الثورة العربية الكبرى ومركزية فلسطين
عمان - «لا أقبل إلا أن تكون فلسطين لأهلها العرب، لا أقبل بالتجزئة، ولا أقبل بالانتداب، ولا أسكت وفي عروقي دم عربي عن مطالبة الحكومة البريطانية بالوفاء بالعهود التي قطعتها للعرب، وإذا رفضت الحكومة البريطانية التعديل الذي اطلبه فإني أرفض المعاهدة كلها، لا أوقع المعاهدة قبل أخذ رأي الأمة».
بهذه الكلمات كان رد الشريف الحسين بن علي وإصراره في المباحثات التي جرت بينه وبين بريطانيا لتوقيع ما عرف بـ «المعاهدة الحجازية البريطانية» (آنذاك) على أن تتضمن تلك المعاهدة الاعتراف باستقلال فلسطين باعتبارها جزءا من الأمة العربية.
يقول أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبد الله كنعان ان الشريف الحسين بن علي كان قبل إعلانه للثورة العربية الكبرى مسكونا بهمين عربيين أساسيين:
الأول: انتزاع حكم ذاتي للأقاليم العربية في إطار من خيمة الخلافة العثمانية ووحدة أقاليمها الإسلامية، والثاني: الدولة العربية الشاملة لجميع الأقاليم العربية دونما استثناء في حالة رفض مركز الخلافة للخيار الأول وفي مقدمتها فلسطين.
ويضيف لـ (بترا) ان هذه الرؤية من الشريف الحسين لإدراكه لحقيقة المطامع الأجنبية وبخاصة اليهود ممن بدأوا بمشاريعهم الاستيطانية الاستعمارية في فلسطين مبكرا وتحديدا بالربع الأخير من القرن التاسع عشر من جهة وفشل مساعيهم بإقناع السد العالي التركي بالسماح لهم بالهجرة إلى فلسطين وتحديدا في القدس والمسنودة بالضغوط الأوروبية وبخاصة البريطانية على الخليفة العثماني آنذاك.
ومع رفض الصدر العالي التجاوب مع مشروع الشريف الحسين بن علي بحكم ذاتي للأقاليم العربية، وإصرار الطورانيين على المضي قدما في سياسة التتريك واضطهاد القوميات الأخرى المنضوية تحت راية الخلافة العثمانية وبخاصة ضد العرب لم يبق أمام العرب بقيادة الشريف الحسين بن علي إلا الثورة ضد الاضطهاد الطوراني لهم المتمثل بسياسة عنصرية الإعدامات للمجاهدين العرب التي يقودها وينفذها زعماء تركيا الفتاة بتوجيه من مجلس المبعوثان الذي يسيطر عليه يهود الدونما الروس وذلك بعد ان فشلت جميع محاولاته لإصلاح الحكم العثماني من داخله.
وتحقيقاً لهذا الهدف التحريري الوحدوي النهضوي الشامل كان لا بد من الانتفاضة ضد الحكم العثماني الطوراني إذ فشلت جميع مساعي الشريف الحسين بن علي ومحاولاته لانتزاع حكم ذاتي شامل للأقطار العربية في إطار الخلافة العثمانية فلم يبق أمامه سوى طريق واحد، طريق الثورة العربية التي أطلق رصاصتها الأولى من على شرفة منزله في مكة المكرمة في العاشر من حزيران سنة 1916 م.
ويقول كنعان ان التآمر البريطاني الفرنسي الأمريكي الصهيوني كان له بالمرصاد فالتحرر من التسلط الطوراني انتهى بفعل التحالف البريطاني اليهودي الصهيوني الاستعماري إلى استبدال الحكم الطوراني بالاحتلال والحكم البريطاني لتشرع بريطانيا الحليف الدولي الذي ظلت اليهودية الصهيونية تعمل على استدراجه لمشروعها اليهودي الصهيوني بالتنكر إلى وعودها للشريف الحسين بن علي بإقامة المملكة العربية الشاملة لجميع أقطار المشرق العربي بما في ذلك فلسطين، والاعتراف به ملكاً عليها.
ويتابع ان بريطانيا العظمى بدأت بتهيئة الظروف لزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي عملاً بتوصية لجنة كامبل بنرمان، رئيس وزراء بريطانيا سنة 1907م المتمثلة بإقامة كيان يكون عدواً دائماً لأهلها وصديقاً دائماً لبريطانيا والغرب، إقامة كيان غريب في المنطقة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج التي توجست منه تلك اللجنة، لما يتوافر للمنطقة العربية من عوامل التوحد والوحدة من لغة واحدة ورسالة سماوية، وشعب ينتمي إلى منبت واحد يجمعه تاريخ ومصالح مشتركة، ولديه قابلية التعلم إذا ما أتيحت له الفرصة.
وإعمالاً لتلك التوصية كان لا بد من تقسيم المنطقة العربية إلى مناطق نفوذ استعمارية فكانت معاهدة سايكس بيكو سنة 1916م التي افتضح أمرها بعد الثورة البلشفية الروسية سنة 1917م التي قسمت المنطقة العربية إلى مناطق نفوذ فرنسية بريطانية.
فكانت مصر والعراق والأردن وفلسطين من نصيب بريطانيا، وسوريا ولبنان وتونس والجزائر والمغرب من نصيب فرنسا، وليبيا من نصيب إيطاليا.
ومن ثم جاء وعد بلفور في 2/11/1917 ليشكل حجر الزاوية في تأسيس الكيان الصهيوني، فصك الانتداب في 22 تموز1922 الذي وضع فلسطين والأردن تحت الانتداب البريطاني لتهيئة الأجواء لإقامة الكيان الصهيوني، ثم قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة في 29/11/1947.
ويشرح كنعان تفاصيل الدور الهاشمي في التصدي للمشروع البريطاني الاستعماري الهادف إلى سلخ فلسطين عن الجسم العربي لتكون وطنا قوميا لليهود ويقول ان موقف الشريف الحسين بن علي من هذه المؤامرة البريطانية الصهيونية كان الرفض المطلق لمثل هذا المشروع البريطاني اليهودي الصهيوني مبتدئاً بمناهضته لذلك المشروع بحملة توعية مركزة لاستنهاض العرب، وبخاصة الفلسطينيين منهم، لحثهم على مقاومة هذا المشروع وإسقاطه في المهد.
