| السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر الجمعة 02 ديسمبر 2016, 9:27 pm | |
| السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر
رياض، عبدالمنعم السادات، محمد أنور (الرئيس) سليمان، عمر محمود طنطاوي، محمد حسين عامر، عبدالحكيم عبدالناصر، جمال (الرئيس) مبارك، محمد حسني (الرئيس) محيي الدين، زكريا
زكريا محيى الدين[1] ( 1918 ـ ) سياسي مصري، وضابط، ورئيس وزراء ونائب رئيس الجمهورية
هو زكريا عبدالمجيد محيى الدين، ولد في 7 مايو 1918م، في كفر شكر بمحافظة القليوبية، لأسرة معروفة. تلقى دراسته في مدرسة أولية بالقرية، ثم بمدرسة العباسية الابتدائية، ومدرسة فؤاد الأول الثانوية. التحق بالكلية الحربية في 6 أكتوبر 1936، وتخرج فيها في 6 فبراير 1938، برتبة ملازم ثاني، وعمل في سلاح الإشارة في منقباد بصعيد مصر،التحق بكتيبة بنادق المشاة بالإسكندرية، ثم انتقل إلى منقباد سنة 1939، حيث التقى جمال عبدالناصر، ثم سافر إلى السودان سنة 1940، حيث عمل مع جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر.
تخرج في كلية أركان حرب عام 1948، واشترك في حرب فلسطين عام 1948، فأبلى بلاءً حسناً في المجدل وعراق وسويدان والفالوجا ودير سنيد وبيت جبريل. كلف بمهام الاتصال بالقوة المحاصرة بالفالوجا مع المرحوم صلاح سالم. عاد إلى القاهرة بعد انتهاء حرب فلسطين ليعمل مدرساً بالكلية الحربية ومدرسة المشاة، ثم في كلية أركان حرب، حتى قيام ثورة 23 يوليه 1952.
انضم إلى تنظيم الضباط الأحرار ضمن خلية جمال عبدالناصر. ووضع خطة التحرك ليلة 23 يوليه 1952، حيث كان يرأس عمليات الضباط الأحرار، وكان المشرف العام على تحركات الوحدات في تلك الليلة. وقاد عملية محاصرة القصور الملكية في الإسكندرية فكان رئيس عمليات القوات التي تحركت إلى الإسكندرية لعزل الملك فاروق.
بعد ثورة 23 يوليه اشترك في تأسيس جهاز المخابرات العامة المصرية، ثم عين مديراً له، كما كان ضمن أعضاء مجلس قيادة الثورة. عُين وزيراً للداخلية عام 1953. وفي 26 مارس 1960، عين رئيس اللجنة العليا للسد العالي. أُختير زكريا محيى الدين رئيساً لمكتب الادعاء في محكمة الثورة.
في 18 أكتوبر 1961، عين نائباً لرئيس الجمهورية، بالإضافة لمنصبه كوزيرٍ للداخلية. إلى 27 سبتمبر 1962 حيث ترك منصب وزارة الداخلية وعين عضواً في مجلس الرئاسة بالإضافة لمنصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وقد خلفه اللواء سيد فهمي وزيراً للداخلية. وفي 11 أبريل 1964، عُين رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات.
عُين رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية في 1 أكتوبر 1965، واستمرت وزارته حتى 10 سبتمبر 1966، حيث قَبِلَ الرئيس جمال عبدالناصر استقالته من رئاسة الوزارة. وخلال فترة رئاسته للوزارة، نفذ محيى الدين سياسة انكماشية اقتنع بحاجة تلك المرحلة إليها.
وفي 19 يونيه 1967، عين نائباً لرئيس الوزراء في وزارة الرئيس جمال عبدالناصر، بالإضافة لمناصبه الأخرى، كرئيسٍ للجنة السد العالي، وعضوٍ بلجنة الدفاع الوطني، ورئيسٍ لمجلس الدفاع، وعضوٍ اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي العربي، وتولى الإشراف على قطاع الزراعة والشباب وأمانة لجنة الاتحاد الاشتراكي لمحافظة القاهرة، كما عُين رئيساً للجنة العليا لأموال أسرة محمد علي المصادرة، وقائداً للمقاومة الشعبية.
وكان الرئيس جمال عبدالناصر قد رشح زكريا محيى الدين لرئاسة الجمهورية، خلفاً له بعد تنحيته عن الرياسة في 9 يونيه 1967، في أعقاب حرب 5 يونيه 1967، وفقاً للمادة 110 من الدستور، ورفض زكريا محيى الدين هذا المنصب، في بيان ألقاه في 10 يونيه 1967. وتمسك زكريا محيى الدين بعودة جمال عبدالناصر للحكم. قدم استقالته، وأعلن اعتزاله الحياة السياسية عام 1968.
شهد زكريا محيى الدين، مؤتمر باندونج وجميع مؤتمرات القمة العربية والأفريقية ودول عدم الانحياز. ورأس وفد الجمهورية العربية المتحدة في مؤتمر رؤساء الحكومات العربية في يناير ومايو 1965. وفي أبريل 1965، رأس وفد الجمهورية العربية المتحدة في الاحتفال بذكرى مرور عشر سنوات على المؤتمر الأسيوي ـ الأفريقي الأول.
عرف عن زكريا محيى الدين لدى الرأي العام المصري بالقبضة القوية والصارمة، إذ لم يعرف عنه ما يشين سلوكه الشخصي أو السياسي، لم يكن وجهاً محبوباً لدى الجماهير، بسبب ما أنيط به خلال سنين الثورة من مهام حفظ الأمن ودعم أجهزته وتنفيذ السياسات الانكماشية، وما روج له منافسوه في السلطة من نزوعه إلى السياسة الاقتصادية الليبرالية.
حاصل على 18 وساماً وقلادة. وكان رئيس رابطة الصداقة العربية ـ اليونانية.
[1] الموسوعة القومية للشخصيات المصرية البارزة، الهيئة العامة للاستعلامات، 1992، ص372 ـ موسوعة السياسة، ج3، ص42 ـ موسوعة أعلام مصر في القرن العشرين، ص224.
عبدالحكيم عامر[1] (1919 ـ 1967) عسكري مصري من الضباط الأحرار، وعضو مجلس قيادة ثورة يوليه 1952. والقائد العام للقوات المسلحة، والنائب الأول لرئيس الجمهورية
محمد عبدالحكيم علي عامر، ولد في قرية (أسطال)، في محافظة المنيا، (إحدى محافظات مصر). حصل على الثانوية العامة، من مدرسة المنيا الثانوية عام 1935. تخرج في الكلية الحربية عام 1938، وكلية أركان الحرب عام 1948. واشترك في حرب فلسطين عام 1948، وأصيب في الميدان. عمل في السودان، وهناك التقى جمال عبدالناصر سنة 1941، وعاد إلى مصر ونقل إلى مركز التدريب بمنقباد. وكان عضو اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار.
بعد ثورة 23 يوليه، أصبح قائداً عاماً للقوات المسلحة برتبة لواء في يوليه 1953. وفي 9 ديسمبر 1954، عُين عبدالحكيم عامر وزيراً للحربية، مع احتفاظه بمنصبه في القيادة العامة للقوات المسلحة. زار الاتحاد السوفيتي في نوفمبر 1957، للاتفاق على مد مصر بالمصانع. رقي إلى رتبة فريق في يناير 1958.
وعلى أثر قيام الجمهورية العربية المتحدة، عين قائداً عاماً للقوات المسلحة، ومنح رتبة مشير في 23 فبراير 1958،
وفي 6 مارس 1958، عين نائباً لرئيس الجمهورية ووزيراً للحربية، واستمر في منصبه حتى 7 أكتوبر 1958، في وزارة الرئيس جمال عبدالناصر الأولى، في عهد الوحدة بين مصر وسورية.
وفي 7 أكتوبر 1958، عُين المشير عبدالحكيم عامر، نائباً لرئيس الجمهورية، ووزيراً للحربية، وقائداً عاماً للقوات المسلحة في الجمهورية العربية المتحدة، في وزارة جمال عبدالناصر الثانية في عهد الوحدة، واستمر في منصبه إلى 16 أغسطس 1961، وخلال هذه الفترة تم تشكيل لجنة عليا للسد العالي، ترأسها المشير عبدالحكيم عامر. وفي 15 أبريل 1961، صدر قرار بتعيينه رئيساً للمجلس الأعلى للمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي.
وفي 16 أغسطس 1961، عُين المشير عبدالحكيم عامر نائباً لرئيس الجمهورية، ووزيراً للحربية، واستمر في منصبه إلى 18 أكتوبر 1961. وفي خلال هذه الفترة، تم الانفصال بين مصر وسورية، في يوم 28 سبتمبر 1961، في الوقت الذي كان فيه المشير عبدالحكيم عامر موجود في سورية.
وفي 18 أكتوبر 1961 عُين نائباً لرئيس الوزراء ووزير الحربية، في أول وزارة تشكل في مصر بعد الانفصال، برئاسة جمال عبدالناصر، واستمر عبدالحكيم عامر في منصبه إلى 29 سبتمبر 1962. وفي خلال هذه الفترة، اُختير عضواً في اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي، في 24 يناير 1962. وعُين عضو مجلس الرئاسة في 28 سبتمبر 1962، بالإضافة إلى منصبه.
وفي 29 سبتمبر 1962، أسند منصب وزير الحربية للمهندس عبدالوهاب البشرى، حتى الأول من أكتوبر 1965، في الوزارة التي كان يرأسها علي صبري، واحتفظ عبدالحكيم عامر بمنصبي القائد العام للقوات المسلحة، ونائب رئيس الجمهورية. وكان عبدالحكيم عامر يمارس سلطاته على القوات المسلحة، بأجهزتها وأفرعها وتشكيلاتها المختلفة، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، في حين انحصرت صلاحيات المهندس عبدالوهاب البشري في الإشراف على مؤسسة المصانع الحربية، التابعة للهيئة المصرية العامة لمصانع الطائرات، التابعة لوزارة الحربية. وفي 30 سبتمبر 1962، اعترفت مصر بثورة اليمن، التي قامت في 26 سبتمبر 1962، وبناءاً على طلب مجلس قيادة الثورة اليمنية، قامت مصر بإرسال قواتها إلى اليمن، لتحقيق استقرار الأمور والأوضاع، ووصلت أول هذه القوات إلى ميناء الحُدَيّدَة اليمني في 15 أكتوبر 1962، وتطور دور وحجم هذه القوات المصرية في اليمن منذ ذلك التاريخ، تحت إشراف المشير عبدالحكيم عامر، وقد زار اليمن في أبريل 1963، للإشراف على القوات المصرية هناك.
صدر قرار جمهوري في 25 مارس 1964، بتعين المشير عبدالحكيم عامر في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، والقائد العام للقوات المسلحة. واستمر المهندس عبدالوهاب البشري وزيراً للحربية من 1 أكتوبر 1965 إلى 10 سبتمبر 1966، في الوزارة التي رأسها زكريا محيى الدين، واستمر عبدالحكيم عامر في مناصبه. وفي 11 مايو 1966، تولى رئاسة اللجنة العليا لتصفية الإقطاع، التي ترأس أول اجتماع لها يوم 20 مايو 1966. وفي 10 سبتمبر1966، عُين شمس بدران، وزيراً للحربية حتى 19 يونيه 1967، في الوزارة التي ترأسها محمد صدقي سليمان، وعُين عبدالحكيم عامر في منصب نائب رئيس الجمهورية، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وفي 9 أكتوبر 1966،عهد إلى شمس بدران معاونة نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في ممارسة اختصاصاته وسلطاته ويكون مسؤولاً أمامه، عما يفوضه فيه من شؤون القوات المسلحة، من الناحيتين الإدارية والعسكرية، كما منح رئيس الجمهورية، شمس بدران وزير الحربية، بعض اختصاصاته في 2 نوفمبر 1966، وبذلك أصبح لوزير الحربية دور أساسي في إدارة شؤون القوات المسلحة، بعد ما كان عبدالحكيم عامر يمارس سلطاته على القوات المسلحة، بأجهزتها وأفرعها وتشكيلاتها المختلفة، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، في حين كانت سلطات وصلاحيات وزير الحربية في السابق قد انحصرت في الإشراف على مؤسسة المصانع الحربية، التابعة للهيئة المصرية العامة لمصانع الطائرات، التابعة لوزارة الحربية. وفي 28 نوفمبر 1966، اُختير عضواً في اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي في 28 نوفمبر 1966.
وفي 4 نوفمبر 1966، تم توقيع اتفاق الدفاع المشترك بين مصر وسورية. وشنت إسرائيل غارة جوية على مطارات دمشق في أبريل 1967، ووصل مندوبان من المخابرات السورية، لإبلاغ الرئيس جمال عبدالناصر، بقيام إسرائيل بحشد قوات على الحدود السورية، وصدر قرار الرئيس جمال عبدالناصر يوم 14 مايو 1967، بإرسال حشود مصرية إلى سيناء، بهدف الضغط على إسرائيل حتى تُحَوّل حشودها من الجبهة الشمالية إلى الجنوبية، وفي 17 مايو 1967، تم إغلاق مضايق تيران وصنافير، في وجه الملاحة الإسرائيلية، ثم تطورت الأمور بعد ذلك إلى حرب يونيه 1967.
في فترة قيادة عبدالحكيم عامر العسكرية، وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وانفصلت سورية عن مصر عام 1961. ووقعت أحداث اليمن عام 1962، حتى عام 1967. وحرب يونيه 1967 ضد إسرائيل.
تزوج عبدالحكيم عامر من الفنانة برلنتي عبدالحميد، وأنجب منها طفلاً في أبريل 1967. وألفت عنه كتاباً بعنوان (المشير وأنا) عام 1993. ولم يكن ذلك الزواج هو الزواج الأول لعبدالحكيم عامر.
تنحى عبدالحكيم عامر عن جميع مناصبه، بعد هزيمة يونيه 1967. واُتهم بالتآمر مع بعض أعوانه من العسكريين، للقيام بانقلاب عسكري والاستيلاء على السلطة، وأُعلن أنه مات منتحراً في 14 سبتمبر 1967، ودفن في قريته "أسطال".
[1] موسوعة أعلام مصر، ص 292. موسوعة السياسة، ج 3، ص 809 ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب، مركز الوثائق وتاريخ مصر المعاصر، الوزارات المصرية، ج2، ج3.
عبدالمنعم رياض[1] (1919 ـ 1969م) قائد عسكري مصري، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية.
ولد عبدالمنعم محمد رياض في 22 أكتوبر 1919، في قرية "سبرباي"، إحدى ضواحي مدينة طنطا. وكان والده ضابطاً، هو القائمقام (عقيد) محمد رياض عبدالله، اشتهر عنه الانضباط والأصالة العسكرية. وعلى هذا النهج كان والده يعامل الجميع، حينما كان قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية، فتخرج على يديه رجال تبوأوا المناصب القيادية، واتخذ عبدالمنعم رياض والده مثلاً أعلى، وقدوة له.
حصل عبدالمنعم رياض على شهادة الثانوية في القاهرة عام 1936، بمجموع كبير، أهله لدخول كلية الطب، وتحت ضغط أسرته التحق بكلية الطب، لمدة عامين وبرز فيها، إلا أنه كان يهفوا ليكون مثل أبيه، فأصر على ذلك، والتحق بالكلية الحربية، وتخرج فيها في 11 فبراير سنة 1938. برتبة ملازم ثاني.
عُين بعد تخرجه بإحدى بطاريات[2] المدفعية المضادة للطائرات. واشترك في الحرب العالمية الثانية، مع سرايا المدفعية المصرية التي كلفت بالدفاع الجوي ضد الطائرات الإيطالية والألمانية، في الإسكندرية والسلوم والصحراء الغربية، خلال عامي 1941 و1942.
وكان شديد الاعتزاز بنفسه، لا يقبل الإهانة من أحد، مهما علا مركزه، وفي الوقت نفسه، كان جم التواضع، سريع الألفة مع الناس، مهما قلت مراتبهم.
وفي 23 ديسمبر 1944، نال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية، وكان ترتيبه الأول في التخرج. وفيما بين (19 سبتمبر 1945 ـ 20 من فبراير 1946)، أتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات، في مدرسة المدفعية المضادة للطائرات البريطانية، وبمدرسة المدفعية، في المملكة المتحدة، ونال تقدير الامتياز.
كان عبدالمنعم رياض توَاقاً إلى العلم شغوفاً بالمعرفة، يجيد اللغة الإنجليزية. وقد درس اللغة الفرنسية عام 1952، فأجادها. ثم اللغة الألمانية خلال عام 1953، فاللغة الروسية عام 1954. كما انتسب لكلية التجارة وهو برتبة الفريق، لإيمانه بأن (الإستراتيجية هي الاقتصاد).
عمل خلال عامي 1947 و1948، في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين. وقد أظهر مقدرة عسكرية جيدة، فمُنِحَ وسام الجدارة الذهبي، في فبراير 1949، تقديراً لجهوده. وهو برتبة مقدم، تولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات، في 1 مايو 1951. وعين في 1 مايو 1953، قائداً للواء الأول المضاد للطائرات في الإسكندرية. وفي أول يوليه 1954، عُيِّنَ قائداً للدفاع المضاد للطائرات، في قيادة سلاح المدفعية، وظل في هذا المنصب إلى أن أُوفِدَ، في 9 أبريل 1958، إلى الاتحاد السوفيتي لإتمام دورة تكتيكية تعبوية في الأكاديمية العسكرية العليا في فرونزز، وقد أتمها في 31 يناير 1959، وحصل على تقدير الامتياز، وقد لقب هناك "بالجنرال الذهبي[3].
بعد عودته شغل منصب رئيس أركان سلاح المدفعية، عام 1960، ثم نائب رئيس شعبة العمليات، برئاسة أركان حرب القوات المسلحة، عام 1961. وانتُدِبَ للعمل في القوات الجوية، في 27 يوليه 1962، وأُسند إليه منصب مستشار قيادة القوات الجوية، لشؤون الدفاع الجوي، فدرس فيها نقاط القوة، ومواضع الضعف في الدفاع الجوي. ووضع - قبل عدوان يونيه 1967 - تنظيماً للدفاع الجوي، يربط بين عناصر المدفعية المضادة للطائرات، وأسلحة الصواريخ، ووحدات المقاتلات، في قيادة واحدة، هي قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي، لتحقق سيطرة أكثر فاعلية في الدفاع الجوي.
اشترك وهو في رتبة اللواء، في دورة خاصة بالصواريخ، بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات، ليقف على أدق أسرارها وأشكالها، فقضى الفترة (من 18 أغسطس 1962 إلى 18 يناير 1963) طالباً، حصل في نهايتها على تقدير الامتياز.
وفي 10 مارس 1964، عُيِّنَ رئيساً لأركان القيادة العربية الموحدة.
رُقي عبدالمنعم رياض إلى رتبة الفريق في 21 أبريل 1966. وفي 12 يوليه، من السنة نفسها، أتم دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وحصل على زمالة كلية الحرب العليا، التي كان قد بدأها في 6 مارس 1965.
وعندما عُقِدَتْ معاهدة الدفاع المشترك، بين مصر والأردن في 30 مايو 1967، ووضعت بموجبها قوات الدولتين تحت قيادة مشتركة، عُيِّنَ الفريق عبدالمنعم رياض، قائداً لمركز القيادة المتقدم في عمان، فوصل إليها في 1 يونيه 1967، مع هيئة أركان صغيرة من الضباط العرب، لتأسيس مركز القيادة، والمباشرة بالتخطيط.
وحين وقع عدوان الخامس من يونيه 1967، عُيِّنَ الفريق رياض قائداً عاماً للجبهة الأردنية. وفي 11 يونيه 1967، عين الفريق عبدالمنعم رياض، رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، فبدأ في همة عالية، إعادة تنظيم القوات المسلحة المصرية وبنائها. وفي 1 فبراير 1968 عُيِّنَ - إضافة إلى هذا المنصب - أميناً عسكرياً مساعداً لجامعة الدول العربية. وكان آخر ما أسند إليه، إدارة معارك المدفعية ضد القوات الإسرائيلية، المتمركزة على الضفة الشرقية لقناة السويس، خلال حرب الاستنزاف.
ولَعَلِّ أبلغ شهادة تقدير عن الدارس عبدالمنعم رياض ما جاء في تقرير هيئة التدريس بكلية الحرب العليا، من أنه "أظهر نبوغاً في التحليل العميق الصحيح، لمبادئ الإستراتيجية العسكرية، وفي تطبيقها في مسرح العمليات، ويحاول دائماً الربط بين المبادئ الأساسية والبناء العملي للقوات المسلحة".
وقد استطاع عبدالمنعم رياض بشهادة مدرسيه - في أكبر أكاديمية عسكرية بالشرق- أن يجتاز بنجاح، كل الصعوبات التي تواجه كبار القادة، وتتمثل في استيعاب المبادئ الإستراتيجية، للعقيدتين الشرقية والغربية، مع القدرة على تطبيقهما على مسرح العمليات.
ودفعه تخصصه في الدفاع الجوي، إلى أن يشبع هوايته في تتبع تطور الرادار والصواريخ والطيران، كسلاح دفاعي هجومي، حتى أصبح متمكناً منه، وخاصة من الناحية التكتيكية في الدفاع الجوي. وبذلك سيطرت أمور الدفاع الجوي- بحق- على تقديرات رياض للموقف العربي الصهيوني.
وطالما ردد رياض مبدءاً هو أنه: "لا معركة بدون دفاع جوي، ودعم جوي كاف". وصدق رياض، إذ كتب بعد ذلك عن معركة الأردن، في (يونيه 1967): "لو أُمِّنَ للوحدات الأردنية أقل قدر من الغطاء الجوي، لأخذت المعركة شكلاً آخر". ولقد أيدها معلق عسكري غربي بقوله: "يشكل الخصر الضيق بين قلقيلية والبحر، نقطة ضعف رئيسية في خطوط إسرائيل الداخلية. ولو توافر للقوات الأردنية غطاء جوي، لتقدمت من طولكرم لتهدد خطوط إسرائيل".
بعدما أسند لعبدالمنعم رياض منصب رئيس أركان القيادة العربية الموحدة، حذر من أن إسرائيل تعتمد أساساً على عملية دفاع جوي جيدة، وإنها تحت ستار المظلة الجوية، تحتفظ بجيش بري قليل العدد نسبياً، مع نظام جيد لاستدعاء الاحتياطي، تستطيع معه أن تحشد عدداً مناسباً، يعمل في حماية المظلة الجوية الممتازة. ورأى أن أهم ما يجب أن تواجَه به إسرائيل، هو عمل يشل نظامها الدفاعي الجوي، مع ضرب مراكز حشد الاحتياطي، مع التداخل الإلكتروني. وقد اشترك رياض في إعداد أكثر من تقرير للقيادة العربية الموحدة، ينذر بأن الموقف العسكري في الفترة 1964-1967، سيئ من الناحية الجوية، في بعض دول المواجهة الشرقية مع إسرائيل. إذ يقتضي الأمر الإسراع في التعاقد على شراء الأسلحة الجوية اللازمة لها، والإسراع في إعداد المطارات والخدمات الأرضية، ثم يحتاج بعد توريد المعدات، إلى فترة كافية لتدريب الطيارين والفنيين.
وأعد عبدالمنعم رياض تقريراً عن الموقف قبل عدوان (عام 1967) بأسابيع معدودة، جاء فيه، أن أي تخطيط لمواجهة عسكرية ضد إسرائيل، يجب أن يدخل في تقديره، أن إسرائيل تعتمد على قوات برية قليلة نسبياً، تدعمها بنظام جيد لاستدعاء الاحتياطي عند الحاجة، مع غطاء جوي ممتاز وشبكة مواصلات متقدمة، وأنها تعمل على أن تحتفظ لنفسها بالمبادرة، في حرب انقضاض جوي مفاجئ.. حرب أيام معدودة، ترجو أن تحطم خلالها قوات الطرف الآخر. واستطرد رياض، أن الأمر غير مثبط للهمم، فالدول العربية أقدر على حشد قوات أضعاف القوات الإسرائيلية، وعليها أن تزيد كفاءتها القتالية وتؤمن لها غطاء جوي كافي.
وكان عبدالمنعم رياض يعرف أن في كفتي ميزان القوى العربي ـ الصهيوني، عناصر قوة، وضعف، وأن عليه أن يستغل عناصر قوته، وعناصر الضعف عند عدوه. ولإسرائيل أكثر من نقطة ضعف، كان رياض يبرز بعضها بقوله إن قدرة إسرائيل على الدخول في حرب طويلة أقل من قدرة دول المواجهة العربية. وإن في مجتمعها تناقضات تمتد إلى جميع القطاعات بما في ذلك القوات المسلحة، وكان رياض يستطرد، وهو يمسك بعصاه في وضع رأسي: "لو أردت أن أكسر عموداً، لا أضغط عليه من طرفه الأعلى إلى الأسفل.. أضرب في الوسط ضربة هي الأسهل لتحطيم العمود". ثم يشير رياض إلى خريطة إسرائيل وإلى "خصر النحلة" الذي لا يتجاوز عمقه (17 كيلومتراً)، هي الحزام في وسط إسرائيل.
وكانت أهم عناصر القوة العربية- في رأي رياض- هو النفط سواء استخدم كسلاح للضغط أو كمورد للتمويل، مع موقع إستراتيجي ممتاز، وطاقة بشرية تربو على أضعاف أضعاف الطاقة الإسرائيلية. وكان رياض يركز أيضاً، على ما للعرب من نفوذ أيديولوجي عربي إسلامي في المنطقة الأفرو- آسيوية بصفة خاصة.
فإذا انتقل رياض إلى دراسة نقاط الضعف، في الجبهة العربية، كان محور كلامه هو أزمة الثقة، التي فرضت نفسها على الجو العربي، في كثير من سنواته الأخيرة. وكان يتطلع إلى يوم يتحقق فيه تحالف عسكري عربي، قائلاً: "إن التحالف العسكري، هو أرقى مظاهر التحالف السياسي، بحيث لا يمكن إقامته إلا إذا تقاربت أولاً الاتجاهات السياسية".
ولعبدالمنعم رياض قوله المأثور: "أن تبين أوجه النقص لديك.. تلك هي الأمانة. أن تجاهد أقصى ما يكون الجهد، بما هو متوافر لديك،.. تلك هي المهارة".
كان عبدالمنعم رياض يعرف أن المعركة العسكرية، لم تعد الطريق الوحيد، لتحطيم إرادة العدو، وأن المجال قد اتسعت أبعاده وتعددت، وأن مسؤوليات القائد العسكري تضاعفت تبعاً لذلك، حيث أصبح حتماً عليه أن يدخل في تقديره جميع عناصر الإستراتيجية الكلية، التي تعتبر محصلة لعديد من القوى، ليست الطاقة العسكرية إلا واحدة منها. وكان عبدالمنعم رياض يأمل في أن يكون المناخ السياسي ملائماً، لوضع إستراتيجية كلية تستخدم فيها جميع الإمكانات العربية، عسكرية واقتصادية وسياسية وغيرها، لتحطيم إرادة العدو.
ومن وصايا عبدالمنعم رياض: (ضرورة أن يسبق المعركة، إعداد سياسي عسكري اقتصادي اجتماعي علمي معنوي، تتضافر فيه القوى جميعاً، من أجل تحطيم إرادة العدو).
كان يعرف أن معركة العرب ضد الأطماع الصهيونية، ليست مجرد عملية عسكرية بين العرب وإسرائيل، وإنما يجب على قائد المعركة أن يُدخِل في الحسبان من هم وراء إسرائيل.
كان عبدالمنعم رياض، يعرف أنه يواجه عدواً لا تقتصر أهدافه يومئذ، على توصيل مياه النهر العربي إلى صحراء النقب، في محاولة لزراعتها، ولاستيعاب ثلاثة ملايين صهيوني جديد فيها، مع بناء مستعمرات جديدة، أو قلاع جديدة، على خطوط المواجهة مع العرب. وكان يؤمن أن دراسة الأهداف الحقيقية لإسرائيل، تمكنه من أن يتنبأ بالكثير عن خططها العسكرية المقبلة، ومن أن يضع خططاً أكثر واقعية لمواجهتها.
أما بالنسبة إلى إستراتيجيته تجاه إسرائيل، فكان لرياض إستراتيجية شاملة، وليس مجرد إستراتيجية عسكرية. فكان من رأي رياض، أن إسرائيل يجب أن تُوَاجَهَ بمقاومة عسكرية، وأخرى اقتصادية معاً.
ويحذر عبدالمنعم رياض في محاضرة ألقاها قبل شهرين سابقين على عدوان يونيه 1967، بقوله: "لن تكتفي إسرائيل برقعتها الحالية،.. إن الخطوة التالية عندها هي الاستيلاء على الضفة الغربية للأردن، وعلى جنوب لبنان، ولها تطلعات في الإقليمين السوري والمصري … وقد تسعى إسرائيل إلى التفوق النووي، حتى تتغلب على وحدة العرب، وتعوض عن طريق الرعب النووي، التفوق العربي الاقتصادي البشري".
خاض عبدالمنعم رياض أكثر من معركة، وكان أكثر المعارك التي خاضها قسوة معركتان: معركة الأردن في (يونيه 1967). ومعركة إعادة بناء القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة، بعد عدوان (يونيه 1967).
أولاً: معركة الأردن في (يونيه 1967):
في (30 مايو 1967) سافر عبدالمنعم رياض إلى الأردن، ليسهم في قيادة العمل العربي المشترك، في جبهة الأردن- إسرائيل، وهي وقتئذ، أطول الجبهات العربية مع إسرائيل. إذ تمتد مسافة (640 كيلومتراً)، غائرة في قلب فلسطين المحتلة، إلى أبعاد تقترب أحياناً من البحر الأبيض المتوسط، بما لا يجاوز (17 كيلومتراً)، في منطقة أطلق عليها أنصار إسرائيل اسم "خصر النحلة". ويمر خط الهدنة، بالقرب من بعض المراكز الحيوية في إسرائيل، فهي بذلك تشكل منطقة حاسمة في خط المواجهة العربية - الإسرائيلية، إذا وُجِِد فيها حجم مناسب من القوات البرية، ومن الإسناد الجوي، كما أنها تشكل أيضاً نقطة تهديد لخط الدفاع العربي، إذا لم يوجد هذا الحجم المناسب، خاصة إذا ركز العدو قواته في أية منطقة على طول الستمائة والأربعين كيلومتراً، في محاولة لاختراق مفاجئ. وهو الأمر الذي حاولت القيادة العربية الموحدة تفاديه، بأن اقترحت أن تتمركز القوات العربية لدعم الدفاع عن الأردن، على حدود الأردن ذاتها، وليس بعيداً عنها، بعداً لا تضمن القيادة معه، سرعة وصول القوات العربية، إلى مسرح العمليات، فيما إذا تعرض الأردن لهجوم مفاجئ، أو إذا تعرضت قوات الدعم نفسها، لقصف جوي وهي لا تزال في الطريق.
كان عبدالمنعم رياض يقظاً لدقة موقف جبهة الأردن، وهو يعلم، بحكم عمله في القيادة العربية الموحدة، أن الأردن كان سَيَتَسَلم المقاتلات، التي تعاقد عليها مع موردي السلاح التقليديين، على دفعات، ابتداء من سبتمبر 1967، وأن قدرة السرب الأول منها على الاشتراك في القتال، كانت ستكتمل في مارس 1968.
ووقعت معركة الأردن في الفترة من 5 إلى 10 يونيه 1967، وحارب الشعب الأردني كله، ولكن المعركة كانت بغير غطاء جوي، وضد عدو لجأ إلى القصف الجوي، في معركة إبادة. وأعاق القصف الجوي المستمر، وصول قوات الدعم العربي إلى مراكزها، في الوقت المناسب، كما لاقت حركات التعزيز، وتحريك القوات صعوبة بالغة، بسبب تدمير الجسور، وقصف الطرق جواً، دون وصول تعزيزات كافية إلى القدس، عبر خط جسر اللنبي وأريحا، وكذلك دون وصول التعزيزات إلى قطاع نابلس - جنين- طولكرم.
وقد عبّر عبدالمنعم رياض - بوصفه القائد العام لجبهة الأردن- عن معركة الأردن بقوله: "لم يكن في وسع القيادة المتقدمة، التي شكلت قبل المعركة بأيام، أن تفعل أكثر مما فعلت". وفي حديث للملك حسين، ملك الأردن، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، أشار إلى مقولة عبدالمنعم رياض السابقة، ثم عقب بقوله: "كنت من رأيه تماماً". ويستطرد الملك قائلاً : "نظراً للطابع الخاص الذي تميزت به معركة الأردن، والتي قادها رياض، كان يصعب على الفريق عبدالمنعم رياض أن يتصرف بشكل أفضل.. لقد بذل قصارى جهده.. لقد جمعتني به أُخُوَة السلاح، ونحن الذين تعاونا معه نعتبره، كلنا صديقاً".
ويشرح عبدالمنعم رياض مبررات تأجيل إصدار قرار انسحاب القوات الأردنية، من جبهة القدس فيقول: "لقد كافحنا حتى أصبح الاستمرار في التضحية انتحاراً". ..ولكن هل كانت التضحية المتوقعة نتيجة تأجيل قرار انسحاب القوات الأردنية من القدس، تساوي الأمل الذي كان يراودنا؟".
ويجيب عبدالمنعم رياض: "قطعاً نعم. فالأمل هو مستقبل الضفة الغربية كلها". ويستطرد رياض أنه كان يأمل أن يُصْدر مجلس الأمن قراره بوقف إطلاق النار، والقوات الأردنية، ما زالت بعد على خطوط الدفاع عن الضفة الغربية، أي أن يصدر القرار قبل أن تطأ قوات صهيون، أرض الضفة الغربية.
ثانياً: معركة إعادة بناء القوات المسلحة بالجمهورية العربية المتحدة (جمهورية مصر العربية حالياً):
وهي المعركة الثانية التي اُختبر فيها رياض. وقد كانت معركة صعبة، عَهِدَ فيها القائد الأعلى للقوات المسلحة، الرئيس جمال عبدالناصر، إلى نخبة من القادة العسكريين، كان منهم الشهيد عبدالمنعم رياض، لكي يعيدوا بناء قواته المسلحة، وهو أمر يتم على الأسس التالية: تنظيم جديد للقوات المسلحة. تدريب شاق طويل على أسس مدروسة. تكوين للقيادات وتدريبها، والتأكد من السيطرة عليها.دعم لروح القتال وإعادة الثقة إلى القوات المسلحة، بعد حملة التشهير التي تعرضت لها. اختيار يضمن نوع الرجال. مجهود وحركة في المجال الدولي، تضمن وصول السلاح إلى كل يد قادرة مدربة على حمله، (فريق أول محمد فوزي).
وفي نهاية شهر يونيه 1967، وبعد أيام قليلة من بدء عملية إعادة بناء القوات المسلحة، التي قادها الفريق عبدالمنعم رياض، حاول العدو الإسرائيلي، التقدم لاحتلال بور فؤاد، على الضفة الشرقية لقناة السويس ـ وكان ذلك يعني في المفهوم العسكري ـ نجاح العدو في إتمام احتلال جميع مناطق الضفة الشرقية للقناة، وتأمين موقفه العسكري تماماً، نشبت معركة رأس العش، فصمدت القوات المصرية، التي كانت بالموقع والتي لا تتجاوز الفصيلة المشاة، وتكبد العدو خسائر فادحة. وتوالت بعد ذلك الاشتباكات، وأثبتت القوات المسلحة، تحت قيادتها الجديدة، قدرتها على رد العدوان، ففي 21 أكتوبر 1967، تمكنت القوات البحرية المصرية، من إغراق المدمرة الإسرائيلية (إيلات)، واستطاعت المدفعية المصرية المضادة للطائرات، من إسقاط ثلاث طائرات للعدو، فوق قطاع السويس، في شهر ديسمبر 1967، عندما حاولت أربع طائرات إسرائيلية، اختراق المجال الجوي .
وفي شهر أكتوبر 1968، تمكنت القوات الجوية المصرية، من إسقاط ثلاث طائرات للعدو، وأصابت الرابعة. واستطاعت المدفعية المصرية، في 8 سبتمبر 1968، أن تنزل أفدح الخسائر بالعدو، على الضفة الشرقية لقناة السويس. وشهد يوم 23 أكتوبر 1968، معركة تدمير قواعد الصواريخ الإسرائيلية. وتوالت الاشتباكات، بعد ذلك فيما عرف بحرب الاستنزاف.
افتتحت مرحلة حرب الاستنزاف، يوم 8 مارس 1969، بقصف مركز من المدفعية المصرية، ضد تحصينات ومواقع العدو، التي أقامها الجنرال حاييم بارليف Haim Bar Lev، رئيس الأركان الإسرائيلي، على الضفة الشرقية للقناة. واستمر الاشتباك بالنيران لمدة حوالي خمس ساعات، تمكنت فيها القوات المصرية، من تدمير جزء من مواقع العدو، وإسكات بعض مواقع المدفعية[4].
في صباح 9 مارس 1969، كان الجميع في مقر قيادة القوات المسلحة، يرقب الموقف باهتمام، استعداداً لأي احتمال، نتيجة الاشتباكات العنيفة، التي وقعت على امتداد المواجهة مع العدو، من السويس جنوباً إلى القنطرة شمالاً، والتي تكبدت فيها قوات العدو خسائر جسيمة، في العتاد والأرواح. وعلى الرغم من هذا الموقف الخطير، وما ينذر به من احتمالات الانفجار، فقد قرر الفريق عبدالمنعم رياض، زيارة جبهة القتال، وليكون بين القوات، في فترة جديدة، تتسم بطابع قتالي عنيف ومستمر، لاستنزاف العدو، وليواجه مع جنوده كل الاحتمالات، ويرى عن كثب الموقف عقب معارك الأمس، وطار رياض على متن الطائرة العمودية، ومعه مدير المدفعية، وأحد ضباط مكتبه، إلى الجبهة، وكان مرحاً كعادته دائماً، على الرغم من الموقف المتوتر، واحتمالات تجدد القتال.
