إيكونوميست
من الفاشل الذي خرّب مصر؟
التاريخ:9/8/2016
سلطت مجلة إيكونوميست في تقرير لها الضوء على الأوضاع التي وصلت إليها مصر في عهد السيسي، مؤكدة أن قائد الانقلاب بعدم كفاءته فشل فشلا ذريعا وهيأ الأجواء في البلاد لقيام ثورة ثانية.
وسلط تقرير المجلة الضوء على البطالة وتفاقمها في مصر، بالإضافة إلى قناة السويس التي لم تعد تدر الدخل المطلوب لمصر لعدم تعاطيها بشكل صحيح مع التجارة الدولية.
(البوصلة) رصدت التقرير الذي ترجمته صحيفة "عربي21" ولأهميته نضعه بين يدي قرائنا.
إيكونوميست: السيسي فشل وعليه ألا يرشح نفسه لانتخابات 2018
نشرت مجلة "إيكونوميست" في عددها الأخير تقريرا عن "تخريب مصر" في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مشيرة إلى أن القمع وعدم كفاءة السيسي يعملان على تهيئة الظروف للثورة المقبلة.
وتبدأ المجلة تقريرها بالحديث عن ظاهرة الشبان العاطلين عن العمل في مصر، الذي يطلق عليهم "شباب القهاوي"، وفي الجزائر "الحيطست" (الذين يستندون إلى الحائط)، وفي المغرب يسمون بالعبارة الفرنسية "دبلوم شوميرغ" (المتخرج العاطل) عن العمل.
وتقول المجلة: "في أنحاء العالم العربي كله تزداد صفوف الشبان الساخطين، مقارنة مع بقية دول العالم، التي تشهد زيادة/ فورة في عدد الشبان، فعادة ما تقود هذه الزيادة إلى ازدهار اقتصادي إلا في العالم العربي، الذي يتعامل فيه الحكام المستبدون مع الشبان على أنهم تهديد، ولديهم أسبابهم، فهم متعلمون أكثر من آبائهم، ومرتبطون بالعالم، ويشكون بالسلطة السياسية والدينية في بلادهم، وكانوا في مقدمة الثورات عام 2011، حيث أطاحوا بالحكام في تونس ومصر وليبيا واليمن، وبثوا الخوف في قلوب الملوك والحكام في عدد من الدول الأخرى".
وتعلق المجلة على الوضع الحالي قائلة: "والآن، باستثناء تونس، فإن هذه الدول انزلقت إما لحروب أهلية، أو راقبت عملية إحباط الثورة، وأصبح وضع الشباب العربي سيئا؛ فمن الصعب العثور على وظيفة، ومن السهل الدخول إلى السجن، والخيارات المتوفرة أمامهم هي إما الفقر، أو الهجرة، أو الجهاد لقلة منهم".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن "هذه الظروف تهيئ المنطقة للانفجار المقبل، ولا يوجد مكان يشهد هذا المزيج السام من الضغط السكاني، والقمع السياسي، والعقم الاقتصادي أكثر من مصر، في ظل حاكمها القوي عبد الفتاح السيسي".
وتشير المجلة إلى الدراسة المسحية التي قامت بها حول الشبان العربي، وأظهرت حالة من التشاؤم بين قطاعات الشباب العربي، بالإضافة إلى حالة الخوف من أن الجيل المقبل سيواجه مستقبلا أسوأ من الجيل الحالي، وتقول إن السكان العرب يزدادون بشكل استثنائي سريع، مستدركة بأنه رغم أن نسبة الشبان في الفئة العمرية من 15 إلى 24 عاما زادت بنسبة 20% من سكان العالم العربي، البالغ عددهم 357 مليون نسمة عام 2010، إلا أن العدد الحقيقي سيواصل الارتفاع من 46 مليون نسمة في عام 2010 إلى 58 مليون نسمة في عام 2025.
وينوه التقرير إلى أن "مصر مهمة ومركزية لمستقبل المنطقة؛ لأنها أكبر الدول العربية، فلو نجحت فإن الشرق الأوسط سيكون أقل تجهما، ولو فشلت فإن التدمير الحالي سيتحول إلى أكثر قبحا".
وتقول المجلة إن "السيسي، الجنرال الذي سيطر على السلطة بانقلاب عام 2013، أثبت أنه أكثر قمعا من حسني مبارك، الذي أطاح به الربيع العربي، وأكثر عقما من محمد مرسي، الرئيس الإسلامي المنتخب الذي أزاحه السيسي عن السلطة".
وتضيف المجلة أن "النظام المصري مفلس، ويعيش على حقن المال التي تقدمها له دول الخليج، (وبدرجة أقل من الدعم العسكري الأمريكي)، ومع كل المليارات من الدعم المالي من البترودولارات، إلا أن العجز العام في حسابات الميزانية الجارية يصل إلى حوالي 12% و7% من الدخل القومي العام".
ويستدرك التقرير بأنه رغم المظاهر الوطنية للسيسي، إلا أنه ذهب يستجدي صندوق النقد الدولي، وطلب 12 مليار دولار مساعدات، مشيرا إلى أن نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى حوالي 40%، وأن قطاع الحكومة تضخم بعمال الخدمة المدنية الذين لا يعملون شيئا، بالإضافة إلى أن القطاع الخاص لا يستطيع استيعاب الأعداد الجديدة من العمال الذين يدخلون سوق العمل كل عام؛ بسبب الاقتصاد الجامد والمتصلب.
