كيف نتخيل حكومة المستقبل المثالية؟
باميلا كسرواني
متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية
"حكومة انتقالية"، "حكومة تكنوقراط"، "حكومة تمثيلية"، "حكومة عسكرية"، هذه ليست إلا بعض المصطلحات التي غالباً ما تتردد على مسامعنا عندما يأتي الحديث عن الأنظمة السياسية والحوكمة والدول.
فغالباً ما يتم التعريف عن الحكومة التي تعتبر من أقدم المؤسسات السياسية في العالم، استناداً إلى صلاحياتها وطبيعة الحكم في بلد ما. ومهما تعددت المصطلحات والتعريفات، يبقى القاسم المشترك بين كل هذه الحكومات أنّها مسؤولة عن صناعة السياسيات العامة لكل المجتمع، وكأنها أشبه بآلية توجيه تضع السياسات التي تقود المجتمع في الاتجاه الصحيح. فهذه الحكومة، أكانت النظام أم المؤسسات أم المسؤولين، تبقى السلطة التي تضع القواعد وتساعد أعضاء المجتمع في الترابط فيما بينهم، وتسعى إلى إدارة تكفل الأمن والسلام.
ولا شك أن الأهم يبقى الحوكمة الرشيدة التي تعزز الإنصاف والمشاركة والتعددية والشفافية والمساءلة وسيادة القانون بشكل مستدام وفعّال.
قد تكون هذه مبادئ حوكمة رشيدة وحكومة ناجحة في أيامنا اليوم، إلا أنّ المزيد من المبادئ بدأت تلوح في أفقها، وتتحوّل إلى محور أساسي تعجز الحكومات عن غض الطرف عنه إذا ما أرادت "مواكبة عصر التكنولوجيا" والمتطلبات المتزايدة لسكان الأرض الذين يزداد عددهم سنوياً، ومن المتوقع أن يصل إلى 9.6 مليار نسمة بحلول 2050، والتغييرات السريعة التي تشهدها مجتمعاتنا وبيئتنا وعاداتنا وتقاليدنا.
إذ في السنوات المقبلة، فإن الحكومات كما نعرفها اليوم قد ترتدي حلّة جديدة في المستقبل (حتى لو أن بعض الحكومات قد ركبت قطار التغيير)، وتغيّر محور أولوياتها من أجل تحقيق النجاح. فما هي مقوّمات حكومة المستقبل المثالية؟
لن نغوص في أنظمة الحكومات السياسية المختلفة، وواجبها في توفير أبسط حقوق الإنسان. كما لن نتطرق إلى كل ما هو "بغير الحسبان" مما قد تواجهه الحكومات في ظل وتيرة التغيير السريعة التي يشهدها عالمنا. لكننا سنركّز على ما نراه أبرز المقوّمات التي لا بد لأي حكومة التركيز عليها.
حكومة ذكية
في عالم باتت فيه الإنترنت متوفرة حتى لأفقر الناس وفي المناطق النائية، وفي حين يكثر الحديث عن الأجهزة الذكية، نجد أن العديد من الحكومات قد بدأت مواكبة هذا التطور التكنولوجي. لقد شهد العقد الماضي طفرة في الحكومات الإلكترونية التي تُفعّل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل بناء مجتمع معرفي تتوفّر فيه الخدمات العامة الحكومية على الإنترنت، بفضل باقة من التطبيقات والبوابات الإلكترونية. ونذكر من بين هذه الخدمات، على سبيل المثال، إنجاز المعاملات إلكترونياً، وربط مختلف الوزارات والأقسام من أجل إدارة أفضل.
وجاءت الحكومات الذكية كتطوّر طبيعي للإلكترونية منها، إذ ما تزال التكنولوجيا وسيلة أساسية لتحقيقها، في حين أن الانسان تحوّل إلى محور رئيس بهدف تحقيق سعادته وراحته. فتأتي الحكومة الذكية ومواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها، لبناء جسور وطيدة مع المواطن، والتفاعل بشكل فعّال مع البيانات المنتشرة بفضل مجموعة من الأدوات وأجهزة الاستشعار الذكية التي تواصل تطوّرها يوماً بعد يوم. فلا تسعى الحكومة الذكية لتوفير خدماتها إلكترونياً فحسب، بل أيضاً تستغلّ البنى التحتية الذكية من أجل مواجهة التحديات المختلفة؛ كاستهلاك الطاقة بشكل رشيد، وحل مشكلة زحمة السير، وتوفير خدمات الرعاية الصحية بشكل أفضل وللجميع.
