اقتصاديون يقيمون أداء السيسي في ولايته الأولى
Feb 10, 2018
القاهرة: في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للفوز بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة في مارس/ آذار 2018، يظل الملف الاقتصادي الشغل الشاغل للمواطنين.
وقبل إجراء الانتخابات المتوقع أن ينجح فيها السيسي بفارق كبير عن منافسة الوحيد، موسى مصطفى، استطلعت الاناضول أراء خبراء لتقييم الوضع الاقتصادي خلال الولاية الأولى للسيسي.
وبدأ حكم السيسي في 8 يونيو/ حزيران 2014، لمدة أربع سنوات، بعد فوزه الساحق على منافسه الأوحد، اليساري حمدين صباحي.
** اقتراض وتضخم
الأكاديمي المصري جمال شحات، يرى أن الفترة الأولى من حكم الرئيس السيسي شهدت تزايدا كبيرا في الاقتراض الخارجي، بما له من “تداعيات سلبية”.
وارتفع الدين الخارجي لمصر من 46 مليار دولار (15.1 بالمائة) من الناتج المحلي الإجمالي، في يونيو/ حزيران 2014، إلى 79 مليار دولار (33.6 بالمائة) من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية يونيو/ حزيران 2017.
وقفز متوسط نصيب الفرد من الدين الخارجي المصري من 506 دولارات في يونيو/ حزيران 2014، إلى 812 دولارا في يونيو/ حزيران 2017.
وأشار شحات في حديثه للأناضول، إلى أن “السياسات الاقتصادية خلال السنوات الماضية، أدت لارتفاع معدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة خلال عقود”.
وخلال الولاية الأولى للسيسي، رفعت الحكومة المصرية أسعار الكهرباء والوقود ثلاث مرات، بالإضافة إلى مياه الشرب وتذكرة ركوب مترو الأنفاق وخدمات أخرى.
ولدى تولى السيسي الحكم، بلغ معدل التضخم السنوي الإجمالي 8.2 بالمائة في يونيو/ حزيران 2014، وصعد إلى 34.2 بالمائة في يوليو/ تموز 2017، وبدأ بعدها مسيرة التراجع ليصل إلى 22.3 بالمائة في نهاية 2017.
ولدى وصول السيسي سدة الحكم، كان سعر صرف شراء الدولار يعادل 7.31 جنيها، وارتفع إلى نحو 17.63 جنيها حاليا، وفقا للبنك المركزي المصري.
“شحات”، قال إن السيسي خلال الولاية الأولى “ابتعد عن الأولويات.. فترك خمسة آلاف مصنع مغلقة لأسباب مختلفة”.
وفي 8 يناير/ كانون الثاني 2018، أكد السيسي، اهتمامه بملف المصانع المتعثرة والعمل على مساعدة المصانع المتوقفة لتعود للعمل والإنتاج.
** إصلاح اقتصادي
الخبير الاقتصادي ورئيس اتحاد المستثمرين العرب، السفير جمال بيومي (مصري) يرى، أن “الرئيس السيسي أقدم على تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تأخر لسنوات طويلة”.
بيومي أضاف للأناضول أن الرئيس المصري، “اتخذ خطوات اقتصادية صحية، عبر خفض الدعم، وتحرير سعر صرف العملة، لوضع الاقتصاد المصري على مسار مستدام”.
وانتقد بيومي “تأخر الحكومة والتردد في تطبيق كل برنامج الإصلاح الاقتصادي، مثل خفض دعم المواد البترولية أو الكهرباء وغيرها”.
وأشار بيومي إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي أدى إلى تحسن مؤشرات مثل معدل النمو وتراجع البطالة، وعجز الميزان التجاري وزياد تدفقات السياحة وارتفاع الاحتياطي الأجنبي.
استاذ الاقتصاد بجامعة الاسكندرية (شمال) كمال الوصال، يرى أن معدل النمو الاقتصادي “ما يزال يعتمد على مصادر غير مستدامة، وتذهب الثمار إلى رجال الأعمال”.
