بيئة التعليم في الأردن
<< الأثنين، 4 يوليو / يوليه/تموز، 2016
د. زياد أبولبن
بداية لا أضع حلولا لظاهرة، وإنما أطرح توصيفا لحالة تسود المجتمع، وأترك أمر الحل لأصحاب الاختصاص من التربويين وغيرهم.
من المؤكد أن التعليم خرج من قاعات الدرس، ومن سيطرة المدرسين إلى عالم أكثر اتساعا، بل سار في طريق أكثر فائدة ومتعة، مما يتلقاه الطالب على مقاعد الدراسة في الصفوف الأولى إلى مراحل متقدمة من التعليم العالي، وذلك عن طريق المعلومات السريع التي لا حصر لها في عالم اليوم، حيث تجاوزت الزمان والمكان، كل ذلك بفضل التكنولوجيا الحديثة، وفيها منافع جمة، بل أصبحت التكنولوجيا «تؤنسن» بيئة التعليم، كما تنبأ بذلك (بيل جيتس) في كتابه «المعلوماتية بعد الانترنت: طريق المستقبل» عام 1995.
لكن إذا عدنا إلى بيئة التعليم في الأردن وربطها في التكنولوجيا الحديثة عن طريق الحواسيب، نجدها بيئة شبه ضارة ومنافعها قليلة، والسبب في ذلك أن الطلاب يتركون في غرف الحواسيب يتصرفون دون توجيه أو رقيب، فينصرفون إلى الألعاب الالكترونية، التي يجدون فيها متعتهم، ويقتلون فيها الوقت، بل نجد بعض المدارس لا توفر بيئة آمنة للطالب، فالطالب يكتسب طرق العنف ضد الآخرين اكتسابا من الألعاب الالكترونية، فيصيبه الإدمان، طالما أنه يجد هذه الوسيلة متوفرة في البيت والمدرسة والشارع، فنحن نخلق جيلا يتّسم بالعنف المجتمعي، ويتأطر داخل جماعات دينية أو حزبية يسارية أو قومية، فالطريق السريع الذي تنبأ به (بيل جيتس) كي يوفر بيئة تعليمية جديدة، لم يجد نجاحه في الوطن العربي.
وقبل أن نجد بيئة تعليمية تعتمد التكنولوجيا، يتعين علينا أن أن نعالج مشكلات أساسية في التعليم، منها: المناهج المدرسية، معدلات الغياب المرتفعة، المدرسون المشغولون بأسباب العيش أكثر من انشغالهم بقضايا التعليم، العبء الدراسي للمدرسين، الصفوف المجمّعة، أعداد الطلبة في الصف الواحد، التعليم لفترتين دراسيتين في اليوم الواحد، طريقة الاختبارات الصفية، رسوم التعليم المرتفعة خاصة في مراحل التدريس ما بعد الثانوية العامة، المنح والمكرمات التعليمة، عدم تفعيل الدروس أو الحصص ألامنهجية في اكتشاف مواهب الطلبة، حذف مادتي الفلسفة والموسيقى، تهميش مادتي الرياضة والفن، عدم وجود مختبرات علمية متطورة، كل هذا وغيره يعكس مخرجات تعليمية متخلفة، نحصد نتائجها في الجامعات، فنجد على مدار عشرات السنوات طلبة الطب والصيدلة والهندسة والعلوم الطبيعية، ولا يبرز من بينهم ابن سينا في الطب أو ابن خلدون في علم العمران أو ابن الهيثم في علم المناظر أو الخوارزمي في علم الجبر والمقابلة أو البيروني في علم الرياضيات، وغيرهم مثل: الفارابي وفيثاغورس وابن البيطار والزهراوي والإدريسي والكندي...
ولافت للنظر أن الأمر لم يتوقف على طلبة العلوم النظرية والتطبيقية، بل تعداه إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، فنجد الجامعات تخرج طلبة لا يتقنون الكتابة، ويقعون في أخطاء نحوية وإملائية، وخطباء مساجد وأئمة يتحولون بقدرة قادر إلى رجال إفتاء، وطلبة لا يعرفون من تاريخ العرب والمسلمين إلا فتوحات وغزوات وحروب، وطلبة لا يعرفون من الفنون الجميلة إلا قبحها، وطلبة يتولون مناصب سياسية وعسكرية، ولا يعرفون إلا الطاعة العمياء وعصبية القبيلة.