[rtl]فايز الدويري[/rtl]
[rtl]أهداف التدخل العسكري الغربي في الدول العربية[/rtl]
[rtl]التاريخ:21/8/2016 - الوقت: 8:38ص[/rtl]
ساهم الموقع الفريد للوطن العربي الذي يربط قارات العالم القديم الثلاث وتحكمه في الممرات المائية الدولية الهامة، وما يحويه باطن الأرض العربية من ثروات، والأهمية الروحية له (فهو مهبط الوحي والديانات السماوية الثلاث) في زيادة أطماع القوى الفاعلة الإقليمية والعالمية قديما وحديثا في السيطرة عليه والتحكم بمقدراته.
تهديدات وتحديات
لذا نجد المنطقة العربية تعرضت لتهديدات وتحديات متتالية عبر القرون الماضية جاءتها من الشرق والشمال والغرب، بدأت باجتياحات المغول ثم الحملات الصليبية فالاحتلال العثماني ثم الاستعمار الأوروبي الحديث، ثم إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين فالصراعات العربية البينية.. الخ، كل ذلك أدى إلى النيل من هيبة الأمة العربية واندثار طموحاتها القومية وتراجع شأنها بين الأمم.
فالحالة العربية الراهنة هي وليدة تلك التهديدات والتحديات التي تعرّض وما يزال يتعرّض لها الوطن العربي، مما عمق الشعور بالإحباط والعجز لدى فئات واسعة من المجتمع العربي حتى وصل إلى النخب السياسية والاجتماعية والذي اعتبر البعض منهم أن موقع وموارد الوطن العربي أصبحت وبالا عليها.
أميركا ودعم الانقلابات
لم تتوقف التدخلات الغربية خاصة الأميركية منها في دول العالم الثالث والعربية من ضمنها بعد أفول مرحلة الاستعمار وانحساره، حيث بقيت الدول الاستعمارية هي المهيمنة على عَصب الحياة الاقتصادية لتلك الدول من خلال شركاتها الاستثمارية، وللحفاظ على تلك المصالح وجدت ضالتها في بعض الجنرالات فاستخدمتهم للانقضاض على الحكومات المدنية.
المتتبع لمسار الانقلابات العسكرية في العديد من دول العالم خاصة الهامة منها يجد أنه لا يخلو انقلاب من يد أميركية امتدت لمساعدته، وقد وصلت في حالات كثيرة إلى المشاركة في التمويل والتخطيط والتنفيذ، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر الإطاحة برئيس غواتيمالا جاكوبو أربينز ورئيس وزراء إيران محمد مصدق والزعيم الاشتراكي سلفادور الليندي ورئيس وزراء الكونغو باتريس لومومبا وغيرهم الكثير، والقاسم المشترك بين تلك الانقلابات أنها حمت مصالح الآخرين فيما أغرقت دولها في الفوضى التي استمرت لعقود.
الغرب والربيع العربي
تعتبر سنة 2011 إحدى العلامات الفارقة في التاريخ العربي الحديث، فما إن أشعل البوعزيزي النار في جسده حتى تحرك الشارع التونسي ليسقط نظام زين العابدين خلال ثلاثة أسابيع، وكان بمثابة الجندي المجهول في ذلك الحراك وأداة الحسم الفاعلة بالإضافة إلى الشعب التونسي الجيش التونسي الذي انتصر لإرادة الشعب ولم يتدخل من أجل فض المتظاهرين أو إطلاق الرصاص عليهم. اتخذ الجيش المصري خلال ثورة يناير موقفا مماثلا مما أجبر حسني مبارك على التنحي، فيما أدت دموية القذافي وتهديداته الدموية إلى تدخل حلف الناتو الذي وضع نهاية مأساوية لحكمه.
