تقرير المراقب وتصريحات القسام وهواجس الحرب
إبراهيم المدهون
ما ورد في تقرير مراقب الدولة في الكيان الصهيوني أدركناه ونحن نعيش حرب 2014، ولهذا لم يفاجئ المراقبين وانما أكد ووضح بشكل رسمي ما لاحظناه على أرض الواقع في العصف المأكول وما لمسناه في تداعياتها من تراجع قوة الجيش الإسرائيلي، وظهور الفراغ القيادي لدى الاحتلال، وتطور المقاومة استخباراتيا وميدانيا، مما عزز نظرية توسع المقاومة وانكماش الاحتلال وهذا يعطي املا واضحا اننا أمام مرحلة جديدة فيها تنمو ارادة شعبنا وتتوسع ويتآكل المحتل ويتقهقر.
هذا التقرير لا علاقة له بعدوان جديد من عدمه، فالحرب والتهدئة تحددها معطيات ميدانية وسياسية وحتى اللحظة لا تعزز هذه النظرة رغم خطورة وتفجر الاحداث في أي لحظة، بل بالعكس تقرير مراقب الدولة أظهر قلق الاحتلال الواضح من سلاح الانفاق الذي اثبت فاعليته في معركة العصف المأكول، وما زال هذا السلاح عصيا عن الفهم والاحتواء الاسرائيلي، وهناك اسئلة لم يجد الاحتلال لها جوابا حتى اللحظة.
ومن يتابع تقرير الدولة يجد ان الاحتلال لا يملك الان رؤية واضحة تجاه غزة، حتى انه شن عدوانه الاخير دون تحديد أهداف وهذا دليل تعقيد الواقع في القطاع وقدرة المقاومة على احداث مفاجآت، ويفسر أيضا لماذا طال العدوان دون اي افق، وباعتقادي حتى اللحظة لا يملك الاحتلال رؤية واضحة عن غزة وهذا ما يصعب نشوب مواجهة اخرى او عدوان جديد، فنحن امام قيادة إسرائيلية مهزوزة ومترددة ورؤية اسرائيلية مشوشة، واهداف غير محددة.
لهذا يأتي تصريح أبو عبيدة الاخير أن أي عدوان قادم على قطاع غزة سيكون للمقاومة كلمتها فيه، في الاتجاه الصحيح وهو يعني ان القسام رفض معادلة الاشتباك الذي يحاول العدو فرضها، وان الاحتلال يتحمل تداعيات ما يمكن ان تذهب اليه الاحداث، وأن الرد سيكون بمستوى عدوان الاحتلال مهما كلف من ثمن.
لهذا على الاحتلال الاسرائيلي ان يتوقف عن استخدام ذرائع واهية لاستهداف مناطق تخص المقاومة، وسيعتبر أي عدوان بعد ذلك حتى ولو لم يستهدف الانسان الفلسطيني انه خارج إطار التهدئة، وسيتم الرد عليه، ومع هذا أجد ان تصريح ابو عبيدة يمنع الحرب ويبعدها أكثر مما يستجلبها.
تقرير مراقب الدولة درسٌ للمتآمرين
احتبست أنفاس القادة الصهاينة عشية إصدار مراقب الدولة لدى الكيان الصهيوني لتقريره حول الحرب الأخيرة على قطاع غزة في صيف 2014.
تقرير مراقب الدولة عشية الثلاثاء لم يكن مفاجئا البتّة، فهو ليس التقرير الصهيوني الأول أو الوحيد الذي كشف اللثام عن الإخفاقات الكبيرة والخسائر الفادحة التي تكبّدها الاحتلال الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة، فلقد جاء بعد سلسلة طويلة من التقارير التي أجمعت كلها على فشل الجيش الصهيوني في حربه التي أطلق عليها اسم "الجرف الصامد" بُغية القضاء على قدرة حماس العسكرية.
