نماذج من الشراكة الفلسطينية الإسرائيلية
حمادة فراعنةأخفقت الحركة الوطنية الفلسطينية في منع إقامة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض وطنها فلسطين ، وهذا يعود لعدة أسباب يقف في طليعتها ضعف الامكانات التي توفرت لها مقارنة مع ما حصلت عليه الحركة الإستعمارية الصهيونية ، إضافة إلى عوامل إقليمية تواطأت مع الصهيونية إستجابة إلى القرار الدولي الذي سار لمصلحة إقامة “ الوطن القومي لليهود في فلسطين “ ولو كان ذلك وتم على حساب الشعب العربي الفلسطيني ، وحقوقه الوطنية ، وعلى أرض بلاده رغم أنه لا يملك بلاداً ووطناً غيره ، مثلما تتحمل قيادات الحركة السياسية الفلسطينية مسؤولية إخفاقها وعدم قدرتها على تحديد الاولويات وكيفية توسيع معسكر الصديق وتضييق معسكر العدو وتقليصه .
ومقابل إخفاق الحركة الوطنية الفلسطينية حققت الحركة الصهيونية نجاحات متتالية لإقامة مشروعها الإستعماري التوسعي على أرض فلسطين ، بدءاً من وعد بلفور مروراً بسياسات الانتداب البريطاني ، وإعلان الدولة في 15/5/1948 على جزء من أرض فلسطين وأكملت برنامجها وإستولت على كاملها عام 1967 ، ولكن رغم نجاحات الصهيونية الفاقع فقد أخفقت في طرد كل الشعب الفلسطيني عن أرضه ، وهكذا سجلت أول وأهم عوامل فشلها ببقاء نصف الشعب الفلسطيني على كامل أرض فلسطين سواء في مناطق الإحتلال الاولى عام 1948 ، أو مناطق الإحتلال الثانية عام 1967 .
وبعد عشرات السنين من النضال والصراع والعنف والعنف المتبادل فشل كل من طرفي الصراع في تحقيق كامل أهدافه ، لا الثورة الفلسطينية رغم التضحيات والتراكمات الايجابية في إستعادة الهوية الفلسطينية ، والاعتراف بمنظمة التحرير ، والاقرار بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ، وولادة السلطة الوطنية كمقدمة لقيام الدولة المنشودة ، رغم ذلك أخفقت الثورة الفلسطينية في إنجاز مهامها في إستعادة كامل حقوق شعبها الفلسطيني ووصلت لطريق مسدود ، مثلما أن المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي على الرغم من تفوقه البشري والاقتصادي والعسكري والسياسي والتكنولوجي والاستخباري فقد فشل في لجم الشعب الفلسطيني وترويضه ، وتقويض تطلعاته ، ومنع تمسكه بأرضه والصمود فيها وعليها ، وعلى الرغم من كل محاولاته لجعل الارض الفلسطينية طاردة لأهلها وأصحابها ، وهكذا نجد أن المشروع الإسرائيلي الصهيوني أخفق أيضاً في إستكمال حلقاته وتكامل برنامجه ، فقد إحتل كل الارض ، ولكنه فشل في طرد كل الشعب الفلسطيني عن أرضه ، وهكذا تحولت فلسطين بسبب الاخفاقات المتبادلة إلى وطن لشعبين متصارعين ، كل منهما له روايته وثقافته وتطلعاته المعادية والمتصادمة مع الرؤية النقيضة المناوئة الاخرى .
ومع ذلك ورغم ديموية الصراع ، والفجوة الواسعة العميقة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي فثمة مظاهر للشراكة والتعاون والاقتراب في منتصف الطريق من بعضهما البعض ، مرغمين على ذلك ، بعيداً عن الود أو الاحترام ، أو الاقرار بحقوق ، فالواقع أقوى من كل الرغبات والامنيات والتاريخ ، وثمة ثلاثة مظاهر متباينة ، متداخلة تحمل إزدواجية الموقف ، الموقف ونقيضه في نفس الوقت :
والمظهر الاول يتمثل بتبعية بعض الشخصيات الفلسطينية للأحزاب الصهيونية وإندماجها بشكل أو بأخر ، بعضها بطريقة خجولة ، والاخر بطريقة نافرة تُلغي الذات لمصلحة إنخراطها في المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وتوظيف نفسها لصالحه رغم تعارض مصالح شعب هؤلاء من الفلسطينيين مع المصالح الإسرائيلية ، وإن كان بعضهم يسعى للحصول على خدمات معيشية حيوية من قلب المؤسسة الإسرائيلية لصالح قطاعات من شعبه على أمل الوصول إلى المساواة وتجاوز مظاهر التمييز الفاقعة ضد الفلسطينيين من قبل المؤسسة الإسرائيلية .
