الفصل الرابع
بعض الاستخدامات التطبيقية
يعيش العالم المتحضر حالياً عصر تقدم علوم الإلكترونات، وتطبيقاتها المختلفة، التي تشمل جميع نواحي الحياة الحديثة، وكل أنشطتها المختلفة، فمن الزراعة والصناعة، إلى التعدين وإنتاج النفط وتكريره، ومن استكشاف الفضاء واستخدامه، إلى دراسة أعماق المحيطات واستغلالها، ومن اكتشاف ومقاومة الأمراض والأوبئة، إلى الجراحات الدقيقة، وأحدث وسائل العلاج، ومن وسائل الاتصال ونقل المعلومات، التي جعلت من الكرة الأرضية قرية صغيرة، يستحيل عزل جزء منها عن الآخر، إلى ثورة المعلومات وتكنولوجيا الحواسب الآلية.
بعض التطبيقات في المجال العسكري
أولاً: حرب المعلومات Information Warfare
حرب المعلومات؛ هي عملية استخدام المعلومات، ونظمها ضمن الأعمال الهجومية والدفاعية، بغرض استغلال الإجراءات المعادية، التي تعتمد علي المعلومات ونظمها وتشويهها أو تدميرها، ومنع العدو من تحقيق التأثير نفسه على نظم المعلومات الصديقة، أي أن حرب المعلومات تنقسم إلى شقين رئيسين، أولهما هو التفوق في استخدام المعلومات ونظمها، أو السيطرة المعلوماتية على ميدان القتال، والآخر، هو حرمان العدو، من الحصول على معلومات عن قواتنا، أو الاستفادة من تلك المعلومات في حالة نجاحه في الحصول عليها.
يرتكز تحقيق النجاح في حرب المعلومات بشقيها، على تطبيقات متقدمة، لعلوم الكهرباء، والاتصالات، والإلكترونيات وتقنياتها، أهمها معدات القيادة والسيطرة، والاتصال، والحاسبات الآلية، ووسائل جمع المعلومات C4I.
تتحقق السيطرة المعلوماتية على مسرح العمليات، في الحرب الحديثة، من خلال شبكات الحاسبات الآلية العسكرية المتقدمة، التي تتميز بالآتي:
1. السرعة العالية في معالجة المعلومات والبيانات، تصل إلى معالجة أكثر من ألف مليون معلومة، في الثانية الواحدة.
2. المقدرة على تحمل ظروف ميادين القتال الصعبة، مثل درجات الحرارة المرتفعة، والصدمات، والاهتزازات، والرمال، (أُنظر صورة حاسب ميداني).
3. المقدرة العالية، على رسم، الخرائط وإظهارها، وتوقيع المعلومات الطبوغرافية، والرموز العسكرية عليها، (أُنظر صورة استخدام الحاسب للتوقيع).
4. انخفاض مستوى الطاقة الكهربية، اللازمة لحسن الأداء، والاعتماد على مصادر طاقة، غير تقليدية، مثل الطاقة الشمسية.
5. انخفاض وزن الحاسبات، ووسائل الاتصال، والربط بينها، وصغر حجمها، بما يسمح بقدر عال من المرونة، كما يتيح إمكانية استخدام مراكز عمليات، محمولة جواً، أو مجهزة على عربات قتال، ذات قدرة عالية على المناورة.
6. استخدام هوائيات لأجهزة الاتصال، صغيرة الحجم، وذات نماذج إشعاعية موجهة، لضمان تحقيق الاتصال، وتقليل فرصة تداخل العدو، سواء بالتقاط المعلومات المتبادلة، أو بالتداخل بالشوشرة الإلكترونية.
7. سعة ذاكرة ضخمة، لتستوعب قاعدة البيانات الأساسية، والمعلومات المتدفقة من وسائل الاستطلاع المختلفة، والبيانات الناتجة من التطورات السريعة لميادين القتال.
8. السماح بتعدد المستخدمين، لطاقات الحاسبات المتاحة، مع تأمين المعلومات المخزنة فيها، والمتداولة عليها، بحيث لا يسمح بوصول المعلومات إلا إلى المستخدم، المصرح له بالاطلاع عليها.
