الدين - وانقلب عليه الخليفة فهرب إلى قبر أبيه.. حيث رأته الجنية .. والتقت الجنية بالجني فحدثها عن الاميرة في مصر..
== وفي الليلة الثالثة والعشرون ==
قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الجني لما حكي للجنية حكاية بنت وزير مصر وأن الملك قد أقسم أن يزوجها رغم أنف أبيها، بأقل منه وكان عند الملك سائس أحدب بحدبة من قدام وحدبة من وراء فأمر السلطان بإحضاره وكتب كتابه على بنت الوزير بالنهار وأمر أن يدخل عليها في هذه الليلة، ويعمل له زفافا وقد تركه وهو بين مماليك السلطان، وهم حوله في أيديهم الشموع موقدة يضحكون ويسخرون منه على باب الحمام، وأما بنت الوزير فإنها جالسة تبكي بين المنقشات والمواشط وهي أشبه الناس بهذا الشاب، وقد حجروا على أبيها ومنعوه أن يحضرها وما رأيت يا أختي أقبح من هذا الأحدب فهي أحسن من هذا الشاب. قالت له الجنية تكذب فإن هذا الشاب أحسن أهل زمانه، فرد عليها العفريت وقال والله يا أختي إن الصبية أحسن من هذا، ولكن لا يصلح لها إلا هو فإنهما مثل بعضهما ولعلهما إخوان أو أولاد عم فيا خسارتها مع هذا الأحدب، فقالت له يا أخي دعنا ندخل تحته ونروح به إلى الصبية التي تقول عليها وننظر أيهما أحسن، فقال العفريت سمعا وطاعة هذا كلام صواب وليس هناك أحسن من هذا الرأي الذي إخترتيه فأنا أحمله ثم إنه حمله وطار به إلى الجو وصارت العفريتة في كل ركابه تحاذيه، إلى أن نزل به في مدينة مصر وحطه على مصطبة ونبهه. فاستيقظ من النوم فلم يجد نفسه على قبر أبيه في أرض البصرة، والتفت يمينا وشمالا فلم يجد نفسه إلا في مدينة غير مدينة البصرة فأراد أن يصيح فغمزه العفريت وأوقد له شمعة وقال له أعلم أني جئت بك، وأنا أريد أن أعمل معك شيئا لله فخذ هذه الشمعة وامش بها إلى ذلك الحمام واختلط بالناس ولا تزال ما شيا معهم حتى تصل إلى قاعة العروسة، فاسبق وادخل القاعة ولا تخشى أحدا وإذا دخلت فقف على يمين العريس الأحدب وكل ما جاءك المواشط والمغنيات والمنقشات فحط يدك في جيبك تجده ممتلئا ذهبا فاكبش وارم لهم ولا تتوهم أنك تدخل يدك ولم تجده ممتلئا بالذهب، فاعط كل من جاءك بالحفنة ولا تخشى من شيء وتوكل على الذي خلقك، فما هذا بحولك وقوتك بل بحول الله وقوته. فلما سمع حسن بدر الدين من العفريت هذا الكلام، قال يا هل ترى أي شيء هذه القضية وما وجه الإحسان، ثم مشى وأوقد الشمعة، وتوجه إلى الحمام فوجد الأحدب راكب الفرس فدخل حسن بدر الدين بين الناس وهو على تلك الحالة مع الصورة الحسنة، وكان عليه الطربوش والعمامة والفرجية المنسوجة بالذهب وما زال ماشيا في الزينة، وكلما وقفت المغنيات ، يضع يده في جيبه فيلقاها ممتلئا بالذهب فيكبش ويرمي في الطار للمغنيات والمواشط فيملأ الارض دنانير فاندهشت عقول المغنيات وتعجب الناس من حسنه وجماله ولم يزل على هذا الحال حتى وصلوا إلى بيت الوزير، فردت الحجاب الناس ومنعوهم. فقالت المغنيات والمواشط والله لا ندخل إلا إن دخل هذا الشاب معنا لأنه غمرنا بإحسانه ولا نجلي العروسة إلا وهو حاضر، فعند ذلك دخلوا به إلى قاعة الفرح وأجلسوه برغم أنف العريس الأحدب واصطفت جميع نساء الأمراء والوزراء والحجاب صفين وكل مرأة معها شمعة كبيرة موقدة مضيئة وكلهن ملثمات وصرن صفوفا يمينا وشمالا، من تحت المنصة إلى صدر الليوان الذي عند المجلس الذي تخرج منه العروسة، فلما نظر النساء حسن بدر الدين وما هو فيه من الحسن والجمال، ووجهه يضيء كأنه هلال، مالت جميع النساء إليه. فقالت المغنيات للنساء الحاضرات، اعلموا أن هذا المليح ما نقطنا إلا بذهب الأحمر فلا تقصرن في خدمته وأطعنه فيما يقول فازدحمن النساء عليه بالشمع ونظرن إلى جماله فانبهرت عقولهن من حسنه، وصارت كل واحدة منهن تود أن تكون في حضنه سنة أو شهرا، أو ساعة، ورفعن ما كان على وجوههن من النقاب وتحيرت منهن الألباب وقلن هنيئا لمن كان هذا الشاب له أو عليه ثم دعون لحسن بدر الدين ودعون على ذلك الأحدب. ثم إن المغنيات ضربن بالدفوف وأقبلت المواشط وبنت الوزير بينهن، وقد طيبنها وعطرنها وألبسنها وحسن شعرها ونحرها بالحلى والحلل من لباس الملوك الأكاسرة ومن جملة ما عليها ثوب منقوش بالذهب الأحمر وفيه صور الوحوش والطيور وهو مسبول عليها من فوق حوائجها، وفي عنقها عقد يساوي الألوف قد حوى كل فص من الجواهر ما حاز مثله تبع ولا قيصر وصارت العروسة كأنها البدر إذا أقمر في ليلة أربعة عشر، ولما أقبلت كانت كأنها حورية فسبحان من خلقها بهية وأحدق بها النساء فصرن كالنجوم وهي بينهن كالقمر إذا انجلى عنه الغيم وكان حسن بدر الدين البصري جالسا والناس ينظرون إليه. فحضرت العروسة وأقبلت وتمايلت فقام إليها السائس الأحدب، ليقبلها فأعرضت عنه وانقلبت حتى صارت قدام حسن إبن عمها فضحك الناس لما رأوها مالت إلى نحو بدر الدين وحط يده في جيبه وكبش الذهب، ورمى في طار المغنيات ففرحوا وقالوا كنا نشتهي أن تكون هذه العروسة لك فتبسم. هذا كله والسائس الأحدب وحده كأنه قرد، وكلما أوقدوا له الشمعة طفئت فبهت وصار قاعدا في الظلام يمقت في نفسه وهؤلاء الناس محدقون به وتلك الشموع الموقدة بهجتها، من اعجب العجائب، يتحير من شعاعها أولوا الألباب وأما العروسة فإنها رفعت كفيها إلى السماء،وقالت اللهم إجعل هذا بعلي وأرحني من هذا السائس الأحدب، وصارت المواشط تجلي العروسة إلى آخر السبع وخلع على حسن بدر الدين البصري والسائس الأحدب وحده. فلما افرغوا من ذلك أذنوا بالإنصراف فخرج جميع من كان في الفرح من النساء والأولاد ولم يبقى إلا حسن بدر الدين والسائس الأحدب، ثم إن المواشط أدخلن العروسة ليكشفن ما عليها من الحلي ويهيئنها للعريس فعند ذلك تقدم السائس الأحدب إلى حسن بدر الدين، وقال له يا سيدي آنستنا في هذه الليلة وغمرتنا بإحسانك فلم لا تقوم تروح بيتك بلا مطرود، فقال بسم الله ثم قام وخرج من الباب فلقيه العفريت.
فقال له قف يا بدر الدين فإذا خرج الأحدب إلى بيت للراحة، فادخل أنت واجلس في المخدع فإذا أقبلت العروسة فقل لها أنا زوجك والملك ما عمل تلك الحيلة إلا لأنه يخاف عليك من العين، وهذا الذي رأيته سائس من سياسنا، ثم أقبل عليها واكشف وجهها ولا تخشى بأسا من أحد، فبينما بدر الدين يتحدث مع العفريت وإذا بالسائس دخل بيت الراحة وقعد على الكرسي فطلع لله العفريت من الحوض الذي فيه الماء في صورة فأر، وقال زيق فقال الأحدب ما جاء بك هنا فكبر الفأر، وصار كالقط ثم كبر حتى صار كلبا وقال عوه عوه. فلما نظر السائس ذلك فزع وقا لإخسأ يا مشؤوم فكبر الكلب، وانتفخ حتى صار جحشا ونهق هاق هاق فانزعج السائس وقال إلحقوني يا أهل البيت، وإذا بالجحش قد كبر وصار قدر الجاموسة وسد عليه المكان وتكلم بكلام إبن آدم وقال: ويلك يا أحدب يا أنتن السياس فلحق السائس البطن وقعد على الملاقي بأثوابه واشتبكت أسنانه ببعضها فقال له العفريت: هل ضاقت عليك الأرض فلا تتزوج إلا بمعشوقتي فسكت السائس، فقال له: رد الجواب وإلا اسكنتك التراب فقال له: والله مالي ذنب إلا إنهم غصبوني وما عرفت أن لها عشاقا من الجواميس ولكن أنا تائب إلى الله ثم إليك. فقال له العفريت: اقسم بالله إن خرجت في هذا الوقت، من هذا الموضع أو تكلمت قبل أن تطلع الشمس لأقتلنك، فإذا طلعت الشمس فاخرج إلى حال سبيلك ولا تعد إلى هذا البيت أبدا، ثم إن العفريت قبض على السائس الأحدب وقلب رأسه في الملاقي وجعلها إلى أسفل وجعل رجليه إلى فوق، وقال له إستمر هنا وأنا أحرسك إلى طلوع الشمس، هذا ما كان من قصة الأحدب وأما ما كان من قصة بدر الدين البصري فإنه خلى الأحدب والعفريت يتخاصمان ودخل البيت وجلس داخل المخدع، وإذا بالعروس أقبلت معها العجوز. فوقفت العجوز في باب المخدع وقالت يا أبا شهاب قم وخذ عروستك، وقد استودعتك الله ثم ولت العجوز ودخلت العروسة وصدر المخدع، وكان إسمها ست الحسن وقلبها مكسور وقالت في قلبها والله لا أمكنه من نفسي لو طلعت روحي، فلما دخلت إلى صدر المخدع نظرت بدر الدين، فقالت: يا حبيبي وإلى هذا الوقت أنت قاعد لقد قلت في نفسي لعلك أنت والسائس الأحدب مشتركان في، فقال حسن بدر الدين: وأي شيء أوصل السائس إليك ومن أين له أن يكون شريكي فيك، فقالت: ومن زوجي أأنت أم هو؟ قال حسن بدر الدين: يا سيدتي نحن ما عملنا هذا إلا سخرية به لنضحك عليه. فلما نظرت المواشط والمغنيات وأهلك حسنك البديع خافوا علينا من العين فاشتراه أبوك بعشرة دنانير حتى يصرف عنا العين وقد راح، فلما سمعت ست الحسن من بدر الدين ذلك الكلام فرحت وتبسمت وضحكت ضحكا لطيفا وقالت والله أطفأت ناري فبالله خذني عندك وضمني إلى حضنك . هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين وست الحسن بنت عمه، وأما ما كان من أمر العفريت فإنه قال للعفريتة قومي وادخلي تحت الشاب ودعينا نوديه مكانه لئلا يدركنا الصبح فإن الوقت قريب فعند ذلك تقدمت العفريتة ودخلت تحت ذيله وهو نائم وأخذته وطارت به وهو على حاله بالقميص وهو بلا لباس وما زالت العفريتة طائرة به والعفريت يحاذيها فأذن الله الملائكة أن ترمي العفريت بشهاب من نار فأحترق وسلمت العفريتة فانزلت بدر الدين في موضع ما أحرق الشهاب العفريت ولم تتجاوزه به خوفا عليه وكان بالأمر المقدر ذلك الموضع في دمشق الشام فوضعته العفريتة على باب من أبوابها وطارت. فلما طلع النهار وفتحت أبواب المدينة خرج الناس فظروا شابا مليحا بالقميص والطاقية بلا عمامة ولا لباس وهو مما قاسى من السهر غرقان في النوم فلما رآه الناس قالوا يا بخت من كان هذا عقده في هذه الليلة ويا ليته صبر حتى لبس حوائجه وقال الآخر مساكين أولاد الناس لعل هذا يكون في هذه الساعة خرج من المسكرة لبعض شغله فقوي عليه السكر فتاه عن المكان الذي كان قصده حتى وصل إلى باب المدينة فوجده مغلقا فنام ههنا وقد خاض الناس فيه بالكلام . فانتبه حسن بدر الدين فوجد روحه على باب مدينة وعليها ناس فتعجب وقال أين أنا يا جماعة الخير وما سبب اجتماعكم علي وما حكايتي معكم. فقالوا نحن رأيناك عند أذان الصبح ملقى على هذا الباب نائما ولا نعلم من أمرك غير هذا فأين كنت نائما هذه الليلة فقال حسن بدر الدين والله يا جماعة إني كنت نائما هذه الليلة في مصر فقال واحد هل أنت تأكل حشيشا وقال بعضهم أأنت مجنون كيف تكون بايتا في مصر وتصبح نائما في مدينة دمشق فقال لهم والله يا جماعة الخير لم أكذب عليكم أبدا وأنا كنت البارحة بالليل في ديار مصر وقبل البارحة كنت بالبصرة فقال واحد هذا شيء عجيب وقال الآخر هذا شاب مجنون وصفقوا عليه بالكفوف وتحدث الناس مع بعضهم وقالوا يا خسارة شبابه والله ما في جنونه خلاف ثم إنهم قالوا له إرجع لعقلك. فقال حسن بدر الدين كنت البارحة عريسا في ديار مصر فقالوا لعلك حلمت ورأيت هذا الذي تقول في المنام فتحير حسن في نفسه وقال لهم والله ما هذا منام وأين السايس الأحدب الذي كان قاعدا عندنا والكيس الذهب الذي كان معي وأين ثيابي ولباسي، ثم قام ودخل المدينة ومشى في شوارعها وأسواقها فازدحمت عليه الناس وألفوه فدخل دكان طباخ وكان ذلك الطباخ رجلا مسرفا فتاب الله عليه من الحرام وفتح له دكان طباخ وكانوا أهل دمشق كلهم يخافون منه بسبب شدة بأسه، فلما نظر الطباخ إلى حسن بدر الدين وشاهد حسنه وجماله وقعت في قلبه محبته فقال: من أين أنت يا فتى فاحكي لي حكايتك فإنك صرت عندي أعز من روحي، فحكى له ما جرى من المبتدأ إلى المنتهى. فقال له الطباخ يا سيدي بدر الدين أعلم أن هذا أمر عجيب وحديث غريب ولكن يا ولدي اكتم ما معك حتى يفرج الله ما بك واقعد عندي في هذا المكان وأنا ما لي ولد فأتخذك ولدي فقال له بدر الدين الأمر كما بريد يا عم. فعند ذلك نزل الطباخ إلى السوق واشترى لبدر الدين أقمشة مفتخرة وألبسه إياها وتوجه به إلى القاضي وأشهد على نفسه أنه ولده، وقد اشتهر حسن بدر الدين في مدينة دمشق أنه ولد الطباخ، وقعد عنده في الدكان يقبض الدراهم، وقد استقر أمره عند الطباخ على هذه الحالة. هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين. وأما ما كان من أمر ست الحسن بنت عمه فإنها لما طلع الفجر وانتهت من النوم لم تجد حسن بدر الدين قاعدا عندها فاعتقدت أنه دخل المرحاض فجلست تنتظره ساعة وإذا بأبيها قد دخل عليها وهو مهموم مما جرى له من السلطان وكيف غصبه وزوج ابنته غصبا لأحد غلمانه الذي هو السايس الأحدب وقال في نفسه سأقتل هذه البنت إن مكنت هذا الخبيث من نفسها، فمشى إلى أن وصل إلى المخدع ووقف على بابه وقال: يا ست الحسن فقالت له نعم يا سيدي، ثم إنها خرجت وهي تتمايل من الفرح وقبلت الأرض بين يديه وازداد وجهها نوراً وجمالاً لعناقها لذلك الغزال، فلما نظرها أبوها وهي بتلك الحالة قال لها: يا خبيثة هل أنت فرحانة بهذا السايس. فلما سمعت ست الحسن كلام والدها تبسمت وقالت: يا الله، يكفي ما جرى منك والناس يضحكون علي ويعايروني بهذا السياس الذي ما يجيء في إصبعي قلامة ظفر. إن زوجي والله ما بت طول عمري ليلة أحسن من ليلة البارحة التي بتها معه، فلا تهزأ بي وتذكر لي ذلك الأحدب فلما سمع والدها كلامها امتزج بالغضب وازرقت عيناه وقال لها: ويلك أي هذا الكلام الذي تقولينه، إن السايس الأحدب قد يأت عندك فقالت: بالله عليك لا تذكره لي قبحه الله وقبح أباه فلا تكثر المزاح بذكره فما كان السايس إلا مكتري بعشرة دنانير وأخذ أجرته وراح وجئت أنا ودخلت المخدع فنظرت زوجي قاعداً بعدما جلتني عليه المغنيات ونقط بالذهب الأحمر حتى أغنى الفقراء الحاضرين وقد بت في حضن زوجي الخفيف الروح صاحب العيون السود والحواجب المقرونة. فلما سمع والدها هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلاماً وقال لها: يا فاجرة ما هذا الذي تقولينه؟ أين عقلك، فقالت له: يا أبت لقد فتت كبدي لأي شيء تتغافل فهذا زوجي الذي أخذ وجهي قد دخل بيت الراحة وإني قد علقت منه، فقام والدها وهو متعجب ودخل بيت الخلاء فوجد السايس الأحدب ورأسه مغروز في الملاقي ورجلاه مرتفعة إلى فوق فبهت فيه الوزير وقال: أما هذا هو الأحدب فخاطبه فلم يرد عليه وظن الأحدب أنه العفريت وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الجزء العشرون
كنا في قصة ابني الوزير.. اذ ذهب احدهما الى بغداد ومكث الآخر في مصر فولد للذي ببغداد ولد لا يشبه جماله أحد.. وولد لصاحب مصر فتاة لا يشابهها في جمالها أحد ومات والد حسن - بدر الدين - وانقلب عليه الخليفة فهرب إلى قبر أبيه.. حيث رأته الجنية .. والتقت الجنية بالجني فحدثها عن الاميرة في مصر..فاتفقا على أن يحملاه إليها علهما ينقذانها من المصير الذي كتب عليها اذ أجبر والدها على تزيجها إلى السائس الأحدب لرفض الوزير تزويجها للخليفة.. ولما أن أوصلوه إلى مصر أرشداه إلى الدخول الى العرس ورمي النقود بين يدي الناس.. فلما أن جاء اليل حبس العفريت السائس في بيت الراحة وذهب حسن بن بدر الدين إلى مخدع العروس.. فلما أن جلس إليها أفهمها أن السائس عبارة عن خدعة اتفقوا عيلها أمام الناس تجنبا للحسد.. فرقدت لديه وهي سعيدة بزوجها الوسيم وتخلصها من ذلك السائس الأحدب.. فلما جاء الصباح.. جاء والدها إليها فمشى إلى أن وصل إلى المخدع ووقف على بابه وقال: يا ست الحسن فقالت له نعم يا سيدي، ثم إنها خرجت وهي تتمايل من الفرح وقبلت الأرض بين يديه وازداد وجهها نوراً وجمالاً لعناقها لذلك الغزال، فلما نظرها أبوها وهي بتلك الحالة قال لها: يا خبيثة هل أنت فرحانة بهذا السايس.