وتقول المجلة إن "ما يثير الدهشة هو أن المتخرجين من الجامعات يجدون أنفسهم دون عمل أكثر من الأميين، الذين يجدون فرصا للعمل".
ويجد التقرير أن "مشكلات الاقتصاد المصري نابعة من عوامل خارجة عن سيطرة الحكومة، مثل انهيار أسعار النفط، الذي أثر في اقتصاد الدول العربية كلها، وبينها الدول التي تصدر الطاقة، وتعتمد على مواردها في ميزانيتها، كما أبعدت الحروب والإرهاب السياح عن الشرق الأوسط، ويضاف إلى هذا أخطاء الماضي، التي ألقت بثقلها على الاقتصاد، بما في ذلك إرث الاشتراكية العربية، والمصالح التجارية الضخمة التابعة للجيش".
وترى المجلة أنه "رغم هذا كله، فإن السيسي أسهم في مفاقمة الأمور، حيث أصر على الدفاع عن الجنيه المصري؛ لتجنب التضخم والتظاهرات المطالبة بالخبز، ويعتقد أنه يستطيع التحكم بثمن الطعام، الذي يستورد معظمه من خلال دعم العملة، إلا أن السيطرة على رأس المال فشلت في منع ظهور السوق السوداء التي تتعامل بالدولار، وقادت إلى خلق نقص في قطع الغيار المستوردة والمعدات، وأدى هذا إلى التضخم الذي زاد إلى 14%، وأضر أيضا بالصناعة، وأخاف المستثمرين".
ويفيد التقرير بأنه "إذا وضعنا جانبا قناة السويس، التي تعد أحد أعظم شريانات الحياة للتجارة في العالم، فإن مصر يجب أن تكون في وضع جيد للاستفادة من التجارة العالمية، لكنها تقبع في أسفل مؤشر البنك الدولي للدول التي تقدم تسهيلات للمستثمرين، فبدلا من تخفيف القيود التي تؤدي إلى خسارة العقول الموهوبة من أبناء شعبه، يقوم السيسي بتبذير أموال دافعي الضرائب على مشاريع باذخة، حيث قام بتوسيع قناة السويس، إلا أن مواردها انخفضت، أما خطط بناء مدينة مثل دبي في الصحراء فقد دفنت في الرمال، وأثارت خطة بناء جسر يربط مصر بالسعودية احتجاجات، بعدما وعد السيسي بتسليم جزيرتي صنافير وتيران للسعودية".
وتلفت المجلة إلى أن الداعمين العرب، الذين يقدمون للسيسي المال، فقدوا الصبر على ما يبدو، حيث غادر المستشارون الذين أرسلتهم الإمارات العربية المتحدة مصر، بعد شعورهم بالإحباط من البيروقراطية المتحجرة، مشيرة إلى أن "القيادة المصرية، على ما يبدو، لا تريد النصيحة من الخلايجة المغرورين من أصحاب شبه الدول، الذين يتلاعبون بالمال مثل الأرز، كما قال السيسي ومساعدوه في أشرطة مسربة".
ويذهب التقرير إلى أن "أهمية مصر الاستراتيجية لا تترك خيارا أمام العالم إلا التعامل مع السيسي، لكن على الغرب التعامل معه بمزيد من البراغماتية، والإقناع، وممارسة الضغط عليه، وعلى الغرب التوقف عن بيع السلاح المكلف لمصر، الذي لا تحتاجه، أو لا يمكنها الحصول عليه، سواء كان مقاتلات (إف-16) الأمريكية، أو المروحيات الفرنسية (ميسترال)، ويجب أن تربط أي مساعدة بشروط قوية؛ فيجب السماح بتعويم العملة في النهاية، وتخفيف حجم القطاع المدني، والعمل على قطع نظام الدعم المكلف، الذي يعاني من الفساد، ويجب تعويض الفقراء بأموال مباشرة".
وتبين المجلة أنه "لا يمكن تحقيق هذا دفعة واحدة، بل تدريجيا، فمصر بلد هش، ويعيش الشرق الأوسط حالة من الغليان، ولا ينفع معه علاج بالصدمة، وستكافح البيروقراطية المصرية لإحداث تغيير جذري، إلا أن إظهار توجه للإصلاح سيساعد في إعادة الثقة بالاقتصاد المصري، ويجب على دول الخليج الإصرار على التغييرات، ووقف (الرز) إن قاوم السيسي".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول إنه "في الوقت الحالي تراجع الحديث عن ثورة جديدة، أو حتى التخلص من السيسي، فالأنظمة السرية التي فاجأتها ثورات عام 2011 أصبحت أكثر حذرا في شم المعارضة وقمعها، ورغم ذلك، فإن الضغوط الاقتصادية والسكانية والاجتماعية داخل مصر تتزايد، ولا يمكن للسيسي الحصول على استقرار دائم، ويجب فتح النظام السياسي المصري، والسبيل الوحيد للبداية الجيدة هو إعلان السيسي أنه لن يرشح نفسه في انتخابات عام 2018".