قراءة في أعلام أهل السنة العظام
سعيد الناصر
تحدثنا في مقالين سابقين عن منهج وعقائد أهل السنة التي تميزهم عن غيرهم وعن المدعين الذين ينسبون أنفسهم لأهل السنة والجماعة وهم منهم براء، واليوم نتحدث عن أبرز علماء أهل السنة والجماعة، حتى يعرف القارئ من هم الذين قاموا بنصر مذهب الحق ودافعوا عنه وأفنوا أعمارهم في الذود عن الحق وأهله.
ونبدأ القول بأن أصحاب المذاهب الأربعة هم من رؤوس أهل السنة والجماعة، ومن قبلهم كبار التابعين، ونحن في هذا المقال لا نريد استقصاء الجميع فالكلام يطول بل يحتاج إلى كتب ومجلدات ولكن "اللبيب بالإشارة يفهم" ونحن سنشير إشارات.
فمنهم الإمام الحسن البصري الحسن بن يسار البصري إمام وعالم من علماء أهل السنة والجماعة يكنى بـأبي سعيد، ولد قبل سنتين من نهاية خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة، ورضع من أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.
ومنهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفيّ رضي الله عنه (80-150هـ)، وُلد أبو حنيفة بالكوفة ونشأ فيها، أول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي. اشتهر بعلمه الغزير وأخلاقه الحسنة، حتى قال فيه الإمام الشافعي:"من أراد أن يتبحَّر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة"، ويُعد أبو حنيفة من التابعين، فقد لقي عدداً من الصحابة منهم أنس بن مالك، وكان معروفاً بالورع وكثرة العبادة والوقار والإخلاص وقوة الشخصية.
وعلاوة على فقهه العظيم فإن مذهب أبو حنيفة في الفقه من أعظم مذاهب الإسلام، فقد ثبت عن الإمام أبي حنيفة أنه ألف في علم الكلام (علم العقائد) كتابي "الفقه الأكبر" و"الفقه الأوسط"، وكتاب "العالم والمتعلم"، وكتاب "الرسالة" إلى مقاتل بن سليمان صاحب التفسير، وكتاب "الرسالة" إلى عثمان البتي فقيه البصرة، وكتاب "الوصية" وهي وصايا عدة لأصحابه. ولقد ترك الإمام أبو حنيفة عدة رسائل صغيرة في علم الكلام نسبت إليه، وقام بشرحها بعض أئمة المذهب الحنفي. ولقد ذكر ابن نديم في ترجمته لأبي حنيفة والكتب التي صنفها أن له: كتاب الفقه الأكبر، وكتاب رسالته إلى البتي، وكتاب العالم والمتعلم، وكتاب الرد على القدرية.
قال وكيع بن الجراح وهو شيخ الإمام الشافعي :"كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان يؤثر رضا الله تعالى على كل شيء، ولو أخذته السيوف في الله تعالى لاحتملها"، وقال الإمام الشافعي: سئل مالك بن أنس:"هل رأيت أبا حنيفة وناظرته؟"، فقال :"نعم، رأيت رجلاً لو نظر إلى هذه السارية وهي من حجارة، فقال إنها من ذهب لقام بحجته"، وقال الإمام الشافعي:"من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك، ومن أراد الجدل فعليه بأبي حنيفة، ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان"، وقال الإمام أحمد بن حنبل:"إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضُرب بالسياط لِيَليَ للمنصور فلم يفعل، فرحمة الله عليه ورضوانه".
وقد أصّلنا الحديث عن الإمام أبي حنيفة؛ لأن بعض المنتسبين زورا إلى أهل السنة والسلف يريدون إخراج أبي حنفة من أهل السنة ويرمونه بالإرجاء، وقد ألفت الكتب في ذلك، والإمام أبو حنيفة من كبراء أهل السنة شهد له بذلك كل العلماء.
ومنهم إمام أهل السنة أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري من نسل الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري، وهو المنظر الأول لمواقف أهل السنة، حظي الإمام الأشعري بثناء جميع العلماء من مختلف المذاهب السنية، وأثنوا على مذهبه وطريقته، فلقبوه بـ"إمام أهل السنة والجماعة"، "الإمام الفاضل"، و"الرئيس الكامل"، "إمام المتكلمين"، و"زعيم المجددين"، "شيخ السنة"، و"ناصر السنة"، "حبر الأمة"، و"إمام أئمة الحق"، وغيرها من الألقاب. وهذه بعض أقوال العلماء في علو منزلته ورفعة شأنه:
قال عنه القشيري :اتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، كان إماما من أئمة أصحاب الحديث، ومذهبه مذهب أصحاب الحديث، تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة، ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين من الملة سيفا مسلولا، ومن طعن فيه أو قدح، أو لعنه أو سبه، فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة.