وفي اليوم نفسه وصل عبدالمنعم رياض ومرافقوه، بعد أن انضم إليهم قائد الجيش، إلى أحد مراكز القيادة، ثم زار الوحدات التابعة له. وخلال تفقده لتلك الوحدات، كان يَطَّلع على سجل الحوادث، ويدرس الخبرة المستنبطة من الاشتباكات الأخيرة، ويبحث استهلاك الذخيرة، ويستمع إلى شرح سير التراشق، ويناقش مطالب الوحدات، ويبحث بعض المشاكل الخاصة، التي يعرضها عليه بعض ضباط الصف والجنود.
وفي الساعة الواحدة والنصف من ظهر يوم 9 مارس 1969، طلب رياض من قائد الجيش، أن يحدد له وحدة مشاة فرعية لزيارتها. وبدا على قائد الجيش عدم الارتياح، ولما سأله عبدالمنعم رياض عن السبب، أجابه أن جميع وحدات المشاة التي اشتبكت بالأمس، تقع على الخط في مواجهة العدو مباشرة، وتحت سمعه وبصره، ولكنه أصر على رأيه، مؤكداً أنه سيذهب إليها ولو اضطر إلى الزحف.
واتجه عبدالمنعم رياض ومرافقوه، إلى ذلك الموقع الأمامي الأكثر تقدماً، وكان أقرب المواقع المصرية إلى الضفة الشرقية المحتلة من قناة السويس. وتطلع عبدالمنعم رياض من خلال نظارة الميدان، إلى مواقع العدو على الضفة الشرقية للقناة، والتي لم يكن يفصله عنها غير مائتين وخمسين متراً. وفجأة انهالت نيران هاونات ومدفعية ودبابات القوات الإسرائيلية، على المنطقة التي كان يقف عندها عبدالمنعم رياض، وتولت القوات المصرية على الفور الرد على نيرانها لإسكاتها. وكما يفعل الجندي في مثل هذا الموقف، اتخذ عبدالمنعم رياض ومرافقوه مكانهم في خندق قريب، متتبعاً سير المعركة، ومشاركاً في توجيه نيرانها، وإلى جانبه في الحفرة نفسها قائد الجيش، وعن كثب منهما مدير المدفعية. واستمر العدو يطلق نيرانه المركزة على الموقع.
وفي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، يوم 9 مارس 1969، انفجرت إحدى طلقات المدفعية، بعد اصطدامها ببعض الأشجار المحيطة بالحفرة التي ربض بها عبدالمنعم رياض، وأدي هذا الانفجار، وما ترتب عليه من شظايا قاتلة وتفريغ هواء، إلى استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، وإصابة قائد الجيش. وبينما كانت المدافع المصرية تهدر على طول الجبهة، وتُوقِع بالقوات الإسرائيلية، دماراً لم يسبق له مثيل، كانت عربة جيب صغيرة، تحمل جثمان عبدالمنعم رياض، إلى مستشفى الإسماعيلية.
وتلقى القائد الأعلى للقوات المسلحة، الرئيس جمال عبدالناصر، نبأ استشهاد رئيس أركان حرب القوات المسلحة، أثناء رئاسته لاجتماع مجلس الوزراء، الذي كان يناقش تقريراً، عن سير العمليات العسكرية على الجبهة، وغادر القائد الأعلى قاعة الاجتماع، متجهاً إلى وزارة الحربية، حيث استمع إلى تقرير تفصيلي عن واقعة الاستشهاد، ثم أصدر بياناً نعى فيه إلى الأمة العربية عبدالمنعم رياض، وجاء في هذا البيان: "لقد كان من دواعي الشرف أن قدم عبدالمنعم رياض حياته للفداء وللواجب، في يوم مجيد، استطاعت فيه القوات المسلحة، أن تلحق بالعدو خسائر، تعتبر من أشد ما تعرض له. لقد سقط الجندي الباسل في ساحة المعركة، ومن حوله جنود من رجال وطنه، يقومون بالواجب أعظم وأكرم ما يكون، من أجل يوم اجتمعت عليه إرادة أمتهم العربية، والتقى عليه تصميمها قسماً على التحرير كاملاً، وعهداً بالنصر عزيزاً، مهما يكن الثمن ومهما غلت التضحيات".
ومنح بعد استشهاده أكبر وسام عسكري، وهو نجمة الشرف العسكرية. ورقي إلى رتبة فريق أول. وبهذا انتهت حياة هذا القائد العسكري، بعد ما يزيد على اثنتين وثلاثين سنة، أمضاها في حياته العسكرية. واعتبر يوم 9 مارس من كل عام هو يوم الشهيد، تخليداً لذكره.
كان عبدالمنعم رياض صاحب رأي في القيادة، التي يصفها قائلا: "لا أصدق أن القادة يولدون، إن الذي يولد قائداً هو فلتة من الفلتات التي لا يقاس عليها، كخالد بن الوليد مثلاً، ولكن العسكريين يُصنعون، يصنعهم العلم والتجربة، والفرصة والثقة. إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم. والقائد الذي يقود، هو الذي يملك المقدرة على إصدار القرار، في الوقت المناسب، وليس مجرد القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار". كما كان يقول: "في الدراسة العملية لتصرفاتنا في المعركة، كانت قرارات الكثير من قوادنا، قرارات سليمة لكنهم ترددوا، ولم يعطوها في الوقت المناسب، ولا فائدة في قرار مهما كان سليماً إذا جاء بعد الوقت المناسب له بخمس دقائق، لأن الموقف الذي يواجهه يكون قد تغير، فالمعركة لا تنتظر أحد"[5]. وكان يكرر خلال مرحلة إعادة بناء القوات المسلحة: :إذا وفرنا للمعركة القدرات المناسبة للقتال، وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز، وهيأنا لها الظروف المواتية، فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه".
أقوال بعض الشخصيات العامة التي كانت لهم صلة بالشهيد عبدالمنعم رياض:
قال عنه الملك حسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية: "..عسكري عربي فذ، يندر مثله، شجاعةً وخلقاً وإخلاصاً لأمته ولشرف الجندية".
قال عنه الفريق أول محمد فوزي، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة: "قدم الدليل الحي على روح الإيمان ـ بغير حدود ـ بحق الوطن وبرسالة المقاتل .. ختم حياته بأروع آيات البطولة في الجهاد والفداء".
قال عنه قائده المباشر الفريق أول علي علي عامر، قائد عام القيادة العربية الموحدة: "أساس العمل في القيادة العربية: أولاً الثقة بين الضباط، ثانياً الإيمان بالرسالة التي يتعاونون للوصول إلي هدفها المشترك، وقد اخترت رياضا رئيساً لأركان القيادة، لأنه جدير بثقة من يعمل معهم، ومن يعملون معه، ولأنه يؤمن بالرسالة، التي عرضتها علينا مؤتمرات ملوك ورؤساء الدول العربية"[6].
[1] إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة المصرية، الجمهورية العربية المتحدة، من القادة العرب المعاصرين، ج1، الفريق عبدالمنعم رياض ـ القيادة العربية الموحدة لجيوش الدول العربية، شهيد فريق أول عبدالمنعم رياض، تأليف لواء طيار عبدالرؤوف عبدالحميد مصطفى، دكتور محمود حافظ ـ الموسوعة الفلسطينية، هيئة الموسوعة الفلسطينية، دمشق، ط1، 1984، ج3، ص181 ـ موسوعة السياسة، ج3، ص858.
[2] بطارية الدفاع الجوي هي أصغر وحدة أو تشكيل في قوات الدفاع الجوي.
[3] الموسوعة الفلسطينية، ص 181.
[4] مذكرات المشير محمد عبد الغني الجمسي حرب أكتوبر 1973، ط1، 1989، المنشورات الشرقية، باريس، ص164.
[5] محمد حسنين هيكل، مقال بصراحة، جريدة الأهرام، 14/3/1969.
[6] القيادة العربية الموحدة لجيوش الدول العربية، لواء طيار عبد الرؤوف عبد الحميد مصطفى، دكتور محمود حافظ، ص8. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر الجمعة 02 ديسمبر 2016, 9:31 pm | |
| اللواء أركان حرب
عمر محمود سليمان
Omar Soliman
أولاً: بيانات عامة
سليمان.
اسم العائلة:
عمر محمود سليمان.
الاسم:
2/7/1935م.
تاريخ الميلاد:
مصري.
الجنسية:
مسلم.
الديانة:
متزوج.
الحالة الاجتماعية:
ثلاث
عدد الأولاد:
1/1/1984م.
تاريخ الترقي إلى رتبة لواء:
نائب رئيس جمهورية مصر العربية.
آخر منصب تولاه:
ثانياً: المؤهلات العلمية العسكرية
1. بكالوريوس في العلوم العسكرية.
2. ماجستير في العلوم العسكرية.
3. ماجستير في العلوم السياسية، من جامعة القاهرة.
4. زمالة كلية الحرب العليا.
5. دورة متقدمة، من الاتحاد السوفيتي.
ثالثاً: المناصب التي تولاها
1. قائد لواء.
2. قائد فِرقة.
3. رئيس فرع التخطيط العام، في هيئة عمليات القوات المسلحة.
4. رئيس أركان منطقة.
5. نائب مدير المخابرات.
6. رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، من 4 مارس 1991.
7. نائب رئيس الجمهورية، من 29 يناير 2011.
تولى رئاسة المخابرات العامة، منذ عام 1993، وأثناء فترة عمله رئيساً للمخابرات العامة، تولى أيضاً ملف القضية الفلسطينية، وذلك بتكليف من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وتولى فيها مهمة الوساطة حول صفقة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حركة حماس "جلعاد شاليط". وكذلك الهدنة بين حركة حماس وإسرائيل، والمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بالإضافة إلى قيامه بمهام دبلوماسية في عدد من الدول.
وقد قام الرئيس محمد حسني مبارك بتعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، في 29 يناير 2011، حيث أتى تعيينه في اليوم الخامس من اندلاع ثورة 25 يناير 2011، التي طالبت بإسقاط النظام والبدء في إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، احتجاجاً على تردي الأوضاع في مصر.
وقد حدثت مصادمات بين المتظاهرين والسلطة، نجم عنها أعمال عنف وسرقة، كما أدت إلى نزول القوات المسلحة إلى الشارع لحفظ الأمن. وقد كلفه الرئيس مبارك بعد تعيينه مباشرة، بالحوار مع قوى المعارضة، بهدف الإصلاح الدستوري.
وفي 10 فبراير 2011، أعلن الرئيس مبارك تفويضه بصلاحيات الرئاسة وفقاً للدستور، إلا أن الرئيس محمد حسني مبارك أعلن، في 11 فبراير 2011، تنحيه عن السلطة، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد. وقام بتسليم السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وانتهت بذلك فترة توليه نائب الرئيس.
وتعرض اللواء عمر سليمان إلى محاولة اغتيال فاشلة، أدت إلى وفاة اثنين من حراسه الشخصيين وسائقه الخاص. وفي 6 أبريل 2012، أعلن عن ترشحه لانتخابات الرئاسة، وذلك قبل يومين من موعد إغلاق باب الترشيح، وبرر تراجعه السابق بعدم الترشح، والذي أصدره في بيان في 4 أبريل، بقوله: "إن النداء الذي وجهتموه لي أمراً، وأنا جندي لم أعصي أمراً طوال حياتي، فإذا ما كان هذا الأمر من الشعب المؤمن بوطنه، لا أستطيع إلا أن أُلبي هذا النداء وأُشارك في الترشح، رغم ما أوضحته لكم في بياني السابق من معوقات وصعوبات، وأن نداءكم لي وتوسمكم في قدرتي، هو تكليف وتشريف ووسام على صدري، وأعدكم أن أغير موقفي إذا ما استكملت التوكيلات المطلوبة خلال يوم السبت القادم، وأعد ببذل كل ما أستطيع من جهد، معتمداً على الله وعلى دعمكم لي، لننجز التغيير المنشود، واستكمال أهداف الثورة، وتحقيق آمال الشعب المصري في تحقيق الأمن والاستقرار والرخاء".
وفي يوم السبت 7 أبريل 2012، سحب أوراق ترشحه من اللجنة العليا للانتخابات، حيث وصل مقرها وسط حشد غفير من مؤيديه، وكذا تعزيزات أمنية مكثفة من قِبل عناصر الشرطة والقوات المسلحة. وفي اليوم التالي، وهو آخر أيام التقدم بأوراق الترشح، قدم أوراق ترشحه رسمياً، قبل قفل باب التقدم بعشرين دقيقة؛ إلا أن اللجنة العليا للانتخابات، قررت في 14 أبريل 2012، استبعاده، وكذلك استبعاد أكثر من ثلاثة آلاف من نماذج التأييد التي قدمها، ليصبح عددها الإجمالي 46 ألفاً، وهو رقم أكبر من النصاب الرقمي المطلوب المحدد، وهو 30 ألفاً؛ ولكن تبين للجنة أنه جمع هذه النماذج من 14 محافظة فقط، والمطلوب جمع 30 ألف تأييد على الأقل من 15 محافظة.
توفي في 19 يوليه 2012، في الولايات المتحدة الأمريكية، بمستشفى كليفلاند حيث كان يتلقى العلاج. وقال مساعده "حسين كمال"، إنه كان بخير، وكان يخضع لفحوصات طبية، وأن وفاته كانت مفاجأة.
رابعاً: الأعمال البارزة
1. المشاركة في حرب اليمن.
2. المشاركة في حرب يونيه 1967.
3. المشاركة في حرب أكتوبر 1973.
خامساً: الأوسمة والأنواط والميداليات
1. وسام الجمهورية، من الطبقة الثانية.
2. نوط الواجب، من الطبقة الثانية.
3. ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة.
4. نوط الواجب، من الطبقة الأولى.
5. نوط الخدمة الممتازة.
المشير
محمد حسين طنطاوي سليمان
أولاً: بيانات عامة
سليمان.
اسم العائلة:
محمد حسين طنطاوي سليمان.
الاسم:
القاهرة ـ 31/10/1935م .
مكان وتاريخ الميلاد:
مصري.
الجنسية:
مسلم.
الديانة:
متزوج.
الحالة الاجتماعية:
اثنان.
عدد الأولاد:
1/10/1993م.
تاريخ الترقي إلى رتبة مشير:
مستشار رئيس الجمهورية، في 12 أغسطس 2012.
آخر منصب تولاه:
ثانياً: المؤهلات العلمية العسكرية
1. بكالوريوس في العلوم العسكرية، من الكلية الحربية، عام 1956م.
2. دورة 24 أ.ح عام، من كلية القيادة والأركان، عام 1971م.
3. الدورة 7 حرب، من كلية الحرب العليا، عام 1982م.
ثالثاً: المناصب التي تولاها
1. ضابط في جيش التحرير الفلسطيني (قطاع غزة).
2. عضو هيئة تدريس الكلية الحربية.
3. عضو البعثة العسكرية إلى أكاديمية شرشال العسكرية، في الجزائر.
4. قائد الكتيبة السادسة عشرة، خلال حرب أكتوبر 1973م.
5. رئيس عمليات فِرقة مشاة آلية.
6. ملحق حربي، في باكستان وأفغانستان.
7. شعبة عمليات الجيش الثاني الميداني.
8. قائد لواء مشاة آلي.
9. رئيس فرع العمليات، في هيئة عمليات القوات المسلحة.
10. قائد فِرقة مشاة آلية.
11. رئيس فرع التخطيط العام، في هيئة عمليات القوات المسلحة.
12. رئيس أركان الجيش الثاني الميداني.
13. قائد الجيش الثاني الميداني.
14. قائد قوات الحرس الجمهوري.
15. رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة.
16. وزير الدفاع، في 20/5/1991م.
17. وزير الدفاع والإنتاج الحربي، في 4/10/1993م.
18. رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي حكم مصر في الفترة من 11 فبراير 2011 حتى 30 يونيه 2012.
19. مستشاراً لرئيس الجمهورية، في 12 أغسطس 2012.
20. تولى رئاسة مصر بصفته رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بعد تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، في 11 فبراير 2011، وذلك حتى قيام الرئيس المنتخب الدكتور/ محمد مرسي بأداء اليمين وتسلم منصبه، في 30 يونيه 2012.
21. أُحيل للتقاعد، في 12 أغسطس 2012، ومُنح قلادة النيل، وعُيّن مستشاراً لرئيس الجمهورية.
رابعاً: الأوسمة والأنواط والميداليات
1. وسام التحرير.
2. وسام ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة.
3. نَوْط الجلاء العسكري.
4. نَوْط الاستقلال العسكري.
5. نَوْط النصر.
6. نَوْط 25 أبريل.
7. نَوْط الشجاعة العسكري.
8. نَوْط الواجب العسكري.
9. نَوْط التدريب.
10. نَوْط الخدمة الممتازة.
11. ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة.
12. ميدالية جرحى الحرب.
13. ميدالية 6 أكتوبر.
14. ميدالية تحرير الكويت.
15. ميدالية يوم الجيش.
16. ميدالية العيد العاشر للثورة.
17. ميدالية العيد العشرين للثورة.
18. وسام الجمهورية التونسية (تونس).
19. وسام الامتياز (باكستان).
20. وسام تحرير الكويت (الكويت).
21. نَوْط المعركة (السعودية).
22. ميدالية تحرير الكويت (السعودية).
23. قلادة النيل.
خامساً: الأعمال البارزة
1. المشاركة في معركة العدوان الثلاثي، عام 1956م.
2. المشاركة في حرب يونيه 1967م.
3. المشاركة في معارك الاستنزاف في الأعوام 1967 ـ 1972م.
4. المشاركة في حرب 6 أكتوبر 1973م.
5. المشاركة في حرب تحرير الكويت، عام 1991م (رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة).
الفريق صلاح محمد عطية حلبي
أولاً: بيانات عامة
حلبي .
:
اسم العائلة
صلاح محمد عطية حلبي .
:
الاسم
30/1/1937م .
:
تاريخ الميلاد
مصري
:
الجنسية
مسلم
:
الديانة
متزوج .
عدد البنين: (1). عدد البنات: (1).
:
الحالة الاجتماعية
11/4/1991م.
:
تاريخ الترقي إلى رتبة فريق
رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية (عسكرياً).
رئيس مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع (حالياً).
:
آخر منصب تولاه:
ثانياً: المؤهلات العلمية العسكرية
1. بكالوريوس في العلوم العسكرية.
2. ماجستير في العلوم العسكرية.
3. زمالة كلية الحرب العليا.
4. زمالة كلية الدفاع (بالمراسلة).
5. دورة في الإدارة العليا، من الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثاً: المناصب التي تولاها
1. قائد لواء.
2. قائد قوة الدعم المصرية بالمملكة العربية السعودية، خلال حرب تحرير الكويت.
3. قائد فِرقة.
4. رئيس فرع التخطيط، في هيئة عمليات القوات المسلحة.
5. رئيس أركان جيش.
6. قائد الجيش الثالث الميداني.
7. مساعد وزير الدفاع.
رابعاً: الأعمال البارزة
1. المشاركة في حرب اليمن.
2. المشاركة في حرب يونيه 1967م.
3. المشاركة في حرب أكتوبر 1973م.
خامساً: الأوسمة والأنواط والميداليات
1. وسام النجمة العسكرية، من الطبقة الأولى.
2. نَوْط الواجب العسكري.
3. نَوْط الخدمة الممتازة.
4. ميدالية تحرير الكويت (الكويت).
5. وسام الاستحقاق، من مستوى فيلق (الولايات المتحدة الأمريكية).
6. ميدالية تحرير الكويت (المملكة العربية السعودية).
7. وسام الجمهورية، من الطبقة الأولى.
8. نوط الواجب العسكري، من الطبقة الثانية.
9. ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة.
10. وسام الملك عبدالعزيز، من الدرجة الثانية.
11. وسام الكويت ذو الوشاح، من الدرجة الأولى (الكويت).
12. نَوْط المعركة (المملكة العربية السعودية). |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر الجمعة 02 ديسمبر 2016, 9:32 pm | |
| محمد حسني مبارك
(1347هـ ـ ) (1928م ـ )
عسكري ورجل دولة، رئيس جمهورية مصر العربية (1402هـ ـ 1432) (1981م ـ 2011)
ولد في 4 مايو 1928م، في بلدة كفر المصيلحة، بمركز شبين الكوم، محافظة المنوفية، والده السيد/ السيد إبراهيم كان يعمل موظفاً في محكمة طنطا، وتدرج في الوظائف إلى أن وصل إلى درجة مفتش في وزارة العدل، وأحيل إلى المعاش في يونيه 1960، وتوفي في العام نفسه.
التحق حسني مبارك بالمدرسة الابتدائية وعمره ثماني سنوات، ثم التحق بمدرسة المساعي الثانوية بشبين الكوم، وأنهى بها مرحلة التعليم الثانوي. ثم التحق بالكلية الحربية، حيث تخرج فيها في فبراير 1949م، برتبة ملازم ثاني. والتحق ضابطا بسلاح المشاة، باللواء الثاني الميكانيكي لمدة شهرين، وأعلنت كلية الطيران عن قبول دفعة جديدة بها، من خريجي الكلية الحربية، فتقدم حسني مبارك للالتحاق بالكلية الجوية، واجتاز الاختبارات مع إحدى عشر ضابطاً قبلتهم الكلية، وتخرج في الكلية الجوية، حيث حصل على بكالوريوس علوم الطيران من الكلية الجوية في 12 مارس 1950م.
التحق بالقوات الجوية في العريش، في 13 مارس 1950، ثم نقل إلى مطار حلوان عام 1951 للتدريب على المقاتلات، واستمر به حتى بداية عام 1953، ثم نقل إلى كلية الطيران ليعمل مدرساً بها، فمساعدا لأركان حرب الكلية، ثم أركان حرب الكلية، وقائد سرب في نفس الوقت، حتى عام 1959.
سافر في بعثات متعددة إلى الاتحاد السوفيتي، منها بعثة للتدريب على القاذفة اليوشن ـ 28، وبعثة للتدريب على القاذفة تي ـ يو ـ 16، كما تلقى دراسات عليا بأكاديمية فرونز العسكرية بالاتحاد السوفيتي (1964 ـ 1965م).
أصبح محمد حسني مبارك، قائداً للواء قاذفات قنابل، وقائداً لقاعدة غرب القاهرة الجوية بالوكالة حتى 30 يونيه 1966. وفي يوم 5 يونيه 1967، كان محمد حسني مبارك قائد قاعدة بني سويف الجوية.
عُين مديراً للكلية الجوية في نوفمبر 1967م. وتخرج على يديه عدد كبير من الطيارين الممتازين الذين برزوا في حرب أكتوبر 1973م، وقد عُرف حسني مبارك بالحزم والكفاءة، واشتهر بأنه معلم إستراتيجي من الدرجة الأولى.
رقي لرتبة العميد في 22 يونيه 1969، وشغل منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية، ثم قائداً للقوات الجوية في أبريل 1972م، وفي العام نفسه عُين نائباً لوزير الحربية. وفي هذه المرحلة أعاد بناء وتنظيم القوات الجوية، من طيارين، وطائرات، ومطارات. وقد خطط محمد حسني مبارك بكفاءة، ونفذ باقتدار ضربة الطيران المصرية للمواقع الإسرائيلية، والتي دكت معاقل العدو خلال حرب رمضان 1393هـ، أكتوبر 1973م، مما كان له دور كبير في مساعدة القوات المصرية في عبور قناة السويس وخط بارليف، وانتصار مصر على إسرائيل في هذه الحرب. ورقي اللواء محمد حسني مبارك إلى رتبة الفريق في فبراير 1974.
وفي 15 أبريل 1975، اختاره الرئيس محمد أنور السادات نائباً لرئيس الجمهورية، ليشغل هذا المنصب (1975 ـ 1981م). وعندما أعلن الرئيس السادات تشكيل الحزب الوطني الديموقراطي برئاسته في يوليه 1978م، ليكون حزب الحكومة في مصر بدلاً من حزب مصر، عين حسني مبارك نائباً لرئيس الحزب. وفي هذه المرحلة تولى أكثر من مهمة عربية ودولية، كما قام بزيارات عديدة لدول العالم، ساهمت إلى حد كبير في تدعيم علاقات هذه الدول مع مصر.
وفي 14 أكتوبر 1981م تولى محمد حسني مبارك رئاسة جمهورية مصر العربية، بعدما تم انتخابه في استفتاء شعبي، خلفاً للرئيس محمد أنور السادات، الذي اغتيل في 6 أكتوبر 1981م، أثناء العرض العسكري الذي أقيم بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر 1973م.
وفي 26 يناير 1982م انتخب رئيساً للحزب الوطني الديموقراطي، وفي 5 أكتوبر 1987م أُعيد انتخابه رئيساً للجمهورية لفترة رئاسية ثانية. وفي عام 1993م أعيد انتخابه لفترة رئاسية ثالثة، وفي 26 سبتمبر 1999، أعيد انتخابه لفترة رئاسية رابعة، وفي 7 سبتمبر 2005، أعيد انتخابه لفترة رئاسية خامسة.
وقد تحقق في عهد الرئيس محمد حسني مبارك، كثير من الإنجازات الداخلية والخارجية. فسمح بقدر أكبر من الحرية السياسية وحرية الصحافة، كما عمل على استقرار الجبهة الداخلية، وتعميق الأسلوب الديموقراطي في الحكم. واستطاعت مصر أن تحقق تقدماً كبيراً في المجال الاقتصادي والاستثمار، فأُُنشئت مشروعات استثمارية ضخمة، كما اتخذت سياسة الإصلاح الاقتصادي المصري مساراً جاداً، على أساس ظروف وواقع الاقتصاد المصري بالمراعاة للبعد الاجتماعي للتنمية، على نحو لا يثقل محدودي الدخل. وتحقق تخفيض كبير لأعباء الديون المصرية. فضلاً عن إبرام اتفاق هام مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي لدعم سياسة التحرر والإصلاح الاقتصادي. وشهدت البلاد نهضة وتحسناً في خدمات التعليم والصحة والإعلام ووسائل الاتصالات والمواصلات، والتي من أهمها مشروع مترو الأنفاق الذي افتتحت مرحلته الرابعة التي تصل إلى جامعة القاهرة في أبريل 1999م. واهتم مبارك بالبنية التحتية والتي ساعدت على تحسين مرافق الدولة. كما تم تنفيذ عدد من مشروعات الإسكان، منها مشروع مبارك للشباب، وإنشاء عدد من المدن الجديدة، والموانئ، كما تم تطوير قناة السويس لتستوعب مرور الناقلات العملاقة، وإنشاء مشروع شرق التفريعة (شرق بورسعيد) لاستقبال الحاويات وتشجيع حركة التجارة العالمية.
وفي مجال الزراعة تم زيادة الرقعة الزراعية باستصلاح مساحات كبيرة من الأراضي الصحراوية، وإنشاء التجمعات الزراعية بسيناء وبعد دراسة مستفيضة من العلماء والمختصين بدء في تنفيذ مشروع توشكي، وشرق العوينات والجاري العمل بهما، لاستيعاب جزء كبير من الزيادة السكانية، خارج وادي النيل. وفي مجال الصناعة أُنشئت المدن الصناعية مع التركيز على الإنتاج بهدف التصدير، مع رفع شعار صنع في مصر.
واهتم حسني مبارك بالسياحة فشهدت تطوراً كبيراً، وأُنشئت العديد من القرى السياحية، على شواطئ البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وخليج العقبة، مما ساعد على تدفق الأفواج السياحية. وتمكنت مصر من القضاء على ظاهرة الإرهاب في مصر، وكانت هذه الظاهرة قد سادت في كثير من دول العالم.
ومن الناحية العسكرية واصلت مصر تدعيم قواتها المسلحة ورفع كفاءتها القتالية طبقاً لمتطلبات العصر. وعلى الصعيد الخارجي التزمت مصر بالمبادئ والمواثيق الدولية. واستكمل الرئيس محمد حسني مبارك مسيرة السلام التي بدأها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والتزم بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، الموقعة عام 1979م، والتي بموجبها استكملت مصر في عهد الرئيس محمد حسني مبارك تحرير كامل أراضيها وأكملت إسرائيل انسحابها من سيناء.
كما شهدت مصر في عهد الرئيس محمد حسني مبارك توثيق علاقات الصداقة والتعاون مع شعوب المنطقة العربية واستعادت مصر مقعدها في جامعة الدول العربية، وعادت الجامعة العربية إلى مقرها الدائم في القاهرة. ودان الرئيس مبارك موقف العراق إبان أزمة الخليج وغزو العراق للكويت ووجه عديداً من النداءات للرئيس العراقي من أجل الانسحاب من الكويت. ووقفت مصر مع الشرعية العربية والإسلامية والدولية، وتطبيقاً لمعاهدة الدفاع العربي المشترك، أرسلت مصر بقواتها للوقوف بجانب المملكة العربية السعودية، وللمساهمة في تحرير الكويت.
كما توثقت علاقات مصر بالدول الأفريقية، وتم اختيار الرئيس محمد حسني مبارك رئيساً لمنظمة الوحدة الأفريقية خلال عام (1989/ 1990م)، فشارك في حل بعض مشاكل القارة الأفريقية. كما شهدت مصر في عهد الرئيس محمد حسني مبارك تحسن في علاقات مصر بكثير من دول العالم، وتوثيق علاقات الصداقة والتعاون مع شعوب هذه الدول.
حصل الرئيس محمد حسني مبارك على مجموعة من الجوائز والقلائد والأوسمة والأنواط والنياشين المحلية والعالمية.
وانتخب في 26 يناير 1982م رئيساً للحزب الوطني الديموقراطي. وفي 5 أكتوبر 1987م أعيد انتخابه رئيساً للجمهورية لفترة رئاسية ثانية. وفي عام 1993م أعيد انتخابه لفترة رئاسية ثالثة، وفي 26 سبتمبر 1999، أعيد انتخابه لفترة رئاسية رابعة. وفي 7 سبتمبر 2005، أعيد انتخابه لفترة رئاسية خامسة.
تُعد فترة حكمه حتى تنحيه عام 2011، رابع أطول فترة حكم في المنطقة العربية. لا يشاركه في طولها – من الذين هم على قيد الحياة حالياً – سوى السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان.
في 25 يناير 2011، بدأت موجة من التظاهرات بلغت أوجها يوم الجمعة 28 يناير 2011، حيث قُدر عدد المتظاهرين بحوالي 12 مليون شخص في أنحاء مصر. وواجه النظام المصري هذه التظاهرات بعُنف أدى إلى مصرع المئات، خاصة في مدينة السويس. وتطورت التظاهرات إلى أن صدر الأمر بسحب قوات الشرطة والأمن المركزي من الشوارع المصرية. وفي اليوم الرابع (الجمعة 28 يناير) نزل الجيش إلى داخل المدن، وأعلنت قيادة الجيش أنها لن تتعرض للمتظاهرين.
ألقى مبارك خطابين خلال الأحداث، أعلن في الأول منهما عن مجموعة من القرارات وصفها بالإصلاحات، وقال في الثاني أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة في الانتخابات التالية، مؤكداً أنه لن يتنحى.
بدأت بعدها تظاهرات تهتف بشعارات مؤيدة له، واشتبكت مع المعتصمين المطالبين بإسقاط حكم مبارك في عدة مناطق، أهمها ميدان التحرير في وسط القاهرة. وفي 10 فبراير 2011، فوض الرئيس مبارك نائبه اللواء عُمر سليمان، مدير المخابرات، في بيان ألقاه للشعب؛ ولكن البيان لم يلق أي استحسان، وعلى أثره اشتدت التظاهرات، ونزل الملايين إلى الشوارع مطالبين برحيله.
وفي 11 فبراير 2011، بعد مماطلة لثمانية عشر يوماً، تنحى الرئيس محمد حسني مبارك، تحت ضغوط ثورة 25 يناير، وسلم الحكم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية. وتدفق الملايين حينها إلى شوارع القاهرة احتفالاً برحيله، خاصة في ميدان التحرير.
بعد تسليم السلطة للمجلس العسكري، غادر إلى منتجع شرم الشيخ في جنوب سيناء، حيث اعتاد التوجه إليها بصفة مستمرة.
وفي 13 أبريل 2011، قرر النائب العام حبس الرئيس السابق حسني مبارك 15 يوماً، على ذمة التحقيق معه في اتهامات تتعلق بالتربح واستغلال النفوذ، وإصدار أوامر بقتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير.
وفي 15 أبريل 2011، أمر النائب العام بنقل الرئيس السابق حسني مبارك إلى إحدى المستشفيات العسكرية. وفي 22 أبريل، أمر النائب العام بتجديد حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق، بعد انتهاء مدة الحبس الأولى، في مستشفى شرم الشيخ، حيث عانى من عدة أمراض تحول دون نقله منها إلى سجن طرة.
وفي 28 يوليه 2011، أعلن وزير العدل المصري، بأنه يجري تجهيز قاعة بأرض المعارض بمدينة نصر بالقاهرة، لمحاكمة الرئيس السابق مبارك ونجليه علاء وجمال، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العدلي، وستة من كبار مساعديه في قضية قتل المتظاهرين، التي حُدد لها جلسة يوم الأربعاء 3 أغسطس 2011. وأعلن أن تأمين المحكمة سيكون بواسطة الجيش والشرطة، وأشار إلى أنه سوف تجهز القاعة، كذلك، لاستيعاب رجال الإعلام والمحامين والمدعين بالحق المدني وأسر الشهداء، وسوف تُعرض المحاكمة تليفزيونياً علانية.
وفي 31 يوليه 2011، تقرر نقل المحاكمة إلى أكاديمية الشرطة بالقاهرة، بدلاً من أرض المعارض، وذلك لدواعي أمنية.
وفي 3 أغسطس، بدأت محاكمة الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك محاكمة علانية بأكاديمية الشرطة، برئاسة المستشار أحمد رفعت، وبحضور مبارك على سرير طبي متحرك، بصحبة نجليه جمال وعلاء، وكذا وزير الداخلية حبيب العادلي ومساعديه الستة، ووُجهت إليهم تهم قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير 2011، والفساد. وقد مثل كأول رئيس عربي سابق تجري محاكمته بهذه الطريقة أمام محكمة مدنية، وقد أنكر جميع التهم الموجهة إليه، وكذا نجلاه.
وفي يوم السبت 2 يونيه 2012، أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكماً بالسجن المؤبد على الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلي، كما حكمت بالبراءة في جناية الفساد، وحُكم على نجليه جمال وعلاء ورجل الأعمال حسين سالم بانقضاء الدعوى بالتقادم، لمضي عشر سنوات.
وفي يوم الأحد 13 يناير 2013، أصدرت المحكمة قراراً بقبول الطعن المقدم من هيئة الدفاع المصرية والكويتية، في الحكم الصادر ضد مبارك، ليتم نقله للعلاج بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي.
وفي يوم الأربعاء 21 أغسطس 2013، أمرت المحكمة بإخلاء سبيله، حيث أصدر رئيس وزراء مصر د. حازم الببلاوي، قراراً بوضعه تحت الإقامة الجبرية، بصفته نائب الحاكم العسكري للبلاد، حيث وُضع تحت الإقامة الجبرية في مستشفى القوات المسلحة بالمعادي.
مشروعات اُقيمت في عهده
تم بناء عدة مشروعات في عهده، مثل مترو الأنفاق في القاهرة والجيزة، وترعة السلام في سيناء، ومشروع توشكى وشرق العوينات.
من أهم ما يميز الاقتصاد في عهد الرئيس مبارك، ارتفاع الدين الداخلي إلى 300 مليار جنيه، خلافاً لمديونية الهيئات الاقتصادية، التي وصلت 39 مليار جنيه. كما بلغ الدين الخارجي 27 مليار دولار، وارتفاع نسبة الفوائد المحلية في الموازنة إلى 22.9 مليار جنيه، والفوائد الخارجية إلى 2.3 مليار دولار. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر الجمعة 02 ديسمبر 2016, 9:33 pm | |
| جمال عبدالناصر حسين[1] (15 يناير 1918 ـ 28 سبتمبر 1970) قائد ثورة 23 يوليه 1952، رئيس جمهورية مصر العربية الراحل
ولد في 15 يناير 1918، في حي باكوس في الإسكندرية، لأسرة تنتمي إلى قرية (بني مر) في محافظة أسيوط، كان والده عبدالناصر حسين يعمل، معاوناً في مصلحة البريد. نشأ جمال وتعلم في الإسكندرية والقاهرة، وتنقل مع والده في مختلف المدن، التي كانت مقراً لوظيفته في مصلحة البريد، وبها تلقى تعليمه الابتدائي. أمّا تعليمه الثانوي، فتلقاه في مدرسة حلوان الثانوية، ثم في مدرسة رأس التين، ثم في مدرسة النهضة المصرية في القاهرة، التي حصل منها على شهادة الثقافة سنة 1934، والثانوية سنة 1936. اشترك في مظاهرات الطلبة عام 1935، عندما كان طالباً في مدرسة النهضة المصرية الثانوية في الظاهر (القاهرة). وأُصيب في تلك المظاهرات، التي كانت تنادي باستقلال مصر.
