.......... تابع
مقدمة لتقرير لجنة التقسيم "وودهيد" وخلاصة عن التقرير نفسه إلى ماكدونالد
"ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 641 - 659"
الأقلية العربية في الدولة اليهودية:
لقد افترضت اللجنة الملكية ان الوسائل اللازمة ستتخذ لنقل معظم السكان العرب الموجودين في الدولة اليهودية نقلا اجباريا اذا اقتضى الأمر وبموجب مشروع توافق عليه كلتا الدولتين. ولكن سلفكم بين في كتابه المؤرخ في 23 كانون الأول سنة 1937 ان حكومة جلالته لم توافق على اقتراح النقل الاجبارى وقد رأينا نحن انه يستحيل علينا أن نفترض أن مشكلة الأقلية يمكن حلها بنقل السكان نقلا اختياريا وان حراجة الموقف التى يسفر عنها ذلك الأمر هى السبب الاكبر في حملنا على رفض مشروع اللجنة الملكية الذى يكاد يكون بموجبه عدد العرب الذين يقطنون أراضى الدولة اليهودية مساويا لعدد اليهود فيها. غير أنه قد يقال اذا كان من الخطأ من حيث المبدأ وضع نحو من 300.000 عربى ضد ارادتهم تحت سيطرة اليهود السياسية حسب مشروع اللجنة الملكية فكيف يكون صوابا وضع 50.000 عربى على هذه الصورة بمقتضى المشروع (ج)؟ انه لمن الصعوبة بمكان كبير تقدير الناحية الأدبية لهذه المسألة فلو توبع الجدل فيها الى آخر حدود المنطق لقضت هذه الحجة على التقسيم بالمرة اذ يستحيل تخطيط حدود من شأنها ألا تدخل أحدا من العرب في الدولة ولكن مما لا يمكن تصوره أن اللجنة الملكية لدى تحبيذها التقسيم أو أن حكومة جلالته لدى قبولها به كأفضل حل يرجى لهذه المشكلة اعتبرت هذه الحقيقة في نفسها كافية للقضاء على أى مشروع للتقسيم. وشروط اختصاصنا تنطوى في الواقع على أن حكومة جلالته كانت قابلة بادخال عدد من العرب في الدولة اليهودية وعدد من اليهود في الدولة العربية وان كانت تود أن يكون هذا العدد أقل ما يمكن في كلتا الحالتين. ولذلك يلوح انه من المسلم به أن هذه المسألة هى مسألة أخذ ورد أكثرمنها مسألة مبدأ ولذلك اذا نظرنا الى المواقف من هذه الناحية نرى أنه ليس ثمة من داع يبرر لنا رفض المشروع (ج) لكونه يحتم اشتمال الدولة اليهودية على 50.000 نسمة من العرب.
الدفاع:
إن الدولة اليهودية حسب المشروع (ج) على الرغم من صغرها تؤلف مجموعة متراصة يسهل الدفاع عنها كأحسن ما تكون عليه أية دولة يسفر عنها تقسيم فلسطين ولكن السلطات العسكرية قد أقنعتنا بأنه لا يوجد غير نهر الاردن حد يصلح لأن يكون خطا عسكريا مرضيا اذا اخذت أساليب الحروب الحديثة بعين الاعتبار فجل ما يمكن عماله بمقتضى أى مشروع للتقسيم هو تعيين خط يمكن الدفاع عنه عسكريا ضد غارات الأشخاص المسلحين بالبنادق والمدافع الرشاشة ولا يمكن اعتبار الحد
المرسوم في المشروع (ج) صالحا لضمان السلامة الكافية للمناطق المقترحة الا من وجهة النظر هذه. والضمانة الحقيقية الوحيدة لأى جزء مقتطع من فلسطين هى أن يعيش مع الجزء المجاور له بسلام وصداقة وقد كنا في بدء عهدنا بالتحقيق نعلق أملا معقولا على امكان وضع مشروع للتقسيم يؤدى الى هذه النتيجة ولكن الحوادث التى جرت في الأشهر الاخيرة لابد أن يحسب حسابها لدى تقدير العواقب التى يحتمل أن يسفر عنها تنفيذ أى مشروع من مشاريع التقسيم بصورة فعلية.
