الظواهر القبلية والجهوية في المجتمع العربي المعاصر
دراسة مقارنة للثورتين التونسية والليبية
يمثل كتاب(الظواهر القبلية والجهوية في المجتمع العربي المعاصر،دراسة مقارنة للثورتين التونسية والليبية) لمؤلفه محمد نجيب بوطالب،إضافة مهمة للمكتبة العربية ،يؤكد الكتاب الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة أن ثمة على ما يبدو عاملان أساسيان، يمكن أن يمثلا فرضيتين أساسيتين لدراسة أسباب عودة الاهتمام بالقبيلة والقبليَّة، كبنية وكوعي ضاغطين، خلال العقدين الأخيرين محليّا وعالميا.
أولهما: التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفها العالم وانعكست على المنظومات المعرفية والأديولوجية المحرِّكة لأنساق البحث السوسيولوجي والتاريخي بمناهجه وأدواته.
وثانيهما: احتلال الظواهر الإثنية والقبليّة والطائفية واجهة الصراعات المندلعة، والصدامات المتفجرة بعد كمونٍ وإخفاء، أو تعال وتجاهل.
ولمقارنة موضوع القبليّة والجهوية، بوصفهما ظاهرتين عرفتهما المنطقة بأوجه مختلفة، خلال الثورتين الأخيرتين في تونس وليبيا، عاد المؤلف إلى التاريخ الاجتماعي والسياسي، إلى جانب العمل على جمع البيانات، وتحليل الوقائع والظواهر، التي تميِّز المشهد الراهن.
وفي نظر محمد نجيب بو طالب تكمن قيمة آراء العلامة ابن خلدون -،عند الجابري- ،في جملة من الإشكاليات التي طرحتها نظريته في العصبية والدولة والعلاقة القائمة بينهما،حيث تسهم هذه النظرية في فهم تحولات المجتمعات العربية خلال الفترات الوسيطة والحديثة والمعاصرة ،من مجتمع البداوة إلى مجتمع التحضر والمدينة والاستقرار.
ومن العناصر التي تميز الجابري في بلورتها وفهمها ،أن العصبية تحولت على مر التاريخ وفي عدد من الأقطار العربية ،إلى مجرد رابطة سيكولوجية اجتماعية تعتمدها الجماعات لتحقيق مطالبها وفرض ذاتها في حالات العجز التي تصحب عمل الدولة.
وقد رأى برهان غليون أن هذه الفرضية المبنية على ضعف العصبية الكلاسيكية ،تجد تفسيرها في انتفاء عمليات الولاء للقبيلة والتعصب لها ،في عدد من الأقطار العربية ،مخلية مكانها لولاءات أخرى (كالطائفية والجهوية والإثنية) غدت بدورها أقوى من العصبية الحزبية أو المصلحة الوطنية.
واستحالت الرابطة القبلية ،في كثير من الأقطار التي مسها التحضر في أعماقها ،وشدتها الحياة المدنية والوطنية في علاقاتها ،إلى مجرد رابطة نفسية وثقافية تحيل إلى حميميات الانتماء المناطقي ووشائج الجذور الأسرية.وبعد توطد أركان الدولة الوطنية وانتشار الولاء لها ،لم يعد الولاء القبلي في جملته عامل تهديد لهذه الدول .
لكن القبيلة بوصفها مكونا عميقا في الثقافة الاجتماعية العربية، جعلت الأفراد والجماعات في عدة مواقع يتقبلون تأثيرها، ويتبنّون مفاهيمها وقيمها، وبخاصة حينما تكون البدائل في المؤسسات المدنية ضعيفة الفعل والتأثير. هناك ارتداد للفرد العربي إلى الكيانات التقليدية التي يرى أنها توفر له الحماية، وتحقق له الإستقرار، وتغذي وجوده المادي والمعنوي، إضافة إلى أن قيم العشيرة لا تزال حاضرة وراسخة في وجدان الفرد وممارسته، ولا تزال رافدا شبه أساس في معاملاته، ولذلك يصفها غيرتز بالولاءات الوشائجية.