كان جمال عبدالناصر يهفو إلى الالتحاق بالكلية الحربية، فتقدم للالتحاق بها، إلا أنه لم يوفق. فالتحق بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول، ومكث بها شهور قليلة، وعندما أعلنت الكلية الحربية عن حاجتها إلى دفعة استثنائية جديدة من الطلبة للالتحاق بها، تقدم بأوراقه مرة أخرى وتم قبوله مع أربعين طالباً في 17 مارس 1937، وكان في التاسعة عشر من عمره. وتخرج في الكلية الحربية في يوليه 1938 برتبة الملازم ثانٍ، حيث خدم في منقباد بجنوب مصر. وفي ديسمبر عام 1939 نُقل إلى السودان، ورقي لرتبة الملازم أول في مايو 1940، وظل بالسودان حتى عام 1941. ثم عمل بعد ذلك في الصحراء الغربية (في العلمين)، ورقي إلى رتبة اليوزباشي (النقيب) في سبتمبر 1942، وأسند إليه منصب أركان حرب الكتيبة. ثم انتدب عام 1943 للتدريس بالكلية الحربية. وفي عام 1946، التحق بكلية أركان حرب، وتخرج فيها في 12 مايو 1948، ورقي لرتبة الصاغ (رائد)، ثم عُين مدرساً في مدرسة الشؤون الإدارية، عام 1949، وفي عام 1951، رقي لرتبة البكباشي (المقدم)، وعمل مدرساً بكلية أركان حرب، وظل بها إلى أن قام مع مجموعة من الضباط الأحرار بثورة 23 يوليه 1952م.
اشترك جمال عبدالناصر في حرب فلسطين عام 1948، شارك في معارك أسدود ونجبا، وقام بدور مهم أثناء حصار الفالوجا. وكان لجمال عبدالناصر قبل حرب فلسطين نشاط سري كبير. فقد انضم إلى الجهاز السري العسكري للإخوان المسلمين عام 1949، مع مجموعة من ضباط الجيش كان على رأسهم في ذلك الوقت، النقيب عبدالمنعم عبدالرؤوف، والملازمون الأول كمال الدين حسين، وسعد حسن توفيق، وخالد محي الدين، وحسين محمد أحمد حمودة، وصلاح الدين خليفة، ومجدي حسنين، وأحمد مظهر، وحسين الشافعي. وكان أنور السادات على صلة شخصية بحسن البنا. ولكن جمال عبدالناصر ورفاقه الآخرين لم يجدوا في حركة الإخوان المسلمين ما يرضي نزعاتهم الوطنية الإيجابية أو أهدافهم الوطنية في تحقيق الجلاء واستقلال مصر.
عقب هزيمة حرب فلسطين عام 1948، كان جمال عبدالناصر وكمال الدين حسين قد تركا الإخوان المسلمين مع عدد كبير من الضباط. وكانت طبيعة الأمور تفرض على الضباط أن يجتمعوا ويتبادلوا الرأي في وحداتهم وأسلحتهم. وكان هؤلاء الضباط يمثلون نواة خرجت من حرب فلسطين وهي غير مرتبطة بتنظيم موحد. وكان ذلك دافعاً لهم على البحث عن أرض مشتركة للقاء. وقد أدى البكباشي (المقدم) جمال عبدالناصر دوراً رئيساً بارزاً في تجميع الضباط، من مختلف الاتجاهات السياسية، بطريقة محدودة قبل حرب فلسطين عام 1948، ثم توسع في هذا النشاط خلال عام 1949. وبذلك نبت التفكير في تكوين تنظيم من الضباط المهتمين بأمور الوطن والسياسة. وأُطلق على هذا التنظيم اسم "الضباط الأحرار"، وعُقد الاجتماع الأول للخلية الأولى لهذا التنظيم في منزل جمال عبدالناصر، بكوبري القبة في شهر يوليه عام 1949. وحضره عبدالمنعم عبدالرؤوف، وكمال الدين حسين، وحسن إبراهيم، وخالد محي الدين. وافتتح جمال عبدالناصر الاجتماع قائلاً: "أنا معايا عبدالحكيم عامر، وأنتم طبعاً عارفينه لكنه لم يستطيع الحضور اليوم". ومن ذلك اليوم بدأ تنظيم الضباط الأحرار، الذي أخذ في التوسع حتى انتشر في كل وحدات الجيش المصري، وسلاح الطيران (القوات الجوية).
وفي يناير 1950 أجريت انتخابات رئاسة الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، وانتخب جمال عبدالناصر رئيساً لها بالإجماع.
وفي أوائل عام 1951، اتسع التنظيم بصورة غير متوقعة، الأمر الذي دفع جمال عبدالناصر إلى المطالبة بتوسيع "لجنة القيادة أو اللجنة التأسيسية". فضُم إليها ضباط جدد، وأصبحت "لجنة القيادة" مكونة من: جمال عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، وحسن إبراهيم، وعبدالمنعم عبدالرؤوف، وصلاح سالم، وعبداللطيف البغدادي، وكمال الدين حسين، وخالد محي الدين. وقبل قيام الثورة استُبعد البكباشي عبدالمنعم عبدالرؤوف من "لجنة القيادة"، لإصراره على التحاق التنظيم بجماعة الإخوان المسلمين. كما طلب عبدالناصر ضم أنور السادات للحركة وللجنة القيادة. وبذلك دخل أنور السادات عضواً في اللجنة التأسيسية. ثم انتُخب جمال عبدالناصر في اقتراع سري، لرئاسة اللجنة. وأصبحت اللجنة تُمثل القيادة العليا للتنظيم، وطُبق عليها مبدأ القيادة والجماعة.
انضم اللواء محمد نجيب لتنظيم الضباط الأحرار، ولكنه لم يحضر اجتماعات التنظيم أثناء تكوينه، لأنه كان مراقباً من سلطات الأمن باعتباره رتبة عسكرية عالية (رتبة كبيرة)، وشخصية محبوبة من الضباط. يقول محمد نجيب في مذكراته: "وبعد لقاءات عديدة، اتفقنا على الخطوط العريضة .. ودعاني عبدالناصر إلى تنظيم الضباط الأحرار .. وهو تنظيم سري كان هو مؤسسه ورئيسه .. ووافقت على ذلك". وأصبح لتنظيم الضباط الأحرار نشاطٌ كبيرٌ داخل الجيش، إذ استطاع أن يتصدى للملك فاروق في انتخابات نادي الضباط في يناير 1952، وأن يفرض اللواء محمد نجيب ليفوز بمنصب رئيس النادي. كما دخل المجلس مجموعة كبيرة من الضباط الأحرار.
وفي 26 يناير 1952، حدثت مأساة حريق القاهرة، ولم تتخذ السلطات المصرية أي إجراء، النحاس رئيس الوزراء لزم داره في جاردن سيتي، وظل فاروق في قصر عابدين. ولم تصدر الأوامر للجيش بالنزول إلا في العصر، بعد أن دمرت النار 400 مبنى أنزلت بها خسائر فادحة، وتركت 12 ألف شخص بلا مأوى، وقد بلغت الخسائر 23 مليون جنيه[2].
وفي ليلة 23 يوليه 1952 نجح تنظيم الضباط الأحرار بقيادة اللواء محمد نجيب، والعقل المفكر للتنظيم، البكباشي جمال عبدالناصر من القيام بحركة انقلابية أُطلق عليها "حركة الجيش"، ثم "الحركة المباركة"، ثم "ثورة". واستطاعت هذه الحركة أن تفرض سيطرتها على الأوضاع في مصر، وتملي شروطها على الملك فاروق. وقد تمثلت مطالبها في تشكيل وزارة برئاسة علي ماهر، وطرد أفراد الحاشية الملكية الفاسدة. ووافق الملك فاروق على طلبات الثوار. ثم طلبت حركة الجيش، ممثلة في اللواء محمد نجيب، أن يتنازل الملك عن العرش لأبنه الأمير أحمد فؤاد، ويرحل عن البلاد في تمام الساعة السادسة من يوم 26 يوليه 1952. ووافق الملك تحت الضغط والتهديد، ورحل عن مصر.
بدأ الصراع الخفي بين جمال عبدالناصر، العقل المفكر والمحرك لتنظيم الضباط الأحرار، وقائد الحركة الرسمي أمام العالم والجماهير، اللواء محمد نجيب. ونظراً للأدوار الكبيرة التي قام بها بعض ضباط الحركة ليلة 23 يوليه 1952، أُعيد تشكيل لجنة القيادة، التي أُطلق عليها "مجلس قيادة الثورة". فدخل إليها رسمياً اللواء محمد نجيب رئيساً لمجلس القيادة، والبكباشي يوسف منصور صديق، والبكباشي عبدالمنعم أمين وآخرين. وأصبح تشكيلها على الوجهة التالي: لواء أركان حرب محمد نجيب، وبكباشي أركان حرب جمال عبدالناصر حسين، وبكباشي محمد أنور السادات، وبكباشي أركان حرب زكريا محي الدين، وبكباشي أركان حرب حسين محمود الشافعي، وبكباشي قائد الجناح جمال سالم، وبكباشي قائد الجناح عبداللطيف محمود البغدادي، وصاغ قائد أسراب حسن إبراهيم، وصاغ أركان حرب كمال الدين حسين، وصاغ خالد محي الدين، وصاغ أركان حرب صلاح الدين مصطفى سالم، وصاغ أركان حرب محمد عبدالحكيم عامر، وبكباشي يوسف منصور، وبكباشي عبدالمنعم أمين.
وفي 18 يونيه 1953، أعلن مجلس قيادة الثورة قيام الجمهورية، وأصبح النظام جمهورياً. وتولى محمد نجيب رئاسة الجمهورية، ليصبح أول رئيسٍ لها، مع احتفاظه بمنصب رئيس الوزراء وتخليه عن منصب وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، وعين عبداللطيف البغدادي وزيراً للحربية وعبدالحكيم عامر قائداً عاماً للقوات المسلحة، وعين جمال عبدالناصر نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية.
وفي 25 فبراير 1954 قدم محمد نجيب استقالته، وقبلها مجلس قيادة الثورة، على أن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى سلطاته بقيادة جمال عبدالناصر، كما يتولى جمال عبدالناصر رئاسة مجلس الوزراء. إلاّ أن جماهير الشعب المصري رفضت الاستقالة. فأعلن مجلس قيادة الثورة إعادة محمد نجيب مرة أخرى رئيساً للجمهورية، وتعين خالد محي الدين رئيساً للوزراء، وعودة رجال الثورة إلى ثكناتهم (وحداتهم العسكرية) في 27 فبراير 1954.
وفي 8 مارس 1954 قرر مجلس قيادة الثورة تعيين اللواء محمد نجيب رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء بعد أن تنحى جمال عبدالناصر عن رئاسة الوزارة، وأصبح نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، وتخلى عن وزارة الداخلية.
وفي 17 أبريل 1954، تخلى محمد نجيب عن رئاسة الوزارة، واقتصر على رئاسة الجمهورية ومجلس قيادة الثورة، وقرر مجلس قيادة الثورة في نفس اليوم قبول هذا التخلي وتكليف البكباشي جمال عبدالناصر بتأليف الوزارة برئاسته وأصبح جمال عبدالناصر رئيساً للوزراء للمرة الثانية.
وفي 26 أكتوبر 1954 تعرض جمال عبدالناصر لمحاولة اغتيال في ميدان التحرير في الإسكندرية، أثناء إلقاء خطابه بمناسبة "اتفاق الجلاء".
وفي 14 نوفمبر 1954، قرر مجلس قيادة الثورة إعفاء اللواء محمد نجيب من جميع مناصبه، كما قرر أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً، وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبدالناصر.
رأس جمال عبدالناصر الجانب المصري في مباحثات الجلاء الأولى والثانية، وفي 27 يوليه 1954، وَقَّعَ جمال عبدالناصر الاتفاقية الأولى للجلاء بالأحرف الأولى. وقد تضمنت المبادئ الرئيسية للاتفاق النهائي المقترح إعداده لتنظيم الجلاء، ووقعها عن الجانب البريطاني المستر أنتوني هيد وزير الحربية البريطاني. وفي 19 أكتوبر سنة 1954، عُقد الاتفاق النهائي التفصيلي المتضمن تنظيم عملية الجلاء، ووقعه عن مصر جمال عبدالناصر، رئيس الوزراء، وعبد الحكيم عامر وعبداللطيف البغدادي وصلاح سالم ومحمود فوزي؛ ووقعه عن الحكومة البريطانية أنتوني ناتنج وزير الدولة في وزارة الخارجية البريطانية، ورالف ستيفنسون السفير البريطاني، وميجور جنرال بنسون Benson، كبير المفاوضين العسكريين البريطانيين.
ورأس جمال عبدالناصر الوفد المصري إلى مؤتمر باندونج في إندونيسيا المنعقد خلال الفترة (18 ـ 24) أبريل 1955، حيث نادى بحقوق الشعوب في الحرية والاستقلال. وكانت هذه أول مرة بعد الثورة يرتفع فيها صوت مصر في مؤتمر رسمي، متحررة متحدية الاستعمار.
اتجه جمال عبدالناصر إلى إبرام معاهدات ثنائية مع الدول العربية. فعقد معاهدة مع سورية في 20 أكتوبر 1955، ومع المملكة العربية السعودية في 27 أكتوبر 1955، ومعاهدة ثلاثية بين مصر والسعودية واليمن في أبريل 1956، وكان يهدف من وراء ذلك إلى إقامة "ضمان عربي جماعي جديد". يحل محل الضمان الجماعي في إطار الجامعة العربية الذي تجمد، بسبب انضمام العراق إلى حلف بغداد عام 1955.
وفي 16 يناير 1956، وضعت حكومة الثورة دستوراً جديداً أعلنه جمال عبدالناصر في ذلك اليوم في مؤتمر شعبي كبير في ميدان الجمهورية في عابدين. وقد حدد الدستور يوم السبت 23 يونيه 1956، موعداً لاستفتاء الشعب على الدستور وعلى رئاسة الجمهورية. وقد أسفر الاستفتاء، عن شبة إجماع من الشعب على الدستور، وانتخاب جمال عبدالناصر رئيساً للجمهورية. وبذلك أصبح أول رئيس للجمهورية عن طريق الانتخاب، وبذلك انتهى عمل مجلس قيادة الثورة.
وفي 29 يونيه 1956، ألف جمال عبدالناصر وزارته الثالثة التي استمرت حتى 6 مارس 1958.
وفي مؤتمر بريوني في يوغسلافيا، المنعقد خلال الفترة (18 ـ 19 يوليه 1956)، أسس الرئيس جمال عبدالناصر مع الرئيس جوزيف بروز تيتو Josip Broz Tito، رئيس جمهورية يوغسلافيا، والبانديت جواهرلال نهرو Jawaharlal Nehru، رئيس وزراء الهند، سياسة الحياد الإيجابية وعدم الانحياز. وجاءت قرارات الأقطاب الثلاثة امتداداً لقرارات مؤتمر باندونج.
وفي 26 يوليه 1956، أعلن الرئيس جمال عبدالناصر، القرار الجمهوري بالقانون رقم 285 لسنة 1956 القاضي بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (شركة مساهمة مصرية)، وانتقال جميع ما لها من أموال وحقوق، وما عليها من التزامات، إلى مصر.
وبسبب هذا التأميم وقع العدوان الثلاثي على مصر، بالهجوم الإسرائيلي في مساء يوم الاثنين 29 أكتوبر 1956 على الكونتلة ورأس النقب. ولم يكد يبدأ الهجوم الإسرائيلي حتى وجهت بريطانيا وفرنسا إلى مصر وإسرائيل إنذاراً في الساعة السادسة والنصف من يوم الثلاثاء 30 أكتوبر. وتبين بذلك التواطؤ الثلاثي بين الدول الثلاث بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. وتصدت مصر بقيادة جمال عبدالناصر لهذا العدوان، حتى تم انسحاب القوات الأنجلو ـ فرنسية عن مصر في 22 ديسمبر 1956، والقوات الإسرائيلية في 7 مارس 1957.
وفي يوليه 1957، أُنشئ أول مجلس نيابي بعد الثورة تحت اسم مجلس الأمة.
وفي 22 فبراير 1958، أعلنت الوحدة بين مصر وسورية تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، وانتُخب الرئيس جمال عبدالناصر رئيساً لها، حتى وقع الانفصال في 28 سبتمبر 1961. وقد رأس جمال عبدالناصر أربعة وزارات خلال فترة الوحدة، الوزارة الأولى (من 6 مارس 1958 إلى 7 أكتوبر 1958)، والوزارة الثانية (من 7 أكتوبر 1958 إلى 20 سبتمبر 1960)، والوزارة الثالثة (من 20 سبتمبر 1960 إلى 16 أغسطس 1961)، والوزارة الرابعة (من 16 أغسطس إلى 10 أكتوبر 1961).
وفي 26 يوليه 1961، أعلن الرئيس جمال عبدالناصر القرارات الاشتراكية (قرارات يوليه الاشتراكية)، التي خفضت الحد الأعلى للملكية الزراعية إلى مائة فدان للأسرة، وخمسين فداناً للفرد، وأممت المؤسسات الكبيرة، ومصِّرت البنوك، إكمالاً لعملية التأميم والتمصير، التي سارت بسرعة منذ فشل العدوان الثلاثي 1956. وتحللت مصر من كل اتفاقياتها السابقة مع بريطانيا وفرنسا خاصة، كما حُددت ملكية الأسهم. وأصبح للعمال والفلاحين نصف المقاعد في المجالس المنتخبة على الأقل، كما أصبحوا أعضاء في مجالس إدارات الشركات.
وفي 18 أكتوبر 1961 بعد الانفصال شكل جمال عبدالناصر وزارته الثامنة، التي استمرت حتى 27 سبتمبر 1962
وفي 27 سبتمبر 1962 تولى جمال عبدالناصر رئاسة مجلس الرئاسة الذي شكل من الرئيس جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية وإحدى عشر عضواً.
وفي مايو 1962، صدر الميثاق الوطني الذي أقرّه المؤتمر الوطني لقوى الشعب العاملة، وفيه التزام بالخط الثوري الذي يقوم على الاشتراكية العلمية والقومية العربية. وفي هذا المؤتمر أُعلن نظام الاتحاد الاشتراكي العربي، ليحل محل الاتحاد القومي عام 1957، وهيئة التحرير عام 1952.
ساند عبدالناصر كل حركات التحرير في العالم العربي، فقد ساند ثورة الجزائر (1954 ـ 1962)، ضد الاستعمار الفرنسي بالعتاد، كما ساند بالعتاد والرجال ثورة اليمن على حكم الإمامة عام 1962. وفي المجال الأفريقي، شارك الرئيس عبدالناصر في مؤتمر أديس أبابا عام 1963، حيث وُضع ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية. وزار كثيراً من الدول، ووقع اتفاقيات اقتصادية وثقافية مع كثير منها. وشارك بشكل بارز في دورة الأمم المتحدة الخامسة عشرة عام 1960. وفي 17 أبريل 1963، وقع عبدالناصر ميثاق الوحدة بين العراق وسورية ومصر.
وعندما تحرشت إسرائيل بسورية في مايو 1967، أعلن جمال عبدالناصر حالة التعبئة في القوات المسلحة المصرية يوم 14 مايو 1967، وأخذت الأحداث تتصاعد حتى صدور قرار إغلاق مضايق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، فاندلعت الحرب في 5 يونيه 1967، التي شنتها إسرائيل ضد مصر وسورية والأردن، وانتهت بهزيمة الدول الثلاث، واحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية. وفي 9 يونيه 1967، قرر الرئيس جمال عبدالناصر التنحي عن جميع مناصبه، وأعلن مسؤوليته عن الهزيمة، وقدم استقالته على أثر ما عُرف بالنكسة، فرفضتها جماهير الشعب في مصر والوطن العربي، في يومي 9 و10 يونيه 1967، وصممت على بقائه في الحكم.
وفي يونيه 1967 شكل جمال عبدالناصر وزارته التاسعة، والتي استمرت حتى 20 مارس 1968. وفي 20 مارس 1968، أعلن عن تشكيل وزارته العاشرة، التي استمرت حتى وفاته.
وخلال الوزارة التاسعة والعاشرة للرئيس جمال عبدالناصر بدأ في إعادة بناء القوات المسلحة بعد هزيمة يونيه، وبدأ جمال عبدالناصر في حرب استنزاف مع إسرائيل من عام 1968م. وبناء شبكة صواريخ الدفاع الجوي، خلال النصف الأول من عام 1970.
وفي سبتمبر عام 1970، استضاف جمال عبدالناصر مؤتمر القمة العربي في القاهرة، لإنهاء القتال بين الأردن وحركة المقاومة الفلسطينية فيما سُمي (مجازر أيلول الأسود عام 1970) في عمّان.
وفي 28 سبتمبر 1970، توفي الرئيس جمال عبدالناصر، عقب وداعه لأمير الكويت في مطار القاهرة بعد حضوره مؤتمر القمة، على إثر أزمة قلبية.
وكان جمال عبدالناصر قد أصدر كتاب فلسفة الثورة عام 1954. وهو يضم أهم المبادئ التي انطلقت منها أفكاره السياسية، ثم الميثاق الوطني في 21 مايو 1962، وبيان 30 مارس 1968، اللذين تبلورت فيهما تجارب جمال عبدالناصر.
[1] عبداللطيف البغدادي، "مذكراته"، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1975، ج 1، ص 32 ـ 36. واُنظر، خالد محي الدين، "والآن أتكلم"، مؤسسة الأهرام، ط 1، 1992، ص 63 ـ 80، ص 107 ـ 108. واُنظر كذلك، محمد نجيب، "كنت رئيساً لمصر"، ص 82 ـ 83. وأحمد حمروش، "قصة ثورة 23 يوليه"، ج 1، ص 143 ـ 145. وعبد الرحمن الرافعي، "ثورة 23 يوليه سنة 1952"، دار المعارف، ط 2، 1989، أماكن متفرقة. وكذلك، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 2، مج 2، ص 75 ـ 76.
[2] 'مذكراتي، بقلم جمال عبدالناصر. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر الجمعة 02 ديسمبر 2016, 9:41 pm | |
| الرئيس محمد أنور السادات
لعب أنور السادات دوراً بارزاً في حياة مصر والعالم العربي، ومنذ أن تولى حكم مصر صار محط أنظار العالم بسبب قراراته المفاجئة التي كانت عادة تقلب الموازين، وتؤدي إلى تغيير السياسات، وتبديل المواقف.
كانت حياة السادات حافلة بالمواقف المثيرة، والأحداث العجيبة، تراه منذ نعومة أظفاره طفلاً أسمر يعدو في حقول قريته، أو يسير ممسكاً بيد جدته "أم محمد"، يجوبان شوارع القرية إلى بيوت ميسوري الحال، لتبيع لهم جدته الزبد والجبن. ثم تراه بعد ذلك يتنقل في مراحل التعليم المختلفة يحالفه الحظ تارة، ويتعرض للفصل من الدراسة غير مرة تارة أخرى. ثم يلتحق بالكلية الحربية بصعوبة بالغة، ثم يخوض تجارب مريرة في الكفاح السياسي، يقود المظاهرات ويساهم في تكسير الصحون، وحرق عربات الترام، ويشارك في الدسسائس والمؤامرات، يجلب السلاح والقنابل، يشارك في اغتيال أشهر الشخصيات. يعيش وراء قضبان السجون، ويُفصل من الخدمة العسكرية، ويفر من السجون، ويطارده البوليس السياسي، تراه يعمل حمَّالاً، وسائقاً، وفي المقاولات، وصحفياً، وضابطاً، عضواً في الحرس الحديدي لصالح الملك فاروق، وعضواً مع ضباط الثورة. ثم تراه مع الرئيس عبدالناصر، إلى أن يصير له نائباً، ثم رئيساً لمصر، بعد ذلك، لعشر سنواتٍ، تمثل منجزات مشهودة: نصر أكتوبر، سيادة القانون، إلغاء الحراسات والاعتقالات، التحول إلى الديموقراطية التعددية، والانفتاح على العالم، واقتلاع النفوذ السوفيتي، والرحلة إلى القدس، ومبادرة السلام مع إسرائيل. وتمثل، كذلك، صوراً أخرى مختلفة: الفساد والنهب، وترويج النمط الاستهلاكي، والاستدانة من الخارج، وأحداث الشغب واعتقالات سبتمبر.
إنها حياة حافلة بالأحداث، والضجيج والرصاص، تنتهي نهاية مأساوية تقول إن السادات كان الحاكم الوحيد في مصر الذي مات مقتولاً عبر تاريخها كله تقريباً.
نشأته، وتعليمه
الاسم
محمد أنور محمد محمد الساداتي، بزيادة "ياء" في اسم عائلته، وهذا ثابت من واقع ملفه في الكلية الحربية، وكشف التجنيد الخاص بأبناء قريته. ولكن السادات، بعد ثورة 1952، حذف من اسمه "ياء" النسبة لكي يصبح لقب أسرته هو السادات[1].
تاريخ ومكان مولده
ولد في يوم 25 ديسمبر عام 1918م، في قرية ميت أبو الكوم، وهي واحدة من 43 قرية يضمها مركز "تلا" التابع لمدينة شبين الكوم، عاصمة محافظة المنوفية في وسط دلتا مصر. وقرية ميت أبو الكوم تبعد عن شبين الكوم مسافة 24 كيلومترا، وتبعد عن القاهرة، عاصمة مصر، مسافة 75 كيلومتراً. ومساحة القرية حوالي ألف فدان. ويقع البيت، الذي ولد فيه أنور السادات، على الطريق المرصوف الذي يمر بقرية ميت أبو الكوم، ولا يزال هذا البيت قائماً إلى الآن. وإِن كان السادات قد اشترى سبعة عشر فداناً، بعد ذلك، وبنى لنفسه بيتاً آخر كبيراً في وسطها.
ارتباطه بالقرية
كان ارتباطه بالقرية شديداً، مع أن الفترة التي عاشها فيها كانت قصيرة، سبع سنوات فقط، إلا أنها تركت بصمات واضحة على حياته كلها، وظل يذكرها دائماً في كل أحواله، وهذا يفسر لنا كثرة تردده على القرية بعد أن انتقل إلى العيش في القاهرة. يقول عن قريته: "كانت حياتي بها بهجة تتلوها بهجة". ويقول: "بمجرد أن تنتهي الدراسة كنت أُهرع إلى قريتي وأرتمي بين أحضانها".
ومن الطريف أن السادات عندما تولى منصب رئيس مجلس الأمة، في عام 1958، سكن في فيلاّ بشارع الهرم، في الجيزة، كانت لها حديقة كبيرة، وضع فيها السادات "جاموسة" يشرب من لبنها. وكان يكثر من الجلوس تحت شجرة كبيرة في تلك الحديقة، ويردد دائماً أنه يحب أن يشعر بأنه في قريته في الريف.
وبعد توليه حكم مصر، كان يفعل كل ما بوسعه من أجل قريته. وقد تبرع بنصيبه من جائزة نوبل وحصيلة كتابه "البحث عن الذات" لصالح تلك القرية، وجعلها من أفضل قرى مصر حيث زود منازلها بالسخانات التي تعمل بالطاقة الشمسية، وغير ذلك.
وابتداء من عام 1974م إلى وفاته في 1981م، اتخذ السادات لنفسه عادة الاحتفال بعيد ميلاده في قريته، وهناك أمام عدسات التليفزيون يجلس في الحديقة مرتدياً ثوباً ريفياً "جلابية" أنيقاً، وعباءة عربية فاخرة، ليحكي على امتداد ساعتين أطرافاً من ذكريات حياته.
اللون: أسمر، يميل إلى السمرة الشديدة
يقال إن السادات تكونت لديه عقدة بسبب لونه الأسمر، واستحكمت فيه وأثَّرت في مشاعره وتصرفاته[2]، وهذا القول يبدو بعيداً عن الحقيقة، ولا يوجد ما يؤكده على وجه اليقين، فليس لهذه العقدة وجود في العالم العربي، ولا في الشرق كله، على وجه الخصوص، والمصريون لا يقيمون وزناً للون ولا يفرقون بين الأبيض والأسمر أو الأبيض والأسود.
حياته الأولى بالقرية
1. أسرته: الجدة، الأب، الأم، الأخوة، الأخوات
كانت جدته، وتسمى "أم محمد"، ذات شخصية قوية وهي كما يصفها السادات تتمتع بحكمة نادرة. وكانت هي رأس العائلة، ترعى الجميع. وكانت في بداية الأمر تذهب إلى بيوت ميسوري الحال في القرية؛ لتبيع لهم أشياء مختلفة، مثل الزبد والجبن. فقد صممت على أن توفر لابنها (والد السادات) حياة طيبة، وأن تفتح له باب التعليم، وكان هو الذكر الوحيد بعد أربع بنات يكبرنه، هن عمات السادات. فأرسلته إلى كُتاّب القرية، ثم المدرسة الأولية، فكان أول من حصل على الشهادة الابتدائية في القرية، وكانت تلك الشهادة في ذلك الوقت تعتبر مؤهلا عاماً. وصار الناس يلقبونه بالأفندي، وصار مشهوراً بهذا اللقب بين أهل القرية، ولذا يقول السادات: "رغم أن بقريتنا الآن مهندسين وأطباء وأساتذة جامعات، إلا أنه عندما يأتي ذكر الأفندي، وأولاد الأفندي، يعرف كل إنسان أنه والدي وأبناؤه" . ثم دخل المدرسة الثانوية حيث حصل على شهادة الكفاءة، من مدرسة في شبين الكوم. وعقب ذلك تمكن من أن يجد وظيفة مع وحدة من القسم الطبي في الجيش الإنجليزي، الذي كان يحتل مصر آنذاك. وكان معسكر هذه الوحدة الطبية بالقرب من شبين الكوم، حيث كانت الوحدة تُجري أبحاثاً عن الأمراض المتوطنة، كالبلهارسيا وغيرها. كان عمله مزيجاً من عمل موظف وممرض ومترجم بين الأهالي في المنطقة والأطباء الإنجليز في الوحدة العسكرية. ويبدو أن أحواله المعيشية قد تحسنت، فاشترى قطعة أرض من فدانين ونصف، وأصبحت "أم محمد" ترعى شؤون الأرض.
تزوج محمد الساداتي وهو في الثالثة عشرة من عمره من إحدى فتيات القرية، ولم تنجب له أولاداً، فيبدو أنه طلقها.
كانت أم السادات تسمى "ست البرين"، وهي ابنة رجل يسمى "خيرالله" كان ممن وقع في أسر العبودية، وساقه أحد تجار العبيد من أواسط أفريقيا إلى حيث باعه في أحد أسواق العبيد بدلتا النيل. وعندما أُلغى نظام الرق في مصر تم إعتاقه.
وقد وقع اختيار "أم محمد" على "ست البرين" زوجة لابنها ترافقه إلى السودان، حين صدرت الأوامر للوحدة الطبية الإنجليزية التي كان يعمل بها بالسفر إلى هناك. كانت "ست البرين" مثل أبيها، قد ورثت عنه تقاطيعه الزنجية، التي ورث أنور السادات بعد ذلك قدراً كبيراً منها. وفي كل مرة كانت تحمل فيها "ست البرين" كان زوجها يرسلها إلى مصر لتلد في قرية "ميت أبو الكوم" وتمكث مع طفلها حتى تتم رضاعته ثم تعود إلى الخرطوم. وتكررت هذه العملية أربع مرات، أنجبت خلالها السادات وأشقاءه، وهم على الترتيب: طلعت، وأنور، وعصمت، ونفيسة.
وكان السادات باراً بأمه، ففي عام 1958م استأجر لها شقة صغيرة في حي القبة، وكان يتردد عليها كثيراً. وقد توفيت بين يديه في إحدى زياراته لها وهي ممسكة بصينية القهوة. ودفنها في مقابر أسرة زوجته لدى صهره عمدة ميت أبو الكوم، ثم بنى مقبرة لأسرته في ميت أبو الكوم، ونقل أمه "ست البرين"، لتكون أول من يدفن بها.
وقضى السادات مع جدته سبع سنوات في القرية، كان يعتبرها أجمل سنوات عمره، ويقول عنها: "كان كل شيء في ميت أبو الكوم يجعلني سعيداً في هذه القرية القابعة في أعماق دلتا النيل".
فلمَّا عاد أبوه مع الوحدة الطبية من السودان عام 1922م، انتقلت الأسرة كلها، الجدة والأب والزوجة والأبناء إلى القاهرة، وسكنت بالمنزل الرقم 1 شارع محمود بدر، بكوبري القبة. ولا يزال هذا الشارع قائماً يحمل الاسم نفسه، ولا يزال البيت قائماً، وبه الآن مدرسة تسمى مدرسة القائد الخاصة. وهناك تزوج الأب من زوجة أخرى تسمى فطوم عام 1924م، هي زوجة الأب الأولى للسادات، ويبدو أنها لم تنجب، فتزوج من أخرى تسمى أمينة الوروري، التي أنجبت له تسعة أولاد هم: اخوة السادات غير الأشقاء، ثلاث من البنين، وست من البنات، وهم على الترتيب: سكينة، وعفت، وزينب، وزين، وعائشة، وعاطف، وسهير، وهدى، وعزة.
وازدحمت بهم الشقة، وزاد الازدحام حين تزوج طلعت، الابن الأكبر، وجاء بزوجته لتعيش معهم في الشقة نفسها، ثم تزوج السادات من ابنة عمدة ميت أبو الكوم، وتزوجت أخته سكينة من فنان موسيقي، وسكنوا جميعهم في الشقة نفسها . ولا ريب أن هذا الجو المزدحم قد ترك تأثيره على السادات فيما بعد.
اُنظر الشكل المرفق (شجرة عائلة أنور السادات).
تعليمه
ألحقته جدته بكُتاب القرية حيث تلقى مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ شيئاً من القرآن الكريم. وكان اسم الشيخ الذي درس على يديه هو عبد الحميد عيسى، ثم ألحقته جدته بالمدرسة الابتدائية الملحقة بدير الأقباط، في قرية طوخ دلكة، التي تبعد مسافة كيلو متر واحد عن قريته ميت أبو الكوم. ثم انتقل إلى مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية، في حي الزيتون، وكانت مدرسة أهلية، تناسب مصروفاتها الدراسية دخل أبيه. وكان السادات يذهب إليها ويعود كل يوم سيراً على الأقدام. قضى في هذه المدرسة فترة التحضيري (وهي تعادل الحضانة في أيامنا هذه)، والسنة الأولى والثانية من المرحلة الابتدائية، وكان متفوقاً في دراسته، يتناوب التفوق على فصله مع حسن الشريف، الذي صار وزير تأمينات في عهد جمال عبدالناصر.
وبعد السنة الثانية انتقل السادات إلى مدرسة السلطان حسين، في أول الحي المعروف الآن باسم مصر الجديدة، حيث نال الشهادة الابتدائية، وبعدها التحق هو وأخوه الأكبر طلعت بمدرسة فؤاد الأول الثانوية.
حادثة طريفة تتسبب في إكمال تعليمه
كان السادات وأخوه طلعت في مدرسة واحدة، وكان القانون يقضي بأن يُقبل أحدهما مجاناً، والآخر بمصاريف، ولكن إدارة المدرسة رفضت؛ فاضطر والد السادات إلى دفع المصاريف لولديه كليهما. ودفع الوالد القسط الأول ستة عشر جنيها، هي كل مرتبه، فلمَّا حل أجل القسط الثاني أخذه طلعت، ولكن بدلاً من أن يدفعه للمدرسة، هرب به وأنفقه كله، ثم عاد ليعلن أنه لا يرغب في الاستمرار في التعليم، ويقول السادات: "ربما كانت هذه مشيئة القدر، فبدون إحجام أخي عن التعليم كيف كان سيتسنى لوالدي بدخله المحدود الإنفاق على تعليمنا نحن الاثنين، أغلب الظن أنه كان سيضطر إلى إيقاف تعليمي، وخاصة أن طلعت هو أخي الأكبر".
حصل السادات على مجموع متواضع في السنة الثانية، فطلبت منه إدارة المدرسة أن يعيد السنة حفاظاً على النتيجة العامة للمدرسة في شهادة الكفاءة، وهي الشهادة العامة التي يتم التقدم لها بعد السنة الثالثة. فرفض السادات وسحب أوراقه من المدرسة، وتقدم إلى مدرسة أهلية، هي مدرسة الأهرام، التي قبلته، في السنة الثالثة، وحصل على شهادة الكفاءة في السنة نفسها. ثم أخذ أوراقه مرة أخرى إلى مدرسة فؤاد الأول حيث التحق بالسنة الرابعة، لكنه نجح بمجموع متواضع فطلبوا منه أن يعيد السنة، فسحب أوراقه مره أخرى والتحق من جديد بمدرسة الأهرام حيث قبلته في السنة الخامسة، وتقدم في نهاية العام للحصول على شهادة التوجيهية (وهي نهاية مرحلة التعليم الثانوي) ونجح في جميع المواد، ولكنه رسب في المجموع، فنقل أوراقه إلى مدرسة "رُقى المعارف"، في شبرا، وحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية، عام 1936. \
نشاطه السياسي قبل ثورة يوليه
اشتغاله بالسياسة قبل دخوله الكلية الحربية
بدأ السادات ممارسة العمل السياسي خلال فترة دراسته؛ فنظم تظاهرة طلابية قِوامها طلاب مدرسة فؤاد الأول، احتجاجاً على إعلان الإنجليز بقاءهم في مصر. وخرجت هذه التظاهرة إلى مدرسة فنون الصنايع (وهي حالياً كلية الهندسة ـ جامعة عين شمس) وشارك فيها أعداد كبيرة من الطلبة. وقد صدر الأمر بفصله خمسة عشر يوماً عقاباً له.
