لكي لا ننسى( مذبحة الدوايمة) .... *أكبر مذبحة اقترفتها العصابات الصهيونية في فلسطين عام ثمانية وأربعين
• .الدوايمة!!القرية التي شهدت أكبر مجزرة عرفتها فلسطين منذ النكبة,وهي بلدة تتبع محافظة الخليل, جنوب فلسطين، وكان تعداد سكانها يصل الى حوالي 3710( نسمة) وذلك حسب إحصائية عام 1945م.
لقد جاءت مذبحة الدوايمة استكمالاً لمخططها المرسوم مسبقاً لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين, وتتابعاً لسلسة المذابح التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية والعصابات الصهيونية بحق سكان القرى الفلسطينية, ولم تكن مذبحة الدوايمة الأولى ولا الأخيرة في سلسلة هذه المجازر, وكان الهدف منها هو التخلص من العنصر العربي من على أرضه سواء بواسطة الذبح أو القتل أو التهجير. لم تغط أحداث المذبحة بسبب التعتيم الكامل الذي قامت به إسرائيل أثناء هجومها على القرى والبلدات والمدن الفلسطينية، كان ذلك جزءاً من استراتيجيتها في تهجير شعب بأكمله عن بلاده وإقتلاعه من وطنه لقد كانت هذه الاستراتيجية واضحة وتم تنفيذها بدقة ومخطط لها بشكل جيد، كان الوجود الفلسطيني عقبة حقيقية يجب التغلب عليها لتحقيق مشروعهم الصهيوني، ولم يكن لديهم من وسيلة سوى تنظيم طرد جماعي للسكان العرب لقد أوضح بن غوريون هذه الاستراتيجية عندما قال" من العدل أن يرحل العرب عن دولتنا" وأردف قائلاً: كذلك علينا أن نطرد العرب ونحتل مكانهم... وإذا أضطررنا الى استخدام القوة، لا لاقتلاعهم في النقب وشرق الأردن، بل لضمان حقنا في استيطان هذه الأرض.
وكان القتل الجماعي والتشريد والطرد وكافة الوسائل المحرمة دولياً مشروعة لديهم، ليس في الدوايمة أو دير ياسين فقط، بل في سعسع وأبو شوشة وغيرها حتى وصل عدد المذابح الجماعية التي ارتكبها اليهود عام 1948 الى 34 مذبحة... تحت ستار من الكتمان والتحفظ، أما بالنسبة لبلدة الدوايمة فقد وصلت أنباء المذبحة بوساطة أحد الجنود الاسرائيليين الذين شارك في المذبحة، ويبدو أن ضميره قد استيقظ مؤقتاً وتحدث بها إلى اليعيزر بري محرر صحيفة علهمشمار..
لقد جاء في تقرير اللجنة الفنية التابعة للأمم المتحدة ( لجنة التوفيق لفلسطين) بأنه لا يعرف سوى القليل عن المجزرة الوحشية التي تعرض لها الفلاحون العرب في قرية الدوايمة عام 28/10/48. القرية التي تقع على بعد بضعة كيلومترات غرب الخليل. كان عدد سكانها آنذاك ستة آلاف نسمة. وكان عدد كبير من اللاجئين العرب الذين فروا من شمال فلسطين قد لجأوا إليها قبل المذبحة. ولعل السبب في التكتم الإعلامي آنذاك حول مجزرة الدوايمة رغم أنها أكثر وحشية من مذبحة دير ياسين ، يعود إلى الرؤية الخاصة بشأنها من قبل الفيلق العربي (الجيش الذي كان يسيطر على تلك المنطقة عام 1948) والذي خشي من أن يكون لها نفس التأثير السلبي على معنويات الفلاحين كما جرى في دير ياسين، والتي تدفق اللاجئون على إثرها إلى مدن الوسط في فلسطين هرباً من البطش الصهيوني, وكان للدوايمة نصيباً في استقبال عدد منهم.
وهناك سبب آخر كما يفيد التقرير, يتعلق بعد إحراج موقف الوفود العربية التي كانت مجتمعة في لوزان آنذاك ، بحيث اكتفوا بأن قدموا وصفا موجزا لمذبحة الدوايمة بناءاً على بيان قدمه مختار القرية الشيخ حسن محمود.
