حالان مختلفان......نعم ، حالان مختلفان، لا بل متناقضان، حال المسلمون في ظل عدل دولة الخلافة، وحال الأمة الآن في ظل دول وحارات وأنظمة القمع المخابراتية القائمة الآن، والمتسلطة على رقاب المسلمين في شرق البلاد وغربيها ، وشتان ما بين الثرى والثريا. لما بويع أبو بكر بالخلافة بعد بيعة السقيفة تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقف على المنبر ويقول أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه، فيجيبه أحدهم لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا، فأين هي قداسة الحاكم وأي حاكم، إنه أبو بكر وعمر... عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقف له امرأة في مسألة تحديد المهر وقد تلت عليه الآية الكريمة ﴿وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا﴾، وقوله قنطار يدل على إباحة التوسع في المهور فكيف يضع عمر حدا له؟ فأجابها بقوله-أصابت امرأة وأخطأ عمر.
وقد بلغ من شدة عدل عمر وورعه أنه لما أقام "عمرو بن العاص" الحد على "عبد الرحمن بن عمر" في شرب الخمر، نهره وهدده بالعزل؛ لأنه لم يقم عليه الحد علانية أمام الناس، وأمره أن يرسل إليه ولده "عبد الرحمن" فلما دخل عليه وكان ضعيفًا منهكًا من الجلد، أمر "عمر" بإقامة الحد عليه مرة أخرى علانية، وتدخل بعض الصحابة ليقنعوه بأنه قد أقيم عليه الحد مرة فلا يقام عليه ثانية، ولكنه عنفهم، وضربه ثانية و"عبد الرحمن" يصيح: أنا مريض وأنت قاتلي، فلا يصغي إليه.
وبعد أن ضربه حبسه فمرض فمات!! كان الجو صحوا، والفراغ موجودا، والسعة حاضرة، وفي مثل هذه الأيام التي تستهيم الناس، جاءت مسابقة ركوب الخيل في مصر بعد الفتح، وكان من بين المتسابقين ابن حاكم مصر عمرو بن العاص.
وبعد جولة أو جولتين فاز بالسباق واحد من الأقباط المغمورين، فاستدار ابن الأمير - كأنما هو جبل شامخ والناس في سفحه رمال - فمال على رأس القبطي وضربه بالسوط وقال له: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟ فغضب والد الغلام القبطي وسافر ومعه ابنه من مصر إلى المدينة المنورة يشكو إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هتك العدالة والحرية، ويطلب منه إنصاف ولده.
ولما استمع عمر بن الخطاب إلى شكوى الرجل تأثر كثيرا وغضب غضبا شديدا فكتب إلى والي مصر عمرو بن العاص رسالة مختصرة يقول فيها: إذا وصلك خطابي هذا فاحضر إليّ وأحضر ابنك معك ! وحضر عمرو بن العاص ومعه ولده امتثالا لأمر أمير المؤمنين، وعقد عمر بن الخطاب محكمة للطرفين تولاها بنفسه وعندما تأكد له اعتداء ابن والي مصر على الغلام القبطي، أخذ عمر بن الخطاب عصاه وأعطاها للغلام القبطي قائلا له اضرب ابن الأكرمين، فلما انتهى من ضربه التفت إليه عمر وقال له: أدِرها على صلعة عمرو فإنما ضربك بسلطان أبيه، فقال القبطي: إنما ضربتُ مَن ضربني، ويحكى ان خولة بنت ثعلبة خاطبت في ذات يوم عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عندما كان خارجاً من المسجد وكان معه الجارود العبدي، فسلم عليها عمر فردت عليه، وقالت: " هيا يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت"، فقال الجارود: قد أكثرت على أمير المؤمنين أيتها المرأة، فقال عمر: دعها.
السيدة خولة تذكر عمر بانه كان صغيرا وكان يسمى عميرا وكان يرعى الغنم فلا يتهمها بالوقاحة او التطاول او الاجتراء على امير المؤمنين - اما من يقول ان عمرو خالد يخالف الشريعة ويرتدي الباروكة ويصبغ شعره فيجب ان يسكت ولا يتجرأ على عمرو خالد !!! فهذا امر لا يهم في مقابل ان عمرو خالد يهدي الناس كما يدعون !!! وفي المقابل لا ضير ان يخالف هو الله !!! ويحكى ان عمير بن سعد كان عند عمر بن الخطاب جاءه من حمص اللتي عمله عليهاوكان في حالة يرثى لها فقال له عمر : بئس المسلمون خرجت من عندهم، فقال له عمير: اتق الله يا عمر فقد نهاك الله عن الغيبة، وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة.
كان الفاروق قائم يخطب على المنبر فاعترضه أحد المسلمين قائلاً : أتقي الله يا عمر. فتوجه أحدهم للخليفة بالقول: دعني أضرب عنق هذا الفاجر، فأجابه : دعه فلا خير فيهم ان لم يقولوها، ولا خير فينا ان لم نسمعها ونعمل بها.
وغابت شمس الخلافة عن سماء العالم ليحكمنا صبية أقزام لا يتقون الله فينا ولا في أنفسهم يحكمون الرعية بالقمع وبأجهزة المخابرات، تحصي على الناس حركاتهم وتضيق عليهم الخناق وتكتم أنفاسهم ، وتلاحقهم بالتعذيب وقطع الأرزاق والأعناق، والقاعدة العملية عندهم تحريم محاسبة الحكام وتحريم النصح والنصيحة وتسليط أجهزة المخابرات وعيونها في رصد تحركات الأمة، ووقف أي تحرك خير يستهدف قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحرموا النصح والوعظ وقول الحق في المجتمع، وحتى في المساجد، وشرعت القوانين والأنظمة والتعليمات الجائرة في ذلك، وضرب ظهور المخالفين بالسياط وفتحت لهم أبواب السجون والمعتقلات، وتم نفي المخلصين في الأرض، ومطاردة كلمة الحق في كل مكان.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وابتدعوا الأسباب والمسببات للصد عن سبيل الله، وحيل بين المسلمين وبين وصولهم للمسجدين الشريفين، وقنن بالتصاريح حج الناس للمسجد الحرام، فأحل لمن لا يتقي الله وحرم منه عامة الناس الا القليل منهم من تأدية هذا الفرض الذي فرضه الله تعالى، وذلك خلافاً وتحدياً لقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ م***انَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) نعم ، انهم هم أعداء الله ارتضوا لأنفسهم أن ينوبوا عن أسيادهم الكفرة في تكميم الأفواه، وقمع شعوبهم، وتسليط قمع أجهزة المخابرات عليهم، خلافاً لما رأينا من عدل دولة الاسلام وخلفاء الاسلام الذين قامت أركان دولهم على كلمة العدل وتمكين الأمة من محاسبتهم..