أُعجب السادات إعجابا شديداً بالزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك، منذ أن رأى في بيت والده بالقاهرة صورة أتاتورك. وسأل والده عنه، فقال إنه رجل عظيم. ويقول السادات: "كان أتاتورك مثلاً أعلى في العالم الإسلامي، يتردد اسمه على كل لسان. فقد قام ليحرِّر بلاده ويعيد بناءها، وكان والدي شديد الإعجاب به، كما كان معجباً بنابليون، الذي حدثني عنه طويلاً". وقد أُعجب السادات بصورة أتاتورك والبدلة العسكرية. وأيقن، من ذلك الوقت، أن القوات المسلحة هي السلاح الذي يُعتمد عليه للتغيير. وأعجب السادات بالزعيم المصري سعد زغلول، فكان يخرج كل مساء لينتظر رؤية النحاس باشا ـ خليفة سعد زغلول ـ عندما كان ينتقل من بيته في مصر الجديدة إلى بيت الأمة، وعندما يعود، وكان يرى في النحاس وفي حزب الوفد، في ذلك الوقت، رمزاً لكفاح المصريين جميعاً ضد الإنجليز. وكان السادات يخرج في المظاهرات ويساهم في تكسير الصحون وحرق عربات الترام، ويشارك في الهتاف بسقوط صدقي باشا، وإعادة دستور 1923. ومن الطريف أن السادات أُعجب بالزعيم الهندي غاندي إعجابا شديداً عندما مر غاندي عام 1932 بمصر في طريقه إلى إنجلترا، وامتلأت الصحف والمجلات المصرية بأخباره وتاريخه وكفاحه. وتملَّك الإعجاب بغاندي وجدان السادات، فما كان منه إلا أن خلع ملابسه، وغطى نصفه الأسفل بإزار وصنع مغزلاً واعتكف فوق سطح بيته عدة أيام مُقلِّداً الزعيم الهندي، إلى أن تمكن والده من إقناعه بالعدول عما هو فيه.
التحاقه بالكلية الحربية
أراد السادات أن يلتحق بالكلية الحربية، وكان لا يتم القبول إلا بالواسطة، بل كان يُنادى على كل واحد من المتقدمين، فُيقال فلان ابن فلان وواسطته فلان. وفي ذلك الوقت كانت الوساطات تتدرج من الأمير محمد علي، ولي العهد، إلى الباشوات والباكوات من ذوي النفوذ. وزيادة على ذلك كان دخول الكلية الحربية قاصراً على أبناء طبقة الأعيان من كبار مُلاك الأرض، أو كبار موظفي الدولة. ولحسن حظ السادات كان قد تم توقيع معاهدة 1936 وبموجبها فُتح الطريق لبناء جيش مصري أكبر مما كان مسموحاً به من قبل، ولذلك سُمح لشباب من أمثال السادات وجمال عبدالناصر، أن يدخلوا الكلية الحربية ولكن بالواسطة.
حصل السادات على واسطتين، أولاهما: بطاقة توصية من د. فيتس بارك، رئيس القسم الطبي في مستشفيات الجيش البريطاني في القاهرة، الذي كان والد السادات قد سبق وخدم معه في الوحدة الطبية في ميت أبو الكوم.
أمّا الواسطة الثانية فكانت اللواء إبراهيم باشا خيري، رئيس لجنة قبول الطلبات، ومدرب الفروسية للملك فاروق، ووكيل وزارة الحربية، فضلاً عن كونه متزوجاً من سيدة من العائلة المالكة، ونجماً من نجوم المجتمع. وكان والد السادات يعرف أحد الصُولات، أيام خدمته في السودان، وتصادف أن كان هذا الصول في خدمة إبراهيم باشا خيري، فتوسط لديه أن يسمح للسادات ووالده بمقابلته في قصره في حدائق القبة. وهناك، عندما رآهما إبراهيم باشا خيري عند مدخل القصر، قال لهما مُسرعاً دون أن يصافحهما: "آه..آه.. إنت باشكاتب القسم الطبي، وده الولد ابنك اللي .. طيِّب .. طيِّب" ومضى في طريقه مسرعاً، ووالد السادات يهرول خلفه يرجوه.
وهكذا تم قبول أنور السادات في الكلية الحربية بصفة مبدئية، في انتظار تصديق وزير الحربية على أسماء المقبولين.
ومن الطريف أن الأسماء، حين عُرضت على وزير الحربية، طلب حجز ستة أماكن لأقرباء له، وعلى ذلك تم استبعاد الأسماء الستة الأخيرة من كشف المقبولين وعددهم 52، وكان من بينهم أنور السادات بالطبع، لأنه كان آخر المقبولين.
التحق السادات بكلية الآداب، ثم حوَّل أوراقه إلى الحقوق، ثم إلى التجارة، ثم حدثت تدخلات أخرى، فأُعيد إلى الكلية الحربية، وذلك بعد ستة وعشرين يوماً من دخول زملائه.
بعد التخرج
كان الحظ حليفه لأن دفعته، وهي الدفعة 37، تخرجت بعد تسعة أشهر فقط؛ بسبب سياسة توسيع الجيش. وكان تخرجه، في فبراير 1938، برتبة ملازم ثان في سلاح المشاة حيث انضم إلى الأورطة الرابعة، بمنطقة المكس بالإسكندرية، وظل هناك إلى يوليه من العام نفسه، حيث نقل إلى قرية "منقباد" في صعيد مصر. وكان بها المعسكر الرئيسي للجيش المصري وقتذاك. وفي هذه القرية التقى السادات الضابط جمال عبدالناصر، ونشأت بينهما صداقة لم تدم طويلاً؛ بسبب نقل جمال إلى مكان آخر.
بدأت ميول السادات الفكرية والعسكرية تتبلور وتصبح أكثر وضوحاً. ولعل تلك الفترة كانت بداية دخوله العمل الوطني السياسي. فقد أصبح يؤمن بأنه لن يُخلِّص مصر من احتلال الإنجليز وفساد الحكم إلاّ القوة.
التحاق السادات بسلاح الإشارة
وقع الاختيار عليه ضمن صفوة من الضباط المصريين للحصول على فرقة إشارة في مدرسة الإشارة في المعادي، في القاهرة في 2 أكتوبر 1939. وكان سلاح الإشارة في ذلك الوقت أهم الأسلحة جميعا، ولابد لدخوله من واسطة كبيرة. وكان سبب قبوله كلمة ألقاها في حفل نيابة عن زملائه. وقد أعجبت هذه الكلمة قائد سلاح الإشارة، الأميرلاي إسكندر فهمي أبو السعد، وكان محباً للأدب، فأمر بنقل السادات إلى سلاح الإشارة في المعادي.
ويتضمن الملف العسكري الشخصي للضابط أنور السادات (رقم 2274) أنه ظل في المعادي إلى أغسطس 1940، ثم نقل إلى الصحراء الغربية، وظل هناك، عاماً كاملاً، حتى عاد إلى المعادي.
إنضم، بعد ذلك، إلى سلاح الحدود، كتيبة الإشارة، بالجبل الأصفر حتى 7 أكتوبر 1942، حيث ترك الخدمة.
بدءاً من يناير 1950 إلى سبتمبر من العام نفسه، ظل ضابطاً للإشارة بالقاهرة، دخل خلالها امتحانين للترقي، ونجح فيهما. وفي 9 سبتمبر 1950، صدر قرار نقله إلى القنطرة، ثم رقي إلى رتبة "صاغ" رائد، في 22 سبتمبر 1950.
في 10 أكتوبر 1950، خدم بالعريش إلى 31 مارس 1951، ثم نقل في 1 أبريل 1951، إلى رفح. وهناك رقي في 6 مايو 1951، إلى رتبة بكباشي، في الفرقة الأولى مشاة، سلاح الإشارة، حتى يوم 21 يوليه 1952.
كان انتقال السادات إلى القاهرة، بداية تحقيق حلمه في تكوين خلايا سرية بالجيش، حيث تمكن من تكوين أول تنظيم سري من الضباط في عام 1939. وكان من بين أعضائه عبد المنعم عبد الرءوف، الذي كان يُعدُّ الرجل الثاني في التنظيم، وعبد اللطيف البغدادي، وحسن إبراهيم وخالد محيي الدين وحسن عزت (والمشير) أحمد إسماعيل. وكانت اللقاءات تتم بينهم في منزل السادات، وفي نادي الضباط، وفي المقاهي.
نشاطه السياسي وطرده من الجيش
نشاطه أثناء خدمته في الجيش
إلى جانب التنظيم السري، بدأ السادات الاتصال بقوى سياسية أخرى موجودة على الساحة. فإلى جانب اتصالاته الواسعة بالضباط، بدأ يتقرب من الجنود في وحدته بالمعادي، ويلقي عليهم محاضرات عن المعركة والموقف العسكري في العالم، وهزائم الإنجليز أمام هتلر والقوات الألمانية، وموقف مصر من الإنجليز، والوطن والوطنية. كما كان يُصلي بهم إماماً، في مسجد صغير بناه بمعونة بعض زملائه في سلاح الإشارة، وقد استحثَّ كثيراً من ضباط السلاح على تأدية الصلاة.
اتصالاته بالإخوان المسلمين
كان الشيخ حسن البنا، المرشد العام للإخوان المسلمين، يبذل نشاطاً هائلاً في تقوية جماعة الإخوان المسلمين، وانتشارها. ولعل الملك فاروق، ورئيس وزرائه، علي ماهر، رأيا القوة المتنامية للإخوان المسلمين، ففكرا في تشجيعها ـ في أول الأمر ـ لتكون قوة منافسة لحزب الوفد في التأثير على الشارع المصري. وهكذا سُمح للشيخ حسن البنا بأن يزور وحدات من الجيش المصري، ويلقى فيها محاضرات وعظ وإرشاد. وفي إحدى هذه الزيارات التقى الشيخ حسن البنا السادات وتوثَّقت بينهما علاقة قوية. فقد أُعجب السادات بالشيخ، ووصفه بقوله: "كان ممتازا في اختياره للموضوعات، وفهمه للدين، وشرحه وإلقائه، من كل النواحي. فعلاً، كان الرجل مؤهلاً للزعامة الدينية، هذا إلى جانب أنه كان مصرياً صميماً بكل ما تحمله هذه الكلمة من دماثة خلق وسماحة وبساطة في معاملة الناس، وكان يتكلم في الدين والدنيا معاً، وبأسلوب جديد، لم نألفه من رجال الدين".
وبدأ السادات يحضر دروس الشيخ الأسبوعية في مقر الإخوان المسلمين بالحلمية الجديدة. وكان الشيخ يستقبله في مكتبه عقب الدرس، ولذا تحمس السادات ذات مرة واندفع يقول للشيخ، في إحدى اللقاءات: "بصراحة، أنا أسعى إلى عمل تنظيم عسكري، هدفه قلب الأوضاع في البلد…!! نعم، أنا أسعى إلى ثورة مسلحة، ومعي عدد كبير من الضباط من كل أسلحة الجيش…!!".
وتم الاتفاق بينهما على التعاون، ولم يمض وقت طويل، حتى كان الشيخ البنا قد جنَّد، لحساب الإخوان، عبد المنعم عبد الرؤوف الرجل الثاني في التنظيم.
السادات في مرسى مطروح
في عام 1941 صدرت الأوامر بنقل السادات إلى مرسى مطروح ضابط إشارة في آلاي المدفعية. وعلى الرغم من ابتعاد السادات عن القاهرة، ظل يُداوم الاتصال بزملائه، من ضباط الجيش، على أمل الاستمرار في تحقيق حلمه نحو الثورة. وكان يتحدث مع زملائه، في مرسى مطروح، عن الحرب العالمية الثانية، ثم ينتقل إلى الحديث عن إمكانية تحرير الوطن من الاستعمار البريطاني. وهناك شِبه إجماع من جانب بعض زملاء الدفعة (37)، الذين زاملوا السادات في خدمته العسكرية، سواءً في القاهرة أو منقباد أو في مرسى مطروح، أنَّه كان دائم الخلاف مع الضباط الإنجليز.
ثورة لم تتم
فكَّر السادات، خلال وجوده في مرسى مطروح، في استغلال هزائم الإنجليز أمام الألمان في عام 1941، والقيام بثورة. فاتفق مع جميع الوحدات المصرية، المُنسحبة من مرسى مطروح، في ذلك الوقت[1]، على الالتقاء في وقت محدد عند فندق "مينا هاوس"، على طريق الإسكندرية القاهرة الصحراوي، وهناك يتم التجمع ودخول القاهرة، ومواجهة الإنجليز والاستيلاء على السلطة. ولكن الوحدات الأخرى سبقت السادات وجنوده إلى القاهرة، ولم يحدث التجمع، وفشلت الخطة.
اتصاله بالفريق عزيز المصري، والألمان
كان الفريق عزيز المصري باشا مفتشاً عاماً للجيش المصري، كما كان ثائراً محترفا، شارك في ثورة تركيا الفتاة، وشارك في الثورة العربية الأولى. وكان بمثابة الأب الروحي للخلايا الثورية المتناثرة داخل الجيش المصري في ذلك الوقت. وكانت المرة الأولى التي رآه فيها السادات، في "منقباد"، حين زارها عزيز المصري. وكان السادات معجبا به قبل أن يراه، يصفه بقوله: "شخصية أسطورية شاركت في الثورة التركية مع أتاتورك، كما كان أحد مؤسسي جمعية الاتحاد والترقي، وجمعية تحرير الأمة العربية. هذا إلى جانب تاريخه الطويل المليء بالكفاح، وولعه بالثقافة والدعوة إليها، وكان معروفاً بكرهه للإنجليز حتى أن سير مايلز لامبسون، السفير البريطاني في ذلك الوقت، طلب من علي ماهر رئيس وزراء مصر إقالته من منصبه في الجيش، ولكن علي ماهر اكتفى بإعطائه إجازة مفتوحة".
طلب السادات من الشيخ حسن البنا أن يدبر له لقاء عزيز المصري في عام 1940، فكان له ما طلب، وتم اللقاء في عيادة طبيب من الإخوان في حي السيدة زينب، حيث وافق عزيز المصري على التعاون مع السادات وباقي أفراد تنظيمه، ونصح عزيز المصري السادات، في أول الأمر، بشيئين:
الأول: التعاون والاعتماد على النفس.
الثاني: الثقافة في كل الاتجاهات والمجالات[2].
وتوالت اللقاءات بينهما بعد ذلك في أماكن مختلفة.
وبعد عودة السادات من مرسى مطروح، عاود الالتقاء بعزيز المصري، وشارك في محاولة تهريبه خارج مصر، في عام 1940، يقول حسن عزت ـ رفيق كفاح السادات: "ذات يوم، حضر أنور السادات وقام بجمع لجنة الضباط الأحرار في مقرنا السري بكوبري القبة، واخبرنا بأنه كان يزور الفريق عزيز المصري، وأن ضابطين ألمانيين من فيلق البانزر الأفريقي التابع لروميل، قد اتصلا ـ عن طريقه ـ بعزيز المصري لتحديد طريقة تهريبه إليهم، وطلب مساعدته لوضع الخطة اللازمة لتهريب عزيز المصري إلى برقة في ليبيا للانضمام إلى قوات روميل".
ثم جرى تعديل للخطة ليكون الهرب إلى العراق، ثم إلى بيروت، ولكن فشلت الخطة، وأُلقيَ القبض على الجميع بما فيهم السادات، الذي أنكر علاقته أو معرفته بالأمر تماماً، ومن ثم لم تثبت عليه التهمة، وأُطلق سراحه.
اتصالات السادات بالألمان
1. معاهدة مع روميل
اتفق السادات وزملاؤه على ضرورة الاتصال بروميل في "العلمين"، وإبرام معاهدة معه. فكتبوا رسالة إلى روميل، أملاها أنور السادات، جاء فيها: ".. إننا مصريون شرفاء، وإن لنا تنظيمنا داخل الجيش المصري، ونحن مثلكم ضد الإنجليز، وعلى استعداد لكي نُجنِّد من بيننا فرقاً كاملة تحارب إلى جانبكم، وأن نُزودكم بصور لجميع خطوط ومواقع القوات البريطانية بمصر، وفوق هذا كله، فنحن نتكفل بألاّ يخرج عسكري إنجليزي واحد من القاهرة. كل هذا مقابل أن تنال مصر استقلالها التام، فلا تكون من نصيب إيطاليا أو ألمانيا، وألا يتدخل أحد في شئونها الداخلية أو الخارجية".
وإثباتاً لحسن النوايا صوَّر السادات، وزملاؤه، جميع مواقع القوات البريطانية في مصر، ووضعوا الأفلام وخطاب المعاهدة في حقيبة، وعهدوا إلى أحد أعضاء التنظيم، من ضباط الطيران، واسمه سعودي طيار، ليقود طائرته ويوصِّل الحقيبة إلى روميل في العلمين. ولكن تلك الطائرة، على الرغم من أنها أطلقت إشارة الصداقة، إلاّ أن الألمان أطلقوا نيرانهم عليها، اعتقاداً منهم أنها تابعة لسلاح الجو البريطاني، لأنها كانت من نوع بريطاني. وانفجرت الطائرة؛ ومات سعودي طيار، وفشلت الخطة[3] .
2. التعاون مع جاسوسين ألمانيين
خاض السادات تجربة تسببت في طرده من الخدمة العسكرية. وكانت هذه التجربة هي التعاون مع جاسوسين ألمانيين، هما هانز أبلر، وساندي[4]، وكان أبلر قد عاش في مصر فترة طويلة مع أمه الألمانية التي تزوجت من مستشار مصري. وكانت المخابرات الألمانية قد كلفت الجاسوسين بالتسلل إلى مصر ومعهما جهاز لاسلكي دقيق، وعشرات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية المزيفة، وسيارة من سيارات الجيش الإنجليزي التي استولى عليها الألمان أثناء معركة العلمين.
لما وصل الجاسوسان إلى القاهرة (متنكرين في زي ضابطين إنجليزيين)، أقاما في عوامة إحدى الراقصات الشهيرات في ذلك الوقت، وتدعى "حكمت فهمي" حيث راحا يسهران ويشربان ويقضيان الليالي مع بنات الهوى، دون أن يشك أحد في هويتهما. وعن طريق حسن عزت، تعرف إليهما أنور السادات، لأن جهاز اللاسلكي الذي معهما تعطل، وتم الاتفاق مع السادات على أن يقوم بإصلاح الجهاز وذلك لخبرته في الإشارة.
كشفت المخابرات البريطانية أمر هذين الجاسوسين، بعد أن وشت بهما إحدى اليهوديات. وكان أبلر قد أعطاها أجراً عن ليلتها أقل مما كانت تنتظره. وكانت علمت أنه ألماني لأنها سمعته، هو وزميله في تلك الليلة، بعد أن لعبت الخمر برأسيهما، ينشدان نشيد (ألمانيا فوق الجميع). وبعد ساعات قليلة كان الجاسوسان في طريقهما إلى السجن، وهناك اعترفا بتعاونهما مع حسن عزت، وأنور السادات، فانطلقت مجموعة من ضباط وجنود المخابرات المصرية والبريطانية، وحاصرت بيت السادات، واقتحموا البيت، وفتشوا كل ركن فيه، ولكنهم لم يجدوا الجهاز في بيت السادات، بعد أن تمكن السادات من إخفاء الجهاز في الفرن المجاور للبيت.
الطرد من الخدمة العسكرية
قُبض على أنور السادات وحسن عزت، وصدر الأمر بإيقافهما عن العمل، ووُضع كل منهما تحت الحراسة المشددة، وتشكل لهما مجلس تحقيق عسكري. يقول حسن عزت: "انفجر السادات يصيح: لا يمكن أن أُحاكم أمام ضابط بريطاني، أنا ضابط مصري، والقانون ينص على أني أُحاكم أمام ضابط مصري مثلي، وهؤلاء الإنجليز ليس لديهم هذا الحق، حتى ولو الملك نفسه أعطاهم هذا الحق، برضُه لن أُحاكم أمامهم، يقدروا يضربوني بالنار، ولكن يستحيل أن أُفرِّط في شرف العسكرية المصرية".
وتشجع حسن عزت حين سمع ذلك، وأصرَّ هو أيضاً على ألا يُحاكم أمام ضابط إنجليزي. ولم يستطع المجلس العسكري أن يحصل منهما على شيء، وفي نهاية الأمر صدر النطق الملكي التالي: "تفضَّل حضرةُ صاحب الجلالة الملك فاروق الأول، واستغنى عن خدمات حضرتكم ابتداء من اليوم".
وهكذا طُرد السادات من الجيش في 8 أكتوبر 1942. ولم يكد يبرح مكانه حتى تسلمته السلطات المدنية، ومعه حسن عزت ، لتحملهما إلى سجن الأجانب. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر الجمعة 02 ديسمبر 2016, 9:46 pm | |
| الرئيس محمد أنور السادات
السادات وراء القضبان
سجن الأجانب
في 26 رمضان، الموافق 8 أكتوبر 1942، دخل السادات سجن الأجانب في القاهرة، وهو سجن كان خاصا بالمقبوض عليهم في قضايا خاصة بالسلطات البريطانية لاستكمال التحقيق معهم، تمهيداً لترحيلهم إلى المعتقلات. لم يتألم السادات من وجوده بهذا السجن، فكل زنزانة مُزوَّدة بالسرير، والبطاطين، وكرسي، وطاولة، وكان مسموحاً بالتدخين وطلب الجرائد والكتب، والخروج مرتين في اليوم لممارسة الرياضة. وطلب السادات مجموعة من القصص باللغة الإنجليزية ليرفع مستواه فيها.
معتقل ماقوسة
وفي ديسمبر عام 1942، صدرت الأوامر بترحيله، ومعه حسن عزت، إلى معتقل "ماقوسة"، على أطراف المنيا في صعيد مصر، حيث أقام هناك، تسعة أشهر، إلى سبتمبر 1943، وهناك أخذ يتعلم اللغة الألمانية على يد معتقل يسمى حسن جعفر الأخ الغير شقيق لحسين جعفر أو (آبلر) الجاسوس الألماني.
سلاح سري مع السادات
يقول حسن عزت:
"حينما دخلت السجن، أنا واليوزباشي أنور السادات، كان معي متاع كثير، من مأكولات وملابس، وأدوات تسلية. أما زميلي، السادات، فقد كان معه حقيبة صغيرة، بها بيجامة، وفوطة وسجادة صلاة، ومصحف، فأخذني العجب، وقلت له: هل هذا كل متاعك؟ فنظر إلى باستغراب وقال: وهل هذا قليل؟ كنت في أشد حالات الضيق، بينما كان السادات يبدو هادئاً تماماً، قلت له: وماذا ستصنع بالنسبة لزوجتك وأولادك؟ ولكنه انصرف عني إلى الوضوء قائلاً: "لهم الله"، ثم قام للصلاة، ثم سحب مصحفه، وأخذ يرتل القرآن، فاشتد غيظي، وقلت له: كفى، فأجابني بإشفاق شديد: الله يهديك يا حسن، قم توضأ وتعال نُصلي ركعتين، فرفضت، فاستمر يقرأ القرآن، فصحت فيه ليسكت، فقال "الله يهديك يا حسن.. باقولك قم توضأ وتعال صلي معايا" فرفضت للمرة الثانية، بينما استمر أنور في القراءة. ولمّا لم يكن هناك ما أفعله، فقد اضطُررت إلى الإنصات إليه، وتأثرت بسحر القرآن، ورويداً رويداً، شعرت بلذة عظيمة وبطمأنينة تملأ قلبي. وهنا فقط عرفت ضخامة المتاع الذي دخل به السادات السجن، لقد كان يملك سلاحاً سرياً لم أكن أملكه!".
3. معتقل الزيتون
في أواخر عام 1943 صدرت الأوامر بنقل السادات، ومعه حسن عزت إلى معتقل الزيتون بالقاهرة. وهناك أخذ يتسلى، ومعه زملاؤه، بتربية الأرانب، في إحدى الغرف الفارغة، وبزراعة البرسيم في حديقة السجن. ولكن الأرانب هلكت جميعها، بسبب مرض معد, فأخذ السادات وزملاؤه يزرعون البطاطا، والفواكه، وقد اشتهر السادات بينهم بلقب "الحاج"، وقد ابتكر السادات وسيلة لتهريب رسائل المعتقلين، التي ترد إليهم من ذويهم، وذلك بأن اتفق مع حلاَّق السجن أن يُهرِّب الرسائل داخل جوربه.
حادثة طريفة
حدث أن عُينِّ قومندان جديد للمعتقل، وكان عنيف السلوك، دخل في مشادة شديدة مع أنور السادات، مما أدى إلى اشتراك جميع المعتقلين في خُطة، مؤداها جمع الفرش والأمتعة، ووضعها على السلم، لمنع أي إنسان من الوصول إليهم في الدور الثاني. ولكن القومندان دخل إلى حجرة السادات وراح يهدده، وهو يحمل مسدساً في يده. وسبَّه السادات قائلاً: "أنت جبان، وإلاّ فكيف تهددني بالسلاح وأنا أعزل". خرج القومندان غاضباً وهو يسب السادات. وتوجه إلى حجرته وأحاطها بالجنود، وهنا قفز السادات من حجرة إلى حجرة حتى دخل إليه من النافذة، فأصابه بالهلع، ثم عاد وتركه.
حركة عصيان ثم محاولة هروب
اشترك السادات، وحسن عزت، في إثارة المعتقلين بمعتقل الزيتون، وتحريضهم لعمل حركة عصيان، ضد سوء المعاملة التي يلقونها. ونجحت حركة العصيان، وأخذ جنود الشرطة، بعد أن حاصروا المعتقل، يطلقون الرصاص من الحديقة. واتفقت مجموعة من المعتقلين، بعد ذلك، على تدبير خطة للفرار، بإحداث ثقب في سقف الحجرة، التي كانوا يربون فيها الأرانب. فوضعت منضدة صعد عليها أنور السادات، وصعد حسن عزت على كتفيه، ليقوم بعمل ثقب، بكافة الآلات التي أمكنهم الحصول عليها. وكان السادات وحسن عزت يتبادلان الأدوار، أياماً عديدة. كان السادات، في فترة الراحة، يقوم بتدريب بعض المعتقلين على طريقة الزحف على الكوعين والركبتين، وهي طريقة لا تُحدث صوتاً على الإطلاق. وبعد إتمام الحفر قال أنور ساخراً: "اذهب يا حسن، واعزم على المعتقلين، خليِّهم يتفضلوا، نُسلِّمهم أوامر الإفراج، على مسؤوليتنا!!".
كان عدد الفارِّين ستة، منهم أنور السادات، وكان آخر من خرج من الحفرة، بينما كان حسن عزت أولهم، لوجود سيارة في انتظاره، ثم موسى صبري، الصحفي المعروف، ومحسن فاضل[5]، وآخرون.
ولا شك، أن كلاًّ من السادات، وحسن عزت، أثبتا، بنجاح خطة الهرب هذه، قُدرتهما على التخطيط الدقيق، والصبر، وتدبير الاتصالات بالخارج، لإيجاد سيارة تنتظر الفارين. كل ذلك والمعتقل مُحاط من نواحيه كلها، بجنود مسلحين، لديهم أوامر بإطلاق الرصاص، على الفور.
ومن الطريف أن السادات توجه عقب الهروب، ومعه محسن فاضل، إلى قصر عابدين، إلى حجرة الاستقبال، وتوجها إلى دفتر التشريفات حيث قيَّدا اسميهما، وذكرا أنَّهما ضمن المعتقلين في معتقل الزيتون: "وقد حضرنا خصيصاً لكي نقول للملك أن الحكومة يجب ألا تخضع للسلطة البريطانية، كما لا يجوز إطلاقا أن تعاملنا هذه المعاملة البالغة السوء، وإننا على الفور سنعود إلى المعتقل بمحض إرادتنا، وقد هربنا لكي نُبلّغ هذه الرسالة للملك، ولكي نقول له إن أربعة من زملائنا، قد هربوا معنا، ولكنهم لن يعودوا، مثلنا، إلى المعتقل، بل سيظلون أحراراً يفعلون ما يريدون، رهائن خارج السجن، مقابل حريتنا جميعاً، وتحدياً للسلطة"
وقد عادا بالفعل إلى المعتقل، وكان نتيجة ما فعلاه أن تغيَّر قائد المعتقل، وتحسَّنت مُعاملة المعتقلين، ثم أُفرج عن عدد كبير من المعتقلين السياسيين، في نهاية عام 1944، باستثناء المعتقلين بناء على أوامر السلطات البريطانية، ومنهم السادات. الذي أضرب عن الطعام، وحرَّض زملاءه على الإضراب، ونُقل إلى مستشفى قصر العيني. وهناك زار حسن عزت السادات، ودبَّر هربه من المستشفى، في سيارة، كان حسن عزت أعدها من قبل، ونقله إلى منطقة فم الخليج. كان ذلك في أكتوبر 1944، وقد ظل السادات متخفياً هارباً إلى سبتمبر عام 1945، عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، وسقطت الأحكام العرفية، وبمقتضى ذلك، أصبح السادات حراً طليقاً.
أعمال مارسها أثناء فترة اختفائه
عمل حمالاً، على سيارة نقل، كان يملكها حسن عزت، وكان ينقل الخضر والفاكهة، إلى معسكر الإنجليز في "التل الكبير"، لصالح أحد التجار المصريين الأغنياء. ثم عمل بعد ذلك في نقل الأحجار، من المراكب التي تأتي، عبر النيل، وترسو بالقرب من القاهرة. ثم انتقل، في أوائل عام 1945 إلى بلدة "أبو كبير"، في محافظة الشرقية، حيث عمل في مشروع شق إحدى ترع الري هناك. ثم عمل مقاولاً لنقل الرخام، من منجم للرخام في بلدة تسمى "سَنَّور" شرق النيل، جنوب محافظة بني سويف في صعيد مصر.
كفاحه السياسي خلال فترة الطرد من الجيش
كانت مصر في تلك الفترة مليئة بالجمعيات والخلايا السرية، التي تكونت وانتشرت، اعتباراً من 4 فبراير 1942، حين حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين الملكي، وأرغمت الملك فاروق، الذي كان يبدي تعاطفاً مع الألمان، أثناء حروبهم مع بريطانيا والحلفاء، على إقالة وزارة حسين سري باشا، وتعيين مصطفى النحاس باشا (رئيس حزب الوفد) رئيساً للوزراء. وقد أثار هذا التصرف البريطاني ثورة عارمة في نفوس المصريين، بما مثّله من إهانة بالغة لحقت بالملك، بوصفه رمزاً لمصر. وقد اُعتبر حادث فبراير نقطة سوداء في تاريخ حزب الوفد، كما كان حافزاً على مضاعفة النضال لطرد الإنجليز.
من بين هذه الجمعيات والخلايا، كان هناك الجمعية الكبيرة التي كان حسن عزت، والسادات عضوين فيها، وكانت هناك جمعية أخرى، صغيرة، نشطة، من 23 عضواً، يتولى إدارتها، مجلس من أربعة أفراد، منهم محمد إبراهيم كامل (الطالب بالحقوق بجامعة فؤاد الأول ـ القاهرة حالياً ـ والذي سيُصبح وزير خارجية مصر أثناء مباحثات كامب ديفيد، ويستقيل وتحدث استقالته دوياً كبيراً) وابن خالته، الشاب، حسين توفيق، وهو ابن توفيق باشا أحمد، وكيل وزارة المواصلات آنذاك، وهو شاب متحمس، يتمتع بجرأة نادرة، وأعصاب فولاذية. وكانت هذه الجمعية السرية تستهدف القيام بعمليات ضد القوات البريطانية، وكان أفرادها، ومعظمهم من الطلبة، يخصصون جزءاً من مصروفهم الشخصي لشراء بعض الأسلحة، كالمسدسات والقنابل اليدوية، ويتدربون على استعمالها في صحراء شرق القاهرة. وقد نفَّذت الجمعية عدة عمليات ضد الجنود والضباط البريطانيين، كما أشعلت النيران في أحد معسكرات الجيش البريطاني، بضاحية المعادي، مما أدى إلى حريق هائل.
تعرَّف السادات على مجلس إدارة هذه الجمعية عن طريق وسيط هو عمر أبو علي، شقيق الطيار سعودي، الذي كان قد انفجرت به طائرته من قبل، وتم الاتفاق على التعاون بين الجمعيتين، وقد أقنعهم السادات بتغيير أسلوبهم. يقول محمد إبراهيم كامل: "أدخل السادات على تفكيرنا تعديلاً لم يكن وارداً، وهو أن الطريقة الفعالة لتحقيق أهدافنا هي القضاء على الزعماء المصريين المتعاونين مع الإنجليز".
محاولة اغتيال النحاس باشا
اقترح السادات اغتيال النحاس، ووافق الأعضاء كلهم، ووُضعت الخطة، وعُهد بالدور الرئيسي فيها إلى حسين توفيق. وكان دور السادات أن يُعدَّ سيارة وينتظر قرب مبنى الجامعة الأمريكية في وسط القاهرة، كما أحضر السادات مسدساً وبعض الطلقات، وقنبلتين يدويتين، وحُدد لتنفيذ العملية يوم 6 سبتمبر 1945. لأنه كان يوافق الاحتفال بمولد النبي، وكان من عادة النحاس باشا أن يذهب إلى النادي السعدي، مقر حزب الوفد، ليلقي خطاباً بهذه المناسبة. وجرت المحاولة إلاّ أنها فشلت نتيجة انفجار القنبلة، التي ألقاها حسين توفيق، بعد أن أسرع سائق سيارة النحاس، ليتفادى تراماً قادماً بسرعة، فأصابت شظايا القنبلة سيارة أتوبيس يستقلها فتيات من هيئة تابعة للقوات البريطانية. وأسرع حسين توفيق، عقب الانفجار، إلى المكان المتفق عليه، فلم يجد أثراً للسادات، ولا للسيارة، حسب الاتفاق. وعاد جميع الأعضاء المشاركين في العملية إلى بيوتهم، وقُيِّدَ الحادث ضد مجهول.
وهنا يتعين على البحث أن يجيب على تساؤلين هامين:
1. من أين جاء السادات بالأسلحة؟
2. هل كان السادات يشارك في هذه المهام بإيعاز من القصر؟ بمعنى آخر. هل كان السادات فعلاً عضواً في الحرس الحديدي التابع للملك فاروق؟
أما التساؤل الأول فيجيب عنه حسن عزت بقوله:
"ذهبت مع أنور السادات، إلى اليوزباشي، مجدي حسنين، الذي كان يعمل في سلاح خدمة الجيش، وهو السلاح المسؤول عن الإمداد بالأسلحة والذخيرة آنذاك، وطلبنا منه السلاح، وقال السادات: "سنضرب أعداء الوطن، سنضرب كل من يخون هذا البلد". وغاب مجدي، فترة قصيرة، ليعود حاملاً صندوقاً، به 12 قنبلة يدوية من طراز (ميلز) الإنجليزي، وتناول السادات القنابل، وأخذ يُقلِّبها بين يديه في شغف، ثم قال: "والله وقعتوا يا أسيادنا الإنجليز، والله يا مجدي تشوف لنا كمان صندوقين ثلاثة، نهدي أصدقاءنا وأصدقاء أصدقائنا!!".
أما التساؤل الثاني:
فجوابه أن ثمة احتمال كبير أن يكون السادات قد انضم إلى الحرس الحديدي، إلى جانب انضمامه، إلى تنظيم، أو آخر، من الجمعيات السرية. ويؤكد اللواء محمد نجيب ـ رئيس مصر الأسبق ـ ومحمد حسنين هيكل، أن السادات كان يعمل لحساب الحرس الحديدي. ويقول أحمد بهاء الدين: "وقد ثبت أن أنور السادات كان فعلاً عضواً بارزاً في الحرس الحديدي"('أحمد بهاء الدين، `محاوراتي مع السادات`، ص 9.').
ويبدو أن السادات كان على استعداد للتعاون مع أي جهة ضد الإنجليز وأعوانهم.
اغتيال أمين عثمان
شغل أمين عثمان منصب وزير المالية، في وزارة النحاس باشا. وكان معروفا بصلاته الوثيقة، والمريبة بالإنجليز وكان، كثيراً، ما يدلي بخطب وتصريحات، تمثل استفزازا صارخاً لمشاعر المصريين. وكان شائعاً أنه الرأس المدبر لحادث 4 فبراير، كما كوَّن في تلك الأيام رابطة تسمى "رابطة النهضة" في شارع عدلي، وسط القاهرة، وكان لها مبادئ ستة، ينص المبدأ الثاني منها، على أن مصر، مرتبطة بإنجلترا ارتباطا حتمياً، بزواج كاثوليكي.
في مقهى (استرا)، المطل على ميدان التحرير، وسط القاهرة، اتفق السادات، وحسين توفيق، وبقية أعضاء الجمعية على التخلص من أمين عثمان، وُضعت الخطة، وحُدِّد يوم 6 يناير 1946، موعداً لها. كان أمين عثمان قد ذهب لزيارة المندوب السامي البريطاني، (لورد كيلرن)، في الظهر، وفي المساء ذهب إلى مقر الرابطة. وكان حسين توفيق، في انتظاره عند مدخل العمارة، حسب الخطة، فناداه: "يا أمين باشا.. يا أمين باشا" فالتفت إليه، فأطلق عليه حسين توفيق رصاص مسدسه. وتجمع الناس، يطاردون حسين توفيق، فاضطر إلى تفجير قنبلة، من قنبلتين يدويتين، كان السادات قد أعطاهما له، وأوصاه ألاّ يستعملهما، إلاّ عند الضرورة. وتفرَّق الناس عنه، وعاد في هدوء إلى بيته بمصر الجديدة. أمّا السادات، فعند ما سمع صوت الانفجار، استقل الترام، وعاد إلى داره، في كوبري القبة.
كان لهذا الحادث دوي هائل في الشارع المصري، جعله يتصدر عناوين الصحف، ويستحوذ على اهتمام كافة الدوائر زمناً طويلاً. كان أمين عثمان، يوم اغتياله، قد التقى المندوب السامي البريطاني، وكان هذا اللقاء يعد تشريفاً كبيراً لأمين عثمان، ويعني ترشيحه لرئاسة الوزارة. وكان أمين عثمان قد عاد قبل يومين من إنجلترا، فهو إذن موضع حماية الحكومة البريطانية ومن يمثلها في مصر. وقد ترك اغتياله أثراً في نفوس الجماهير، وأوضح أن الإنجليز فقدوا القدرة على حماية أنصارهم. واهتزت صورة الاستعمار على نحو لم يحدث من قبل.