نتج عن ثورات الربيع العربي في تلك الدول الثلاث وصول الإسلاميين إلى السلطة؛ فحصدت حركة النهضة التونسية الأغلبية في انتخبات المجلس التأسيسي في أول انتخابات لتشكل الحكومة بعد ذلك ضمن تحالف ثلاثي، فيما صرح مصطفى عبد الجليل بعد إسقاط القذافي أن ليبيا ستتخذ بعد ثورة 17 فبراير من الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا للتشريع، فيما وصل الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين إلى رئاسة مصر، هذا الصعود للإسلاميين لاستلام السلطة أو المشاركة فيها بشكل فاعل حمل عدّة محاذير للقوى العالمية وعلى رأسها أميركا، فهل تقبل تلك القوى بوصول رئيس جمهورية أو رئيس وزراء إسلامي أم ستتحرك بكل أدواتها الصلبة والناعمة لإفشال وإسقاط تلك التجربة.
أدركت حركة النهضة التونسية التحديات والتهديدات التي تواجهها فوقعت على وثيقة الحوار الوطني، ورغم أن ذلك أدى إلى خروجها من الحكم فإنها تفادت الخسارة الأكبر، ثم أتبعت ذلك بقرار تحولها إلى حزب سياسي ديمقراطي وطني بمرجعية إسلامية مما أبقى عليها رقما صعبا في المعادلة السياسية التونسية.
ارتكب الرئيس محمد مرسي أخطاء عدة خلال الفترة التي تولى فيها رئاسة مصر كان من أهمها التغييرات التي أجراها في قيادة الجيش والتي سمحت بوصول بعض الجنرالات الطامعين بالسلطة، عملت تلك المجموعة وبالتنسيق مع بقايا النظام السابق والدولة العميقة وبعض رجال الأعمال وجبهة الإنقاذ وبدعم من قوى إقليمية ودولية (تشير العديد من التقارير إلى تواطؤ ومباركة كل من الاتحاد الأوروبي وأميركا الخطوات الانقلابية) على تحريك الشارع المصري من جديد فيما أطلق عليها ثورة الثالث من يوليو، ليقوم وزير الدفاع اللواء عبد الفتاح السيسي بالإطاحة بالرئيس مرسي ويتولى الحكم في أقل من عام.
تعقد المشهد الليبي حيث يتواجد داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) في سرت ويهدد الهلال النفطي، فيما حكومة الوفاق في طرابلس مشلولة والحكومة المؤقتة في طبرق عاجزة، والسلطات المحلية في صبراته والزنتان لا تخضع لسلطة أي من الحكومتين، فيما تستمر قوات اللواء حفتر (أمضى اللواء حفتر بعد هروبه من تشاد نحو عشرين عاما في الولايات المتحدة وكان يقيم على بعد عدّة أميال من مبنى الاستخبارات الأميركية) بقتالها في بنغازي دون تحقيق أي نصر عسكري يحسب لها، حيث يبدو أن تلك القوات تستمد شرعية وجودها من مجرد استمرارها في القتال الذي أصبح غاية بحد ذاته، هذا الدعم المقدم للواء حفتر يعيد للأذهان السعي الأميركي والغربي الدائم للعثور على جنرال ساعي للسلطة يضمن لهما مصالحهما الحيوية، وأن ليس هدفهما إخراج ليبيا من مأزقها.
تعتبر أميركا مسؤولة عن ما جرى ويجري في العراق من دمار وفوضى، كما أدى انسحاب الجيش الأميركي في الوقت الخطأ أن جعل من العراق الحديقة الخلفية لإيران. وبعد أن اجتاح داعش أربعة محافظات عراقية وبدأ في استهداف أربيل شرعت الولايات المتحدة بإنشاء تحالف دولي لم يفلح حتى هذه اللحظة في هزيمة تنظيم الدولة رغم خسارته ما يقارب من 50% من الأراضي التي كان يسيطر عليها.
ومع تصاعد الحديث عن اقتراب معركة الموصل واشتراك كل من القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي وقوات البشمركة وقوات العشائر السنية في المعركة المتوقعة إلا أن أميركا بدأت بالبحث عن جنرال يساعدها في الحفاظ على مصالحها ويحقق لها توازنا مع النفوذ الإيراني الواسع ويمكنها من فرض رؤيتها في إدارة العمليات العسكرية القادمة، وقد وقع خيارها على اللواء نجم الجبوري الذي تسلم قيادة عمليات نينوى، ويقدم له الجيش الأميركي الدعم العسكري المطلوب.