وأضاف في حديث مع الأناضول، أن لا تغييرات جوهرية في هيكل الاقتصاد، خلال حكم السيسي عما كان عليه قبل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
وخلال العام المالي الأول لحكم السيسي 2014/2015، ارتفع معدل نمو اقتصاد إلى 4.4 بالمائة ثم تراجع إلى 4.3 بالمائة في 2015/2016، و 4.2 بالمائة في 2016/2017.
وتستهدف مصر رفع معدل نمو الاقتصاد إلى 5.5 بالمائة خلال العام المالي الجاري مقابل 4.6 بالمائة في مشروع الموازنة العامة.
وقبل قدوم السيسي، سجل اقتصاد مصر معدل نمو 2.2 بالمائة في العام المالي 2013/2014 و2.1 بالمائة في العام المالي السابق عليه.
ويبدأ العام المالي في مصر مطلع يوليو/ تموز حتى نهاية يونيو/ حزيران من العام التالي، وفقا لقانون الموازنة العامة.
وانتقد الوصال في حديثه اعتماد الاقتصاد المصري خلال الولاية الأولى للسيسي على الاستدانة المحلية والخارجية لسد عجز الموازنة، لدرجة أن حصيلة الضرائب لا تكفي لخدمة الدين العام.
وارتفع الدين العام المحلي بمصر إلى 3.160 تريليون جنيه (179 مليار دولار) بما يعادل 91.1 بالمائة من الناتج المحلي في يونيو/ حزيران 2017، مقابل 1.816 تريليون جنيه (103 مليارات دولار) بما يعادل 85.3 بالمائة في يونيو/ حزيران 2014.
ويعتبر الوصال أن مصر “غرقت في الديون، حيث تقترض ديونا جديدة لسداد أقساط وفوائد الديون القديمة”.
ويرى الوصال أن ارتفاع الاحتياطي الأجنبي من 16.6 مليار دولار في يونيو/ حزيران إلى 38.2 مليار دولار في يناير/ كانون الثاني 2017 ” مجرد إنجاز وهمي لأنه احتياطي قائم على القروض وليس عوائد إنتاج حقيقية”. (الأناضول)
اقتصاد مصر في عهد السيسي: هبوط الجنيه وارتفاع الأسعار واتساع الفقر ورهان على المستقبل
Feb 10, 2018
لندن ـ «القدس العربي»: يستعد ملايين المصريين للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أربع سنوات على حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبعد خمس سنوات على الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، فيما لا يزال الملف الاقتصادي واحداً من القضايا الأكثر إثارة للقلق في أوساط المصريين خاصة مع استمرار ارتفاع الأسعار وتبخر القيمة الشرائية للجنيه المصري. ومن المقرر أن يتوجه ملايين المصريين إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 26 من الشهر المقبل، في الوقت الذي لا يوجد أي مرشح قوي منافس للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وهو ما دفع الكثير من المحللين إلى اعتبار الانتخابات بمثابة استفتاء على التجديد للسيسي.
وشهدت السنوات الأربعة الماضية التي حكم فيها السيسي البلاد جملة من التطورات الاقتصادية المهمة كان أهمها القرار الصادر عن البنك المركزي المصري بتعويم سعر صرف الجنيه المصري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، فيما شهدت العديد من القطاعات والمؤشرات الاقتصادية تحولات مهمة خلال الفترة المشار إليها.
انهيار الجنيه
سجَّل الجنيه المصري هبوطاً سريعاً خلال السنوات الأربعة الماضية، لكن هبوطه الحاد تم في أعقاب قرار المركزي المصري تعويم الجنيه يوم الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، حيث اقترب سعر صرف الدولار الأمريكي من 20 جنيهاً، قبل أن يعاود الهبوط قليلاً ويظل لشهور يحوم حول الـ18 جنيهاً، حسب رصد أجرته «القدس العربي».