وكأن الحكومة الذكية أشبه بحكومة "عند الطلب"؛ إذ الخدمة متوفرة في أي وقت وعبر كل البوابات الإلكترونية من أجل تحقيق مهامها، ألا وهي خدمة المواطنين والسعي لنمو اقتصاد الدولة وتنمية القطاعات المختلفة، أكانت عامة أم خاصة، وضمان الأمن والاستقرار.
* حكومة مبتكرة
لا شك أن الابتكار ليس مشروعاً واحداً لا يتكرر، أو مجرد أداة إلكترونية، بل هو عملية "تجربة وخطأ" تتطلب تحولاً في التفكير، واتباع نهج منضبط وقيادة قوية. قد يرى البعض أن الابتكار هو اختراع جهاز متميز أو اكتشاف علاج للسرطان أو إرسال بعثة إلى المريخ. إلا أن الابتكار لا يتوقف عند هذا الحد، بل قد يكون ابتكارات يومية نابعة من أفكار صغيرة أو كبيرة أيضاً.
ففي النهاية، يبقى الهدف الأساسي للابتكار إيجاد حلول لمشاكل الناس وإحداث تأثير إيجابي في العالم. ولهذا السبب، اعتنقت الكثير من الحكومات نهج الابتكار ووضعته على سلم أولوياتها، على غرار إعلان العام 2015 عام الابتكار في الإمارات العربية المتحدة، باعتباره محركاً أساسياً للتطور والتغيير وانتقال العالم إلى عصر المواهب من أجل توظيفها في النمو الاقتصادي والاجتماعي.
ومن أجل أن نشهد المزيد من الحكومات المبتكرة، لا بد للحكومات من تحسين وتعزيز ما هو متوفر أصلاً في حياة المواطنين كخدمة أفضل ونفاذ سريع للمعلومات بفضل الخدمات الإلكترونية مثلاً، إضافة إلى اعتماد وتكييف أفكار ناجحة ومبتكرة على نطاق الحكومات، أو حتى تطوير أفكار جديدة من الصفر كخدمات أو أدوات مبتكرة. وعلينا أن لا ننسى أن نجاح أي حكومة مبتكرة لا يعتمد على مكوّناتها وقدرتها على التغيير فحسب، بل استعدادها أيضا لدعم بيئة حاضنة ملائمة تربط بين مختلف أطياف المجتمع؛ أي رواد الأعمال والشركات العملاقة التي تتضافر جهودها مجتمعة من أجل توفير جوّ من الابتكارات التي تعتمدها الحكومات، أكان في مجال الخدمات أم الرعاية الصحية أم الوظائف.
حكومة خضراء
أدركت حكومات العالم مؤخراً، وقبل فوات الأوان، أهمية العمل للحفاظ على البيئة، لاسيما مع المؤشرات المقلقة حول ما ينتظرنا في الأعوام المقبلة. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2015، كتبت 195 دولة التاريخ بتوقيع اتفاق باريس حول تغير المناخ، والذي يتضمّن إجراءات وخطوات واضحة من أجل الحد من انبعاثات الكربون الضارة التي تساهم في تفاقم الاحتباس الحراري. والتزمت كل حكومة بمساهمات خاصة بها على الصعيد الوطني من أجل العمل على مواجهة التغيرات المناخية واعتماد نهج صديق للبيئة.
وقد بدأت رحلة الحكومات نحو الحفاظ على البيئة بإطلاق العديد من المبادرات لاعتماد أبنية خضراء، والتشجيع على إعادة التدوير والاستخدام الرشيد للطاقة ومنتجات صديقة للبيئة، من أجل الحد من انبعاثات غاز الدفيئة. وتتعدد الأمثلة عن الحكومات التي تريد أن تكون صديقة للبيئة في مختلف بقاع العالم، على غرار مبادرة دبي لبناء اقتصاد أخضر تحت شعار "اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة".
فقد أدركت الحكومات أن الحكومات الخضراء التي تعتمد السياسات المناسبة، تساهم في نهضة الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز المنافسة والحفاظ على البيئة للأجيال المقبلة. ولا شك أن أي حكومة خضراء يجب أن تتبع نهجاً ملائماً؛ من قبيل سنّ التشريعات وإبرام الشراكات مع القطاع الخاص وإطلاق حملات التوعية من أجل إحداث تغيير أخضر.
قد تكون هذه بعض مقومات حكومات المستقبل المثالية التي تنهض بمجتمعاتنا وتعزز اقتصاداتنا وتحسّن سياساتنا. إلا أنّ الأكيد هو أن تحقيق أي من هذه المقوّمات لا بد أن يكون مدعوماً بحكومة متعلمة، لأن أي حكومة ذكية أو مبتكرة أو صديقة للبيئة يجب أن تتضمّن مؤسسات "متعلمة" من أجل كسر حاجز الخوف والمفاهيم الإدارية التقليدية ومواكبة التغييرات المستقبلية.