مع بداية فصل الصيف تكثر المناسبات الإجتماعية من أفراح وحفلات، وتبدأ الالتزامات المادية و”المستحقة، لتشكل عبئا على كاهل الشخص والأسر، وفي مقدمتها “النقوط”.
ولأن كل شيء “سداد ودين”، فإن الشخص مطالب أن “يرد” النقوط الذي حصل عليه في مناسبته أو مناسبة ابنه، حينما تتوالى مناسبات الغير، لا بل أن يضاعف أحيانا الرقم الذي حصل عليه.
وبالرغم من انتشار بعض المبادرات التي تدعو للتخلص من ظاهرة النقوط في المناسبات الإجتماعية كحفلات الزفاف، التخرج من الجامعة وغيرها من المناسبات، إلا أنها لم تشكل ضاغطا قويا، سيما وأن العديد من الناس يرون أن النقوط دين في ذمة الشخص لا بد من سداده.
الستيني عواد الفقهاء بالرغم من حرصه الدائم على حضور المناسبات الإجتماعية في عائلته ومشاركة أقاربة أفراحهم، إلا أنه يجد تلك التكاليف وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العديد من العائلات الأردنية، “أمرا زاد عن حده ولم يعد بمقدور الشخص تحمل تلك النفقات”.
يقول “حمل الصيف ثقيل وإلتزاماته المادية لا تنتهي”، وتزيد تلك المناسبات من الاعباء بسبب “النقوط”، وتكثر الأعراس وتأتي أحيانا دفعة واحدة ولايمكن تجاهل أي شيء منها.
وكانت الصدمة الكبرى عندما عاد الثلاثيني حازم عطية إلى منزله ليتفاجأ بأربع بطاقات دعوة لحضور حفل زفاف كلها في الأسبوع ذاته، وعليه أن يحضر تلك المناسبات جميعها وتقديم النقوط.
ويذهب إلى أن الراتب وما يترتب عليه من التزامات وديون شهرية لا يحتمل أبدا إخراج مبلغ ليس بقليل، دون ترتيب مسبق، الأمر الذي يضطره للوقوع في مطب الدين.
يقول “النقوط دين على صاحبه ولا يمكن تجاهله أبدا”، هكذا برر الأربعيني ماجد الدباس السبب الذي يجبر العديد من الناس على تقديم النقوط حتى لو اضطر للدين.
ويتابع أن صاحب المناسبة في العادة يدعو كل من هم ملتزمون اتجاهه بنقوط وأن تغيب أحد المعازيم ممن عليهم “دين النقوط” يعتبر تهربا صريحا وهو ما قد يحدث عليه مشكلة وبلبلة في العائلة بعد انتهاء المناسبة وفق الدباس.
“حتى الأعراس أصبحت جباية حقيقية” هكذا وصف الخمسيني ابو طراد “النقوط”، مشيرا إلى أن دفعة “النقوط” أفقدت الناس الفرحة في الزواج أو حتى الرغبة في المشاركة، خصوصا وأن الشغل الشاغل يكون في النقوط وهدية الزواج التي لا بد من تقديمها في العرس.
وما يزيد الأمر سوءا بحسب ابو طراد، هو عدم اقتصار الأمر على سداد النقوط الذي أخذه في زواجه أو زواج أحد أبنائه وإخوته وإنما بضرورة مضاعفة النقوط، خصوصا وأن الكثير يعتبر أن سداد النقوط بالمبلغ ذاته يعتبر عيبا بحق من ينقط.
بدوره يبين خبير علم الاجتماع الاقتصادي حسام عايش إلى أن أصل هذه الممارسات اجتماعية وثقافية، لايمكن تغييرها ما لم تتغير الثقافة العقلية.
ولا بد لقادة المجتمع المحلي والشخصيات العشائرية أن تسعى بدورها لإبطال هذه العادة المجتمعية، والتي من شأنها أن تثقل كاهل المواطن، فضلا عن وسائل الإعلام لما لهم من دور حقيقي في التأثير، وبالتالي تدفع إلى تقليص والتخلي عن هذه العادات المرهقة.
وتتفاوت الضغوطات الاقتصادية التي تفرضها هذه المناسبات كالنقوط بحسب عايش، ففي بعض الاحيان تكون خفيفة، في حين تكون كثيرة ومرهقة في أوقات أخرى، الأمر الذي يزيد من أهمية رفع وعي المواطن وتكثيف الجهود للتخلص من هذه العادات المرهقة.
يقول “يحمل النقوط الكثيرين مسؤوليات كبيرة، وتحمل الشخص نفسه مسؤولية الوفاء بالدين ويحمله أعباء إضافية بالمستقبل القريب.
ويردف أن من حق الناس أن تفرح كثيرا وأن يكون لها عادات إجتماعية جميلة، شريطة أن يكون لها قيمة مضافة وأن يكون لها دور في خدمة المجتمع دون أن يتسبب في تكلفة اقتصادية أو إجتماعية.
ويلفت عايش بدوره إلى أن الشخص “مديون لعادات وتقاليد لابد من أن تتغير وتتحول حتى تنعكس على بيئة المجتمع ويكون الناس أكثر حميمية ومودة”، سيما وأن حجم الإلتزامات الإجتماعية كبير ويؤثر على ميزانية الأسرة ونفقاتها.
ويشدد على ضرورة وجود حملات على مواقع التواصل الإجتماعي، لتغيير بعض العادات المرهقة للأسر، منوها إلى أنها مسؤولية الشباب وقيادات المجتمع ورجال الدين ووسائل الإعلام التي يجب عليها عقلنة مثل هذه الأفكار التي قد تنعكس سلبا على العلاقات الإجتماعية، فيضطر أشخاص أحيانا للتخلي عن حضور هذه المناسبات لعدم قدرتهم على تقديم النقوط.