9. استخدام الكود، والشفرات المركبة، عالية التعقيد، التي يصعب كسرها، في حالة التقاطها بواسطة العدو، وخروج العنصر البشري، من عملية تأمين الوثائق المتبادلة.
10. استخدام حزم البرمجيات التفاعلية، التي تجعل المعلومات الطبوغرافية للخرائط، والرموز العسكرية، والقرارات، والخطط، ومواقف العمليات المختلفة، المدخلة إلى الحاسبات، قابلة للمعالجة الرقمية، للخروج بالإحصائيات، وحساب القدرات، واستنزال الخسائر، وإضافة التعزيزات، والتقويات، والتحديث المستمر للبيانات، بناء على تدفق معلومات الاستطلاع، وتطور أعمال القتال.
11. إمكانية تلقي المعلومات مباشرة، من وسائل الاستطلاع والمراقبة لميدان القتال، أو من الحاسب الآلي للمستوي القيادي الأعلى، حيث إن الحاسب الرئيس، في كل مستوى من مستويات القيادة والسيطرة المختلفة، يرتبط مع المستوى الأعلى، والمستويات الأدنى، في شبكة تشبه إلى حد بعيد، شبكة الإنترنت العالمية، ولكن تتميز بسرعات وقدرات، تناسب الاستخدام العسكري، مع تمتعها بأعلى درجات التأمين والسرية.
12. تخزين خبرات قتال القادة السابقين، وكذلك قرارات وخطط المواقف التدريبية المختلفة، بصورة تسمح بتكوين قاعدة خبرات إلكترونية، يمكن للقادة الاستفادة منها مباشرة، في ميادين القتال الفعلية، أو عند الإعداد للمعارك في مراحلها المختلفة.
13. الاستخدام محاكيات وقت السلم، للتدريب، والاختبار، وتقويم أداء القادة، خلال المشروعات، والمواقف التدريبية المختلفة.
وسائل جمع المعلومات
هي جميع الوسائل المتاحة للقائد، وهيئة القيادة، لجمع البيانات، والمعلومات، عن قدرات وإمكانات العدو، وحلفائه، وهي تنقسم إلى مجموعتين رئيستين؛ المستشعرات قصيرة المدى Close In sensors، والمستشعرات بعيدة المدى Stand off sensors.
المستشعرات بعيدة المدى، (أُنظر صورة مستشعر بعيد المدى)، هي تلك المستشعرات المجهزة بها الأقمار الصناعية، التي تدور حول الأرض، في مدارات فضائية منخفضة، ومتوسطة الارتفاع، وطائرات الاستطلاع التي تطير على ارتفاعات شاهقة، والطائرات الموجهة بدون طيار، التي تنطلق من القطع البحرية، أو من طائرات حاملة خاصة، وتتميز هذه المستشعرات بالآتي:
1. تنوع تقنيات الاستشعار المستخدمة من القمر الصناعي، أو الطائرة، بحيث تشمل الاستشعار الضوئي، والحراري، والكهرومغناطيسي، والسزمي.
2. زيادة المساحة، التي يغطيها المستشعر، في اللقطة الواحدة، مع قدرة التمييز العالية، بين الأهداف المتقاربة.
3. المقدرة علي إرسال المعلومات المكتشفة، إلى مراكز التجميع، والتحليل، والدمج الأرضية، في نفس لحظة اكتشافها.
4. صغر الحجم، وانخفاض مستوى الطاقة اللازمة، لعمل هذه المستشعرات؛ الأمر الذي يتيح استخدام أقمار صناعية، أو طائرات أصغر حجماً وأقل تكلفة.
5. إمكانية تصفية المعلومات، والتعامل فقط مع المعلومات ذات الأهمية العسكرية، والتخلص من المعلومات غير ذات القيمة، لتقليل حجم المعلومات المطلوب معالجتها، والمطلوب تبادلها عبر وسائل الاتصال.