وأظهر الرصد أن الدولار الأمريكي كان يساوي 7.13 جنيه فقط، وذلك يوم 25 أيار/ مايو 2014، أي عشية الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها السيسي، أما يوم الجمعة التاسع من شباط/ فبراير الحالي فبلغ سعر صرف الدولار 17.6 جنيه مصري، ما يعني أن العملة المصرية فقدت أكثر من 60٪ من قيمتها خلال الفترة المشار إليها. وتسبب انهيار سعر صرف الجنيه المصري بارتفاع حاد في أسعار العديد من السلع والمواد الأساسية، كما تسبب بقفزة في نسب التضخم في البلاد. وبحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء في شباط/ فبراير من العام 2017، أي بعد ثلاثة شهور فقط على قرار تعويم الجنيه، فإن نسبة التضخم بلغت 30٪ مقارنة بما كانت عليه قبل عام من ذلك التاريخ، أما مؤشر أسعار السلع الغذائية الرئيسية فسجل ارتفاعاً قياسياً بنحو 40٪. ومطلع العام الحالي 2018 أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تراجع معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 17٪، وذلك بسبب استقرار سعر صرف الجنيه المصري خلال الشهور الماضية، إلا أن شكاوى المصريين من ارتفاع الأسعار لم تهدأ، كما أن أياً من أسعار السلع والمواد الأساسية لم تتغير. ورفعت مصر أسعار الوقود في نهاية حزيران/ يونيو 2017، والكهرباء في تموز/ يوليو ومياه الشرب للاستخدام المنزلي مطلع آب/ أغسطس، وبطاقات شحن الهواتف النقالة في نهاية أيلول/ سبتمبر 2017، ليكون العام الماضي بذلك قد سجل موجة ارتفاعات كبيرة في الأسعار.
الفقر
عرَّف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر الفقر بأنه الوضع الذي يستطيع فيه الفرد أو الأسرة توفير الاحتياجات الغذائية الأساسية، في حين يعتبر البنك الدولي الفقر في العالم بأنه الوضعية التي يقل فيها دخل الفرد الواحد عن 600 دولار أمريكي سنوياً. وأكد تقرير رسمي صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر أن نسبة الفقر المدقع ارتفعت إلى 5.3 في المئة سنة 2015، بينما كانت هذه النسبة تبلغ 4.4 في المئة سنة 2012، مرجعاً ارتفاع عدد الفقراء إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغلاء المعيشة في مصر.
وتشير الإحصائيات الصادرة عن الجهاز إلى ارتفاع نسق نسب الفقر من 25.2 في المئة سنة 2011، إلى 26.3 في المئة سنة 2013، لتصل 27.8 في المئة في 2015.
ارتفعت ديون مصر الخارجية إلى مستويات غير مسبوقة خلال الفترة الأخيرة، حيث أعلن البنك المركزي المصري في تقرير الاستقرار المالي الصادر أواخر العام الماضي بلوغ الدين الخارجي 79 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران 2017، مقابل 55.8 مليار قبل سنة من ذلك، بزيادة تعادل 41.57٪.
في هذه الأثناء أعلنت وزارة المالية المصرية أن إجمالي دين الموازنة العامة للدولة (المحلي والخارجي) ارتفع إلى نحو 3.7 تريليون جنيه (208.3 مليار دولار) نهاية آذار/ مارس الماضي، وهو ما يعادل 107.9٪ من الناتج المحلي للبلاد.
صندوق النقد: نظرة إيجابية
ورغم بعض المؤشرات السلبية للاقتصاد المصري إلا أن صندوق النقد الدولي وافق في أعقاب تحرير الجنيه المصري على قرض بقيمة 12 مليار دولار لمصر، كما قال في أحدث تقاريره عن مصر إن نظرته لاقتصادها «إيجابية».
وذكر الصندوق أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر آخذ في الارتفاع والتضخم آخذ في التراجع، مشيراً إلى أنه على مدار العام الماضي نجحت الحكومة المصرية في تقليص عجز الموازنة، وبدأت السياحة والتحويلات المالية في الانتعاش، وتجري الآن إعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي في البلاد، وكل ذلك دليل على عودة الاقتصاد إلى مساره الصحيح.