إلاّ أن تقرير مراقب الدولة "يوسف شبيرا" تضمّن تحليلات وتحقيقات موضوعية للإخفاقات الكبيرة لعدوان "الجرف الصامد" على المستويين السياسي والعسكري وهو ما تحاول كلتا الجهتين التهرّب منه، حيث حمّل التقرير القيادة السياسية الممثلة في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع آنذاك موشي يعلون والقيادة العسكرية الممثلة في رئيس أركان الجيش السابق بني غانتس ورئيس الإستخبارات السابق أفيف كوخافي ورئيس الشاباك السابق يورام كوهين مسؤولية الفشل الذريع في الحرب.
أشار تقرير مراقب الدولة إلى أنّ القيادتين السياسية العسكرية لم تكونا على دراية جيدة بالخطورة الكبيرة التي تشكّلها أنفاق المقاومة في غزة وأنّهما قد اتخذتا قرار شنّ الحرب دون امتلاكهما لخطة ممنهجة أو استراتيجية واضحة أو حتّى استعداد كامل لمواجهة أنفاق المقاومة، كما انتقد التقرير قصور منظومة الاستخبارات الصهيونية في جمع معلومات كافية حول الأنفاق التي تمتلكها حماس وأنّ الجيش الصهيوني قد مُني بهزيمة نكراء حيث دخل إلى الحرب مستعرضًا عضلاته بطوابير طويلة وأفواج كثيرة للجنود والضباط والمركبات وخرج منها يجرّ أذيال الخيبة، يعدّ جرحاه وينقل موتاه وقدّ تحوّلت مركباته المصفحة إلى أنعاش متحرّكة وتفحّمت أجساد جنوده داخل دبابات الميركافه المقلوبة والمحطّمة.
وبالتالي فقد كان تقرير مراقب الدولة إعلانًا واضحا وصريحا عن فشل الجيش الصهيوني في حربه على المقاومة الفلسطينية وأن المقاومة هي من انتصرت في النهاية حيث كانت مستعدّة للمعركة بشكل قويّ وجهّزت لها جيّدا وأعدّت العدّة لكسب الحرب وعدم الاستسلام أو رفع الراية البيضاء مهما طالت أيام المعركة.
تقرير مراقب الدولة يوسف شبيرا انتقد بشكل لاذع إخفاق المنظومة السياسية والعسكرية في تقييم قدرة حماس العسكرية وحمّل بذلك القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة الكبار مسؤولية الفشل الكبير في إدارة الحرب على قطاع غزة، كما انتقد التقرير كذلك الفجوة العميقة في التعامل بين الجهات الاستخبارية والأمن وهو ما زاد في تفاقم الفشل، وألقى التقرير باللّوم كذلك على الجيش بسبب عدم قدرته على صدّ صواريخ المقاومة التي توعّدته أمام الشعب الإسرائيلي وأمام العالم بأسره بأنها ستطلق الصواريخ نحو تلّ أبيب وتحدّته أن تتمكّن منظومة القبة الحديدية التي يمتلكها من صدّ الصواريخ وهو ما تمّ فعلا حيث شاهدنا كلّنا عبر الشاشات كيف أن الصواريخ تنطلق مزمجرة من غزة نحو عاصمة الكيان دون أن تتمكّن لا منظومة حيتس ولا غيرها من إسقاطها. عندما بدأت إسرائيل بشنّ عدوانها الغاشم على قطاع غزة بعد ساعات من عثورها على جثث مستوطنيها الثلاثة، أعلن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أن الحرب تهدف بالأساس إلى القضاء على أنفاق حماس الممتدة نحو الكيان وبعد أيام قليلة من بدء الحرب، خرج نتنياهو مرة أخرى ليقول بأن الجيش قد دمّر أكثر من 90 % من أنفاق حماس وهو ما بقي يُكرّره تقريبا في كل تصريح له بعد عقد اجتماعه المصغّر، الكابنيت، لكن في الأثناء كان الشعب الصهيوني والعالم كلّه يشاهد فيديوات موثّقة لكتائب عز الدين القسّام الجناح العسكري لحركة حماس وهي تبرز مقاتليها وهم يعبرون من غزة عبر الأنفاق الحدودية ليخترقوا إسرائيل وينفذوا هجوما على قاعدة عسكرية ويواجهوا مباشرة الجنود الصهاينة الذين بدا عليهم الخوف والهلع، ويتمكنوا من اغتنام أسلحة صهيونية وعلى الأرجح أنهم قد تمكّنوا من أسر بعض الجنود وهو ما يُفسّره إبقاء مقاتلو القسّام على عتادهم العسكري في حلبة المعركة وسط قاعدة كيسوفيم العسكرية، هذا بالإضافة إلى عمليات عديدة أخرى قام بها رجال المقاومة في زيكيم وغيرها.