المستشعرات قصيرة المدى، (أُنظر صورة مستشعر أرضي قصير المدى)، هي تلك المستشعرات، التي تعمل من فوق منصات طائرة، أو من فوق منصات برية، أو عائمات بحرية، وهذا يؤدي إلى قصر مدى المراقبة، في مقابل زيادة المقدرة على التمييز، وتشمل هذه النوعية من المستشعرات، بالإضافة إلى السابق ذكرها، وسائل استشعار الاهتزازات، مثل المستشعرات الصوتية، والسزمية، والمغناطيسية.
ثانياً: الاتصالات العسكرية
منذ فجر التاريخ، ومع اندلاع الصراعات العسكرية، بين الجيوش المنظمة، ظهرت الحاجة الملحة لتحقيق اتصالات سريعة، ونقل معلومات مهمة، بين جوانب، الجيش الواحد وفرقه، بهدف حسم القتال، وتحقيق النصر؛ والحاجة هي أم الاختراع، كما يقال، فقد تم اختراع ما عرف باسم الإشارات المنظورة، باستخدام الأيدي، أو الأعلام، أو الدخان، أو عكس ضوء الشمس، مع إعطاء كل إشارة معنى متفق عليه، وما زالت القوات المنوط بها تحقيق الاتصالات العسكرية، يطلق عليها اسم سلاح الإشارة Signal Corps حتى الآن.
من الناحية النظرية، لا تختلف أجهزة معدات الاتصال العسكرية، من حيث التصميم، ونظريات العمل، عن تلك المستخدمة في المجالات المدنية، فمكونات جهاز الاتصال اللاسلكي الرئيسة واحدة، حيث إنه يتكون بصفة عامة، من وحدة إرسال، ووحدة استقبال، (أُنظر شكل أساس الإرسال والاستقبال اللاسلكي)، وتتكون كل منهما من الوحدات الفرعية الآتية:
1. وحدة الإرسال؛ وتتكون من محول الصوت إلى إشارات كهربية، الميكروفون، ووحدة تكبير التردد السمعي، ومعدل التردد، ومكبر القدرة، وهوائي الإرسال.
2. وحدة الاستقبال؛ وتتكون من هوائي الاستقبال، ومكبر التردد العالي، ووحدة خفض التردد، ومكبر التردد البيني، ووحدة الكاشف، ومكبر التردد السمعي، ووحدة البيان الصوتي، السماعات.
رغم اشتراك معدات الاتصال العسكرية، والمدنية، في المكونات الرئيسة، فإن هناك أوجه اختلاف جوهرية، أهمها أسلوب التصنيع؛ فإنتاج الأجهزة الإلكترونية بصفة عامة، و أجهزة الاتصالات بصفة خاصة، يتم وفق مستويات معينة من المواصفات، تبدأ من المعدات ذات المواصفات التجارية، وتنتهي بأعلى هذه المواصفات، وهي المعدات ذات المواصفات العسكريةMilitary Standards ؛ والمعدات ذات المواصفات القياسية العسكرية، التي تستطيع التغلب على الظروف الطبيعية القاسية، في ميادين القتال، وكذلك ظروف المعارك الحربية، وما يمكن أن تتعرض له تلك المعدات، من أحوال مختلفة؛ وتعد المعدات ذات المواصفات القياسية العسكرية أعلى تكلفة من المعدات ذات المواصفات القياسية الأخرى.
تطبق الاتصالات العسكرية، مبدءاً مهماً، حتى لا يستفيد العدو من استقبال الرسائل المتبادلة، وهذا المبدأ، هو استخدام القدرة التي تكاد تكفي لتحقيق الاتصال الآمن، ولذلك تتنوع قدرات أجهزة الإرسال المستخدمة، كما تتنوع، أيضاً، تلك الأجهزة، طبقاً لخواص انتشار الموجات الكهرومغناطيسية، في الأوساط المختلفة، إذ تحتاج الاتصالات العسكرية، لتحقيق الاتصال بين قوات تعمل على سطح الأرض، القوات البرية، بينها وبين الطائرات في الجو، وبين السفن في عرض البحر، وأحياناً مع الغائصات، ولكل خواصه المميزة.
