الملك يصوب خطأ الأمير
06/12/2012
شاكر الجوهري
قام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أمس (الخميس) بزيارة مميزة لرام الله, في وقت تتواصل فيه الإنتقادات للأمير حسن ولي العهد الأردني الأسبق, بسبب مشاركته في حفل خاص لجمع التبرعات لإسرائيل نظم مؤخراً في لندن.
الهدف من زيارة الملك هو تقديم الدعم السياسي لـ "دولة فلسطين تحت الإحتلال", وهي الصفة التي اعترفت بها الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة في 29 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي.
وتحمل هذه الزيارة بين ثناياها رفضاً لإشارات صدرت مؤخراً عن الأمير حسن إلى أن الضفة الغربية لا تزال جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية, وذلك اثناء زيارة استثنائية قام بها مؤخرا إلى "جمعية عيبال", التي أسسها ابناء مدينة نابلس, كبرى مدن الضفة الغربية في العاصمة الأردنية عمان.
يوم تمت زيارة الأمير إلى جمعية عيبال, برفقة طاهر المصري, رئيس مجلس الأعيان, وأبرز أبناء نابلس في الأردن, سرت تكهنات تؤكد استحالة حدوث تلك الزيارة, وصدور ما صدر خلالها من تصريحات دون علم الملك عبد الله وموافقته المسبقة.
زيارة الملك إلى رام الله جاءت لتقدم نفياً شديد الوضوح لتلك التكهنات.
يومها أعلن الأمير قبوله دعوة لزيارة جمعية مقدسية, وعبر عن نيته القيام بزيارة عدد آخر من الجمعيات الأردنية التي أسست من قبل أبناء مدن وبلدات فلسطينية يقيمون في عمان.
بعد أيام قليلة على زيارة جمعية عيبال, وجهت دعوة للأمير لتناول طعام العشاء في منزل رياض الشكعة, الوزير الأردني الأسبق, وأحد أبرز رموز مدينة نابلس في عمان, الذي وجه الدعوة لحضور العشاء بمعية الأمير, لعدد من الشخصيات الأردنية البارزة من أصول فلسطينية.
زيارة جمعية عيبال, والتصريحات التي صدرت خلالها, كانت قدمت ايحاءات إلى حدوث تغير هام في الموقف الأردني من أبناء الضفة الغربية في الأردن, وكيفية التعامل معهم.
أحد أبرز تلك الإيحاءات أشار إلى أن سحب الجنسيات الأردنية من الأردنيين من أصل فلسطيني, في طريقه إلى التوقف.. بل وإعادة الجنسيات لمن سحبت منهم.
في ظل هذه الأجواء, فوجىء طاهر المصري رئيس مجلس الأعيان, وفقاً لمصادر وثيقة الإطلاع, بالأمير حسن يطلب منه نقل مكان دعوة العشاء من منزل رياض الشكعة إلى منزله هو..!
لكن المصري, الذي استشعر عدم رضا الملك عن زيارة الأمير لجمعية عيبال, فاجأ الأمير بدوره بالإعتذار عن عدم استضافته.
السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه في هذا السياق:
إذا كان ما صدر عن الأمير خلال زيارته لجمعية عيبال, لم يمثل توجه الملك, فما الذي أراده الأمير إذاً من تلك الزيارة..؟
التحليل السياسي يقود فقط إلى هدف واحد هو أن الأمير عمل على استقطاب تأييد قطاع واسع من الأردنيين (ذوي الأصول الفلسطينية), بعد أن كان لقي ردود فعل سلبية علنية جراء تصريحات سابقة له, من قبل "الشرق اردنيين", حين هددهم ـ تقرباً للملك ـ بأن "ينخّلهم"..!
يومها لم يكن الملك راضياً أيضاً عن تهديدات الأمير, التي أثارت ردود فعل سلبية لدى الأردنيين, لم تقتصر على شخصه..
في التاسع من تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي, حين زار الأمير جمعية عيبال, وصرح بما صرح به, لم يكن متاحاً تقديم أي تفسير لتلك الزيارة غير أنها معارضة للموقف الأردني الرسمي المؤيد لحل الدولتين للقضية الفلسطينية.