فلما سمعت ست الحسن كلام والدها تبسمت وقالت: يا الله، يكفي ما جرى منك والناس يضحكون علي ويعايروني بهذا السياس الذي ما يجيء في إصبعي قلامة ظفر. إن زوجي والله ما بت طول عمري ليلة أحسن من ليلة البارحة التي بتها معه، فلا تهزأ بي وتذكر لي ذلك الأحدب فلما سمع والدها كلامها امتزج بالغضب وازرقت عيناه وقال لها: ويلك أي هذا الكلام الذي تقولينه، إن السايس الأحدب قد يأت عندك فقالت: بالله عليك لا تذكره لي قبحه الله وقبح أباه فلا تكثر المزاح بذكره فما كان السايس إلا مكتري بعشرة دنانير وأخذ أجرته وراح وجئت أنا ودخلت المخدع فنظرت زوجي قاعداً بعدما جلتني عليه المغنيات ونقط بالذهب الأحمر حتى أغنى الفقراء الحاضرين وقد بت في حضن زوجي الخفيف الروح صاحب العيون السود والحواجب المقرونة. فلما سمع والدها هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلاماً وقال لها: يا فاجرة ما هذا الذي تقولينه؟ أين عقلك، فقالت له: يا أبت لقد فتت كبدي لأي شيء تتغافل فهذا زوجي الذي أخذ وجهي قد دخل بيت الراحة وإني قد علقت منه، فقام والدها وهو متعجب ودخل بيت الخلاء فوجد السايس الأحدب ورأسه مغروز في الملاقي ورجلاه مرتفعة إلى فوق فبهت فيه الوزير وقال: أما هذا هو الأحدب فخاطبه فلم يرد عليه وظن الأحدب أنه العفريت
== وفي الليلة الرابعة والعشرون ==
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السائس الأحدب لما كلمه الوزير لم يرد عليه فصرخ عليه الوزير وقال له تكلم وإلا أقطع رأسك بهذا السيف، لعند ذلك قال الأحدب والله يا شيخ العفاريت من حين جعلتني في هذا الموضع ما رفعت رأسي فبالله عليك أن ترفق بي، فلما سمع الوزير كلام الأحدب قال له ما تقول فإني أبو العروسة وما أنا عفريت، فقال ليس عمري في يدك ولا تقدر أن تأخذ روحي فرح حال سبيلك قبل أن يأتيك الذي فعل بي هذه الفعال فأنتم لا تزوجوني إلا بمعشوقة الجواميس ومعشوقة العفاريت فلعن الله من زوجني بها ولعن من كان السبب في ذلك، فقال له الوزير قم واخرج من هذا المكان فقال له هل أنا مجنون حتى أروح معك بغير إذن العفريت فإنه قال لي إذا طلعت الشمس فاخرج وروح إلى حال سبيلك فهل طلعت الشمس أو لا فإني لا اقدر أن أطلع من موضعي إلا إن طلعت الشمس. فعند ذلك قال له الوزير من أتى بك إلى هذا المكان فقال إني جئت البارحة إلى هنا لأقضي حاجتي وأزيل ضرورتي فإذا بفأر طلع من وسط الماء وصاح وصار يكبر حتى بقي قدر الجاموسة وقال لي كلاماً دخل في أذني فخلني ورح لعند العروسة ومن زوجني بها فتقدم إليه الوزير وأخرجه من المرحاض فخرج وهو يجري وما صدق أن الشمس طلعت وطلع إلى السلطان وأخبره بما اتفق له مع العفريت وأما الوزير أبو العروسة فإنه دخل البيت وهو حائر العقل في أمر بنته، فقال يا ابنتي اكشفي لي عن خبرك فقالت أن الظريف الذي كنت أتجلى عليه بات عندي البارحة وأزال بكارتي وعلقت منه وإن كنت لم تصدقني فهذه عمامته بلفتها على الكرسي ولباسه تحت الفراش وفيه شيء ملفوف لم أعرف ما هو.
فلما سمع والدها هذا الكلام دخل المخدع فوجد عمامة حسن بدر الدين ابن أخيه، ففي الحال أخذها في يده وقلبها وقال هذه عمامة وزراء إلا أنها موصلية، ثم نظر إلى الحرز مخيط في طربوشه فأخذه وفتقه وأخذ اللباس فوجد الكيس الذي فيه ألف دينار ففتحه فوجد فيه ورقة فقرأها فوجه مبايعة اليهودي واسم حسن بدر الدين بن نور الدين البصري ووجد الألف دينار فلما قرأ شمس الدين الورقة صرخ صرخة وخر مغشياً عليه فلما أفاق وعلم مضمون القصة تعجب وقال لا إله إلا الله القادر على كل شيء وقال: يا بنت هل تعرفين من الذي أخذ وجهك قالت لا قال إنه ابن أخي وهو ابن عمك وهذه الألف دينار مهرك فسبحان الله فليت شعري كيف اتفقت هذه القضية، ثم فتح الحرز المخيط فوجد فيه ورقة مكتوباً عليه بخط أخيه نور الدين المصري أبي حسن بدر الدين فلما نظر خط أخيه أنشد هذين البيتين:
أرى آثارهم فأذوب شـوقـا =وأسكب في مواطنهم دموعي وأسأل من بفرقتهم رمـانـي =يمن علي يوماً بالـرجـوع
فلما فرغ من الشعر قرأ الحرز فوجد فيه تاريخ زواجه بنت وزير البصرة وتاريخ دخوله بها وتاريخ عمره إلى حين وفاته وتاريخ ولادة ولده حسن بدر الدين فتعجب واهتز من الطرب وقابل ما جرى لأخيه على ما جرى له فوجده سواء بسواء وزواجه وزواج الآخر موافقين تاريخياً ودخولهما بزوجتيهما متوافقاً وولادة حسن بدر الدين ابن أخيه وولادة ابنته ست الحسن متوافقين فأخذ الورقتين وطلع بهما إلى السلطان وأعلمه بما جرى من أول الأمر إلى آخره فتعجب الملك وأمر أن يؤرخ هذا الأمر في الحال ثم أقام الوزير ينظر ابن أخيه فما وقع له على خبر فقال والله لأعملن عملاً ما سبقني إليه أحد.. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
الجزء الحادي وعشرون
لا نزال في قصة الشاب الذي اختفى بعدما دخل بعروسه.. فطارت به الجنية الى ابواب دمشق وافاق اهلها فوجوده على سورهم.. أما في مصر فقد وجد الوزير في متاع الشاب لفافة عرف من خلالها ان هذا هو ابن أخيه بدر الدين..فأخبر الملك.. وراح يبحث عن حسن ابن اخيه..
وفي الليلة الخامسة والعشرون
قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير أخذ دواة وقلماً وكتب أمتعة وأن الخشخانة في موضع كذا والستارة الفلانية في موضع كذا وكتب جميع ما في البيت، ثم طوى الكتاب وأمر بخزن جميع الأمتعة وأخذ العمامة والطربوش وأخذ معه الفرجية والكيس وحفظهما عنده وأما بنت الوزير فإنها لما كملت أشهرها ولدت ولذا مثل القمر يشبه والده من الحسن والكمال والبهاء والجمال فقطعوا سرته وكحلوا مقلته وسلموه إلى المرضعات وسموه عجيباً فصار يومه بشهر وشهره بسنة، فلما مر عليه سبع سنين أعطاه جده لفقيه ووصاه أن يربيه ويحسن تربيته فأقام في المكتب أربع سنوات فصار يقاتل أهل المكتب ويسبهم ويقول لهم من منكم مثلي أنا ابن وزير مصر فقام الأولاد واجتمعوا يشكون إلى العريف ما قاسوه من عجيب. فقال لهم العريف أنا أعلمكم شيئاً تقولونه له لما يجيء فيتوب عن المجيء للمكتب وذلك أنه إذا جاء غداً فاقعدوا حوله وقولوا لبعضكم: والله ما يلعب معنا هذه اللعبة إلا من يقول لنا على اسم أمه واسم أبيه ومن لم يعرف اسم أمه واسم أبيه فهو ابن حرام فلا يلعب معنا. فلما أصبح الصباح أتوا إلى المكتب وحضر عجيب فاختلط بالأولاد وقالوا نحن نلعب لعبة ولكن ما يلعب إلا من يقول لنا عن اسم أمه واسم أبيه واتفقوا على ذلك، فقال واحد منهم اسمي ماجدي وأمي علوي وأبي عز الدين، وقال الآخر مثل قوله والآخر كذلك إلى أن جاء الدور إلى عجيب فقال: أنا اسمي عجيب وأمي ست الحسن وأبي شمس الدين والوزير بمصر فقالوا له والله إن الوزير ما هو أبوك فقال عجيب الوزير أبي حقيقة.فعند ذلك ضحكت عليه الأولاد وصفقوا عليه وقالوا أنت ما تعرف لك أباً فقم من عندنا فلا يلعب معنا إلا من يعرف اسم أبيه. وفي الحال تفرق الأولاد من حوله وتضاحكوا عليه فضاق صدره وأنخنق بالبكاء. فقال له العريف هل تعتقد أن أباك جدك الوزير أبو أمك ست الحسن، إن أباك ما تعرفه أنت ولا نحن لأن السلطان زوجها للسائس الأحدب وجاءت الجن فناموا عندها فإن لم تعرف لك أبا يجعلونك بينهم ولد زنا ألا ترى أن ابن البائع يعرف أباه، فوزير مصر إنما هو جدك وأما أبوك فلا نعرفه نحن ولا أنت فارجع لعقلك. فلما سمع ذلك الكلام قام من ساعته ودخل على والدته ست الحسن وصار يشكو هلا وهو يبكي ومنعه البكاء من الكلام، فلما سمعت أمه كلامه وبكاءه التهب قلبها عليه وقالت له: يا ولدي ما الذي أبكاك فاحكي لي قصتك فحكى لها ما سمعه من الأولاد ومن العريف وقال يا والدتي من هو أبي قلت له أبوك وزير مصر فقال لها ليس هو أبي فلا تكذبي علي فإن الوزير أبوك أنت لا أبي أنا. من هو أبي فإن لم تخبريني بالصحيح قتلت روحي بهذا الخنجر. فلما سمعت والدته ذكر أبيه بكت لذكر ولد عمها وتذكرت محاسن حسن بدر الدين البصري وما جرى لها معه وصرخت وكذلك ولدها وإذا بالوزير دخل. فما نظر إلى بكائها احتر قلبه وقال ما يبكيكما فأخبرتها بما اتفق لولدها مع صغار المكتب فبكى الآخر ثم تذكر أخاه وما اتفق له معه وما اتفق لابنته ولم يعلم بما في باطن الأمر. ثم قام الوزير في الحال ومشى حتى طلع إلى الديوان ودخل على الملك وأخبره بالقصة وطلب منه الإذن بالسفر إلى الشرق ليقصد مدينة البصرة ويسأل عن ابن أخيه، وطلب من السلطان أن يكتب له مراسيم لسائر البلاد إذا وجد ابن أخيه في أي موضع يأخذه، ثم بكى بين يدي السلطان فرق له قلبه وكتب مراسيم لسائر الأقاليم والبلاد ففرح بذلك ودعا للسلطان وودعه ونزل في الحال وتجهز في الحال وأخذ ما يحتاج إليه وأخذ ابنته وولدها عجيباً وسافر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم حتى وصل إلى مدينة دمشق فوجدها ذات أشجار وأنهار كما قال الشاعر:
من بعد يوم في دمشق وليلتـي= حلف الزمان بمثلها لا يغلـط بتنا وجنح الليل في غفـلانـه= ومن الصباح عليه فرع أشمط والظل في تلك الغصون كأنـه =در يصافحه النسيم فيسـقـط والطير يقرأ والغدير صحـيفة= والريح تكتب والغمام ينـقـط فنزل الوزير من ميدان الحصباء ونصب خيامه وقال لغلمانه نأخذ الراحة هنا يومين فدخل الغلمان المدينة لقضاء حوائجهم. هذا يبيع وهاذ يشتري وهذا يدخل الحمام وهذا يدخل جامع بني أمية الذي ما في الدنيا مثله ودخل المدينة عجيب هو وخادمه يتفرجان والخادم ينشي خلف عجيب وفي يده سوط لو ضرب به جملاً لسقط ولم يثر. فلما نظر أهل دمشق إلى عجيب وقده واعتداله وبهائه وكماله بديع الجمال وخيم الدلال الطف من نسيم الشمال وأحلى للظمآن من الماء الزلال وألذ من العافية لصاحب الاعتلال فلما رآه أهل دمشق تبعوه وصارت الخلق تجري وراءه تتبعه وتقعد في الطريق حتى يجيء عليهم وينظرونه إلى أن وقف عجيب بالأمر المقدر على دكان أبيه حسن بدر الدين الذي أجلسه فيه الطباخ الذي اعترف عند القضاة والشهود أنه ولده.فلما وقف عليه العبد في ذلك اليوم وقف معه الخدام، فنظر حسن بدر الدين إلى ولده فأعجبه حين وجده في غابة الحسن فحن إليه فؤاده وتعلق به قلبه وكان قد طبخ حب رمان مخلي بلوز وسكر، فأكلوا سواء فقال لهم حسن بدر الدين أنستمونا كلوا هنيئاً مريئاً ثم أن عجيب قال لوالده أقعد كل معنا لعل الله يجمعنا بمن نريد فقال عجيب نعم يا عم حرق قلبي بفراق الأحباب والحبيب الذي فارقني هو والدي، وقد خرجت أنا وجدي نطوف عليه البلاد فواحسرتاه على جمع شملي به وبكى بكاء شديداً، وبكا والده لبكائه وتذكر فرقة الأحباب وبعده عن والده ووالدته فحن له الخادم، وأكلوا جميعاً إلى أن اكتفوا.ثم بعد ذلك قاما وخرجا من دكان حسن بدر الدين فأحس أن روحه فارقت جسده وراحت معهم فما قدر أن يصير عنهم لحظة واحدة، فقفل الدكان وتبعهم وهو لا يعلم أنه ولده وأسرع في مشيه حتى لحقهم قبل أن يخرجوا من الباب الكبير فالتفت الطواشي وقال له مالك يا طباخ فقال حسن بدر الدين لما نزلتم من عندي كان روحي خرجت من جسمي ولي حاجة في المدينة خارج الباب فأردت أن أرافقكم حتى أقضي حاجتي وأرجع فغضب الطواشي وقال لعجيب أن هذه أكلة مشؤومة وصارت علينا مكرمة وهاهو تابعنا من موضع إلى موضع فالتفت عجيب فرأى الطباخ فاغتاظ واحمر وجهه وقال للخادم دعه يمشي في طريق المسلمين فإذا خرجنا إلى خيامنا وخرج معنا وعرفنا أنه يتبعنا نطرده فأطرق رأسه ومشى والخادم وراءه فتبعهم حسن بدر الدين إلى ميدان الحصباء وقد قربوا من الخيام فالتفوا ورأوه خلفهم.فغضب عجيب وخاف من الطواشي أن يخبر جده فامتزج بالغضب مخافة أن يقولوا أنه دخل دكان الطباخ وأن الطباخ منعه فالتفت حتى صار عيناه في عين أبيه وقد بقي جسداً بلا روح ورأى عجيب عينه كأنها عين خائن، وربما كان ولد زنا فازداد غضباً فأخذ حجراً وضرب به والده فوقع الحجر على جبينه فبطحه فوقع حسن بدر الدين مغشياً عليه وسال الدم على وجهه وسار عجيب هو والخادم إلى الخيام
وأما حسن بدر الدين فإنه لما أفاق مسح دمه وقطع قطعة من عمامته وعصب بها رأسه ولام نفسه وقال أنا ظلمت الصبي حيث غلقت دكاني وتبعته حتى ظن أني خائن ثم رجع إلى الدكان واشتغل ببيع طعامه وصار مشتاقاً إلى والدته التي في البصرة ويبكي عليها، وأنشد هذين البيتين:
لا تسأل الدهر إنصافاً لتظلمـه=فلست فيه ترى يا صاح إنصافا خذ ما تيسر وأزوالهم نـاحـية=لا بد من كدر فيه وإن صافي