قال عنه القاضي عياض المالكي :"صنّف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة، وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته وقدم كلامه وقدرته". قال عنه شيخ الإسلام أبو بكر البيهقي: «...إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله، فلم يحدث في دين الله حدثا، ولم يأت فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالوا وجاء به الشرع في الأصول صحيح في العقول".
ومنهم إمام الحرمين هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن عبد الله بن حيوة الجويني، إمام الدنيا فقيه شافعي ومتكلم أشعري، وأحد أبرز علماء أهل السنة في القرن الخامس الهجري، وقال الإمام الإسنوي: "إمام الأئمة في زمانه وأعجوبة دهره وأوانه"، قال الشيخ أبو إسحق الشيرازي: تمتعوا بهذا الإمام فإنه نزهة هذا المكان (يعني إمام الحرمين)، قال له مرَّة: يا مفيد أهل المشرق والمغرب، لقد استفاد من علمك الأولون والآخرون. قال الشيخ أبو عثمان الصابوني صاحب كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث المتوفى سنة 449 هـ :" صرف الله المكاره عن هذا الإمام، فهو اليوم قرة عين الإسلام".
ومنهم الإمام حجة الإسلام زين الدين، ومحجّة الدين، ومفتي الأمّة، وبركة الأنام، وإمام أئمة الدين، وشرف الأئمة أبو حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي الأشعري، أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، قال عنه شيخه أبو المعالي الجويني: الغزالي بحر مغدق. وقال الإمام الذهبي: الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، صاحب التصانيف والذكاء المفرط. وقال عنه ابن الجوزي: صنف الكتب الحسان في الأصول والفروع، التي انفرد بحسن وضعها وترتيبها، وتحقيق الكلام فيها.
وقال عنه تاج الدين السبكي: حجة الإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام، جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنقول منها والمفهوم، جرت الأئمة قبله بشأون ولم تقع منه بالغاية، ولا وقف عند مطلب وراء مطلب لأصحاب النهاية والبداية.
ومنهم الإمام فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي الرازي، القرشي التيمي البكري الشافعي الأشعري الملقب بفخر الدين الرازي أو ابن خطيب الري. هو إمام مفسر فقيه أصولي، عالم موسوعي امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم البحتة في: الفيزياء، الرياضيات، الطب، الفلك.
احتل الرازي المنزلة الرفيعة والمكانة العالية، ونال تقدير واحترام المجتمع على اختلاف طبقاته، فبالغ في احترامه العلماء وطلاب العلم، والسلاطين، وخاصة الناس وعامتهم. ولقد ترك الإمام الرازي في كل علم من العلوم المعروفة في زمانه مؤلفات وآثارا تشهد له بذلك، وتؤيد أن نيله لتلك المكانة العلمية كان عن جدارة واستحقاق. ولقد تواترت أقوال العلماء والمؤرخين الذين وصفوه بأحسن الكلام ورفعوه إلى أسمى المراتب، التي تدل على أنه حظي بمكانة عظيمة بين العلماء لم ينلها عالم آخر في عصره.
يقول عنه ابن العماد الحنبلي :"الإمام فخر الدين الرازي العلامة أبو عبد الله، له ثروة ومماليك وبزة حسنة وهيئة جميلة. إذا ركب مشى معه نحو الثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير، والفقه، والكلام، والأصول، والطب، وغير ذلك. وكان فريد عصره، ومتكلم زمانه، رزق الحظوة في تصانيفه، وانتشرت في الأقاليم. وكان له باع طويل في الوعظ، فيبكي كثيرا في وعظه. وكان بينه وبين الكرامية السيف الأحمر، فينال منهم وينالون منه، سبا وتكفيرا، حتى قيل أنهم سموه فمات".
والكرامية هم المجسمة وهم من ينتسبون إلى أهل السنة والجماعة والسلف وقد كفر زعيمهم ورأسهم الإمام الرازي ونسبه إلى عبادة النجوم والكواكب، بل إننا نسمع بعض الدعاة المنتسبين إلى مذهب السلف يكفر الإمام الرازي على المنابر وهم لا حظ لهم بالعلم وأهله.