وبعد أيام تمكن البوليس من القبض على حسين توفيق، في الفيلا التي كان يقيم بها مع عائلته، في ضاحية هليوبوليس، في القاهرة، وعُثر على أسلحة مخبأة، ومفكرة يوميات بها عبارات عدائية ضد الإنجليز وأعوانهم، وبها أيضاً عنوان الرابطة المصرية البريطانية. وبعد تحقيق طويل، اعترف حسين توفيق، وأدلى بأسماء أعضاء الجماعة كلهم، ومن بينهم أنور السادات.
السادات يعود إلى السجن
سيق جميع المتهمين، (وعددهم 26)، إلى سجن الأجانب، واعترفوا جميعهم، عدا أربعة منهم أنور السادات، ومحمد إبراهيم كامل. وقد ساعد هذا الإنكار على تحسين موقف أنور السادات في القضية، خصوصاً، أن النيابة العامة، والبوليس السياسي، كانا يركِّزان على أنور السادات، بوصفه المسؤول الأول، عن الجريمة، لأنه أكبر المتهمين عمراً، إضافة إلى ماضيه، واشتراكه في عمليات مشبوهة، منها محاولة تهريب عزيز باشا المصري، إلى العراق. وقد مكث المتهمون في هذا السجن، شهرين في حبس انفرادي، دون أن يُسمح لهم بالاتصال ببعضهم إلى أن انتهت تحقيقات النيابة والبوليس[6].
ثم صدر الأمر بنقل المتهمين إلى سجن "قره ميدان"، وهو "سجن مصر العمومي". ووُضع السادات في الزنزانة رقم (54)، وكانت حالة السجن غاية في السوء، حيث الزنازين الانفرادية الخالية من أي نوع من الأثاث، والتي تكثر فيها أنواع الحشرات، ويسودها الظلام، ولا يُسمح فيها بالقراءة، ولا الاستماع إلى الإذاعة. وبينما تمكَّن حسين توفيق، وهو المتهم الأول من الفرار[7]، مكث السادات، وبقية المتهمين، عامين كاملين في السجن، إلى أغسطس 1948، وقد تمتع محمد إبراهيم كامل بامتيازات داخل السجن، شاركه فيها السادات. وذلك أن والد محمد إبراهيم كامل كان رئيسا لمحكمة الاستئناف، وكانت له علاقات في أوساط القضاء والنيابة، مما سمح للابن بالحصول على الطعام من البيت. وكان السادات شغوفاً بالطعام، وكثيراً ما كان يطلب أصنافاً خاصة مثل طواجن الحمام بالأرز. كما أمكن تهريب السجائر والحلوى داخل السجن، وسُمح للسادات أن يتناول الطعام مع محمد إبراهيم كامل في زنزانة أيٍ منهما[8].
سيارة خضراء ودراجة
دُبّر التنظيم، الذي ينتمي إليه السادات، عن طريق حسن عزت، خطة لإفساد القضية، وأُطلع السادات عليها. فذهب إلى محمد إبراهيم كامل وأكّد له أن شيئاً عظيماً سيحدث في اليوم التالي، وسيقلب القضية رأساً على عقب، ويضمن الحكم بالبراءة لجميع المتهمين. وفي اليوم الموعود، وكان مُقرراً أن تُعقد فيه جلسة خاصة، أمام قاضي الإحالة، هاجم شخصان، في سيارة خضراء، ساعي المحكمة، الذي كان على دراجة، ربط على مقعدها الخلفي، أصول ملفات القضية، أثناء سيره في شارع محمد علي، المزدحم. وكان هذا الساعي ينقل الملفات من بيت القاضي، الذي كان يفحصها قبل الجلسة، إلى المحكمة لتكون أمامه أثناء نظر القضية.
حاول الشخصان الاستيلاء على تلك الملفات، إلاّ أن المارة تجمعوا على صُراخ الساعي، واضطر الشخصان إلى الهرب دون الاستيلاء على الملفات . كانت فكرة جهنمية، إذ كانت الملفات تتضمن اعترافات المتهمين بتوقيعاتهم، ولو اختفت هذه الأصول، وعمد المتهمون إلى إنكار ما سبق واعترفوا به، لانهارت أهم أدلة القضية.
سجلت قضية أمين عثمان أعلى نقطة في تاريخ كفاح السادات السياسي قبل الثورة. وقد عُرفت هذه القضية "بقضية الاغتيالات السياسية الكبرى"، وكانت أشهر القضايا السياسية آنذاك. وشارك في الدفاع فيها أغلب فطاحل المحامين، موكلين أو متطوعين. ودُعي للشهادة فيها أغلب الزعماء السياسيين، مثل النحاس باشا، رئيس الوزراء، ورئيس الديوان الملكي وقتذاك، وحسين باشا سري، رئيس الوزراء الأسبق، ومحمد حسين هيكل باشا، رئيس مجلس الشيوخ، ومكرم عبيد باشا، رئيس حزب الكتلة الوطنية وغيرهم. وكان هناك تعاطف شعبي واسع النطاق مع المتهمين. وظلت القضية، وما تحفل به من مفاجآت، تشغل الصفحات الأولى مع صور المتهمين، تتصدرها صورة السادات، في جميع الصحف المصرية على مدى سنتين، استغرقتهما القضية. ولمع اسم أنور السادات حيث كان التركيز عليه، منذ تقديمه رسمياً للمحاكمة في 18 أبريل عام 1948، مع كونه ملفتا للأنظار بحركاته وصوته الجهوري. ومما زاد في اهتمام الناس بالقضية، أن وكيل النيابة الذي كان يُنتظر أن يترافع ضد المتهمين، أخذ يدافع عنهم ويهاجم الإنجليز. فاستقبل الحاضرون، في قاعة المحكمة، عباراته بالتصفيق. وهكذا تحولت القضية إلى مظاهرة وطنية مما بعث القلق في دوائر الحكومة في ذلك الوقت، فبادرت بتكليف المدعي العام نفسه لتولى القضية. وفي اليوم التالي وقف المدعي العام في المحكمة، وأعلن عزل وكيل النيابة، وهنا انبرى السادات وصاح في وجهه محتجا، وراح يصدر الهتافات والشعارات الوطنية.
عجز النائب العام عن إقامة الدليل على إدانة السادات، وصدر الحكم ببراءته في أغسطس عام 1948. وخرج من السجن إلى حلوان يبحث عن نُزُل (بنسيون) رخيص يقيم فيه، ويشرب المياه المعدنية ليعالج معدته التي أصابتها آلام لم تفارقه بعد ذلك.
السادات وثورة يوليه
عودة السادات إلى الجيش
ترك السادات العمل في دار الهلال، استجابة لإغراء حسن عزت له بالمشاركة في الأعمال الحرة، واستقر في مدينة الزقازيق، عاصمة الشرقية. وهناك عمل في مجال عمليات المياه المعدنية، وحقق ربحاً من عمله قدره ستة آلاف جنيه، في ستة أشهر. ثم انتقل مع الشركة إلى المنيا، واختلف مالياً مع حسن عزت، وافترقا.
كان السادات قد تعرف على الضابط يوسف رشاد منذ عام 1941، وصارا صديقين مدة طويلة. وفي أثناء وجود السادات في السجن، كان يوسف رشاد قد أصبح طبيباً في الحرس الملكي. ذهب السادات إلي الدكتور يوسف رشاد، وطلب منه أن يتوسط لإرجاعه إلى الجيش، فنصحه يوسف رشاد بأن يذهب إلى مسجد الحُسين في القاهرة يوم جمعة، ويلقي بنفسه أمام الملك عقب الصلاة ويقبل يده. ولما سأله الملك عن طلبه، ذكره له، وأجاب الملك بهزة من رأسه. وفي اليوم التالي ذهب السادات لمقابلة الفريق محمد حيدر باشا، قائد عام القوات المسلحة، في يوم 10 يناير 1950، وما أن رآه حيدر باشا حتى انهال عليه بالسباب: "أنت ولد مجرم، تاريخك أسود … إياك أن تتكلم، لا تفتح فمك على الإطلاق". ثم دق الجرس، ودخل كاتم أسراره، فقال حيدر باشا: "الولد ده ترجَّعه الجيش النهار ده". وصدرت النشرة العسكرية بعودة السادات إلى القوات المسلحة اعتباراً من 15 يناير 1950 برتبة يوزباشي "نقيب" ـ وهي الرُتبة التي كان قد طُرد من الجيش بعد أن حصل عليها ـ وكان زملاؤه في الجيش قد سبقوه برتبتين، رتبة صاغ "رائد" ورتبة بكباشي "مقدم"[1].
السادات يعود إلى تنظيم الضباط الأحرار
عندما عاد جمال عبدالناصر من السودان عام 42، كان السادات في السجن، فاتصل عبدالمنعم عبدالرؤوف بعبدالناصر لضمه إلى التنظيم. فاستجاب على الفور، ثم تولى قيادة التنظيم[2]. ولجأ عبدالناصر إلى نظام الخلايا السرية داخل الجيش، بحيث لا تعرف كل خلية الأخرى. وتكاثرت هذه الخلايا يوماً بعد يوم، حتى شملت القوات المسلحة كلها. وبدأ عبدالناصر في تكوين قيادة خاصة، هي الهيئة التأسيسية، ممن يعرفهم عبدالناصر معرفة وثيقة، وممن كانوا أصلاً قادة التنظيم. ولذا كان عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر أول من زار السادات، عقب عودته إلى الجيش، وهنآه بالعودة. وطلب جمال عبدالناصر من السادات أن يتقدم لامتحانات الترقية، لكي يستعيد ما فقده من رتب وهو خارج الجيش، وانضم السادات إلى الهيئة التأسيسية للتنظيم[3]، وكان ذلك في أواخر عام 1951. ويقول الصحفي محمد حسنين هيكل أن باقي أعضاء الهيئة التأسيسية ـ التي أصبحت فيما بعد مجلس قيادة الثورة ـ كانوا يعارضون انضمامه إليهم، لما يعرفونه من سجله في التعاون مع المخابرات الألمانية، والاشتراك في الحرس الحديدي، والدور الذي لعبه في اغتيال "أمين عثمان"، ومحاولات اغتيال النحاس باشا. ولكن جمال عبدالناصر أصر على ضم السادات . وثمة احتمالا ت تبرر إصرار عبدالناصر على ضم السادات، منها:
1. لعل عبدالناصر أراد أن يعرف ـ عن طريق السادات ـ أخبار القصر من خلال صداقة السادات بيوسف رشاد. ولكن السادات، عندما أُعيد إلى الخدمة، نُقل إلى رفح والعريش.
2. أو لعله أراد وضع السادات تحت الاختبار، وتصور أنه يستطيع استغلاله، في معرفة تنظيم الحرس الحديدي، إذا فكر الملك في استعماله ضد الضباط الأحرار. ولكن من المعروف أن القصر كان قد بدأ يغلق ملف الحرس الحديدي، ويريد أن يَنسى الناس عنه كل شيء، بعد أن أصبح معروفاً في دوائر عديدة، وبعد أن أرسلت بريطانيا إلى الملك أنه لا يليق أن تكون لديه فرقة خاصة لقتل خصومه. كما أن بعض مجموعات الحرس الحديدي دخلوا في مشاكل بينهم لأسباب شخصية.
3. أو لعل "جمال" أراد أن يزود القصر بمعلومات خاطئة عن الضباط الأحرار، ورأى أن السادات يصلح لهذا الغرض من خلال علاقته بيوسف رشاد. ويضاف إلى ذلك أن جمال أراد أن يضم كل الضباط الذين اقترنت أسماؤهم بالعمل السياسي في مصر؛ لأن سابق تجاربهم سيكون إضافة إلى حصيلة التنظيم. وأن التنظيم في حاجة كذلك إلى ضباط في الإشارة، لأن موضوع التعامل مع شبكة التليفونات واللاسلكي في الجيش، وخارجه، يعد من أهم العقد التي واجهت إعداد الثورة.
وفي الواقع إن الاحتمالات السابقة كلها ممكنة، ونجح السادات في تقديم معلومات خاطئة للملك، عن طريق يوسف رشاد، الذي صار صديقاً شخصياً للملك، كما صار على رأس جهاز المعلومات الخاص بالقصر. وعندما عرض يوسف رشاد مجموعة من منشورات الضباط الأحرار على السادات، أوهمه أنها من صنع خيال ضابط معروف بحب التظاهر والعظمة، ولكنه في الحقيقة لا حول له ولا طول. وتكرر هذا الأمر غير مرة. كما نقل السادات معلومات عن الملك إلى الضباط الأحرار، منها معلومة، قال عنها السادات، أنها جعلتهم يقدمون موعد الثورة، وهي أن الملك بات يشعر أنه لم يعد له مكان في مصر، وأعد قائمة بأسماء من سيصاحبونه في المنفى. كما بدأ يرسل الذهب في طائرته الخاصة إلى بنوك سويسرا. وبناء عليه قرر الضباط الأحرار تقديم موعد الثورة من نوفمبر 1955 إلى نوفمبر 1952[4].
دور السادات في ثورة يوليه
يقال إن عبدالناصر أسند إلى السادات رئاسة المجموعة السياسية داخل التنظيم.
في مشروع خطة الثورة الأصلي المكتوب بخط عبدالناصر، حدد عبدالناصر مهمة قطع الاتصالات التليفونية أثناء تنفيذ المراحل الأولى، ووضع أمامها اسم أنور السادات، ورسم بجانبه علامة استفهام بالقلم الأحمر. وقد أُخطر السادات بالموعد المحدد للثورة، وهو 5 أغسطس، ثم جرى تقديم هذا الموعد، بسبب التطورات السياسية المتلاحقة، إلى 23 يوليه. وأرسل جمال بأحد أعضاء اللجنة التأسيسية العليا وهو قائد الأسراب حسن إبراهيم، إلى العريش ورفح، لإبلاغ أنور السادات، بضرورة الحضور إلى القاهرة في موعد أقصاه 22 يوليه.
ليلة الثورة
وصل أنور السادات إلى القاهرة يوم 22 يوليه ، واصطحب زوجته جيهان إلى إحدى دور السينما الصيفية بحي المنيل، وحضر العرض (ثلاثة أفلام) حتى نهايته. وهناك من يدّعون أن السادات افتعل مشاجرة عنيفة مع أحد المشاهدين. وبعد انتهاء العرض، عاد وزوجته في الساعة الواحدة إلا الربع صباح يوم 23 يوليه، حيث وجد لدى البواب رسالة مغلقة بخط عبدالناصر يخطره بأن العملية سيتم تنفيذها الليلة. ارتدى السادات زيه العسكري، واتجه إلى العباسية، حيث رئاسة أركان حرب الجيش، وكان الضباط الأحرار قد نجحوا في السيطرة على قيادة الجيش، وعلى كل المواقع الحساسة في القاهرة. منعه الجنود من الدخول، فلم يكن يعرف كلمة السر، ولما أخبرهم برتبته طلبوا منه أن يلزم بيته حسب الأوامر. إلا أن السادات ظل في الخارج، ونادى على عبدالحكيم عامر الذي أمر بالسماح له بالدخول.
دور السادات
دخل السادات، ودُهش حين وجد أن كل شيء قد تم بنجاح، ونزل إلى سويتش التليفونات، واتصل بجميع الوحدات ـ حسب أوامر عبدالناصر ـ في سيناء، والقنطرة شرق، والصحراء الغربية، والإسكندرية، والعريش ورفح، وتأكدَّ أن كل شيء يسير حسب الخطة الموضوعة. ثم ناداه عبدالناصر، وسلَّمه بيان الثورة ليذيعه إلى الشعب المصري والعالم: "يا أنور إن لديك صوتا قوياً، وأنت تجيد الإلقاء، اذهب إلى الإذاعة، واقرأ هذا البيان". ذهب أنور السادات إلى مبنى الإذاعة، فوصل في الساعة السابعة، فوجد مقرئ القرآن في الصباح قد بدأ قراءته، فاضطر أن ينتظر عشرين دقيقة حتى فرغ المقرئ من القراءة، ثم أذاع السادات البيان.
وحسب رواية السادات أنه عندما عاد إلى القيادة قال له عبدالناصر: "يا أنور، أنت طول عمرك بتشتغل بالسياسة، روح شوف لنا علي ماهر وكلفه علشان يشكِّل الوزارة". اصطحب السادات إحسان عبدالقدوس معه، لأنه كان يعرف منزل علي ماهر، حيث أبلغه السادات بتكليف مجلس قيادة الثورة له برئاسة الوزارة ( اُنظر ملحق تشكيل الوزارة، برواية أخرى).
ويقول السادات أنه اتصل بقائد "المحروسة" اليخت الخاص بالملك، وطلب منه إعداد اليخت للإبحار بالملك وأسرته في السادسة مساء 26 يوليه، على أن يعود اليخت إلى مصر حال الانتهاء من مهمته. كما أصدر الأوامر لمدفعية السواحل بعدم التعرض للمحروسة، ولسلاح الطيران بتجهيز بعض الطائرات لتحية الملك ووداعه. ووقف السادات على ظهر البارجة "إبراهيم" أكبر قطعة بحرية، يراقب رحيل المحروسة( اُنظر ملحق موجز أحداث يوم 26 يوليه 1952).
مواجهة عنيفة مع الإنجليز
حسب رواية السادات أنه عندما كان في قشلاق مصطفى كامل قدَّم القائم بالأعمال البريطاني، وفي صحبته الملحق العسكري في السفارة البريطانية، مذكرة يطلبون فيها:
1. معرفة موقف الثورة من أسرة محمد علي وحقوقها التاريخية.
2. فرض حظر التجول حماية لأرواح الأجانب. فرد السادات عليهم بحدة:
أ. أسرة محمد علي وحقوقها التاريخية، ما دخلكم أنتم في هذا الأمر؟ هل هي أسرة إنجليزية؟ أمركم غريب والله!
ب. أما عن حماية الأجانب فيجب أن تعلموا أن هذه بلدنا، وأنه من اليوم لا أحد مسؤول عنها إلا نحن، ونحن فقط ... أفهمتم؟ ثم إننا نريد أن نعرف بأي صفة تتكلمون؟ هل هي صفة رسمية؟ إذا كان الأمر كذلك؛ فنحن نريد كلامكم مكتوباً، وموجها من الحكومة البريطانية حتى نستطيع أن نتخذ موقفنا من حكومتكم.
تراجع القائم بالأعمال البريطاني، وقال إنه جاء بصفته الشخصية، ورجا السادات أن يعتبر الزيارة كأن لم تكن. وفور خروجه اتصل السادات بعبدالناصر في القاهرة، وأبلغه بأن أول احتكاك مع بريطانيا قد وقع، وانتهى بانسحاب بريطانيا وتراجعها[5].
هكذا كان السادات في بداية الثورة شعلة من النشاط. لفت نشاطه أنظار أعضاء مجلس قيادة الثورة، ولعل بعضهم شعروا بالضيق أو الغيرة منه، خاصة أنه كان الوحيد من بينهم المعروف بين أغلب الناس في مصر، بل إن أكثر المثقفين كانوا في خوف وتوجس بسبب ظهور اسم أنور السادات بين ضباط الثورة. وكانت إذاعة بيان الثورة بصوت أنور السادات ـ ذي الماضي المعروف من التعاون مع الألمان، والاشتراك في قضايا اغتيالات شهيرة ـ مثاراً للقلق وعلامات الاستفهام:
هل هو وزملاؤه من أصحاب الآراء النازية والفاشستية؟
أم هم ضباط من أعداء حزب الوفد؟ أم من هم على أي حالٍ؟ |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر الجمعة 02 ديسمبر 2016, 9:56 pm | |
| الرئيس محمد أنور السادات
في 20 ديسمبر 1969 حلف السادات اليمين نائباً لرئيس الجمهورية، وكان في المطار يودع الرئيس عبدالناصر في طريقه لحضور مؤتمر القمة العربي في المغرب.
وهنا يسلط البحث الضوء على نقطتين أساسيتين:
الأولي: دور السادات في حرب اليمن، والثانية: أسلوب السادات في التعامل مع عبدالناصر طوال تلك الفترة، مما أدى إلى اختياره نائباً له في نهاية المطاف.
دور السادات في حرب اليمن
يقول السادات: "في 26 سبتمبر عام 1962، قامت ثورة اليمن، وعندما اجتمع مجلس الرئاسة للنظر في طلب ثوار اليمن للمساعدة كنت أول المتحمسين، وأقنعت المجلس بضرورة مساندتهم".
كان السادات، في ذلك الوقت , قد سمع الكثير من عبدالرحمن البيضاني، الذي كان لاجئاً في مصر. وقد تمكن البيضاني من إقناع السادات بأن هناك تنظيماً تقدمياً في اليمن، وأن هذا التنظيم قادر، لو أنه تلقى مساعدات بسيطة أن يكسب المعركة. ونجح السادات بدوره في إقناع عبدالناصر أن دور مصر الواجب هو تأييد هذه الحركة[8] لأن الثوار في اليمن يريدون خلع حكم الإمام، واستبداله بجمهورية تقدمية على نمط مصر. وكان السادات بارعاً في عرضه السياسي، حين قال إن تأييد الثورة في اليمن يمكن أن يكون رداً على ضربة الانفصال التي وُجِّهت لمصر بإخراج سوريا من الوحدة في العام السابق. كما أن هذه الثورة ـ إذا نجحت ـ سوف تحدث آثاراً كبيرة في شبه الجزيرة العربية، مما يضع النظم هناك في وضع الدفاع عن نفسها، بعد أن كانت تهاجم مصر عقب الانفصال. وفي رأيه أن الثورة اليمنية، بقيادة عبدالله السلال، وهي تواجه تدخلاً من وراء الحدود في السعودية، لا تحتاج إلاّ إلى عدد من الطائرات تلقي الرعب بين القبائل المتحركة ضد الثورة. وكان التعبير الأثير لدى أنور السادات أيامها هو: "حفنة من الطائرات حتى ولو ألقى طياروها شحنات المتفجرات عبر نوافذها". وفيما بعد، حين اتسعت حرب اليمن، وزاد تدخل الأطراف فيها، كان جمال لا يكف عن تذكير السادات بما كان يقوله عن سهولة العمليات. فقد قال عبدالناصر مرة: "إننا أرسلنا كتيبة من الجيش إلى اليمن لنجدة الثورة؛ ولكن كان علينا أن نبعث بفرقتين كاملتين لتعزيزها!!".
أسلوب السادات في التعامل مع عبدالناصر
كان السادات، طوال تلك الفترة، حريصاً كل الحرص على إرضاء عبدالناصر، فمن البداية كتب ورقة يعطي فيها صوته لعبدالناصر في أي قضية تعرض على مجلس القيادة. كما أنه عرض، في خطاب استقالته الثانية عام 1955، تحويل السلطة المطلقة إلى عبدالناصر. وقد بذل السادات جهوداً مكثفة لإقناع عبدالناصر بالعدول عن التنحي عقب هزيمة 1967. ثم بعد عودة عبدالناصر تمكَّن السادات من إقناع زملائه في مجلس قيادة الثورة القديم، والذي يضم كلاً من زكريا محيى الدين، وحسين الشافعي، وأنور السادات، بالاستقالة قائلاً لهم: "لكي نعطي الفرصة لعبدالناصر لاختيار معاونيه في هذه المرحلة الحرجة" وفي هذه الفترة الصعبة بعد حرب 1967، وأثناء حرب الاستنزاف، زاد السادات قرباً من عبدالناصر. وكان بيت السادات في الهرم هو المكان الوحيد الذي يستطيع عبدالناصر أن يذهب إليه ليقضي فيه ـ بين حين وآخرـ ساعات مع صديق لم يكن يضغط على أعصابه بإثارة مناقشات سياسية أو عسكرية ملحة.
ويبدو أن السادات بالغ في التقرب والتودد إلى عبدالناصر، إلى الحد الذي جعل بعض الناس يقولون إنّ السادات لم يكن لعبدالناصر أكثر من "مضحك الملك"، وأنه كان يتفنن في إلقاء الفكاهات والنكات بطريقة تمثيلية. وإذا أحس عبدالناصر بضيق أو غضب، أرسلوا السادات إليه ليضاحكه ويسري عنه. وقد حفظت له الصحف بعض المناظر وهو يتراقص أمام عبدالناصر ليضحكه. ولذا كان عبدالناصر يسميه "جحا". ويوجز السادات صورة هذه العلاقة بقوله: "تساءل البعض، في حيرة، كيف قضيت هذه الفترة الطويلة مع عبدالناصر، من غير أن يقع بيننا ما وقع بينه وبين بقية زملائه؟ إمّا أنني كنت لا أساوي شيئاً على الإطلاق، وإما أنني كنت خبيثاً غاية الخبث بحيث تحاشيت الصراع معه".
ولا شك أنه تحاشى الصراع تماماً مع جمال، فهو يقول: "كنت أقابل كل ما يفعله عبدالناصر بالحب الخالص من جانبي. هذا ما جعلني أعيش مع عبدالناصر 18 سنة دون صراع، فأنا إلى جانبه منتصراً أو مهزوماً… ولعل هذا ما جعل عبدالناصر يتلفت حوله، بعد 17 سنة، ويتنبه إلى أن هناك إنساناً، لم تقُم بينه وبينه معركة في يوم ما".
ولا ريب أن السادات، كان لديه قدرة هائلة على كَبْت شعوره، والظهور أمام عبدالناصر في ثوب المحب له، المُعجب بمواهبه.
السادات نائباً لعبدالناصر
تولى السادات منصب نائب رئيس الجمهورية مرتين، كانت أولاهما لمدة يوم واحد فقط. هو يوم 25 مارس 1964، وذلك أن عبدالناصر عندما رشح السادات رئيساً لمجلس الأمة، أصدر قراراً بتعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، أي لمدة يوم واحد، بعدها يتولى رئاسة مجلس الأمة. ولما سأله السادات في ذلك، قال له لكي لا تكون في الترتيب بعد زملائك أعضاء المجلس. وأمّا المرة الثانية، فكانت في 20 ديسمبر 1969، كما سبق ذكره.
لماذا اختار عبدالناصر السادات نائباً له
هناك رأي يقول إن السادات ظل، إلى جوار عبدالناصر، يناور، ويهادن، ولما أصيب عبدالناصر بالمرض، وشعر بقرب النهاية، وشعر أن من حوله بدءوا يتقاتلون على الزعامة، اختار السادات نائباً له قبيل وفاته بحوالي تسعة أشهر، وذلك لاطمئنانه إلى أن السادات كان سيصبر وينتظر قضاء الله فلا يحاول إزاحته، وهو حي، بالقوة. وربما كان في ذلك الاختيار أيضاً قصد انتقامي تجاه الباقين من الطامعين من زملائه القدامى، إذ اختار لهم السادات، الذي لا يحبونه؛ ليجثم على صدورهم، ومن المحتم أن ينشب الصراع بينهم. وهذا ما حدث بالفعل. بينما يؤكد محمد حسنين هيكل أن عبدالناصر عيَّن السادات نائباً له قبيل سفر عبدالناصر إلى المغرب مباشرة؛ لأنه قد وصلته معلومات أن وزير الداخلية المغربي يتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في محاولة لاغتيال عبدالناصر أثناء وجوده في المغرب. ورأي عبدالناصر أنه إذا صدقت المعلومات، فإن السادات يصلح لسد الفترة الانتقالية، وسيكون دوره شكلياً فقط. أمّا إذا رجع عبدالناصر سالماً، وثبت عدم صدق المعلومات، فيكفي السادات أن يتولى المنصب لمدة أسبوع واحد، ولما عاد عبدالناصر من المغرب ظل مشغولاً طوال الشهور التسعة التي سبقت وفاته، وظل وضع أنور السادات كنائب، قضية منسية.
السادات يرفض مبادرة روجرز
في 1 مايو 1970 وجه عبدالناصر، في عيد العمال، نداء إلى الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، طالباً منه الضغط على إسرائيل، للانسحاب من الأراضي المحتلة، فإن لم يكن ذلك في استطاعته، فليوقف دعمه إياها سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً وجاء رد نيكسون بما اشتهر بعد ذلك باسم "مبادرة روجرز"، التي نص فيها على الانسحاب من الأراضي العربية بعد اتصالات يجريها مبعوث الأمم المتحدة "جونار يارنج". حين وصل نص مبادرة روجرز إلى القاهرة، كان عبدالناصر في طرابلس يحضر احتفالاً بجلاء الأمريكيين من قاعدة "هويليس" الليبية، وكان يزمع قبول مبادرة روجرز. وتصوَّر السادات أن عبدالناصر سوف يرفض المبادرة، فأعلن رفضها من جانب مصر. وتدارك عبدالناصر الموقف، وفي 22 يوليه أبلغ الولايات المتحدة موافقة مصر على مبادرة روجرز.
كان عبدالناصر غاضباً من تصرف السادات، فلما استقبله السادات في مطار القاهرة قال له عبدالناصر: "يا أنور أنا شايفك تعبان شوية عاوز تستريح في بلدك ميت أبو الكوم".
كما جاءت التقارير إلى عبدالناصر بأن السادات قد استخدم سلطته، كنائب لرئيس الجمهورية، وأصدر قراراً بفرض الحراسة على صاحب قصر بالهرم؛ لأنه رفض أن يؤجر قصره لجيهان السادات، غضب عبدالناصر من هذا التصرف، ولكنه كافأ السادات بأن أمر بتخصيص منزل يكون مقراً لنائب رئيس الجمهورية يسكنه كل من يشغل هذا المنصب.
السادات رئيساً
أذاع السادات نبأ وفاة عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970. وبعد ذلك، بحوالي أسبوعين، وتحديداً في 15 أكتوبر عام 1970، انتخب رئيسا للجمهورية العربية المتحدة. وجرى انتخابه في استفتاء نال فيه 90,04% من أصوات الناخبين، وكان تولى منصب الرئيس بصفة مؤقتة، عقب رحيل عبدالناصر، ثم خاض المعركة الانتخابية بشعار الخطى على طريق عبدالناصر، وعلى أساس أن عبدالناصر قد اختاره بنفسه، حين شعر بدنو أجله.
بعد إعلان النتيجة توجِّه السادات إلى مجلس الأمة، لأداء اليمين الدستورية، وبعد أن ألقى خطابه استدار إلى تمثال نصفي لعبدالناصر على منصة المجلس، وانحنى أمامه.
كانت الأنظار في مصر تترقب ما سيحدث؟ والأنظار في أمريكا والاتحاد السوفيتي ودول أوروبا والعالم العربي تترقب وتتلهف إلى استكشاف ما ستكون عليه مصر بعد عبدالناصر، وما هي اتجاهات الرئيس الجديد؟؟
في مصر: كان السادات لا ثقل له، ولا وزن شعبي. فقد كان في المقاعد الخلفية لرجال الثورة، لا توحي قدراته ببراعة في الحكم تملأ الفراغ الذي تركه عبدالناصر. وتوقع الكثيرون، ومنهم بعض كبار رجال الدولة المحيطين بالسادات، أنه لن يستمر في موقعه رئيساً لمصر أكثر من بضعة أشهر، ثم يسقط وينهار نظامه. وبدأ الشارع المصري يطلق النكات الساخرة على الرئيس الجديد؛ لأن الشارع يعي تماماً أن مصر وهي تواجه الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، في اشد الحاجة إلى قيادة لها خبرتها في الحكم، وقيادة تستطيع أن تقود البلاد إلى النصر وبر الأمان، وهو ما كان يفتقده السادات قبل توليه الرئاسة.
في خارج مصر: كان الاتحاد السوفيتي مقتنعا بأن السادات شخصية ضعيفة، يمكن احتواؤها بسهولة من رجال الكرملين في الحكومة المصرية!!
وكانت واشنطن تخشى ألا يكون بمقدور الرئيس الجديد أن يتصدى للسوفيت، وهي السياسة التي كان عبدالناصر قد بدأها، في الفترة الأخيرة، حين قبل مبادرة روجرز، بعد أن لمس تقاعس السوفيت عن إمداده بما يريد من صواريخ "سام" المضادة للطائرات، خاصة بعد أن بدأت إسرائيل تهدد بضرب المدن بطائراتها التي كانت تتوغل في عمق مصر. وانتهت حسابات أمريكا، بعد تحرياتها عن الرئيس الجديد، إلى أنه لن يحكم أكثر من أربعة أشهر.
وبوجه عام كانت الأوساط والدوائر السياسية والدبلوماسية الدولية تتساءل: هل سيكون الرئيس الجديد لمصر رمزاً فقط بلا سلطة، بينما السلطة الحقيقية في قبضة أحد مساعديه، ممن ينتظرون الفرصة للانقضاض لإسقاطه؟!
سياسة السادات
بادر السادات بإعلان التزامه بمنهج عبدالناصر وسياسته، وأنه سيسير على الخط نفسه[1]. وكانت المفاجأة التي أذهلت الجميع أن سياسة السادات تعتمد على الصدمات الكهربائية المفاجئة، مثال ذلك:
1. في 29 ديسمبر 1970، أصدر قرار تصفية الحراسات. وقد أحدث القرار دوياً هائلا، وقوبل بحماس كبير.
2. كان يوم 5 فبراير 1971، هو موعد انتهاء الفترة الثانية لوقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل. وكانت قوى كثيرة تمارس ضغوطها على مصر من أجل استمرار وقف إطلاق النار. وفوجئ العالم بالسادات في خطابه في مجلس الأمة، يوم 4 فبراير يعلن مبادرة جديدة تتضمن أن توافق مصر على مد فترة وقف إطلاق النار لمدة شهر في إطار مشروع يتضمن:
أ. انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية على الشاطئ الشرقي لقناة السويس، خلال ثلاثين يوماً، كمرحلة أولى ضمن جدول زمني للانسحاب الكامل إلى حدود مصر الدولية طبقاً للقرار رقم 242 الصادر من مجلس الأمن.
ب. إذا تحقق ذلك، فإن مصر على استعداد للبدء مباشرة في تطهير قناة السويس، وإعادة فتحها للملاحة الدولية. ولخدمة الاقتصاد العالمي ( اُنظر ملحق نص خطاب السادات أمام مجلس الأمة في 4 فبراير 1971).
ج. وقال محمد حافظ إسماعيل، إن المبادرة تضمنت أيضاً: أن تتعهد مصر بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، يُنَص فيه على إنهاء حالة الحرب، واعتراف مصر بحق إسرائيل في الوجود، والاعتراف بحق كل دولة في العيش بسلام داخل حدود آمنة معترف بها. والعمل على منع أي أعمال عدوانية من أراضي كل دولة ضد الأخرى، وضمان حرية الملاحة في مضيق تيران بناء على ترتيبات خاصة بالنسبة لشرم الشيخ.
وأضاف أنور السادات في كتابه أن المبادرة نصت على إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن الغريب أن السادات كان قد أخفى هذه المبادرة المفاجئة عن معاونيه، من كبار رجال الدولة والحكومة.
ولما رأى السادات تعثر المباحثات، زار الاتحاد السوفيتي، في الأول من مارس 1971، لمدة 24 ساعة. وذكرت جريدة الأهرام أنها زيارة سريعة عرض خلالها الموقف العسكري المصري وحتمية البدء بعمليات حربية، وحاجات القوات المصرية من الأسلحة، التي تضمنت طائرات الردع، واستكمال الذخائر وحاجات الدفاع الجوي عن الصعيد، أي جنوب مصر، ولكن السوفيت تقاعسوا في الاستجابة للسادات مع أنه كان قد أعلن أن عام 1971 هو عام الحسم ( اُنظر ملحق لقاء السادات مع رجال الصحافة والإعلام.).
3. في 17 أبريل 1971، أعلن السادات مشروع الوحدة بين مصر وسوريا وليبيا، وقد عارضه كثير من أعضاء اللجنة المركزية.
4. في 31 مايو 1971، تولى السادات بنفسه إحراق أشرطة التجسس على المكالمات التليفونية. وأصدر تعليماته بمنع مراقبة التليفونات إلاّ بأمر القضاء، ولأسباب مقنعة، ولمدة محدّدة[2].
ثورة التصحيح
سرعان ما بدأت تلوح في الأفق نُذر الصدام بين السادات، وما اصطُلِح على تسميته بـ "مراكز القوي"، ويُقصد بها المجموعة الوطنية الحاكمة في عهد عبدالناصر، والتي خلفت المجموعة العسكرية للمشير عبدالحكيم عامر، بعد حرب يونيه 1967. وقد بدأ الصراع من البداية حين طلب السادات ـ بعد تشييع جنازة عبدالناصر ـ انعقاد اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي، واقترح ضرورة إجراء استفتاء على رئاسته. فقد قال له أحد أعضاء اللجنة التنفيذية:"أخشى لو قدمنا اسمك للناس أن تتعرض للحرج، فالبلد ترفضك، وإذا حدث هذا فسيكون معناه إن البلد ترفض ثورة 23 يوليه".
ولكن انتهى رأيهم بتأييد ترشيح السادات لرئاسة الجمهورية. خاصة بعد أن أقلقهم بروز زكريا محيي الدين في الصورة، فلم يكن أحد منهم يُرحب بترشيحه، فقد كانت شخصيته القوية تجعل من المتعذر السيطرة عليه، على عكس السادات الذي غررت بهم شخصيته المسالمة طوال عهد عبدالناصر، وظنوا أن بإمكانهم توجيهه بسهولة.
· حين عرض السادات على اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي اتفاق الوحدة الذي وقَّعه في بنغازي، بين مصر وسوريا وليبيا، تجمَّعت أصواتهم في اللجنة التنفيذية العليا ضد الاتفاق (خمسة أصوات ضد ثلاثة هم: السادات، ونائبه حسين الشافعي، ومحمود فوزي، رئيس الوزراء) فاضطر إلى عرض الموضوع على اللجنة المركزية (300 عضو) وحصل على الموافقة.
