|
| "الخبز المر" والبحث عن طريق! "ماجد أبو شرار" | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75881 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: "الخبز المر" والبحث عن طريق! "ماجد أبو شرار" الثلاثاء 15 مارس 2016, 8:48 pm | |
| "الخبز المر" والبحث عن طريق! بقلم الكاتب: السيد نجم "ماجد أبو شرار" يعرفه الساسة وقليل من الأدباء. استشهد من جراء قنبلة في غرفة نومه بايطاليا عام 1981م, وهو تاريخ المجموعة! يقول الكاتب "يحي يخلف" عنه في مقدمة المجموعة: "نشرت معظم قصص هذه المجموعة في مجلة "الأفق الجديد" المقدسية, والتي ظهرت في مطلع الستينيات... لعبت دورا كبيرا في تنشيط الحياة الثقافية... وبالرغم من توقف المجلة عن الصدور عام 1966م, إلا أن أثرها على الثقافة في الضفة الغربية والأردن ما زال ماثلا... وقدمت المجلة على صعيد القصة القصيرة عددا من الكتاب, كان من أبرزهم: ماجد أبو شرار, نمرسرحان, صبحي شحروري, محمود شقير, حكم بلعاوى, خليل السواحرى, فخري قعوار, ويحيى يخلف. لقد تميز "ماجد" من بين تلك الأسماء, ولفتت قصصه انتباه نقاد الأفق الجديد." كما أبرز "يخلف" أن فترة كتابة تلك القصص تتميز ببعض الخصائص التي تحمل ملامح المرحلة في إطار مراحل التجربة الأدبية الفلسطينية, والتي تميزت عن غيرها من التجارب العربية, ارتباطها بالمفاهيم الكلية, والتعبير عن الصمود والمواجهة والرفض, كل ذلك في إطار عام حول الوطن, والمواجهة المباشرة مع العدو في حياة الإنسان الفلسطيني اليومي..أو في إطار غير مباشر.. وفى كل الأحوال الأدب الفلسطيني هو أدب مقاوم. أما ما رصده الكاتب "يخلف" حول كتابات تلك المرحلة: -أن القصص المنشور على صفحات "الأفق الجديدة" تمثل الارهاصات الأولى لقصة فلسطينية ناضجة.. وهى التي سبقت ورافقت إنشاء "منظمة التحرير الفلسطينية" (أنشأت عام 1965م) حيث بداية الكفاح المسلح. -أن قصص تلك المرحلة (والمنشورة في الأفق الجديد) تحمل دلالات سياسية واجتماعية للمجتمع المدني الفلسطيني (بعد النكبة في 1948م). -تميزت قصص "ماجد" بالواقعية ذات المضمون الاجتماعي الملتزم بقضية الكادحين.. مع مسحة تأثر بالفلسفة الوجودية التي شاعت خلال تلك الفترة. وبعد, فان قارىء قصص المجموعة "خبز مر", حتما سيجد مصداقية تلك الملامح التي رصدها "يحيى يخلف"..ولا يبقى سوى التقاطها بين ثنايا القصص. وهو ما توافق مع منهجي في تناول الأدب النثري الفلسطيني مرحلة فأخرى. تضم المجموعة 12قصة قصيرة (توجد قصص أخرى, ربما ستنشر مستقبلا ) وهى:"صورة", "مكان البطل", "النجار الصغير", "أفاعي الماء", "سلة الملوخية", "برازق", "تمزق", "جسر منتصف الليل", "الخبز المر", "وأنهار الجدار", "الشمس تذوب", "الزنجية". يقع الكتاب في 93صفحة, وهو ما يكشف عن حجم القصص.. فلا توجد تلك القصص المطولة تحت عباءة القصة القصيرة, كما كان شائعا في قصص تلك الفترة في الكتابة القصصية العربية. كما أن تاريخ كتابة تلك القصص ما بين 59 حتى 64, أي حوالي خمس سنوات. :قصة "الخبز المر" "فائق" شاب يعمل مع "أبوخميس" الشيخ وقد بلغ الخمسين من عمره, يعملان عملا قاسيا في منجم للفوسفات. الأول يحمل خصائص الشباب من فتوة وعفوية ورغبة في البحث, على الرغم من كل الظروف الصعبة التي يعمل في ظلها. بينما الآخر شيخا مهموما طول الوقت ولا رغبة عنده إلا في الصمت! نجح الشاب في اقتحام شرنقة الشيخ, فعرفنا هموم الرجل وآماله.. "سهلة" ابنته المتفوقة في الدراسة حصلت على المرتبة الأولى في صفها.. الملعونة "ليلى" تحلم بسيارة حمراء ناعمة. أما الهم الأكبر فهو مرض الشيخ..بدأ نور العين يذوى, ولا يريد الشكوى حتى لا يفصل من العمل. لم يكشف عنها إلا قبل غيابه الغامض عن العمل..أنه مصدور , مريض بداء السل, وأيضا يطوى آلامه داخل صدره. كل ما كان يتمناه, ويكرره كحلم متجدد وأمنية غالية يرددها للشاب: كان يتمنى ألا يموت إلا بعد أن تكتمل ابنته سهيل دراستها الثانوية. لكن: "ذات صباح لم يحضر أبوخميس إلى العمل.. علمت أن المرض بدأ ينتصر, وذهبت إلى بيته... نوبات السعال بدأت تخمد وتهدأ, جذوة الحياة في عينية تخبو رويدا, ونظرة مسكينة محملة بألف معنى تواجهني كلما نظرت إلى عينيه, وسهلة وأمها والبنات ينتحبن بصوت خافت, وأغمض عينيه ورفع كفه المعروفة, وانتفض, وسقطت كفه على صدره وأسدلت الغطاء على الوجه الهارب من الحياة" ص70 :قصة "مكان البطل" "قلة....أولئك الذين كانوا يعلمون أن العاصفة وشيكة..وستأتي مزمجرة عنيدة طاحنة..أما الكثرة..فقد استسلموا لراحة لا لذة فيها...فهم يعلمون أن الراحة سيعقبها تعب.. وينظر إبراهيم إلى ساعته ويسحب نفسا أخيرا من لفافته ويلقيها ثم يدوسها....يتمتم:"إنها النهاية...".ص18 تلك هي بداية القصة, والتي كتب تحت عنوانها إهداء "إلى روح البطل..إبراهيم أبودية" (وهى الوحيدة المهداة إلى أحدهم). أمامه ما أثار غضبه, فقد كتب عليها "القدس تستسلم".. وهو ما أغضبه, حتى أنه مزق الجريدة. يخرج من حجرته ويطلع على أحوال الجنود (الوحدة تحتل إحدى القلاع الهامة عسكريا).