الادارة:
من البديهيات المسلم بها التى لا تحتاج الى جدل أن المصالح التى يمكن تقسيمها تقسيما تاما كالمعارف مثلا ستقل الفائدة منها بعد التقسيم بالنسبة للأموال التى تنفق عليها كما ان مصالح المواصلات التى تؤمن الاتصال بين المناطق الناتجة عن التقسيم أو داخل تلك المناطق كالسكك الحديدية والبريد والبرق ستكون بمجموعها أقل كفاية وأكثر نفقة من ذى قبل. أما ما يتعلق بالحرية الشخصية للتنقل بين المناطق المختلفة فلا مفر من فرض بعض القيود على الاشخاص الذين يعتبرون الآن فلسطينيى الجنسية حتى ولو عمل بالشروط التى أوصينا بها في الفصل الرابع عشر كما أن مقدار الازعاج والنفقة مما سيتحمله الفرد والدولة في سبيل مراقبة ذلك على أى شكل من الاشكال يكون كبيرا. وأخيرا سيكون قيام الدولتين العربية واليهودية كحاجز بين منطقة القدس الخاصة والمنطقتين الأخيرتين من الأراضى المنتدب عليها مصدرا للصعوبات الادارية ولكن هذه الصعوبات ليست مما لا يمكن تذليله ولا يمكن اعتبارها بحد ذاتها كافية لجعل المشروع (ج ) غير عملى.
المالية:
أما مسألة المالية فهى من المصاعب الرئيسية الكبرى. وقد أدى بنا البحث في الفصل الثامن عشر الى أنه يستحيل انشاء دولة عربية تكون قادرة على سد نفقاتها بذاتها مهما كانت الحدود التى توصى بها . فالتخمين الذى أعده لنا مدير مالية فلسطين ورضينا به بعد أن أدخل عليه بعض التعديلات وهو أقرب شيء يمكن الوصول اليه لتقدير ميزانية كل ادارة من الادارات المختلفة المنصوص عليها في المشروع (ج) يشير الى عجز سنوى في ميزانية الدولة العربية (بما فيها شرق الاردن) يبلغ مقداره 610.000 جنيه تقريبا وعجز سنوى في ميزانية المناطق المنتدب عليها يبلغ مقداره 460.000 جنيه في السنة تقريبا ويشير في الوقت ذاته الى وفر سنوى في ميزانية الدولة اليهودية يبلغ 600.000 جنيه تقريبا باستثناء نفقات الدفاع لكل من تلك المناطق. وقد وجدنا أنه لا يمكن تكليف الدولة اليهودية بتقديم اعانة مباشرة الى الدولة العربية كما أنه ليس من الممكن ولا من الانصاف انشاء دولة عربية تقل ايراداتها عن مصروفاتها بمبلغ كبير كهذا ونستنتج من ذلك انه أريد تنفيذ التقسيم فلا يبقى مناص من تكليف البرلمان بتقديم اعانة للدولة العربية على وجه من الوجوه بحيث تكون تلك الاعانة كافية لتمكين الدولة العربية من موازنة ايراداتها بمصروفاتها.
وبالاضافة الى ذلك تكون حكومة المملكة المتحدة بحكم العرف المتفق عليه مضطرة لمساعدة المناطق المنتدب عليها على موازنة ميزانيتها وسيدخل في تلك
المساعدة مبلغ قدره 175.000 جنيه في السنة تقريبا للانفاق على أعمال التحسين والعمران في المناطق المشار اليها في الفقرة 2888. وهذا يعنى ان التقسيم سيكلف المكلف في المملكة المتحدة نفقة سنوية مقدارها 1.250.000 جنيه فلسطينى على وجه التقريب باستثناء نفقات الدفاع. ومن الجهة الاخرى ستتمكن الدولة اليهودية من توقع وفر في ميزانيتها يقرب من 600.000 جنيه في السنة بقطع النظر عن نفقات الدفاع. ويمكننا أن نقول بصورة عامة أن هذه النتائج سنبقى على هذا الشكل تقريبا بموجب أى مشروع للتقسيم يمكن التفكير فيه.