اما عم حسن بدر الدين فقد رحل متوجهاً إلى حمص فدخلها ثم رحل عنها وصار يفتش في طريقه أينما حل وجهه في سيره إلى أن وصل إلى ماردين، والموصل وديار بكر ولم يزل سائراً إلى مدينة البصرة فدخلها فلما استقر به المنزل دخل إلى سلطانها واجتمع به فاحترمه وأكرم منزله وسأله عن سبب مجيئه فأخبره بقصته وأن أخاه الوزير علي نور الدين، فترحم عليه السلطان وقال ايها الصاحب إنه كان وزيري وكنت أحبه كثيراً وقد مات من مدة خمسة عشر عاماً وخلف ولداً وقد فقدناه ولم نطلع له على خبر غير أن أمه عندنا لأنها بنت وزيري الكبير.فلما سمع الوزير شمس الدين من الملك أن أم ابن أخيه طيبة فرح وقال يا ملك إني أريد أن أجتمع بها فإذن له في الحال، ثم أنه صار يمشي إلى أن وصل إلى قاعة زوجة أخيه أم حسن بدر الدين البصري وكانت في مدة غيبة ولدها قد لزمت البكاء والنحيب بالليل والنهار، فلما طالت عليها المدة عملت لولدها قبراً من الرخام في وسط القاعة وصارت تبكي عليه ليلاً ونهاراً، ولا تنام إلا عند ذلك القبر، فلما وصل إلى مسكنها سمع حسها فوقف خلف الباب فسمعها تنشد على القبر هذين البيتين:
بالله يا قبر هل زالت محاسـنـه =وهل تغير ذاك المنظر النضـر يا قبر لا أنت بستان ولا فـلـك =فكيف يجمع فيك الغصن والقمر فبينما هي كذلك وإذا بالوزير شمس الدين، قد دخل عليها وسلم عليها وأعلمها أنه أخو زوجها وقد أخبرها بما جرى، وكشف لها عن القصة وأن ابنها حسن بدر الدين، بات عند ابنته ليلة كاملة، ثم طلع عليه الصباح وقال لها إن ابنتي حملت من ولدك وولدت ولداً وهو معي وإنه ولدك وولد ولدك من أبي، فلما سمعت خبر ولدها وأنه حي ورأت أخا زوجها قامت إليه ووقعت على قدميه وقبلتهما وأنشدت هذين البيتين:
لله در مبشري بقدومـهـم= فلقد أتى بأطايب المسموع لو كان يقنع بالخليع وهبته= قلباً تقطع ساعة التـوديع ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب ليحضره، فلما حضر قامت له جدته واعتنقته وبكت فقال لها شمس الدين ما هذا وقت بكاء بل هذا وقت تجهزك للسفر معنا إلى ديار مصر عسى الله أن يجمع شملنا وشملك بولدك ابن أخي، فقالت سمعاً وطاعة، ثم قامت من وقتها وجمعت جميع أمتعتها وذخائرها وجواريها وتجهزت في الحال ثم طلع الوزير شمس الدين إلى سلطان البصرة وودعه فبعث معه هدايا وتحفاً إلى سلطان مصر وسافر من وقته هو وزوجة أخيه ولم يزل سائراً حتى وصل إلى مدينة دمشق فنزل على القانون وضرب الخيام، وقال لمن معه إننا نقيم بدمشق جمعة إلى أن نشتري للسلطان هداياً وتحفاً ثم قال عجيب للطواشي يا غلام إني اشتقت إلى الفرجة فقم بنا ننزل إلى سوق دمشق ونعتبر أحوالها وننظر ما جرى لذاك الطباخ الذي كنا أكلنا طعامه وشججنا رأسه مع أنه قد كان أحسن إلينا ونحن أسأناه.فقال الطواشي سمعاً وطاعة ثم إن عجيباً أخرج من الخيام هو والطواشي وحركته القرابة إلى التوجه لوالده ودخل مدينة دمشق وما زالا إلى أن وصلا إلى دكان الطباخ فوجداه واقفاً في الدكان وكان ذلك قبل العصر وقد وافق الأمر أنه طبخ حب رمان فلما قربا منه ونظره عجيب حن غليه قلبه ونظر إلى أثر الضربة بالحجر في جبينه، فقال: السلام عليك يا هذا اعلم أن خاطري عندك فلما نظر إليه حسن بدر الدين تعلقت أحشاؤه به وخفق فؤاده غليه وأطرق برأسه إلى الأرض وأراد أن يدير لسانه في فمه، فما قدر على ذلك، ثم رفع رأسه إلى ولده خاضعاً متدللاً وأنشد هذه الأبيات:
تمنيت من أهوى فلـمـا رأيتـه =ذهلت فلم أملك لساناً ولا طرفـا وأطرقت إجلالاً لـه ومـهـابة= وحاولت إخفاء الذي بي فلم يخف وكنت معداً للعتاب صـحـائفـاً =فلما اجتمعنا ما وجدت ولا حرفا ثم قال لهما اجبرا قلبي وكلا من طعامي فو الله ما نظرت إليك أيها الغلام إلا حن قلبي إليك وما كنت تبعتك إلا وأنا بغير عقل. فقال عجيب والله إنك محب لنا ونحن أكلنا عندك لقمة فلازمتنا عقبها، وأردت أن تهتكنا ونحن لا نأكل لك أكلاً إلا بشرط أن تحلف أنك لا تخرج وراءنا ولا تتبعنا وإلا لا نعود إليك من وقتنا هذا، فنحن مقيمون في هذه المدينة جمعة حتى يأخذ جدي هدايا للملك فقال بدر الدين لكم علي ذلك، فدخل عجيب هو والخادم في الدكان فقدم لهما زبدية ممتلئة حب رمان، فقال عجيب كل معنا لعل الله يفرج عنا ففرح حسن بدر الدين وأكل معهم حتى امتلأت بطونهما وشبعا على خلاف عادتهما، ثم انصرفا وأسرعا في مشيهما حتى وصلا إلى خيامهما ودخل عجيب على جدته أم والده حسن بدر الدين، فقبلته وتذكرت حسن بدر الدين فتنهدت وبكت ثم أنها أنشدت هذين البيتين:
لو لم أرى بأن الشمل يجـتـمـع=ما كان لي في حياتي بعدكم طمع أقسمت ما في فؤادي غير حبكـم= والله ربي على الأسرار مطلـع
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75521 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الف ليلة و ليلة السبت 04 مايو 2013, 11:30 am | |
|
الجزء الثاني والعشرون
أعتذر عن غيابي عنكم في الامس.. ولكن ملف الليالي كان مفقودا.. ولكن نحن لانزال في قصة الشاب حسن بن بدر الدين الوزير الذي تزوج ابنة عمه ثم طارت به الجنية الى الشام.. وهناك حيث عاد لعمله كطباخ... وحكينا كيف ان ابنه عجيب مر به في الدكان وضربه لما رآه يلحقه ثم عاد اليه ليطمئن عليه.. وحكينا عن جده كيف ذهب الى امرأة أخيه ليبحث عن حسن وحملها معه في رحلته...
وفي الليلة السادسة والعشرون
قالت: بلغني أن بدر الدين تعجب وتحير، فعند ذلك قالت له ست الحسن: مالي أراك متعجباً متحيراً ما كنت في أول الليل؟ فضحك وقال عام لي غائب عنك؟ فقالت له سلامتك سم الله حواليك أنت إنما خرجت إلى الكنيف لتقضي حاجة وترجع فأي شيء جرى في عقلك، فلما سمع بدر الدين ذلك ضحك وقال لها صدقت ولكنني لما خرجت من عندك غلبني النوم في بيت الراحة، فحلمت أني كنت طباخاً في دمشق وأقمت بها عشرة سنين وكأنه جاءني صغير من أولاد الأكابر ومعه خادم وحصل من أمره كذا وكذا ثم أن حسن بدر الدين مسح بيده على جبينه فرأى أثر الضرب عليه. فقال والله يا سيدتي كأنه حق لأنه ضربني على جبيني فشبحه فكأنه في اليقظة ثم قال لعل هذا المناح حصل حين تعانقت أنا وأنت ونمنا، فرأيت في المنام كأني سافرت إلى دمشق بلا طربوش ولا عمامة ولا سروال وعملت طباخاً، ثم سكت ساعة وقال والله كأني رأيت أني طبخت حب رمان وفلفله قليل، والله ما كأني إلا نمت في بيت الراحة فرأيت هذا كله في المنام فقالت له ست الحسن بالله وعليك أي شيء رأيته زيادة على ذلك. فحكى لها جميع ما رآه، ثم قال والله لولا أني انتبهت لكانوا صلبوني على لعبة خشب.
فقالت له على أي شيء فقال على قلة الفلفل في حب الرمان ورأيت كأنهم خرجوا دكاني وكسروا مواعيني وحطوني في صندوق وجاؤوا بالنجار ليصنع لي لعبة من خشب لأنهم أرادوا صلبي عليها فالحمد لله الذي جعل ذلك كله في المنام ولم يجعله في اليقظة فضحكت ست الحسن وضمته إلى صدرها وضمها إلى صدره ثم تذكر وقال: والله ما كأنه إلا في اليقظة فأنا ما عرفت أي شيء الخبر ولا حقيقة الحال، ثم إنه نام وهو متحير في أمره فتارة يقول رأيته في المنام وتارة يقول رأيته في اليقظة، ولم يزل كذلك إلى الصباح، ثم دخل عليه عمه الوزير شمس الدين فسلم عليه فنظر له حسن بدر الدين، وقال بالله عليك أما أنت الذي أمرت بتكتيفي وتسمير دكاني، من شأن حب الرمان لكونه قليل الفلفل.
فعند ذلك قال الوزير اعلم يا ولدي أنه ظهر الحق وبان ما كان مختفياً، أنت ابن أخي وما فعلت ذلك حتى تحققت أنك الذي دخلت على ابنتي تلك الليلة، وما تحققت ذلك حتى رأيتك عرفت البيت وعرفت عمامتك وسروالك وذهبك والورقتين التي كتبتهما بخطك والتي كتبها والدك أخي فإني ما رأيتك قبل ذلك وما كنت أعرفك، وأما أمك فإني جئت بها معي من البصرة ثم رمى نفسه عليه وبكى فلما سمع حسن بدر الدين كلام عمه تعجب غاية العجب وعانق عمه وبكى من شدة الفرح، ثم قال له الوزير يا ولدي إن سبب ذلك كله ما جرى بيني وبين والدك وحكى له جميع ما جرى بينه وبين أخيه، وأخبره بسبب سفر والده إلى البصرة، ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب فلما رآه والده قال لهذا الذي ضربني بالحجر فقال الوزير هذا ولدك فعند ذلك رمى نفسه عليه وأنشد هذه الأبيات:
ولقد بكيت على تفرق شملـنـا= زماناً وفاض الدمع من أجفاني ونذرت أن أجمع المهيمن شملنا =ما عدت أذكر فرقة بلسانـي هجم السرور علي حتـى أنـه= من فرط ما قد سرني أبكانـي
فلما فرغ من شعره التفتت إليه والدته وألقت روحها عليه، وأنشدت هذين البيتين:
الدهر أقسـم لا يزال مـكـدري =حنثت يمينك يا زمان فـكـفـر لسعد وافى والحبيب مسـاعـدي =فانهض إلى داعي السرور وشمر
ثم إن والدته حكت له جميع ما وقع لها بعده، وحكى لها جميع ما قاساه فشكروا الله على جمع شملهم ببعضهم ثم أن الوزير طلع إلى السلطان وأخبره بما جرى له فتعجب وأمر أن يؤرخ ذلك في السجلات ليكون حكاية على ممر الأوقات ثم أن الوزير شمس الدين وأخيه نور الدين فقال الخليفة هارون الرشيد والله إن هذا الشيء عجاب ووهب للشاب سرية من عنده ورتب له ما يعيش به وصار ممن ينادمه، ثم إن لبنت قالت وما هذا بأعجب من حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع لهم قال الملك وما حكايتهم؟؟...وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الجزء الثالث والعشرون
حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
وفي الليلة السابعة والعشرون
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مدينة الصين رجل خياط مبسوط الرزق يحب اللهو والطرب وكان يخرج هو وزوجته في بعض الأحيان يتفرجان على مرائب المنتزهات فخرجا يوماً من أول النهار ورجعا آخره إلى منزلهما عند المساء، فوجدا في طريقهما رجل أحدب رؤيته تضحك الغضبان وتزيل الهم والأحزان فعند ذلك تقدم الخياط هو وزوجته يتقوزان عليه ثم أنهما عزما عليه أن يروح معهما إلى بيتهما لينادمهما تلك الليلة فأجابهما إلى ذلك ومشى معهما إلى البيت فخرج الخياط إلى السوق وكان الليل قد أقبل، فاشترى سمكاً مقلياً وخبزاً وليموناً وحلاوة يتحلون بها ثم رجع وحط السمك قدام الأحدب وجلسوا يأكلون فأخذت امرأة الخياط جزلة سمك كبيرة ولقمتها للأحدب وسدت فمه بكفها وقالت والله ما تأكلهما إلا دفعة واحدة في نفس واحد ولم تمهله حتى يمضغها فابتلعها وكان فيها شوكة قوية فتصلبت في حلقه، لأجل انقضاء أجله فمات..... لانقضاء أجله في وقته فقال الخياط: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هذا المسكين ما كان موته إلا هكذا على أيدينا، فقالت المرأة وما هذا التواني أما سمعت قول الشاعر:
مالي أعلل نفسي يا حمال= على أمر يكون به هـم وأحـزان ماذا القعود على نار وما خمدت= إن القعود في النيران خسران فقال لها زوجها وما أفعله قالت قم واحمله في حضنك وانشر عليه فوطة حرير وأخرج أنا قدامك وأنت ورائي في هذه الليلة وقل هذا ولدي وهذه أمه ومرادنا أن نوديه إلى الطبيب ليداويه فلما سمع الخياط هذا الكلام قام وحمل الأحدب في حضنه وزوجته تقول يا ولدي سلامتك أين محل وجعك وهذا الجدري كان لك في أي مكان فكل من رآها يقول معهما طفل مصاب بالجدري ولم يزالا سائرين وهما يسألان عن منزل الطبيب حتى دلوهما على بيت طبيب يهودي فقرعا الباب فنزلت لهما الجارية وفتحت الباب ونظرت وإذا بإنسان حامل صغير وأمه معه، فقالت الجارية ما خبركم فقالت امرأة الخياط معنا صغير مرادنا أن ينظره الطبيب، فخذي الربع دينار وأعطيه لسيدك ودعيه ينزل ليرى ولدي فقد لحقه ضعف، فطلعت الجارية ودخلت زوجة الخياط داخل العتبة وقالت لزوجها دع الأحدب هنا ونفوز بأنفسنا فأوقفه الخياط وخرج هو وزوجته، وأما الجارية فإنها دخلت على اليهودي وقالت له في أسفل البيت ضعيف مع امرأة ورجل وقد أعطياني ربع دينار لك وتصف لهما ما يوافقه. فلما رأى اليهودي الربع دينار فرح وقام عاجلاً ونزل في الظلام فأول ما نزل عثرت رجله في الأحدب وهو ميت فقال يا للعزيز للمولى والعشر كلمات يا لهرون ويوشع بن نون كأني عثرت في هذا المريض فوقع إلى أسف فمات فكيف أخرج بقتيلي من بيتي فحمله وطلع به من حوش البيت إلى زوجته وأعلمها بذلك فقالت له وما قعودك ههنا فإن قعدت هنا إلى طلوع النهار، راحت أرواحنا فأنا وأنت نطلع به إلى المطبخ ونرميه في بيت جارنا المسلم فإنه رجل مباشر على مطبخ السلطان وكثيراً ما تأتي القطط في بيته وتأكل مما فيه من الأطعمة والفئران، وإن استمر فيه ليلة تنزل عليه الكلاب من السطوح وتأكله جميعه فطلع اليهودي وزوجته وهما حاملان الأحدب وأنزلاه بيديه ورجليه إلى الأرض وجعلاه ملاصقاً للحائط ثم نزلا وانصرفا ولم يستقر نزول الأحدب إلا والمباشر قد جاء إلى البيت في وقته، وطلع البيت ومعه شمعة مضيئة فوجد ابن آدم واقفاً في الزاوية في جانب المطبخ.