وبعث برسائل وبرقيات إلى أهالي فلسطين يؤكد لهم تمسكه بعروبة فلسطين، ووجوب أن تكون فلسطين جزءا من الدولة العربية المتفق على إقامتها مع بريطانيا، وتأكد ذلك الموقف من خلال الإعلان الذي أذاعته الحكومة العربية الهاشمية في الحجاز(آنذاك) بمناسبة سفر الأمير عبدالله بن الحسين إلى لندن في سنة 1922 م وجاء فيه:
((بأنها (أي المملكة العربية الهاشمية) لا تنحرف قيد أنملة عن الخطة الأساسية، وهي الاستقلال التام، والوحدة المطلقة للبلاد العربية بأسرها)).
وكان موقف الأمة العربية واضحاً برفضها المشروع البريطاني اليهودي الصهيوني والمتمثل بإقامة الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي «فلسطين».
كان الشريف الحسين بن علي قد أصر في المباحثات التي جرت بينه وبين بريطانيا لتوقيع ما عرف بـ المعاهدة الحجازية البريطانية (آنذاك) على أن تتضمن تلك المعاهدة الاعتراف باستقلال فلسطين باعتبارها جزءا من الأمة العربية، وفي هذا السياق قال علي عباس المالكي، مندوب الشريف الحسين إلى فلسطين سنة 1923م: إن المعاهدة قد عرضتها على مولاي حكومة صاحب الجلالة البريطانية وفي بعض موادها ما لم يسترح له فؤاده فعدلها تعديلاً مهماً نص فيه على استقلال البلاد الفلسطينية استقلالاً تاماً مطلقاً يخولهم إدارة أنفسهم كمستقلين، واختيار طريقة حكمهم لأنفسهم فترك هذا التعديل وعد بلفور في حكم أنه لم يصدر أو يقضى عليه بالموت، ويؤكد لكم جلالة سيدي الملك أن الحكومة الإنجليزية إذا لم تقبل أن تكون هذه المعاهدة بهذا التعديل وبما اقترحه عليهم لا يمكن أن يمضيها لهم، بل يرفضها بتاتاً، كما وأنه يؤكد بأنه لا يمكن أن يذهب شبر أرض من فلسطين ما دام هو أو أحد من أولاده حي على وجه الأرض، بل لا بد أن يحافظوا على أقل قرية في فلسطين محافظتهم على البيت الحرام إلى آخر نقطة من دمائهم.
ويشير كنعان إلى تشدد الشريف الحسين في مطلبه بأن تكون فلسطين جزءاً من الدولة العربية المنشودة يعود لأسباب دينية، كونها تضم القدس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية وأبرزها المسجد الأقصى، وقبة الصخرة المشرفة، وكنيسة القيامة، فضلاً عن كونها قضية وطنية وقومية.
ولكن تشبث الشريف الحسين بن علي بالحق العربي في فلسطين وبضرورة قيام الدولة العربية الهاشمية الشاملة لكافة أقطار المشرق العربي وفلسطين نواتها، انتهى به إلى المنفى في الأستانة مفضلاً ذلك على أن يفرط بحقوق الأمة الإسلامية والعرب، أو بأي شبر من أراضيها المقدسة.
يقول كنعان «ويتبدى حب الشريف الحسين بن علي، رحمه الله، لفلسطين وقدسها ومقدساتها وتعلقه الروحي والوطني بها من وصيته لأعيان القدس بأن يدفن في رحاب القدس الشريف فكان له ما أراد حيث دفن في 2/6/1937م في رحاب المسجد الأقصى المبارك بعد أن تقاطر أبناء القدس ووجهاؤها والأردنيون والفلسطينيون والعرب لوداع الشهيد، شيخ قريش، شيخ الأمة العربية، ملك العرب وأميرهم، حيث ضريحه الطاهر مسجّى في باحة الأقصى في الرواق الغربي للحرم القدسي في المكان المعروف اليوم بـ «دار العفيفي».
واقتفى الملك عبدالله الأول أثر والده وسار على نهجه فيما يخص قضية الهاشميين المركزية..قضية فلسطين، وذلك أن جلالته قد ترعرع في حضن شريف مكة..شريف الأمة العربية الحسين بن علي وانتهل الفكر العربي من منابعه، لذا كان من الطبيعي أن يعارض الملك المؤسس عبدالله الأول الحركة الصهيونية ويقف في مواجهة أطماعها في فلسطين مشدداً على أن: فلسطين عربية ويجب أن تبقى عربية إلى ما شاء الله، وأن الصهيونيين ليس لهم فيها أدنى حق.
كما كان رحمه الله يدعو العرب لعدم التعامل مع اليهود أو بيع عقار أو رهن أية أراض لهم، ويلعن كل من يتعامل معهم مباشرة أو بواسطة أو يسعى لإدخالهم للبلاد العربية.
لذلك أكد الملك عبدالله ضرورة الاحتفاظ بالأراضي في فلسطين من خلال دعم صندوق الأمة الفلسطيني موضحاً أهمية هذا المشروع بالقول: إن تشجيعنا لمثل هذا المشروع الجليل سوف يؤدي إلى احتفاظنا بأراضي فلسطين عربية ونثبت للأجنبي أننا شعب لا يفرط بعروبته ووحدته.
ويقول كنعان انه ليس غريباً أبداً أن يقاوم الملك المؤسس جميع دعوات ومشاريع تقسيم فلسطين التي أخذت تطفو على السطح منذ مطلع الأربعينيات من القرن الماضي مشدداً على ضرورة التشبث بالمشروع العربي النهضوي الوحدوي وفلسطين في القلب منه، المشروع الذي قضى والده الشريف الحسين نحبه من أجله، والأمر يعني عملياً رفض ومقاومة جميع المشاريع التمهيدية لإقامة الكيان الصهيوني بدءاً بـ «سايكس بيكو، فوعد بلفور، فصك الانتداب الذي كان مقرراً له أن يشمل فلسطين والأردن.
وتتبدى فطنة جلالته وحنكته السياسية وقدراته على القراءة المستقبلية البناءة للمتغيرات السياسية العربية والإقليمية والدولية بشكل ينبئ عن قدرة على أخذ جميع المعادلات السياسية بعين الاعتبار بالعمل على انتزاع شرق الأردن من وعد بلفور لتقوم الدولة الأردنية بصفة إمارة شرق الأردن، ثم المملكة الأردنية الهاشمية في 25/5/1946م، التي كانت تقتصر آنذاك على الضفة الشرقية لنهر الأردن، ثم امتدت لتشمل ما كان قد حافظ عليه الجيش الأردني من مناطق وحال دون احتلال الصهاينة لها في حرب 1948م، وذلك عندما قرر الشعب العربي الفلسطيني التوحد مع المملكة الأردنية الهاشمية في مؤتمره الشعبي الذي انعقد في أريحا بتاريخ 24 نيسان1950م وحظي هذا القرار بمصادقة مجلس الأمة فيما سمي بمشروع وحدة الضفتين.