وغني عن البيان أن مثل هذه الحالة لايمكن للخزينة البريطانية أن ترضى عنها ولكن قبل اصدار القرار في عدم صلاحية التقسيم بالمرة بناء على هذا الاستنتاج يجب أن ينظر في مقدار ما تكلف فلسطين المكلف البريطانى في الاحوال الحاضرة. ان أكثريتنا ترى انه لا يمكن اجراء مقارنة صحيحة بين نفقات التقسيم وبين ما يحتمل أن يكون عليه الوضع المالى في فلسطين دون تقسيمها على فرض أن الأمن قد استرد فيها وان الاحوال رجعت الى مجراها الطبيعى. ومما لا شك فيه أنه من الميسور احلال السلم بفلسطين في يوم واحد بناء على شروط معينة أما اذا كانت تلك الشروط لا تنطوى على احداث انقلاب تام في الكيان المالى والاقتصادى من شأنه أن يستلزم تخفيض المستوى الحالى للخدمات تخفيضا فعالا لموازنة الدخل بالخرج فتلك مسألة أخرى بالمرة. ولذلك لا تصح مقارنة نفقات التقسيم الا بالنفقة التى تدفعها المملكة المتحدة في الاحوال الحاضرة. وتقدر هذه النفقة بما يتراوح بين مليونين ونصف مليون جنيه وبين ثلاتة ملايين جنيه في سنة 1938 وغنى عن البيان أنه على الرغم من استحالة التنبؤ بطول المدة التى ستظل فيه نفقاتنا بهذا المقدار فالاستعاضة عن الوضع الحاضر بمشروع يكلف الخزينة البريطانية دفعات سنوية مستمرة قد تبلغ 1.250.000 جنيه في السنة باستثناء نفقات الدفاع ليس من الضرورى أن يخرج المشروع من نطاق البحث بالمرة لأسباب مالية اذا ظهر أن ذلك المشروع قابل للتطبيق من نواح أخرى. ولكن اذا أجيز دفع المبلغ على أن تفرض الرقابة المالية التى تفرض عادة على كل بلاد تابعة للامبراطورية تنال اعانة مالية منها فلا يمكن اعتبار الدولة العربية دولة مستقلة واننا لم نتمكن من استنباط وسيلة من شأنها أن تذلل هذه الصعوبة لو قدمت الاعانة المذكورة مباشرة كمنحة.
المصالح الاقتصادية:
1 - التعريفات وادارة الجمارك:
لقد تبين لدى البحث في حدود المناطق المقترحة بمقتضى شروط اختصاصنا أن جعل المناطق المنتدب عليها وحدة سياسية منفصلة هو أمر أساسى لأى مشروع لتقسيم يمكننا التوصية به. ولكن جعل تلك المناطق وحدة منفصلة فيما يتعلق بالتعرفة الجمركية سيكون ضربة قاضية على اقتصاديات الدولة اليهودية التى يجب عليها توسيع صناعاتها بغية ايجاد العمل لعدد عديد من المهاجرين الجدد ذلك ان الدولة اليهودية تستطيع أن تأمل تحقيق ذلك دون أن تضمن لمنتجاتها سوقا أوسع من السوق التى يؤلفها سكان تلك الدولة وحدهم كما أن بقاء الدولة العربية من الناحية الاقتصادية يتوقف على ايجاد سوق خارج أراضيها لتصريف ما تستطيع تصديره من الحاصلات الزراعية التى تنتج منها كمية كبيرة تفيض عن حاجاتها وخاصة
القمح. فنستنتج من ذلك أنه لابد من وجود نوع من الاتفاق الجمركى ما بين المناطق المنتدب عليها وكل من تينك الدولتين. وانه لا يفى في الحقيقة بحاجات الدولة اليهودية والمناطق المنتدب عليها الا اتحاد جمركى تام وتجارة حرة متحدة في التعرفة في حين أن وجود ما يماثل هذه الترتيبات بين الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها يعتبر أمرا مرغوبا فيه كثيرا ولو لم يكن أساسيا. ان مقتضيات الدولتين العربية واليهودية قد تختلف والحق يقال اختلافا جوهريا من حيث التعرفة اذ يحتمل أن تفضل الدولة العربية التى أغلب سكانها من المزارعين فرض تعرفة متوسطة من أجل الايرادات مع حماية حبوبها وحاصلاتها الزراعية الاخرى الى درجة لا تقل عن درجة الحماية الحالية في حين أن اليهود يحتمل أن يأخذوا بسياسة التعرفات المرتفعة لحماية صناعاتهم وأن يعملوا على حفظ سعر القمح أو بالاحرى سعر الحاصلات الزراعية على وجه العموم في أدنى درجة ممكنة ولكننا على الرغم من ذلك نعتقد أن بين الدولتين والمناطق المنتدب عليها من الأسس المشتركة ما يكفى لتوحيد التعرفة وان حاجة كلتا الدولتين الى اتخاذ تعرفة موحدة هى حاجة ماسة الى الدرجة القصوى اذ أنه دون هذه التعرفة الموحدة لا يمكن تأمين البقاء الاقتصادى لاحداهما أو التوسع الصناعي للاخرى بمقتضى المشروع (ج).