من منظور سياسي يعتبر المؤلف أن للقبيلة –بوصفها تنظيما سياسيا مغلقا ساد في مراحل ما قبل الاستقلال- سمات مؤثرة في الأفراد والجماعات يمكن تلخيصها في العناصر التالية:
– ولاء الأفراد إلى القبيلة بموازاة ولائهم إلى الدولة ،غير أن هذا الولاء قد يتغير كلما حصلت الأزمات وأبرمت الاتفاقات والمصالحات ،وهو أمر يتفاوت من بلد إلى آخر.
– انصياع أفراد القبيلة للتراتب السياسي الداخلي وفق الأعراف ونظم التحالف الداخلي والخارجي.
-تفرض القبيلة على الدولة بكل أنواعها احتراما من خلال تبجيل شيوخها وزعمائها وإجراء اتصالات معهم .لكن ذلك يتخذ شكلا رسميا وأخر غير رسمي وخفي ،بحسب طبيعة الدولة وتركيبة المجتمع.
-تتوقف المكانة السياسية للقبيلة على مدى قدرتها على فرض عصبيتها داخل القبيلة وفي محيطها ،وعلى مدى انضباط أفرادها وجماعاتها والتزامهم بها.
– قيام السلطة السياسية الداخلية على هيكل منظم (مجلس قبلي )
ويرى المؤلف أنه يمكن التمييز بين القبيلة كولاء وبين النزعة القبلية ،فالقبلية تمثل تجسيدا لاواعيا للقبيلة،سرعان ما يتحول إلى نزعة تهدف إلى إعلاء الإنتماء القبلي،وجعله هوية للمجتمع المحلي تغلب على الهويات الأخرى ..وحول تمظهراتها يرى المؤلف أن القبلية أو تتخفى بجسب الأحوال ،فهي تتخفى في التنظيمات السياسية والاجتماعية ،كما تتلون بألوان الطبقات والطوائف والمجموعات ،في الريف كما في المدينة.
أما مفهوم الجهوية السياسية فهو يمثل أقصى درجات اللامركزية ،في إطار الدولة الموحدة .بمعنى آخر ،هو اعتراف بذاتية المجتمعات المحلية ،في حال ترشحها وتحولها عن مسارها الطبيعي إلى نزعة انقسامية انطوائية ،تقابل مفهوم الوحدة الوطنية .وهذا المفهوم هو الذي يعنينا في تحليل مظاهر الهويات الحميمية ،في أقطار المغرب العربي،وفي علاقة بالمظاهر القبلية أساسا. يجزم المؤلف أن الفكر والممارسة السياسيين العربيين لم ينتبها بعد ،كما يجب إلى أهمية الوعي بالدور التاريخي للقبيلة الذي أثر في تاريخ اجتماعي واقتصادي وسياسي طويل ،وبخاصة في مرحلة بناء الدولة الوطنية ،……لقد صادق أغلب هؤلاء على فكرة ترسخ حداثة من دون تحديث ،وعلى النمو من دون تنمية ،ورأوا أن التحديث قد نجح في اجتثاث البنى التقليدية أو تحييدها ،تحت تأثير …ولم يخرج البعض الأخر الذي تناول المسألة القبلية في المنطقة من أسر الأطر الأكاديمية ومن جفوة التوجس من مزالق الميدان. وتبدو المجتمعات العربية اليوم في أمس الحاجة إلى دراسة بنيها المجتمعية الفاعلة دراسة جادة ومستفيضة ،مستفيدة من المناخ التحرري …..كما يبدو أن هذا الاستحقاق الدراسي للبنية القبلية ،من الوجهة السوسيو-سياسية ،سيكون من أولويات لبحث الإنساني.
وزع المؤلف كتابه إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي :
. القسم الأول: الظاهرة القبليّة والواقع العربي المغاربي
القسم الثاني: الأبعاد السياسية للظاهرة القبليّة في ليبيا وتونس: التقارب والتباعد
القسم الثالث: القبليّة والجهوية بين الظهور والتخفّي