وقد تم كشف تفاصسل هذه المجزره البشعة من جديد في العام 1985 من قبل المرحوم الشيخ حسن محمود هديب مختار القرية السابق للصحف الاسرائيليه بعد أن طواها النسيان منذ الثامنة والأربعين توافقاً مع ما تكشف من جديد من اعترافات راح يسجلها المؤرخون الجدد في اسرائيل. .
*تفاصيل الجريمة على لسان الضحية
الشيخ حسن محمود والذي قابله كاتب هذا التقرير, كشف عن فظائع المجزرة التي ظلت في طي النسيان إلى أن تكشفت تفاصيلها من قبل الجاني نفسه على الملأ, لتؤكد مبلغ الوحشية التي تمت بها من قبل عصابات صهيونية (مجرمة) وجاء في إفادة المختار؛ بأنه "بعد نصف ساعة من صلاة الظهر يوم الجمعة الموافق 28/10/ 1948 سمع صوت دوي اطلاق نار من الجانب الغربي للقرية. وعلى إثر ذلك, لاحظ الأهالي قوات مكونة من حوالي عشرين سيارة مدرعة تقترب من قريتهم على طريق قرية القبيبة، وقوات أخرى تقترب على طول طريق بيت جبرين, الدوايمة ، وغيرها من العربات المدرعة تقترب من اتجاه آخر..وقد انتشر بعض رجال القرية جهة الغرب للتصدي للزحف الصهيوني المباغت.
ومن على مسافة نصف كيلو متر فتحت سيارات مدرعة النار من اسلحة رشاشة وقذائف الهاون على القرية, وأثناء ذلك كانت تلك القوات تتقدم في حركة شبه دائرية لتطويق القرية والتكالب عليها من الجانبين الغربي الشمالي والجنوبي. فيما دخل قسم من السيارات المدرعة القرية بأسلحة أوتوماتيكية حارقة حيث قفز أفراد القوات اليهودية من السيارات المصفحة وانتشروا في شوارع القرية وأخذو يطلقون النار جزافاً على كل من تقع أعينهم عليه. وإزاء تلك الوحشية بدأ القرويون بالفرار من القرية، في حين التجأ كبار السن والأطفال والنساء إلى المسجد, وآخرون منهم لجأوا إلى كهف قريب يدعى عراق الزاغ. ويؤكد المختار حسن محمود في شهادته على المجزرة كما جاء في التقرير بأن إطلاق النار العشوائي استمر لمدة ساعة تقريبا.
في اليوم التالي ، اجتمع الفارون من أهل القرية مع مختارهم لتقصي أمر ما جرى, وقد تقرر عودته تلك الليلة إلى القرية لمعرفة مصير أولئك الذين بقوا وراءهم. وقد بين المختار في إفادته بأنه أحصى في المسجد جثث حوالي ستين شخصاً ، كان معظمهم من كبار السن ممن اتخذوا المسجد ملاذا لهم. وقد تعرف المختار على والده من بين الضحايا هناك. فيما رأى أيضاً عدداً كبيراً من جثث الأطفال والرجال والنساء في الشوارع ملقاة هنا وهناك . ثم ذهب المختار في تلك الليلة إلى كهف عراق الزاغ. فعثر في فم المغارة على عشرات الجثث من الرجال والنساء والأطفال.
وبعد ذلك قام مختار القرية بتعداد سكان القرية فوجد أن ما مجموعه 455 شخصاً أعتبروا في عداد المفقودين من بينهم 280 رجلاً, وبقية الضحايا كانوا من النساء والأطفال.
وأضاف المختار كما جاء في التقرير إلى أنه كانت هناك اصابات أخرى غير محددة بين اللاجئين , موضحاً بأن القوات المهاجمة لم تطلب من أهل القرية الاستسلام ولم يواجهوا بمقاومة تذكر.. فهم ( كما جاء في التقرير) لم يكونوا بحاجة لذلك لأن المذبحة وقعت خلال الهدنة.. وهذا يعني بأن الهجوم الصهيوني الوحشي على القرية لم يكن مبرراً سوى ما يتعلق بالإستراتيجية الإسرائيلية القائمة على الإرهاب من أجل الإحتلال.