يقابل الجندي "جبر", يتحاوران حول أخبار الهجوم الوشيك من الأعداء على القلعة.. وهو الهجوم الخامس بعد فشل الأربع هجمات السابقة! الساعة عبرت السادسة مساء, وقرب الهجوم على بدايته, ويشرد القائد "إبراهيم"..في زوجته وأسرته, في أفاعيل العدو الغاصب, في الاحتمالات المنتظرة..إلا أن "جبرا" الجندي النشط جاء بالخبر.. الهجوم هذه المرة مع استخدام الدبابات!! تكفل "جبر" و"عبدالرحمن" بمنطساعات.اجز, على أمل إعاقة الأعداء بدباباتهم المدرعة. بدأت المعركة, واستمرت لثلاث ساعات ..فقد اثنين حتى الآن وبقى ثمانية وستون. ويذوب سواد الليل مع أنفاس النهار الجديد.. موت وحطام في كل مكان..والمصيبة أن الدبابات بدأت الآن تأخذ دورها في المعركة. اتصل "إبراهيم" بالقيادة, أمروه بالانسحاب..وفورا. تابع الموقف, فأمر رجاله بالانسحاب, وبقى "جبر " المصاب.. وحتى أستشهد في موقعه. "في السنوات القليلة التي تلت موت "جبر", والتي قضاها "إبراهيم" طريح الفراش بعد إصابته في أحدى المعارك, كان يستدعى "سالم" وأخوته ليذكرهم بولدهم "جبر"..البطل الذي منح الحياة زملائه نظير موته." هاتان القصتان "أنموذج" لكتابة القصة عند ماجد أبو شرار: -القصة هي حالة إنسانية..سواء بالتناول العسكري البطولي أو المباشر, أو التناول الاجتماعي لعامل أو غير عامل. -البطولة تعنى "الاستشهاد", والعمل من أجل الوطن. كما أنها "الصبر" عن علات المرء من جراء هذا الوطن المحتل أو الفقير أو العاجز. -الخصائص الفنية هي من ملامح كتابة القصة في زمنه ومكانه, وربما تعد القصة عنده أكثر نضجا فنيا, منها عند آخرين من أبناء جيله. فالراوي العالم بكل خفايا شخصياته ومصائرهم هو المهيمن على العمل, وجهة النظر المباشرة الواضحة تكشف عن نفسها مع السطور الأولى للقصة. لذا كان استخدام المتكلم هو الغالب بين القصص.. إلا قصص "جسر منتصف الليل" ,"تمزق", و"مكان البطل", استخدم فيها ضمير الغائب.. وقصة "برازق" استخدم فيها ضمير المخاطب. كما أن غلبة الحكى والسردية جعلت من القصص صور اجتماعية تارة, أو نشيد للبطولة تارة أخرى.. (وهو ما كان شائعا في كتابة القصة في حينه). |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75881 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: "الخبز المر" والبحث عن طريق! "ماجد أبو شرار" الثلاثاء 15 مارس 2016, 8:49 pm | |
| حول أدب الطفل العبري بقلم الكاتب: السيد نجم كان هدف الحركة الصهيونية مع بداية العمل على إقامة كيان يهودي على الأرض الفلسطينية, من خلال الإجراءات السياسية والعسكرية, مصحوبا بالبعد الثقافي.. في مجالات الإعلام والتعليم والأدب. وبرز الاهتمام بالطفل العبري بعد إعلان دولتهم في 1948م.. على أساس كونه نبتة قابلة للتشكيل, وصورة رجل الغد وصانع مستقبلهم. ولما كانت "اللغة العبرية" من اللغات الميتة, التي لا يتحدث بها أحد, وربما اندثرت منذ عشرين قرنا, إلا من التراتيل الكهنوتية في معابد اليهود.. فبات الطفل هو مستقبل تلك اللغة, والحافظ عليها من الاندثار ثانية. وأصبحت "اللغة العبرية" لغة التعليم وكتب الأدب, فضلا عن كونها اللغة الرسمية. وبذلك لعب الطفل دوره في ترسيخ فكرتهم حول "القومية اليهودية".جملة الأفكار التربوية الصهيونية المتضمنة في كل المراحل التعليمية هي: ترسيخ قيم الثقافة اليهودية الأساسية, تحصيل العلوم بأفضل السبل, محبة الوطن, وهو الملاحظ في الأمثلة: -مجموعة كتب "الأرض الطيبة" وهى التي صدرت عن وزارة المعارف الإسرائيلية عام 1986م, تدرس بالمدارس الدينية اليهودية. تحت عنوان لأحد كتب السلسلة "لمن تنتمي أرض إسرائيل".. ويجيب المؤلف على أن أرض إسرائيل تنتمي لليهود, لكن جاءت بعض الشعوب (كالإسماعيلية) ويعنى العرب وكانوا قليلون جدا, إلا أنهم جعلوها خرابا. -في كتب الجغرافية, ما ورد بأن "الجولان" و"الجليل بأقسامه" من الأرض الإسرائيلية.. كما حرص على الإخراج الفني الجيد للكتب, بحيث يعرض لبعض صور المنازل العربية القديمة, فتبدو متهالكة, بينما يعرض لصور مبان يهودية جديدة, بما يحمل مضمون أن وجود اليهود أضاف العمران إلى المناطق السكنية والمدن. هنا تبرز أهمية دراسة الأكاديمي الاسرائيلى "ايلى بودة": "الصراع العربي الاسرائيلى في المناهج الدراسية الإسرائيلية (1948-2000م) (انظر العدد الثالث والسبعون من دورية "وجهات نظر"- فبراير 2005م) لم ينل أدب الطفل العبري الاهتمام الأكاديمي والبحثي الواجب عندنا، على الرغم من خطورته, وليس فقط لأهميته في الكشف عن البعد الاستراتيجي للفكر التربوي (الرسمي وغير الرسمي) هناك, ولكنه يكشف عن كيفية التعامل منذ الآن مع رجال المستقبل وسيداتها, حتى لا يفاجئنا واقع جديد لم نعد له عدته. نشير إلى سلسلة المغامرات "حسبما" التي صدرت في عام 1950م, وحتى وفاة كاتبها عام 1994م. وقد صدرت باللغة العبرية وأصبحت أكثر شيوعا من تلك القصص العالمية الشهيرة مثل "روبنسون كروزو" و"أليس في بلاد العجائب" وغيرها. كما نشير إلى أكثر من سلسلة صدرت بعد معارك عام 1967م, والتي كتبها "هازى لابين" و"شراجا أغافينى". والجديد أن تلك الأعمال ترجمت, وتخطت حدود الطفل بالداخل إلى الطفل اليهودي وغير اليهودي في العالم كله. ويبقى الانتباه إلى دلالة تاريخ الإصدار, حيث الأولى صدرت عام 1950م, مع بداية وضع ركائز دولتهم والسعي لتنشئة جيل جديد, بمفاهيم تهمهم. أما الأخريات فقد صدرتا لمخاطبة طفل العالم وتلقينه المفاهيم نفسها, بعد معركة عسكرية أرادوا حصد الكثير من ورائها, والانتصار فيها. ماذا يريد الكاتب العبري من أطفال بلاده؟ يقول "لابين" كاتب أدب الطفل وأهم سلسلة هناك: "كنت أسأل نفسي باستمرار: ماذا يمكن أن أقرأ لو كنت طفلا أعيش مثل هذا الواقع.. نحن نعيش في زمن الصراع مع العرب, نعيش فيما يمكن أن يطلق عليه "حقول الدم". لهذا نجد من واجبنا أن نبتعد عن كتابة القصص الجميلة التي تتحدث عن الفراشات والأزهار وزيت الزيتون النقي.. هذا سيوقعنا في كارثة, نحن في غنى عنها. ترى ماذا سيكون موقف الطفل الذي تفاجئه الحرب, وهو يقرأ قصة الطائر المغرد؟ ماذا سيفعل.. لا شك أنه سيفقد ثقته بنفسه وينهار, وهذا تضليل لا يمكن أن نسمح به" تقول الناقدة العبرية "تامرا مازور": "إن الظاهرة التي تهزنا بعنف هي أدب الأطفال في البلد, حيث نجد أن الأطفال تتخاطف الكتب بلهفة وشوق كبيرين, هذه الكتب التي تركز دائما على موضوع واحد, هو تصوير الأطفال اليهود بأنهم أطفال جبابرة عظماء لا يقهرون, يهزمون العرب الأغبياء بسهولة ويسر, هؤلاء الذين يريدون أن يقتلونا من أجل المتعة الذاتية فقط". تبدو المقولات الأولى ل"لابين" انفعالية, وتحمل الصورة التي يتولاها الكاتب العبري في تعامله مع قصة وأدب الطفل.. بينما المقولة الأخرى ل"تامرا" تحمل قدر موضوعية الناقد, وان كانت ضمن مفهوم (تحصيل الحاصل), حيث أنتجت وستنتج الآداب الموجهة للطفل بأقلام الكتاب وحدهم. نخلص في إشارة أولى إلى أن أدب الطفل العبري.. يتم كتابته بناء على إستراتيجية محددة.. أنه يرتبط بالمتغيرات السياسية على الأرض وفى الواقع.. انه أدب جيد بالمقاييس الفنية والتقنية وينجح في جذب الطفل غير العبري في العالم كله.. أنه أدب يتسم بقيم العنف والعدائية على العرب.. وأن أدب الطفل العبري يدخل ضمن منظومة أعلى وأكبر وربما ضمن منظومة البلاد الإستراتيجية.. وليس من أجل الترفيه أو التسلية. قصة "الأمير والقمر" للقاص العبري "يورى ايفانز".. نموذجا: # النص:"قالت الصغيرة لي: من الذي سرق القمر؟ قلت: العرب. قالت: ماذا يفعلون به؟ قلت: يعلقونه للزينة على حوائط بيوتهم! قالت: ونحن؟ قلت: نحوله إلى مصابيح صغيرة تضيء أرض إسرائيل كلها. ومنذ ذلك الوقت, والصغيرة تحلم بالقمر, وتكره العرب, لأنهم سرقوا حلمها وحلم أبنائها. هذا الصباح جاء أمير صغير إلى بيتنا وقال: هل تقبلونني ضيفا؟ رضينا به, لكن الصغيرة قالت: على أن تقول لنا من أنت؟ قال: أنا فارس من فرسان الأرض, محارب قديم في أرض إسرائيل. مت صغيرا, لكنني أخرج مرة في كل عام, أطوف في هذه الأرض, وأسأل إن كان شعبي يسكنها أم لا. قالت الصغيرة: نحن شعبك, وأنا حبيبتك أيها الأمير. قال الأمير: ما أروعك.. أطلب منك الملجأ ليلة واحدة, فتفتحين لي قلبك, أنت يهودية حقا. قلت: نعم, كلنا هنا شعب إسرائيل. ضرب الأمير برمحه وقال: إذن نحقق الحلم الآن أستطيع أن أعود إلى قبري مرتاح البال. تشبثت به الصغيرة, وقالت: لا.. لم يتحقق الحلم بعد. قال الأمير: كيف. قالت الصغيرة: لقد سرقوا القمر. قال الأمير (وهو يضرب برمحه مرة ثانية): من؟ قالت الصغيرة: العرب. بصق الأمير على الأرض قال: الجبناء, كلهم لصوص وقتلة, لكن لابأس. سألت الصغيرة: وماذا سنفعل ؟ قال الأمير: انتظري الليلة, سأعود لك بالحلم الجميل. انتظرت الصغيرة, القت رأسها على إطار النافذة. وظلت تنظر إلى السماء. ومرت الساعات, ونام الأطفال والنساء والرجال والشيوخ, ولكن الصغيرة ظلت تنتظر, لم تيأس ولم تستسلم للنوم, لأنها تعرف أن أطفال شعب إسرائيل لا يكذبون. بعد منتصف الليل بقليل, انشقت الغيوم فجأة, ورأت الصغيرة القمر لأول مرة, رأته جميلا ورائقا, حدقت فيه طويلا, ثم ركضت إلى وقالت: استيقظ يا أبى, استيقظ, وقادتني إلى النافذة وقالت: أنظر يا أبى, هل هذا وجه الأمير الصغير؟ قلت: يا بنتي, الذي سرق القمر هو الذي قتل الأمير الصغير. لم تبك الصغيرة, فقد تحقق حلمها وأشرق القمر على أرض إسرائيل." تعليق على القصة: تلك القصة معبأة بالأفكار والأهداف التربوية والمعلوماتية, والتي يرى الكاتب العبري غرسها في الطفل العبري, منها: .."البحث عن الذات" العبرية, والتي يستشعر الكاتب ضياعها أو الخوف على ضياعها. .. "أن اليهود ضحايا التاريخ", وما صنع فيهم يجب الانتباه له والآ يتكرر. .. "الاستيطان" وأنها واجبة عليهم وحق يجب غرسه في الأجيال الجديدة. .. "الآخر العربي الحقير, الذي يجب قهره", وهو بدا في القصة من خلال.. خروج الأمير الصغير لمحاربة العرب, أن العرب يسرقون الحلم والنور (رمز القمر), كما أن العرب سفهاء (يستخدمون القمر للزينة على جدران بيوتهم). .. ربط "اليهودي" أو المنتمى إلى ديانة سماوية, بفكرة "الصهيوني" العنصري أو المنتمى. .. مع تكريس فكرة "كره العرب" و"تعبئة الجيل الجديد بالأفكار الصهيونية" و"القتل هو الحل, مع عدم الرغبة في القتل, بل ضرورة يجب على اليهودي ممارستها". هل نجح أدب الأطفال العبري في تحقيق أهدافه؟ في دراسة تحليلية على شريحة سنية من العاشرة حتى الثالثة عشر, لعينة عشوائية عددها 520 تلميذا, نفذها البروفسور "أدير كوهين" تحت عنوان بحثي: "انعكاس شخصية العربي في أدب الأطفال العبري" (تم البحث عام 1985م).. وقد انتهى البحث بالنتائج التالية: .. شيوع فكرة "الخوف من العربي", فأكثر من 75% من العينة وصفت العربي ب"خاطف الأطفال" و"المخرب" و"المجرم", و"القاتل". .. أكثر من 80% من العينة وصفت العربي ب"في وجهه ندبة", "يلبس كوفية", "راعى البقر", "يعيش في الصحراء", "قذر"...الخ .. الجهل بحقيقة العرب كأفراد وشعب, من الأطفال من وصفه "العرب لهم ذيول", "العرب لهم شعر أخضر"..الخ. .. حوالي 90% من أطفال العينة يرون أنه ليس للعرب حق في البلاد, لذا يجب قتلهم أو ترحيلهم بعيدا. .. الغالبية من أطفال العينة لا يعرفون أسباب النزاع بين العرب وبينهم.. وكان سمة الإجابة العامة هي: إن العرب ينون قتلهم, وتشريدهم من بلادهم, واحتلال مدنهم, بل ورميهم في البحر. .. مفهوم "السلام" عند أطفال العينة, هو سيطرة الإسرائيليين على أرض إسرائيل الكاملة. إجمالا يعد الهدف/الأهداف التربوية في الأدب الموجه للطفل العبري هي: أولا: تزكية الروح الدينية في الطفل.. في سبيل ذلك تقدم قصص الأطفال الكثير من المعلومات الدينية, للتعريف بها وربطها بالبعد الاستراتيجي للصهيونية. فبالإضافة إلى التعريف للشريعة والأحكام اليهودية, يتعرف على بعض الأيام لتعظيمها, مثل عيد السبت, الحانوكة, التدشين, الأنوار, الشموع, عيد الفصح. وفيها يتبادل اليهود التهنئة بقولهم (نلتقي في العام القادم في القدس) وهى إشارة إلى أن هذا الوقت وقت الحج إلى القدس!(أنظر "هكذا يربى اليهود أطفالهم"- سناء عبداللطيف- ص94) ثانيا: إحياء اللغة العبرية التي ماتت منذ عشرين قرنا.. ففي قصة "فتيان بر يوحاى" يقول الكاتب: "كان ربى شمعون يجمع فتيان إسرائيل في تسبورى وفى الجليل ويغرس في قلوبهم الحب لشعبهم ولغتهم" (أنظر المرجع السابق ص109) ثالثا: تشويه صورة العرب وغرس العدائية وبذور العنف تجاههم.. من خلال: -تلقين الصغار فكرة أن اليهود هم أساس التطور في فلسطين. -تعتبر فلسطين الجولان أرضا يهودية, والأقاليم المجاورة غريبة عنها. -العرب محتلين للأرض, والفتح العربي غزو تاريخي. -العرب بدو رحل جاؤوا إلى فلسطين لهضم الحضارة اليهودية. -توجد ممتلكات يهودية في الأردن وجنوب لبنان. -وصف العرب على أنهم معتدين وقطاع طرق. -إظهار قدرة الجندي الصهيوني وكأنه بطل أسطوري. -الادعاء بأن الفلسطينيين هم الذين هربوا من ديارهم. -اتهام العرب بالعدوان والبدء في كل الحروب التي خاضوها معهم. يقول "تسيبورا شارونى" في حديثه عن التوجه القومي في المدارس العبرية: "إن جميع الجنود ممن يؤدون الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة, أولئك الشبان الذين يسكنون أوريهودا... حيث عملية إحراق العمال العرب... إن ذلك كله نتاج مدرستنا.. نتاج البرامج التعليمية.. نتاج التربية الرسمية وغير الرسمية, ولكن للتربية الرسمية نصيب الأسد, إذ لم ترد كلمة واحدة في البرنامج التعليمي لليهود حول التطلع للسلام بين إسرائيل وجاراتها." (أنظر:مجلة البيان, العدد 173, ص58) رابعا: غرس مفهوم القومية اليهودية, والشعب اليهودي الواحد.. في القصص الكثير من تلك الصور, ففي قصة "حرب ثمار الصنوبر" كتبت الكاتبة "نعما لافين": "لما أحس الأطفال بالخطر الذي تعرض له "زئيف الصغير", حيث كاد ينكسر به جذع الشجرة, اجتمع الأطفال, ونزل القناصة من أعالي الأشجار وانضموا إلينا.. وقفنا جميعا حول الشجرة.. لم نعد مجموعتين.. لم تعد هناك روح الحرب التي تفرق بيننا.. إن القلق على سلامة "زئيف" وحد بيننا جميعا" (أنظر: هكذا يربى اليهود أطفالهم, سناء عبداللطيف, ص134) خامسا: تمجيد فكرة البطل اليهودي والاسرائيلى.. "البطل" في الفكر الصهيوني هو البطل اليهودي القديم (في العهد القديم), والبطل الحديث الذي أقام دولتهم على الأرض الفلسطينية. ففيه فكرة القدوة للصغار, وبذر بذور التمثل بالمثل الأعلى. يقول "بنيامين جلاى": "إن العهد القديم يحتوى على بطولات كثيرة تعلم شبابنا منها القدوات والمثل العليا" (أنظر المرجع السابق ص149) لعله من المناسب الإشارة إلى جملة النتائج التي أوردتها الباحثة "سناء عبداللطيف" في بحثها بعنوان "الاتجاهات الأيديولوجية في أدب الطفل العبري في إسرائيل", وهى: "تعدد الاتجاهات الإيديولوجية في القصة الواحدة, مما يدفع الملل عن الطفل– يسعى القاص إلى التصوير المثالي للمجتمع الاسرائيلى– لم يوضح القاص أسباب الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في بعض البلدان– لم يكتب عن الشعوب الأخرى التي عاش بينهم اليهود, إلا الشعوب التي اضطهدتهم– يتجنب القاص الاسرائيلى ذكر اسم "فلسطين"– لم يتناول أدب الطفل العبري أحداث ما بعد معارك أكتوبر73, مع الاكتفاء بأحداث حروب 48و67 التي حقق فيها جيشهم الانتصارات– قصص البطولة والأبطال كثيرة وبنسبة عالية بين نوعيات القصص وموضوعاتها (نجدة المستغيث, أو أداء الأعمال الصعبة, أو غيرها)– كثرة وجود البطل "الأنموذج" والخارق للطبيعة– تناول الشخصيات الناكرة لذاتها والمضحية بنفسها وحياتها من