تطور العلوم الإلكترونية، وظهور مكونات الدوائر الإلكترونية، التي تعمل باستخدام الأساليب الرقمية، أدخل الاتصالات العسكرية في حقبة جديدة، أطلق عليها اسم حقبة تحول ميدان القتال إلى استخدام الأساليب الرقمية، وأبرز ما حققه هذا التحول في مجال الاتصال الآتي:
1. تصغير حجم المعدات، مع تخفيف وزنها، إلى نسبة قد تصل أحياناً إلى عُشر وزن المعدات، التي لا تستخدم الأساليب الرقمية، وهذا يقلل من حجم مراكز الإشارة العسكرية، الاتصالات الثابتة، علي مختلف المستويات، مما يقلل ظهورها، وتعرضها لهجمات العدو؛ كما يتيح إمكانية استخدام مراكز إشارة متحركة، مجهزة فوق مركبات برية، أو قطع بحرية، وبعضها مجهز على متن طائرات خاصة، تؤدي دوراً رئيساً في تحقيق الاتصالات العسكرية.
2. زيادة سرعة، الاتصالات وكفاءتها وسريتها، كما أتاحت فرصة دمج العديد من الوظائف، التي كان يحتاج تنفيذ كل منها معدة مستقلة، في معدة واحدة.
3. استخدام الكود بأنواعه ودرجاته المختلفة، والشفرة في الرسائل المتبادلة، بلغ درجة عالية من الرقي، إلى درجة أن أصبحت نسبة كبيرة، من الوثائق والرسائل المتبادلة، خلال أجهزة الاتصال العسكرية، خاضعة لعملية تكويد وتشفير آلية لا يتدخل فيها العامل البشري.
4. إضافة إمكانية عقد المؤتمرات المسموعة فقط، أو المسموعة والمرئية، بين القادة عبر الأثير، وكل منهم موجود في مركز قيادته، بين جنوده، وذلك من خلال شبكة الاتصالات الرقمية العسكرية، والكاميرات التليفزيونية، وهذا النوع من الاتصالات، لا يحتاج إلى إمكانات إضافية لشبكة الاتصالات العسكرية، ولكنه يستغل إمكاناتها الذاتية.
5. سيطرة الحاسب الآلي، على تخطيط الاتصالات وتنظيمها، وتوزيع الحيزات الترددية، بدون أي تدخل بشري، فالقائد العسكري، أو المستخدم بصفة عامة، ما عليه إلا أن يطلب تحقيق الاتصال بالطرف الآخر، وذلك من خلال الهاتف، أو من نهاية طرفية للحاسب الآلي، أو أي وسيلة أخري، بدون أن يهتم هو أو أحد معاونيه، بكيفية ووسيلة الاتصال، فإن الحاسب الآلي يقوم بتنفيذ المهمة، بعد تقويم تأثير العديد من المتغيرات، التي تؤثر في عملية الاتصال، مثل طبيعة الأرض، وحالة الطقس، والوقت من الليل والنهار، وكثافة حركة تبادل الرسائل، ومدى تدخل العدو على قنوات الاتصال العاملة، بالأعمال الإلكترونية المضادة، …الخ؛ وسيكون اختيار الحاسب الآلي للمسار، ووسيلة تنفيذ الاتصال، هو الاختيار الأمثل في لحظة طلب الاتصال، كما سيكون أكثر الوسائل أمناً وسرية.
6. إتاحة استخدام البنية الأساسية للاتصالات المدنية، أو أجزاء منها، لتحقيق الاتصالات العسكرية، دون أي تفريط في متطلبات الاتصالات العسكرية، من حيث السرية والأمن والسرعة والكفاءة.
7. إتاحة فرصة إنشاء شبكة المعلومات العسكرية، على نمط شبكة المعلومات العالمية، (الإنترنت)، وإتاحة الفرصة لتعامل القادة مع قواعد البيانات المخزونة على حاسبات الشبكة، أثناء ظروف القتال.
