قنابل اجتماعية قابلة للانفجار..!
ادعو - وبالحاح - الى فتح ما يمكن من ابواب”الحلال”امام شبابنا، لان تقاعسنا عن ذلك سيدفعهم الى الدخول من ابواب”الحرام”، وعندها علينا ان نلوم انفسنا قبل ان نلومهم، لانهم - عندئذ مجرد ضحايا لا مجرمين، واخطاؤهم نتقاسمها معهم، ونُسأل عنها مثلما يُسألون.
في بلدنا ارتفعت نسبة العوانس بشكل لافت، ففي الاحصائيات الرسمية ان نحو7,4% من النساء فوق سن الخامسة والثلاثين لم يتزوجن بعد، وهناك اكثر 100 الف فتاه تجاوزن الثلاثين من العمر لم يدخلن بعد في قفص الزوجية، يقابلهن نحو هذه النسبة من الشباب، ما يعني ان مجتمعنا - كغيره من المجتمعات العربية - يعاني من مشكلة العنوسة و العزوبية، وان شبابنا وبناتنا - بالتالي - ضحايا لهذه المشكلة، ولما يمكن ان يترتب عليها من تداعيات خطيرة.. لا على الصعيد النفسي فقط، وانما الاجتماعي والاقتصادي ايضا.
اذن، مشكلة الغزوف عن الزواج، او عدم القدرة عليه، من ابرز المشكلات الاجتماعية التي تواجه بلدنا، وهي - في مجملها - تعكس ازمة اجتماعية واقتصادية وقيمية نعاني منها، ومع ان المفترض ان يساهم التدين في حل هذه المشكلة او تطويقها على الاقل، الا ان مجتمعنا المتدين في غالبيته لم يستطع ان يوظف هذا التدين في ذلك، او ان هذا التدين، ان شئت، ما زال في اطاره الوعظي والنظر، ولم يتحول - للاسف - الى سلوك وممارسة وفاعلية للتغيير، لدرجة انني اعتقد احيانا اننا امام تدين مغشوش او منقوص او معكوس، حبس نفسه في المساجد وفي اطار العبادات وطقوسها ولم ينزل الى الشارع واعماق الناس ليفعل ما يفترض ان يفعل من تجديد وتغيير ومساهمة في حل مشكلاتنا المتراكمة.
التدين غير الصحيح ليس هو السبب الوحيد وراء عزوف الشباب عن الزواج او عجزهم عنه، وان كان - بالطبع - ابرز هذه الاسباب، فثمة ابعاد اقتصادية واجتماعية وقيمية يمكن اضافتها هنا، الفقر - مثلا - والبطالة والتحولات التي طرأت على منظومة قيمنا وعاداتنا ورؤيتنا للحياة والمستقبل، الانفتاح غير الرشيد على العالم، التكنولوجيا ومصائبها، غياب الدولة عن مساعدة الشباب والاهتمام بقضاياهم، تراجع قيمة الزوج كوسيلة للتحصين مقابل شيوع قيم الاختلاط غير البريء وشيوع الفواحش، محاولات تفكيك منظومة الاسرة وتهميشها والتقليل من دورها، كلها اسباب خطيرة ومؤثرة تدفع الشباب الى التسويف في الارتباط، وتضع الفتيات في زاوية ضيقة من الخيارات، وتؤدي بالنتيجة الى تشكيل جيوش من العوانس على الطرفين، وهم أشبه ما يكون بقنابل اجتماعية لا يعرف احد متى تنفجر؟
منذ وقت طويل، وسؤال العمل يلحّ عليّ، وعلى غيري من المهتمين بهذه الظاهرة المزعجة، البعض، دخل على هذا الخط وساهم في طرح العديد من الحلول والمساهمات، سواء على صعيد اقامة الاعراس الجماعية او مشاركة الشباب في البحث عن زوجة او تقديم ما يلزم من مساعدات، لكن المشكلة لم تحل بالشكل المطلوب بعد، وهي لن تحل الا اذا تدخلت الدولة، بكل مؤسساتها الرسمية والاهلية.
دعونا نفكر - اذن - في مقترحات عملية جديدة.. صندوق خاص تتبناه الدولة وتخصص له جزءا من الموازنة يطلق عليه اسم زواج كريم اسوة بشكل كريم، مبادرات وقف يقوم بها اثرياؤنا وتخصص لزواج من تجاوز الثلاثين من العمر، جمعيات اهلية متخصصة من الارشاد الزوجي وتمويل غير القادرين على الزواج، مساهمات تتقدم بها كل مؤسسة لتزويج الموظفين فيها على حسابها، برامج اعلامية وتثقيفية تركز على قيم الزواج وتساعد في كسر بعض المراسم والتقاليد التي تشكل عوائقا امامه.. فتاوى فقهية تضع مساعدة الزواج لغير القادرين اولوية مجتمعية تتقدم على اراء بعض السنن كالعمرة التي يكررها البعض كل عام.. وتجعل لهم نصيبا من اموال الاغنياء سواء في الزكاة - اذا جاز - او في الصدقات وبيت مال المسلمين.