فقال ذلك المباشر ما هذا والله إن الذي يسرق حوائجنا ما هو إلا ابن آدم فيأخذ ما وجده من لحم أو دهن ولو خبأته من القطط والكلاب، وإن قتلت قطة الحارة وكلابها جميعاً لا يفيد لأنه ينزل من السطوح ثم أخذ مطرقة عظيمة ووكزه بها فصار عنده ثم ضربها على صدره فوقع فوجده ميتاً فحزن وقال لا حول ولا قوة إلا بالله وخاف على نفسه وقال لعن الله الدهن واللحم وهذه الليلة كيف فرغت منية ذلك الرجل على يدي، ثم نظر إليه فإذا هو أحدب فقال أما يكفي أنك أحدب، حتى تكون حرامياً وتسرق اللحم والدهن يا ستار استرني بسترك الجميل ثم حمله على أكتافه ونزل به من بيته في آخر الليل وما زال سائراً به إلى أول السوق، فأوقفه بجانب دكان في رأس عطفة وتركه وانصرف وإذا بنصراني وهو سمسار السلطان، وكان سكران فخرج يريد الحمام، فقال له سكره أن المسيح قريب فما زال يمشي ويتمايل حتى قرب من الأحدب وجعل يريق الماء قباله فلاحت منه التفاتة، فوجد واحداً واقفاً وكان النصراني قد خطفوا عمامته في أول الليل، فلما رأى الأحدب واقفاً اعتقد أنه يريد خطف عمامته فطبق كفه ولكم الأحدب على رقبته فوقع على الأرض وصاح النصراني على حارس السوق، ثم نزل على الأحدب من شدة سكره ضرباً وصار يخنقه خنقاً. فجاء الحارس فوجد النصراني باركاً على المسلم وهو يضربه فقال الحارس: قم عنه فقام فتقدم إليه الحارس فوجده ميتاً، فقال كيف يقتل النصراني مسلماً ثم قبض على النصراني وكتفه وجاء به إلى بيت الوالي والنصراني يقول في نفسه يا مسيح يا عذراء كيف قتلت هذا وما أسرع ما مات في لكمة قد راحت السكرة وجاءت الفكرة ثم أن الأحدب والنصراني باتا في بيت الوالي وأمر الوالي السياف أن ينادي عليه ونصب للنصراني خشبه وأوقفه تحتها وجاء السياف ورمى في رقبة النصراني الحبل وأراد أن يعلقه وإذا بالمباشر قد شق الناس فرأى النصراني وهو واقف تحت المشنقة، ففسح الناس وقال للسياف لا تفعل أنا الذي قتلته فقال الوالي لأي شيء قتلته قال إني دخلت الليلة بيتي فرأيته نزل من السطح وسرق مصالحي فضربته بمطرقة على صدره فمات فحملته وجئت به إلى السوق وأوقفته في موضع كذا في عطفة كذا ثم قال المباشر ما كفاني أني قتلت مسلماً حتى يقتل بسببي نصراني فلا تشنق غيري فلما سمع الوالي كلام المباشر أطلق سراح النصراني السمسار، وقال للسياف اشنق هذا باعترافه فأخذ الحبل من رقبة النصراني ووضعه في رقبة المباشر وأوقفه تحت الخشبه وأراد أن يعلقه وإذا باليهودي الطبيب قد شق الناس وصاح على السياف وقال لا تفعل فما قتله إلا أنا وذلك انه جاءني في بيتي ليداوى فنزلت إليه فتعثرت فيه برجلي فمات فلا تقتل المباشر واقتلني. فأمر أن يقتل اليهودي الطبيب فأخذ السياف الحبل من رقبة المباشر ووضعه في رقبة اليهودي الطبيب وإذا بالخياط جاء وشق الناس وقال للسياف لا تفعل فما قتله إلا أنا وذلك أني كنت بالنهار أتفرج وجئت وقت العشاء فلقيت هذا الأحدب سكران ومعه دف وهو يغني بفرحة فوقفت أتفرج عليه وجئت به إلى بيتي واشتريت سمكاً وقعدنا نأكل فأخذت زوجتي قطعة سمك ولقمة ودستهما في فمه فزور فمات لوقته فأخذته أنا وزوجتي وجئنا به لبيت اليهودي فنزلت الجارية وفتحت لنا الباب فقلت لها قولي لسيدك أن بالباب امرأة ورجلاً ومعهما ضعيف تعال أنظره وصف له دواء وأعطيتها ربع دينار فطلعت لسيدها وأسندت الأحدب إلى جهة السلم ومضيت أنا وزوجتي فنزل اليهودي فعثر فيه فظن أنه قتله ثم قال الخياط لليهودي أصحيح هذا؟ قال: نعم. والتفت الخياط للوالي وقال: أطلق اليهودي واشنقني، فلما سمع الوالي كلامه تعجب من أمر الأحدب وقال إن هذا أمر يؤرخ في الكتب ثم قال للسياف أطلق اليهودي واشنق الخياط باعترافه فقدمه السياف وقال هل نقدم هذا ونؤخر هذا ولا نشنق واحداً ثم وضع الحبل في رقبة الخياط
فهذا ما كان من أمر هؤلاء وأما ما كان من أمر الأحدب، فقيل أنه كان مسخرة للسلطان لا يقدر أن يفارقه فلما سكر الأحدب غاب عنه تلك الليلة وثاني يوم إلى نصف النهار فسأل عنه بعض الحاضرين فقالوا له يا مولانا طلع به الوالي وهو ميت وأمر بشنق قاتله فنزل الوالي ليشنق القاتل فحضر له ثان وثالث وكل واحد يقول ما قتله إلا أنا وكل واحد يذكر للوالي سبب قتله له.فلما سمع الملك هذا الكلام صرخ على الحاجب وقال له انزل إلى الوالي، وائتني بهم جميعاً فنزل الحاجب فوجد السياف، كاد أن يقتل الخياط فصرخ عليه الحاجب وقال لا تفعل واعلم الوالي أن القضية بلغت الملك، ثم أخذه وأخذ الأحدب معه محمولاً والخياط واليهودي والنصراني والمباشر، وطلع بالجميع إلى الملك فلما تمثل الوالي بين يديه قبل الأرض وحكى له جميع ما جرى مع الجميع فلما سمع الملك هذه الحكاية تعجب وأخذه الطرب وأمر أن يكتب ذلك بماء الذهب وقال للحاضرين هل سمعتم مثل قصة هذا الأحدب فعند ذلك تقدم النصراني وقال يا ملك الزمان إن أذنت لي حدثتك بشيء جرى لي وهو أعجب وأطرب من قصة الأحدب فقال الملك حدثنا بما عندك فقال النصراني اعلم يا ملك الزمان أني لما دخلت تلك الديار أتيت بمتجر وأوقعني المقدور عندكم وكان مولدي بمصر وأنا من قبطها وتزينت بها وكان والدي سمساراً فلما بلغت مبلغ الرجال توفي والدي فعملت سمساراً مكانه. فبينما أنا قاعد يوماً من الأيام وإذا بشاب أحسن ما يكون وعليه أفخر ملبوس وهو راكب دابة فلما رآني سلم علي فقمت إليه تعظيماً له فأخرج منديلاً وفيه قدر من السمسم وقال: كم يساوي الأردب من هذا؟ فقلت له: مائة درهم. فقال لي: خذ التراسين والكيالين واعمد إلى خان الجوالي في باب النصر تجدني فيه وتركني ومضى وأعطاني السمسم بمنديله الذي فيه العينة فدرت على المشترين فبلغ ثمن كل أردب مائة وعشرين درهماً، فأخذت معي أربعة تراسين ومضيت إليه فوجدته في انتظاري فلما رآني قام إلى المخزن وفتحه فكيلناه فجاء جميع ما فيه خمسين أردباً فقال الشاب: لك في كل أردب عشرة دراهم سمسرة واقبض الثمن واحفظه عندك وقدر الثمن خمسة آلاف لك منها خمسمائة ويبقى لي أربعة آلاف وخمسمائة فإذا فرغ بيع حواصلي جئت إليك وأخذتها فقلت له: الأمر كما تريد ثم قبلت يديه ومضيت من عنده.
فحصل لي في ذلك اليوم ألف درهم وغاب عني شهراً، ثم جاء وقال لي: أين الدراهم؟ فقلت: هاهي حاضرة، فقال: احفظها حتى أجيء إليك فآخذها فقعدت أنتظره فغاب عني شهراً ثم جاءني وقال لي: أين الدراهم؟ فقمت وأحضرت له الدراهم وقعدت أنتظره فغاب عني شهراً ثم جاء وقال لي: بعد هذا اليوم آخذها منك، ثم ولى فقمت وأحضرت له الدراهم وقلت له: هل لك أن تأكل عندنا شيئاً؟ فأبى وقال لي: احفظ الدراهم، حتى أمضي وأجيء فآخذها منك، ثم ولى وقعدت أنتظره فغاب عني شهراً فقلت في نفسي: إن هذا الشاب كامل السماحة ثم بعد الشهر جاء وعليه ثياب فاخرة فلما رأيته قبلت يديه ودعوت له وقلت له: يا سيدي أما تقبض دراهمك؟ فقال: مهلاً علي حتى أفرغ من قضاء مصالحي وآخذها منك ثم ولى فقلت في نفسي: والله إذا جاء لأضيفنه لكوني انتفعت بدراهمه وحصل لي منها مال كثير، فلما كان آخر السنة جاء وعليه بدلة أفخر من الأولى فحلفت عليه أن ينزل عندي، ويضيفني فقال: بشرط أن ما تنفقه من مالي الذي عندك، قلت: نعم وأجلسته ونزلت فهيئأت ما ينبغي من الأطعمة والأشربة وغير ذلك وأحضرته بين يديه وقلت له: باسم الله، فتقدم إلى المائدة ومد يده الشمال وأكل معي فتعجبت منه فلما فرغنا غسل يده وناولته ما يمسحها به وجلسنا للحديث فقلت: يا سيدي فرج عني كربة لأي شيء أكلت بيدك الشمال لعل في يدك اليمين شيئاً يؤلمك، فلما سمع كلامي أنشد هذين البتين:
خليلي لا تسأل على ما بمهجـتـي= من اللوعة الحرى فتظهر أسقـام وما عن رضا فارقت سلمى معوضاً= بديلاً ولكن للـضـرورة أحـكـام ثم أخرج يده من كمه وإذا هي مصنوعة زنداً بلا كف فتعجبت من ذلك فقال لي: لا تعجب ولا تقل في خاطرك. إني أكلت معك بيدي الشمال عجباً ولكن لقطع يدي اليمين سبب من العجب فقلت: وما سبب ذلك؟ فقال: اعلم أني من بغداد ووالدي من أكابرها، فلما بلغت مبلغ الرجال سمعت السياحين والمسافرين والتجار يتحدثون بالديار المصرية فبقي ذلك في خاطري حتى مات والدي فأخذت أموالاً كثيرة وهيأت متجراً من قماش بغدادي وموصلي ونحو ذلك من البضائع النفيسة وحزمت ذلك وسافرت من بغداد وكتب الله السلامة لي حتى دخلت مدينتكم هذه. ثم بكى وأنشد هذه الأبيات:
قد يسم الأكمه من حفـرة =يسقط فيها الناصر الناظر ويسلم الجاهل من لفـظة= يهلك فيها العالم الماهـر ويعسر المؤمن في رزقه= ويرزق الكافر الفاجـر ما حيلة الإنسان ما فعلـه =هو الذي قدره الـقـادر فلما فرغ من شعره، قال: فدخلت مصر وأنزلت القماش في خان سرور وفككت أحمالي وأدخلتها وأعطيت الخادم دراهم ليشتري لنا بها شيئاً نأكله ونمت قليلاً فلما قمت ذهبت بين القصرين ثم رجعت وبت ليلتي فلما اصبحت فتحت رزمة القماش وقلت في نفسي أقوم لأشق بعض الأسواق وأنظر الحال فأخذت بعض القماش وحملته لبعض غلماني وسرت حتى وصلت قيسرية جرجس فاستقبلني السماسرة وكانوا علموا بمجيئي فأخذوا مني القماش ونادوا عليه فلم يبلغ ثمنه رأس ماله فقال لي شيخ الدلالين: يا سيدي أنا أعرف لك شيئاً تستفيد منه وهو أن تعمل مثل ما عمل التجار فتبيع متجرك إلى مدة معلومة بكاتب وشاهد وصيرفي وتأخذ ما تحصل من ذلك في كل يوم خميس واثنين فتكسب الدراهم كل درهم اثنين وزيادة على ذلك تتفرج على مصر ونيلها فقلت: هذا رأي سديد، فأخذت معي الدلالين وذهبت إلى الخان فأخذوا القماش إلى القيسرية فبعته إلى التجار وكتبت عليهم وثيقة إلى الصيرفي وأخذت عليه وثيقة بذلك ورجعت إلى الخان وأقمت أياماً كل يوم أفطر على قدح من الشراب وأحضر اللحم الضاني والحلويات حتى دخل الشهر الذي استحقت فيه الجباية فبقيت كل خميس واثنين أقعد على دكاكين التجار ويمضي الصيرفي والكاتب فيجيآن بالدراهم من التجار ويأتياني بها، إلى أن دخلت الحمام يوماً من الأيام وخرجت إلى الخان ودخلت موضعي وأفطرت على قدح من الشراب ثم نمت وانتبهت فأكلت دجاجة وتعطرت وذهبت إلى دكان تاجر يقال له: بدر الدين البستاني فلما رآني رحب بي وتحدث معي ساعة في دكانه. فبينما نحن كذلك وإذا بامرأة جاءت وقعدت بجانبي وعليها عصابة مائلة وتفوح منها روائح الطيب فسابت عقلي بحسنها وجمالها، ورفعت الأزرار فنظر إلي بأحداق سود ثم سلمت على بدر الدين فرد عليها السلام ووقف وتحدث معها فلما سمعت كلامها تمكن حبها من قلبي فقالت لبدر الدين: هل عندك تفصيلة من القماش المنسوج من خالص الذهب، فأخرج لها تفصيلة فقالت للتاجر: هل آخذها وأذهب ثم أرسل إليك ثمنها؟ فقال لها التاجر: لا يمكن يا سيدتي لأن هذا صاحب القماش وله علي قسط فقالت: ويلك إن عادتي أن آخذ منك كل قطعة قماش بجملة دراهم وأربحك فيها فوق ما تريد ثم أرسل إليك ثمنها فقال: نعم ولكني مضطر إلى الثمن في هذا اليوم فأخذت التفصيلة ورمته بها في صدره وقالت: إن طائفتكم لا تعرف لأحد قدراً ثم قامت مولية فظننت أن روحي راحت معها، فقمت ووقفت وقلت لها: يا سيدتي تصدقي علي بالالتفات وارجعي بخطواتك الكريمة فرجعت وتبسمت وقالت: لأجلك رجعت وقعدت قصادي على الدكان فقلت لبدر الدين: هذه التفصيلة كم ثمنها عليك؟ قال: ألف ومائة درهم فقلت له: ولك مائة درهم فائدة، فهات ورقة فاكتب لك فيها ثمنها. فأخذت التفصيلة منه وكتبت له ورقة بخطي وأعطيتها التفصيلة وقلت لها: خذي أنت وروحي وإن شئت هاتي ثمنها لي في السوق، وإن شئت هي ضيافتك مني فقال: جزاك الله خيراً ورزقك مالي وجعلك بعلي، فتقبل الله الدعوة وقلت لها: يا سيدتي اجعلي هذه التفصيلة لك ولك أيضاً مثلها ودعيني أنظر وجهك.فكشفت القناع عن وجهها فلما نظرت وجهها أعقبتني ألف حسرة وتعلق قلبي بمحبتها فصرت لا أملك عقلي ثم رخت القناع وأخذت التفصيلة وقالت: يا سيدي لا توحشني وقد ولت وقعدت في السوق إلى بعد العصر وأنا غائب العقل وقد تحكم الحب عندي، فمن شدة ما حصل لي من الحب سألت التاجر عنها حين أردت القيام فقال: إن هذه صاحبة مال وهي بنت أمير مات والدها وخلف لها مالاً كثيراً. فودعته وانصرفت وجئت إلى الخان فقدم لي العشاء فتذكرتها فلم آكل شيئاً ونمت فلم يأتني نوم فسهرت إلى الصباح ثم قمت فلبست بدلة غير التي كانت علي وشربت قدحاً من الشراب وأفطرت على شيء قليل وجئت إلى دكان التاجر فسلمت عليه وجلست عنده فجاءت الصبية وعليها بدلة أفخر من الأولى ومعها جارية، فجلست وسلمت علي دون بدر الدين وقالت لي بلسان فصيح ما سمعت أعذب ولا أحلى منه: أرسل معي من يقبض ألف والمائة درهم ثمن التفصيلة فقلت لها: ولا شيئ؟ فقالت: لا أعدمناك وناولتني الثمن وقعدت أتحدث معها فأوميت إليها بالإشارة ففهمت أني أريد وصالها، فقامت على عجل منها واستوحشت مني وقلبي متعلق بها وخرجت أنا خارج السوق في أثرها وإذا بجارية أتتني وقالت: يا سيدي كلم سيدتي فتعجبت لها وقلت: ما يعرفني هنا أحد فقالت الجارية: ما أسرع مانسيتها سيدتي التي كانت اليوم على دكان التاجر فلان. فمشيت معها إلى الصيارف فلما رأتني زوتني لجانبها وقالت: يا حبيبي وقعت بخاطري وتمكن حبك من قلبي ومن ساعة رأيتك لم يطلب لي نوم ولا أكل ولا شرب فقلت لها: عندي أضعاف ذلك والحال يغني عن الشكوى، فقالت: يا حبيبي أجيء لعندك؟ فقلت لها: أنا رجل غريب ومالي مكان يأويني إلا الخان فإن تصدقت علي بأن أكون عندك يكمل الحظ. قالت: نعم لكن الليلة ليلة جمعة ما فيها شيء إلا إن كان في غد بعد الصلاة فصل واركب حمـارك واسأل عن الحبانية فإن وصلت فاسأل عن قاعة بركات النقيب المعروف بأبي شامة فإني ساكنة هناك ولا تبطئ فإني في انتظارك. ففرحت فرحاً زائداً ثم تفرقنا وجئت للخان الذي أنا فيه وبت طول الليل سهران فما صدقت أن الفجر لاح حتى قمت وغيرت ملبوسي وتعطرت وتطيبت وأخذت معي خمسين ديناراً في منديل ومشيت من خان مسرور إلى باب زويلة فركبت حمـاراً وقلت لصاحبه: امض بي إلى الحبانية فمضى في أقل من لحظة فما أسرع ما وقف على درب يقال له درب المنقري فقلت له: ادخل الدرب واسأل عن قاعة النقيب فغاب عليلاً وقال: أنزل فقلت: امش قدامي إلى القاعة فمشى حتى أوصلني إلى المنزل فقلت له: في غد تجيئني هنا وتوديني فقال الحمـال: بسم الله فناولته ربع دينار ذهباً فأخذه وانصرف فطرقت الباب فخرج لي بنتان صغيرتان وبكران منهدتان كأنهما قمران فقالتا: ادخل إن سيدتنا في انتظارك لم تنم الليلة لولعها بك.فدخلت قاعة مغلقة بسبعة أبواب وفي دائرها شبابيك مطلة على بستان فيه من الفواكه جميع الألوان وبه أنهار دافقة وطيور ناطقة وهي مبيضة بياضاً سلطانياً يرى الإنسان وجهه فيها وسقفها مطلي بذهب وفي دائرها طرزات مكتبة بالازورد قد حوت أوصاف حسنة وأضاءت للناظرين وأرضها مفروشة بالرخام المجزع وفي أرضها فسقية وفي أركان تلك الفسقية الدر والجوهر مفروشة بالبسط الحرير الملونة والمراتب، فلما دخلت جلست،وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75521 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الف ليلة و ليلة السبت 04 مايو 2013, 11:34 am | |
|
الجزء الرابع والعشرون
حكينا عن الأحدب الذي قتل بالحسكة ووصل امره الي الوالي ثم الى الملك الذي منع اعدام قاتله.. فتقدم اليه النصراني وحكى له قصة الشاب الذي سافر بغرض التجارة وهناك حيث التقى بالمرأة وفتن بها..
وفي الليلة الثامنة والعشرون
بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب التاجر قال للنصراني: فلما دخلت وجلست لم أشعر إلا والصبية قد أقبلت وعليها تاج مكلل بالدر والجوهر وهي منقشة مخططة، وبدأت بشكواها لي وشكوت لها ولازلنا على هذا إلى أن أرهقنا النعاس ونمنا، ولما قمت رميت لها المنديل وركبت إلى الخان على العادة، ولم أزل على تلك الحالة مدة إلى أن بت لا أملك درهماً ولا دينار، فقلت في نفسي هذا من فعل الشيطان وأنشدت هذه الأبيات:
فقر الـفـتـى يذهـب أنـواره= مثل اصفرار الشمس عند المغيب إن غاب لا يذكـر بـين الـورى =وإن أتى فما له مـن نـصـيب يمر في الأسواق مسـتـخـفـيا=ً وفي الفلا يبكي بدمع صـبـيب والله ما الإنـسـان مـن أهـلـه= إذا ابتلى بالـفـقـر إلا غـريب ثم تمشيت إلى أن وصلت بين القصرين ولا زلت أمشي حتى وصلت إلى باب زويلة فوجدت الخلق في ازدحام والباب منسد من كثرة الخلق فرأيت بالأمر المقدر جندياً فزاحمته بغير اختياري، فجاءت يدي على جيبه فجسيته فوجدت فيه صرة من داخل الجيب الذي يدي عليه فعمدت إلى تلك الصرة فأخذتها من جيبه فأحس الجندي بأن جيبه خف فحط يده في جيبه فلم يجد شيئاً والتفت نحوي ورفع يده بالدبوس وضربني على رأسي فسقطت إلى الأرض فأحاط الناس بنا وأمسكوا لجام فرس الجندي وقالوا: أمن أجل الرحمة تضرب هذا الشاب هذه الضربة؟ فصرخ عليهم الجندي وقال: هذا حرامي سارق فعند ذلك أفقت ورأيت الناس يقولون: هذا الشاب مليح لم يأخذ شيئاً، فبعضهم يصدق بعضهم يكذب وكثر القيل والقال وجذبني الناس وأرادوا خلاصي منه فبأمر المقدر جاء الوالي هو وبعض الحكام في هذا الوقت ودخلوا من الباب فوجدوا الخلق مجتمعين علي وعلى الجندي، فقال الوالي: ما الخبر؟ فقال الجندي: والله يا أمير المؤمنين إن هذا حرامي وكان في جيبي كيس أزرق فيه عشرون ديناراً فأخذه وأنا في الزحام، فقال الوالي للجندي: هل كان معك أحد؟ فقال الجندي: لا فصرخ الوالي على المقدم وقال: أمسكه وفتشه فأمسكني وقد زال الستر عني فقال له الوالي: أعره من جميع ما عليه، فلما أعراني وجدوا الكيس في ثيابي فلما وجدوا الكيس أخذه الوالي وفتحه وعده فرأى فيه عشرين ديناراً كما قال الجندي. فغضب الوالي وصاح على أتباعه وقال: قدموه فقدموني بين يديه فقال: يا صبي قل الحق هل أنت سرقت هذا الكيس؟ فأطرقت برأسي إلى الأرض وقلت في نفسي: إن قلت ما سرقته فقد أخرجه من ثيابي وإن قلت سرقته وقعت في العناء ثم رفعت رأسي وقلت: نعم أخذته فلما سمع مني الوالي هذا الكلام تعجب ودعا الشهود فحضروا وشهدوا على منطقي هذا كله في باب زويلة فأمر الوالي السياف بقطع يدي فقطع يدي اليمنى فرق قلب الجندي وشفع في عدم قتلي وتركني الوالي ومضى وصارت الناس حولي وسقوني قدح شراب وأما الجندي فإنه أعطاني الكيس وقال: أنت شاب مليح ولا ينبغي أن تكون لصاً، فأخذته منه وأنشدت هذه الأبيات:
والله ما كنت لصاً يا أخا ثـقة= ولم أكن سارقاً يا أحسن الناس ولكن رمتني صروف الدهر عن عجل =فزاد همـي ووسـواس إفـلاسـي وما رمـيت ولـكـن الإلـه رمـى =سهماً فطير تاج الملك عـن رأسـي فتركني الجندي وانصرف بعد أن أعطاني الكيس وانصرفت أنا ولقيت يدي في خرقة وأدخلتها عني وقد تغيرت حالتي واصفر لوني مما جرى لي فتمشيت إلى القاعة وأنا على غير استواء ورميت روحي على الفراش فنظرتني الصبية متغير اللون فقالت لي: ما وجعك وما لي أرى حالتك تغيرت؟ فقلت لها: رأسي توجعني وما أنا طيب، فعند ذلك اغتاظت وتشوشت لأجلي وقالت: لا تحرق قلبي يا سيدي، اقعد وارفع رأسك وحدثني بما حصل لك اليوم فقد بان لي في وجهك كلام، فقلت: دعيني من الكلام فبكت وصارت تحدثني وأنا لا أجيبها حتى أقبل الليل فقدمت لي الطعام فامتنعت وخشيت أن تراني آكل بيدي الشمال فقلت: لا أشتهي أن آكل في مثل هذه الساعة فقالت: حدثني بما جرى لك في هذا اليوم ولأي شيء أراك مهموماً مكسور الخاطر والقلب؟ فقلت في هذه الساعة أحدثك على مهلي فقدمت لي الشراب وقالت: دونك فإنه يزيل همك فلا بد أن تشرب وتحدثني بخبرك فقلت لها: إن كان ولا بد فاسقيني بيدك فملأت القدح وشربته وملأته وناولتني إياه فتناولته منها بيدي الشمال وفرت الدمعة من جفني فأنشدت هذه الأبيات:
إذا أراد الله أمـراً لأمـرئ= وكان ذا عقل وسمع وبصر أصم أذنيه وأعمى قـلـبـه= وسل منه عقله سل الشعر حتى إذا أنفذ فيه حكـمـه= رد إليه عقله لـيعـتـبـر فلما فرغت من شعري تناولت القدح بيدي الشمال وبكيت، فلما رأتني أبكي صرخت صرخة قوية وقالت: ما سبب بكائك، قد أحرقت قلبي وما لك تناولت القدح بيدك الشمال؟ فقلت لها إن بيدي حبة، فقالت أخرجاه حتى أفقها لك فقلت: ما هو وقت فقعها لا تطيلي علي فما أخرجها في تلك الساعة ثم شربت القدح ولم تزل تسقيني حتى غلب السكر علي فنمت مكاني فأبصرت يدي بلا كف ففتشتني فرأت معي الكيس الذي فيه الذهب، فدخل عليها الحزن ما لا يدخل على أحد ولا زالت تتألم بسببي إلى الصباح فلما أفقت من النوم وجدتها هيأت لي مسلوقة وقدمتها فإذا هي أربعة من طيور الدجاج، وأسقتني قدح شراب فأكلت وشربت وحطيت الكيس وأردت الخروج فقالت: أين تروح؟
فقلت: إلى مكان كذا لأزحزح بعض الهم عن قلبي فقالت: لا تروح بل اجلس فجلست فقالت لي: وهل بلغت محبتك إياي إلى أن صرفت جميع مالك علي وعدمت كفك فأشهدك علي والشاهد الله أني لا أفارقك وسترى صحة قولي ولعل الله استجاب دعوتي بزواجك وأرسلت خلف الشهود فحضروا فقالت لهم: اكتبوا كتابي على هذا الشاب واشهدوا أني قبضت المهر فكتبوا كتابي عليها ثم قالت: اشهدوا أن جميع مالي الذي في هذا الصندوق وجميع ما عندي من المماليك والجواري لهذا الشاب فشهدوا عليها وقبلت أنا التمليك وانصرفوا بعدما أخذوا الأجرة. ثم أخذتني من يدي وأوقفتني على خزانة وفتحت صندوقاً كبيراً وقالت لي: انظر هذا الذي في الصندوق فنظرت فإذا هو ملآن مناديل، فقالت: هذا مالك الذي أخذته منك فكلما أعطيتني منديلاً فيه خمسون ديناراً ألقه وأرميه في هذا الصندوق فخذ مالك فقد رده الله عليك وأنت اليوم عزيز فقد جرى عليك القضاء بسببي حتى عدمت يمينك وأنا لا أقدر على مكافأتك ولو بذلت روحي لكان ذلك قليلاً ولك الفضل
ثم قالت لي: تسلم مالك فتسلمته ثم نقلت ما في صندوقها إلى صندوقي وضمت مالها إلى مالي الذي كنت أعطيتها إياه وفرح قلبي وزال همي فقالت: لقد بذلت جميع مالك ويدك في محبتي فكيف أقدر على مكافأتك والله لو بذلت روحي في محبتك لكان ذلك قليل وما أقوم بواجب حقك علي ثم إنها كتبت لي جميع ما تملك من ثياب بدنها وصيغتها وأملاكها، بحجة وما نامت تلك الليلة إلا مهمومة من أجلي حين حكيت لها ما وقع لي وبت معها. ثم أقمنا على ذلك أقل من شهر وقوي بها الضعف، وزاد بها المرض وما مكنت غير خمسين يوماً ثم صارت من أهل الآخرة فجهزتها وواريتها في التراب وعملت لها ختمات وتصدقت عليها بجملة من المال، ثم نزلت من التربة فرأيت لها مالاً جزيلاً وأملاكاً وعقارات، ومن جملة ذلك تلك المخازن السمسم التي بعت لك منها ذلك المخزن وما كان اشتغالي عنك هذه المدة إلا لأني بعت بقية الحواصل وإلى الآن لم أفرغ من قبض الثمن فأرجو منك أنك لا تخالفني فيما أقوله لك لأني أكلت زادك فقد وهبتك ثمن السمسم الذي عندك، فهذا سبب أكلي بيدي الشمال فقلت له: لقد أحسنت إلي وتفضلت علي فقال لي: لا بد أن تسافر معي إلى بلادي فإني اشتريت متجراً مصرياً واسكندرانياً فهل لك في مصاحبتي؟ فقلت: نعم وواعدته على رأس الشهر ثم بعت جميع ما أملك واشتريت به متجراً وسافرت أنا وذلك الشاب إلى هذه البلاد التي هي بلادكم فباع الشاب متجره واشترى متجراً عوضه من بلادكم ومضى إلى الديار المصرية فكان نصيبي من قعودي هذه الليلة حتى حصل من غربتي فهذا يا ملك الزمان ما هو أعجب من حديث الأحدب فقال الملك: لا بد من شنقكم كلكم وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الجزء الخامس والعشرون
والان لنرى ما حل بجماعة العميان بعد ان دخل عليهم الغريب وأمسكوا به فلنرى ما ستقصه شهرزاد لنا ولأمير الزمان شهريار من حكايات وكلام في الليلة الأربعين من الحكاية قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أخي لما صاح على رفقائه وقال: هذا غريب وقعوا فيه ضرباً فلما طال عليهم ذلك صاحوا: يا مسلمين دخل علينا من يريد أن يأخذ مالنا فاجتمع عليهم خلق فتعامى الرجل الغريب صاحب الدار الذي ادعوا عليه أنه لص وأغمض عينيه وأظهر أنه أعمى مثلهم بحيث لا يشك فيه أحد وصاح: يا مسلمين أنا بالله والسلطان أنا بالله والوالي أنا بالله والأمير فإن عندي نصيحة للأمير فلم يشعروا إلا وقد احاطهم جماعة الوالي فأخذوهم وأخي معهم وأحضروهم بين يديه فقال الوالي: ما خبركم؟ فقال ذلك الرجل: اسمع كلامي أيها الوالي لا يظهر لك حقيقة حالنا إلا بالعقوبة، وإن شئت فابدأ بعقوبتي قبل رفقائي فقال الوالي: اطرحوا هذا الرجل واضربوه بالسياط فطرحوه وضربوه فلما أوجعه الضرب فتح إحدى عينيه فلما ازداد عليه الضرب فتح عينه الأخرى فقال له الوالي: ما هذه الفعال يا فاجر؟ فقال: أعطني الأمان وأنا أخبرك فأعطاه الأمان، فقال: نحن أربعة نعمل حالنا عمياناً ونمر على الناس وندخل البيوت ,ونحتال وقد حصلنا من ذلك مكسباً عظيماً وهو عشرة آلاف درهم فقلت لرفقائي: أعطوني حقي ألفين وخمسمائة فقاموا وضربوني وأخذوا مالي وأنا مستجير بالله وبك وأنت أحق بحصتي من رفقائي، وإن شئت أن تعرف صدق قولي فاضرب كل واحد أكثر مما ضربتني فإنه يفتح عينيه فعند ذلك أمر الوالي بعقوبتهم وأول ما بدأ بأخي وما زالوا يضربونه حتى كاد أن يموت ثم قال لهم الوالي: يا فسقة تجحدون نعمة الله وتدعون أنكم عميان فقال أخي: الله الله الله ما فينا بصير فطرحوه إلى الضرب ثانياً ولم يزالوا يضربونه حتى غشي عليه فقال الوالي: دعوه حتى يفيق وأعيدوا عليه الضرب ثالث مرة، ثم أمر بضرب أصحابه كل واحد أكثر من ثلاثمائة عصا والنصير يقول لهم: افتحوا عيونكم وإلا جددوا عليكم الضرب ثم قال للوالي: ابعث معي من يأتيك بالمال، فإن هؤلاء ما يفتحون أعينهم ويخافون من فضيحتهم بين الناس فبعث الوالي معه من أتاه بالمال، فأخذه وأعطى الرجل منه ألفين وخمسمائة درهم على قدر حصته رغماً عنهم، وبقي أخي وباقي الثلاثة خارج المدينة فخرجت أنا يا أمير المؤمنين ولحقت أخي وسألته عن حاله فأخبرني بما ذكرته لك فأدخلته المدينة سراً ورتبت له ما يأكل وما يشرب طول عمره.