أجل المجموع والوطن– يلجأ الكثير من كتاب القصة إلى تمثل التجربة ومخاطبة الطفل على أنها تجربته الخاصة– التركيز على بعض القيم مثل احترام العمل, غزو الصحراء, تقديس العمل اليدوي وغيرها– الاهتمام بتزكية تذوق الجمال وجمال الطبيعة– العمل على تنشئة الطفل على حب العمل الاجتماعي والقيادة والمشاركة– تنمية المفاهيم العلمية والتفكير العقلاني والإبداع– إبراز شعار "شعب يهودي واحد" من خلال الأحداث داخل الأسرة, وخارجها مع يهود العالم- إبراز فكرة التقارب الفكري بين اليهود– جانب هام وكثر من تلك الإبداعات تتناول العقيدة الدينية ومفاهيمها –هناك شبه إجماع في الأدب العبري, في التركيز على فكرة الاضطهاد الأبدي لدى اليهودي في بلاد الشتات– تنمية الإحساس بالمسئولية تجاه الدولة– تنمية الوعي التاريخي لأحقية اليهود في فلسطين- الدعوة لأهمية اللغة العبرية للربط بينها ومقولة "الأرض التاريخية"– يزكى أدب الطفل العبري الإحساس بحتمية الحروب, مع التوعية بويلاتها وأيضا بأهمية التفوق للانتصار فيها– إبراز الشعور الدائم بالتهديد الخارجي– تأكيد مقولة "الجوييم" أو "الأغيار" أو "الغرباء" في وصف غير اليهودي– تزايد جرعة الترهيب من العربي من أجل تثبيت الروح العدائية في نفوس الأطفال- أدب الطفل العبري غالبا متفائل, حتى قصص الاضطهاد تنتهي بنهاية مناسبة, بالهجرة إلى إسرائيل– انعدام الحديث عن المستقبل, اللهم القول بحتمية وجود اليهود في فلسطين– السمة الغالبة للأدب العبري للأطفال هي الاهتمام بالماضي– يستخدم بعض الأدباء أسلوب الحوار في القصة مما يزيد من فرصة مشاركة الأطفال في العمل الأدبي– الاهتمام الزائد في شرح المناخ النفسي لأبطال القصص, مما قد يربك الطفل– تقدم القصص في شكل جذاب مناسب يشد انتباه الطفل بالرسومات والصور" (أنظر: عالم الفكر, المجلد الرابع والعشرون, العدد الثالث, يناير/مارس 1996م) المراجع والمصادر: 1-صفا عبد العال/ "تربية العنصرية في المناهج الإسرائيلية"/ الدار المصرية اللبنانية/ القاهرة عام 2004م. 2-هارون هاشم رشيد/ "الصهيونية في الكتب المدرسية"/ وزارة التربية والتعليم- المملكة العربية السعودية/ الرياض عام 1418هجرية. 3-ايلى بودة/ "الصراع العربي الاسرائيلى في المناهج الدراسية (1948-2000م)- دورية "وجهات نظر"/ دار الشروق/ القاهرة2005م. 4-عدد خاص "مجلة الفكر/ المجلد الرابع والعشرون/ العدد الثالث, يناير-مارس1996م 5-مجلة البيان/ رابطة الكتاب الكويتيين/ الكويت العدد173. 6-سناء عبد اللطيف/ "الاتجاهات الإيديولوجية في أدب الطفل العبري في إسرائيل"/ شبكة الانترنت. 7-سناء عبد اللطيف/ "هكذا يربى اليهود أطفالهم"/ دار القلم- دمشق عام1997م |
| | | ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75881 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: "الخبز المر" والبحث عن طريق! "ماجد أبو شرار" الثلاثاء 15 مارس 2016, 8:50 pm | |
| إرهاصات المقاومة الفلسطينية بعد النكبة بقلم الكاتب: السيد نجم شهدت المرحلة التالية لنكبة 48, ما يشبه الصدمة, وفقدان التوازن. وهى نفسها الفترة التي شهدت ميلاد ارهاسات البحث عن ألذات والطريق, وإرهاصات المقاومة. ولخصوصية الرواية كجنس أدبي معقد ورحب, متعدد الشخصيات والآراء والأحوال, مع تنوع الأزمنة والأمكنة يعتبر التوقف مع بعض أعمالها مؤشرا هاما للاستدلال على تلك المقولة. كما أن القصة القصيرة تضيف ميزة حرية اختيار الكاتب في أنماط شخصياته وتنوع موضوعاته, حتى وان تمسك بوجهة نظر ما. منذ وعد "بلفور" وخلال فترة الاحتلال الانجليزى التي سلمت "فلسطين" إلى أنياب الصهيونية, رصد الأدب الفلسطيني القضية, وكتب الأديب وجهة نظرة.. وهو بذلك حلقة ذهبية من حلقات الأدب العربي المعاصر. وهو ما رصده الباحث الأكاديمي الفلسطيني في رسالة لنيل درجة الدكتوراة موضوعها "حياة الأدب الفلسطيني الحديث من النهضة حتى النكبة" للباحث "عبدالرحمن ياغى", ورسالة الماجستير "موقف الشعر العربي الحديث من محنة فلسطين" للباحث "كامل السوافيرى". وقد توالت الدراسات الأكاديمية, خصوصا بعد نكسة 67. ربما نشير إلى بعض ملامح الحياة الثقافية الفلسطينية خلال القرن العشرين, بعرض لبعض الملامح, منها: وصلت أول مطبعة إلى فلسطين عام 1830م, وأول مطبعة وطنية افتتحت عام 1908م(حيفا).. وتوالت المطابع بعد ذلك التاريخ. فكانت الصحف والدوريات الوطنية.. ونشطت الحياة الثقافية على شكل الندوات والمعارض وخلافه..حتى كانت نكبة 1948م. منذ نكبة 1948م حتى عام 1967م, خنقت الحياة الثقافية, وهو ما عبر عنه "د.ياغى" في رسالته: "إنما حل بالناس في هذا الوطن الصغير صرف النفوس عن حفظ تلك المواد الأدبية...". مع ذلك ما كان في نكسة 67, كان دافعا إلى ضخ الدماء في العروق, ليس في البلدان التي أصيبت مباشرة (مصر- سوريا – الأردن), بل كل البلدان العربية, بما فيهم أصحاب القضية الأم في فلسطين. وجد الكتاب الفلسطيني من يهتم به, ووجد الواقع المقاوم من يرصده. وقد صنف كتاب "مصادر الأدب الفلسطيني الحديث" (د.