ثم أنه يبدو لنا أن انشاء اتحاد جمركى من شأنه أن يتيح الفرصة لتخفيف العبء المالى الذى سيلقى على عاتق حكومة جلالته بسبب التقسيم ولو كان ذلك التخفيف جزئيا ونرى أن ايجاد سوق مضمونه لليهود في سائر أنحاء فلسطين يبرر دفعهم مقابل ذلك اعانة خاصة للايرادات تقيد لحساب الدولة العربية مما يخفف العبء الذى تضعه هذه الدولة على عاتق المكلف البريطانى وقد وجدنا أنه اذا طبقت القاعدة التى وضعناها في الفصل الحادى والعشرين واستعملت الارقام التخمينية للميزانية التى قدمها لنا مدير المالية وأوردناها في الفصل الثامن عشر فينتظر أن ينقص هذا الترتيب صافي الكلفة التى يتحملها المكلف البريطانى نحو 175.000 جنيه في السنة الأولى أى أنه ينقصها من 1.250.000 جنيه الى نحو 1.075.00 جنيه وهذه الزيادة في موارد الدولة العربية يرجع بعضها الى المناطق المنتدب عليها التى سيزداد العجز في ميزانيتها من جراء ذلك بمبلغ يربو على 100.000 جنيه (وهذا العجز ستغطيه الخزينة البريطانية) ولكن يرجع القسم الاكبر منه الى الدولة اليهودية التي سيبقى في ميزانيتها مع ذلك وفر يبلغ نحو 400.000 جنيه بقطع النظر عن نفقات الدفاع.
ويستحسن وضع الدولة العربية المالى بهذا المقدار أيضا غير أن ميزانيتها سيظل فيها عجز بمقدار 334.000 جنيه والطريقة الوحيدة التى نستطيع اقتراحها لتغطية هذا العجز هى اعادة توزيع حصة الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها المشتركة من واردات الجمارك توزيعا تحكميا بحيث يغطى العجز على حساب مناطق الانتداب وهذا يعنى بالطبع زيادة الاعانة التى ستقدمها المملكة المتحدة الى المناطق الواقعة تحت الانتداب بهذا المقدار غير أن القاعدة التى اقترحناها في الفصل الحادى والعشرين (المادة ب - الفقرة 473) تنص على امكان اجراء تخفيضات تدريجية في هذا العبء الاضافى الذى سيقع على عاتق الخزينة البريطانية اذا ازداد الوفر الصافى في ايرادات الاتحاد الجمركى.