ويشير إلى انه مع أن قيادة الجيش العربي الأردني كانت بريطانية وعلى رأسها الجنرال كلوب باشا، فإن ذلك لم يحل دون انتهاج قادته الأردنيين أساليب قتالية بتوجيه من جلالة الملك المؤسس الذي طلب إلى القادة الميدانيين أن لا يفو ّتوا عليه فرصة الدفاع عن القدس والاستشهاد من أجلها إذا أزفت ساعتها وقرر اليهود الصهاينة اقتحامها، وكان أن فشلت جميع محاولاتهم في الاستيلاء على المدينة المقدسة بفضل استبسال الجيش العربي الأردني في الدفاع عنها في معارك طاحنة، معارك باب الواد واللطرون، وإصرارهم على الاحتفاظ بالمدينة المقدسة، وطرد المستعمرين اليهود من حارة الشرف في البلدة القديمة، وتكبيدهم خسائر مادية وبشرية فادحة.
ويقول كنعان إن محورية القدس بالنسبة لجلالته تبدت كذلك من خلال رفضه إعطاء اليهود ممراً إلى حائط البراق، ومقاومة مطالب بريطانيا بالسماح لليهود بالهجرة إلى الشطر الشرقي من القدس.
كما رفض جلالته وبإصرار الإذعان لقرار تدويل المدينة المقدسة وفقاً لقرار التقسيم (181) الذي رأى أن يكون للقدس كيان خاص بـها (Corpus Separatum) جاعلاً من شطرها الشرقي العاصمة الروحية للمملكة الأردنية الهاشمية التي لم يعترف بها سوى دولتين هما: الباكستان وبريطانيا دون أن يشمل اعتراف بريطانيا القدس وإنما اقتصر اعترافها على وحدة الضفتين بذريعة مخالفة ذلك لقرار الجمعية العامة رقم 181 لسنة 1947م.
ويقول جلالته في تعليل رفضه لقرار تدويل القدس: «لقد كان طلب تدويل القدس غاية في الغرابة وعدم الاتزان في الغايات الوطنية، وتفريطاً في الحقوق والمصالح العربية، وتسليماً بالمقدسات إلى السيادة الدولية، وإخراجاً للقدس من الحوزة العربية، فكان علينا أن نقف في الدفاع عن عروبة المدينة المقدسة موقف الحزم والصلابة، وأن نقاوم التدويل بمختلف أشكاله وصوره».
ويقول كنعان ان موقف جلالة الملك المؤسس تجاه مطالب الفاتيكان بتدويل القدس كان موقفاً رافضاً وحازماً وقاطعاً، أما القدس فهي عزاؤه عن كل ما لحق به من تشويه وظلم.
كانت القدس تعني بالنسبة لجلالة الملك المؤسس عبدالله الأول كل شيء ويرخص الروح في سبيلها، فلا معنى بنظره للحياة دون القدس فهو يفضل الشهادة في سبيل الله دفاعاً عن القدس على أن يراها محتلة من اليهود الصهاينة.
أما اهتمام الملك عبدالله الأول سياسياً بفلسطين وبما كان يجري فيها من أحداث فإنه يظهر من خلال الزيارات شبه الدائمة التي كان يقوم بها للمدن الفلسطينية، إذ حظيت القدس بنصيب كبير من هذا الاهتمام.
فمن بين (93) زيارة قام بها للمدن الفلسطينية في الفترة ما بين 1922م 1950م، حظيت منها القدس بحوالي (41) زيارة.
وهذا يظهر العناية الكبيرة التي أولاها الملك المؤسس عبدالله الأول للقدس.
وقد وضّح هذا الاهتمام بقوله: «فيها لحد أبي وفيها قومي وأولى القبلتين وثالث الحرمين».
وفي كل زياراته للقدس كان رحمه الله حريصاً على زيارة المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة وتأدية الصلاة فيهما، ومتابعة ما تحتاجه الأماكن الدينية فيها من تعمير وترميم.
يشير كنعان إلى ان المنية وافت والده الشريف الحسين في عمّان، ودفن في المسجد الأقصى المبارك بناءً على وصيته، وشاءت الأقدار أن يستشهد الملك الابن في 20 تموز1951م على باب المسجد الأقصى وهو يهم بدخوله لتأدية صلاة الجمعة برصاصات غادرة لامست إحداها الوسام الذي كان يتدلى على صدر حفيده جلاله الملك الحسين.
ويقول ان الملك الشهيد شديد التعلق بالقدس روحاً وعقلاً ولهذا فليس غريباً أن يوصي بدفنه إلى جوار والده في باحة الأقصى، ولكن أسباباً قاهرة حالت دون تلبية وصية جلالته.
فقد جاء في وصيته: «لقد أوصيت أهلي بوجوب دفني في القدس إلى جوار قبر أبي في ساحة الحرم الشريف. إني أريد القدس معي وأنا على قيد الحياة، وأريد أن أبقى مع القدس بعد الموت».
وظل الملك المؤسس عبدالله بن الحسين وفياً لمشروع جده وأبيه العربي النهضوي الوحدوي، ومتمسكاً بالثوابت الهاشمية تجاه فلسطين ودرتها القدس الشريف، وبالحقوق العربية المسلوبة في فلسطين وضرورة استعادتها للسيادة العربية الإسلامية، والمضي قدماً في الجهاد تحقيقاً للدولة العربية الواحدة وفلسطين بقدسها ومقدساتها كجزء لا يتجزأ منها.
يقول كنعان ان القدس حظيت باهتمام ورعاية الملك طلال وقد تبدى ذلك الاهتمام على قصر فترة حكمه بزيارته للقدس في سنة 1951م حيث يقول جلالته رحمه الله في هذا السياق:
«لقد جئت لأراكم وأزور مدينتكم التي احتفظ بها عربية بعون الله وتوفيقه فأطمئن العالم على مقدساته، وأطمئن العرب على أن ما في أيديهم أقدس ما فيه القدس «.
ولكن مرضه حال دون مواصلته للمشروع النهضوي العربي للتحرير حيث كان تحرير فلسطين بقدسها ومقدساتها محور هذا المشروع ونقطة البداية فيه.
يقول كنعان إن الرؤية الهاشمية للقدس ومحدداتها تبدو جلية في أحاديث وخطابات المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال، وفي مقابلاته وحواراته مع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية الأردنية والعربية والدولية، وخطاباته في المحافل العربية والإقليمية والدولية.