· في موقف آخر حاولوا إجباره على استئناف حرب الاستنزاف، ولكنه رفض حتى تأتيه بطاريات الصواريخ من الاتحاد السوفيتي.
· عندما أعلن السادات مبادرة 4 فبراير 1971، فوجئ بوجوم تام من مراكز القوى، وظهور علامات الضيق والاستنكار على وجوههم.
· كان السوفيت في ذلك الوقت يتعاملون مع السادات بحذر وتوجس، ولأسباب غير مفهومة قسّم السوفيت خلفاء عبدالناصر إلى مجموعتين: مجموعة يسارية، وهي مجموعة علي صبري واتباعه (مراكز القوى)، ومجموعة يمينية، وعلى رأسهم السادات ومحمد حسنين هيكل[3]. ولذا اشترط السوفيت على السادات لتسليمه طائرات ميج، أن يكون معها طياروها، وألاّ يتم استخدام هذه الطائرات إلا بإذنهم. ولكن السادات رفض هذا الشرط، وقال أمام مراكز القوى: "لا قرار إلا لي أنا كرئيس جمهورية"، فاشتد استنكار مجموعة على صبري على السادات، وخرجوا ساخطين وهم يقولون: "لماذا لا يوافق على استئذان روسيا، وهي دولة عظمى[4].
وبدأ السادات يتربص بهم، وأخذوا يتربصون به. واستعد السادات في صمت لكل احتمال. أعد خطة سرية مع قائد الحرس الجمهوري لتامين القاهرة. ثم في 2 مايو 1971 اصدر قراره بإقالة علي صبري من جميع مناصبه، ونشر القرار في الصحف الرسمية. وعقد اجتماعات في القوات المسلحة، وقال في خطبة له هناك:
"لن اسمح بمراكز القوى ولا بالصراع، وأي واحد حيعمل حاجة ضد مصر أنا حأفرمه" وكان الفريق محمد أحمد فوزي ـ وزير الحربية ـ جالساً إلى جواره في ذلك الوقت.
الفريق صادق ينقذ السادات
حين وقع الصدام، عنيفاً بين السادات ومراكز القوى، في اللجنة المركزية، ثم اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي في 21 أبريل 1971، أعد الفريق محمد فوزي خطة انقلاب، وكتب بخط يده أمراً إلى الفريق "محمد صادق" طالباً منه الاستعداد من الصباح الباكر والتنسيق مع المخابرات الحربية، والفرقة السادسة الميكانيكية، واللواء 22 مشاة، والشرطة العسكرية، لتأمين القاهرة والسيطرة على الإذاعة، ومداخل القاهرة، وإغلاق أجهزة لاسلكي السفارات. ولكن الفريق صادق، رئيس الأركان، احتفظ بهذه الوثيقة، ولم ينفذ ما فيها، بل همس في أذن محمد حسنين هيكل قائلاً: "قُلْ لهذا الرجل أن يصحو من نومه وأن يأخذ حذره"[5].
الفريق فوزي يرفض مقترحات روجرز والسادات!!
في 4 مايو 1971، وصل إلى القاهرة "ويليام روجرز"، وزير خارجية أمريكا إلى القاهرة، وقدم للسادات مقترحات جديدة لحل أزمة الشرق الأوسط، ورد عليها السادات بمقترحات بديلة. ثم استدعى السادات الفريق فوزي، وأحاطه علماً بالأمر. وفوجئ السادات في اليوم التالي بالفريق فوزي يقدم له تقريراً بخط يده في 12 صفحة عنوانه: "رأي القوات المسلحة في مقترحات روجرز" ويرى التقرير أن مقترحات روجرز ومعها مقترحات السادات، غير مقبولتين. وكان هذا شيئا عجيباً، فالسادات لم يطلب رأي القوات المسلحة، ثم كيف استطاع الفريق فوزي في ساعات قليلة أن يعلم رأي القوات المسلحة.
يقول جمال حماد: كان الفريق فوزي على ثقة تامة من جهة ولاء الفريق صادق له ولجماعته، وقد كانت علاقته معهم، ومع سامي شرف قوية ووثيقة منذ عهد عبدالناصر، ويبدو أن الفريق صادق قد سايرهم إلى الحد الذي اعتقد معه فوزي أنه يمكن الاعتماد عليه، وأنه أصبح ضالعاً معه في خططه وتدبيراته، وقد اعترف صادق بنفسه بأنَّهم قد قرَّبوه إليهم، ولوَّحوا له بالمنصب، وكان لا يُعلقِّ كلما طعنوا في السادات أمامه، ولا يعارض كلما كشفوا أوراقهم ومخططاتهم لاقتلاعه، مما أقنعهم في النهاية بأنه قد غدا واحداً من جماعتهم، وليس أدل على ذلك من دليلين قاطعين:
أولهما: أن فوزي وجماعته، في إحدى جلساتهم بمكتب الفريق فوزي، كشفوا أمام صادق بلا أي تحفظ أو حذر عن نيتهم المبيَّتة في التخلَّص من محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير الأهرام وقتئذ، وكان ذلك هو السبب الذي دعا صادق إلى أن يرسل سراً إلى هيكل تحذيراً قوياً بأن يلتزم الحيطة والحذر.
الثاني: السادات نفسه كان لديه الانطباع بأن الفريق صادق كان أقرب إلى مجموعة فوزي، التي تناوئه، منه إلى السادات، وقد ذكر هيكل في كتابه أن السادات ظل تحت تأثير ذلك الانطباع حتى أكدَّ له هيكل، في اللحظات الحرجة مساء يوم 13 مايو، بأنه في إمكانه الاعتماد على الفريق صادق.
الليلة الحاسمة
في ليلة 11 مايو 1971، وصل إلى بيت السادات بعد منتصف الليل، ضابط شرطة يعمل في إدارة الرقابة على الهاتف في وزارة الداخلية. وكان يحمل مجموعة من الأشرطة المسجلة، تكشف بوضوح أن جميع الهواتف التي يتصل بهم الرئيس تحت المراقبة، ويعني ذلك أن السادات نفسه كان تحت الرقابة الكاملة. وكان ضمن الأشرطة شريط عليه تسجيل لمكالمة بين اثنين من مراكز القوى، يتضح فيها تآمرهم على السادات، فقد اتضح أن الإذاعة كانت محاصرة يوم جلسة اللجنة المركزية للاستفتاء على مشروع الوحدة، حتى إذا ذهب السادات إلى الإذاعة يتم اغتياله.
بدأ السادات بإقالة وزير الداخلية، شعراوي جمعة، يوم 13 مايو 1971. وطلب من سكرتيره فوزي عبدالحافظ أن يتصل بممدوح سالم، محافظ الإسكندرية، لكي يحضر مباشرة إلى منزل الرئيس في الجيزة دون أن يعرف أحد بذلك. ثم أعلن السادات تعيين ممدوح سالم وزيراً للداخلية. وقررت مراكز القوى مفاجأة السادات باستقالة جماعية، بما يهدد بانهيار دستوري في الدولة. فقد سمع السادات من الإذاعة نبأ استقالة مشتركة قدَّمها إليه وزير الحربية، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية، ورئيس مجلس الأمة، وعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، ومدير المخابرات العامة. وكان إعلان الاستقالة في الإذاعة قبل وصولها إلى الرئيس، إجراءً قُصِد به دفع الأزمة إلى أقصى درجات الحدة[6].
محاولة أخيـرة
حاول الفريق فوزي محاولة أخيرة لتصعيد الأزمة. فدعا قادة القوات المسلحة إلى اجتماع في مكتبه في وزارة الحربية، وأخذ يحدثهم عن تطورات الأزمة قائلاً: "إن رئيس الجمهورية يبيع البلد للأمريكان، فهل يمكن لنا كقوات مسلحة أن نقبل هذا الوضع؟ ". فرد عليه الفريق صادق بقوله: "إنك قدمت استقالتك، والآن تعرض علينا ما لا دخل لنا فيه وما يمكن أن تترتب عليه عواقب وخيمة، إنك الآن متعب، وأنا اقترح أن تذهب إلى بيتك لتستريح".
انتصار السادات
أصدر السادات قراره في الليلة نفسها، 13 مايو، بقبول جميع الاستقالات فوراً، وتحديد إقامة المستقيلين في منازلهم، ثم اتصل بالفريق صادق وسأله عن الموقف، فطمأنه بأن كل شئ على ما يرام، فطلب منه السادات أن يمر عليه في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل وأخبره أنه عينه وزيراً للحربية ورقاه إلى رتبة الفريق أول. وفي صبيحة 15 مايو أمر بالتشكيل الوزاري الجديد، وبإحراق جميع شرائط التسجيل الموجودة في وزارة الداخلية.
وفي 9 ديسمبر 1971، صدرت أحكام محكمة الثورة تتضمن:
1. إعدام كلٍ من على صبري، وشعراوي جمعة، وسامي شرف، وأمر السادات بتخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبَّدة.
2. الأشغال الشاقة المؤبَّدة على الفريق أول محمد فوزي، وأمر السادات بتخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة لمدة 15 سنة.
3. الأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات على محمد فائق.
4. 14 حكماً بالبراءة، و15 حكماً بالحبس مع وقف التنفيذ على عدد آخر من المتهمين.
وهكذا خرج السادات منتصراً، وأصبحت السلطة كاملة في يده. وأصدر قراره بإعادة تشكيل تنظيمات الاتحاد الاشتراكي العربي في 20 مايو 1971. (اُنظر ملحق حديث الرئيس محمد أنور السادات إلى الشعب ، 14 مايو 1971 وملحق كلمة الرئيس السادات في لقائه مع ضباط الشرطة 16 مايو 1971 وملحق خطاب الرئيس السادات أمام مجلس الأمة في 20 مايو 1971 ثورة التصحيح).
السادات والسوفيت وأمريكا
إذا أردنا إيجاز ما حدث في العشر سنوات، من 1971 إلى 1981، فإن ما أورده الأمير خالد بن سلطان في بحث له، في الولايات المتحدة الأمريكية، باللغة الإنجليزية، يُعيننا على ذلك. فقد أورد سموه:
"إن هزيمة 1967 أفقدت سياسات عبدالناصر مصداقيتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، مما اضطر خليفته أنور السادات أن يعيد التقييم الشامل لأوضاع مصر على المستويين المحلي والدولي، ويعيد صياغة هذه الأوضاع وتسويتها. وفي خلال العشر سنوات التي تلت وفاة عبدالناصر، قام الرئيس السادات بتحويل مصر من الاعتماد المطلق على موسكو إلى الاعتماد المطلق على واشنطن، وهذا التحول العام لم يحدث بين عشية وضحاها، بل كانت خطواته الرئيسية كالتالي:
· طرد نحو 20000 خبير عسكري سوفيتي من مصر عام 1972، وهي خطوة جريئة حظي فيها السادات بتشجيع الملك فيصل، ملك المملكة العربية السعودية.
· حرب عام 1973 ، التي كانت محاولة لكسر جمود الصراع العربي الإسرائيلي، وفتح الطريق أمام محادثات السلام.
· قبول مصر لمقترحات كيسنجر لفض الاشتباك عامي 1973، 1975.
· وفي النهاية تبني الرئيس كارتر لإستراتيجية السلام، والتي توجت بتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مارس 1979.
وكانت الأسباب الخمسة الرئيسية التي جعلت الرئيس السادات يأخذ في إعادة تصحيح وضع مصر، هي:
1. استنزاف اقتصاد الشعب المصري طوال ثمانية عشر عاماً، خلال حكم عبدالناصر ضمن ثلاثين عاماً من الصراع.
2. عدم تسليح الجيش المصري بأسلحة سوفيتية متطورة، والخلافات مع الخبراء السوفيت. وكان هناك اقتناع تام بأن الاتحاد السوفيتي يرفض تزويد مصر بالأسلحة الهجومية التي تحتاجها.
3. الإيمان بأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تملك قوة التأثير على إسرائيل من أجل تحقيق السلام الذي يمكن أن يقبله العرب. ففي عام 1967، أوضحت كل من المملكة العربية السعودية وتونس والمغرب والأردن للرئيس عبدالناصر أن القوة الرئيسية التي يمكنها التأثير على إسرائيل توجد في أيدي أمريكا. وقد طبق الرئيس السادات هذه السياسة.
4. الرغبة المصرية في تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، والدول الأخرى المنتجة للنفط في شبه الجزيرة العربية، بعد أن توترت بسبب حرب اليمن في الستينات.
5. وأخيراً الحاجة لتحرير الاقتصاد المصري، وتشجيع القطاع الخاص الذي تم تقييده خلال عهد عبدالناصر".
وإذا أردنا بيان أسباب وملابسات التحول في سياسة السادات، فينبغي القول بأن السادات على الرغم من وجود رغبة دفينة في نفسه للتخلص من السوفيت، إلاّ أنه كان حريصا في البداية على تهدئة مخاوف عدد كبير من أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، حيث دارت المناقشات في عام 1971، واخذ البعض يردد مخاوفه من أن يكرر السوفيت ما فعلوه في تشيكوسلوفاكيا. قال السادات "إننا لا نريد إبقاء الخبراء السوفيت، ولكننا محتاجون إليهم للدفاع عنا في العمق، وأنهم عبء علينا، لأننا ندفع لهم مرتباتهم بالعملة الصعبة"! وكانت هذه الأقوال تتسرب للسوفيت، مما جعل الشكوك تتزايد لديهم في السادات.
وقد بلغ من حرص السادات، عندما وقع الخلاف بينه وبين مراكز القوى واعتزم إقالة علي صبري، أن أبلغ السفير السوفيتي يوم 22 إبريل بذلك. وعندما أبدى السفير دهشته لمصارحة السادات له، قال السادات:
"لأن الناس سيقولون لكم إن رجل السوفيت الأول في مصر قد صُفّي، وسترقص صحف الغرب أمامكم بالجلاجل في محاولة لإثارتكم. لكني أوكد لك أنه ليس في هذا شيء موجه ضد الاتحاد السوفيتي، إنها مسألة داخلية محضة، وإذا بدا لأحد أن يصور لكم الموقف بأن ما سأفعله موجه ضد الوجود السوفيتي في مصر، ففي استطاعتكم أن تردوا بأني سأكون سعيداً لو عززتم هذا الوجود".
معاهدة مصرية سوفيتية
على الرغم من طمأنة السادات للسوفيت إلا أن شكوكهم أخذت تزداد. فأسرعوا بصيغة مشروع معاهدة صداقة. وحضر الرئيس بودجورني إلى مصر يوم 25 مايو 1971، وقابل السادات، الذي لاحظ أن الروس يشعرون بأن كل شئ في مصر الآن مضطرب ومعكوس بالنسبة إليهم. كان بودجورني يحمل معه مشروع معاهدة جاهزاً للتوقيع، ووافق السادات، وتم توقيع المعاهدة يوم 27 مايو 1971. ( اُنظر ملحق اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي في 27 مايو 1971)
وكانت هذه المعاهدة مدعاة لدهشة الأمريكيين، وأخذوا يتساءلون لماذا تخلص السادات من أعوانه، الذين كانوا يتصورونهم موالين للسوفيت، وهي خطوة اعتبروها اتجاهاً إلى التقارب مع الأمريكيين! ولذا سألوا الملك فيصل، وكان في واشنطن في ذلك الوقت، عن مغزى تصرف السادات؟ فقال الملك فيصل: إن المعاهدة مجرد مناورة، وجد السادات نفسه مضطراً إليها، وأما نواياه الحقيقية فهو يعرفها.
كان السوفيت في ذلك الوقت يسعون إلى منح الأسطول السوفيتي تسهيلات في الموانئ المصرية. وحضر إلى مصر وفد عسكري سوفيتي، ثم حضر الأميرال جورشيكوف ليؤكد أن التسهيلات المطلوبة لا تساعد الأسطول السوفيتي على أن يعمل بصورة أفضل فحسب، وإنما ستتيح لمصر الحصول على معلومات استطلاع افضل بكثير. ولكن الجانب المصري رفض.
إعادة الرئيس السوداني جعفر محمد نميري إلى الحكم
شهد السودان أحداثا خطيرة، بدأت منذ العاشر من يوليه 1971؛ إذ نجح اليسار السوداني في عمل انقلاب وإلقاء القبض على الرئيس جعفر نميري. وأعلن السادات شجب الانقلاب، ورفض قيام حكم شيوعي على حدود مصر، وتدخلت القوات المصرية، وبعد 72 ساعة تمكنت القوات المؤيدة لنميري من السيطرة على الموقف، والإفراج عن الرئيس المعتقل.
محاولات ووعود دون جدوى
في 2 يوليه 1971، أوفد السادات وزير خارجيته، محمود رياض، إلى الاتحاد السوفيتي ليُبلغ السوفيت موافقة السادات على منح تسهيلات بحرية للأسطول السوفيتي في مرسى مطروح، مقابل تعاون السوفيت في المرحلة الأولى من عمليات عسكرية تستهدف احتلال منطقة المضايق في وسط سيناء، تمهيداً لمرحلة ثانية تستهدف تحرير سيناء. وأكد بريجنيف، الرئيس الروسي، استعداده لذلك، خاصة بعد أن صرح رياض بصدور قرار مصري بالعبور قبل نهاية 1971، لكن الروس لم ينجزوا ما وعدوا به.
في الفترة ما بين 11 ـ 13 أكتوبر، زار السادات موسكو بهدف استطلاع موقف السوفيت، على نحو يمكنه من اتخاذ قرارات مستقبلية. وأكد لهم السادات أن مصر تمر بمرحلة التحول للاشتراكية، وأعرب عن مخاوفه من أن يفقد العالم اهتمامه بقضية مصر. وأوضح للسوفيت أن مرور عام 1971 دون إحراز تقدم، إنما يعني تأجيل القضية إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، وصرح لهم بما يتردد في الرأي العام وفي القوات المسلحة، من أن الاتحاد السوفيتي يمنع مصر من الحرب!!.
ومرّ عام 1971 دون حسم
في 3 نوفمبر دعا السادات مجلس الدفاع الوطني المصري، لاجتماع خاص لوضع خطة جديدة للعمل السياسي والعسكري. وقرر تولى القيادة العسكرية[7]، "وأعلن في خطابه في 11 نوفمبر أمام مجلس الشعب سحب مبادرة 4 فبراير ( اُنظر ملحق خطاب الرئيس السادات في افتتاح مجلس الشعب في 11 نوفمبر 1971). كما قررت الولايات المتحدة وقف مبادرتها وإمداد إسرائيل بالصاروخ "لانس" أرض أرض في تصعيد واضح لتأييد إسرائيل، وتأكيد تفوقها العسكري.
وفي 22 نوفمبر 1971، بدأت الهند هجوماً بالدبابات والطائرات على أراضي باكستان الشرقية، وهكذا اشتعلت الحرب بين الهند وباكستان، وتورطت القوى الكبرى في هذه الحرب، وأجَّل السوفيت البرنامج الزمني لتوريد الأسلحة المتعاقد عليها مع مصر. وهكذا انتهى عام 1971 دون حسم.
انفراج في الأزمة
دخلت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ نوفمبر 1971، في تصنيع الأسلحة مع إسرائيل. وأعلنت أنها ستحتفظ لإسرائيل بالتفوق على العرب أجمعين. فبينما كان السوفيت يتباطئون في إرسال الأسلحة لمصر في 1 و2 فبراير 1972، سافر السادات إلى موسكو ولام القادة السوفيت بشدة على هذا الموقف، فوعدوه بالوفاء بالتزاماتهم، وبدءوا بالفعل في إرسال كميات من الأسلحة. وعاد السادات إلى موسكو مرة أخرى في أبريل، واتفق معهم على البدء في توريد الأسلحة المتأخرة في خلال خمسة أشهر، من يونيه إلى أكتوبر 1972، ليكون السادات مستعداً في نوفمبر بعد انتخاب الرئيس الأمريكي، حتى إذا لم يكن هناك طريق إلى الحل السلمي، أمكن التحرك العسكري.
احتفال ونياشين وغناء
في 14 مايو 1972، وصل المارشال جريتشكو، وزير الدفاع السوفيتي، إلى القاهرة. وسبقته إلى مطار غرب القاهرة 4 طائرات سوخوي 17، تقرر إمداد مصر بها. وبهذه المناسبة أقيم عرض جوي اشترك فيه هذا السرب، وتلاه صدور بيان بأن مصر تسلمت قاذفات بعيدة المدى، وهو أمر غير صحيح، إلاّ أن السادات وافق على إذاعة البيان، ومنح الطيارين نياشين. ثم دُعي جريتشكو إلى حفل عشاء في نادي الضباط في الزمالك. وأصر السادات ـ إمعاناً في إظهار حفاوته ـ على أن تغني إحدى بناته أغنية عن "ليالي موسكو" تعلمتها حينما كانت تحضر معسكراً للشباب في الاتحاد السوفيتي.
هدية من السادات لموسكو
يقول الدكتور عبدالعظيم رمضان إنه، في 15 مايو 1972، وقع اشتباك بين طائرتي ميج 25، يقودهما طياران سوفيتيان، وطائرتي فانتوم إسرائيليتين، أثناء قيام طائرتي الميج برحلة استطلاعية فوق سيناء. فأطلقت عليهما الطائرتان الإسرائيليتان عدداً من صواريخ "سبارو". ولكن نظراً لتفوق الميج 25 في السرعة والارتفاع، طاشت الصواريخ، وسقط أحدها سليما في أيدي القوات المصرية غرب القناة. فأمر السادات بتسليم الصاروخ إلى الخبراء السوفيت، الذين سعدوا كثيراً بالغنيمة الأمريكية[8].
الاسترخاء العسكري في الشرق الأوسط
في الأسبوع الأخير من مايو، تم اجتماع القمة السوفيتي ـ الأمريكي في موسكو. وفيه اتفق الطرفان على عدة نقاط. أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فكان الاتفاق على تطبيع الموقف في المنطقة، كما يُسمح باتخاذ خطوات أخرى من أجل تأمين الاسترخاء العسكري فيها. وكان هذا الاتفاق صدمة عنيفة للسادات جعلته يفكر في الاستغناء عن خدمات الخبراء الروس. وكان الملك فيصل دائم التحريض للسادات على ذلك، وكان قد أرسل إلي السادات في 2 فبراير 1972، رسالة يعرض فيها هدية من 20 قاذفة مقاتلة سعودية. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر الجمعة 02 ديسمبر 2016, 10:06 pm | |
| الرئيس محمد أنور السادات
طرد الخبراء السوفيت
أخذت سياسة الاتحاد السوفيتي في تسليح مصر، تدفع بالعلاقات المصرية السوفيتية إلى صدام عنيف. فالسياسة السوفيتية في ذلك الوقت كانت تقوم على تقوية مصر دفاعياً لا هجومياً. وقد قدم السوفيت في هذا المجال خدمات لا تنسى، أعادوا بناء الجيش المصري من الصفر بعد هزيمة يونيه 1967، وعندما وجه الإسرائيليون غاراتهم في العمق، قدم الاتحاد السوفيتي شبكة الصواريخ المشهورة التي تسببت في ردع الهجمات الجوية الإسرائيلية قبل وقف إطلاق النار في 7 أغسطس 1970.
وقد استمر السوفيت في تسليح مصر (حتى بعد طرد خبرائهم)، حتى بلغت قوات الجيش المصري صباح يوم 6 أكتوبر 1973 من الأسلحة السوفيتية نحواً من:
700 دبابة، 2000 عربة مدرعة، 2500 مدفع هاون، 700 قاذف صاروخي موجه، 190 مدفعاً مضاداً للدبابات، 500 قذيفة آر بي جي. وآلاف القنابل اليدوية المضادة للدبابات آر بي جي 43، 400 طائرة قتال وتدريب، 140 طائرة هليوكبتر، 150 كتيبة صواريخ، 2500 مدفع مضاد للطائرات، ولواء صواريخ أرض ـ أرض R17 E، ولواء برمائي، و 19 لواء مشاة راكب، و 8 ألوية مشاة ميكانيكي، و 10 ألوية مدرعة. هذا عدا القوات البحرية.
وعلى الرغم من أن حجم هذا السلاح، كان يفوق ما لدى كثير من دول حلف وارسو، وحلف جنوب شرق آسيا إلاّ أن القوات الإسرائيلية كانت تتفوق في الجو، بما يكفي لإسكات واحتواء القوات البرية والبحرية. ومن هنا تركزت جهود السادات في حمل الاتحاد السوفيتي على تزويد مصر بالأسلحة الهجومية، لشن الحرب على إسرائيل، ولكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً. وأكثر من ذلك، أخذ الاتحاد السوفيتي يعارض شنّ الحرب.
في 6 يوليه 1972، تم لقاء عاصف بين السادات والسفير السوفيتي (فينوجرادوف)، أبدى السادات تشاؤمه وضيقه الشديد من إخلاف الوعود وتقاعس القادة السوفيت.
وفي 8 يوليه 1972، استدعى السادات السفير السوفيتي وأبلغه القرارات التالية:
1. إنهاء خدمات الخبراء السوفيت (15000 خبير) اعتباراً من 17 يوليه 1972.
2. ووضع القوات السوفيتية الباقية بمعداتها تحت القيادة المصرية، إلى أن يتم تدريب المصريين على معداتها أو تنسحب.
3. الطائرات الأربع الميج 25، ومحطة الحرب الإليكترونية التي يعمل عليها طاقم سوفيتي، إمَّا أن تباع إلى مصر، أو يتم سحبها إلى الاتحاد السوفيتي.
4. أن يُنفَّذ هذا كله خلال أسبوع واحد.
وقد وجَّه السادات حديثاً إلى اللجنة المركزية في 18 يوليه 1972، شرح فيه ظروف اتخاذ الخطوات السابقة، وأُعلن ذلك في الصحف الرسمية. وقد تم تنفيذ هذه القرارات، ورفض السوفيت بيع الطائرات وأجهزة التشويش وسحبوها معهم ( اُنظر ملحق السادات يشرح للجنة المركزية تفصيلاً تطور الاتصالات مع موسكو).
والجدير بالملاحظة أن الاتحاد السوفيتي قدَّم لمصر من السلاح بعد طرد خبرائه، إمدادات أكبر وأهم مما كان يقدمه قبل القرار، خصوصاً عقب الزيارة التي قام بها إلى موسكو الفريق أحمد إسماعيل علي، الذي خلف الفريق صادق وزيراً للحربية.
وفي 30 أغسطس 1972، أرسل السادات إلى الرئيس بريجنيف، رسالة هامة يستعرض فيه أسباب الخلاف، وتصاعد الأزمة، وتعدُّ هذه الرسالة وثيقة على جانب كبير من الأهمية ( اُنظر ملحق الرسالة التي وجهها السيد الرئيس إلى بريجنيف في 30 أغسطس 1972).
ويرى كثير من المحللين أن السادات كان محقاً في هذه الخطوة، ولم يكن مخطئاً بأي حال. أمّا المعارضون لطرد الخبراء السوفيت فيرون أن الوجود السوفيتي كان في حد ذاته رادعاً لإسرائيل، وأن إنهاءه يعتبر تحقيقاً لهدف أمريكي بحت أعلنه كيسنجر منذ عام1970، وأشار إليه روجرز في مايو 1971.
حـرب أكتوبر
يقول السادات: .. ذهبت إلى الحرب في أكتوبر من أجل شعبي والأمة العربية".
تململ وسخط
في 12 أكتوبر 1972 (في شهر رمضان)، قاد أحد الضباط برتبة نقيب وحدة من السيارات المدرعة إلى مسجد الحسين في القاهرة, وبعد أداء صلاة المغرب أخذ يخاطب الناس، الذين تجمعوا حوله، معلناً أن الوقت قد حان لدخول المعركة مع إسرائيل. وحين حوصرت وحدته وأُلقي القبض عليه، كان التفسير الرسمي لتصرف هذا الضابط أنه فقد توازنه العقلي. ولم تكن القوات المسلحة وحدها هي التي بدأت تظهر فيها علامات التململ، بل الأمة كلها. وكان الطلاب قد خرجوا في تظاهرات تعبيراً عن هذا الإحباط، واعتقلت أعداد كبيرة منهم، وأغلقت الجامعات. وكان الإلحاح من دوائر عديدة متصلاً على ضرورة دخول الحرب، أو تصعيد الموقف. وقدمت جهات كثيرة ـ على رأسها السعوديون ـ نصيحتها للسادات بضرورة تسخين الموقف لكي يفرض نفسه على الأطراف، بما فيهم الولايات المتحدة.
في 26 أكتوبر 1972، أصدر السادات قراره بإقالة الفريق محمد أحمد صادق وتعيين الفريق أحمد إسماعيل علي، وزيراً للحربية، ثم في أواخر عام 1972 تم اختيار الفريق إسماعيل قائداً عاماً للجبهات المصرية السورية والأردنية، في اجتماع مجلس الدفاع العربي. وطلب منه السادات تصحيح الخطة الدفاعية 200. وفي أوائل يناير 1973 كان الفريق إسماعيل قد وضع الهيكل الأساسي للخطة، وقد أصدر أمراً يدل على مهارته البالغة، حين طلب من كل ضابط على امتداد القناة أن يتسلق الساتر الترابي، الذي أصبح ارتفاعه 20 متراً، وينظر أمامه على مدى 10 كيلومتر داخل سيناء، وأن يحدد على الطبيعة ـ وليس على الورق ـ خطته التي يستطيع أن ينفذها بعد العبور. وقد أعطى ذلك الأمر للضباط ثقة في أنفسهم، وجعلهم يشاركون مشاركة فعالة في العمل والتخطيط كذلك.
مناورة السـادات
بدأ السادات حملة في الصحف وفي جلسات مجلس الدفاع الوطني، في شهر مايو 1973، تُنذر بقرب الحرب، فحشد الإسرائيليون جيوشهم. ثم في أغسطس 1973 فعل السادات الشيء نفسه، فأعلن الإسرائيليون التعبئة العامة. ولذا عندما سئل موشي ديان بعد حرب أكتوبر، لماذا لم يعلن التعبئة في أكتوبر، قال: إن السادات دفعني إلى هذا مرتين مما كلفني في كل مرة 10 ملايين دولار دون جدوى، فلما جاءت المرة الثالثة ظننت أنه غير جاد مثلما حدث في المرتين السابقتين، ولكنه خيب ظني.
اكتشفت القيادة العسكرية المصرية أنها في ظل التفوق الجوي الإسرائيلي، لن تستطيع شنّ هجوم شامل يستهدف تحرير سيناء، وإجبار العدو على الانسحاب إلى قطاع غزة. ووجد السادات نفسه في مأزق خطير: فهو لا يستطيع أن يشن حرباً شاملة، كما انه ـ بالمثل ـ لا يستطيع أن يبقى بلا حرب. في ذلك الحين أفرز الفكر العسكري المصري نظرية الحرب المحدودة، وتتمثل في عبور القوات القناة واحتلال مسافة 10 أو 15 كيلومتراً من شاطئ القناة الشرقي، والتصدي للتفوق الجوي الإسرائيلي بشبكة الصواريخ المصرية المنتشرة على شاطئ القناة الغربي، واستخدام هذه الحرب في تحريك الموقف الدولي سياسياً، لحمل إسرائيل على الانسحاب من بقية سيناء، أو الضغط عليها بحرب استنزاف من نوع جديد، على الضفة الشرقية للقناة في هذه المرة، لكي تستجيب للضغط الدولي.
على أن هذا الرأي لم يقنع الفريق صادق، واللواء علي عبد الخبير، قائد المنطقة العسكرية، وغيرهما من القادة. فقد كانوا يرون ضرورة الحرب الشاملة، والانتظار حتى يكتمل بناء قوة الردع. وقد أثار هذا الرأي السادات فأقال الفريق صادق، واللواء عبدالخبير، واللواء محمود فهمي قائد البحرية وغيرهم. وأصدر قراراً بتعيين الفريق أول أحمد إسماعيل علي، وزيراً للحربية، وقائداً للقوات المسلحة في 16 أكتوبر 1972. وتلا ذلك محاولة انقلاب فاشلة في 16 نوفمبر 1972، اشترك فيها بعض كبار الضباط، وبعض ضباط المخابرات الحربية. وتم القبض عليهم، واعترف اللواء عبدالخبير بالمؤامرة، التي حُددت ساعة الصفر فيها ليلة عقد قران ابنة الفريق سعد الدين الشاذلي!. وبذلك خلت الساحة من معارضي فكرة الحرب المحدودة، واستعد السادات.
في الساعة الثانية وخمس دقائق من يوم السبت 6 أكتوبر 1973، اندفعت القوات المصرية عبر قناة السويس. وخلال أربع وعشرين ساعة من العمليات، كانت هناك خمس فرق مصرية على الضفة الأخرى من قناة السويس. وتوالت الانتصارات، وفي توقيت دقيق أعلنت الدول العربية حظر البترول، وارتجف العالم وأصابه الهلع. فقد ردت هذه الحرب إلى الأمة العربية روحها، وأعادت إليها ثقتها المفقودة، طمأنتها إلى أنه لم يعد هناك مستحيل. وتقلص المارد الإسرائيلي إلى حجمه الطبيعي، وانتهت أسطورة خط بارليف، وانتهت معها أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. وسارعت الدول الأوروبية إلى إصدار البيانات التي تحدد موقفها من النزاع العربي الإسرائيلي وتؤكد على وجوب انسحاب إسرائيل من الأرض المحتلة. وطغت مشكلة الشرق الأوسط على سائر المشاكل الدولية، وبرزت كتحدٍ خطير للعالم، وأصبحت تحظى بالأولوية في وجوب معالجتها.
كان نصر أكتوبر نصراً رائعاً بكل المقاييس، ينعقد فخره بلواء أنور السادات، ويكمن فضله الأكبر في أنه أتاح للجيش المصري الفرصة ليقاتل ويثبت جدارته ويكسب النصر. واستمع العالم كله إلى السادات، في خطابه في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب، وهو يُعلن انتصار مصر والأمة العربية على إسرائيل ، وكان النصر ثمرة تضامن عربي وثيق، وتنسيق دقيق، لعب فيه الملك فيصل دوراً بارزاً، وشاركت فيه أغلب الدول العربية بشكل أو آخر. ( اُنظر ملحق خطاب الرئيس السادات في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب في 16 أكتوبر 1973).
ولابدّ هنا من تبين حقيقة مهمة، مؤداها أن حرب أكتوبر نجحت في تحقيق خطتها الأساسية (وتسمى المآذن العالية) في عبور قناة السويس، في ظل حماية حائط الصواريخ، والتمركز شرقاً على طول القناة في مساحة لا يتجاوز عمقها 15 كيلومتراً تحت المظلة الصاروخية، واستنزاف العدو عسكرياً حتى يطلب وقف إطلاق النار، أو تدخل القوى العظمى. فحرب أكتوبر هي حرب تحريك، وليست حرب تحرير. ومن ثمّ فلا مجال لاتهام السادات: بتضييع النصر العسكري الذي تحقق بالعبور، ولا بتضييع ثمار النصر السياسي. فالسادات نجح في تنفيذ خطته نجاحاً ملحوظاً. أما تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر، فكان هدف السادات منه إنقاذ الجبهة السورية، وتخفيف الضغط الإسرائيلي عليها.
عقب الحرب
صدر قرار مجلس الأمن، في 22 أكتوبر بوقف إطلاق النار، وقبل الطرفان، المصري والإسرائيلي، القرار. وجاء هنري كيسنجر إلى مصر مساء اليوم نفسه، والتقى السادات، وتم الاتفاق على فض الاشتباك الأول، وعودة إسرائيل إلى خط 22 أكتوبر، والانسحاب من الثغرة.
في نهاية شهر أكتوبر، دخلت مصر في مباحثات على ثلاثة محاور بهدف تحقيق السلام:
1. في القاهرة: مباحثات مصرية ـ سوفيتية محورها الأساسي الاتفاق على ترتيبات عقد مؤتمر السلام الدولي، الذي أوصى به قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر في 22 أكتوبر، تحت إشراف القوتين العظمَيَين.
2. في واشنطن: مباحثات مصرية ـ أمريكية، محورها الأساسي تحقيق اتفاق محدود لفض الاشتباك، يتضمن ترتيبات تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية عن منطقة السويس إلى شرق القناة.
3. عند الكيلو 101 طريق القاهرة ـ السويس: مباحثات مصرية ـ إسرائيلية على المستوى العسكري، هدفها الأساسي بحث الإجراءات العملية لتأكيد وقف إطلاق النار، وإمداد السويس، والجيش الثالث.
في 21 ديسمبر 1973، عقد مؤتمر جنيف للسلام، وحضره السادات ممثلاً لبلده، وحضره ممثلون عن الأردن وإسرائيل، بينما امتنعت سوريا عن الحضور. وتم الاتفاق على فض الاشتباك الأول في 17 يناير 1974 على الجبهتين المصرية والسورية ( اُنظر ملحق وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس السادات بأسوان في 18 يناير 1974).
وتدعيما للتحول في السياسة المصرية، جاءت زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلى مصر عام 1974. ثم بعد عودته إلى أمريكا تفجرت فضيحة وترجيت، واستقال الرئيس نيكسون، ودخلت أمريكا في دوامة كبيرة استمرت طوال السنوات 74، 75، 76، وكادت عملية السلام تتوقف إلاّ من دبلوماسية "المكوك" بين أسوان وتل أبيب، لإتمام فض الاشتباك الثاني.
افتتاح قناة السويس للملاحة
في 29 مارس 1975، أعلن السادات أنه سوف يفتح القناة للملاحة الدولية. ثم بدأ عمليات تطهير القناة، وكانت المعدات الوحيدة التي تصلح لهذا الغرض لا توجد إلا في سلاح البحرية الأمريكي. فقال السادات لكيسنجر ـ وهو في زيارة لمصر عقب فض الاشتباك الأول ـ إننا نحتاج إلى هذه المعدات من سلاح البحرية الأمريكي. وأجرى كيسنجر اتصالا بالبيت الأبيض والبنتاجون، ثم قال للسادات:
"هل تقبل أن تدخل بور سعيد حاملة الطائرات الهليوكوبتر الأمريكية "إيوجيما"، وهي من قطع الأسطول السادس، وعليها معدات التطهير؟
قال السادات: نعم.