فضحك الخليفة من حكايتي وقال: صلوه بجائزة ودعوه ينصرف فقلت له: والله ما آخذ شيئاً حتى أبين لأمير المؤمنين ما جرى لبقية أخوتي وأوضح له أني قليل الكلام فقال الخليفة: أصدع آذاننا بخرافة خبرك وزدنا فقلت: وأما أخي الرابع يا أمير المؤمنين وهو الأعور فإنه كان جزاراً ببغداد يبيع اللحم ويربي الخرفان وكانت الكبار وأصحاب الأموال يقصدونه ويشترون منه اللحم فاكتسب من ذلك مالاً عظيماً واقتنى الدواب والدور، ثم أقام على ذلك زمناً طويلاً فبينما هو في دكانه يوماً من الأيام إذ وقف عليه شيخ كبير اللحية فدفع له دراهم، وقال: أعطني بها لحماً فأخذ الدراهم منه وأعطاه اللحم وانصرف، فتأمل أخي في فضة الشيخ فرأى دراهمه بيضاً بياضها ساطع فعزلها وحدها في ناحية وأقام الشيخ يتردد عليه خمسة أشهر وأخي يطرح دراهمه في صندوق وحدها ثم أراد أن يخرجها ويشتري غنماً فلما فتح الصندوق رأى ما فيه ورقاً أبيض مقصوصاً فلطم وجهه وصاح، فاجتمع الناس عليه فحدثه بحديثه فتعجبوا منه ثم رجع أخي إلى الدكان على عادته فذبح كبشاً وعلقه خارج الدكان وصار يقول في نفسه: لعل ذلك الشيخ يجيء فأقبض عليه فما كان إلا ساعة وقد أقبل الشيخ ومعه الفضة فقام أخي وتعلق به وصار يصيح: يا مسلمين ألحقوني واسمعوا قصتي مع هذا الفاجر.
فلما سمع الشيخ كلامه قال له: أي شيء أحب إليك أن تعرض عن فضيحتي أو أفضحك بين الناس؟ فقال له: يا أخي بأي شيء تفضحني؟ قال: بأنك تبيع لحم الناس في صورة لحم الغنم فقال له: يا أخي كذبت يا ملعون فقال الشيخ: ما ملعون إلا الذي عنده رجل معلق في الدكان فقال له أخي: إن كان الأمر كما ذكرت مالي ودمي حلال لك فقال الشيخ: يا معاشر الناس، إن هذا الجزار يذبح الآدميين ويبيع لحمهم في صورة لحم الغنم وإن أردتم أن تعلموا صدق قولي فادخلوا دكانه فهجم الناس على دكان أخي فرؤوا ذلك الكبش صار إنساناً معلقاً فلما رأوا ذلك تعلقوا بأخي وصاحوا عليه: يا كافر يا فاجر وصار أعز الناس إليه يضربه ويلطمه الشيخ على عينه، فقلعها وحمل الناس ذلك المذبوح إلى صاحب الشرطة فقال له الشيخ: أيها الأمير إن هذا الرجل يذبح الناس ويبيع لحمهم على أنه لحم غنم وقد أتيناك به فقم واقض حق الله عز وجل فدافع أخي عن نفسه فلم يسمع منه صاحب الشرطة بل أمر بضربه خمسمائة عصا وأخذوا جميع ماله ولولا كثرة ماله لقتلوه ثم نفوا أخي من المدينة فخرج هائماً لا يدري أين يتوجه فدخل مدينة كبيرة واستحسن أن يعمل إسكافياً ففتح دكاناً وقعد يعمل شيئاً يتقوت منه فخرج ذات يوم في حاجة
فسمع صهيل خيل فبحث على سبب ذلك فقيل له أن الملك خارج إلى الصيد والقنص فخرج أخي ليتفرج على الموكب وهو يتعجب من خسة رأيه حيث انتقل من صنعة الأساكفة فالتفت الملك وفقعت عينه على عين أخي فأطرق الملك رأسه، وقال: أعوذ بالله من شر هذا اليوم وثنى عنان فرسه، وانصرف راجعاً فرجع جميع العسكر وأمر الملك غلمانه أن يلحقوا أخي ويضربونه فلحقوه وضربوه ضرباً وجيعاً حتى كاد أن يموت ولم يدر أخي السبب فرجع إلى موضعه وهو في حالة العدم ثم مضى إلى إنسان من حاشية الملك وقص عليه ما وقع له فضحك حتى استلقى على قفاه وقال له: يا أخي اعلم أن الملك لا يطيق أن ينظر إلى أعور لا سيما إن كان الأعور شمالاً فإنه لا يرجع عن قتله فلما سمع أخي ذلك الكلام عزم على الهروب من تلك المدينة وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح...........
الجزء السادس والعشرون
والان لنرى ما ستقصه أميرة الكلام والزمان شهرزاد لأميرها شهرايار عن الأعور وعما حل به في الليلة الحادية والأربعين من ليايلي حكايتنا قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الأعور لما سمع ذلك الكلام عزم على الهروب من تلك المدينة وارتحل منها وتحول إلى مدينة أخرى لم يكن فيها ملك وأقام بها زمناً طويلاً ثم بعد ذلك تفكر في أمره وخرج يوماً ليتفرج، فسمع صهيل خيل خلفه فقال جاء أمر الله وفر يطلب موضعاً ليستتر فيه فلم يجد ثم نظر فرأى باباً منصوباً فدفع ذلك الباب فدخل فرأى دهليزاً طويلاً فاستمر داخلاً فيه فلم يشعر إلا ورجلان قد تعلقا به وقالا: الحمد لله الذي مكننا منك يا عدو الله هذه ثلاث ليال ما أرحتنا ولا تركتنا ننام ولا يستقر لنا مضجع بل أذقتنا طعم الموت فقال أخي: يا قوم ما أمركم بالله؟ فقالوا: أنت تراقبنا وتريد أن تفضحنا وتفضح صاحب البيت، أما يكفيك أنك أفقرته وأفقرت أصحابك ولكن أخرج لنا السكين التي تهددنا بها كل ليلة وفتشوه فوجدوا في وسطه السكين التي يقطع بها النعال، فقال: يا قوم اتقوا الله في أمري واعلموا أن حديثي عجيب فقالوا: وما حديثك فحدثهم بحديثه طمعاً أن يطلقوه. فلم يسمعوا منه مقاله ولم يلتفوا إليه بل ضربوه ومزقوا أثوابه، فلما تمزقت أثوابه وانكشف بدنه وجدوا أثر الضرب
بالمقارع على جنبيه فقالوا له: يا ملعون هذا أثر الضرب يشهد على جرمك، ثم أحضروا أخي بين يدي الوالي فقال في نفسه قد وقعت فأتيت إليه وأخذته وأدخلته المدينة سراً ورتبت له ما يأكل وما يشرب. وأما أخي الخامس فإنه كان مقطوع الأذنين، يا أمير المؤمنين وكان رجلاً فقيراً يسأل الناس ليلاً وينفق ما يحصله بالسؤال نهاراً، وكان والدنا شيخاً كبيراً طاعناً بالسن فخلف لنا سبعمائة درهم وأما أخي الخامس هذا فإنه لما أخذ حصته تحير ولم يدر ما يصنع بها فبينما هو كذلك إذ وقع في خاطره أنه يأخذ بها زجاجاً من كل نوع ليتجر فيه ويربح فاشترى بالمائة درهم زجاجاً وجعله في قفص كبير وقعد في موضع ليبيع ذلك الزجاج وبجانبه حائط فأسند ظهره إليها وقعد متفكراً في نفسه وقال: إن رأس مالي في هذا الزجاج مائة درهم أنا أبيعه بمائتي درهم ثم أشتري بالمائتي درهم زجاجاً أبيعه بأربعمائة درهم ولا أزال أبيع وأشتري إلى أن يبقى معي مال كثير فأشتري به من جميع المتاجر والعطريات حتى يربح ربحا عظيماوبعد ذلك أشتري داراً حسنة وأشتري المماليك والخيل والسروج المذهبة وآكل وأشرب ولا أخلي مغنية في المدينة حتى أجيء بها إلى بيتي وأسمع مغانيها هذا كله، وهو يحسب في نفسه وقفص الزجاج قدامه.
ثم قال وابعث جميع الخاطبات في خطبة بنات الملوك والوزراء واخطب بنت الوزير فقد بلغني أنها كاملة الحسن بديعة الجمال وأمهرها بألف دينار، فإن رضي أبوها حصل المراد وإن لم يرض أخذتها قهراً على رغم أنفه، فإن حصلت في داري اشتري عشرة خدام صغار، ثم اشتري لي كسوة الملوك والسلاطين وأصوغ لي سرجاً من الذهب مرصعاً بالجوهر، ثم اركب ومعي المماليك يمشون حولي وقدامي وخلفي حتى إذا رآني الوزير قام إجلالاً لي وأقعدني مكانه ويقعد هو دوني لأنه صهري ويكون معي خادمان بكيسين في كل كيس ألف دينار فأعطيه ألف دينار مهر بنته وأهدي إليه الألف الثاني إنعاماً حتى أظهر له مروءتي وكرمي وصغر الدنيا في عيني، ثم أنصرف إلى داري فإذا جاء أحد من جهة امرأتي وهبت له دراهم وخلعت عليه خلعة وإن أرسل إلي الوزير هدية رددتها عليه ولو كانت نفيسة ولم أقبل منه حتى يعلموا أني عزيز النفس ولا أخلي نفسي إلا في أعلى مكانة، ثم أقدم إليهم في إصلاح شأني وتعظيمي فإذا فعلوا ذلك أمرتهم بزفافها ثم أصلح داري إصلاحاً بيناً فإذا جاء وقت الجلاء لبست أفخر ثيابي وقعدت على مرتبة من الديباج لا ألتفت بميناً ولا شمالاً لكبر عقلي ورزانة فهمي وتجيء امرأتي وهي كالبدر في حليها وحللها وأنا أنظر إليها عجباً وتيهاً حتى يقول جميع من حضر: يا سيدي امرأتك وجاريتك قائمة بين يديك فأنعم عليها بالنظر فقد أضر بها القيام ثم يقبلون الأرض قدامي مراراً فعند ذلك أرفع رأسي وأنظر إليها نظرة واحدة، ثم أطرق برأسي إلى الأرض فيمضون بها وأقوم أنا وأغير ثيابي وألبس أحسن مما كان علي فإذا جاؤوا بالعروسة المرة الثانية، لا أنظر إليها حتى يسألوني مراراً فأنظر إليها ثم أطرق إلى الأرض برأسي مرارا ، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الجزء السابع والعشرون
بعد ما تحدث الرجلان الاول والثاني ولم ينالا رضا الملك اذا أن حديث الاحدب الذي قتل اكثر عذوبة قرر قتلهم جميعا..
وفي الليلة الواحدة الثلاثون
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك قال: لا بد من صلبكم جميعاً فتقدم اليهودي وقبل الأرض وقال: يا ملك الزمان أنا أحدثك بحديث أعذب من حديث الأحدب، فقال له ملك الصين هات ما عندك فقال: أعجب ما جرى في زمن شبابي أني كنت في الشام وتعلمت منه صنعة فعملت فيها، فبينما أنا أعمل في صنعتي يوماً من الأيام، إذا تأتي مملوك من بيت الصاحب بدمشق، فخرجت له وتوجهت معه إلى منزل الصاحب فدخلت فرأيت في صدر الإيوان سريراً من المرمر بصفائح الذهب وعليه مريض راقد وهو شاب لم ير أحسن منه في زمانه فقعدت عند رأسه ووعدت له بالشفاء فأشار إليه بعينيه فقلت له: يا سيدي ناولني يدك فأخرج لي يده اليسرى فتعجبت من ذلك وقلت في نفسي: يا الله العجب أن هذا الشاب مليح ومن بيت كبير وليس عنده أدب إن هذا هو العجب، ثم جسست مفاصله وكتبت له ورقة ومكثت أتردد عليه مدة عشرة أيام وفي اليوم الحادي عشر قال الشاب: هل لك أنت نتفرج في الغرفة؟ فقلت: نعم فأمر العبيد أن يطلعوا الفراش إلى فوق وأمرهم أن يشووا خروقاً وأن يأتوا إلينا بفاكهة ففعل العبيد ما أمرهم به وأتوا بالفاكهة فأكلنا وأكل هو بيده الشمال.