يقول زكريا القزويني في آثار البلاد وأخبار العباد عن الإمام الرازي :"إمام الوقت ونادرة الدهر وأعجوبة الزمان". ويقول عنه ابن الأثير في الكامل في التاريخ :"كان إمام الدنيا في عصره". وعده جلال الدين السيوطي مجدد القرن السادس.
ومنهم هو الإمام العلامة القاضي عضد الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن ركن الدين أحمد بن عبد الغفار بن أحمد الإيجي البكري المطرزي الشيرازي، من نسل أبي بكر الصديق، وصفوه بأوصاف ضخمة منها :"قاضي قضاة الشرق"، و"شيخ العلماء"، و"شيخ الشافعية"، كما قالوا عنه: كان إماماً في المعقولات، محقّقاً، مدقّقاً، قائماً بالأصول والمعاني والعربية، مشاركاً في الفقه وغيره من الفنون، وأنجب تلاميذا عظاماً اشتهروا في الآفاق.
ومنهم سعد الملة والدين أبو سعيد مسعود بن عمر بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن الغازي التفتازاني، الفقيه المتكلم النظار الأصولي النحوي البلاغي المنطقي، انتهت إليه رئاسة العلم في المشرق في زمنه وفاق الأقران، وبرز في النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان والأصول والتفسير وعلم الكلام وغيرها من العلوم، وكان يفتي بالمذهبين الشافعي والحنفي.
ومنهم الإمام الفاضل العلامة السيد الشريف علي بن محمد بن علي الشريف الحسني الجرجاني المحقق الحنفي المعروف بسيد مير شريف، برع في علوم شتى في المعقول والمنقول، وعلى رأسها علم الكلام وعلوم العربية، وفي الفلسفة والمنطق والفلك والرياضيات، وتاريخ المذاهب والفقه والحديث والتفسير والتصوف، مما أهله للقب "العلاَّمة" بجدارة، قدمه التفتازاني للشاه شجاع بن محمد بن مظفر فانتدبه للتدريس في شيراز عام 779هـ/1377م، وقد عاش معظم حياته في شيراز.
ويصفه أصحاب التراجم بأنه كان ذكيًّا مدققًا محققًا، ذا بصيرة وفصاحة وبلاغة ماهرًا في المناظرة، وصارت مؤلفاته ولا سيما في اللغة العربية والفرائض وعلم الكلام هي المراجع المعتمدة للدرس في معاهد العلم جيلا بعد جيل، وصار هو المرجع المعتمد الموثوق بين العلماء.
ومنهم الإمام الشيخ الإمام عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس أبو عمرو ابن الحاجب الكردي، الشهير بـ"ابن الحاجب"، الفقيه المالكي والأصولي النحوي والمقرئ، كان من أذكياء العالم، ضرب به المثل في حِدَّة الذِّهن وحسن التصور وكان رأسًا في علوم كثيرة منها: الأصول والفروع والعربية والتصريف والعروض والتفسير. وكان ابن الحاجب علامة زمانه ورئيس أقرانه.
قال الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد:"هذا الرجل تيسرت له البلاغة فتفيأ ظلها الظليل وتفجرت ينابيع الحكمة فكان خاطره ببطن المسيل، وقرب المرمى فخفف الحمل الثقيل".
قال القاضي ابن خلكان:"كان من أحسن خلق الله ذهنًا وجاءني مرارًا بسبب أداء شهادات وسألته عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب عنها أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام، وذكره العلامة ابن أبي شامة فقال: كان من أذكى الأمة قريحة، ركنًا من أركان الدين في العلم والعمل بارعًا في العلوم الأصولية وتحقيق علم العربية متقنًا لمذهب مالك وكان ثقة حجة متواضعًا عفيفًا كثير الحياء منصفًا محبًّا للعلم وأهله ناشرًا له صبورًا على البلوى محتملا للأذى".
ومنهم على سبيل العد لا الحصر الإمام شرف الدين يحيى النووي، والإمام أمير المحدثين ابن حجر العسقلاني، والإمام شيخ الإسلام تقي الدين السبكي، والإمام شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، والإمام السيوطي جلال الدين، والإمام جلال الدين المحلي، وشيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر الهيتمي.
(البوصلة)