وبعد يومين كانت "إيوجيما" في طريقها إلى مصر، وقد أبدى بعض ضباط حاملة الطائرات، وبعض الدبلوماسيين في سفارة أمريكا في القاهرة، مخاوفهم من أن تطلق المدفعية المصرية نيرانها على الحاملة، ولكن السادات طمأنهم، وجاءت "إيوجيما" في موعدها.
وأعلن السادات في خطاب وجهه إلى الأمة:
1. فتح قناة السويس للملاحة اعتباراً من 5 يونيه 1975.
2. عودة المهجرين إلى مدن القناة.
3. تسليم إسرائيل 39 جثة من قتلاها، دون مقابل.
كما حذر السادات بوضوح أن مدن القناة صارت من عمق مصر، وإذا تجاسرت إسرائيل على ضرب أي مدينة من مدن القناة بمدافعها الأمريكية طويلة المدى، فسوف ترد مصر بالضرب في عمق إسرائيل.
كانت مغامرة من السادات بلا ريب. وفي 5 يونيه 1975، (وهو يصادف ذكرى نكسة 1967)، دخل السادات قناة السويس على ظهر مدمرة حربية، ولكنه أمر أن يتبعه يخت المحروسة عبر القناة من الشمال إلى الجنوب.
سياسة الانفتاح
في 27 يونيه 1974، أصدر السادات القانون رقم 43 لسنة 1974، بإصدار نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة. بهدف تشجيع الاستثمارات الأجنبية. وكان بين المميزات التي أعطاها للشركات، التي تنشأ وفق أحكامه، إعفاء من الضرائب يمتد عشر سنوات. وأُعلنت بور سعيد منطقة حرة، وكان الهدف من ذلك تشجيع الشركات الأجنبية على تصنيع منتجاتها في بورسعيد، ثم إعادة تصديرها إلى المناطق المحيطة بمصر.
والحقيقة أن تحول الاقتصاد المصري من الانغلاق الكامل وسيطرة الدولة، إلى الانفتاح وإعطاء القطاع الخاص فرصة العمل، أوجد طبقة جديدة استطاعت أن تستثمر ثغرات القوانين الاقتصادية في فترة التحول. فبالنسبة للمناطق الحرة، فإن 80% من البضائع التي دخلت الميناء وجدت طريقها إلى الأسواق المحلية، وأصبح من حق كل مواطن يستطيع الحصول على نقد أجنبي، أن يستورد بلا تحويل رسمي ما يشاء من السلع، لسوق كان جائعاً لأنواع من السلع لم يكن يعرفها من قبل. وقد ذهب جزء كبير من الأموال المتدفقة إلى الإسكان الفاخر، وأعمال المقاولات، وقطاع السياحة، وإلى السلع الاستهلاكية والترفيهية. وحدث ما يشبه الفوضى الاقتصادية والاجتماعية. وتحدث السكرتير العام للاتحاد الاشتراكي في عام 1975 واصفاً الأغنياء الجدد بأنهم: "القطط السمان"، وذهب رئيس الوزراء ـ في ذلك الوقت ـ ممدوح سالم إلى أبعد من ذلك حين وصفهم "بالأبقار السمان". وظهر في مصر، في ذلك الوقت، ما بين 300 إلى 500 مليونيراً. يمثلون فئة جشعة، استفادت من ارتفاع أسعار الأراضي، وحصلت على أموال من شركات الاستثمار، بحق أو بغير حق، لتسهيل أعمالهم في مصر.
وعن مسؤولية أنور السادات ودوره في هذا التحول، انقسم الناس إلى فريقين:
فريق يشدد الهجوم على السادات، ويرى أنه تسبب في جميع المصائب التي شهدتها مصر، وأنه أصاب مصر بمرض لا علاج له، وهو سياسة الانفتاح[9]. بل يقولون إن السادات نفسه وزوجته والمقربين منه، أفادوا من الانفتاح فوائد هائلة، وأن السادات مات وهو من أصحاب المليارات، وأن تنافساً كان يجري بينه وبين صهريه، سيد مرعي، وعثمان أحمد عثمان، للتسابق على الثروة.
وأما الفريق الثاني فكان يدافع عن السادات، ويقول إن السادات لم يكن يجهل قصص الفساد، ولكنه كان يقدر أن فترة التحول الاقتصادي تفرز هذا النوع من السلوك لفترة مؤقتة. كما كان السادات يريد أن يشجع الأموال العربية والأجنبية على الاستثمار. وكان يرى أن نسبة 5% أو 10% يمكن أن تدخل إلى جيوب المستغلين، ولكن نسبة 90% من الأموال كانت ستقيم مشروعات تزيد الإنتاج، وتحقق الرواج والرخاء.
ولعل نوايا السادات حين دعا إلى الانفتاح وشجعه كانت طيبة، وأنه أراد فعلاً اجتذاب رؤوس الأموال من الخارج لاستثمارها في مصر لينقذ الاقتصاد المصري. ولكن خانه التوفيق في تطبيق سياسة الانفتاح، فهي سياسة لم تراعِ التوازن بين الانفتاح والاقتصاد الحر، وبين حماية الفقراء وتحري العدل الاجتماعي. فظهرت طبقة ذات ثراء فاحش، اتسعت الفجوة بينهما وبين عامة الشعب ذي الدخل المحدود.
في الساعة السادسة والنصف من مساء يوم 1 سبتمبر 1975، في إسرائيل، في مكتب إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقَّعت مصر وإسرائيل الاتفاق الثاني لفصل القوات على الجبهة المصرية، ويقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية شرقاً من منطقة الممرات، المدخل الإستراتيجي إلى سيناء (متلا والجدي) ومن حقول البترول في أبورديس (اُنظر ملحق توقيع الاتفاق الثاني لوقف إطلاق النار في 1 سبتمبر 1975 وملحق النص الكامل لاتفاق فصل القوات).
تكوين المنابر
في عام 1976 قرر السادات إنشاء ثلاثة منابر، هي في حقيقتها أجنة أحزاب سياسية، يمين ووسط ويسار. وقد دخلت هذه المنابر الثلاثة انتخابات عام 1976. وعندما ذهب السادات لافتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشعب في 11 نوفمبر 1976، أعلن تحويل المنابر إلى أحزاب سياسية. وكان هو نفسه راعياً لمنبر الوسط، دون أن يصبح رئيسه، لأنه كرئيس للجمهورية كان عليه أن يكون حكماً بين الأحزاب ( اُنظر ملحق السادات يعلن: تحويل التنظيمات السياسية الثلاثة إلى أحزاب).
اتخذ "منبر الوسط" اسم "حزب مصر"، وأصبح ممدوح سالم رئيساً للحزب. وتحول "منبر اليمين" إلى "حزب الأحرار" برئاسة مصطفى كامل مراد. أما منبر اليسار فقد اتخذ اسم "حزب التجمع التقدمي الوحدوي الاشتراكي" برئاسة خالد محيي الدين. ثم لم يلبث السادات أن أعلن أنه بصدد تكوين حزب جديد تحت اسم "الحزب الوطني"، فسارع أغلب أعضاء "حزب مصر" إلى الانضمام إليه. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر الجمعة 02 ديسمبر 2016, 10:29 pm | |
| الرئيس محمد أنور السادات
وقائع أحداث الشغب في يومي 18، 19 يناير 1977
تضمن خطاب السادات بتكليف ممدوح سالم بالوزارة في إبريل 1975، أن تكون مسؤولية وزارته رفع المعاناة عن الجماهير، وتثبيت الأسعار، ومقاومة الفساد. وظلت الصحف حتى يناير 1977 تبشر الناس بتثبيت الأسعار، وتحسين أحوال المعيشة، وتنشر تصريحات الرئيس بقرب قدوم الرخاء، الذي سيعم الجميع. وفي الوقت نفسه أرسل صندوق النقد الدولي مذكرة إلى الحكومة المصرية، طلب فيها رفع أو تخفيض الدعم على بعض السلع الضرورية، وهدد بعدم إقراض مصر مبلغ 200 مليون جنيهاً، ما لم تتم الاستجابة لذلك.
وعقد مجلس الوزراء جلسات متتالية مطولة، وقال القيسوني ـ رئيس المجموعة الاقتصادية ـ إن المركب تميل الآن من الناحية الاقتصادية، ويمكن أن تغرق، ولا مفر من اتخاذ القرار. وحدد القيسوني السلع التي يمكن رفع أو تخفيض الدعم عنها. وأضاف إن الدول العربية كذلك قررت عدم دفع مساعدات لمصر إلاّ بعد استشارة خبراء من البنك الدولي. واعترض سيد فهمي ـ وزير الداخلية ـ بشدة، وقال إن الوزارة شُكلت أصلاً لكي تثبت الأسعار، فكيف يفاجأ الناس بعد شهرين برفع الأسعار، وهذا يؤثر على الوضع الأمني. وفي النهاية تمكن القيسوني من إقناع السادات، فاصدر أوامره بالاستجابة لقرارات البنك الدولي. وصدرت صحف يوم 17 يناير 1977 تحمل على صفحاتها الأولى قوائم بخمس وعشرين سلعة ضرورية ارتفعت أسعارها مرة واحدة.
سبق أحداث 18، 19 يناير أن أضرب سائقو التاكسيات داخل الأقاليم وخارجها مطالبين برفع سعر "البنديرة" لأنهم علموا أن سعر البنزين سوف يرتفع. وأصدر رئيس الوزراء قراراً بالاستجابة لهم، وطلب من وزير الداخلية الاتصال بجميع المحافظين على الفور ليعلن ذلك في لافتات كبيرة في أماكن تجمع السيارات.
تفجر الموقف صباح 18 يناير، ووصلت الأنباء إلى وزارة الداخلية بأن عمال مصانع حلوان يتحركون في مسيرة، بدأت في الثامنة صباحاً متجهة إلى مجلس الشعب. وفي الوقت نفسه تجمع حشود من الطلبة في جامعتيّ عين شمس، والقاهرة. أما في الإسكندرية فقد تجمع عمال الترسانة البحرية للخروج في مسيرة من ميدان المنشية. وتوالت البلاغات من المنصورة وبورسعيد، بل وفي أسوان نفسها حيث كان الرئيس هناك يستعد لاستقبال المارشال تيتو، رئيس يوغسلافيا. وتحولت التظاهرات إلى شغب وتحطيم، واتجهت التجمعات الهائجة لمهاجمة مواقع السلطة، مثل أقسام الشرطة والمطافئ. وقد هوجمت نقطة شرطة في الإسكندرية، فصدرت الأوامر بإطلاق النار؛ لأن استيلاء أي تجمع على موقع أمني معناه انهيار السلطة.
هجوم على استراحة حسني مبارك
وعلى حرس الرئيس
هاجمت التظاهرات في الإسكندرية الاستراحة المخصصة لنائب رئيس الجمهورية حسني مبارك، واتصل النائب بالسادات في أسوان وأبلغه بالحادث. ومن الغريب أن السادات لم يعرف ما كان يجري، وكان مشغولاً بحديث تجريه معه صحفية لبنانية في شرفة استراحته المطلة على خزان أسوان القديم. وفجأة شاهد عموداً من الدخان يرتفع، فقال: ما هذا؟ قالت الصحفية اللبنانية: ربما كانت المظاهرات في القاهرة قد وصلت إلى هنا. وسألها مندهشاً: أية تظاهرات؟
في ذلك الوقت كان حرس الرئيس الخاص يتحركون بسياراتهم من المطار إلى الفنادق التي سينزل فيها الضيف الزائر، والوفد المصاحب له. وتسبب الزي الرسمي لهم في مشاكل حادة مع المتظاهرين، وتحطمت بعض سياراتهم، واشتعلت النار في بعضها. وهرع محافظ أسوان مذعوراً إلى الرئيس يقول: "سيادة الرئيس، أرجوك أن تغادر الاستراحة على الفور"، وأخذ يحذر من أن الجماهير الغاضبة تزحف في الطريق إلى الاستراحة والشرطة تقاوم، والخطر محتمل إذا تمكنت الجماهير من قطع الطريق بين الاستراحة والمطار، فسارع السادات بالخروج تاركاً وراءه الأوراق الرسمية التي أرسلت إليه للإطلاع والتوقيع. وظل ذلك الموقف بذكرياته المريرة محفوراً في ذاكرة السادات. وقبل مغادرته أسوان، اتصل السادات بممدوح سالم ـ رئيس الوزراء ـ وطلب منه الإعلان رسمياً عن العدول عن قرارات رفع الأسعار. واشتد عنف التظاهرات، وبدأت قيادات الأمن تهتز، وقال أحد كبار مسؤولي الأمن في القاهرة لوزير الداخلية: "العملية راحت خلاص". وحل الليل، وإزاء عنف وكثافة التظاهرات، لم يكن هناك مناص من الاستعانة بالقوات المسلحة، وعلى الرغم من أن الفريق الجمسي ـ وزير الحربية ـ كان رافضاً في البداية؛ اعتماداً على أنه طلب من الرئيس، بعد حرب أكتوبر، وعداً بألا يُستخدم الجيش على الإطلاق في أية عمليات ضد الشعب، مهما كانت الظروف. إلاّ أن السادات أصدر أمره بتدخل القوات المسلحة، وإعلان الأحكام العرفية، وفرض حظر التجول. وجرت مناورة إعلامية مساء 18 يناير للتخفيف من مشاعر الجماهير، ودعي القيسوني إلى ندوة تليفزيونيه حيث أعلن إلغاء رفع الأسعار. ولكن هذه التصريحات لم تحدث أي أثر.
وصل السادات إلى القاهرة من أسوان، وقصد إلى بيته في الجيزة. وكانت هناك طائرات هليوكبتر أمام البيت على شاطئ النيل جاهزة للإقلاع، كما كانت المنطقة كلها محاطة بالدبابات الثقيلة. وفي مطار "أبو صوير" كانت طائرة السادات الكبيرة من طراز "بوينج 707"، مستعدة للإقلاع، إذا حتمت الظروف. وكانت وجهتها المقررة، إلى طهران أو إلى أمريكا عن طريق السودان.
استمرت التظاهرات يوم 18 يناير حتى الساعة الثالثة صباحاً، وألغيت زيارة الرئيس اليوغسلافي. واحترقت مخازن الورق في مبنى أخبار اليوم, وكانت قوات الأمن قد أُنهكت تماماً، وتقررت لهم وجبة ساخنة في مواقعهم. وتواصلت حدة التظاهرات صباح 19 يناير، وقلبت في شارع صلاح سالم إحدى سيارات الجيش، وظهرت عناصر اندفعت إلى النهب والتدمير. وكان واضحاً أن هناك جماعات أرادت استغلال الموقف، وانتشرت تحركات الجيش مسبوقة بإعلانات متكررة في الإذاعة والتليفزيون أن الرئيس ألغى قرارات رفع الأسعار.
ومن المؤكد أن بعض صناع القرار راودهم الشك، في أن الجنود والضباط ـ وهم جزء من الشعب ـ قد يرفضون أوامر التصدي للتظاهرات، وقد تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ. ولكن أمكن فض التظاهرات، وكانت آخر تظاهرة في حي زينهم في الساعة التاسعة مساء. وأعطى وزير الداخلية التمام بعد فض هذه التظاهرات، وعادت القاهرة إلى حالتها الطبيعية صباح 20 يناير 1977، بعد أن جرى نقل عدد كبير من قوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري من أسوان، بطائرات عسكرية إلى القاهرة. واعتقلت النيابة العامة أعداداً كبيرة من المواطنين، الذين اتهموا بالسلب والنهب والتخريب خلال التظاهرات. ولكن لم تصل النيابة إلى إدانة أحدٍ بعينه، ولا إلى أدلة دامغة ضد عدد من المقبوض عليهم، وفشلت القضية من الناحية القانونية. وعبر راديو موسكو عن الأحداث بأنها "انتفاضة شعبية"، بينما وصفها السادات بأنها "انتفاضة حرامية"، وكذلك وصفها الكاتب الصحفي مصطفى أمين. ( اُنظر ملحق كلمة الرئيس السادات في لقائه بأعضاء المجلس الأعلى للجامعات).
رد فعل السادات
عقد السادات سلسلة اجتماعات في بيته، ضمت أعضاء مجلس الأمن القومي وكبار رجال المخابرات ومباحث أمن الدولة. وطلب بياناً كاملاً بالموقف من كل جوانبه. وظهر أن الموضوع أعمق من تظاهرات رفع الأسعار، وأن مؤامرة كبرى كانت تدبر من قوى شيوعية، وجماعات إسلامية. واستُنتج ذلك من أن الهتافات كانت واحدة في كل مكان، وكذلك أسلوب المقاومة والتخريب، وهو محاصرة أقسام الشرطة والمطافئ، والهجوم على جميع المرافق العامة بالأحجار والنيران، ومهاجمة ملاهي شارع الهرم. كل هذا يوضح طبيعة الأطراف، وأن المسألة مدبرة من تنظيمات سرية تريد ركوب الموجة وتوجيه التظاهرات. وقد شبه السادات الحركة بأنها مثل عملية استيلاء لينين على موسكو، ووثوبه إلى السلطة في عام 1917.
كان السادات في قمة الألم والحزن مما جرى، رأى فيه جحوداً من الماركسيين، الذين سمح لهم بحزب شيوعي لأول مرة. وعاد السادات إلى رأيه الذي كان يردده كثيراً، وهو أن تجربته في الحياة السياسية علمته ألا يثق بشيوعي ولا بإخواني؛ لأنهم: "مهما عاملتهم بالخير، فهم ينقضون عليك في الوقت المناسب".
أجرى السادات تعديلاً وزارياً أبعد فيه سيد فهمي، وزير الداخلية، من الوزارة، وكان هو كبش الفداء، على حد تعبير رجال الأمن. ثم تقدم السادات، في 10 فبراير 1977، إلى الناخبين باستفتاء على أحد عشر اقتراحاً، تحت عنوان "حماية أمن الوطن والمواطنين" وقد وردت عقوبة "الأشغال الشاقة المؤبدة" ست مرات، في بنود هذا الاستفتاء. (اُنظر ملحق مشروع الاستفتاء الذي قدمه السادات للشعب في 10 فبراير 1977).
الحملة التأديبية على ليبيا
بدأت نذر الخلاف بين السادات والقذافي، حين رفض السادات عرضاً من القذافي، يقترح فيه وحدة كاملة بين مصر وليبيا يتولى السادات رئاستها، ويتولى القذافي قيادة القوات المسلحة المشتركة فيها. وكان هدف القذافي من ذلك اجتياح إسرائيل عن طريق نقل القوات كلها إلى سوريا، وشن الهجوم على إسرائيل من هذا الاتجاه فقط.
وأخذ الخلاف يتصاعد، بعد وقف القتال مباشرة، بين مصر وإسرائيل في أكتوبر 1973. كان القذافي يرى أن استمرار الحرب ضروري، خصوصاً بعد التضامن العربي الكبير ومؤازرة الدول العربية لمصر وسوريا، أثناء الحرب. وتزايد الخلاف، وأخذت كل دولة تتهم الأخرى بتدبير عمليات نسف وتخريب داخل أراضي الدولة الأخرى، ووصلت الأمور إلى الذروة حتى وقع صدام عسكري مأسوي بين البلدين.
وقف تصدير القطن للاتحاد السوفيتي
في يوم 14 أغسطس 1977، وفي لقاء السادات بالمبعوثين المصريين القادمين من الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، أعلن أن مصر قد قرَّرت حظر تصدير القطن إلى الاتحاد السوفيتي، رداً على قراره حظر توريد السلاح وقطع الغيار لمصر، وقال السادات، إن هذا معناه أن تصبح الأسلحة الموجودة لدينا "خُردة". وأن مصر ترفض أن يكون هناك مكان ممتاز لأية دولة أجنبية، سواء كانت من الدول الصغرى أو الكبرى.
التفكير في زيارة إسرائيل
في مساء 29 سبتمبر 1977، استقبل السادات، في حجرة نومه بمنزله في الجيزة، مبعوثاً من واشنطن يحمل رسالة من إسماعيل فهمي، وزير الخارجية، الذي أوفده السادات ليلتقي الرئيس الأمريكي جيمي كارتر Jimmy Carter، وأعضاء الكونجرس المؤثرين، للعمل على إحياء مؤتمر جنيف. وفي هذه الرسالة يقول إسماعيل فهمي:
لا أمل في عقد مؤتمر جنيف.
الموقف الأمريكي في غاية الضعف.
هم يدورون حول الموضوعات دون أن يكون لهم رأي حاسم.
بات واضحاً أن كل الوسائل التي استخدمتها لمصر لتحريك الموقف الأمريكي قد باءت بالفشل. وأخذ السادات يتأمل الموقف، وخرج بنتيجة وصفها بقوله: "تبين لي أننا داخلون على حلقة مفرغة رهيبة. تماماً كالتي عشناها طوال الثلاثين عاماً الماضية.
ضاعف من صدمة السادات رسالة خطية، تلقاها من الرئيس كارتر جاء فيها "إن الموقف متجمد، والعرب في خلافات حول إجراءات عقد مؤتمر جنيف، وطريقة تشكيل الوفود العربية إلى المؤتمر، وفد عربي واحد، أم وفود مختلفة، وكذلك طريقة تمثيل الفلسطينيين في المؤتمر". كان مضمون الرسالة أن الأمل أصبح معدوماً في فتح أي طريق لمباحثات السلام.
وأمّا في إسرائيل فقد أصبح مناحم بيجن رئيساً للحكومة، وراح يعلن أن الضفة الغربية جزء من أرض إسرائيل التاريخية، وأنه لن يستجيب لأي ضغوط من أي جهة، وسيضع بنفسه الشروط التي يراها مناسبة للتسوية السلمية للنزاع، من خلال مفاوضات مباشرة مع الدول العربية دون شروط مسبّقة، وأن على الدول العربية أن تقيم مع إسرائيل العلاقات الدبلوماسية والتجارية عند توقيع اتفاقيات السلام. وأمّا منظمة التحرير فهي تنظيم إرهابي وسلاح في خدمة الدول العربية والإمبريالية السوفيتية، ولذا لابد من إزالتها وتدميرها.
سيادتك بتتكلم جد يا ريس!!؟
سافر السادات إلى رومانيا، وذهنه مثقل بالتفكير في خطوة إيجابية، وقال لمعاونيه غير مرة:
"لابد أن نفكر في تحرك جذري يغير الصورة تماماً".
وفي اليوم التالي لوصول السادات إلى رومانيا، استدعى وزير خارجيته، إسماعيل فهمي، في المساء، وقال له: "عندي فكرة، ربما تبدو لك غريبة، ولكنني أعتقد أنها ستحرك الموقف الميت الجامد، ما رأيك في أن أذهب إلى الإسرائيليين في عقر دارهم، وأعلن شروطنا للسلام"؟
وأصيب إسماعيل فهمي بالذهول، فسأل: "تروح فين ياريس، إسرائيل!!؟ قال السادات: ولم لا؟ إحنا منتصرين، ومعندناش عُقد، ولن نتنازل عن أي حق عربي، ولكنني بذلك أضعهم في موقف حرج أمام العالم كله, ولن يستطيعوا التملص من فكرة السلام".
وسأل إسماعيل فهمي، وهو لا يزال في ذهول: سيادتك بتتكلم جد يا ريس؟
قال: نعم.
وعاد إسماعيل فهمي إلى مقره، وكان أسامة الباز في انتظاره، ومعه محمد البرادعي المستشار بالخارجية ، وقال لهما إسماعيل فهمي: "تصوروا الراجل عنده فكرة حشاشي، وباين إنه واخدها جد".
السادات يعلن استعداده
في 9 نوفمبر 1977 وقف السادات في مجلس الشعب يلقي خطاباً بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة. وقرب نهاية الخطاب قال السادات:
"إنني ومن مركز القوة مستعد للذهاب إلى أقصى الأرض، حتى إلى الكنيست نفسه، لكي أتحدث للإسرائيليين في عقر دارهم عن رغبتنا في السلام" ( اُنظر ملحق خطاب السادات في مجلس الشعب: مستعدون للذهاب إلى جنيف دون اعتبار لمشاكل الإجراءات) .
ومع أن مجلس الشعب صفق بحماسة لهذه العبارة، فقد كان ظن الأعضاء، بغير استثناء، أنها مبالغة خطابية. وكثيرون لم يعيروا الأمر اهتماماً، إذ كان السادات كثيراً ما يخرج في خطابه عن النص المكتوب ويفصح عن آراء وأفكار مرتجلة، ربما دارت في خلده للمرة الأولى وهو يلقي الخطاب. ويقول الدكتور بطرس غالي، وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك: وكان الرئيس عرفات أول من أنفجر بالتصفيق لهذه الكلمات. ولم يكن عرفات ولا زملائي (الوزراء)، ولا أنا فهمنا تداعيات ما قاله الرئيس. وفهم معظمنا كلماته على أنها مجرد تعبير عن استعداده لبذل أقصى جهد ممكن لتحقيق السلام.
تصوَّر المهندس سيد مرعي ـ مثل غيره ـ أن السادات يلقي قنبلة سياسية، كبالون اختبار لا أكثر ولا اقل. ولذا اتصل سيد مرعي، ببعض رؤساء تحرير الصحف، ورجاهم ألا يبرزوا هذه الفقرة من خطاب الرئيس. وعندما علم السادات بذلك، اتصل بسيد مرعي وقال له إن إعلان زيارته للقدس قرار حقيقي وليس للمناورة. بل إن السادات لم ينم ليلته إلا بعد أن اطَّلع على الطبعات الأولى للصحف.
بعث رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيجن، بدعوة رسمية يوم 15 نوفمبر للرئيس السادات لزيارة القدس (عن طريق السفارتين الأمريكيتين في تل أبيب وفي القاهرة)، وقبل السادات الدعوة، وتحدد لبدء الزيارة مساء السبت 19 نوفمبر 1977 الموافق لوقفة عرفات. تعلقت أنظار العالم بالسادات. لقد أصبح نجم الساعة، بل نجم العام، بغير منازع.
قرار باعتقال السادات!!
زار السادات دمشق، في 16 نوفمبر، للقاء الرئيس الأسد. وأثناء اجتماع السادات والأسد حتى ساعة مبكرة من الصباح، كانت قيادة حزب البعث في اجتماع طويل، قررت فيه اعتقال السادات قبل مغادرته دمشق، وإعلان محاكمته سياسياً وشعبياً بتهمة الخيانة!، وخلال مراسم التوديع ذهب مبعوث من القيادة القطرية إلى المطار لكي يحصل على موافقة حافظ الأسد على القرار، ولم يستطع المبعوث أن يقابل الأسد إلا بعد أن ركب السادات الطائرة! ولم يتوصل الرئيسان إلى اتفاق، وكان ذلك إشارة للقوى العربية المعارضة للتعبير عن رأيها. فتصاعدت من العراق وليبيا والتنظيمات الفلسطينية أصوات الإدانة للسادات[1]، بينما التزمت دول شبة الجزيرة العربية الصمت من أثر الصدمة.
استقالة وزيري الخارجية، والدولة للشؤون الخارجية
وفي يوم 17 نوفمبر، قدم إسماعيل فهمي وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء استقالته، وكذلك فعل محمد رياض وزير الدولة للشؤون الخارجية، وقبل السادات الاستقالتين.
يوم مشــهود
جاء اليوم المحدد للرحلة المثيرة، يوم السبت 19 نوفمبر 1977. كان العالم كله مشدوهاً، والناس في كل أنحاء العالم يشاهدون الرحلة المثيرة، ويتابعونها لحظة بلحظة، والأعصاب متوترة، أعلن وزيران للخارجية استقالتهما قبل بدء الرحلة. استقال إسماعيل فهمي أثناء وجود السادات في دمشق يوم 17 نوفمبر، واتصل النائب حسني مبارك بالرئيس في دمشق وأبلغه بالخبر، فطلب منه الرئيس أن يقبل الاستقالة على الفور، وأن يتولى محمد رياض، وزارة الخارجية، ولكنه كذلك أعلن استقالته. ولم يجد السادات إلا أن يختار بطرس غالي، وزير الدولة للشئون الخارجية، لكي يكون ضمن الوفد المرافق له إلى القدس.
في مساء 19 نوفمبر، كان الظلام قد خيَّم على مطار بن جوريون، وسلطت الأضواء على أرض المطار، وعلى مدرج به كل قيادات إسرائيل، وممثلي الهيئات المختلفة بها. ونزل السادات وصافح بيجن الذي صاحبه وأخذ يقدمه لكبار المستقبلين، ولم يترك السادات شخصية إسرائيلية دون أن يداعبها، موشي ديان، جولدا مائير، شارون، شيمون بيريز. وقال لشارون: "كنت سأقضي عليك في الثغرة"، ورد شارون: "السلام أحسن".
السادات في الكنيست
في صباح اليوم التالي للزيارة، 20 نوفمبر، خرج السادات لصلاة العيد، ودخل القدس وصلى في المسجد الأقصى. ووجد أن منبر صلاح الدين قد احترق تماماً، فأمر بإعادة بناء المنبر من جديد على نفقة مصر وذهب السادات إلى الكنيست الإسرائيلي، وألقى من داخله خطابه الشهير . وأعقب ذلك اجتماعات منفصلة مع أعضاء حزب العمل، وكتلة ليكود، والنواب الشيوعيين. واستمع السادات طويلاً إلى المتطرفين والمعتدلين، الذين تناولوا في كلماتهم مشكلات تفصيلية وأظهروا تشدداً في المطالب، وخاصة النائبة جيئولا كوهين، التي مزقت معاهدة السلام بعد ذلك.
عاد السادات إلى مصر، واستقبلته الملايين استقبالاً حافلاً.
رد الفعل العربي
باستثناء السودان، الذي سارع رئيسه جعفر نميري، إلى مصر فور عودة السادات، وأبدى تأييده الكامل تماماً، وباستثناء المغرب أيضاً، فقد أعلن الملك الحسن الثاني، أن مبادرة السادات فرصة فريدة تتوج كفاح العرب لتحرير أراضيهم، وأكدَّ الحسن تأييده للمبادرة. وسلطنة عُمان التي لم تعلن رفضها للمبادرة، لم تتقدم دولة عربية واحدة لكي تنضم إلى عملية السلام، بل تبارت كل الدول العربية في شجب هذه العملية.
كان السادات شخصية عنيدة. ولعل بعض الدول العربية ظنت أنه يمكن أن يتراجع، مثلما حدث مع جمال عبدالناصر من قبل عام 1954، عندما دعا وزير خارجية بريطانيا إلى عقد اجتماع مائدة مستديرة تشترك فيه الدول العربية وإسرائيل، لبحث تسوية النزاع. ويقول محمد إبراهيم كامل: وعندما أعلن عبدالناصر أنها فكرة جديرة بالدراسة، احتجت سوريا والفلسطينيون، وغيرهما، وانهالت الاتهامات على عبدالناصر بالخيانة، وبأنه يبيع القضية الفلسطينية للعدو الصهيوني. فتراجع عبدالناصر، وهدأت العاصفة.
وفي الحقيقة كان ينبغي على السادات أن يعد لهذه المبادرة، بالتشاور والتنسيق مع الدول العربية، قبل أن يعلنها على الملأ. فيتفادى بذلك الفرقة والمعارك الجانبية مع بعض الدول العربية. ولكن لعل السادات، وقد سيطرت عليه فكرة المبادرة، لم يطق الصبر، وتملكه الخوف ـ إن هو تشاور مع الدول العربية في الأمر ـ أن تضيع المبادرة بين الاختلافات وتعارض وجهات النظر، أو أن تفقد المبادرة بريقها وعنصر المفاجأة لإسرائيل وللعالم.
انقسمت الدول العربية، بعد زيارة السادات للقدس، إلى ثلاث مجموعات:
1. جبهة الصمود والتصدي
وهي سوريا والعراق الجزائر وليبيا واليمن الجنوبية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقد اتخذت هذه المجموعة موقفاً متطرفاً معادياً لمبادرة السادات، واعتبرتها خيانة للقضية العربية، وسعياً من السادات وراء حل منفرد مع إسرائيل. وقطعت هذه الدول علاقاتها الدبلوماسية مع مصر.
والمجموعة الثانية
تعاطفت مع المبادرة، وهي السودان، وسلطنة عُمان والمملكة المغربية، حيث لعب الملك الحسن الثاني دوراً بارزاً في الاتصال السري السابق على مبادرة السادات بين حسن التهامي، ممثلاً للسادات، وموشي ديان، ممثلاً للحكومة الإسرائيلية، في سبتمبر 1977[2].
أمّا المجموعة الثالثة
وتضم الأردن، والمملكة العربية السعودية، وباقي دول الخليج، فقد اتخذت موقف التريث والانتظار، واحتفظت بسفرائها وعلاقاتها الدبلوماسية مع مصر في بادئ الأمر.
أما في العالم الخارجي
فلشهور طويلة لم تخل صحيفة أو مجلة أو نشرة أخبار من صورة للسادات، أو خبر عنه. وتبني العالم مبادرة السلام وتشبث بها، خاصة الرأي العام الأمريكي.
وانتقلت التفاعلات إلى داخل إسرائيل نفسها، فرفعت حركة "السلام الآن" شعار "إن السلام أهم من الأرض"، وجابت التظاهرات الشوارع تدعو الحكومة الإسرائيلية إلى عدم إضاعة الفرصة، بأي شكل من الأشكال.
تطورات سريعة
1. أصدر السادات قراره بأن يرأس عصمت عبدالمجيد، الوفد المصري في اجتماعات مينا هاوس، في 15 ديسمبر 1977. وقد وُجِّهت الدعوة إلى كل أطراف المؤتمر أمريكا، وروسيا، والأمم المتحدة، وسوريا، والأردن، ولبنان، ومنظمة التحرير. بيد أن منظمة التحرير والدول العربية الأخرى أعلنت مقاطعة الاجتماع، وأعلن المتحدث الرسمي الإسرائيلي أن غياب الأطراف الأخرى لا يمنع مناقشة التوصل للحل الشامل. وقد رُفعت أعلام الدول العربية على فندق مينا هاوس، وكان من بينها علم فلسطين، ثم أزيلت الأعلام بعد ساعة واحدة.
2. صدر قرار السادات بتعيين محمد إبراهيم كامل، وزيراً للخارجية، في 24 ديسمبر 1977. وفي اليوم نفسه شارك الوزير الجديد في مباحثات الإسماعيلية بين مصر وإسرائيل.
3. في 5 سبتمبر 1978، سافر السادات، ووزير خارجيته، محمد إبراهيم كامل، إلى الولايات المتحدة، لحضور مباحثات كامب ديفيد.
4. في مساء الأحد 17 سبتمبر 1978، جرى التوقيع على معاهدة كامب ديفيد.
السادات يحصل على جائزة نوبل
رُشح السادات في سبتمبر 1978 لجائزة نوبل للسلام، وفي 27 أكتوبر 1978، أعلنت لجنة "نوبل" في أوسلو فوز السادات بجائزة نوبل للسلام مناصفة مع مناحم بيجن، رئيس وزراء إسرائيل، تقديراً لجهودهما في مفاوضات السلام، والتي بدأت بزيارة السادات للقدس، وأدت إلى تحطيم الحائط النفسي الذي دام حوالي 30 عاماً. ونوَّهت اللجنة بجهود الرئيس الأمريكي كارتر. وقد أعلن السادات إهداءه لقيمة الجائزة لتطوير قرية ميت أبوالكوم. وتبلغ قيمة الجائزة 172 ألف دولار (725 كرونة سويدية). وحصل عليها، في 20 ديسمبر 1978. وكانت اللجنة التي منحته الجائزة مكونة من خمس شخصيات، برئاسة السيدة أوسي ليونيز عضو البرلمان النرويجي، ونائبة رئيس الحزب الحاكم، ورئيسة لجنة العلاقات الخارجية.
السادات يستقبل شاه إيران
عندما انهار عرش الشاه، وغادر إيران مع زوجته، بعد إعلان أنه سيترك بلاده في إجازة مؤقتة، لم تكن دولة في العالم أو في المنطقة على استعداد لاستقباله، إلاّ السادات، الذي أجرى معه اتصالات لكي يحضر إلى مصر. واستقبله السادات يوم 9 يناير 1978، في مطار أسوان استقبالاً رسمياً، حضره سفير إيران في مصر. وأطلقت المدفعية 21 طلقة، كما أعد السادات للشاه استقبالاً شعبياً كبيراً في الشارع الرئيسي في أسوان من المطار، وصحبه في سيارة مكشوفة، حتى مرسى المركب الذي نقلهم إلى فندق أوبُرى على الضفة الثانية من النيل. وكان واضحاً أن الشاه وزوجته يعرفان تماماً أن عودتهما إلى إيران أمر بالغ الصعوبة. كان الشاه في غاية الحزن وكذلك زوجته الإمبراطورة فرح ديبا، وأراد السادات أن يرفع من معنوياته بهذا الاستقبال. وعندما انتهت الزيارة الرسمية في أسوان، وغادرها الشاه إلى الرباط، ثم إلى المكسيك، ثم إلى بنما بعد ذلك (حيث لاحقته هناك كل تظاهرات ومظاهر الاحتجاج من الجماهير، والحرج من جانب حكومات هذه البلدان) لم يجد الشاه مستقراً له، سوى العودة ليقيم في "وطنه الثاني" مصر، فوصل إلى أسوان ومعه قرينته بعد ظهر يوم 16 يناير 1979، واستقبله السادات استقبالاً رسمياً، فأطلقت المدفعية 21 طلقة لدى وصول الطائرتين الخاصتين اللتين أقلتا الشاة وقرينته، والوفد المرافق.