أحد المطالب الرئيسة للاتصالات العسكرية، هو تجنب تنصت العدو، وكذلك حرمانه من الاستفادة من المعلومات، في حالة حصوله عليها، ولذلك يتم تطوير، وسائل آلية للكود، والرمز واستخدامها؛ كما يتم تزويد أجهزة الاتصالات العسكرية، بدوائر خاصة، لمنع تداخل العدو المقصود، لمنع تحقيق الاتصال بين القوات الصديقة، ويطلق على هذه الدوائر اسم دوائر مقاومة الإجراءات الإلكترونية المضادة Electronic Counter Counter measures .
ثالثاً: أنظمة التنشين والتوجيه الكهروبصرية في ساحة الحرب الحديثة
في الآونة الأخيرة، حدث تحول كبير، في القوات المسلحة، في معظم دول العالم من ناحية تصميم المستشعرات وأنظمة التتبع، ولهذا التحول ثلاثة أسباب رئيسية:
1. أصبحت الأسلحة اليوم، أكثر دقة وتأثيراً، من تلك التي استخدمت في الحروب السابقة، حتى القريبة، كما أن الإصابات المباشرة للسفن، والطائرات، والمدرعات، أصبحت اليوم ممكنة أكثر مما كانت سابقاً.
2. تعد تكاليف معظم الأسلحة الحديثة باهظة، بحيث إن إجراءات خفض النفقات في معظم دول العالم، تتجه للحد من كمية إنتاج هذه الأسلحة.
3. حيث إن الإصابة المباشرة أصبحت شبه مؤكدة، فإن الخصم، الذي يستطيع رؤية عدوه أولاً، والمبادرة بإطلاق النار تصبح له الفرصة الأكبر لكسب المعركة؛ هذه العوامل سارعت في تطوير تقنية الكهروبصريات، التي أدت بدورها إلى تحسينات جوهرية، في الكفاءة القتالية، لجميع الأسلحة مثل المدرعات، والدفاع الجوي، والمروحيات، والمشاة، والطائرات الموجهة بدون طيار.
تقوم الأنظمة الكهروبصرية بإنتاج، الأشعة أو التقاطها، باستخدام مذبذبات متطورة، وكاشفات حساسة جداً، ويقع حيز اهتمام العلماء، والمهندسين المصممين، لأنظمة الأسلحة الكهروبصرية، ما بين الأطوال الموجية من 0.3 إلى 15 ميكروناً[1]، وهذا الحيز هو الأكثر استخداماً، من الناحية العملية، في التطبيقات العسكرية، بسبب الظروف الجوية، وأنواع الأهداف المحتملة، إلا أن هناك بعض التطبيقات العسكرية الخاصة، تستخدم الأطوال الموجية للأشعة فوق البنفسجية، والأشعة تحت الحمراء؛ وهناك عادة نوعان من التقنيات في مجال الأنظمة الكهروبصرية الحديثة، هما أنظمة الرؤية الحرارية، وأنظمة الليزر، وكل منهما عادة، جزء من نظام معقد، مثل نظام لقيادة النيران، أو اكتشاف الأهداف.
1. تقنية الرؤية الحرارية
تعد أنظمة الرؤية الحرارية، معدات كهروبصرية سلبية، مصممة لالتقاط الأشعة تحت الحمراء، الصادرة من كل من الهدف والخلفية، وحيز الأطوال الموجبة من 3 إلى 5 ميكرون، أو من 8 إلى 14 ميكروناً؛ هذه الأطوال الموجية هي التي يحدث لها أقل توهين أثناء انتشاره في الغلاف الجوي الأرضي.
تجمّع الأشعة بواسطة تلسكوب خاص، ذي عدسات مصنوعة، إما من عنصر الجرمانيوم، أو من عنصر السليكون؛ حيث تركز العدسات الأشعة على كاشف حساس، وتمر إشارة الكاشف بعد ذلك في دوائر إلكترونية معقدة، حتى تظهر صورة حية على شاشة تليفزيونية، وعلى ذلك، فجهاز الرؤية الحرارية، يعمل في الحقيقة، محولاً للأطوال الموجبة من الأشعة تحت الحمراء إلى حيز الموجات المرئية.