تقرير مراقب الدولة أكّد مرة أخرى على أنّ الجيش الصهيوني لم يتمكّن فعلا من القضاء على أنفاق المقاومة بل بالعكس، فلقد أشار التقرير على وجود ما يزيد عن 10 أنفاق تمتدّ إلى داخل إسرائيل، وبالتالي فالتقرير قد لمّح إلى كذب القيادة السياسية والعسكرية على الشعب الصهيوني أثناء الحرب وبعدها وأن نتنياهو ورفاقه كانوا يمارسون الكذب والتضليل ويتعمّدون إخفاء الحقائق خوفا من الفضيحة وخشية على مستقبلهم السياسي. وفي المقابل، كان صمود المقاومة واستعدادها قبيل الحرب وخلالها مفاجئا للمنظومتين السياسية والعسكرية في إسرائيل حيث جعلتهما في إحراج كبير أمام الجبهة الصهيونية الداخلية التي بدت عليها بسرعة ومنذ الأيام الأولى للحرب معالم الهشاشة والتآكل وهو ما شكّل نقطة ضعف كبيرة للنخبة السياسية والعسكرية الصهيونية وجعلها مهتزّة ومرتبكة أكثر، وهذا ما أوضحه إقدام القادة الصهاينة بعد أيام قليلة من شنّ العدوان إلى التواصل مع عدة جهات من أجل المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وإبرام هدنة مع المقاومة، وإن لم تكن هدنة ذات شروط معقولة تتماشى مع الانتصار العسكري للمقاومة، فغاية الزعماء الصهاينة كانت إنهاء الحرب وحفظ ماء وجوههم من الخزي والعار اللذان لحقا بهم أثناء العدوان، خاصة وهم يشاهدون جنودهم وضباطهم الذين أرسلوهم إلى تخوم غزة يتساقطون "كالبطّ" بفعل نيران المقاومة والطائرات العسكرية تقلّ الموتى والجرحى في كنف السريّة والتكتّم، في حين تفرض الرقابة العسكرية التعتيم التّام حول الحقائق المروّعة التي يعيشها الجنود والضباط في الحرب وذلك حفاظا على الروح المعنوية لبقية الجنود والضبط والمحافظة قدر الإمكان على تماسك الجبهة الداخلية الهشّة.
شنّ إسرائيل لعدوان الجرف الصامد على قطاع غزة لم يكن ردة فعل آنية على عثور سلطاتها على المستوطنين مقتولين ومدفونين في مزرعة مملوكة لأحد المنتمين لحركة حماس وإنما جاء كقرار مُبيّت، فالعدوان كان مُبرمج له من قبْل من أجل القضاء على حركة حماس وسحق المقاومة وهو ما فسّره لقاء وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان بوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في العاصمة الفرنسية باريس قبل شنّ العدوان والذي طالب فيه هذا الأخير إسرائيل بسحق حماس، وكذلك تحريض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإسرائيل لشنّ حرب على قطاع غزة وإزالة حركة حماس من الوجود وهو ما فسّره أكثر دور مصر المنحاز لصالح إسرائيل سواء قبل الحرب، عبر تدمير أكثر من 90% من الأنفاق الحدودية والتي كانت مصدر الانتعاش لقطاع غزة والمقاومة، و أثناء الحرب، عند محادثات التهدئة في القاهرة والتي كانت مصر خلالها منحازة بشكل واضح لصالح الاحتلال، وحتى بعد أن ألقت الحرب أوزارها وذلك من خلال عدم إلزام الوسيط المصري إسرائيل باحترام بنود التهدئة التي وقعت عليها والتي سارعت إلى انتهاكها وخرقها كما تعوّدت دائما وذلك عبر عدم تنفيذها لوعودها بالسماح بإنشاء ميناء بحري في غزة وتوسيع مساحة الصيد البحري، ناهيك عن الاعتداءات اليومية على المزارعين والصيادين في عرض بحر غزة والتوغّلات المستمرة والاستفزازية وعمليات التجريف المتواصلة للأراضي الحدودية بهدف الاستدراج واستعراض العضلات والبحث عن الأنفاق.