ويضيف، ان الراحل الحسين أعطى القدس أهمية خاصة بما خص المقدسات الدينية فيها بعناية واهتمام متميزين.
ويتضح ذلك من قوله رحمه الله: «إن القضية التي ندافع عنها هي أعدل قضية في التاريخ، فنحن لم نعتد على أحد، ولم نسلب أحداً أرضاً أو قرية أو مدينة، والذي جرى أن أناساً من جميع أنحاء العالم غزوا الوطن وشردوا أهله، ثم أخذوا يزعمون أنهم يريدون السلام، وقد سخّروا جميع وسائل الدعاية ليظهروا بمظهر المساكين، إنهم يستهينون بالقرارات الدولية ويهددون الأمن القومي بالتوسع والعدوان».
ويشير كنعان الى ان الملك الحسين بن طلال ظل طوال حياته يؤكد أن القدس ليست موضوع مساومة بين الأردن وإسرائيل، لأن القدس جزء من الأرض العربية المحتلة، وعلى إسرائيل أن تنسحب منها كما تنسحب من غيرها من المناطق العربية المحتلة، وبغير هذا لن يقوم السلام.
فالقدس بالنسبة للحسين مفتاح السلام ورمزه، معبراً عن ذلك بقوله: «الرمز الحقيقي للسلام هو القدس وعودتها عربية هو المعيار الوحيد لصدق الداعين إلى السلام في المنطقة».
ويضيف «كانت نظرة الملك عبدالله الأول بن الحسين للدولة الأردنية كنواة للدولة العربية الواحدة، وقد يكون ذلك هو السبب الرئيسي في عدم اعتراف جامعة الدول العربية والدول المنضوية تحت لوائها آنذاك بوحدة ضفتي نهر الأردن سنة 1950.
فهذه الدول كانت ترى في مثل هذه الوحدة تقوية للزعامة الهاشمية ومنافسةً جديةً لها على زعامة العرب».
وفي هذا السياق يقول الحسين بن طلال رحمه الله في حديث له لدى زيارته للواء الهاشمي في 13 آب 1958م: «الحمد لله الذي شرفنا في حمل رسالة هذه الأمة وفي الدفاع عن مقدساتها وتراثها»، ويقول أيضاً في رسالة له إلى رئيس مجلس إدارة الاتحاد العربي للمحاربين القدماء في 10 تموز 1963م:
«وما كان الأردن العربي المدافع عن دنيا العرب ومقدساتها إلا ثمرة من ثمار الجهاد القومي الموصول في سبيل وحدة كل العرب».
ويقول الحسين في حديث له بمناسبة عيد الاستقلال ويوم الجيش في حفل تسليم الرايات لعدد من كتائب القوات المسلحة في 25 أيار 1965م: «وحظنا في هذا البلد الصابر واضح لا عوج فيه وهدفنا بّين لا التواء عليه، هو أن يكون دورنا هو الدور الطليعي..وأن نتحمل مسؤولية الحفاظ على بقايا المأساة والدفاع عن دنيا العرب ومقدسات الإسلام».
ويقول الحسين أيضا في خطاب له في عيد الجلوس الملكي في 10 آب 1967م: «نحن هناك مع أهلنا وعشيرتنا في الضفة الغربية صابرون صامدون مصممون، نؤثر أن نفنى جميعاً على أن نفرط بحبة من حقنا، أو ذرة من أرضنا الحبيبة، ونختار أن نمضي جميعاً قبل أن نفرط بحجر واحد من قدسنا الشريف، قدس العرب والمسلمين وسائر المؤمنين بالله، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى محمد بن عبدالله صل الله عليه وسلم، ومهد عيسى عليه السلام، ومثوى أبي الثورة الكبرى الحسين بن علي طيب الله ثراه.
لقد كنا سدنة القدس وحماتها عبر قرون وقرون، ولن نبخل ببذل أرواحنا رخيصة من اجل الحفاظ على حقنا في البقاء، أولئك الحماة والسدنة نيابة عن أبناء امتنا وسائر المسلمين..
ولن يخبو أملنا في أن يستيقظ في العالم ضميره الذي مات، ولا في أن يعود إلى حياة البشر في هذه الأرض ما افقدها إياه الباطل والظلم من قيم ومبادئ، فلعل الدنيا عندنا تعمل على تصحيح كل الأوضاع التي نجمت عن عدوان اتضحت حقيقته ومراميه فتعود لنا ولأمتنا أولا وقبل كل شيء أرضنا العربية كلها، والقدس درتها كخطوة على طريق الحق الذي يجب أن تسلكه البشرية، في معالجتها لهذه المأساة الإنسانية الكبرى، مأساة الشعب العربي في فلسطين، ومن أجل الوصول إلى حل مشرّف عادل لها يحق الحق، ويهزم الباطل ويعيد السلام إلى أرض السلام».
ويقول الحسين في كلمة له أمام المؤتمر الوطني العام في 12 تشرين الأول 1991م: «ولولا وحدة الضفتين التي شملت القدس العربية التي أنقذناها سنة 1948م، لما كان لنا في عالم السياسة قضية قدس، وبخاصة أن سائر الدول العربية في حينه وقفت إلى جانب دول العالم مع تدويل المدينة المقدسة ماعدا باكستان، وبريطانيا التي تربطها بالأردن معاهدة».
ويقول الحسين في خطاب له موجه للشعب في 5 تشرين الثاني 1992م: «كنت وسأبقى حافظاً وصية الجد المؤسس إذ قال لي انه كان يرى عمره حلقة في سلسلة متصلة ممن خدموا الأمة، وانه يتوقع مني أن أكون حلقة جديدة متينة في ذلك العقد...وكم استعدت هذه الوصية بيني وبين نفسي وكم تذكرتها كما لم أتذكر غيرها من وصايا، واستوعبت أبعادها، كما قررت بأنها يجب أن تستوعب، ذلك أنها تختصر رؤية الشيخ المؤسس لمسؤولية القيادة نحو الشعب الذي عاش له، ونحو أمته التي ناضل في سبيل حريتها ووحدتها وقضى في سبيلها، وكان وهو يعانق ثرى القدس شهيداً يسلم راية بني هاشم وآل البيت إلى هاشمي آخر من عترة النبي صل الله عليه وسلم».