كان كثير من المسؤولين في مصر يعارضون استضافة الشاه، وكانت وجهة نظرهم أن ليس لمصر قدرة على تحمل مشكلات جديدة في الحكم، كما أنها ليست لها مصلحة في عداء ثورة الخميني. كذلك كانت المعارضة الداخلية، والجماعات الإسلامية تهاجمان هذا التصرف من السادات في عنف شديد. ولكن السادات لم يستجب لهذه المعارضة، وكان مُصرّاً على موقفه. ولم تكن استضافة الشاه في مصلحة مصر، ولم يكن الشاه يستحق ذلك، فهو لم يكن صديقاً لمصر في أي وقت مضى، بل إنه كان طوال معارك مصر والعرب يقف مع إسرائيل منذ حرب 1956، و 1967، وفي حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 1973 فضلاً عن انه كان، هو المصدر الرئيسي الذي يمد إسرائيل بالنفط.
السادات يعرض ماء النيل هدية لبيجن!!!
يقول الصحفي موسى صبري، في كتابه "السادات الحقيقة والأسطورة"، في مايو 1977، كان بيجن في زيارة لمصر، وقال له السادات: ما رأيك، تبقَّى سنة على الحكم الذاتي الفلسطيني، الجزء الثاني من كامب ديفيد، ومن الحكمة أن نتفق الآن على المبدأ، لماذا ننتظر عاماً لكي تبدأ المباحثات؟.. ما رأيك مليون متر مكعب من الماء يومياً أعطيها لك؟ إنني أعطيك كل إجراءات الأمن في سيناء.. أنا اليوم أعطيك الحياة "الماء" أنا أعطيك الحياة مقابل القدس!!
ولكن بيجن رد عليه قائلا: "إن مبادئنا ليست للبيع مقابل المياه من النيل. إن أمن إسرائيل وأهمية القدس ليست قضايا للبيع في مقابل مياه من النيل.
بدأت أحزاب المعارضة (حزب التجمع، والعمل، والوفد الجديد، والأحرار)، توحد صفوفها، وبدأت تنمو بينها فكرة الجبهة الواحدة. وكانت الاجتماعات الشعبية التي يعقدها حزب التجمع في عدد من أحياء القاهرة، وفي بعض مدن الصعيد، والوجه البحري، كلها تحريض على السخط بسبب ارتفاع الأسعار، والتفاوت بين الطبقات.
وتحول حزب الوفد الجديد إلى المعارضة العنيفة. وكان الصحفي الشهير، مصطفى أمين، يساند حزب الوفد في صحيفة أخبار اليوم، سواء بالأخبار أو المقالات. وأعلن فؤاد سراج الدين، رئيس حزب الوفد، أن ثورة يوليه ما هي إلا انقلاب، ووصف الأحوال قبلها بأنها كانت افضل بكثير، وأنكر أنه كان هناك إقطاع أو هضم لحقوق العمال والفلاحين.
ولما نشأت فكرة الجبهة الواحدة، وبدأت في عقد ندوات في الجامعات ومقار الأحزاب، وازداد التصعيد والتوتر، سلكت الجبهة اتجاهين:
· التحالف مع الاتجاهات الدينية.
· التحالف مع دول الرفض، وذهب خالد محيي الدين، رئيس حزب التجمع إلى دمشق وسلَّم جائزة السلام لحافظ الأسد. وفتحت الصحف العربية الموالية لدول الرفض صفحاتها لنشر أخبار وتحقيقات ومقالات عن المعارضة في مصر في حملة متصلة، كلها تشهير بالسادات، وزوجته جيهان، وحياته الخاصة، وبذخ معيشته.
بدأ نشاط الأقباط في مصر يتسع. كانت قوة الأنبا شنودة في ذلك الوقت قد وصلت إلى مداها. أصبح له وضع شبه مستقل عن سلطة الدولة، وتوثقت علاقاته الكنسية بأطراف متعددة في العالم. وبدأ الأقباط التصعيد في يناير 1977، في مؤتمر في الإسكندرية، وكان من توصيات هذا المؤتمر الذي انعقد تحت محور "حماية الأسرة والزواج المسيحي".
1. "المساواة وتكافؤ الفرص وتمثيل الأقباط في الهيئات النيابية".
2. "توجيه بيان إلى السلطات بطلبات لإلغاء مشروع قانون الردة".
3. "العدول عن التفكير في تطبيق قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية على غير المسلمين".
4. "حرية نشر الفكر والتراث القبطي".
5. "استبعاد الطائفية في تولى وظائف الدولة على كل المستويات".
وتأييداً لهذه المطالب، وكنوع من الاحتجاج، قرر المؤتمر أن تكون الفترة بين 31 يناير إلى 2 فبراير 1977 فترة صيام. وأن يظل المؤتمر منعقداً حتى تستجيب السلطات إلى مقترحاته.
وقد تلقى المؤتمر رسائل تأييد عديدة من جماعات قبطية خارج مصر، أرسلت صور منها إلى مجلس الشعب في مصر، وكانت هذه الرسائل كلها تحمل صيحات احتجاج:
"لماذا يعاني إخواننا الأقباط من هذه المصاعب في مصر؟".
"كيف يُعامل الأقباط في مصر على أساس أنهم من أهل الذمة؟".
"ما الذي تنوي الحكومة عمله في موضوع تقنين الشريعة الإسلامية؟".
وكان هذا المؤتمر هو الذي رد عليه الشيخ عبدالحليم محمود بمؤتمر مضاد. وهكذا بدا في الجو توتر بين المسلمين والأقباط، وارتفعت حرارة هذا التوتر طوال عامي 1978، 1979.
وفي 26 مارس 1980، ألقى الأنبا شنودة خطاباً غاضباً، عارض فيه أن تكون الشريعة الإسلامية أساسا لقوانين تُطبق على غير المسلمين. وأعلن أن صلوات عيد القيامة لن تقام هذا العام، كنوع من الاحتجاج على إهمال ما تقدم به الأقباط من طلبات.
دول الرفض: تزايدت حدة انتقادات دول الرفض لمصر، مع عزلة مصر عن الأسرة العربية.
2. مناحم بيجن: في هذا الجو الملتهب كانت مفاوضات الحكم الذاتي تتعثر، وتعرض الرئيس السادات لأكثر من تصرف دنئ من مناحم بيجن، رئيس وزراء إسرائيل، ففي 4 يونيه 1981، التقى السادات مناحم بيجن في شرم الشيخ. وعقدا مؤتمراً صحفياً مشتركاً، وبعد أربع أيام فقط قصفت الطائرات الإسرائيلية المفاعل النووي العراقي قرب بغداد. وكان هذا أكبر إحراج للسادات. وكان أكثر ما ضايق السادات أن السفير الأمريكي اتصل هاتفياً برئاسة الجمهورية صباح يوم قصف المفاعل العراقي ليسأل ما إذا كان مناحم بيجن قد أخطر السادات بنية إسرائيل قصف المفاعل. وقد أعلن مناحم بيجن، أنه لم يبلغ الحكومة الأمريكية بالهجوم إلاّ بعد إتمامه، وأنه أخفى أمر الهجوم عن السادات عند اجتماعهما في سيناء في الأسبوع الماضي. وكانت مخاوف السادات نابعة من أنه إذا كان السفير الأمريكي نفسه قد فكر في هذا، فكيف بالآخرين؟، وهكذا أصدر السادات تصريحاً أن مناحم بيجن لم يخطره بهذا الموضوع، وأن نبأ ضرب المفاعل العراقي قد أصابه بصدمة حقيقية لأنه بعد مرور أربع سنوات على بدء عملية السلام، ما كان يجب الإقدام على مثل هذا التصرف، والذي يصفونه بأنه إجراء وقائي. وأنه يحتج بشدة على أولئك الذين يظنون أنه كان على علم بنوايا إسرائيل.
وضع بيجن عشرات العقبات أمام مفاوضات الحكم الذاتي، وكان يريد أن يفرض خطوات التطبيع بأسلوب يثير مشاعر المصريين، ومن ذلك إصراره على تبادل طلبة الجامعات بين مصر وإسرائيل.
نجح رونالد ريجان Ronald Regan ، في الانتخابات الأمريكية، وكانت كل تصريحاته خلال الانتخابات تبشر بخيبة الأمل. وبعد أن قابل السادات الرئيس ريجان للمرة الأولى، خرج بانطباع أن الرئيس الجديد يعيش في واد بعيد تماما عن الحقوق العربية. فعندما أخذ السادات يشرح كل جوانب القضية، لم يعلق ريجان بكلمة واحدة!. وقد قال السادات لمستشاريه "الراجل ده نايم على روحه".
في 5 سبتمبر 1981، أمر السادات بتطويق وادي النطرون، وأُعلن إلغاء القرار الجمهوري بتعيين الأنبا شنودة، بطريركا للأقباط. وتعيين لجنة بابوية مؤقتة من خمسة أعضاء، وتحديد إقامة الأنبا شنودة في دير وادي النطرون.
في يوم 14 سبتمبر 1981، وجه السادات حديثاً إلى الشعب، وهو الحديث الذي أثار استياء عارماً[5]. فطوال أربع ساعات مضى السادات يسب فيه المعتقلين، وخصص ساعة كاملة من حديثه لمهاجمة فؤاد سراج الدين، وقال: "هذا الإنسان بسيادة القانون لن أرحمه أبداً .. لأنه .. لويس السادس عشر". ووصف محمد حسنين هيكل بأنه ملحد . وأخذ يُهاجم الإخوان المسلمين. ويسخر من الجماعات الإسلامية، ومن الفتيات المحجبات، وشبه أرديتهن بأنها كالخيام، وسخر من أصحاب اللحى، وتعرض بالإهانة لأحد علماء المسلمين قائلاً:
لن أرحمهم.. لن أرحمهم.. لن أرحمهم.
التلمساني سامحته مراراً، ولن أرحمه هذه المرة.
المحلاوي مرمي في السجن زي الكلب.." كررها ثلاثا وبصق
وفي خطاب آخر للسادات في 30 سبتمبر 1981م، هاجم فصائل المعارضة، وفؤاد سراج، والجماعات الإسلامية، وإيران، وبعض الدول العربية، هجوماً عنيفاً ( اُنظر ملحق خطاب السادات في ختام أعمال المؤتمر العام الثاني للحزب الوطني الأول من أكتوبر 1981).
وقد أجمعت وكالات الأنباء والمراسلون الذين حضروا الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشورى، أن السادات كان يتحدث بعصبية واضحة أفقدته الكثير مما كان يتسلح به من قدرة على سلسلة الأحداث وتبرير ما اتخذه من إجراءات. كما ظهر وكأنه عاجز تماماً عن شرح أفكاره ونواياه.
وهكذا بدأت سحب السخط تتجمع وتتكاثف، إلى أن بلغت المأساة ذروتها، وكانت النهاية الأليمة يوم 6 أكتوبر 1981. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر الجمعة 02 ديسمبر 2016, 10:30 pm | |
| اغتيال السادات
الاغتيال السياسي في التاريخ المصري
شهد تاريخ مصر الحديث 20 محاولة لعمليات اغتيال سياسية، نجحت منها 7 محاولات أبرزها عملية اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981. يليها اغتيال د. رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب، في 12 أكتوبر 1990. وقبل ثورة يوليه 1952 وقعت 5 اغتيالات سياسية، كان أبرزها اغتيال الشيخ حسن البنا، المرشد العام للإخوان المسلمين في 12 فبراير 1949، واغتيال اثنين من رؤساء وزراء مصر السابقين هما: الدكتور أحمد طاهر باشا في 24 فبراير 1945، ومحمود فهمي النقراشي باشا في 8 ديسمبر 1946، كما اغتيل الوزير أمين عثمان عام 1946، والوزير بطرس غالي في 20 فبراير 1910.
أما المحاولات الفاشلة لاغتيال مسؤولين سياسيين، فقد بلغت 11 محاولة، أبرزها محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في 27 يوليه1954 في ميدان المنشية في الإسكندرية. ثم محاولات اغتيال ثلاثة من وزراء الداخلية السابقين، خلال الفترة من 5 مايو 1978 إلى ديسمبر 1989 وهم: حسن أبو باشا، ومحمد نبوي إسماعيل، وزكي بدر. وقبل ذلك فشلت محاولات اغتيال كل من السلطان حسين كامل، والزعيمين سعد زغلول ومصطفى النحاس، وكل من إسماعيل سري باشا، وإسماعيل صدقي باشا، رؤساء وزراء مصر السابقين، وعدد من الوزراء وزعماء الأحزاب السياسية.
وجدير بالذكر أن السادات هو الحاكم الوحيد في مصر، في تاريخها الحديث كله الذي مات مقتولاً. فجميع حكام مصر ماتوا ميتة طبيعية، حتى الملك فاروق رحل بعد خلعه معززاً مكرماً[1].
لا يوجد أمن 100%
في مجال علم مكافحة الإرهاب، ليس هناك أمن كامل 100% على الإطلاق، مهما كانت قوة الجهاز الأمني، تدريباً أو معدات حديثة. بل إن التجربة خلال العقود الثلاثة الماضية كشفت أن أقوى جهاز مخابرات يمكن أن يُخترق، وأن أفضل نظم تأمين الشخصيات المهمة، كثيراً ما تحدث بها ثغرات وخلل نتيجة بعض الأخطاء، والتي غالبا ما يكون ضحيتها زعماء وملوك ورؤساء دول وحكومات. ويكفي أن نذكر المحاولات التي استهدفت حياة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في 30 مارس 1981، ومن قبلها عملية اغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي في 22 نوفمبر 1963، وكذلك عملية اغتيال اسحق رابين، رئيس وزراء الإسرائيلي السابق في 4 نوفمبر 1995. والشيء نفسه حدث مع الرئيس السادات، فقد كان حرس الرئيس يتلقى أحدث التدريبات العسكرية في العالم من خلال دورات مكثفة، وبعثات أمنية يتم إرسالها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل منتظم، ويتم خلالها تزويدهم بأجهزة وأسلحة على درجة عالية من الحساسية والكفاءة.
محاولات اغتيال السادات
حصر البحث عشر محاولات اغتيال للسادات، تركزت كلها في العام الأخير من حياته، 1981[2].
في مارس 1981، كانت إجراءات الأمن مشددة أثناء المؤتمر الثاني للحزب الوطني في جامعة القاهرة؛ الأمر الذي فرض تفتيش أعضاء المؤتمر ثلاث مرات متتالية، بعد بلاغ للسلطات الأمنية عن محاولة اغتيال الرئيس، وهو في طريقه إلى المؤتمر، أو في داخل المؤتمر. وفي أبريل عام 1981 تم تغيير مسار طائرة السادات الخاصة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبدلاً من التوقف في "لشبونة"، توقفت الطائرة في قاعدة عسكرية في بريطانيا. وكان السبب هو احتمال تعرض السادات وطائرته لهجوم مسلح بعد معلومات وصلت لرجال الأمن أن الليبيين دبروا لهذا الهجوم. وتكاد تكون هذه هي المحاولة الوحيدة التي استهدفت اغتيال السادات من ليبيا، فقد كانت أجهزة الإعلام الرسمية الليبية تشن حملات ساخنة على مصر ورئيسها، وتصف السادات بالخائن، وسياسات السلام مع إسرائيل بالاستسلام، خاصة بعد ذهاب السادات للكنيست وتوقيع الصلح مع إسرائيل. وقد طلب القذافي من أجهزته رصد مبلغ 10 ملايين دولار لمهمة اغتيال السادات. ويمكن أن يزيد التمويل كلما تطلب الأمر ذلك. وفي الشهر نفسه، قُبض على فلسطيني من قطاع غزة، وهو يحمل متفجرات كانت مجهزة لاغتيال السادات. في صيف 1981 كانت هناك محاولة لاصطياد السادات ببندقية مزودة بمنظار مقرب من أحد المباني أثناء مروره في طريق مجاور للمبنى. وقد تمكنت السلطات الأمنية من ضبط البندقية مخبأة في "تابلوه" السيارة، التي كانت قادمة من الخارج. وكانت الطلقات مخبأة في خزان الوقود، الذي كان نصفه معبأً بالوقود، والنصف الآخر به ذخيرة ومسدسات. بعد ذلك، ضُبط أحد أفراد الحرس الجمهوري، وكان يعمل سائقاً في رئاسة الجمهورية، متورطاً في الاتفاق مع المخابرات العراقية لتنفيذ خطة لاغتيال السادات، حيث تمكنت المخابرات العراقية من تجنيده وتدريبه على استعمال الأسلحة والمتفجرات. وقد كُشف أمر هذا السائق قبل يومين فقط من تنفيذ الخطة، عندما شك في تصرفاته أحد أفراد الأمن الخاص في رئاسة الجمهورية، وكان يرأسها في ذلك الوقت اللواء طه زكي. وقد تسببت هذه الحادثة في استبعاد طه زكي، فيما بعد، من منصبه. في 26 يوليه 1981، كانت هناك خطة لاغتيال السادات في الإسكندرية خلال احتفالات الجيش بذكرى خروج الملك عقب الثورة، والتي كان السادات يحضرها عادة. وقد اعترف بعض أعضاء تنظيم الجهاد أن خطتهم كانت إحضار أتوبيس به مفرقعات وأنابيب غاز، ثم الهجوم على مستودع ضخم لأنابيب الغاز بالقرب من نادي ضباط القوات المسلحة في منطقة رشدي في الإسكندرية في توقيت حضور السادات للاحتفال، وأحداث تفجير هائل. وقدروا أن تؤدي قوة الانفجار إلى تفجير المستودع بالكامل، مما يؤدي إلى نسف المنصة والقاعة الرئيسية. ثم حدث تعديل للخطة، وهي أن يقتحم الأتوبيس، وبه المفرقعات، مكان الاحتفال. وذكر نبيل المغربي، أحد قيادات تنظيم الجهاد أنهم قرروا فيما بعد، إلغاء هذه الخطة لأن الانفجار سوف يُدمر نادي الضباط، ولكن قد لا يتسبب في قتل السادات، وهو المستهدف بالدرجة الأولى. في 10 أغسطس 1981، ألغى السادات رحلته إلى النمسا، التي كان مقرراً لها أن تتم أثناء رحلته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد اكتشاف مؤامرة لاغتياله في سالزبورج. وقد كشف مستشار النمسا الأسبق "برونو كرايسكي" أسرار هذه المحاولة في ديسمبر 1984، أمام إحدى المحاكم في فيينا، التي مثل أمامها شاب فلسطيني يدعى "بهيج" اتُهم بأنه كان وراء التخطيط للاغتيال. وقال كرايسكي إن مصدر هذه المعلومات كان الاستخبارات الإسرائيلية. وقد طلبنا من السادات تأجيل زيارته لأنه لم يكن في استطاعتنا ضمان سلامته. في 25 سبتمبر 1981، أصر السادات على السفر إلى مدينة المنصورة في قطار مكشوف. وكان قبيل ذلك قد أُلقي القبض على مجموعة من تنظيم الجهاد، وضبطت معهم كميات من الأسلحة والذخائر والخرائط في إحدى الشقق المفروشة في القاهرة، وتبين من خلال الاعترافات إعدادهم لخطة يندس بمقتضاها أحد أفراد الجماعات الإسلامية وسط الجماهير المحتشدة في إحدى محطات القطار لاستقبال الرئيس، ثم يتحين الفرصة لإطلاق الرصاص على السادات. وفي صبيحة يوم السفر، اتصل نبوي إسماعيل، وزير الداخلية، بالسادات، وأخبره بما حدث، ثم قال له: "وسيادتك رايح المنصورة بالقطار، ما تسافر بالطائرة..". ولكن السادات أصر، فطلب النائب حسني مبارك من وزير النقل والمواصلات، سليمان متولي، زيادة سرعة القطار، وعدم تهدئته في المحطات التي كان يمر بها؛ ليرد السادات التحية على الجماهير التي خرجت لاستقباله، وعندما لاحظ السادات أن القطار يسير بسرعة، صرخ قائلاً لوزير النقل: "مين اللي قالك تعمل كده؟". فقال: "السيد نائب الرئيس، ووزير الداخلية". فقال السادات: "لأ، بطأ السرعة كما كان مقرراً، وخللي القطر يمشي بالبرنامج المخطط له". في 6 أكتوبر 1981، كانت هناك خطة لاغتيال السادات وهو جالس في منصة العرض العسكري، وذلك بتجنيد تنظيم الجهاد لطيار انتحاري يوجه طائرته إلى المنصة، فتنفجر به في الحاضرين جميعا، وعلى رأسهم السادات. ولكن التنظيم استبعد هذه الخطة لعدم تمكنهم من تجنيد الطيار الذي يمكن أن يثقوا فيه.
يضاف إلى ما سبق أن أجهزة الأمن، تجمّع لديها معلومات عن اتصالات بين جماعات في مصر وبين منظمات إرهابية دولية، مثل مجموعات كارلوس، وتنظيم الألوية الحمراء، وتنظيم الإرهاب في ألمانيا الغربية. كما كانت هناك معلومات عن اتصالات بتنظيم الجيش الأحمر الياباني. ولكن السادات غلب على تفكيره أمران. الأول: أنه لن يناله أحد أبداً، وإنما يمكن أن يمتد الخطر إلى أسرته أو إلى نبوي إسماعيل وزير داخليته. ولذا كان دائما يحذر زوجته وأولاده بضرورة الاحتياط بقوله: "لأنه إذا لم ينالوني، فأنتم هدف سهل لهم". كما كان يحذر نبوي إسماعيل بقوله: "يا نبوي يبلغني من مخابرات أجهزة دول كثيرة بأنك مستهدف، وأن الإرهابيين سوف يحاولون اغتيالك، فلازم تاخد بالك في الوزارة، والبيت، والطريق. أنا مش هيطولوني، لكن انت هيطولوك يا نبوي !!".
والأمر الثاني: هو العناد والتحدي، فكثيراً ما كان السادات يرفض استخدام السيارة التي لا يخترقها الرصاص، أو ارتداء القميص الواقي من الرصاص، على الرغم من أنه كان لديه ثلاثة قمصان في غرفة نومه، أحدثها رقيق جداً وصلب جداً، ومن السهل ارتداؤه.
النهاية الأليمة
في الساعة العاشرة والنصف من صباح الثلاثاء الموافق 6 أكتوبر 1981، كان السادات في مقر وزارة الدفاع؛ لالتقاط الصور التذكارية مع كبار القادة. وكان السادات مرتدياً بدلته الهتلرية، التي صنعت في لندن، والتي كان مغرماً بها. ولم يكن مرتدياً للقميص الواقي من الرصاص على الرغم من إلحاح زوجته، جيهان السادات، ووزير الداخلية. وكان سبب ذلك، أن البدلة الجديدة كانت ضيقة، ولا تسمح بارتداء القميص الواقي تحتها، ورفض السادات أن يلبس بدلة العام الماضي، وقال: أنا رايح لأولادي، أنت هوال وخواف، يانبوي". ثم توجه الرئيس إلى أرض العرض؛ ليتبوأ مقعده من المنصة. وإلى يمينه نائبه، حسني مبارك، وإلى يساره المشير أبو غزالة، وزير الدفاع.
في تمام الساعة الثانية عشرة وعشرين دقيقة، توقفت سيارة المدفعية التي تجر المدفع الكوري الصنع عيار 130مم، أمام المنصة تماماً، وانطلقت رصاصات القناص حسين عباس لتستقر في عنق السادات، فهب واقفاً، يقول "مش معقول"، واندفع ناحيته الضابط خالد الإسلامبولي بمدفعه الرشاش، بعد أن سبق ذلك بإلقاء قنبلة، وهبط إليه عبدالحميد عبدالسلام ببندقيته، وعطا طايل كذلك بعد أن ألقى قنبلة ثانية لم تنفجر، والتصق الثلاثة بالمنصة، يمطرون الرئيس بالرصاص. وسقط الرئيس مضرجاً بدمائه، منبطحاً على وجهه. ثم صعد إليه عبدالحميد عبدالسلام من يسار المنصة، وركله بقدمه، فقلبه على ظهره، ثم طعنه بالحربة (السونكي)، وأطلق عليه عياراً نارياً.
استغرقت هذه العملية 35 ثانية، بعدها أسدل الستار على السادات، وانتهت فترة ملتهبة من تاريخ مصر بأغرب حادثة اغتيال في المنطقة العربية. وهكذا بدأ السادات سِجلَّه السياسي بالإرهاب، وانتهى بالإرهاب.
من هم القتلة
خمسة من المتهمين ينتمون إلى إحدى الجماعات الإسلامية، وهم:
الملازم أول، خالد أحمد شوقي الإسلامبولي، سلاح المدفعية
ولد في 14 نوفمبر 1957، في مدينة ملوى، محافظة المنيا. وهو الابن الثاني للمحامي أحمد شوقي الإسلامبولي في الإدارة القانونية في شركة السكر بنجع حمادي. له شقيق أكبر منه، اسمه محمد، كان في السنة النهائية في كلية التجارة، اعتقل في اعتقالات سبتمبر لأنه مزق صورة السادات في محطة قطار أسيوط. وله أختان متزوجتان.
دخل مدرسة المدفعية وتخرج بامتياز عام 1978. وقع عليه الاختيار للاشتراك في العرض العسكري. وهو المتهم الأول، حكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص.
ملازم أول سابق، عبدالحميد عبد السلام عبدالعال علي
ولد في 21 مارس 1953، في ملوى. تخرج في الكلية الحربية ملازماً مع مرتبة الشرف. عضو في فريق رياضة رفع أثقال في مركز شباب ملوى. قال عنه المحققون إنه أخطر قاتل للسادات لمعلوماته الكثيرة ولحجته الدينية القوية. قدم استقالته عدة مرات من العمل في الجيش، وقبلت استقالته بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد. عمل سائق سيارة فيات، ثم افتتح مكتبة لبيع الكتب الدينية. حكم عليه بالإعدام شنقاً.
عطا طايل حميدة رحيل:
ملازم أول مهندس احتياط، من مواليد قرية رحيل، مركز الدلنجات، محافظة البحيرة. تخرج في كلية الهندسة، جامعة الإسكندرية. دخل كلية الضباط الاحتياط، وعمل في حلوان. وهو غير متزوج.
كان الوحيد من بين المتهمين الذي يريد قتل وزير الداخلية، نبوي إسماعيل مع السادات. قال نبوي إسماعيل، "لقد اشتبك عطا طايل مع الحرس، ورأيته وهو قادم عليَّ يقصدني في المنصة!! كان طالع من السلم المجاور لمكان جلوسي وموجه سلاحه ناحيتي! لكن اشتبك مع الحراسة"، وانتهت خزنة الطلقات. حكم عليه بالإعدام شنقاً.
حسين عباس محمد:
رقيب متطوع في القوات المسلحة، وهو يعمل في المعهد الديني في مصر الجديدة. من مواليد 1953 ملوى. قناص ماهر يجيد الرماية من مختلف الزوايا والأوضاع.
أول من أطلق دفعة نيران فأصابت رقبة السادات.
أعطى بندقيته لخالد الإسلامبولي بعد أن تعطل رشاش الإسلامبولي عن العمل أثناء الهجوم على المنصة. هرب ثلاثة أيام بعد مقتل السادات. حُكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص.
محمد عبدالسلام فرج:
ولد في قرية الدلنجات، محافظة البحيرة، عام 1954، تخرج في كلية الهندسة، جامعة القاهرة. ويعمل في الإدارة الهندسية في جامعة القاهرة. كان مطلوباً القبض عليه ضمن اعتقالات سبتمبر.
تولى جمع وطبع كتاب "الفريضة الغائبة"، وقد عاون الإسلامبولي ورفاقه بالذخيرة والقنابل المطلوبة. حكم عليه بالإعدام شنقاً.
دفُن الخمسة في مقابر الصدقة في محافظة القاهرة، منطقة البساتين، قرب مقبرة شهداء الطائرة الباكستانية التي تحطمت في القاهرة عقب عودتها من الأراضي المقدسة.
جنازة السادات
توافرت معلومات لدى وزارة الداخلية عن احتمال حدوث اغتيالات خلال تشييع الجنازة، بسبب مشاركة رؤساء بعض دول أجنبية، وبعض رؤساء دول سابقين، وهم كارتر وفورد ونيكسون، وجعفر نميري، ونائب عن السلطان قابوس، مع ممثلين من عدة دول. ولم يشارك مسؤولون من باقي الدول العربية بسبب مشاركة مناحم بيجن، رئيس وزراء إسرائيل، الذي أصر على الحضور.
وعقد حسني مبارك اجتماعاً لدراسة خطوات الجنازة. واقترح أحد الحاضرين أن تقام الجنازة داخل قصر القبة، وهو مكان محكم، تفادياً لحدوث أي احتمالات. ولكن النائب، حسني مبارك، رفض رفضاً قاطعاً، وقال: "أنا غير موافق، وإما أن نكون أو لا نكون. ويجب أن تسير الجنازة عادية كما هو المقرر لها".
وهكذا جرى تشييع السادات، كما كان مقرراً له، ودفن في مكان اغتياله، في مدينة نصر، تحت حجر أسود، كتب عليه: ]وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون[ (آل عمران: آية 169). الرئيس المؤمن، محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، عاش من أجل السلام، ومات من أجل المبادئ".
ردود الأفعال في العالم
كان أول اتهام تناوله المحللون السياسيون، وكان هنري كيسنجر، أول من تبناه، هو أن تكون الجماهيرية الليبية دبرت عملية التخلص من السادات عبر مجموعة من الجيش، لا يزال للفريق سعد الشاذلي تأثيره عليها. وساعد على ذلك أن الشاذلي أذاع بعد ساعات من الحادث بياناً متلفزاً من الجزائر يدعو فيه القوات المسلحة إلى متابعة التحرك.
وكان هناك من يؤيد اتهام الجماهيرية الليبية بالتعاون مع المخابرات السوفيتية.
وكان الاحتمال الثاني أن يكون الإخوان المسلِمون هم الذين دبروا الحادث بعد اعتقالات سبتمبر.
وكان الاحتمال الثالث. أن تكون المخابرات الإسرائيلية وراء العملية، لكي تجد إسرائيل مبرراً لعرقلة الانسحاب من سيناء. أما إذا سار الرئيس الجديد في عملية التطبيع فلا مانع من إعطائه سيناء هدية لدعمه داخلياً وتشجيعه على البقاء في الإطار الساداتي".
كان الناس في الداخل والخارج في حيرة، يريدون أن يعرفوا نتائج اغتيال السادات.
هل سيُطاح بالحكم القائم وتستولى سلطة جديدة؟
هل سيتحرك الجيش؟ هل ستتدخل قوى خارجية؟
ولكن كان في إعلان النائب، حسني مبارك، بنفسه لمصرع السادات من التلفزيون دليل قوي على أن السلطة لا تزال تحكم، وأن محاولة الاغتيال لم تتطور إلى ما هو أكثر من ذلك.
ومثلما نعى أنور السادات، بتأثر شديد مساء يوم 28 سبتمبر 1970، الرئيس جمال عبدالناصر بقوله:
"إني أرثي رجلاً عظيماً خدم مصر والعروبة. ابن مصر البار، قائدنا جمال ... وإني أتعهد بأن أستمر في السير على الدرب الذي رسمه عبدالناصر". تكرر المشهد نفسه في مساء 6 أكتوبر 1981، مع تبدل الأشخاص. فقد أعلن حسني مبارك، بتأثر شديد أمام شاشات التليفزيون "استشهاد بطل الحرب والسلام" معلناً أنه سيسير على الدرب نفسه ملتزما بجميع المواثيق والاتفاقات التي وقعها الرئيس الراحل.
مؤشران غير مطمئنين
كان لاغتيال السادات، في العواصم الخارجية خاصة، مؤشران سلبيان هما:
الأول: فظاعة الحادث، وهو أمر لم تشهده مصر منذ ثورة يوليه 1952.
الثاني: إعلان حالة الطوارئ. وهذا معناه أن الوضع الداخلي في مصر ليس بالهدوء الذي يظهر به على السطح.
وحين سُئل كيسنجر عن احتمال قيام ليبيا بغزو عسكري لمصر، قال لمحطة تليفزيون CBS الأمريكية، إن هذا احتمال ضئيل. لكن لا يستبعد أن تشهد مصر فترة من الاضطرابات.
باريس، وعواصم غرب أوروبا حزنت حزنا شديداً، واعتبرت الحادث من النوع الخطير والفريد.
علق الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان، ومعه كلود شيسون وزير الشئون الخارجية: "ما هذا العنف الذي يجتاح العالم، ففي خلال ستة أشهر، تعرض اثنان من زعماء العالم للاغتيال (ريجان، والبابا يوحنا الثاني) وها هي المحاولة الثالثة تودي بحياة أنور السادات.
الدول العربية
معظم العواصم العربية ابتهجت للتخلص من السادات، وصرحت مصادر رسمية بأن فرصة حسني مبارك تبدو أكثر قابلية للحوار مع الزعماء العرب، فهو لم يشارك في زيارة إسرائيل، ولسانه عف لا يحب السباب.
إسرائيل وأمريكا
ساد الحزن في تل أبيب وواشنطن، وقال شارون "لا سادات.. لا كامب ديفيد.. لا معاهدة سلام". وقد عاملت أجهزة الإعلام الأمريكية حادث اغتيال السادات، وكأنه حادث أمريكي خطير يتعلق بسلامة أمريكا ومصالحها إلى حد بعيد.
وقد طرحت الإدارة الأمريكية تساؤلات عن مضاعفات هذا الاغتيال:
هل يعني اغتيال السادات نهاية كامب ديفيد؟ هل يستطيع حسني مبارك أن يواصل سياسة السادات؟ هل ستبقى مصر، وإلى متى، ضمن دائرة السياسة الأمريكية؟ هل ستظل القاهرة الحليف الأساسي والعسكري لواشنطن كما أراد السادات؟
وجاءت الإجابة على لسان هنري كيسنجر:
"هذا الرجل لا يمكن تعويضه".
"كان السادات وبقاؤه على رأس السلطة في مصر، هو الضمان الوحيد لاستمرار اتجاه السياسة الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط".
الأسطول السادس الأمريكي
وكان أول فعلته الإدارة الأمريكية لدى بلوغها خبر الاغتيال، هو أنها وضعت قوات الأسطول السادس في حالة تأهب، ووضعت قواتها البحرية في المنطقة المحيطة في الخليج في حالة تأهب، وهي 4 وحدات في الخيلج، و 6 وحدات في البحر العربي و 18 وحدة في المحيط الهندي.
ولم تخف أمريكا نيتها التدخل في مصر، إذا تأكد لها أن هناك مؤامرة من عناصر مرتبطة بالاتحاد السوفيتي، أو لها طابع إسلامي متطرف. وأعلنت أمريكا أنها حريصة على ألاّ تتحول مصر إلى إيران ثانية، وألاّ تتحول إلى أثيوبيا أخرى. وأن أمريكا لابد أن تتأكد من موقف القوات المسلحة المصرية من اغتيال السادات.
وأخيراً، فإن السادات دخل التاريخ، وشغل العالم أجمع، وهو ـ بلا ريب ـ من أبرز رجال القرن العشرين، وتميزَّ بنظرة إستراتيجية عميقة، وبعيدة النظر، فحين قام بمبادرة السلام مع إسرائيل، لم يقتنع بمبادرته في ذلك الوقت، إلاّ العدد القليل من شعوب المنطقة، كما بين البحث من قبل، ولكن ـ كما يقول الأمير خالد بن سلطان ـ أثبتت الأيام، أن السادات كان محقاً.وها هي كثير من القيادات العربية تسعى للحصول على أقل بكثير مما كان يمكن الحصول عليه، لو حدث التضامن مع السادات في مبادرته. ومن أصدق العبارات التي وصفت إستراتيجية السادات، بعد وفاته، عبارات الكاتب المعروف نجيب محفوظ، الذي يقول: بالحرب نقل السادات العرب من اليأس والانكسار إلى العزة والانتصار، وبالسلام حقق لمصر استقلالها الكامل لأول مرة منذ مئات السنين. وكان السادات يجيد التغطية على أهدافه الحقيقية، وكان يعرفها جيداً ويخطط لها كما ينبغي ... فعل هذا عندما كان نائباً لجمال عبدالناصر، وقبل أن يكون نائباً، وفعل هذا قبل 15 مايو 1971، وفعل هذا في حرب 1973، عندما أحس الناس أن حالة اللاحرب واللاسلم التي سادت وطال وقتها سوف تطول أكثر، وإن عليهم أن يعيشوها، ويتعايشون معها. وكان يُمعن في تصدير الصورة المعاكسة التي تؤكد لدى الجميع أنه لن يُحارب، وأنه لا يقدر على الحرب، وأنه يسعى إلى أي منفذ، ويبحث عن أي حل إلاّ الحرب!!. ولقد عرض السادات على الفلسطينيين أن يجلسوا ليأخذوا أضعاف أضعاف ما يسعون إليه، دون جدوى، ولم يكن الحلّ منفرداً من جانبه، كما قيل، إلاّ بعد أن يئس من المزايدات والشتائم ... ولا يزال السادات في حاجة إلى رد اعتبار ممن أساءوا فهمه في حياته، وواصلوا الإساءة في مماته.
وهو كبشرٍ، له حسناته وله سيئاته، ولكن الدور الذي لعبه في تاريخ مصر والعالم العربي كان دوراً لا يُستهان به.
[1] مات الفرعون أمنمحات الثالث مقتولاً وذلك حوالي عام 1961، قبل الميلاد. أحمد فخري، "مصر الفرعونية"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط 8، 1995، ص 221 ـ 222.
[2] ذكرت مجلة تايم الأمريكية يوم 12 أكتوبر 1981، أن السادات تعرض لتسع محاولات من عام 1970، إلى عام 1981 منها خمسة في عام 1981. |
|
| |
| السِّير الذاتية للشخصيات، في مصر | |
|