كانت القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل قد اتخذت قرار الحرب عام 2014 في وقت اعتبرته ذهبيا وملائما وفي ظروف لا شكّ أنها كانت ولا تزال تصبّ في مصلحتها وذلك في فترة عقبت الانقلاب العسكري في مصر وما شهده قطاع غزة من تدمير الجيش المصري بشكل شبه كلّي لكافة الأنفاق والمنافذ الحدودية الحيوية بين القطاع ومصر.
كانت إسرائيل تنتقد عدم مرونة الجانب المصري خلال العدوان الصهيوني على غزة الذي كان أكثر حرصا على إطالة أمد الحرب بهدف تصفية المقاومة وسحقها بينما كانت القيادة الصهيونية مهتمة بشكل أكبر بوضع جبهتها الداخلية وخاصة سكان ما يُعرف بغلاف غزة الذين عبّروا عن سخطهم على حكومتهم التي فشلت في توفير الأمن والاستقرار لهم، فقد كانوا غير قادرين على الصمود والبقاء لأسابيع وهم مختبئين في الملاجئ يسمعون دويّ صفارات الإنذار على مدار الساعة.
وهنا يأتي تقرير مراقب الدولة ليكشف بأنّ أقوى جيش في المنطقة والذي هزم الجيوش العربية قاطبة في بضع ساعات، وأسر من الجنود العرب ما لا يُعدُّ ولا يُحصى وأعدمهم ودفنهم أحياء، قد فشل في حربه على المقاومة الفلسطينية على الرغم من اختلاف موازين القوى بينه وبين المقاومة وامتلاكه لأفضل منظومة سلاح متطوّرة في العالم، وبالتالي، يُمكن لكلّ الجهات المتآمرة على المقاومة الفلسطينية والتي لا تزال تحلم بالقضاء عليها وفرض أجندتها الخاصية المتماهية مع الاحتلال الصهيوني وراعيته الرئيسية الولايات المتحدة وكل حلفائهما في المنطقة بأنّ الرهان على سحق المقاومة هو رهان فاشل باعتراف الاحتلال الصهيوني نفسه.
احتمالات حرب رابعة على قطاع غزة
بقلم: صابر كل عنبري
يتزايد في الآونة الأخيرة الحديث عن وجود توجه إسرائيلي قوي لشن حرب رابعة على قطاع غزة، ولاسيما بعد أن نشر "يوسف شابيرا" مراقب "إسرائيل" تقريره عن الحرب الثالثة على قطاع غزة عام 2014، التي كانت الأطول زمنيا حيث استغرقت 51 يوما، ويتهم التقرير الحكومة الإسرائيلية بأنها دخلت في الحرب مع "جيش متفاجيء من الأنفاق والعمل"، دون أن تكون لديها خطة حرب جاهزة.
في ظل الحديث عن تزايد احتمالات الحرب على قطاع غزة، المدعوم بمؤشرات وأسباب منطقية، ثمة عوامل سنستعرضها لاحقا في المقال، قد تحول دون وقوع هذه الحرب. قبل ذلك، نتطرق فيما يلي إلى أهم أسباب ودوافع إسرائيلية للقيام بحرب رابعة على قطاع غزة خلال الفترة القليلة المقبلة.
دوافع حرب جديدة
احتمالية قيام الكيان الصهيوني بشن حرب رابعة على قطاع غزة، مسنودة بعوامل، أهمها:
أ: محاولة نتنياهو الحفاظ على سلطته، وحكومته والحيلولة دون انهيارها، حيث إن خسر السلطة يصعب عليه استعادتها مستقبلا، إن لم يكن مستحيلا، نظرا إلى أزمات مستعرة تهدد حاضره ومستقبله السياسي.
ب: سعي نتنياهو تصدير أزمته الداخلية والتهرب من نتائج تحقيقات الشرطة معه بشأن ملفات عديدة
ج: التهرب من تداعيات تقرير مراقب الدولة، وحرف الأنظار عنه إلى حدث أكبر.