ويقول الحسين أيضا في مؤتمر صحفي عقده في الديوان الملكي الهاشمي في 4 أيلول 1993م: «لا أريد أن افتح جراحات قديمة، ولكن كحقيقة تاريخية عندما قامت الوحدة بين الضفتين لم تعترف تقريباً ولا دولة عربية بهذه الوحدة، ولا في سيادة الأردن على القدس، وكان الموقف العربي، وموقف المجموعة الدولية آنذاك باستثناء ثلاث دول من العالم كله تتبنى شكلاً من أشكال تدويل المدينة واعتقد أن السيادة على هذه المقدسات هي للذين يحمونها ويحفظونها في قلوبهم».
وفيما يتعلق بالمحدد الروحي (الديني) يقول كنعان ان الضوابط الروحية والدينية احتلت موقعاً محورياً في فكر الحسين رحمه الله، فما من حديث له خلا بشكل أو بآخر من الإشارة إلى هذا المحدد الروحي.
ففي كلمة للملك الراحل بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج يقول جلالته: «ففي هذا البلد الطيب المبارك، أودَت السماء قدس رسالتها وطهر دعواتها، وخلَدت في أرجائه منارات أديانها وركائز مقدساتها لتظل تجدد معاني الهدى والحق للإنسانية وتنير سبل الخير ودروب الرشاد أمام بني الإنسان».
وفي ذكرى المولد النبوي الشريف في 7 تشرين الثاني 1954م تطرق الحسين رحمه الله للمحدد الروحي الديني قائلاً: «ما أحوجنا أن نقف صفاً واحداً ندافع بإيمان وعقيدة عن مسرى الرسول ومهد المسيح وتراث الصالحين لنسجل على الدهر صفحة مشرقة جديدة نضمها إلى سفر تاريخنا العربي لتكون أمثولة تقتدي بها الأجيال القادمة المتعاقبة».
ويقول الحسين في هذا السياق في حديث له بذكرى الإسراء والمعراج في 26 شباط 1957م: «ومهما باعدت الذكرى بيننا وبين حاضرنا فإنها تأبى إلا أن ترى فينا وتشدنا إليه، كيف لا والمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ما زال عامراً بالإسلام وبيت المقدس عاصمتنا الروحية، ومدينة الإسلام (لا تزال) محجة العرب والمسلمين».
ويقول الحسين في حديث له لدى لقائه ضباط وجنود سلاح الهندسة الملكي الأردني في 9 آب 1958م: «ما في شك في أننا سنقف جميعاً مثلما وقف آباؤنا وأجدادنا يداً واحدة وقلباً ندافع عن بلادنا، ندافع عن مقدساتنا، ندافع عن معتقداتنا..نعتبر أرواحنا رخيصة في سبيل امتنا وفي سبيل الدفاع عن مقدساتنا وعن معتقداتنا وعن القومية العربية».
ويقول في حديث له بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج في 14 كانون الثاني 1961م: «تحية لكم من بلد قدسه الله بأنوار النبوات تشرق في آفاقه جيلاً بعد جيل، وتضيء في رحابه نوراً على نور ومحبة لكم من أخ كرّمه العلي القدير حين ألقى إليه تبعة القيام على خدمة العرب وخدمة الدين الحنيف».
وفي حديث لصحيفة النهار البيروتية في 1 آذار 1969م يحدد الحسين رحمه الله المكانة الخاصة التي تحتلها القدس لدى الهاشميين مؤكداً عروبتها وأحقية الهاشميين والعرب فيها قائلاً:
«القدس لها مكانة لا أستطيع أن أصفها لك بالنسبة لي كهاشمي، وبالنسبة إليّ والى أسرتي التي ضحت باستمرار في سبيلها، من الثورة العربية الكبرى حتى اليوم.
قائد هذه الثورة يرقد في القدس، وجدي (استشهد) هناك، انها كل شيء.
والقدس لها عندي المكانة نفسها كمسلم وعربي، وكفاحنا من اجلها وفي سبيل الاحتفاظ بها كفاح لا يهدأ، القدس عربية، والقدس حقنا ولن نفرط في هذا الحق ولو كلفنا حياتنا، تسألني عن القدس وتريد جواباً بكلمات؟ القدس كل شيء».
ويقول الحسين أيضا في حديث له موجه إلى الشعب الأردني في 10 تشرين الأول 1978م محدداً فيه المكانة الروحية للقدس لدى العرب والمسلمين: «إن القدس العربية أمانة عربية إسلامية منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ولا يملك أحد في العالمين العربي والإسلامي التصرف بها أو التنازل عنها، ولن تتمكن إسرائيل ولا سواها من تغيير هذا الواقع ولو بدا ذلك ممكناً إلى حين، إن مسؤولياتنا نحو بيت المقدس والمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية مسؤولية عميقة الجذور مستمرة لا يقطعها قرار سياسي بفك العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية، وتنبثق هذه المسؤولية من صلب رسالة عربية إسلامية حملها الهاشميون على مدى تاريخهم الطويل، وعلينا أن نواصل حملها وفاءً للأمانة، وتأدية للواجب».
ويقول في حديث له في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده والرئيس المصري حسني مبارك، والفلسطيني ياسر عرفات في 6 تموز 1998م: «القدس من أخطر وأهم القضايا، وعلاقتنا فيها علاقة تفرض علينا جميعاً، ليس كفلسطينيين أو عرب فقط، وإنما كمسلمين وعلى هذا العالم كله أن يتصدى لما يجري ويوقف أي تغيير أو تبديل على أرض الواقع».
وبالنسبة للمحدد الوطني القومي الإقليمي، يشرح كنعان ان القدس جزء لا يتجزأ من فلسطين والضفة الغربية، وكان للجيش العربي الأردني الهاشمي شرف إنقاذهما من الوقوع تحت سطوة الاحتلال الصهيوني في حرب 1948م لتصبح بعد توحدها مع الضفة الشرقية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية لا يجوز التنازل عن أي شيء منها لأي سبب كان فهي لأسباب دستورية ومبدئية وديموغرافية قضية وطنية التزمت المملكة الأردنية الهاشمية ليس بالحفاظ عليها فحسب، وإنما بالعمل على استرداد الجزء السليب من فلسطين.
وفي هذا السياق: يقول الحسين في كلمة له بمناسبة عيد النهضة العربية في 12 آذار 1956م: «ها هي الصهيونية تحتل قسماً من وطننا الغالي، وقد أصابت للشعب العربي اعز تراثه وأغلى مقدساته».
ويقول أيضا في حديث آخر له بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج في 25 كانون الثاني 1960م: «نحن الذين نقف على خط الدفاع الأول عن دنيا العروبة ومقدسات الإسلام، وإنني من هذه الأرض المقدسة التي بارك الله حولها أدعو بني وطني وأمتي وديني إلى العمل الموحد من اجل إحقاق الحق في فلسطين، وفي كل بلد عربي، بل إنني أدعو الإنسانية على اختلاف مشاربها في كل مكان أن تكفّر عما حل بالقدس والمقدسات في هذه الأرض التواقة إلى الحرية والسلام».