الرواية الإسرائيلية لمذبحة الدوايمة*
لم ينكر الجانب الصهيوني جريمته النكراء, فقد اعترف بعض المنفذين للجريمة ممن صحت ضمائرهم مؤخراً للصحفية الإسرائيلية (يوئيلا هارشفي ), المحرر ة في صحيفة حدشوت الإسرائيلية في إطار تحقيق صحفي موسع نشر عام الرابعة والثمانين. في أنه كان في البلدة عدد من المدافعين عنها غير نظاميين.. وقفوا يائسين باسلحتهم الخفيفة في وجه الكتيبة 89 من لواء هنيغف "النقب" وبعد أن احتلت الكتيبة البلدة جمعت ما بين 80-100 عربياً من النساء والأطفال, وقام الجنود الصهاينة بتحطيم رؤوس الأطفال منهم بالعصي حتى أنه لم يبق بيت في البلدة إلا وضحى بقتيل أو أكثر، كما تم احتجاز النساء وكبار السن من الرجال دون شفقة أو رحمة داخل البيوت وتم حرمانهم من الماء والغذاء، وعندما حضر خبير المتفجرات رفض هدم بيتين على رؤوس كبار السن في القرية، ولكن أحد الجنود تبرع بذلك, وانجر من ورائه المتحمسون الصهاينة للإجهاز على كثير من البيوت فهدموها على رؤووس الأحياء غير آبهين بصرخات الإستنجاد التي تم إخمادها بكل استهتار بالقيم الإنسانية.
*تفاصيل جريمة "الدوايمة" على لسان المعتدي
بعد اقتحام العصابات الصهيونية للقرية وارتكاب ما سبق ذكره من أعمال نورد هنا مجموعة من الشهادات الموثقة على لسان عدد من العسكريين والساسة اليهود في إسرائيل ظهرت في السنوات التالية للمجزرة في قريةالدوايمة.
ومن ذلك تبجح أحد الجنود أمام زملائه قائلا: "لقد اغتصبت امرأة عربية قبل أن أطلق عليها النار" طبقا لما أورده الباحث "احمد العداربة" في كتابه "قرية الدوايمة" من منشورات جامعة "بير زيت".. وآخر قال أنه أجبر إحدى النساء من حاضنات الأطفال الصغار على نقل الجثث ثم قتلها هي و طفلها و آخرون أخذوا ثلاث فتيات في سيارتهم العسكرية ووجدن "مغتصبات ومقتولات" في إحدى أطراف القرية.. وطبقا لشهود عيان من أهالي القرية ظلوا أحياء بعد الجريمة فإن بعض جنود عصابة الـ"إرجون" اليهودية المجرمة أطلقوا النار على طفل كان يرضع من صدر أمه فـ"اخترقت الرصاصة رأسه و صدر أمه فقتلتهما والطفل يلثم الثدي, وبقايا الحليب تسيل على جانبي فمه في مشهد فنتازي. كما أرغمت النساء على خدمة الجنود بمهانة وابتذال، لقد تبجح أحد الجنود متفاخراً برعونة واستهتار بأنه قتل امرأة وطفلها الرضيع بين يديها بعد أن خدمتهم عدة أيام.
وعلى إثر هذه الجرائم البشعة النكراء, فزع المتبقون من أهالي القرية العزل و لجأوا إلى المسجد أو ما كان يسمى( الزاويه) وبعضهم التجأ إلى طور(الزاغ) وهو عبارة عن كهف شهير تلافياً لخطر العصابات الصهيونيه المنفلتة عليهم كالذئاب المستعرة؛ ولكن الصهاينة المجرمين لاحقوهم حتى مخابئهم. ففي طور الزاغ قتل اليهود المختبئين فيه من سكان القرية عن بكرة أبيهم في مجزرة بشعة يندى لها جبين الإنسانية في كل زمان ومكان. و قدر عدد الذين استشهدوا فيها بأكثر من ثلاثين عائلة, ولم ينج منهم إلا امرأة واحدة بين القتلى.. أما جامع القرية فقد شهد مجزرة لا مثيل لها,فقد التجأ إليه الهاربون اعتقادا منهم أن الجنود اليهود سيحترمون المسجد, فدخلوه آمنين وهم يكبرون ويقرأون القرآن الكريم ,جاهلين لمصيرهم المحتوم, حيث تم قتلهم جميعا و كان عددهم "75" شخصا معظمهم من كبار السن والعجزة ممن لم يستطيعوا الفرار على الأقدام, و أحرق المسجد بمن فيه بعد إغلاقه بإحكام خوفا من خروج جرحى محتملين منه ليشهدوا على الجريمة النكراء, وقد تم دفن جزء من الشهداء في حفرة قرب الجامع حيث كان الأهالي قد أعدوها مسبقاً لتوسعة المسجد. و الجزء المتبقي من الضحايا المغلوب على أمرهم دفن في قبر جماعي.
