لماذا يدافع البابا عن المسلمين وشيخ الأزهر عن الطلاق؟
رأي القدس
خلال الأيام القليلة الماضية كان هناك موقفان امتشق فيهما رمزان كبيران للسلطات الدينية المسيحية والإسلامية في العالم سيفيهما وأعلنا فيهما عن موقفهما من قضايا سياسية واجتماعية.
الخطاب الأول كان دفاعاً عن أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار وجرى على الشكل التالي: «إخوتنا وأخواتنا من الروهينغا يلاحقون من قبل ميانمار. يهربون من مكان لآخر، لأنه ما من أحد يريدهم»، وأضاف: «إنهم مسالمون، هم إخواننا، ويعانون لسنوات، حيث تعرضوا للتعذيب والقتل لمجرد أنهم يريدون الحفاظ على الإسلام ديناً لهم».
الشخص الذي ألقى هذا الخطاب لم يكن شيخ الأزهر، الإمام الأكبر أحمد الطيب، الذي يُنظر إليه كمرجعيّة إسلامية كبرى، بل بابا الفاتيكان ورأس هرم الكنيسة الكاثوليكية الذي طالب أتباعه بالصلاة من أجل أولئك المضطهدين في ميانمار، وكي لا يكون هناك التباس في الموضوع قال: «إنهم ليسوا مسيحيين لكنهم أناس جيدون»، وفي توسيع للبوصلة الإنسانية والدينية التي يهتدي بها البابا هاجم فكرة بناء الأسوار التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقال إن رجلاً له آراء كتلك «ليس مسيحيا».
الموقف الآخر تمثّل في إعلان هيئة كبار العلماء في مؤسسة الأزهر إن «الطلاق الشفوي يقع دون الحاجة لتوثيقه» وذلك بعد أيام من طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمة حضرها شيخ الأزهر بتقييد الطلاق الشفوي وارتباطه فقط بالتوثيق، وهو ما اعتبر شكلاً من أشكال تصدّع العلاقة بين مؤسسة الرئاسة المصرية وشيخ الأزهر.
يحمل الموقفان ما يبدو أنه مفارقة كبيرة فبابا الفاتيكان لا يتردّد في مقارعة رئيس أقوى وأغنى أمّة على الأرض ويحتكم في موقفه الدينيّ منه إلى آرائه وأفعاله السياسية التي تحاول وضع الحدود بين الأمم والأديان فيعتبره غير مسيحي،ّ في الوقت الذي يدافع فيه عن أقلّية مسلمة يتجاهل العالم المظالم التي تتعرض لها، ويعتبر ابناءها إخواناً له لأنهم مسالمون لا ذنب لهم غير رغبتهم في الحفاظ على دينهم، أما شيخ الأزهر الذي يتابع المظالم الكبيرة التي يتعرّض لها المصريّون (وليس البورميّين!) منذ تأييده أحداث 30 يونيو/حزيران التي جاءت بسلطة السيسي والأحداث التي تلتها من إزهاق لأرواح المئات في ساحتي «رابعة» و«النهضة» وغيرهما ثم من إعلان حرب ضد تيّار إسلاميّ معتدل كبير ومن تهديم البيوت ورفع الأسوار في رفح وحصار غزّة وإغراق أنفاقها بالماء واضطهاد أهل سيناء فلا يجد سبباً للخلاف مع الرئيس سوى حكاية الطلاق الشفهي!
نستطيع بالطبع أن نجد الأعذار لشيخ الأزهر بكون السلطات الدينية في مصر مغلوبة على أمرها وأنّه الآن في موقف ضعيف أمام حاكم يحاول أن يفقد مؤسسة الأزهر العريقة آخر ما تملكه من صفات الاستقلال والمكانة والكرامة، ولكنّ الحقيقة التي يجب أن تقال إن الأزهر وشيخه اختارا مكان وموضوع المعركة الخطأ، فمصر كلّها الآن في طور محنة ومواجهة الحاكم لا تكون في قضايا الطلاق الشفهي بل في مسائل العدالة وحكم القانون والعيش الكريم التي بدونها لا تقوم للبلاد وسكانها، مسلمين كانوا أم مسيحيين، قائمة.
الرئيس المصري من ناحيته، قرّر على ما يبدو فتح معركة ليس مع الإخوان المسلمين، أو مع معارضيه السياسيين فحسب بل مع من «يحملون توجهات دينية» بشكل مطلق وقال في كلمة له أمس «داخل الجيش لا يمكن أن نسمح أن يكون لأحد توجه ديني، ومن يظهر عليه توجه سنطرده».
أي أن السلطات المصرية لم تعد ضد «الإخوان المسلمين» بل ضد كل من يحمل «توجّها دينيّاً» وهو أمر شديد الغرابة والتناقض فالمعروف أن السيسي نفسه كان ذا «توجّه دينيّ» ولو طُبّق قرار طرد «من يحملون توجهات دينية» سابقاً لما صار ضابطاً أو رجل أمن أو رئيساً، كما أن الشعب المصريّ، بكافّة فئاته، متدين بطبيعته، فهل هذه وصفة «العلمانيّة» التي نصح بها السيسي مستشاريه وإعلامييه، وماذا سيكون رأي الأزهر في كل هذا الجنون؟