ويقول في حديث له في ندوة المؤتمر الإسلامي بذكرى الإسراء والمعراج في 14 كانون الثاني 1962م: «إن هذا البلد الذي يعيش على خطوط الفداء ويحمي مقدسات الأديان جميعاً في وجه الغارة الصهيونية ليحس أكثر من غيره بأهمية التعاون القائم على الثقة بين الشعوب العربية والإسلامية».
ويقول أيضا في حديث له بمناسبة عيد الاستقلال ويوم الجيش في 25 أيار 1965م: «وحظنا في هذا البلد الصابر واضح لا عوج فيه وهدفنا بيّن لا التواء عليه، هو أن يكون دورنا هو الدور الطليعي..وان نتحمل مسؤولية الحفاظ على بقايا المأساة والدفاع عن دنيا العرب ومقدسات الإسلام».
ويقول في حديث له بمناسبة احتفال منظمة اليونسكو بعيدها العشرين في 4 تشرين الثاني 1966م: «إننا في الأردن نحظى حقاً بمسؤولية الحفاظ على الأماكن المقدسة وحمايتها، تلك الأماكن التي تقدسها جميع الأديان والتي تنتصب فيها منابر يهتدي يهديها الضمير الإنساني والجهد الإنساني».
ويقول الحسين أيضا في كلمة توجيهية له في ندوة الوعاظ والمرشدين في 14 أيار 1979م: «هناك تحديات تهدد الشخصية الإسلامية والعربية تتمثل في الصهيونية التي تحتل الأرض العربية وجزءاً غالياً على قلب كل مسلم وعربي، فهي تحتل القدس، قدس عمر وصلاح الدين، وقدس الأجيال المتعاقبة، وقدس العرب والمسلمين، وتهدد بمزيد من التوسع في حاضرنا ومستقبلنا».
ويقول الحسين في حديث آخر موجه إلى الشعب الأردني حول قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية في 31 تموز 1988م: «كانت قناعتنا ومنذ عدوان سنة 1967م أن الأولوية الأولى لعملنا وجهودنا ينبغي أن تنصب على تحرير الأرض والمقدسات من الاحتلال الإسرائيلي».
ويقول في حديث له مع قناة أوربت الفضائية في 24 شباط 1998م مؤكداً هذا التوجه: «كل هدفنا وهمنا أن نكون السند كما كنا دائماً للإخوة الفلسطينيين، للمطالبة بحقهم على ترابهم الوطني هناك، وإقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها في القدس وليس في أي مكان آخر».
لقد كانت وما زالت القضية الفلسطينية والقدس هما محور النشاط السياسي والدبلوماسي لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين منذ توليه لسلطاته الدستورية في السابع من شباط 1999م.
لذا فليس غريبا أبدا أن يحمل جلالته هاتين القضيتين «ومعهما الطموح الفلسطيني في التمتع بحقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على ترابه الوطني في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين منذ سنة 1967م وعاصمتها القدس الشرقية» حيثما حل وارتحل في شتى أنحاء المعمورة باعتبارها قضايا وطنية، فضلا عن أنها قضايا قومية وإسلامية.
ويقول كنعان ان تلك القضايا ظلت تستحوذ على تفكير جلالته، ومحور أحاديثه في كل لقاءاته مع مؤسسات ودوائر صنع القرار السياسي الدولي، ويقول جلالته في هذا الصدد: «إن الجهود التي نقوم بها لتوفير الدعم العربي والدولي لدفع عملية السلام هدفها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف».
وقد أكد جلالة الملك عبدالله الثاني دعم الأردن المتواصل لأبناء الشعب الفلسطيني الصامدين في مدينة القدس لتعزيز ثباتهم على أرضهم وصمودهم، وتصديهم للتحديات التي تواجه عروبة المدينة وقدسيتها.
وعلى الصعيد المحلي، تتبدى أهمية القدس ومكانتها في وجدان وسلوك جلالة الملك عبدالله الثاني بتأكيدات جلالته خلال لقاءاته المستمرة برؤساء الجمعيات والمنتديات المقدسية الأردنية، على مواصلة المملكة لجهودها على الصعيدين العربي والدولي لضمان حماية القدس والمقدسات، وأن التصدي للأخطار والتحديات التي تواجهها مدينة القدس تتطلب من الجميع تنسيق الجهود والعمل بروح الفريق الواحد خاصة في هذه الظروف الصعبة.
وفي مؤتمر القمة العربية المنعقدة في الدوحة سنة 2009م، دعا جلالته إلى وضع استراتيجيات عربية موحدة لمواجهة المشروع الصهيوني بتهويد القدس وطرد أهلها، والاهتمام الأردني بعروبة المدينة المقدسة، والتمسك بالثوابت الأساسية التي ينطلق منها النظام السياسي الأردني في دعمه للقدس وفلسطين.
حيث أعلن جلالته في أكثر من مناسبة خصوصية القدس بالنسبة للأمة العربية والإسلامية، فهي خط احمر وان المملكة الأردنية الهاشمية ستقف في وجه كل محاولات التهويد التي تتعرض لها المقدسات كل يوم والتي كان آخرها جسر باب المغاربة، حينما شارك خبراء أردنيون في اللقاء الفني الذي عقد في القدس الشريف بدعوة وإشراف من (اليونسكو) لبحث موضوع جسر باب المغاربة، احد أبواب مدينة القدس القديمة المؤدية للمسجد الأقصى المبارك.
وقد نجحت المملكة في رفض المشروع الإسرائيلي عن جسر المغاربة بقرار دولي عبر (اليونسكو) التي اعتبرت الخطوة الإسرائيلية تعديا على التاريخ والحضارة.
وتأكيدا لاهتمام جلالة الملك بالقدس، فقد أمر جلالته بتشكيل الصندوق الهاشمي لإعمار الأقصى وقبة الصخرة المشرفة الذي تم تأسيسه سنة 2007م، إذ يهدف الصندوق إلى توفير التمويل اللازم لرعاية المسجد الأقصى المبارك، وقبة الصخرة المشرفة، والمقدسات الإسلامية في القدس لضمان استمرارية إعمارها وصيانتها وتجهيزها، وتوفير جميع المتطلبات اللازمة لتأكيد أهمية هذه المقدسات وحرمتها لدى العرب والمسلمين على وجه العموم، والهاشميين على وجه الخصوص، وقد تبرع جلالته بمبلغ مليون و113 ألف دينار أردني دعماً للصندوق.
