46 عاما على مجزرة "بحر البقر".. وإسرائيل لم تدفع الثمن
القاهرة - خدمة قدس برس |
الجمعة 08 إبريل 2016 - 13:53 م"الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللي على ورقهم سال.. في قصر الأمم المتحدة مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك في البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزي.. دي لطفلة مصرية سمرا كانت من أشطر تلاميذي".بهذه الكلمات وثّق الشاعر المصري الراحل صلاح جاهين واحدة من مذابح الاحتلال الإسرائيلي المتتالية؛ هي مجزرة "بحر البقر" التي استهدفت مدرسة ابتدائية في قرية "بحر البقر" بمركز الحسينية في محافظة الشرقية، والتي مرّ عليها 46 عاما نجحت خلالها إسرائيل بالإفلات من جريمتها دون عقاب أو حساب.
في تمام التاسعة و20 دقيقة من صباح يوم الثامن من نيسان/ إبريل لعام 1970، قامت الطائرات "الفانتوم" الإسرائيلية بقصف مبنى مدرسة "بحر البقر الإبتدائية المشتركة" بـ 5 قنابل وصاروخين، مخلفةً 30 طفلاً شهيداً و50 جريحاً بإصابات بليغة، من إجمالي 150 طالباً وطالبةً اعتادوا ارتياد المدرسة المذكورة.
وجاء هذا القصف ضمن تصعيد الغارات الإسرائيلية على مصر لإرغامها على إنهاء حرب الاستنزاف آنذاك وقبول مبادرة "روجرز"، في حين برّرت تل أبيب المجزرة بمزاعم تفيد بأن القصف استهدف "مواقع عسكرية".
بدورها، غضّت مصر النظر عن تلك المجزرة؛ حيث امتنعت عن مقاضاة إسرائيل أو حتى التوجّه بشكوى لأي محكمة أو هيئة دولية، وهو الموقف الذي تتبناه مصر منذ ذلك الحين حتى الآن.
لماذا لم تدفع إسرائيل ثمن المجزرة؟حاول النائب السابق في البرلمان المصري، توفيق عكاشة، تبرير لقائه السفير الإسرائيلي بالقاهرة خلال شباط/ فبراير الماضي، بادّعاءات قال فيها إن ما فعله يصب في مصلحة مصر؛ حيث أكّد وقتذاك على أنه أبرم اتفاقاً مبدئياً مع السفير على ثلاثة أمور، هي؛ حل مشكلة "سد النهضة" عبر وساطة إسرائيلية مع إثيوبيا، وإسقاط ملياري دولار مستحقة على مصر كتعويض لشركة الغاز الإسرائيلية بسبب وقفا تصدير الغاز لها عقب ثورة (25 يناير).
أما الأمر الثالث فهو الاتفاق على دفع إسرائيل تعويضات مالية لمصر عن قصفها مدرسة "بحر البقر" في أوائل سبعينيات القرن الماضي، وبناء 10 مدارس عوضاً عن المدرسة المدمرّة بفعل العدوان المذكور.
وبحسب عكاشة؛ فقد وعد السفير الإسرائيلي بالرد على تلك الطلبات عقب طرحها على رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ولكنه لم يرد، وأسقط البرلمان المصري عضوية عكاشة، لأسباب عديدة عنوانها لقاء السفير الإسرائيلي.
يقول الخبير وأستاذ القانون الدولي، السيد أبو الخير، "إن سبب عدم دفع إسرائيل تعويضات لمصر يعود إلى أنها بمثل هذا الفعل ستكون قد اعترفت رسمياً بارتكابها المجزرة، وهو ما يترتب عليه محاكمتها".
ويضيف "التعويض عن المجزرة هو بمثابة اعتراف بالجريمة، لذلك ترفض إسرائيل الحديث عن اعتبار ما حدث في بحر البقر جريمة".
غير أن أبو الخير أكّد في حديث لـ "قدس برس"، على أن "مذبحة بحر البقر جريمة لا تسقط بالتقادم، ومن الممكن الآن محاكمة إسرائيل عليها"، مستدركاً "للآسف من بيده تحريك الدعوى الجنائية ضدها قادة السلطة الحالية في مصر الذين يقيمون علاقات جيدة مع الاحتلال"، كما قال.
وأشار الخبير المصري، إلى أن ما حدث في قرية "بحر البقر" جريمة دولية يمكن للقضاء الدولي الفصل فيها حال طلبت بلاده ذلك، لافتاً إلى أن القضاء المصري ممثلاً بالنائب العام يمكنه ذلك أيضاً "إن أراد".
وفي المقابل، يرى خبير القانون الدولي، أحمد رفعت، أن رفع تلك الدعاوى أمام المحاكم المصرية سيكون "أمراً عديم الفائدة وليس له أي مردود، ولا تعدو كونها تذكير بالانتهاكات الإسرائيلية"، حسب تقديره.