وفي إطار الرد على خطأ الأمير, زار الملك عبد الله رام الله أمس مؤكداً من جديد تمسك الأردن بحل الدولتين.
غير أن زيارة الملك تزامنت مرة أخرى مع خطأ جديد للأمير.. أيضاً لا علاقة للملك به.. المعني بذلك حضوره حفل جمع التبرعات السنوي لصالح اسرائيل والحركة الصهيونية الذي يقام في لندن.
كيف, ولم يتنقل الأمير من التأكيد على أن الضفة الغربية جزء من المملكة الأردنية الهاشمية, وهو الأمر الذي اغضب اسرائيل, واستجلب ردود فعل اسرائيلية سلبية اتجاهه, إلى المشاركة مع السفير الإسرائيلي في لندن, في جمع التبرعات لإسرائيل..؟!
ليس في وسع المحلل الحصيف غير أن يستحضر حقيقة أن الأمير حسن, الذي فقد امكانية تولي عرش الأردن, قبل أيام قليلة من وفاة شقيقه الملك الراحل حسين في شباط/ فبراير 1999, يواصل البحث عن عرش.. داخل الأردن, أو خارجه.
في هذا السياق, كان الأمير حسن شارك في مؤتمر توحيدي للمعارضة العراقية عقد في لندن, قبيل الغزو الأميركي الذي أسفر عن احتلال العراق في 9 نيسان/ ابريل 2003.
يومها حاول الأمير أن يتماهى مع المخطط الأميركي الهادف إلى اسقاط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين, وأن يوظف ذلك من أجل استعادة عرش العراق لشخصه، ما دام جميع أفراد الأسرة الهاشمية التي كانت تحكم العراق قد قتلوا يوم اطاحة النظام الملكي.
والواقع أن الأمير حسن فكر في عرش العراق قبل ذلك, وقبل أن تنزع منه ولاية العهد في الأردن, وذلك حين دعا المعارضة العراقية للمشاركة في مؤتمر دعا له منتدى الفكر العربي ـ الذي يترأسه ـ في عمان, وكان الأمير يومها لا يزال ولياً للعهد في الأردن.
على هامش ذلك المؤتمر الذي عقد أواسط تسعينيات القرن الماضي, تمت استضافة جميع المشاركين العراقيين (المعارضين) على مائدة عشاء حوارية في منزل المرحوم إياد القطان, مدير عام المركز الثقافي الملكي في حينه, وأحد المقربين من الأمير.. كما تمت دعوة مرسلي الصحف الخليجية. وقد تولت إدارة الحوار السيدة ليلى شرف.
دعوة مراسلي الصحف الخليجية أريد منها توجيه رسالة مفادها أن هذا الحوار يعني تحولا عن موقف الأردن السابق الحليف لصدام حسين.
دار الحوار يومها حول واقع ومستقبل العراق بعد صدام حسين, الذي كان لا يزال رئيساً للعراق.
وختم القطان الحوار يومها بقراءة فقرة من مؤلف لكاتب عراقي يؤكد فيها تعلق العراقيين بنظام الحكم الملكي الهاشمي ورغبتهم في عودته, بعد ما عانوه في العهود اللاحقة لـ 14تموز/يوليو 1958.
إذا، منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي, بدأ الأمير حسن يفكر في عرش بديل.. ذلك أن التفكير في امكانية استبدال ولاية العهد, أصبح مطروحا على المائدة منذ الرحلة العلاجية الأولى التي قام بها الملك حسين إلى مشفى مايوكلينيك الأميركي عام 1992.
غير أن الأمير الذي ظل يتخذ مواقف متشددة تخص الصراع العربي ـ الإسرائيلي, فاجأ الأردنيين منذ مطلع العام الحالي (2012) بإحداث تحول في التعامل مع اسرائيل, إذ شارك في مؤتمر هرتزيليا السنوي المختص ببحث حاضر وآفاق مستقبل الأمن الإسرائيلي, في شباط/ فبراير الماضي, معلناً أن "الإخوة العربية اليهودية عمرها طويل"..!
هذا التحول متصل بدور مواقفه المتشددة السابقة في تحمس واشنطن لإستبعاده من ولاية العهد 1999.