وقد نُفّذَ بأمر جلالته عددٌ من المشاريع.
وتقديراً من جلالته لجهود العاملين في أوقاف القدس ولجنة الإعمار، ومن أجل صمودهم في وجه التحديات وقيامهم بمهامهم في المحافظة على المقدسات الإسلامية، ومساعدتهم على مواجهة الظروف المعيشية الصعبة هناك، فقد أمر جلالته غير مرة بصرف راتب إضافي لهم.
وبتوجيه كريم من جلالة الملك تم تأمين خمسة آلاف نسخة من المصحف الهاشمي للمساجد الموجودة في الحرم القدسي الشريف والمراكز الإسلامية ودور القرآن الكريم فيها. وقد أطلق جلالته دعوة وطنية أمر من خلالها بضرورة تكثيف الجهود الأردنية من خلال المؤسسات والدوائر الرسمية والجمعيات المقدسية، ومؤسسات المجتمع المدني، لوضع خطة متكاملة من اجل دعم صمود الأهل وتثبيتهم في الأرض، وحل مشكلاتهم قدر الإمكان.
إن تصريحات جلالة الملك عبدالله الثاني «بأن للقدس الشريف وعلى مدى التاريخ مكانة خاصة لدى الهاشميين، ولدى كل أبناء العالم الإسلامي والعربي، وأنها حية في ضمير ووجدان كل عربي ومسلم، ولها ارتباط أزلي وثيق بعقيدتنا وديننا الحنيف لا ينهيه احتلال ولا تلغيه حواجز أو حدود»، تلقى إجماعاً لدى المهتمين في موضوع القدس، وتشكل موقفا أردنيا ثابتا يجب على العرب والمسلمين أن يبنوا عليه، وأن يضغطوا باتجاه موقف دولي فاعل ومؤثر يسهم في إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية بحق القدس ومقدساتها والحيلولة دون تكرارها، وبما يضمن حماية الأقصى الشريف، ويحول دون أية نتائج كارثية تتسبب بها إسرائيل.
ان الرعاية الدائمة والإعمار المستمر المتجدد يكشفان عما يؤكده جلالته دوما من «إن الأقصى أمانة في عنق جلالته وانه سيستمر في دعمه سيراً على خطى الآباء والأجداد من جيل إلى جيل»، وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك عمق العلاقة الدينية والتاريخية التي تربط الأسرة الهاشمية بالأقصى المبارك.
من هنا جاء تأكيد جلالة الملك عبدالله الثاني غير مرة على الحفاظ على هوية المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، والاستمرار في رعاية الأماكن المقدسة، وتثبيت المواطنين العرب من مسلمين ومسيحيين في القدس الشريف باعتبارها أولوية أردنية هاشمية لم ولن تتوانى المملكة عن بذل كل جهد ممكن لتحقيقها، لذا فهنالك العديد من الانجازات الأردنية متحققة على الأرض لحفظ ألق المدينة المقدسة وهويتها العربية والإسلامية التاريخية.
ويبذل جلالته جهودا حثيثة على الصعيدين الإقليمي والدولي لحل القضية الفلسطينية وللحفاظ على هوية القدس، فقد تركزت جهود جلالته على توفير الدعم السياسي العربي والدولي لدفع عملية السلام بهدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني، فضلا عن الاتصالات المستمرة على الصعيدين العربي والدولي لضمان حماية القدس والمقدسات، حيث يؤكد جلالته خلال جميع لقاءاته في المحافل الدولية بكل صراحة ووضوح «بأن القدس كما هي مفتاح السلام وهي مفتاح الحرب أيضاً، وأن الحل العادل والشامل والدائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن يكون إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف».
لذا يقع على عاتق المجتمع الدولي والأطراف المعنية التحرك بأسرع وقت لإزالة العقبات التي تقف في طريق عملية السلام وإلزام الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بالحوار والعودة إلى طاولة المفاوضات لبناء السلام الشامل الذي يحقق تطلعات شعوب المنطقة في الأمن والرفاه والاستقرار.
يقول كنعان انه لما كان جلالة الملك عبدالله الثاني مدركاً تماماً لحجم وثقل المسؤولية الوطنية والقومية الملقاة على عاتقه، فإن من الطبيعي أن يوظف جلالته معايشته للمجتمع الأميركي خلال فترة دراسته لتحقيق الأثر المطلوب على سامعيه في الكونجرس، وعلى الرأي العام الأميركي والإدارة الأميركية، الأمر الذي قاده بحكم ثقافته واطلاعه وخبراته الواسعة إلى المزاوجة بين المدخل القيمي، والمصلحي، والوجداني والتاريخي في مخاطبته للكونجرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ في سنة 2007م، وهو ما كان له عظيم الأثر على سامعيه في الوقوف المتكرر لرئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، ورئيس مجلس الشيوخ الأميركي آنذاك، ديك تشيني، وأعضاء المجلسين والحضور إجلالاً وإكباراً وتقديراً لجلالته واعترافاً بصوابية آرائه.
وفي مقابلة مع صحيفة الحياة اللندنية في 9 تشرين الثاني 2009م، قال جلالة الملك عبدالله الثاني «إذا كانت هناك ثقة بأن المفاوضات لن تكون إضاعة للوقت وعملية جديدة لا نهاية لها تغير إسرائيل خلالها الحقائق على الأرض في الضفة والقدس، وتجعل قيام الدولة الفلسطينية أمرا مستحيلا بسبب الاستيطان وغيره من الإجراءات، نكون قد تجاوزنا العقبات».
واضاف جلالته «أما إذا بقينا على الوضع الحالي فستكون الفوضى والمزيد من التأزيم في انتظار الجميع»، وطالب جلالته إسرائيل بوقف بناء المستوطنات وجميع الإجراءات الأحادية والسياسات التي تفشل الجهود السلمية، والدخول في مفاوضات فاعلة تبني على ما أنجز وتعالج جميع قضايا الوضع النهائي ضمن جدول زمني محدد، وعلى أساس المرجعيات المعتمدة للوصول إلى حل الدولتين بأسرع وقت ممكن.
وقال، ان الإجراءات الإسرائيلية الأحادية في القدس التي تستهدف تغيير هوية المدينة، وتهدد الأماكن المقدسة هي إجراءات مرفوضة تقوّض فرص تحقيق السلام، مؤكدا «أن القدس خط احمر وعلى الإسرائيليين أن يدركوا مكانة القدس عند العرب المسلمين والمسيحيين وعدم اللعب بالنار».