ولم تتحرك القيادة الإسرائيلية لوقف المذبحة, سوى ما تم من إجراء شكلي بعمل تحقيق صوري مع أفراد الكتيبة التي هاجمت البلدة، وجاء في التقرير بأن سكان القرية قاموا بمهاجمة مستوطنات يهودية قريبة. ومساعدتهم في الهجوم على غوش عصيون مما حذا بهم للرد بيد من حديد ضد أهل القرية المنكوبة..
* شهادات دولية وإسرائيلية عن المجزرة لقد أكد أحد الجنود الإسرائيليون ممن شاركوا في تنفيذالجريمة البشعة لصحيفة عمشمار في أن الكتيبة 89 الإسرائيلية تكونت من إرهابيين سابقين من عصابتي الأرغون وشتيرن، وشدد على أن المذبحة ارتكبها قادة ومثقفون... تحولوا بفعل النظرية الصهيونية الى مجرمين حقيرين.
وقد وضع القادة الاسرائيليون عقبات أما زيارة البلدة من قبل مراقبي الأمم المتحدة وبعد عدد من الطلبات تم السماح للضابط البلجيكي (هوفي) وفريقه بزيارة القرية في 8 تشرين الثاني، وقد شاهد الدخان المتصاعد من المنازل وذلك لإخفاء الجثث المتعفنة في القرية وأكد على ذلك عندما قال:" أشتم رائحة غريبة وكان بداخلها عظما يحترق". عندما سأل الضابط البلجيكي عن سبب تفجير المنازل، قال الضابط الاسرائيلي أن بها حشرات سامة، ولذلك قام بنسفها، وعندما سأل عن مسجد البلدة ، قال له الضابط الاسرائيلي إنهم يحترمون قدسيته ولا يدخلونه، ولكن بعد أن أطل أحد مرافقي الضابط البلجيكي، وجد اليهود قد استوطنوه بعد أن طهر تماماً من جثث الضحاياالعرب.
....ولم يسمح لفريق الأمم المتحدة بزيارة جنوب القرية بحجة وجود الألغام مدعين أن سكان القرية قد هربوا قبل أن يصل الجيش الاسرائيلي إليها... كان تعليقاً رائعاً من قبل وزير الزراعة الاسرائيلي في ذلك الوقت أهارون سيزلينغ الذي قال في مجلس الوزراء الاسرائيلي " أشعر أن هناك أشياء تحدث وتؤذي روحي وروح عائلتي وأرواحنا جميعاً... اليهود أيضاً تصرفوا مثل النازيين وأحس بأن كياني كله قد اهتز. يقول المؤرخ الإسرائيلي "بني موريس" في كتابه "تصحيح غلطة" والذي نشر على حلقات في جريدة "الدستور" الأردنية بدءا من 15 مارس 2001م: "لقد تمت المجزرة بأوامر من الحكومة الإسرائيلية و أن فقرات كاملة حذفت من محضر اجتماع لجنة حزب الـ"مابام" عن فظائع ارتكبت في قرية "الدوايمة" و أن الجنود قاموا بذبح المئات من سكان القرية لإجبار البقية على المغادرة".
وفي شهادته حول المجزرة قال "إسرائيل جاليلي" قائد فرع العمليات في الجيش الإسرائيلي في حرب عام 1948م وأحد قادة حزب الـ"مابام" الإسرائيلي إنه شاهد: "مناظر مروعة من قتل الأسرى و اغتصاب النساء وغير ذلك من أفعال مشينة" وعن الجرائم الصهيونية في فلسطين بوجه عام نقتبس شهادات بعض المؤرخين والحاخامات ومن بينها ما قاله "أهارون كوهين" وهو أحد أعضاء تيار المؤرخين الجدد في إسرائيل: "تم ذبح سكان قرى بأكملها وقطعت أصابع وآذان النساء لانتزاع القطع الذهبية منها".. أما الحاخام الصهيوني "يوئيل بن نون" فيقول عن هذا الصدد: "إن الظلم التاريخي الذي ألحقناه بالفلسطينيين أكثر مما ألحقه العالم بنا".