مصر واستحالة الازدهار: نكتة انتخابات وجدلية القمع واقتصاد العسكر
إبراهيم درويش
Feb 10, 2018
قبل أقل من شهرين على الانتخابات المصرية لا أحد يفكر بالمرشح الذي سينتخبه لغياب الإختيار، فكل الذين فكروا بترشيح أنفسهم إما سجنوا، رحلوا من منافيهم الإختيارية وأجبروا على التخلي عن فكرة الانتخابات. وهناك من لاحقته المحاكم بتهم تشويه سمعة مصر أو من اتهم بخرق قانون العسكرية. ومن لم يبق غير شخص واحد بدأت حملة تدعوه لإعادة ترشيح نفسه وتحثه قائلة «علشان تبنيها» العام الماضي وقبل إعلانه نيته النزول في الانتخابات وهو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب عام 2013 الذي أطاح بالرئيس المنتخب في حينه، محمد مرسي. ولإعطاء مظهر انتخابات للعملية، قرر موسى مصطفى موسى من حزب الغد ترشيح نفسه فيما نظر لذلك محاولة لمنح العملية الانتخابية «مظهرا» ديمقراطيا وأن هناك فعلا من يتحدى الرئيس. وكان موسى حتى وقت قريب من أهم داعمي الرئيس وقاد في عهد حسني مبارك مجموعة من البلطجية في 2008 لتدمير مقر حزب معارض. ومن فصول المهزلة الانتخابية المصرية أن الأحزاب لم تتفق ولا على حتى مرشح واحد لترشيحه. فعندما أعلن السيد البدوي، رئيس حزب الوفد عن نيته الترشح، سارع حزبه في اليوم التالي للإعلان انه مؤيد للرئيس. وهناك 104 أحزاب مسجلة في مصر اليوم ظهر معظمها في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011. ويرى عبد المنعم سعيد، مدير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية أن السبب الذي أدى لفشل الأحزاب اختيار مرشحين للحملات الانتخابية هو غياب التمويل. وقال لموقع «المونيتور» (7/2/2018) إن معظم هذه الأحزاب ممولة من رجال أعمال وتعكس مصالح طبقة معينة وعادة ما تتنافس فيما بينها ضد جماعتين كبيرتين هما الجيش والإخوان المسلمين وقد ذهبت الجماعة الأخيرة نتيجة القمع وأصبحت محظورة، وبقي الجيش الذي عادة ما ينظر بشك إلى التعددية الحزبية. وما لم يقله المعلق المصري هو أن أجواء القمع والملاحقة الأمنية لأي مرشح وبرلمان دعا نوابه أو غالبيتهم السيسي لترشيح نفسه مرة ثانية كان العامل وراء تردد أي شخص بالمشاركة في السباق الرئاسي. ويرى مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» (1/2/2018) أن جل العملية الانتخابية المقبلة هي محاولة في ديمقراطية الرجل القوي التي باتت الأنظمة الديكتاتورية تمارسها للحصول على الشرعية الدولية وإرضاء الولايات المتحدة التي يحب رئيسها دونالد ترامب التعامل مع الحكام «الأقوياء». وعليه فلن يخاف السيسي من الرقابة الأجنبية أو أمريكا، فقد وصفه ترامب بالرجل «الرائع»، أما دول الاتحاد الأوروبي فهي منشغلة بمشاكلها وغير راغبة بلعب دور بناء وتكتفي بالمراقبة فقط، كما تفعل من سبع سنوات في الحرب الأهلية السورية. ويرى وولش أن صمت أوروبا على القتل وتكميم الأفواه ومحاكمة زعماء المعارضة وقمع المتظاهرين حول العالم مرتبط بظهور الحركات اليمينية الشعبوبية وأزمة المهاجرين والفروقات الاقتصادية. ويعرف قادة مثل مصر أنهم لن يواجهوا إلا إنتقادات قليلة من واشنطن التي تخلت عن دعمها للديمقراطية وحقوق الإنسان مقابل شعار «أمريكا أولا».