محمد الجعيدى) المنتج الأدبي على أربع مراحل: الأولى تبدأ مع النهضة الحديثة حتى عام النكبة 1948م.. الثانية من 48 حتى 67.. الثالثة من 67 حتى 87 (حيث بداية انتفاضة الحجر الفلسطيني والتي استمرت لخمس سنوات, لتتجدد في انتفاضة القدس). سجل الأدب الفلسطيني قضيته (شعر/قصة)..الشيخ يوسف النبهانى – أبو الاقبال سليم يوسف اليعقوبى – عباس الخماش – الشيخ أبوالسعود – على الريماوى – خليل السكاكينى – محمد اسعاف النشاشى – سليمان التاجى الفاروقى – اسكندر الخورى – ابراهيم الدباغ – عبدالرحيم محمود - برهان الدين العبوشى – إبراهيم طوقان – محمد على الصالح. ثم في القصة: محمد أحمد التميمى – ميخائيل جرجس – خليل بيدس – مي زيادة. وتعرفنا على التاريخي المقاومى.. ثورة البراق, الثلاثاء الحمراء, إعدام الشيخ فرحان السعدي, استشهاد عزالدين القسام.. مع أحوال الاستشهاد والثورة المتجددة. وقرأ القارىء الأعمال النثرية الراصدة مثل: "البطلة" خليل بيدس, "الظمأ" محمود سيف الدين الايرانى, "الأخوات الحزبيات" و"شمعون بوزاجلو" نجاتى صدقي, و"مذكرات دجاجة" اسحق موسى الحسيني. يمكن الإشارة إلى ثلاثة اتجاهات نقدية, هي التي اتسمت بها الأعمال الأدبية عموما والقص خصوصا, حتى عام النكبة: الاتجاه الاحيائى.. الاتجاه الرومانسي, الاتجاه الواقعي النقدي. كانت الفترة التالية على عام النكبة, قاسية إلى حد الموات, وهو ما يجعل الراصد للأدب الفلسطيني يبحث طويلا حتى نهاية الخمسينيات من القرن الماضي, فتبدأ الارهاسات المقاومية التي تعبر عن نفسها أدبيا. ربما لعبت عناصر كثيرة دورا حتى انتبه الفلسطيني إلى وجدانه, بعد أن ضاقت به الأرض على سعتها!.. وجود بعض الأدباء المخضرمين (قبل وبعد النكبة) والذين استمروا على الأرض ولم ينتقلوا إلى أي من الدول العربية.. نشأة جيل جديد, ربما ولد قبل النكبة إلا أنه انتبه وترعرع بعدها, فشاهد وعرف الحقيقة القاسية.. ربما الشكل الحزبي للمحتل, حيث انتسب عدد غير قليل من شباب الأدباء والشعراء إلى الحزب الشيوعي, والذي قدم حماية قانونية ما.. المنتج الأدبي المقاوم لأدباء فلسطين من خارج الأرض المحتلة.. وسائل الإعلام التي نشطت وتقدمت في الدول العربية المجاورة لفلسطين, ومنها "الإذاعة" خصوصا في مصر وسوريا. جاء نشر كتاب "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1936- 1948" في 1967م, وقد نشر مرة ثانية بمزيد من الإضافات بعنوان "الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948 – 1968" للكاتب "غسان كنفاني, بمثابة الميلاد لترسيخ مصطلح نقدي جديد, ألا وهو "أدب المقاومة". أما الأدباء المخضرمين لتلك الفترة (التالية بعد النكبة): مؤيد إبراهيم – يوسف نخلة – حنا أبوحنا _ توفيق زياد – حبيب قهوجى – عيسى اللوبانى – حنا إبراهيم – عصام عباسي – محمود سيف الدين الايرانى – نجاتي صدقي. ثم أدباء ولدوا قبل النكبة بقليل وأنضجتهم أحوالها: محمود درويش – سالم جبران – توفيق زياد – سميح القاسم – هاشم رشيد – ناجى علوش – سلمى الخضراء – سميرة عزام – غسان كنفاني – على هاشم رشيد – يوسف جاد الحق – الياس خوري. جاء الفوج الثالث وقد نضجوا في أواخر الستينيات وربما السبعينيات: نايف سليم – فوزي الأسمر – راشد حسين – توفيق فياض – نزيه خير – فاروق مواسى – حسن حميد. أما وقد أنضجت التجربة الجميع, فتفجرت الطاقات, فخرجت الأعمال مفعمة بالفن والتقنيات الحديثة (الأسماء المنشورة للاسترشاد وليس للحصر). "رجال في الشمس".. والسؤال عن المصير صدرت تلك الرواية في الطبعة الأولى عاما 1963م. وان طبعت أكثر من مرة – بعد استشهاد الكاتب من جراء وضع قنبلة موقوتة في سيارته في صباح غائم عام 1972م – فهي تعد من أهم روايات المقاومة عموما/ والمقاومة الفلسطينية خصوصا, على الرغم من بساطة التناول والحكى والمعالجة. فالرواية تتسم بقدر وافر من الحكائية الإنسانية, والتعامل مع الجانب الانسانى الضعيف في المرء أي مرؤ..!! ماذا نقول لثلاثتهم وقد رغبوا في البحث عن حياة كريمة, أفضل حالا مما هم عليه؟ .. لكن ماذا نقول والإنسان مقيد بقدره وأهله وناسه, حتى مع الحلول الفردية التي بظنها هي الخلاص. ترصد حكاية الرواية ثلاثة رجال "أبوقيس", "أسعد" و"مروان"..بينما "أراح أبوقيس صدره فوق التراب الندى, فبدأت الأرض تخفق من تحته: ضربات قلب متعب تطوف في ذرات الرمل مرتجفة ثم تعبر إلى خلاياه.. في كل مرة يرمى بصدره فوق التراب يحس ذلك الوجيب كأنما قلب الأرض ما زال, منذ أن استلقى هناك أول مرة, يشق طريقا إلى النور قادما من أعمق أعماق الجحيم, حين قال ذلك مرة لجاره الذي كان يشاطره الحقل, هناك, في الأرض التي تركها منذ عشر سنوات, أجابه ساخرا:"هذا صوت قلبك أنت تسمعه حين تلصق صدرك بالأرض..." ص7. فيما "وقف أسعد أمام الرجل لسمين صاحب المكتب الذي يتولى تهريب الناس من البصرة إلى الكويت, ثم انفجر: "خمسة عشر دينارا سأدفعها لك؟ ..لا بأس ! ولكن بعد أن أصل.." ص22 لكن "خرج مروان من دكان الرجل السمين الذي يتولى تهريب الناس من البصرة إلى الكويت, فوجد نفسه في الشارع المسقوف المزدحم الذي تفوح منه رائحة التمر وسلال القش الكبيرة..لم تكن له أية فكرة محددة عن وجهته الجديدة... كانت الكلمات الأخيرة, التي لفظها الرجل السمين حاسمة ونهائية, بل خيل إليه أنها كانت مصبوبة من رصاص: "خمسة عشر دينارا..