وتنص القاعدة نفسها أيضا على امكان نيل الدولة العربيه بعض النصيب من أية زيادة في ايرادات الجمارك تنشأ عن توسع التجارة وازدياد الرخاء في باقي فلسطين ومن رأينا أن احدى الحجج الرئيسية التى يمكن أن يدلى بها ضد التقسيم ان كل مشروع من مشروعات التقسيم يبنى على أساس ادخال أصغر عدد ممكن من اليهود والمشروعات اليهودية في المملكة العربية والعكس بالعكس وعلى ايجاد منطقة القدس الخاصة وممرها يحتم ترك القسم الأعظم من الثروة التى يملكها العرب في فلسطين خارج الدولة العربية وبذلك تحرم بصورة خاصة من الموارد الطبيعية والممتلكات المصطنعة والثروة الموروثة ويحتمل أن تظل بلادا فقيرة كل الفقر ويصبح تأخرها النسبى بروزا اذا أسفرت مشروعات التحسين والعمران المقترحة في المشروع (ج) عن تحسن كبير في أحوال العرب المادية في المناطق المنتدب عليها. ولذلك فانه يرحب بأى ترتيب ينطوى على ادخال بعض الزيادات في ايرادات تلك الدولة بحيث لا تكون تلك الزيادة على شكل مساعدة من دولة أجنبية مع ما تتطلبه تلك المساعدة من الاشراف المالى ويلوح ان الحاجة لن تتطلب الاشراف المالى بموجب هذا الترتيب اذ أن حسابات الدولة العربية ستسوى نفسها بنفسها بموجب القاعدة (ب) المبسوطة في الفصل الحادى والعشرين ولذلك يبدو لنا أن مثل هذا الترتيب يساير شوطا بعيدا في تذليل الصعوبات المالية الملازمة للتقسيم ويهيىء في الوقت نفسه الاستقرار الاقتصادى اللازم لكلتا الدولتين العربية واليهودية.
غير أننا لاسباب دستورية وجدنا نفسنا لسوء الحظ عاجزين عن التوصية بانشاء اتحاد جمركى الا على شروط تضمن الغلبة لرغبات الدولة المنتدبة في وضع سياسة التعرفة وحيث ان هذا يتعارض مع منح الاستقلال المالى للدولتين العربية واليهودية فقد اضطررنا الى التخلى عن فكرة انشاء اتحاد جمركى بين دولتين مستقلتين كحل للمشاكل المالية والاقتصادية الناشئة عن التقسيم.
2 - التأثير الذى قد تحدثه سياسة الهجرة التى تتبعها الدولة اليهودية في أنحاء فلسطين الاخرى:
ان هذه الناحية من نواحى المشروع (ج) التى نرى من الضرورى لفت الانظار اليها بوجه خاص لما يترتب عليها من نتائج اقتصادية ومالية. ان من الصعوبة بمكان عظيم أن يتنبأ الانسان بالمستقبل الاقتصادى للدولة اليهودية لان ذلك المستقبل سيتوقف على مزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية والعنصرية والعاطفية. وقد سلم الشهود اليهود بأن الدولة اليهودية يجب عليها أن تتوقع المصاعب واجتياز فترات من الضيق اذا اتبعت سياسة فعالة للهجرة ولكننا نرى أنهم كانوا يميلون الى الانقاص من شدة التقلبات الاقتصادية التى يحتمل أن تتعرض لها الدولة اليهودية حين تأخذ على عاتقها كدولة مستقلة جميع المسئولية المتعلقة بالهحرة وقد أكد لنا هؤلاء الشهود أنفسهم مدفوعين برغبتهم الشديدة في ايضاح سياسة الدولة اليهودية المستقبلة بهذا الشأن أن عدد العمال المهاجرين الذين يسمح بدخولهم في أى وقت معين لا بد من تقديره على أساس العدد الذى ينتظر ايجاد عمل له والموارد المتيسرة للانفاق على هذا العمل. ونحن لا نشك في أن تلك اللحظة هى ما ينوى الزعماء انتهاجه ولكن يساورنا كثير الشك في مقدرتهم على المحافظة على هذه القاعدة
الصارمة ازاء الضغط الشديد الذى يوجه الى الدولة الحديثة لقبول مئات الالوف من اليهود المضطهدين الذين سيطلبون ملجأ في الدولة اليهودية كحق من حقوقهم القومية.