فقلت له: حدثني بحديثك فقال لي: يا حكيم الزمان اسمع حكاية ما جرى لي، اعلم أنني من أولاد الموصل وكان لي والد قد توفي أبوه وخلف عشرة أولاد ذكور من جملتهم والدي وكان أكبرهم فكبروا كلهم وتزوجوا ورزق والدي بي وأما إخوته التسعة فلم يرزقوا بأولاد فكبرت أنا وصرت بين أعمامي وهم فرحون بي فرحاً شديداً، فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال وكنت ذات يوم مع والدي في جامع الموصل وكان اليوم ويم جمعة فصلينا الجمعة وخرج الناس جميعاً وأما والدي وأعمامي فإنهم قعدوا يتحدثون في عجائب البلاد وغرائب المدن إلى أن ذكروا مصر فقال بعض أعمامي: إن المسافرين يقولون: ما على وجه الأرض أحسن من مصر ونيلها، ثم أنهم أخذوا يصفون مصر ونيلها، فلما فرغوا من كلامهم وسمعت أنا هذه الأوصاف التي في مصر صار جاري مشغولاً بها ثم انصرفوا وتوجه كل واحد منهم إلى منزله. فبت تلك الليلة لم يأتني نوم من شغفي بها ولم يطب لي أكل ولا شرب فلما كان بعد أيام قلائل تجهز أعمامي إلى مصر فبكيت على والدي لأجل الذهاب معهم حتى جهز لي متجراً ومضيت معهم وقال لهم: لا تدعوه يدخل مصر بل اتركوه في دمشق لبيع متجره فيها ثم سافرنا وودعت والدي وخرجنا من الموصل وما زلنا مسافرين إلى أن وصلنا إلى حلب فأقمنا بها أياماً ثم سافرنا إلى أن وصلنا دمشق فرأيناها مدينة ذات أشجار وأنهار وأثمار وأطيار كأنها جنة فيها كل فاكهة فنزلنا في بعض الخانات واستمر بها أعمامي حتى باعوا واشتروا وباعوا بضاعتي فربح الدرهم خمسة دراهم ففرحت بالربح ثم تركني أعمامي وتوجهوا إلى مصر..وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75521 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: الف ليلة و ليلة السبت 04 مايو 2013, 11:37 am | |
|
الجزء الثامن والعشرون
حكينا عن اليهودي الذي تقدم بين يدي الملك وحكى قصته لما أراد السفر الى مصر.. وجهزه والده ببضاعة وأرسله مع اعمامه واوصاهم بتركه في دمشق..
وفي الليلة الثامنة والعشرون
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما تركوه أعمامه وتوجهوا إلى مصر قال: مكثت بعدهم وسكنت في قاعة مليحة البنيان يعجر عن وصفها اللسان أجرتها كل شهر بدينارين وصرت أتلذذ بالمآكل والمشارب حتى صرفت المال الذي كان معي فبينما أنا قاعد على باب القاعة يوماً من الأيام وإذا بصبية أقبلت علي وهي لابسة أفخر الملابس وما رأت عيني أفخر منها فعزمت عليها فما قصرت بل صارت داخل الباب فلما دخلت ظفرت بها وفرحت بدخولها فرددت الباب علي وعليها فقمت وجئت بسفرة من أطيب المأكول والفاكهة وما يحتاج إليه المقام وأكلنا ثم نمت معها في أطيب ليلة إلى الصباح، وبعد ذلك أعطيتها عشرة دنانير فحلفت أنها لا تأخذ الدنانير مني ثم قالت: يا حبيبي انتظرني بعد ثلاثة أيام وقت المغرب أكون عندك وهيء لنا بهذه الدنانير مثل هذا وأعطتني هي عشرة دنانير وودعتني وانصرفت فأخذت عقلي معها. فلما مضت الأيام الثلاثة أتت وعليها من المزركش أو الحلي والحلل أعظم مما كان عليها أولاً وكنت هيأت لها ما يليق بالمقام قبل أن تحضر فأكلنا وشربنا ونمنا مثل العادة إلى الصباح ثم أعطتني عشرة دنانير وواعدتني بعد ثلاثة أيام أنها تحضر عندي فهيأت لها ما يليق بالمقام وبعد ثلاثة أيام حضرت في قماش أعظم من الأول والثاني ثم قالت لي: يا سيدي هل أنا مليحة؟ فقلت: أي والله فقالت: هل تأذن لي أن أجيء معي بصبية أحسن مني وأصغر سناً مني حتى تلعب معنا ونضحك وإياها فإنها سألتني أن تخرج معي وتبيت معنا لنضحك وإياها ثم أعطتني عشرين ديناراً وقالت لي: زد لنا المقام لأجل الصبية التي تأتي معي، ثم إنها ودعتني وانصرفت، فلما كان اليوم الرابع جهزت لها ما يليق بالمقام على العادة فلما كان بعد المغرب وإذا بها قد أتت ومعها واحدة ملفوفة بإزار فدخلتا وجلستا ففرحت وأوقدت الشموع واستقبلتهما بالفرح والسرور، وكشفت الصبية الجديدة عن وجهها فرأيتها كالبدر في تمامه فلم أر أحسن منها فقمت وقدمت لهما الأكل والشرب فأكلنا وشربنا وصرت أملأ لها القدح وأشرب معها فغارت الصبية الأولى في الباطن ثم قالت: بالله إن هذه الصبية مليحة أما هي أظرف مني؟ فقلت: أي والله قالت: خاطري أن تنام معها قلت: على رأسي وعيني ثم قامت وفرشت لنا فقمت ونمت مع الصبية الجديدة إلى وقت الصبح فلما أصبحت وجدت يدي ملوثة بدم فتحت عيني فوجدت الشمس قد طلعت فنبهت الصبية فتدحرج رأسها عن بطنها فظننت أنها فعلت ذلك من غيرتها منها ففكرت ساعة ثم قمت قلعت ثيابي وحفرت في القاعة ووضعت الصبية ورددت التراب وأعدت الرخام كما كان ورفعت المخدة فوجدت تحتها العقد الذي كان في عنق تلك الصبية فأخذته وتأملته وبكيت ساعة
ثم أقمت يومين وفي اليوم الثالث دخلت الحمام وغيرت أثوابي وأنا ما معي شيء من الدراهم فجئت يوماً إلى السوق فوسوس لي الشيطان لأجل إنفاذ القدر فأخذت عقد الجوهر وتوجهت به إلى السوق وناولته للدلال فقام لي وأجلسني بجانبه وصبر حتى عمر السوق وأخذه الدلال ونادى عليه خفية وأنا لا أعلم وإذا بالعقد مثمن بلغ ثمنه ألفي دينار فجاءني الدلال وقال لي: إن هذا العقد نحاس مصنوع بصنعة الإفرنج وقد وصل ثمنه إلى ألف درهم، فقالت له: نعم كنا صنعناه بصنعة الإفرنج لواحدة نضحك عليها به وورثتها زوجتي فرأينا بيعه، فرح واقبض الألف. فلما سمع الدلال ذلك عرف أن قضيته مشكلة فتوجه بالعقد إلى كبير السوق وأعطاه إياه فأخذه وتوجه به إلى الوالي وقال له: إن هذا العقد سرق من عندي ووجدنا الحرامي لابساً لباس أولاد التجار.. فلم أشعر إلا والظلمة قد أحاطوا بي وأخذوني وذهبوا بي إلى الوالي فسألني الوالي عن ذلك العقد فقلت له ما قلته للدلال فضحك الوالي وقال: ما هذا كلام الحق فلم أدر إلا وحواشيه جردوني من ثيابي وضربوني بالمقارع على جميع بدني فأحرقني الضرب فقلت: أنا سرقته ولا أقول إن صاحبته مقتولة عندي فيقتلوني فيها، فلما قلت أني سرقته قطعوا يدي وقلوها في الزيت فغشي علي فسقوني الشراب حتى أفقت فأخذت يدي وجئت إلى القاعة فقال صاحب القاعة حيثما جرى لك هذا فادخل القاعة وانظر لك موضعاً آخر لأنك متهم بالحرام فقلت له: يا سيدي اصبر علي يومين أو ثلاثة حتى أنظر لي موضعاً، قال: نعم ومضى وتركني. فبقيت قاعد أبكي وأقول: كيف أرجع إلى أهلي وأنا مقطوع اليد والذي قطع يدي لم يعلم أني بريء فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، وصرت أبكي بكاء شديداً فلما مضى صاحب القاعة عني لحقني غم شديد فتشوشت يومين وفي اليوم الثالث ما أدري إلا وصاحب القاعة جاءني ومعه بعض الظلمة وكبير السوق وادعى علي أني سرقت العقد فخرجت لهم وقلت: ما الخبر؟ فلم يمهلوني بل كتفوني ووضعوا في رقبتي جنزيراً وقالوا لي: إن العقد الذي كان معك طلع لصاحب دمشق ووزيرها وحاكمها وقالوا: إن هذا العقد قد ضاع من بيت الصاحب من مدة ثلاث سنين ومعه ابنته فلما سمعت هذا الكلام منهم ارتعدت مفاصلي وقلت في نفسي إنهم سيقتلونني ولا محالة، والله لا بد أنني أحكي للصاحب حكايتي فإن شاء قتلني وإن شاء عفى عني، فلما وصلنا إلى الصاحب أوقفني بين يديه فلما رآني قال: أهذا هو الذي سرق العقد ونزل به ليبيعه؟ إنكم قطعتم يده ظلماً ثم أمر بسجن كبير السوق وقال له: أعط هذا دية يده وإلا أشنقك وآخذ جميع مالك، ثم صاح على أتباعه فأخذوه وجردوه وبقيت أنا والصاحب وحدنا بعد أن فكوا الغل من عنقي بإذنه وحلوا وثاقي ثم نظر إلي الصاحب وقال: يا ولدي حدثني واصدقني كيف وصل إليك هذا العقد؟ فقلت: يا مولاي إني أقول لك الحق، ثم حدثته بجميع ما جرى لي مع الصبية الأولى وكيف جاءتني بالثانية وكيف ذبحتها من الغيرة وذكرت له الحديث بتمامه. فلما سمع كلامي هز رأسه وحط منديله على وجهه وبكى ساعة ثم أقبل علي وقال لي: اعلم يا ولدي أن الصبية ابنتي وكنت أحجز عليها فلما بلغت أرسلتها إلى ابن عمها بمصر فجاءتني وقد تعلمت العهر من أولاد مصر وجاءتك أربع مرات، ثم جاءتك بأختها الصغيرة والاثنتان شقيقتان وكانتا محبتين لبعضهما فلما جرى للكبيرة ما جرى أخرجت سرها على أختها فطلبت مني الذهاب معها ثم رجعت وحدها فسألتها عنها فوجدتها تبكي عليها وقالت: لا اعلم لها خبر ثم قالت لأمها سراً جميع ما جرى من ذبحها أختها فأخبرتني أمها سراً ولم تزل تبكي وتقول: والله لا أزال أبكي عليها حتى أموت وكلامك يا ولدي صحيح فإني أعلم بذلك قبل أن تخبرني به فانظر أن أزوجك ابنتي الصغيرة فإنها ليست شقيقة لهما وهي بكر ولا آخذ منك مهراً فأجعل لكما راتباً من عندي وتبقى عندي بمنزلة ولدي فقلت له: الأمر كما تريد يا سيدي ومن أين لي أن أصل إلى هذا فأرسل الصاحب في الحال من عنده بريد وأتاني بمالي الذي خلفه والدي والذي أنا اليوم في أرغد عيش. فتعجبت منه وأقمت عنده ثلاثة أيام وأعطاني مالاً كثيراً، وسافرت من عنده فوصلت إلى بلدكم هذه فطابت لي المعيشة وجرى لي مع الأحدب ما جرى، فقال ملك الصين: ما هذا بأعجب من حديث الأحدب ولا بد لي من شنقكم جميعاً وخصوصاً الخياط الذي هو رأس كل خطيئة قال: يا خياط إن حدثتني بشيء أعجب من حديث الأحدب وهبت لكم أرواحكم......وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الجزء التاسع والعشرون
بقي الخياط لم يسمعنا قصته... فدعاه الملك الى الحديث علّه بحديثه ينقد رقبته ورقاب رفاقه ..