د: إعادة الاعتبار للجيش الإسرائيلي وهيبته المكسورة
هـ: منع المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس من مواصلة تقوية بنيتها العسكرية وتطويرها.
ز: ضغوط الأحزاب اليمينية المتطرفة المشاركة في الائتلاف الحكومي وابتزازاتها اللامتناهية قد تدفع باتجاه اختيار خيار الحرب.
إضافة إلى تلك الأسباب، وجود رئيس أمريكي شعبوي متأسرل على رأس السلطة الأمريكية، يرفع شعار محاربة "الإرهاب الإسلامي"، على الأغلب يشكل عنصرا مشجعا للحكومة الإسرائيلية، حال تبلورت لديها بقية عناصر القناعة بضرورة شن حرب جديدة على قطاع غزة.
بين الأسباب الآنف ذكرها، تأتي المصلحة الشخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي في الدرجة الأولى أهمية ومكانة، وبقية الأسباب مثل السعي لإعادة الاعتبار للجيش المقهور، وإن حاول الإعلام المقرب لنتياهو الترويج لها، تأتي للتغطية على السبب الرئيس غير المعلن وهو المصلحة الشخصية لنتنياهو.
كما أن تصريحات بنيامين نتنياهو حول وجود رغبة إسرائيلية لدخول قوات دولية إلى قطاع غزة لحماية الأمن الإسرائيلي خلال لقائه مع وزيرة الخارجية الاسترالية، قد تأتي ضمن الاستعدادات والترتيبات الإسرائيلية مع قوى إقليمية ودولية لما بعد الحرب القادمة على غزة.
كوابح حرب جديدة
إلى جانب العوامل التي تعزز فرص شن عدوان جديد على قطاع غزة، والتي يجب أخذ هذا الاحتمال بجدية والاستعداد له على كافة الأصعدة، ليس عسكريا فحسب، هناك ثمة عوامل أخرى في الاتجاه المعاكس، تقلل فرص شن مثل هذه الحرب، نتناول أهم تلك العوامل فيما يلي:
أولا، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يمر بموقف لا يحسد عليه، يعرف قبل غيره أن أي حرب جديدة على قطاع غزة لا تنهي سيطرة حركة حماس على هذه المنطقة عبر دخول قوات إسرائيلية إليها واحتلالها مجددا، ليست حربا تعيد له ولجيشه المقهور ماء الوجه والاعتبار الضائع، لذلك من شأن أي حرب لا تحقق هذا الهدف، وهو من المستحيلات إن لم يكن من سابعها، أن تزيد من الإخفاقات والتحديات والهزائم، وأنها بكل تأكيد ستطيح بالحياة السياسية لنتانياهو إلى أبد الآبدين، لذلك سيحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي ألف حساب شخصيا لاتخاذ القرار لشن حرب رابعة غير مضمونة النتائج على منطقة، تحتها ثكنات عسكرية غير مكشوفة وممتدة إلى الداخل الإسرائيلي، وحبلى بمفاجئات من العيار الثقيل في أي مواجهة قادمة، تشكل كابوسا مخيفا للقادة الإسرائيليين، وففي ظل انعدام استراتيجية اسرائيلية واضحة لمواجهة هذا السلاح الاستراتيجي لحركة حماس، فإن شن حرب جديدة على غزة لن تكون مختلفة عن سابقاتها من حيث النتائج للكيان الصهيوني، وهذا ما يؤكد عليه الكاتب "ناحوم برنباع" في تعليق بصحيفة يديعوت أحرونوت على تقرير المراقب الإسرائيلي حول حرب 2014، حيث يقول: "لو أننا غداً دخلنا في مواجهة عسكرية جديدة مع غزة فإن هذه المواجهة ستدار كما الحرب السابقة".
ثانيا، قبل شن أي عدوان جديد على قطاع غزة في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية المضطربة، لا بد أن تكون هناك حسابات إقليمية ودولية حاضرة وبقوة لدى الكيان الإسرائيلي خلال عملية اتخاذ القرار، على رأس هذه الحسابات تأتي أولويتان مهمتان، هما:
الأولوية الأولى لإسرائيل في المنطقة اليوم هي تشكيل جبهة عربية إسرائيلية أو "الناتو العربي الإسرائيلي" هدفها المرحلي مواجهة إيران، لكن غاياته أبعد من ذلك، وهذا يحدث بعد أن خطت عملية تطبيع العلاقات العربية ولاسيما الخليجية مع "إسرائيل"، خطوات متقدمة جدا.