ومما لا شك فيه انه حالما تنشأ الدولة اليهودية تصبح المسئولية كلها في هذه الامور ملقاة على عاتق اليهود وان من مغريات التقسيم الخاصة في الواقع أن يتولى اليهود أنفسهم منذ ذلك الحين معالجة هذا الموضوع المتنازع فيه مع ما هوعليه من الاهمية العظمى. وهذه الحجة تنطوى على الافتراض بأن الدولة اليهودية هى وحدها التى ستتعرض للمخاطر المتصلة باتباع سياسة فعالة للهجرة كما أنها هى وحدها التى ستجنى فوائدها غير أنه ليس من المحقق أن يثبت الاختبار صحة هذا الافتراض مهما كانت الظروف التى ستقام فيها الدولة اليهودية. ثم انه اذا نفذ المشروع (ج) الذى يتحتم معه عقد اتحاد جمركى بين المناطق الثلاث مع كل ما يشتمل عليه ذلك من العلاقات المالية والاقتصادية فمن المؤكد أن حكومتى الدولة العربية والمناطق المنتدب عليها لا يسعهما أن تنظرا دون مبالاة الى حدوث انهيار اقتصادى في الدولة اليهودية فاذا وقع شيء من ذلك فلا مفر من أن ينال النظام الاقتصادى والميزانية في تينك المنطقتين ضرر فادح مما يجره ذلك الانهيار من العواقب.
فالحالة اذن كما يلى: اذا أنشئت دولة يهودية واضطلعت تلك الدولة بالمسئوليات المطلقة بشأن سياسة الهجرة. . فلا بد في رأينا من التسليم باحتمال حدوث ضائقة اقتصادية فائقة الخطورة. وقد قال أولئك الشهود اليهود أنفسهم في معرض الجدل ان الضائقات اذا حدثت لا تدوم الى الابد وان من المعقول توقع استرداد الدولة اليهودية رخاءها في النهاية كما حدت في بلاد أخرى ومما لا ريب فيه على كل حال ان الطائفة اليهودية ترى ان كفة الفوائد ترجح على كفة المخاطر مهما عظمت أما حكومة جلالته فالمسألة التى تعنيها في هذه القضية هي هذه هل تكون الاخطار التى تصيب السكان العرب وحكومة المناطق المنتدب عليها من وراء ذلك الحكومة البريطانية من جراء التقسيم بالغة الى درجة تجعل الشروع في التقسيم أمرا غير حكيم؟ وجواب ذلك فيما يتعلق بالعرب هو أنه اذا كان من المحتمل أن يتعرضوا لضرر من جراء حدوث ضائقة من الدولة اليهودية فانهم سينتفعون أيضا حين تكون تلك الدولة في رخاء وفي الواقع أن هذا الامر هو من أركان القاعدة التى افترضناها في الفصل الحادى والعشرين.
ثم انه اذا رؤي ان ميل الدولة اليهودية الاقتصادى قد يكون متجها في طريق يؤدى الى زيادة الثروة والرخاء على مرور الزمن فمن المحتمل أن يؤدى اتصال العرب الاقتصادى بالدولة اليهودية في نهاية الأمر الى نفعهم أكثر من ضررهم وتنطبق الحجة نفسها الى حد كبير على حكومة المناطق المنتدب عليها وعلى الحكومة البريطانية اذ إنهما كلتيهما لا تستطيعان أن تتوقعا التمتع بالفوائد التى تأتى بها القواعد المقترحة دون ان تكونا مستعدتين لقبول ما يلازمها من الاخطار. ولكن الخطر لا يتوقف بالكلية على قبول هذه القواعد ولو أن عواقبه ستكون أبلغ اذا قبلت تلك القواعد. فالخطر في رأينا ملازم للتقسيم مهما كان شكله وتختلف درجته باختلاف الشكل الذى يتخذه - وعلى حكومة جلالته قبل اتخاذ قرار في كون المشروع (ج) أو أي مشروع آخر للتقسيم عمليا أن تسائل نفسها عما اذا كانت مستعدة للدخول في ترتيب يحتمل بمقتضاه أن تتضرر النظم الاقتصادية والمالية للجماعتين التى تتحمل مسئولية مالية تامة تجاه
مشروع التقسيم الذي
قدمته لجنة ووهيد
سنة 1938
(*) من كتاب "وثائق القضية الفلسطينية" اصدار جامعة الدول العربية
يتبع .......