ابتلاع القدس... وفلسطين؟
راجح الخوري
عندما يقول محمود عباس في باريس إن ما تقوم به اسرائيل هو بناء دولة واحدة بنظام فصل عنصري، فإنه لا يضيف شيئاً الى الواقع البائس، الذي سيكتمل فصولاً إذا نفّذ دونالد ترامب وعده بنقل السفارة الأميركية الى القدس، بما يدعم زعم اسرائيل ان القدس هي عاصمتها الأبدية، وبما يدفن التسوية السلمية نهائياً ويسقط نظرية قيام الدولتين.
بعد أقل من ٢٤ ساعة من تنصيب ترامب، بدأت اسرائيل مرحلة شرهة من إقامة الوحدات السكنية في القدس كما في الضفة الغربية، ويقول نائب رئيس بلدية القدس مئير ترجمان الذي يرأس "لجنة التخطيط والبناء" ان الشروع في بناء ٥٦٦ وحدة سكنية، ليس سوى مقدمة لخطط جاهزة لبناء ١١ ألف وحدة في أحياء إستيطانية شرق القدس. صحيح ان هذا يمثل عدواناً جديداً على الشعب الفلسطيني كما يقول أبو مازن، ولكن ما نفع المحاكم الدولية في مواجهة هذه الجرائم؟
كذلك ما فائدة دعوة مجلس الأمن الى "التحرك الفوري وفق القرار ٢٣٣٤ لوضع حد لسياسة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي تعمل على تدمير حل الدولتين"، ومن الذي يتحرّك وسط هذه الظروف الدولية المأزومة ومع هذا الواقع العربي الكارثي؟
هل كثير إذا قلت إننا في بداية الفصل الأخير لإبتلاع القدس ودفن القضية، التي طالما كانت يتيمة العالم ولطيمة معظم الأنظمة العربية الهامشية والتافهة، التي لم يكن لديها يوماً للقدس ولفلسطين شيء غير الخطب الفارغة والأناشيد الهابطة والوعود الكاذبة؟
يحتاج الأمر الى الغضب وسامحوني على غضبي، قبل ان يأتيكم غداً ذلك الأصهب جاريد كوشنير صهر الرئيس الأميركي، الذي لشدة يهوديته دفع إيفانكا زوجته ابنة ترامب الى إعتناق اليهودية والذي كلّفه ترامب الإهتمام بقضية الشرق الأوسط ومحورها المسألة الفلسطينية طبعاً!
ذلك ان كوشنير الذي نشأ في بيت يهودي ملتزم في نيوجرزي ودرس في مدرسة يهودية، زار اسرائيل عام ٢٠١٤ وحاول شراء نصف اسهم شركة "فينيكس هولدينغز" للتأمين، بما يعني انه يخطط للإستثمار في اسرائيل، في حين كان والداه يقدمان مساحة ١٢ فداناً من الأراضي لمستشفى"شار زيديك" اضافة الى 20 مليون دولار. ولأن الأبن عند هوية الأب تكشف صحيفة "لوس أنجلس تايمس" ان سجلات الضرائب الخاصة بجاريد تؤكد بالأرقام انه سبق له ان موّل بناء مستوطنات غير شرعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس غريباً عندما يقول سفير اسرائيل في واشنطن رون ديدمر إنه لا مجال للشك في ان جاريد يملك إلتزاماً قوياً نحو اسرائيل ومستقبلها، بما يعني [يا عرب] اننا على إمتداد سنوات ترامب في البيت الأبيض، لن نشهد كارثة نقل السفارة الى القدس فحسب، بل ربما نقل القدس الى خارج الجغرافيا الفلسطينية!
عن النهار اللبنانية