أعضاء الكنيست العرب من الفسطينيين في قوائم الليكود والعمل وميرتس تنطبق عليهم معايير الالحاق وتزويق مكانة الاحزاب الصهيونية بوجودهم في صفوف هذه الاحزاب وهم أدوات لديها ، وهو الصنف الاول من التعاون غير العادل والتبادل غير المتكافيء بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر إنخراط هذا القطاع من الفلسطينيين داخل الاحزاب الصهيونية والعمل ضمن برامجها ومؤسساتها ...
أما المظهر الثاني فهو نقيضه تماماً يمثله الشيوعيون حيث ينخرط شخصيات إسرائيلية في صفوف الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وهما فصيلان مكملان لبعضهما البعض كل منهما يرفض الصهيونية ، ويعمل ضد مشروعها الإحتلالي التوسعي والاحلالي ، وهم فئة قليلة محدودة من الإسرائيليين في صفوفهما ، وهما يضمان أغلبية عربية ويقعان في قلب وفي قيادة الحركة السياسية الفلسطينية في مناطق 48 ، ولذلك على الرغم من غياب التكافؤ التعددي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في صفوف الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، ولكنهما يقدمان نموذجاً للتكافؤ والندية والاحترام المتبادل بين الشعبين داخل صفوفهما .
وبذلك وعبر المظهرين الاول إندماج شخصيات عربية فلسطينية في عضوية الاحزاب الصهيونية والثاني إندماج شخصيات إسرائيلية لدى الاحزاب العربية الفلسطينية إنما يشكلان مظهراً نقيضاً للاحادية القومية والتطرف وتقديم رؤى تعتمد على هذه الشراكة وتطويرها .
أما المظهر الثالث فيتمثل بجهود حركة فتح ومحاولاتها بناء علاقات وفتح حوار مع أوساط إسرائيلية مختلفة تقوم على الندية والتكافؤ بين المشروعين الفلسطيني والإسرائيلي ، وهي محاولات يسودها النجاح حيناً والتخبط حيناً ، لأنها لا تشكل سياسة منهجية متفق عليها معتمدة على تحالف فصائل العمل الوطني في إطار منظمة التحرير ، ولا تسعى لتوسيعها كي تكون سياسة فلسطينية منهجية معلنة ، تخدم النضال الوطني الديمقراطي الفلسطيني وتسعى لإختراق المجتمع الإسرائيلي المتفوق وكسب إنحيازات من بين صفوفه لصالح عدالة الحقوق الفلسطينية ومشروعية مطالبها .
والحقيقة السياسية ، والكفاحية التي يقفز عنها اليسار الفلسطيني وفصائل التيار القومي التقدمي ، أن نضال الجزائريين ضد الفرنسيين ، والفتناميين ضد الاميركيين لم يقتصر على النضال على الارض ضد العدو ، بل ترافق هذا النضال في المساعي الحثيثة لكسب الرأي العام الفرنسي لصالح الجزائريين والرأي العام الاميركي لصالح الفيتناميين كنماذج صارخة من نضال الشعوب ضد محتليها ، ومن باب أولى أن يتعلم الشعب العربي الفلسطيني من تلك التجارب ويستفيد منها في نضاله من أجل دحر الاحتلال وهزيمة مشروعه الاستعماري وهذا لن يتم بدون كسب إنحيازات من طرف الرأي العام الإسرائيلي لصالح النضال الفلسطيني ومشروعية مطالبه وعدالة حقوقه الوطنية .