مقايضة الأمومة بالذهب
أماني العاقل
في تجربة الأمومة قد تقول إحداهن «إنها تجربة من ذهب» أي هي فرصة ذهبية لاكتشاف الذات، واكتشاف عمق الإخلاص للحب الكامن فينا بالقوة، ربما يسميه الآخرون حب الديمومة والاستمرار، لكني شخصيا لا أميل إلى الإيمان بهذا المعنى، فلا يعنيني كثيرا أن يكون لي استمرار من نسلي في هذا العالم، بقدر ما يعنيني إدراك مشاركة الجسد لكائن ينمو ويتطور، ثم يقفز إلى الحياة، عندها تبدأ مشاركة الاكتشاف والانفتاح على الجمال. كل هذا يثير غبطتنا الروحية ومشاعرنا نحو اكتشاف الجديد بأسلوب نختبره للمرة الأولى، وبالطبع ليس الأمر بهذا اليسر، فثمة أشياء نضحي بها ونرميها متأسفين ومتألمين على فقدانها، لكننا ننساها ونتنازل عنها عند تأمل طفلنا لحظات نومه الأولى..
لكن ماذا لو حولت الثقافة النسقية هذه الأمومة إلى مقايضته بالذهب، أو تجارة رابحة تتنافس فيها النساء على ربح وكسب أكبر وزن من الغرامات الذهبية؟ نعم. تنبهتُ إلى هذه الحقيقة عندما سألتني إحدى رابحات الذهب، «ماذا أهداك زوجك بمناسبة إنجاب طفلك؟».
بالطبع ليست المرة الأولى التي أسمع فيها عن هدايا الذهب التي تُهدى للزوجات، لكنني لم أكن أتوقف عندها، كنت اعتبرها عادة ثقافية أو اجتماعية.. الذي استدعاني للكتابة أيها الأصدقاء هو أن يكون ثمة نقص يعيب الرجل الذي يغفل عن هذا الموضوع، أو غباء وغفلة من المرأة التي لا تطالب بهذا الحق الذي شرعته أنساق الثقافة.
في معظم الثقافات – ومنها ثقافتنا- يكون اهتمام الأبوين عادة بتحضيرات قدوم المولود، كشراء سرير وملابس للطفل، وفي الغرب تُقام حفلة قبل ولادة الطفل تسمى “baby shower” أما في اليابان فيتم الاحتفاظ بالحبل السري ضمن صندوق خشبي لمدة سبعة أيام لأن ذلك في رأيهم يوطد العلاقة الإيجابية بين الأم والطفل، كما يحرصون على أن يرتدي الطفل لباساً أبيض اللون لمدة سبعة عشر يوماً. بينما يحرص الهندوس على حلاقة شعر الطفل منذ لحظة ولادته لأن هذا حسب معتقدهم يمثل تحريرا للطفل من حياته السابقة التي جاء منها. وفي جامايكا يحرص الأهل على دفن الحبل السري في الأرض وزراعة شجرة في الحفرة ويتابعون رعايتها إلى أن يكبر الطفل ليتولى المهمة.
وفي المقابل لدينا في الثقافة الإسلامية عدة طقوس خاصة، منها التكبير وترديد الأذان في أذن الطفل وتحرص عائلات كثيرة على إقامة حفل اسمه «العقيقة» وربما تزيد عليه بعض التفاصيل الفلكلورية عند المصريين. فلكل ثقافة خصوصيتها في استقبال المولود وإقامة طقس للاحتفال به، ويتشابه الناس ويختلفون بقدر إيمانهم وانتمائهم لتلك الثقافة، بالنسبة لي كنتُ مهتمة في الحصول على حلوى «الراحة الحلبية « المحشوة بالفستق التي اعتاد الناس في حلب تقديمها في المناسبة السعيدة، كالأعياد والحج وتجهيزات الاحتفاء بالمولود، وكان هذا صعباً قليلاً بسبب البعد عن حلب. لكن لم يخطر ببالي أن تكون لي هدية ربما تفوق قيمة تكاليف الولادة وتحضيراتها، ولعل الأمر لم يخطر ببال اليابانية والهندوسية أيضاً، فمن أين كونت الثقافة الشعبية هذا المفهوم؟
ربما يرى البعض أن هذا الطقس تقدير من الأب للأم وشكر لها على مهمتها، وهنا قد نستطيع فهم خصوصية هذا الطقس بأنه «شكر».
لا أكتب عن هذا التقليد لأجل التنظير في نقد القبح الثقافي الذي استمر في تحويل المرأة إلى شيء يقاس بالمادة، وكلما تكلف الإنسان وقدم لها الأموال فهذا يعني أن قيمتها عالية.
أكتب لأني قابلتُ ورأيت وسمعت نساء حاصلات على شهادات علمية عالية، أجبرن أزواجهن على اقتناء الذهب بهذه المناسبة، وكأنه قانون اجتماعي سنته الطبيعة البشرية.
أشارككم أفكاري لعلي أحاول زحزحة الغطاء عن الثقافة التي أدخلت في عقل المرأة أن إنجاب طفل أمر يستحق أن تقايضه بالذهب.. ولماذا تختار الثقافة الذهب وليس باقة ورود جميلة؟ أو حتى وردة. هل هي ديمومة الذهب وخلود ذلك المعدن الذي خصصته معظم الحضارات للملوك والمقدسات؟ أم أنها المدعاة إلى التفاخر في المجتمع النسائي الذي تصر الأنساق الشعبية على جعله مغلقاً وبعيدا عن الأماكن العامة؟
وأمام هذا التأطير المادي لعلاقة المرأة بالطفل وبالزوج أتساءل هنا هل تختلف الثقافة في هذا السياق عما تردده المقولات والدراسات عن تحوّل المرأة إلى سلعة مادية في الغرب؟ فرغم اختلاف التفاصيل بين أن تكون المرأة هي من تقبض المال أو من تنتجه، فقد أصبحت في حالتنا إحدى طرفي المعادلة بل تجاوزت ذلك لتخلق من التجارب الإنسانية السامية « تجارة رابحة».
كاتبة سورية