الاختيار الأميركي للجنرال الجبوري استند على عدة أمور فهو على علاقة قديمة مع الأميركيين وأحد رجالاتهم الموثوقين، وهو أيضا ضابط سني، وترى أنه سيكون مقبولا من أهل الموصل أكثر من أي ضابط شيعي، كما أنه غير مرفوض من رموز الطائفة الشيعية والأكراد لتخليه عن الرئيس العراقي إبان حرب عام 2003، وسيكون رجل أميركا إذا ما تم تعينه حاكما لإقليم الموصل مستقبلا، إذا ما اتفقت الكتل السياسية العراقية على ذلك الخيار وهو ما يتم تداوله حاليا، أما إذا فشلت مساعي إنشاء إقليم الموصل فإن أقصى ما يمكن أن يتسلمه مستقبلا في ظل المحاصصة الطائفية هو أن يكون وزيرا للدفاع لا يملك من الصلاحيات الفاعلة ما يؤهله للعب دور مؤثر في ظل ارتباط القوات المسلحة وقوى الأمن مع رئيس الوزراء الذي ينتمي للطائفة الشيعية، وفي ظل وجود الحشد الشيعي وولائه المطلق لإيران خاصة بعد إعادة هيكلته ليصبح حرسا ثوريا عراقيا على غرار الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي يكون الرهان الأميركي عليه هو رهان على الحصان الخاسر.
اتسم الموقف الأميركي إزاء الأزمة السوري بالتردد وعدم الرغبة في التدخل المباشر رغم تأكيد الرئيس أوباما ورموز إدارته على أن الرئيس السوري قد فقد شرعيته ولا دور له في سوريا المستقبل، واكتفت أميركا بشن غارات جوية محددة العدد يوميا على تنظيم الدولة والمساهمة في تدريب عناصر الجيش الحر في دول الجوار السوري من خلال غرف الموك التي أنشأتها في كل من الأردن وتركيا، والتي ألحقت ضررا بالثورة السورية أكثر مما قدمت من فوائد من خلال تحكمها بسير العمليات العسكرية خاصة في المنطقة الجنوبية من سوريا. وعندما شرعت أميركا في تنفيذ خطة طموحة لتدريب خمسة عشر ألف مقاتل من الجيش الحر خلال خمس سنوات، مُني البرنامج التدريبي بالفشل الذريع بسبب الشروط التي وضعتها الإدارة الأميركية ومنها قتال تنظيم الدولة فقط، بعد ذلك الفشل بحثت أميركا عن أداة جديدة لقتال تنظيم الدولة فبدأت بالتنسيق مع القوات الكردية والتي وافقت على الشرط الأميركي بمحاربة تنظيم داعش فقط.
كما هو حال الرهان الأميركي على الجنرال البغدادي في العراق فإن الرهان على التعاون الأميركي الكردي قد يكون رهانا خاسرا لأنه سيضر بالعلاقات الأميركية التركية المتوترة أصلا بسبب الموقف الأميركي من الانقلاب التركي الفاشل، والتقارب التركي الروسي والذي قد يتوج بعمليات عسكرية تركية روسية مشتركة ضد تنظيم الدولة، مما يطرح تساؤلات حول جدية هذا التعاون وإمكانية استمراره وتحديدا بعد حسم معركة منبج.
يتضح لنا مما تقدم أن السياسة الأميركية الخارجية تقوم على مبدأ حماية المصالح الأميركية فقط بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة دون أدنى مراعاة للقيم الديمقراطية أو حقوق الإنسان في الدول المستهدفة.
ومن خلال مراجعة سريعة للتدخلات الأميركية نجد أن معظمها مني بالفشل ولو بعد فترة من الزمن طالت أم قصرت، لأنها اعتمدت على جماعات انتهازية لا وطنية باعت أوطانها في سبيل مصالحها وأطماعها الشخصية. ولقد صدق هتلر عندما أجاب على السؤال، من أحقر الناس في نظرك؟ فقال من ساعدني على احتلال وطنه.
(الجزيرة نت)