لماذا نتزوج ؟!
اتحدت عقود القران لكن الزيجات اختلفت وتنوعت لينظر كل منا في مرآته: هل زواجه سياسي أم مهني أم «زواج أبيض»ما هي أنواع الزيجات، وما هي أهدافها؟ لقد اتحدت وتماثلت عقود القران لكن الزيجات تنوعت.
فما هو السر؟ هذا السؤال قد لا يعني العازبين أو المتبتلين أو الذين فضلوا الهروب من بهيمية الزواج.
يحتاج الجواب عن هذا السؤال القصير لألف كلمة أو أكثر، وقد يجد البعض نفسه عاجزا عن الإجابة عليه.
والزواج في أصله حالة اجتماعية بدأت مع نشوء البشرية، وهي، إلى يومنا هذا، العامل الأساس في استمرار حياة الإنسان.
لكن لماذا نتزوج؟ لا شك أن وراء كل زواج قصة وأحلام ومشروع.
حصر العالم الاجتماعي الموريتاني محمد فال الزيجات في عينات أولها «الزواج السياسي» وتكون دوافعه سياسية محضة ويلجأ إليه الملوك عادة لأهداف استراتيجية، والهدف من هذا الزواج هو التأسيس لاستمرارية السلطة والنفوذ.
ومن هذه الزيجات، يضيف فال، ما يسمى «الزواج المهني ويلجأ إليه الموظفون من القطاع العام أو الخاص، ليضمنوا مسارهم المهني ومستقبلهم الوظيفي، كأن يتزوج أحدهم بنت المدير العام أو ابنة عمة الوزير فيتخذ بذلك آصرة عند أهل القطاع إن لم تضمن له التقدم وأنواع الامتيازات، فإنها ستصونه على الأقل من أن يظلم أو يستضعف، وكم من موظف بارد شفع فيه أصهاره إلى أهل النفوذ أو النقود فستر ذلك على عجره فاستحالت سيئاته حسنات وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».
لكن الطريف أن صاحب النفوذ إذا فقد نفوذه، طلقت قريبته طلاقا بائنا وألقي لها الحبل على الغارب، وكانت في تلك المصيبة فائدة لبنت «البطرون» الجديد إن كانت خلوا غير متزوجة وإلا فلأختها، «مصائب قوم عند قوم فوائد»، كما يقول المتنبي.
ومن الزيجات التي صنفها فال ما سماه بـ«الزواج الأبيض، وهو عبارة عن زواج صوري يتذرع به المهاجرون إلى الدول الأوروبية ليحصلوا به طبقا لتشريعاتها، على بعض الامتيازات كحق الإقامة والعمل وحتى حق الجنسية، ولقد دأبت تلك الدول على معاملة هذا النوع من المتزوجين بنقيض مقصودهم فأرجعوهم إلى أهلهم خائبين. وشبيه بهذا النوع ما روجه بعض أهل الأخبار من زواج جعفر بن يحيا البرمكي من العباسة بنت المهدي ليتسنى له رؤيتها في مجلس أخيها الخليفة هارون الرشيد، ورغم أن قبيلة من عرب بادية العراق رأستهم أسرة آل امهنا في القرن السابع كانت تدّعي أنها من ثمرة ذلك الزواج ، فإن ابن خلدون طعن في صحة هذه القصة من أصلها».
ومن الزيجات ما يسمى بـ «الزواج السري» وهو الزواج الذي يقيمه الرجال مع القواعد من النساء، وهذا النوع من الزواج يفضله الرجال المصابون بالشبق الجنسي، ويتبناه أيضا رجال ليسوا على ثقة من المقدرة على القيام ببعض مسؤولياتهم الزوجية، وكذلك الرجال الذين لا يجدون طولا لمجابهة المصاريف الباهظة المترتبة عادة على الزواج «القانوني»، ومنهم من يلجأ إليه تفاديا لسخط زوجة له جهرية بحكم أن الموريتانيات «البيضانيات» لا يرضين بوجود ضرة مهما كانت.
ومن أصناف الزواج، «طالب الحلال» أو « طالبة الحلال» وضابط هذا النوع أن صاحبه أو صاحبته لا تشترط وفرا ماليا في قرينه ولا زائد جمال وإنما يشترط فيه أن يكون ذا دين وأهبة أو ذات دين وأهبة، لا غير، وأما زخارف الدنيا الأخرى فهم عنها في غنى ولا حاجة لهم فيها.
ويحذر حكماء الصحراء الكبرى الشباب من الزواج بالمرأة المسنة وبخاصة الثيب التي كدرتها الدلاء، لأن المتزوج بها قد لا يجب مطلوبه منها، ولأن طلاقها صعب والتخلص منها يستلزم مجهودات مضنية.
ويستأنس حكماء الصحراء في هذا التحذير، بحديث جابر بن عبد الله قال: «قال لي النبي صل الله عليه وسلم : تزوجت؟ قلت: نعم ، قال بكرا أم ثيبا؟ قلت: بل ثيبا، قال أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ قلت: إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن؛ قال أما إنك قادم فإذا قدمت فالكيس الكيس».
ومن الزيجات التي صنفها فال، «زواج خضراء الدمن» وقد ورد في الأثر تشبيهها بالمرأة الحسناء في منبت السوء، وكيفية الأمر أن يرى الرجل من أهل الطول امرأة حسناء زينتها المساحيق والدهانات، فيخطبها إلى نفسها وأهلها دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن سوابقها الأخلاقية وعن ما تحت جمالها البراق، فيعقد عليها في حفل من أحسن ما سجلته حوليات المخنثين، فيمكث معها الشهر والشهرين يجمع فيهما بين الخل والعسل، ثم لا يلبث أن تفاجئه منها الأوابد والمشاكل فيتخلص من تلك القيود بما ملكت يمينه فارا بنفسه عن زوجة خادعة ببرقعها الظاهر الذي يخفي وحشا كاسرا، فيلزمه بعد ذلك الفرار منها وهو ينشد قول الأعرابي:
ذهبت إلى الشيطان أخطب بنته
فأوقعها من شقوتي في حباليا
فأنقذني منها حمــاري وجبتي
جزى الله عنى جــبتي وحماريا
هكذا تتراءى الزيجات وتتضح خلفياتها وأهدافها، وهي غريبة كلها منذ القدم، وخاصة في عصرنا الحاضر الذي اختلطت فيه الرغبات وتنوعت فيه الأهداف وشذت فيه المسلكيات.