تتيح تقنية الرؤية الحرارية، الرؤية أثناء الظلام التام، وخلال الضباب، والدخان، ولا تتأثر بتداخل أشعة الشمس، أو المشاعل، أو الأضواء الكاشفة؛ ويتكون جهاز الرؤية الحرارية عادة، من الكاشف، ونظام المسح الخاص[2]، بالإضافة إلى التلسكوب، والدائرة الإلكترونية، وشاشة الرؤية، وجهاز تبريد الكاشف[3].
كان المسرح العسكري، أكبر مجال لتطور تقنية الرؤية الحرارية، والمتطلبات الحالية والمستقبلية لهذه الأنظمة، تنحصر في مدى أطول للكشف والتمييز، في الأحوال الجوية السيئة، والعمل على أن تكون هذه الأنظمة، أقل وزناً، وتكلفة، واستهلاكاً للطاقة، وذات كفاءة أعلى، وهذا أدى إلى إنتاج كاشف أكثر حساسية، ومصفوفات ذات أعداد أكبر من العناصر الحساسة، وإلى تصميمات أدق، تستخدم مواد أخف، ودوائر كهربية أقل استهلاكاً للطاقة، ومبردات أكثر كفاءة.
2. تقنية الليزر
ظهر أول جهاز ليزر في سنة 1958، وكلمة ليزر LASER؛ هي اختصار لعدة كلمات، تعني تكبير الضوء بواسطة الانبعاث الحثي للأشعة، وهذا يعني أن أشعة الليزر، لها الخواص نفسها من حيث التركيز في اتجاه دقيق، والقطبية، وزاوية الطور، والطيف، مثل الطاقة الباعثة لها، مما يعطي شعاع الليزر الخاصية المتفردة، من حيث أحادية اللون، والتردد، والإشعاع في خط مستقيم، بشعاع مركز، له قدرة عالية.
من أمثلة الليزر المستخدم في المجال العسكري، ليزر المادة الصلبة، وهو ذو الطول الموجي 1.06 ميكرون، الذي يستخدم لتحديد المسافة، وإضاءة الهدف لصالح المقذوفات الموجهة.
3. استخدام الكهروبصريات في المدرعات
رغم أن أنظمة الرؤية الحرارية، قد صممت أساساً، في أواخر حقبة الستينيات للتطبيقات المحمولة جواً، وكانت تسمى أجهزة الرؤية تحت الحمراء الأمامية، الفلير FLIR، فإنها توجد الآن في أنظمة قيادة النيران للدبابة، وعربة القتال المدرعة.
حلّت أجهزة الرؤية الحرارية، محل أجهزة الأشعة تحت الحمراء الإيجابية، أو أجهزة التكثيف الضوئي في العمليات الليلة؛ بالإضافة إلى ذلك حلت الأجهزة الدقيقة لتقدير المسافة بالليزر، محل أجهزة تقدير المسافة البصرية.
الأجزاء الرئيسة، في نظام قيادة النيران في الدبابة الحديثة؛ هي جهاز تنشين الرامي، وحاسب إدارة النيران، (أُنظر صورة لدبابة بالأشعة)، ومستشعرات قياسية؛ وجهاز التنشين هو الجزء الكهروبصري الرئيس، ويتكون عادة من بايروسكوب، به مرآة رأسية متزنة، وجهاز رؤية حراري، وجهاز ليزر لتقدير المسافة، ووحدة رؤية نهارية، بالإضافة إلى نظام التكبير الضوئي، وفي بعض الأحوال يكون جهاز ليزر تقدير المسافة وحدة منفصلة بذاتها، وليس ضمن جهاز التنشين؛ وأهم ميزة لاستخدام الليزر لتحديد المسافة، هي زيادة احتمال إصابة الهدف، عن طريق القياس السريع، والدقيق، لمسافة الهدف، وبالتالي فإن معظم الأنظمة، تحقق زمن رد فعل من1 إلى 3 ثانية، ولمدى يصل إلى 10 كم، وبخطأ في تحديد المسافة لا يزيد على ±5 م، ويمكن أن تمر معلومات قيادة النيران آلياً إلى الحاسب، الذي يساعد على تقليل زمن رد الفعل الكلي، كما يؤدي التحديد الدقيق للمسافة، بالإضافة إلى الحاسبات الدقيقة إلى تأكيد الإصابة المباشرة للهدف.