قتل الهامش
ولهذا وجد النظام المصري حرية في تشكيل الانتخابات وخلق أجواء من الخوف والملاحقة. كما حدث مع هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات سابقا والذي اعتدي عليه في الشارع نظرا لدعمه حملة رئيس هيئة الأركان السابق سامي عنان. وحذر جنينة في تصريحات لصحيفة «ديلي تلغراف» (8/2/2018) من أن السيسي «أغلق كل وسائل التغيير السياسي» ولم يستبعد لجوء البعض لمقاومة العنف. وقال إن النظام السياسي أصبح أكثر قمعا مما كان عليه الحال في عهد حسني مبارك. وهذا صحيح، فمنظمات حقوق الإنسان وغير الحكومية والمجتمع المدني عانت خلال الأعوام الماضية من العنف والاعتقال. بل وكان في عهد الأنظمة السابقة هامش من الحرية يمكن للمعارضة والأحزاب ممارسة النقد ضد النظام وقد اختفى هذا كله. فالإعلام الرسمي والخاص بيد النظام والقوى الأمنية تلاحق أي شخصية تعتبر تهديدا على الرئيس ومن حوله. ووصف «مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط» التحضيرات للانتخابات بأنها «أكثر الأجواء السياسية قمعا في تاريخ مصر الحديث». وكان رد الخارجية الأمريكية فاترا على ما حدث من اعتداء على جنينة واكتفت المتحدثة باسمها
بالتعبير عن «القلق» وأن «المسؤولين يراقبون الوضع عن قرب». ولم تتخذ إدارة ترامب إجراءات بشأن الوضع في مصر، صحيح أنها قامت بتجميد 290 مليون دولار بسبب تعاون النظام السري مع كوريا الجنوبية وقانون في مجلس الشعب المصري يحدد عمل المنظمات غير الحكومية، إلا أن أي نقد للنظام غطى عليه مديح ترامب للسيسي. ويبدو موقف ترامب واضحا من عدم تعيين مساعد لوزير الخارجية في مجال حقوق الإنسان وموقف تيلرسون العام الماضي من تقرير حقوق الإنسان وتجاهله للإعلان عنه بنفسه. والصمت بشأن ممارسات النظام في مصر ليس مقتصرا على ترامب بل واضح من مواقف بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وعلق ديكلان وولش أن أبرز زائر للقاهرة في الفترة الماضية كان مدير المخابرات الفرنسية الذي ثمن جهود السيسي جلب السلام للمنطقة.
حالة لا مبالاة
وإذا كان العالم الخارجي غير مهتم إلا بقدر بما يجري في مصر فالمواطن العادي منشغل بالخبز والوقود والأسعار بدلا من الحديث عن نكتة الانتخابات. ففي عام 2016 عندما قررت الحكومة تعويم الجنيه المصري بشكل خفض قيمته للنصف أصبح شراء المواد المستوردة مستحيلا للمواطن العادي. وحسب نادل يعمل في مقهى، شمال القاهرة: «قبل ثلاثة أعوام كان بإمكانك شراء كل الأجهزة الكهربائية التي تريد بـ 50.000 جنيه استرليني أما اليوم فتحتاج إلى 150.000». وتعلق مجلة «إيكونوميست» (10/2/2018) أن المصريين الذين تحدثت معهم يخشون الكشف عن هويتهم منذ مذبحة رابعة عام 2013 إلا أن الناخبين يتذمرون. وقال أحدهم إنه قرر التوقف عن قيادة «توك توك» لأن أسعار الوقود ارتفعت «قرفت من المساومة على الأجرة». ويعمل الآن في مخبز يبيع الخبز المدعم مضيفا «لا يستطيع السكان العيش