ويضيف في تصريحات صحفية "مثل هذه الدعاوى لابد أن تعرض أمام المحاكم الدولية، ومصر ليست عضوة في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي لن تقبل لها أي دعاوى قضائية".
وعن إمكانية اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي للبت فيها، قال رفعت "لو وصل الأمر إلى مجلس الأمن، فإن الفيتو الأمريكي سيحول دون تحويلها إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي جرى إنشائها بعد وقوع المجزرة".
قضايا مؤجلةروى أحد شهود هذه المجزرة ويدعى أحمد الدميري، ما حدث له ولبقية زملائه صبيحة الثامن من نيسان/ إبريل 1970، قائلاً "فقدت أصدقائي وخرجت من تحت الركام بعاهة مستديمة (...)، وما عايشته في تلك اللحظات يوفظني من نومي مفزوعاً كل ليلة حتى اليوم".
ورفع الدميري الذي كان طالبا في المرحلة الإبتدائية إبان المجزرة، قضية تعويض مالي ضد دولة الاحتلال، غير أنها ما تزال داخل الأدراج؛ حاله كحال من نجا من تلك المذبحة ممّن يعانون عاهات وأزمات نفسية وإهدار لحقوقهم المعنوية والمادية.
وتمّ في عهد نظام الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، ترميم مبنى المدرسة الشاهد على المجزرة الإسرائيلية المروعة، وتحويله إلى منشآت سكنية للبيع، وبناء مدرسة أخرى تحمل ذات الإسم على أطراف القرية والاكتفاء بنصب تذكاري في المكان.
كما أغلق نظام مبارك قاعة في متحف "الزعيم أحمد عرابي" بمحافظة الشرقية، لاحتوائها على ملابس الأطفال الشهداء وكراساتهم ومقتنياتهم الخاصة، وعليها آثار دمائهم.
وعقب سقوط حكم مبارك، رفع أهالي الضحايا دعوى قضائية في تشرين أول/ أكتوبر عام 2013، بعد مرور 43 عاما على الجريمة، لمطالبة إسرائيل بتعويض أسر شهداء ومصابي المجزرة مادياً ومعنوياً، بما لا يقل عن التعويضات التي تحصل عليها إسرائيل من ألمانيا حتى اليوم عمّا يسمى بـ "الهولوكوست".
وجاء في الدعوى "إن إسرائيل حصلت على مليارات الدولارات من ألمانيا، فيما يعرف بتعويضات الهولوكوست، وهو ما يعطي نفس الحق لضحايا حادث مدرسة بحر البقر"، ولكن القضية مجمدة أمام المحاكم المصرية ولم يتم البت في التعويضات.
وحالياً، بسبب العلاقات الأمنية والاستخبارية العميقة التي يقيمها نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي مع الحكومة الإسرائيلية، يستبعد مراقبون للشان المصري فصل المحاكم المحلية في القضايا المتعلقة في مجزرة "بحر البقر"، لا سيما في ظل الممارسات التطبيعية التي شهدتها الفترة الأخيرة بين الجانبين، ومن ضمنها تعيين سفير مصري جديد في تل أبيب بعد سحبه قبل عامين، وعرض كتب إسرائيلية مترجمة في معرض الكتاب، وإدارج العملة الإسرائيلية (الشيكل) لأول مرة من قبل البنك المركزي المصري.
فيتو ضد إدانة القتلةأحدثت الغارتان الوحشيتان على مدرسة "بحر البقر" المصرية، رد فعل عميق لدى الرأي العام العالمي، لتتكشف وقتها أمام مرأى العالم حقيقة التخطيط العسكري الإسرائيلي الذي يستهدف المدنيين؛ إذ سبق هذه المجزرة أيضا عدد من الغارات في منطقتي "المعادي" و"حلوان" بالقاهرة، كما استهدفت مصنع "أبو زعبل"، وأخيراً مدرسة "بحر البقر".
واستخدمت أمريكا "حق النقض" (الفيتو) 83 مرة في مجلس الأمن، من بينها 44 مرة لحماية إسرائيل من قرارات إدانة دولية، وذلك بالرغم من بشاعة جرائمها التي شهد بها العالم كله.
وتكرّرت مجزرة "بحر البقر" في فلسطين المحتلة، مرات عديدة، آخرها ما جرى في مدرسة "الفاخورة" الفلسطينية بغزة عام 2009، تكريساً لنهج إسرائيلي يقوم على استهداف الأطفال الأبرياء لتظل أماكنهم فارغة من أجسادهم ولكنها مرتبطة بأرواحهم وأسمائهم.
ــــــــــــــــــــــ
من محمد جمال عرفه
تحرير زينة الأخرس