والمقصود بالقدس خط احمر أي انه لا سلام بدون عودة القدس حرة عربية كما كانت على الدوام وعاصمة للدولة الفلسطينية.
وخلال حديثه في جلسة حوارية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أواخر تشرين الثاني 2010 أدارها الإعلامي في شبكة (CNN) فريد زكريا، أكد جلالته «أنه إذا ما تم التوصل لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في سياق إقليمي شامل ستحل العديد من الملفات الساخنة في المنطقة.
وفي رده على سؤال إن كانت القضية الجوهرية في الإقليم هي صعود إيران التي تتدخل بالقضية اللبنانية وبالأراضي الفلسطينية، قال جلالته «ما أزال أقول أن القضية الرئيسية هي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فجميع الطرق في منطقتنا في هذا العالم، وكل الصراعات تؤدي إلى القدس».
وفي رده على سؤال حول أصوات في إسرائيل تقول إن حل الدولتين هو طريقة خاطئة للتفكير في هذا الموضوع، ويجب العودة للتفكير في أن الأردن هو الدولة الفلسطينية، قال جلالته «حل الدولتين هو الحل الوحيد، هناك أصوات تقول بين الحين والآخر أنه سيكون هناك الخيار الأردني، خيار أردني على ماذا؟ وهناك بعض العناصر في الحكومة الإسرائيلية تضغط لدور أردني في الضفة الغربية، هذا لن يحدث أبداً، ويجب أن نكون واضحين تماماً أن الأردن لا يريد على الإطلاق أي دور في الضفة الغربية، فكل ما سيؤدي إليه ذلك في هذه الحال هو استبدال الجيش الإسرائيلي بالجيش الأردني، وهذا ما لا يريده الفلسطينيون، هم يريدون دولتهم، ومرة أخرى، ما هو شكل الضفة الغربية الذي نتحدث عنه؟ نحن نتحدث عن كيان قابل للحياة، باعتقادي، ما يطرحه هؤلاء لمحاولة جر الأردن لن يضمن قيام دولة فلسطينية أو يجعل الفلسطينيين يشعرون أن لديهم وطنا، ولذلك وقد قلنا هذا أكثر من مرة:
لن يكون للأردن أي دور في الضفة الغربية، إن محاولة جعل الأردن «فلسطين» هو أمر غير منطقي بالنسبة لي، وهذا شيء لن يحدث، وهناك أناس آخرون في إسرائيل يقولون، لأنه لن يكون هناك خيار أردني، فالبديل الوحيد لحل الدولتين هو حل الدولة الواحدة، وهذا ما يخيف عدداً أكبر من الإسرائيليين من أولئك الذين يخشون حل الدولتين، أنا أرى بأن الحل الوحيد المتاح والقابل للتحقيق هو حل الدولتين الذي يعطي الإسرائيليين والفلسطينيين القدرة على العيش جنباً إلى جنب، والأهم من ذلك أيضاً، إن هذا الحل سيؤدي إلى توصل الدول العربية والإسلامية إلى اتفاقيات سلام مع إسرائيل، إن 57 دولة، وهي ثلث أعضاء الأمم المتحدة، لا تعترف بإسرائيل اليوم، ما يعني أن إسرائيل معزولة في الجوار وفي مناطق أخرى من العالم».
ولما كانت إسرائيل بالطبع رافضة لمبادرة السلام العربية التي تسلح بها جلالته في مخاطبته للكونجرس الأميركي، وغير راغبة في استدراج العرب للإدارة الأميركية للعب دور فاعل وقيادي في عملية السلام بما يقود إلى إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، فإن من الطبيعي أن ينعكس ذلك على الموقف الرسمي الإسرائيلي الذي بدا عليه الانزعاج والارتباك الكبيران من الصدى الإيجابي الذي أحدثه خطاب جلالته على الكونجرس، الأمر الذي دعا الإدارة الأميركية إلى التجاوب فعلاً مع المطلب العربي الذي حمله جلالته والمتمثل بدعوة الولايات المتحدة الأميركية إلى ممارسة دور قيادي في دفع عملية السلام باتجاه حل المشكلة الفلسطينية باعتبارها مفتاح السلام الإقليمي والدولي، والسبيل إلى حل جميع المشكلات المتولدة عنها إقليمية كانت أم دولية وأهمها مشكلة الإرهاب الدولي بأشكاله المختلفة.
وخلال لقاء القمة الذي جمع جلالة الملك عبدالله الثاني بالرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن في 17 أيار2011م، أكد جلالة الملك، أهمية التزام الإدارة الأميركية بتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط وفقا لحل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود سنة 1967م، وان معالجة جميع قضايا الوضع النهائي، بما فيها الحدود واللاجئون والقدس، يعد الشرط الأساس لتحقيق السلام الدائم الذي ترتضيه الشعوب وتدافع عنه.
كما أكد جلالته خلال اللقاء الذي جمعه بلجان مجلس الشيوخ أهمية الدور الأميركي في تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط وفقا لحل الدولتين، وصولا إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.
وفي لقائه بعدد من ممثلي المنظمات العربية والإسلامية في 16 أيار2011م، أكد جلالته أهمية الدور الذي تضطلع به المنظمات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة لدعم مساعي الإدارة الأميركية في دفع جهود السلام في الشرق الأوسط.
ودعا جلالته إلى تكثيف جهود هذه المنظمات في المرحلة الحالية بما يسهم في دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران سنة 1967م وعاصمتها القدس الشرقية. وبكل تأكيد، فقد قاد جلالة الملك عبدالله الثاني خلال زياراته للعاصمة الأميركية حراكا نشطا ملحوظا على أكثر من صعيد ومستوى، حيث توجت بإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما ولأول مرة في تاريخ الإدارات الأميركية المتعاقبة عن ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود سنة 1967 تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل بأمن وسلام واستقرار.
ويقول كنعان ان جلالة الملك عبدالله الثاني أكد خلال لقائه أركان الإدارة الأميركية اخيراً أنه لا حل حقيقيا للقضية الفلسطينية إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني، وعاصمتها القدس الشريف، وان أي حل يتجاهل هذه الحقيقة لن يكون نصيبه إلا الفشل وجر المنطقة إلى حقل ألغام، داعيا الإدارة الأميركية إلى ضرورة اغتنام اللحظة التاريخية الحاسمة واتخاذ الإجراءات اللازمة الكفيلة بترجمة حل الدولتين إلى حقيقة ما يسهم في ترميم مصداقية الإدارة الأميركية وتجنيب المنطقة كوارث وحروبا قادمة.