ألا تسمع؟" ص36 بتلك القسمة الفنية, والتمهيد لأبعاد الحكاية -البعد الانسانى أساسا– عرضت كل شخصية رؤيتها مع تنامي الفكرة الأصيلة.. ألا وهى الهروب إلى الكويت, حيث الرزق أوفر من الحياة في جنوب العراق. وتأكدت الأزمة وثقلت المهمة, مع متابعة الرجل السمين (أبو الخيزران) المستغل وصاحب شركة الشحن أو سيارة نقل المياه من العراق إلى الكويت.. تلك الشاحنة المزودة بالفنطاس الخاص بتعبئة المياه. لم يفرد الروائي له فصلا, وجعله مشتركا مع ثلاثتهم. وان لم يبخالحيلة, ووصف أفعاله, أنه رجل سمين, يتصبب عرقا, بليدا وحادا في كلماته فظا في سلوكه, وان عرف عنه مهارته في قيادة أية ماركة من السيارات, بل والمصفحات أيضا, وهو ما حدث عندما استولت إحدى القرى عربة مصفحة من الأعداء أثناء معارك 48م. مع ذلك ما الحيلة , وما الحل.. ليس سوى تنفيذ أوامره. وبدأت الرحلة.. بدأ تنفيذ "الصفقة", وهو الفصل الرابع من الرواية: "-أنت تريد اذن أن تضعنا داخل خزان ماء سيارتك في طريق عودتك؟ -بالضبط! لقد قلت لنفسي:لماذا لا تنتهز الفرصة فترتزق بقرشين نظيفين طالما أنت هنا, وطالما أن سيارتك لا تخضع للتفتيش؟" -اسمع يا أبا الخيزران..هذه اللعبة لا تعجبني! هل تستطيع أن تتصور ذلك؟ في مثل هذا الحر من يستطيع أن يجلس في خزان ماء مقفل؟ -لا تجعل من القضية مأساة , هذه ليست أول مرة..." ص61 وعلى "الطريق"-الفصل الخامس- عرفنا أن أبا الخيزران فقد رجولته بسبب مشاركته لبعض الرجال المسلحين, لكنه سقط في يد الأعداء, وفقد رجولته معهم وبسببهم, وقد قطعوا عضوه: "ببساطة قد ضيع رجولته في سبيل الوطن؟ وما النفع؟ لقد ضاعت رجولته وضاع الوطن, وتبا لكل شيء في هذا الكون الملعون.." ص71 قد نشعر بالشفقة الإنسانية تجاه الشخصية القميئة أحيانا!! في الفصل التالي أحكم السائق غلق الخزان على ثلاثتهم, وتابع الرحلة حتى وصل نقطة الحدود, هناك شرب الشاي وسمع النكات ومضى الوقت في السمر..بينه وبين جنود النقطة الذين يضحكون لتعليقاته وآرائه دائما... أما وقد تذكر الثلاثة, أسرع عائدا بالسيارة, حتى ابتعد, وقف, ثم فتح الخزان: "تحسس طريقه منحنيا إلى الفوهة, وحين أخرج رأسه منها لم يدر لماذا سقطت في ذهنه صورة وجه مروان دون أن تبرح. لقد أحس بالوجه يلبسه من الداخل مثل صورة ترتجف على حائط فأخذ يهز رأسه.." أخيرا حرس السائق أن يعد لثلاثتهم, مقبرة لكل منهم, فقط عندما يهبط الظلام, خصوصا أن الليلة بلا قمر!!.. وما انتهت المهمة انزلقت الفكرة من رأسه ثم تدحرجت على لسانه: "لماذا لم يدثوا جدران الخزان؟؟"ص110 وظل يكررها!! تثير الرواية فور الانتهاء منها سؤال "الخلاص".. وما "المصير"؟ ..فالحلول الفردية التي تبناها ثلاثتهم, انتهت بموتهم. ..والحل الباحث عن خلاص فردى وبعيدا عن جوهالأرض..الأرض.البحث عن حل الخلاص من المحتل ومن مغتصب الأرض ..ليس له مصير إلا الهلاك. تثير الرواية الشفقة, حتى على أبى الخيزران (فهو مقاتل سابق, وتأذى بسبب قضية الوطن, تأذى في أشد ما يؤذى الرجل, كما أنه صريحا وواضحا حتى في خسته, فهو يطلب ما طلبه من أجل المنفعة والاسترزاق الخاص. وهو بذلك يكمل صورة الحلول الفردية غير المجدية, مهما بدت الحلول حسنة النية أو غير ذلك). الخبز المر" والبحث عن طريق! "ماجد أبو شرار" يعرفه الساسة وقليل من الأدباء. استشهد من جراء قنبلة في غرفة نومه بايطاليا عام 1981م, وهو تاريخ المجموعة! يقول الكاتب "يحي يخلف" عنه في مقدمة المجموعة: "نشرت معظم قصص هذه المجموعة في مجلة "الأفق الجديد" المقدسية, والتي ظهرت في مطلع الستينيات... لعبت دورا كبيرا في تنشيط الحياة الثقافية... وبالرغم من توقف المجلة عن الصدور عام 1966م, إلا أن أثرها على الثقافة في الضفة الغربية والأردن ما زال ماثلا... وقدمت المجلة على صعيد القصة القصيرة عددا من الكتاب, كان من أبرزهم: ماجد أبو شرار, نمر سرحان, صبحي شحروري, محمود شقير, حكم بلعاوى, خليل السواحرى, فخرى قعوار, ويحيى يخلف.لقد تميز "ماجد" من بين تلك الأسماء, ولفتت قصصه انتباه نقاد الأفق الجديد." كما أبرز "يخلف" أن فترة كتابة تلك القصص تتميز ببعض الخصائص التي تحمل ملامح المرحلة في إطار مراحل التجربة الأدبية الفلسطينية, والتي تميزت عن غيرها من التجارب العربية, ارتباطها بالمفاهيم الكلية, والتعبير عن الصمود والمواجهة والرفض, كل ذلك في إطار عام حول الوطن, والمواجهة المباشرة مع العدو في حياة الإنسان الفلسطيني اليومي..أو في إطار غير مباشر.. وفى كل الأحوال الأدب الفلسطيني هو أدب مقاوم. أما ما رصده الكاتب "يخلف" حول كتابات تلك المرحلة: -أن القصص المنشور على صفحات "الأفق الجديدة" تمثل الارهاسات الأولى لقصة فلسطينية ناضجة.. وهى التي سبقت ورافقت إنشاء "منظمة التحرير الفلسطينية" (أنشأت عام 1965م) حيث بداية الكفاح المسلح. -أن قصص تلك المرحلة (والمنشورة في الأفق الجديد) تحمل دلالات سياسية واجتماعية للمجتمع المدني الفلسطيني (بعد النكبة في 1948م). -تميزت قصص "ماجد" بالواقعية ذات المضمون الاجتماعي الملتزم بقضية الكادحين.. مع مسحة تأثر بالفلسفة الوجودية التي شاعت خلال تلك الفترة. وبعد, فان قارىء قصص المجموعة "خبز مر", حتما سيجد مصداقية تلك الملامح التي رصدها "يحيى يخلف"..