وفي الليلة الثالثة والثلاثون فعند ذلك تقدم الخياط وقال: اعلم يا ملك الزمان أن الذي جرى لي أعجب مما جرى للجميع لأني كنت قبل أن أجتمع بالأحدب أول النهار في وليمة بعض أصحاب أرباب الصنائع من خياطين وبزازين ونجارين وغير ذلك، فلما طلعت الشمس حضر الطعام لنأكل، وإذا بصاحب الدار قد دخل علينا ومعه شاب وهو أحسن ما يكون من الجمال غير أنه أعرج فدخل علينا وسلم فقمنا، فلما أراد الجلوس رأى فينا إنساناً مزيناً فامتنع عن الجلوس وأراد أن يخرج من عندنا فمنعناه نحن وصاحب المنزل وشددنا عليه وحلف عليه صاحب المنزل وقال له: ما سبب دخولك وخروجك؟ فقال: بالله يا مولاي لا تتعرض لي بشيء فإن سبب خروجي هذا المزين الذي هو قاعد. فلما سمع منه صاحب الدعوة هذا الكلام تعجب غاية العجب وقال: كيف يكون هذا الشاب من بغداد وتشوش خاطره من هذا المزين ثم التفتنا إليه وقلنا له: إحك لنا ما سبب غيظك من هذا المزين فقال الشاب: يا جماعة إنه جرى لي مع هذا المزين أمر عجيب في بغداد بلدي وكان هو سبب عرجي وكسر رجلي وحلفت أني ما بقيت قاعداً في مكان ولا أسكن في بلد هو ساكن بها وقد سافرت من بغداد ورحلت منها وسكنت في هذه المدينة وأنا الليلة لا أبيت إلا مسافر فقلنا: بالله عليك أن تحكي لنا حكايتك معه فاصفر لون المزين حين سألنا الشاب، ثم قال الشاب: اعلموا يا جماعة الخير أن والدي من أكابر تجار بغداد ولم يرزقها لله تعالى بولد غيري. فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال توفي والدي إلى رحمة الله تعالى وخلف لي مالاً وخدماً وحشماً فصرت ألبس الملابس وآكل أحسن المآكل، وكان الله سبحانه وتعالى بغضني في النساء إلى أن كنت ماشياً يوماً من الأيام في أزقة بغداد وإذا بجماعة تعرضوا لي في الطريق فهربت ودخلت زقاقاً لا ينفذ وارتكنت في آخره على مصطبة فلم أقعد غير ساعة وإذا بطاقة قبالة المكان الذي أنا فيه فتحت وطلت منها صبية كالبدر في تمامه لم أر في عمري مثلها ولها زرع تسقيه وذلك الزرع تحت الطاقة فالتفتت يميناً وشملاً ثم قفلت الطاقة وغابت عن عيني. فانطلقت في قلبي النار واشتغل خاطري بهما وانقلب بغضي للنساء محبة فما زلت جالساً في المكان إلى المغرب وأنا غائب عن الدنيا من شدة الغرام وإذا بقاضي المدينة راكب وقدامه عبيد ووراءه خدم فنزل ودخل البيت الذي طلت منه تلك الصبية فعرفت أنه أبوها،
ثم إني جئت منزلي وأنا مكروب ووقعت على الفراش مهموماً فدخلن علي جواري وقعدن حولي ولم يعرفن ما بي وأنا لم أبد لهن أمراً ولم أرد لخطابهن جواباً، وعظم مرضي فصارت الناس تعودني فدخلت علي عجوز فلما رأتني لم يخف عليها حالي، فقعدت عند رأسي ولاطفتني وقالت لي: قل لي خبرك؟ فحكيت لها حكايتي..وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الجزء الثلاثون
اخواني أخواتي أعضاء حلبيات الأعزاء نظرا لا ستقالة أختنا ساور فقد أحالت الي ملف هذه القصة لكي تستمر السلة ان شاء الله فأرجوا أن أكون قدر هذه المسؤولية وأن أقدم الممتع والمفيد رغم أنني متأكد بأن لمساتي سوف لن تكون كلمسات شهرزادنا ولكن سوف أحاول جهدي قدر المستطاع فتقبلوها مني ولكم مني خاااالص التحية ,أخوكم نديم , أما الان فمع أحداث الليلة الرابعة والثلاثين من حكايا ألف ليلة وليلة فلنرى سويا ما ستنطق به شهرزاد أميرة الكلام وملكة الحكايات قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال له: إنك قاتلي في هذا اليوم فقال: يا سيدي أنا الذي تسميني الناس الصامت لقلة كلامي دون إخوتي لأن أخي الكبير اسمه البقبوق والثاني الهدار والثالث بقبق والرابع اسمه الكوز الأصوني والخامس اسمه العشام والسادس اسمه شقالق والسابع اسمه الصامت وهو أنا فلما زاد علي هذا المزين بالكلام رأيت أن مرارتي انفطرت، وقلت للغلام: أعطه ربع دينار وخله ينصرف عني لوجه الله، فلا حاجة إلى حلاقة رأسي، فقال المزين حين سمع كلامي مع الغلام: يا مولاي، ما أظنك تعرف بمنزلتي فإن يدي تقع رأس الملوك والأمراء والوزراء والحكماء والفضلاء، وفي مثلي قال الشاعر: جميع الصنائع مثل العقود وهذا المزين در السلـوك فيعلو على كل ذي حكـمة وتحت يديه رؤوس الملوك فقلت: دع ما لا يعنيك فقد ضيقت صدري وأشغلت خاطري فقال: أظنك مستعجلاً؟ فقلت له: نعم فقال: تمهل على نفسك، فإن العجلة من الشيطان وهي تورث الندامة والحرمان وقد قال عليه الصلاة والسلام: خير الأمور ما كان فيه تأن وأنا والله رابني أمرك فأشتهي أن تعرفني ما الذي أنت مستعجل من أجله ولعله خير فإني أخشى أن يكون شيئاً غير ذلك وقد بقي من الوقت ثلاث ساعات ثم غضب ورمى الموس من يده وأخذ الاصطرلاب ومضى إلى الشمس ووقف حصة مديدة وعاد وقال: قد بقي لوقت الصلاة ثلاث ساعات لا تزيد ولا تنقص فقلت له: بالله عليك، اسكت عني فقد فتت كبدي فأخذ الموس وسنه كما فعل أولاً وحلق بعض رأسي وقال: أنا مهموم من عجلتك فلو أطلعتني على سببها لكان خيراً لك لأنك تعلم أن والدك ما كان يفعل شيئاً إلا بمشورتي. فلما علمت أن مالي منه خلاص قلت في نفسي قد جاء وقت الصلاة وأريد أن أمضي قبل أن تخرج
الناس من الصلاة فإن تأخرت ساعة لا أدري أين السبيل إلى الدخول إليها فقلت: أوجز ودع عنك هذا الكلام والفضول فإني أريد أن أمضي إلى دعوة عند أصحابي.
فلما سمع ذكر الدعوة قال: يومك يوم مبارك علي لقد كنت البارحة حلفت علي جماعة من أصدقائي ونسيت أن أجهز لهم شيئاً يأكلونه وفي هذه الساعة تذكرت ذلك فقلت له: لا تهتم بهذا الأمر بعد تعريفك أنني اليوم في دعوة فكل ما في داري من طعام وشراب لك إن أنجزت أمري، وعجلت حلاقة رأسي فقال: جزاك الله خيراً صف لي ما عندك لأضيافي حتى أعرفه؟ فقلت: عندي خمسة أوان من الطعام وعشر دجاجات محمرات وخروف مشوي فقال: أحضرها لي حتى أنظرها فأحضرت له جميع ذلك فلما عاينه، قال: بقي لله درك ما كرم نفسك لكن بقي الشراب فقلت له: عندي قال: أحضره فأحضرته له، قال: لله درك ما أكرم نفسك لكن بقي البخور الطيب فأحضرت له درجاً فيه نداً وعوداً وعنبر ومسك يساوي خمسين ديناراً وكان الوقت قد ضاق حتى صار مثل صدري فقلت له: خذ هذا واحلق لي جميع رأسي بحياة محمد فقال المزين: والله ما آخذه حتى أرى جميع ما فيه
فأمرت الغلام ففتح له الدرج فرمى المزين الصطرلاب من يده وجلس على الأرض يقلب الطيب والبخور والعود الذي في الدرج حتى كادت روحي أن تفارق جسمي ثم تقدم وأخذ الموسى وحلق من رأسه شيئاً يسيراً وقال: والله يا ولدي ما أدري كيف أشكرك وأشكر والدك لان دعوتي اليوم كلها من بعض فضلك وإحسانك وليس عندي من يستحق ذلك وإنما عندي زيتون الحمامي وصليع الفسخاني وعوكل الفوال وعكرشة البقال، وحميد الزبال وعكارش اللبان، ولكل هؤلاء رقصة يرقصها فضحكت عن قلب مشحون بالغيظ وقلت له: أقض شغلي وأسير أنا في أمان الله تعالى وتمضي أنت إلى أصحابك فإنهم منتظرون قدومك، فقال: ما طلبت إلا أن أعرفك بهؤلاء القوم فإنهم من أولاد الناس الذين ما فيهم فضولي ولو رأيتهم مرة واحدة لتركت جميع أصحابك فقلت نعم الله سرورك بهم ولا بد أن أحضرهم عندي يوماً.وأدرك شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح ....
الجزء الحادي والثلاثون
وفي الليلة الخامسة والثلاثين جلست شهزاد لتكمل ما توقفت عنه في الليلة الماضية فلنرى ونستمع ما ستقوله شهرزاد أميرة الحكايات الكلام لأمير الزمان قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال للمزين لا بد أن أحضر أصحابك عند يوماً فقال له: إذا أردت ذلك وقدمت دعوى أصحابك في هذا اليوم فاصبر حتى أمضي بهذا الإكرام الذي أكرمتني به وأدعه عند أصحابي يأكلون ويشربون ولا ينتظرون، ثم أعود إليك وأمضي معك إلى أصدقائك فليس بيني وبين أصدقائي حشمة تمنعني عن تركهم والعود إليك عاجلاً، وأمضي معك أينما توجهت فقلت: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم امضي أنت إلى أصدقائي وأكون معهم في هذا اليوم فإنهم ينتظرون قدومي فقال المزين لأدعك تمضي وحدك، فقلت له: إن الموضع الذي أمضي إليه لا يقدر أحد أن يدخل فيه غيري، فقال: أظنك اليوم في ميعاد واحد وإلا كنت تأخذني معك وأنا أحق من جميع الناس وأساعدك على ما تريد فإني أخاف أن تدخل على امرأة أجنبية فتروح روحك فإن هذه مدينة بغداد لا يقدم أحد أن يعمل فيها شيئاً من هذه الأشياء لا سيما في مثل هذا اليوم وهذا ولي بغداد صار عظيم فقل: ويلك يا شيخ الشر أي شيء هذا الكلام الذي تقابلني به. فسكت سكوتا طويلاً وأدركنا وقت الصلاة وجاء وقت الخطبة وقد فرغ من حلق رأسي. فقلت له: أمضي إلى أصحابك بهذا الطعام والشراب وأنا أنتظرك حتى تمضي معي. ولم أزل أخادعه لعله يمضي، فقال لي إنك تخادعني وتمضي وحدك وترمي نفسك في مصيبة لا خلاص لك منها، فبالله لا تبرح حتى أعود إليك وأمضي معك حتى أعلم ما يتم من أمرك، فقلت له: نعم لا تبطئ علي فأخذ ما عطيته من الطعام والشراب وغيره وأخرج من عندي فسلمه إلى الحمال ليوصله إلى منزله وأخفى نفسه في بعض الأزقة ثم قمت من ساعتي وقد أعلنوا على المنارات بسلام الجمعة فلبست ثيابي وخرجت وحدي وأتيت إلى الزقاق ووقعت على البيت الذي رأيت فيه تلك الصبية وإذا بالمزين خلفي ولا أعلم به فوجدت الباب مفتوحاً فدخلت وإذا بصاحب الدار عاد إلى منزله من الصلاة ودخل القاعة وغلق الباب، فقلت من أين أعلم هذا الشيطان بي؟ فاتفق في هذه الساعة، لأمر يريده الله من هتك ستري أن صاحب الدار أذنبت جارية عنده فضربها فصاحت فدخل عنده عبد ليخلصها فضربه فصاح الآخر فاعتقد المزين أنه يضربني فصاح ومزق أثوابه وجثا التراب على رأسه وصار يصرخ ويستغيث والناس حوله وهو يقول قتل سيدي في بيت القاضي ثم مضى إلى داري وهو يصيح والناس خلفه وأعلم أهل بيتي وغلماني فما دريت إلا وهم قد أقبلوا يصيحون واسيداه كل هذا والمزين قدامهم وهو يمزق الثياب والناس معهم ولم يزالوا يصرخون وهو في أوائلهم يصرخ وهم يقولوا واقتيلاه وقد أقبلوا نحو الدار التي أنا فيها فلما سمع القاضي ذلك عظم عليه الأمر وقام وفتح الباب
فرأى جمعاً عظيماً فبهت وقال: يا قوم ما القصة؟ فقال له الغلمان إنك قتلت سيدنا، فقال يا قوم وما الذي فعله سيدكم حتى أقتله؟. وأدرك شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح ..
الجزء الثاني وثلاثون
اخواني أخواتي أعضاء حلبيات الغالية قبل أن نبدأ أحداث الليلة السادسة والثلاثون اسمحوا لي أن انوه بأن ما ترونه في هذه القصة هو ليس من عملي وحدي بل هو عمل ثنائي مني ومن أخي وصديقي وشريكي الغالي سامي فأنا أقدم النص وهو يزينه بلمساته الساحرة من تدرج للألوان وغير ذلك من العمليات الفنية والتقنية فاسمحوا لي أن أشكره جزيل الشكر على أنه لم يخيب طلبي في أن يساعدني في هذه الأمور التي أنا لا أتمتع بخبرته في هذا المجال فنحن نعمل سويا ان شاء الله على أن نقدم لكم المتعة والفائدة والجمال أعتذر ان أطلت ولكن هذا الأمر كان يستدعي التنويه.أما الان فلنستمع الى ما قالته أميرة الكلام وملكة الحكايات الى أميرها شهريار أمير الزمان قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن القاضي قال للغلمان: وما الذي فعله سيدكم حتى أقتله وما لي لا أرى هذا المزين بين أيديكم، فقال له المزين: أنت ضربته في هذه الساعة بالمقارع وأنا أسمع صياحه، فقال القاضي، وما الذي فعله حتى أقتله ومن أدخله داري ومن أين جاء وإلى أين يقصد، فقال له المزين لا تكن شيخاً نحساً فأنا أعلم الحكاية وسبب دخوله دارك وحقيقة الأمر كله وبنتك تعشقه وهو يعشقها، فعلمت أنه قد دخل دارك وأمرت غلمانك فضربوه والله ما بيننا وبينك إلا الخليفة أو تخرج لنا سيدنا ليأخذه أهله ولا تحوجني إلى أن أدخل وأخرجه من عندكم وعجل أنت بإخراجه فالتجم القاضي عن الكلام وصار في غاية الخجل من الناس وقال للمزين: إن كنت صادقاً، فادخل أنت وأخرجه فنهض المزين ودخل الدار، فلما رأيت المزين أردت أن أهرب فلم أجد لي مهرباً غير أني رأيت في الطبقة التي أنا فيها صندوقاً فدخلت فيه ورددت الغطاء عليه وقطعت النفس، فدخل بسرعة ولم يلتفت إلى غير الجهة التي أنا فيها بل قصد الموضع الذي أنا فيه والتفت يميناً وشمالاً فلم يجد إلا الصندوق الذي أنا فيه فحمله على رأسه.
فلما رأيته فعل ذلك غاب رشدي ثم مر مسرعاً فلما علمت أنه ما يتركني فتحت الصندوق وخرجت منه بسرعة ورميت نفسي على الأرض فانكسرت رجلي، فلما توجعت إلى الباب وجدت خلقاً كثيراً لم أر في عمري مثل هذا الازدحام الذي حصل في ذلك اليوم فجعلت أنثر الذهب على الناس ليشتغلوا به فاشتغل الناس به وصرت أجري في أزقة بغداد وهذا المزين خلفي وأي مكان دخلت فيه يدخل خلفي وهو يقول أرادوا أن يفجعوني في سيدي الحمد لله الذي نصرني عليهم، وخلص سيدي من أيديهم فما زلت يا سيدي مولعاً بالعجلة لسوء تدبيرك حتى فعلت بنفسك هذه الأفعال فلولا من الله عليك بي ما كنت خلصت من هذه المصيبة التي وقعت فيها وربما كانوا يرمونك في مصيبة لا تخلص منها أبداً فاطلب من الله أن أعيش لك حتى أخلصك، والله لقد أهلكتني بسوء تدبيرك وكنت تريد أن تروح وحدك، ولكن لا نؤاخذك على جهلك لأنك قليل العقل عجول. فقلت له: أما كفاك ما جرى منك حتى تجري ورائي في الأسواق وصرت أتمنى الموت لأجل خلاصي منه فلا أجد موتاً ينقذني منه، فمن شدة الغيظ، فررت ودخلت دكاناً في وسط السوق واستجرت بصاحبها فمنعه عني، وجلست في مخزن وقلت في نفسي ما بقيت أقدر أن أفترق من هذا المزين، بل يقيم عندي ليلاً ونهاراً ولم يبق في قدرة على النظر إلى وجهه، فأرسلت في الوقت أحضر الشهود وكتبت وصية لأهلي وجعلت ناظراً عليهم وأمرته أن يبيع الدار والعقارات وأوصيته بالكبار والصغار، وخرجت مسافراً من ذلك الوقت حتى أتخلص من ذلك القد ثم جئت إلى بلادكم فسكنتها ولي فيها مدة فلما عزمت علي وجئت إليكم رأيت هذا القبيح القواد عندكم في صدر المكان فكيف يستريح قلبي ويطيب مقامي عندكم مع هذا وقد فعل معي هذه الفعال وانكسرت رجلي بسببه ثم أن الشاب امتنع من الجلوس. فلما سمعنا حكايته مع المزين قلنا للمزين: أحق ما قاله هذا الشاب عنك؟ فقال والله أنا فعلت ذلك بمعرفتي ولولا أني فعلت لهلك وما سبب نجاته إلا أنا ومن فضل الله عليه بسببي أنه أصاب برجله ولم يصب بروحه ولو كنت كثير الكلام ما فعلت معه ذلك الجميل وها أنا أقول لكم حديثاً جرى لي حتى تصدقوا أني قليل الكلام وما عندي فضول من دون إخوتي وذلك أني كنت ببغداد في أيام خلافة أمير المؤمنين المنتصر بالله، وكان يحب الفقراء والمساكين ويجالس
العلماء والصالحين، فاتفق له يوماً أنه غضب على عشرة أشخاص فأمر المتولي ببغداد أن يأتيه بهم في زورق فنظرتهم أنا، فقلت: ما اجتمع هؤلاء إلا لعزومة وأظنهم يقطعون يومهم في هذا الزورق في أكل وشرب ولا يكون نديمهم غيري فقمت ونزلت معهم واختلطت بهم فقعدوا في الجانب الآخر فجاء لهم أعوان الوالي بالأغلال ووضعوها في رقابهم ووضعوا في رقبتي غلال من جملتهم فهذا يا جماعة ما هو من مروءتي وقلة كلامي لأني ما رضيت أن أتكلم فأخذونا جميعاً في الأغلال وقدمونا بين يدي المنتصر بالله أمير المؤمنين فأمر بضرب رقاب العشرة. وأدرك شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح ......
|
|
| |
| الف ليلة و ليلة | |
|