ثالثاً: الأثر النفسي للدعارة في ممارسها وشريكه
هناك أثر جسماني للدعارة لنقلها الأمراض السارية (أي الأمراض التي تنقل من طريق المعاشرة الجنسية، مثل: الزهري والسيلان[1] والإيدز[2]. وهذه لما لها من أخطار على الإنسان، يكون لها انعكاساتها وتأثيراتها النفسية، فالتفكير في انتقال تلك الأمراض بسبب الدعارة، قد يسبب للشخص خوفاً، ينتج منه ضعف الانتصاب، وقد يصاب بالارتخاء (العُنَّة)، الأمر الذي يعطيه انطباعاً سلبياً عن نفسه. وفي المرة التالية، يكون أكثر خوفاً من الفشل، فيصاب بالفشل من جراء خوفه، فيزداد انطباعه السلبي عن نفسه، ويزداد أيضاً الخوف، وكذلك الفشل، ويدخل في دائرة مفرغة من زيادة الانطباع السلبي، والخوف والفشل، وهكذا يكون الانطباع السلبي عن رجولته بدلاً من تأكيدها. كذلك الخوف أثناء ممارسة الدعارة، وعدم الشعور بالأمان، بسبب طبيعة الدعارة، كعلاقة غير مشروعة، قد يسببان الفشل نفسه، والدائرة المفرغة السابقة. ويُحْدِثُ هذا التأثير النفسي السالب ارتخاءً جنسياً (عُنّة) دائماً للشخص، ويحتاج إلى علاج نفسي، بعد ذلك.
وقد تكون الداعرة في عجلة من أمرها، وترغب في أداء مهمتها بسرعة، فتربك شريكها، فيصاب بسرعة القذف. وقد تؤدي عملها بصورة آلية باردة، لا روح فيها، خاصة أن منهن المصابات بالفصام العقلي، كما سبق أن وضحنا، فيترتب على ذلك نقص الإثارة، ويصاب الشخص بالضعف الجنسي الذي قد يصل إلى الارتخاء (العنة)، مما يعطي انطباعاً سالباً، ينتج منه الاكتئاب. وتكرار الفشل يسبب الدائرة المفرغة المشار إليها سابقاً، ويشتد الاكتئاب، ويفقد الشخص رغبته الجنسية، وقد يلجأ إلى الانتحار، كأحد مضاعفات الاكتئاب.
أمّا بالنسبة إلى الداعرة، فهي إمّا أنها في حالة نفسية سيئة أصلاً، بسبب اضطرابها النفسي، الذي دفع بها إلى دوامة الدعارة، وإمّا أنها لم تكن مريضة في البداية، ولكنها استُدرجت إلى تلك الممارسة. وتكرار ممارسة الدعارة مع أشخاص متعددين، لا تختارهم هي، يجعلها تشعر بأنها أصبحت غير مالكة لجسدها، تعطيه لمن تحب فقط، ولكنها تعطيه لكل من يُفرَضُ عليها، سواء بفعل القواد، أو بضغط الظروف، الأمر الذي يجعلها تشعر بالمهانة، والاحتقار لنفسها، فتصاب بالاكتئاب، وقد ينتهي أمرها إلى الإدمان، والموت من مضاعفاته، أو الانتحار، أو أنها تسلط عدوانها على الخارج تجاه المجتمع، فتكره الآخرين وتنتقم منهم، خاصة من يقع بين براثنها، فتصبح شخصية "مضادة للمجتمع"، وتتحول من مجرد داعرة إلى مديرة لشبكات خارجة عن الدين والقانون، تضاد بها قوانين وأخلاقيات المجتمع، فتصبح مديرة شبكة دعارة (قوّادة)، أو تاجرة مخدرات، أو تعمل في الجاسوسية أو التزوير، أو كل هذا في وقت واحد. وقد ينحصر تخطيطها في اصطياد الرجال المتزوجين، وتطليقهم من زوجاتهم، أو الإيقاع بهم في مشكلات مع زوجاتهم. وقد يكون ذلك تعبيراً عن عدوانها وكراهيتها للمجتمع.
[1] السيلان Gonorrhoea ، وهو من الأمراض التي تنتقل من طريق الاتصال الجنسي. وتسببه ميكروبات كروية تسمى Gonococci. ويسبب المرض التهاباً في الجهاز التناسلي، قد يسفر عن العقم.
[2] الإيدز Acquired Immune Deficiency Syndrome ، وهو مرض العصر، وتسببه فيروسات تسمى HIV ، تهاجم الجهاز المناعي بالجسم، مما يُعرض الجسم للإصابة بالأمراض، التي تفضي إلى الوفاة. وينتقل الفيروس من طريق نقل الدم أو مكوناته، وكذلك من طريق الاتصال الجنسي، خاصة بين الشواذ.
رابعاً: الأثر النفسي للدعارة في الأسرة والمجتمع
إن الآثار النفسية السلبية ـ إذ لا توجد لها آثار إيجابية ـ للدعارة في الفرد، تنعكس على الأسرة. فأمراض الدعارة لا تقتصر على المكان، الذي تمارس فيه، ولكنها تمتد إلى خارجه، فكما أن ميكروب الأمراض السارية، قد ينقل إلى الزوجة، فإن الأثر النفسي، الذي أشرنا إليه، يمكن أن ينقل إليها، ويهز ـ بل يزلزل ـ العلاقات داخل الأسرة. وقد تقوم الداعرة بدور إفساد علاقة الرجل بزوجته، وينعكس كل ذلك على نفسية الأبناء، فيتهدد كيان الأسرة المتماسك، من فعل الدعارة، إذ يسود جو الأسرة عدم ثقة طرف بآخر، ونقص الحوار، أو سوء التواصل بين الأفراد.
وإذا أصبحت الداعرة شخصية مضادة للمجتمع، فإنها سوف تضر كثيراً بأفراده، من خلال ممارستها المضادة للمجتمع، مثل ترويج المخدرات، ونشر الإدمان، أو التزوير، بل نشر الدعارة نفسها، وما يرتبط بها من أمراض تنقلها إلى الآخرين، مثل مرض الإيدز. وقد يصل خطرها إلى تهديد الأمن القومي للبلاد، من خلال الجاسوسية.
وهكذا نلاحظ أن للدعارة آثاراً سيئة، في الفرد، والأسرة، والمجتمع، ومن ثمّ، كانت الأديان، وخاصة الإسلام، ضد الدعارة، وكل ما يضرّ بالفرد، أو الأسرة، أو المجتمع. فالإسلام أعلى شأن المرأة وكرمها، ويأبى أن تُتَّخَذ سلعة أو متعة.
المصادر والمراجع
1. محمود عبد الرحمن حموده، "الطب النفسي، النفس أسرارها .. وأمراضها"، المؤلف، القاهرة، 1997، الطبعة الثالثة.
2. Principles of Internal Medicine, 14th Edition, Section 8, Published by McGraw-Hill.