جهاز ليزر تحديد المسافة، المستخدم في الدبابات الأمريكية، هو ليزر الياقوت، بينما تستخدم الأنواع الأخرى ليزر الياج، والأخير ينتج أشعة ذات طول موجي 1.06 ميكرون، وهي أشعة غير مرئية للإنسان، ولكنها قد تكون ضارة بالعين، أثناء التدريب، أو الصيانة، وللحفاظ على سلامة العين، يتم تعديل شعاع الليزر، ليصبح طوله الموجي 1.54 ميكرون.
4. استخدام الكهروبصريات في الدفاع الجوي
أصبحت معظم القوات المسلحة في العالم، في الوقت الراهن، في حاجة لنظام إنذار وتتبع جوي، مدمج ومتحرك ومتكامل، ومثل هذا النظام عليه اعتراض الهجوم المنخفض، الذي تنفذه طائرات المعاونة الجوية القريبة، والمروحيات والصواريخ؛ لتحقيق ذلك، يستخدم ليزر نبضي سريع، لقياس المسافات، مع كاميرات تليفزيونية، ومستشعرات للرؤية الحرارية، وأجهزة تتبع كهروبصرية، وأجهزة حاسبات سريعة، وهو ما يكون نظام قيادة النيران لكل من صواريخ ومدافع الدفاع الجوي، (أنظر صورة صاروخ موجهة بالأشعة دون الحمراء).
وحالياً تستخدم أغلب الأنظمة، ليزر عند الطول الموجي 1.54 ميكرون، وفي المستقبل، قد تستخدم نظم الدفاع الجوي، رادار ليزر ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى أجهزة الرادارات التقليدية المعروفة؛ وميزة رادار الليزر هي أن له طولاً موجياً أقل، مما يعطيه قدرة تحليلية أكبر في المسافة، أو الزمن، كما أن له حساسية أكبر في قياس سرعة الأهداف، ويمكنه إعطاء صورة للهدف الملتقط.
5. الكهروبصريات في الطائرات الهليكوبتر
أدت ظروف المعركة الحديثة، التي يستمر القتال فيها، نهاراً وليلاً، أوفي مختلف الظروف الجوية، إلى تطوير النظم الكهروبصرية لطائرات الهليكوبتر، لمواكبة هذه الظروف؛ هذه النظم لها القدرة على الاستخدام الماهر للذخيرة، وعلى إطلاق الصواريخ كافة، سواء الموجهة بالليزر، أو غيرها؛ غير أن الهليكوبتر تعد هدفاً جوياً سهلاً، ولذا يلزم الاستخدام الجيد للهيئات الأرضية، في الإخفاء، وكذا استعمال التمويه والإخفاء البصري، للوصول إلى تحقيق أهدافها.
أجهزة الإنذار، والرؤية الحرارية، تجعل من الهليكوبتر واحدة من أكثر وسائل استخدام الأسلحة تقدماً، فبواسطة الكهروبصريات، أصبح لها القدرة على الاستخدام الدقيق للأسلحة ليلاً ونهاراً، ضد مختلف الأهداف، وكما هو في المدرعات، تستخدم أنظمة الرؤية الحرارية في عدة مهام، فعادة تستخدم أجهزة الفلير FLIR للكشف عن الأهداف، (أُنظر صورة أجهزة الرؤية والتنشين الحراري)، كما تستخدم أجهزة الليزر لإضاءتها، ولتوجيه الأسلحة عند اللزوم، أيضاً، يستخدم نظام رؤية حرارية إضافي، في عمليات الملاحة المنخفضة، في الظروف الجوية السيئة، بما في ذلك الإقلاع، والهبوط، والطيران على ارتفاع منخفض، وفي بعض الأحوال، تستخدم نظارات الرؤية الليلية.
لهذه النظم مجال رؤية عريض، نظراً لاستخدامها على مدى قريب نسبياً، وتركب على أبراج تتحرك أفقياً ورأسياً؛ يستخدم الليزر لإضاءة الهدف، في حالة الأسلحة الموجهة بالليزر، كما يستخدم لتقدير المسافة للمدفعية، وهكذا تُعد أجهزة الرؤية الحرارية، والليزر، حماية للهليكوبتر، نظراً لأنها تتيح لها فرصة إطلاق الأسلحة من المدى الآمن.
6. استخدام الأنظمة الكهروبصرية للمشاة
تستخدم كل من أجهزة الرؤية الحرارية، والليزر، جزءاً من أسلحة المشاة، أو معدات منفصلة لصالحها، وقد دخلت الخدمة فعلاً في معظم الجيوش الحديثة، ومن أمثلة ذلك جهاز ليزر تقدير المسافة، الصغير المحمول باليد، الذي يصل مداه إلى 20 كم، (أُنظر صورة جهاز تقدير المسافة اليدوي )، والأجيال القادمة من أنظمة الليزر للمشاة، تحتوي على أجهزة إضافية، واقية للعين، وهي صغيرة، ورخيصة الثمن، ومثالية للاستخدام اليدوي، كما ستتسم هذه الأجيال بالأداء الأفضل، والحجم الأصغر.
ومن المنتظر ظهور معدات رؤية حرارية، تعمل في الحيز من 3 إلى 5 ميكرون، لمساعدة المشاة المترجلة في العمل ليلا بكفاءة؛ وعلى وجه العموم، سوف تكون أنظمة الليزر والفلير، الخاصة بالمشاة، قليلة التكلفة، خفيفة الوزن، وذات كفاءة عالية.
7. استخدام الكهروبصريات في الطائرات الموجهة من دون طيار
في الماضي كانت الطائرات الموجهة من دون طيار، (أُنظر صورة طائرة موجهة من دون طيار)، تستخدم أهدافاً متحركة لتدريب رماة الدفاع الجوي. أما الآن، فإن لها مهمات أكثر تعقيداً، مثل الاستطلاع القريب، والمتوسط، واكتشاف الأهداف وتصويرها.
تستخدم الأنواع الحديثة، من هذه الطائرات، أنظمة الليزر، لتقدير المسافة وإضاءة الأهداف، وأنظمة الفلير للاستطلاع في مختلف الظروف، ونظراً لأنها تعمل في الأجواء المعادية، فهي تعطي معلومات استطلاع فورية للقائد وتعد عيوناً له في السماء، وباستخدام جهاز ليزر صغير للإضاءة، أصبحت هذه الطائرات، أكثر الوسائل شيوعاً، للكشف عن الأهداف لمساعدة الطائرات الحاملة للصواريخ، أو الأسلحة الموجهة بالليزر؛ ومن المنتظر أن تكون للأجيال القادمة من هذه الطائرات، القدرة على أعمال الحرب الإلكترونية، من إعاقة وتأمين، كما يتوقع أن تحتوي على معدات كهروبصرية، قليلة التكاليف، وتعمل في الظروف الجوية كافة.
[1] الميكرون وحدة قياس للأطوال تساوي 10-6 م.
[2] هي عملية تقسيم الصورة إلى عدد معين من الأقسام المتوازية، و التعامل مع هذه الأقسام كل على حدة، وعلى التوالي، وبسرعة عالية تجعل المتلقي يشعر أنه يتعامل مع الصورة كاملة.
[3] كاشف الأشعة تحت الحمراء لا يعمل إلا في درجات حرارة منخفضة جداً، ويحتاج إلي تبريد مستمر.
[4] تأثير دوبلر هو اختلاف تردد الموجة الكهرومغناطيسية المرتدة من سطح جسم متحرك عن تردد الموجة الساقطة عليه؛ الاختلاف يعبر عن سرعة الجسم العاكس.
[5] هو زمن الدورة الكاملة حول الكرة الأرضية.
[6] معروف عالمياً بالأحرف G P S.