وفي هذا السياق، تتحدث تقارير وبحوث أمنية، أن الرئيس الأمريكي الجديد يدفع بهذا الاتجاه بقوة، وأنه ناقش الموضوع في لقائه مع رئيس الوزراء الصهيوني.
كما أن روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يقول إن دونالد ترامب مصمم على الدفع باتجاه تشكيل تحالف أمريكي إسرائيلي عربي.
ومن ناحية أخرى، يؤكد وزير الحرب الإسرائيلي المتطرف أفيغدور ليبرمان في حديث لصحيفة "دي فيلت" الألمانية (28 شباط/ فبراير 2017) "لقد حان الوقت لتشكيل تحالف رسمي بشكل علني".
الأولوية الثانية هي تصفية القضية الفلسطينية إقليميا سواء عبر تشكيل تحالف عربي إسرائيلي، أو إضافة إلى ذلك من خلال التوصل إلى اتفاق أمني مع الدول العربية ولاسيما دول عربية خليجية بشأن الصراع في فلسطين، لا يلبي أدنى الحقوق الفلسطينية، وفي السياق نفسه، تأتي القمة السرية في العقبة عام 2016، وكذلك حديث بنيامين نتانياهو المكرر خلال الآونة الأخيرة عن ضرورة "مقاربة إقليمية"، وعلى الأغلب سوف نشهد قمم سرية أو علنية أخرى خلال الفترة القادمة في ظل وجود رئيس أمريكي جديد سوف يضغط على الحلفاء العرب للولايات المتحدة الأمريكية ليكونوا أكثر وديا من قبل مع الكيان الصهيوني.
الحسابات الإقليمية الاستراتيجية الإسرائيلية من شأنها أن تحول دون وقوع الحرب في هذا التوقيت، لأن الحرب قبل تحقيق أهداف الأولويتين سوف تؤثر عليها سلبا، وهذا ليس ما تريده إسرائيل.
خلاصة القول أن شن الحرب الرابعة على قطاع غزة في هذا التوقيت، يبدو مصلحة شخصية لنتانياهو كخيار للهروب إلى الأمام، وفي المقابل أن عدم شن مثل هذه الحرب في الوقت الحاضر يُفترض أن يمثل مصلحة لإسرائيل في ظل الأولويات الإسرائيلية الإقليمية التي تحدثنا عنها، الآن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، أنه هل يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي مستعدا للتضحية بمصلحته الشخصية تحقيقا للمصلحة الإسرائيلية في هذا التوقيت، أم أنه يضحي بالأخيرة في سبيل ما يبدو مصلحة شخصية له. على الأغلب الأيام والأسابيع القادمة ستجيب على هذا السؤال، وستكشف عن أن أيا من المصلحتين الأكثر تفضيلا لدى بنيامين نتنياهو.
كما أنه يجب أن لا نغفل أن تطورات الميدان على حدود غزة لها كلمتها العاجلة والمختلفة أحيانا عن ما يدور في أذهان صناع القرار في الكيان الصهيوني أو في قطاع غزة، وهي لا تخضع كثيرا لحسابات مسبقة للطرفين، ومدى استعدادهما للدخول في المواجهة، فربما الميدان يفرض حربا لا يرغب الجانبان بخوضها.
وأخيرا يجب أن لا ننسى أنه عندما نتحدث عن كوابح الحرب، لا نقصد أن الحرب لن تحدث وأنها خيار الماضي، بل المقصود أنها خيارا حتميا، لكنه قد يكون مؤجلا خلال هذه المرحلة لأسباب ذكرناها، فالحرب جزأ لا يتجزأ من الاحتلال وهي ديدنته، فما دام هو باق، الحرب والمواجهة قائمة قد تحدث بين ليلة وضحاها.
*كاتب ايراني متخصص في الشأن الفلسطيني