ولا يبقى سوى التقاطها بين ثنايا القصص. وهو ما توافق مع منهجي في تناول الأدب النثري الفلسطيني مرحلة فأخرى. تضم المجموعة 12قصة قصيرة (توجد قصص أخرى, ربما ستنشر مستقبلا ) وهى:"صورة", "مكان البطل", "النجار الصغير", "أفاعي الماء", "سلة الملوخية", "برازق", "تمزق", "جسر منتصف الليل", "الخبز المر", "وأنهار الجدار", "الشمس تذوب", "الزنجية". يقع الكتاب في 93صفحة, وهو ما يكشف عن حجم القصص.. فلا توجد تلك القصص المطولة تحت عباءة القصة القصيرة, كما كان شائعا في قصص تلك الفترة في الكتابة القصصية العربية. كما أن تاريخ كتابة تلك القصص ما بين 59 حتى 64, أي حوالي خمس سنوات. :قصة "الخبز المر" "فائق" شاب يعمل مع "أبوخميس" الشيخ وقد بلغ الخمسين من عمره, يعملان عملا قاسيا في منجم للفوسفات. الأول يحمل خصائص الشباب من فتوة وعفوية ورغبة في البحث, على الرغم من كل الظروف الصعبة التي يعمل في ظلها. بينما الآخر شيخا مهموما طول الوقت ولا رغبة عنده إلا في الصمت! نجح الشاب في اقتحام شرنقة الشيخ, فعرفنا هموم الرجل وآماله.. "سهيلة" ابنته المتفوقة في الدراسة حصلت على المرتبة الأولى في صفها.. الملعونة "ليلى" تحلم بسيارة حمراء ناعمة. أما الهم الأكبر فهو مرض الشيخ..بدأ نور العين يذوى, ولا يريد الشكوى حتى لا يفصل من العمل. المصمصدور, ي لم يكشف عنها إلا قبل غيابه الغامض عن العمل..أنه مصدور , مريض بداء السل, وأيضا يطوى آلامه داخل صدره.كل ما كان يتمناه, ويكرره كحلم متجدد وأمنية غالية يرددها للشاب: كان يتمنى ألا يموت إلا بعد أن تكتمل ابنته سهيل دراستها الثانوية. لكن: "ذات صباح لم يحضر أبوخميس إلى العمل.. علمت أن المرض بدأ ينتصر, وذهبت إلى بيته... نوبات السعال بدأت تخمد وتهدأ, جذوة الحياة في عينية تخبو رويدا رويدا, ونظرة مسكينة محملة بألف معنى تواجهني كلما نظرت إلى عينيه, وسهيلة وأمها والبنات ينتحبن بصوت خافت, وأغمض عينيه ورفع كفه المعروقة, وانتفض, وسقطت كفه على صدره وأسدلت الغطاء على الوجه الهارب من الحياة" ص70 :قصة "مكان البطل" "قلة....أولئك الذين كانوا يعلمون أن العاصفة وشيكة..وستأتى مزمجرة عنيدة طاحنة..أما الكثرة..فقد استسلموا لراحة لا لذة فيها...فهم يعلمون أن الراحة سيعقبها تعب.. وينظر إبراهيم إلى ساعته ويسحب نفسا أخيرا من لفافته ويلقيها ثم يدوسها....يتمتم:"إنها النهاية...".ص18 تلك هي بداية القصة, والتي كتب تحت عنوانها إهداء "إلى روح البطل.. إبراهيم أبودية" (وهى الوحيدة المهداة إلى أحدهم). أما وقد أثار عنوان الجريدة غضبه, فقد كتب عليها "القدس تستسلم".. حتى أنه مزق الجريدة. يخرج من حجرته ويطلع على أحوال الجنود (الوحدة تحتل إحدى القلاع الهامة عسكريا). يقابل الجندي "جبر", يتحاوران حول أخبار الهجوم الوشيك من الأعداء على القلعة.. وهو الهجوم الخامس بعد فشل الأربع هجمات السابقة! الساعة عبرت السادسة مساء, وقرب الهجوم على بدايته, ويشرد القائد "إبراهيم"..في زوجته وأسرته, في أفاعيل العدو الغاصب, في الاحتمالات المنتظرة.. إلا أن "جبرا" الجندي النشط جاء بالخبر..الهجوم هذه المرة مع استخدام الدبابات!! تكفل "جبر" و"عبدالرحمن" بمنطقتهما لساعات, على أمل إعاقة الأعداء بدباباتهم المدرعة. بدأت المعركة, واستمرت لثلاث ساعات.. فقد اثنين حتى الآن وبقى ثمانية وستون. ويذوب سواد الليل مع أنفاس النهار الجديد.. موت وحطام في كل مكان.. والمصيبة أن الدبابات بدأت الآن تأخذ دورها في المعركة. اتصل "إبراهيم" بالقيادة, أمروه بالانسحاب.. وفورا. تابع الموقف, فأمر رجاله بالانسحاب, وبقى "جبر " المصاب.. وحتى أستشهد في موقعه. "في السنوات القليلة التي تلت موت "جبر", والتي قضاها "ابرهيم" طريح الفراش بعد إصابته في إحدى المعارك, كان يستدعى "سالم" وإخوته ليذكرهم بولدهم "جبر".. البطل الذي منح الحياة زملائه نظير موته." هاتان القصتان "أنموذج" لكتابة القصة عند ماجد أبو شرار: -القصة هي حالة إنسانية..سواء بالتناول العسكري البطولي أو المباشر, أو التناول الاجتماعي لعامل أو غير عامل. -البطولة تعنى "الاستشهاد", والعمل من أجل الوطن. كما أنها "الصبر" عن علات المرء من جراء هذا الوطن المحتل أو الفقير أو العاجز. -الخصائص الفنية هي من ملامح كتابة القصة في زمنه ومكانه, وربما تعد القصة عنده أكثر نضجا فنيا, منها عند آخرين من أبناء جيله. فالراوي العالم بكل خفايا شخصياته ومصائرهم هو المهيمن على العمل, وجهة النظر المباشرة الواضحة تكشف عن نفسها مع السطور الأولى للقصة. لذا كان استخدام ضمي الليل", هو الغالب بين القصص..إلا قصص "جسر منتصف الليل" ,"تمزق", و"مكان البطل", استخدم فيها ضمير الغائب..وقصة "برازق" استخدم فيها ضمير المخاطب. كما أن غلبة الحكى والسردية جعلت من القصص صور اجتماعية تارة, أو نشيد للبطولة تارة أخرى..(وهو ما كان شائعا في كتابة القصة في حينه). |
| | | | "الخبز المر" والبحث عن طريق! "ماجد أبو شرار" | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |