ب. الفرع الثاني: الجغرافيا الزراعية (1) الأنماط الرئيسية للزراعة (2) نظرية فون تنن لاستخدام الأراضي الزراعية (3) مقومات الإنتاج الزراعي (4) التوزيع الجغرافي للمحاصيل الزراعيةب. الفرع الثاني: الجغرافيا الزراعية
أدى تعدد موضوعات الجغرافيا الاقتصادية ـ والتي يقصد منها إعطاء صورة واضحة ومتكاملة عن أنشطة الإنسان الاقتصادية ـ إلى ظهور أفرع جديدة، منها: الجغرافيا الزراعية Agricultural Geography، ويتألف اصطلاح Agriculture، من مقطعين هما Agri وتعني حقل، و Cultura وتعني زراعة أو رعاية، ومعنى ذلك أن الكلمة ترمز بمعناها السابق إلى زراعة الحقل ورعايته، ويُعرف الجغرافيون هذا الفرع بأنه الفرع الجغرافي الذي يدرس الظروف الجغرافية المؤثرة في توزيع النشاط الزراعي على سطح الأرض، وتحليل التغيرات المساحية في مجال تلك الحرفة.
وتهتم الجغرافيا الزراعية بالربط بين المعلومات الجغرافية الخاصة بظروف البيئة وبالملامح البشرية من جهة وأساليب الإنتاج من جهة أخرى، وتستغل هذه المعلومات في معالجة موضوعاتها المُمثلة في توزيع، ووصف، وتحليل الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بإنتاج، وتبادل، واستهلاك الثروة الزراعية.
وتعد الزراعة[1] من أرقى وسائل الحصول على الغذاء، وأوسعها انتشاراً[2] على سطح الأرض، وأكثرها أهمية للمجتمعات البشرية حتى الصناعية منها، فهي تقدم العديد من الخامات الصناعية كالقطن، والكتان، والمطاط، وقصب السكر، ومن ثم كان الارتباط قوياً بين المناطق الصناعية والنطاقات الزراعية.
وقد عرف الإنسان الزراعة في وقت متقدم، إذ ترجع الأدلة على امتهان الإنسان الزراعة إلى سنة 7000 قبل الميلاد، ويأتي القمح والشعير في مقدمة المحاصيل التي نجح الإنسان في زراعتها، وأخذت النطاقات الزراعية في الاتساع والانتشار بعد ذلك في أحواض أنهار النيل، ودجلة، والفرات، واليانجتسي، والهوانجو، والسند، والجانج خلال الألف الخامسة قبل الميلاد.
واختلفت المحاصيل، التي زرعها الإنسان لأول مرة من إقليم إلى آخر، تبعاً لخصائص البيئة الطبيعية، رغم تصدر الحبوب والتمر قائمة هذه المحاصيل، فبينما ساد القمح والشعير بصفة خاصة أقاليم الزراعة في مصر وغربي آسيا وأوروبا، ساد الأرز في جنوب وشرق آسيا، والذرة في الأمريكتين، والمحاصيل الدرنية في الأقاليم المدارية المطيرة.
[1] تُعرف حرفة الزراعة بأنها حرفة متجددة لا تنضب، لحرفة التعدين مثلاً التي يُطلق عليها حرفة سارقة أو سالبة Roober Industry
[2] تُقدر مساحة الأراضي الزراعية في العالم بنحو 1477.9 مليون هكتار، بما يُعادل 11% من مساحة اليابس، (الهكتار = 10000 متر مربع، والهكتار = 2.38 فدان، والفدان = 4200.83 متر مربع).
(1) الأنماط الرئيسية للزراعة
تنقسم الزراعة في العالم إلى عدة أنماط رئيسية متباينة، تبعاً لنوع المحاصيل المزروعة، والغرض من زراعتها، والأساليب المستخدمة في العمليات الزراعية، ومدى توافر مقومات الإنتاج، وأهمها:
(أ) الزراعة الكثيفة Intensive Agriculture
ينتشر هذا النمط من الزراعة في الجهات المزدحمة بالسكان، حيث يشتد الضغط على الأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى استغلال كل المساحات الممكن زراعتها، للحصول على أكبر إنتاج من المحاصيل، ويتركز هذا النمط في الجهات الكثيفة السكان في جنوب وشرق آسيا، وفي مصر، والسودان، وأثيوبيا، لذا يعتمد هذا النمط على الجهود البشرية أكثر منه على الآلة الزراعية.
(ب) الزراعة الواسعة Extensive Agriculture
تنتشر الزراعة الواسعة في المناطق السهلية في العالم الجديد، وخاصة في كندا، والولايات المتحدة الأمريكية، واستراليا، والأرجنتين، والبرازيل، وتمتد في هذه الدول مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة، بينما تقل أعداد السكان نسبياً، لذا يقل الضغط السكاني على الأرض، مما أدى إلى الاعتماد على الآلات في العمليات الزراعية، ويتسم هذا النمط الزراعي بزيادة الملكيات الزراعية الفردية الكبيرة. كما يتميز باعتماده على محصول واحد مثل القمح أو الذرة مثلاً، لذا يتسم الإنتاج بعظم كمياته، وجودته، وارتفاع قيمته.
(ج) زراعة الحبوب بهدف التجارة Commercial Grain Farming
ويمثل هذا النمط صورة من صور الزراعة الواسعة، ويتخصص في إنتاج الحبوب بهدف تغطية السوق المحلية، وتصدير كميات كبيرة إلى الأسواق العالمية. وينتشر هذا النمط الزراعي في الولايات المتحدة، وكندا، واستراليا، وجمهورية أوكرانيا، وأوزبكستان السوفيتية، وجمهورية جنوب أفريقيا.
(د) الزراعة بهدف إنتاج الألبان Dairy Farming
يخصص هذا النمط مساحات واسعة لزراعة محاصيل العلف اللازمة لغذاء الماشية التي تربى لإنتاج الألبان، كما تُترك مساحات أخرى مراعي طبيعية، ويتركز هذا النمط في جهات متعددة من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وهولندا، وبلجيكا، وألمانيا، والسويد، وفنلندا، وأستونيا، ولاتفيا، ولتوانيا.
(هـ) الزراعة المختلطة Mixed Farming
ويُقصد بها قيام الزراعة إلى جانب تربية الماشية، والأغنام، والماعز، والدواجن، بهدف خلق مورد إضافي يزيد من دخل المزارعين ويوفر احتياجاتهم من المنتجات الحيوانية، واحتياج أراضيهم الزراعية من الأسمدة المتمثلة في مخلفات الحيوان. وتنتشر هذه الزراعة في الولايات المتحدة الأمريكية، والمكسيك، والبرازيل، والأرجنتين، وشيلي، وجمهورية جنوب أفريقيا، وزامبيا.
(و) زراعة البحر المتوسط Mediterranean Agriculture
يوجد هذا النمط من الزراعة في الأراضي المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، وكل الجهات التي يسودها مناخ البحر المتوسط، والواقعة بين دائرتي عرض 30 ، 40 شمال وجنوب خط الاستواء في غرب القارات. وتنتشر هنا زراعة الحبوب وخاصة القمح والشعير، كما يزرع الفول والخضراوات بأنواعها المختلفة، إضافة إلى الزيتون، والموالح، وأشجار النخيل.
(ز) الزراعة العلمية
وهي عبارة عن مزارع كبيرة المساحة، أقيمت معتمدة على رؤوس الأموال، والخبرات، والأساليب الزراعية الأوروبية المتقدمة في المناطق المدارية وشبه المدارية، وقد ظهرت نتيجة لزيادة الطلب على المنتجات الزراعية المدارية وشبه المدارية (المطاط، وجوز الهند، والكاكاو، والأناناس، وقصب السكر، ونخيل الزيت، والشاي، والقرنفل) في الأسواق العالمية. وقد أقامت بعض الحكومات المحلية عدداً من هذه المزارع، التي انتشرت على نطاق واسع مثل مزارع المطاط في أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، وجنوب شرقي آسيا، ومزارع الكاكاو في غرب أفريقيا وأمريكا الجنوبية، ومزارع قصب السكر في جنوب شرقي آسيا وشرق أفريقيا، ومزارع الموز في أمريكا الوسطى، ومزارع نخيل الزيت في غرب أفريقيا.
(ح) الزراعة في الجهات الجافة
تعتمد الزراعة في هذا النمط إمّا على المياه الجوفية في مناطق الواحات، أو على المياه السطحية في حالة وجود مجار مائية تخترق الجهات الجافة، مثل نهر النيل في مصر. لذا ينتشر هذا النمط في الصحراء الكبرى في أفريقيا، ووسط آسيا، وغرب الأرجنتين، ويُخصص معظم إنتاج هذا النمط (الأرز، القطن، قصب السكر، الشعير، نخيل البلح) للاستهلاك المحلي.