بدون الخبز المدعم». وتقول إن هذا هو اعتقاد شائع بين الناس بدرجة جعلت من الصعب إصلاح الاقتصاد. فمنذ العشرينات من القرن الماضي تعود الناس على دعم الحكومة للمواد الأساسية. وتضيف إن الوقود والخبز والمياه تلخص المشكلة. ذلك أن سياسات دعم الوقود تؤدي إلى زيادة السيارات والإزدحام في الشوارع. وقدر البنك الدولي كلفة الأزدحام في شوارع القاهرة بـ 3.6٪ من خزينة الدولة المصرية. ولأن الفقراء لا يشترون السيارات فنسبة 20 في المئة من الحضريين يحصلون على ثمانية أضعاف ما يحصل عليه الفقراء. وكذا الخبز حيث يؤدي الدعم إلى تبذير في العجين لأن المصريين يشترون خمسة أرغفة بعشر الكلفة. وتدعم الحكومة السكر وزيت الطبخ والمواد الكربوهيدراتية الأخرى وهذا سبب من أسباب زيادة السمنة بينهم. ورغم العمل بنظام البطاقة إلا أن المواد المدعمة عادة ما تسرق. وكان معهد كاتو في واشنطن اقترح في دراسة عام 2013 تبني نظام أسهل وهو رفع الدعم عن كل المواد الغذائية والطاقة وتحويل نصف المال الذي سيتم توفيره إلى 60 في المئة من أرباب البيوت الفقراء حيث يمكن لكل بيت الحصول على 622 دولارا في العام. لكن السيسي لن يقوم بعمل أي شيء قبل الانتخابات وتعتمد إصلاحاته وعلاقته مع صندوق النقد الدولي على حجم المال الذي يريده منه.
ويظل موضوع المياه الأكثر حساسية، فمع زيادة عدد سكان مصر المتوقع من 99 إلى 120 مليون نسمة بحلول عام 2030 فالطلب على المياه يزيد. ولأن مصر تعطي المياه مجانا للمواطنين فلا يشعر هؤلاء بالحاجة لتوفيرها. وتطلب الحكومة من المزارعين دفع ثمن ضخم للمياه أما سكان المدن فيطلب منهم دفع مبلغ قليل إلا أن الفواتير لا تحصل في العادة. ثم هناك مشكلة سد النهضة الذي تقوم إثيوبيا ببنائه وقد يؤثر على دول المصب خاصة مصر. ورغم تأكيد السيسي في 29 كانون الثاني (يناير) بعد لقائه قادة إثيوبيا والسودان عدم وجود أزمة إلا أن مراقبين يتوقعون التصعيد. ويقول أتش إي هيللير، من المعهد الملكي للدراسات المتحدة إن «الإحتمال الحقيقي هو قيام مصر بالتصعيد الخطير حول السد» ومن ذلك الحل العسكري. ولا يمكن للسيسي أن يظهر بمظهر الرجل الضعيف خاصة بعد الكشف الذي تحدثت فيه صحيفة «نيويورك تايمز» (3/2/2018) عن اعتماد القوات المصرية على الطيران الإسرائيلي لضرب مواقع الجهاديين في سيناء. وترى مجلة «إيكونوميست» أن إصلاحا اقتصاديا مؤلما متاح لو كان للحكومة شرعية انتخابات حرة. وبالتأكيد لن يحدث هذا العام. ورغم ما تراه المجلة تحركا إيجابيا من السيسي لتعويم العملة، إلا أن مصر ستكافح لكي تزدهر طالما ظل يحكمها العسكر الذين يتوقعون من الأسواق اتباع أوامرهم. وحول العسكر السلطة للتأجير، فالجيش مثلا يبني طرقا جديدة وكثيرة وعادة بدون طرحها للعطاء العام. وفي 21 منها حصلت المؤسسة العسكرية على الأرض الموازية لها على الجانبين. ومن هنا فأي شخص يريد فتح محل على قارعة الطريق عليه الحصول على إذن من العسكر في زي الخاكي.