القراءة عبر الإنترنت.. هل تعوض عن الكتب الورقية؟
في الوقت الذي لا يستغني فيه كثير من الأشخاص عن الغوص في عوالم القراءة عبر الكتب الورقية، يتجه البعض إلى القراءة عبر الإنترنت، وتنزيل تطبيقات عدة تكون بوابة البحث عن كل ما يرغبون به من الكتب بدون كلف مادية تذكر.
الثلاثينية سوسن واحدة من رواد القراءة عبر الإنترنت. وتجد أن القراءة من خلال الإنترنت وعلى الرغم من كونها متعبة أحيانا للعين، إلا أنها تعد مناسبة بالنسبة لها لأكثر من سبب.
وتشير إلى أن هنالك خيارات عدة لكتب تحصل عليها مباشرة، خصوصا في ظل ضيق الوقت خلال العمل وعدم تمكنها من الذهاب للمكتبات وشراء الكتب باستمرار، فضلا عن كونها تحصل على كتب مناسبة لميولها، لاسيما بترجمات أحيانا تكون غير موجودة.
ومن جهة أخرى، تستفيد سوسن من قراءة الكتب من خلال حفظ الملاحظات على الصفحة التي تريدها مباشرة لتكون مرجعا بالنسبة لها، وتتيح لها القراءة عبر الانترنت أيضا معرفة آراء القراء حول أي كتاب تنوي قراءته.
في حين لا توافقها الرأي سمر التي تبين أنه لا يمكن للقراءة الالكترونية أن تعوضها عن الكتاب الورقي.
تقول “أعيش قصة الكتاب وأتقمص الشخوص وأرحل للعالم الذي يرويه الكاتب وهذا ما يعلقني بالكتاب”، مبينة أن هذا قد لا يشعر به القارئ خلال القراءة الالكترونية.
وتردف “القراءة تحتاج إلى تركيز عال وحواس كلها موجهة للكتاب، الصفحة، الكاتب وحتى الشخوص بداخلها”، لافتة إلى أن إيجادها كتابها ومكتبتها هما ملاذها وقت القراءة، فهي لا تجد نفسها قارئة ما لم تتلمس صفحات كتابها وتتقمص شخصياته.
من جهتها، تبين أستاذة الأدب الحديث في جامعة البترا، الدكتورة رزان إبراهيم، أن الميزة الإيجابية في قراءة الكتب عبر الإنترنت تكمن في توفير الكتب غالية الثمن وغير المتاحة للجميع، حيث توفر الوقت والجهد.
ومن ناحية أخرى، تقول إن هناك علاقة حميمية بين القارئ والكتاب وتقصد بها الورق بحد ذاته، فالقارئ من الكتاب يشغل حواسه كافة، وهذا ما لا يمكن الشعور به من خلال القراءة الالكترونية.
وتبين ابراهيم أنها تستمتع بالقراءة من الكتاب، وأهم ما في ذلك أنها اعتادت على تحديد بعض الفقرات من خلال القلم، وبالتالي تحدث نوعا من القراءة والتلخيص للنص الذي قرأته، وهذا لا يمكن القيام به عبر الإنترنت أو القراءة الإلكترونية.
وتضيف “لا يمكن القول إن القراءة الالكترونية غير مجدية، إلا أن الكتاب يعطي دفئا للقارئ وحمله يولد شعورا بالفرح؛ إذ إن وجود المكتبة في المنزل يضفي شعورا بالدفء وينشئ علاقة وثيقة ومترابطة بين القارئ والكتاب، وهو ما لا تحققه المكتبة الالكترونية الذي ينشئها البعض عن طريق الانترنت”. وتشير إلى أن الناس يعرفون هوية الشخص وطبيعة تفكيره من خلال الكتب التي يقرأها.
بدوره، يشير أستاذ علم المكتبات والمعلومات في الجامعة الأردنية رئيس جمعية المكتبات، الدكتور ربحي عليان، إلى أن القراءة عملية معرفية تهدف إلى الوصول إلى مرحلة الفهم والإدراك للمادة المطبوعة أو المكتوبة.
ويعتبر عليان أن القراءة وسيلة للتواصل بين الناس، كما أنها وسيلة مهمة لاستقبال المعلومات من المؤلف أو الكاتب إلى القارئ، معتبرا القراءة أكثر من هواية بل هي أحد متطلبات الحياة المعاصرة.
ويلفت بدوره إلى واقع القراءة العربية الذي أشار إليه العديد من الدراسات، واصفا إياه بالكارثي الذي لا يمكن تصديقه، وتشير إلى أن المواطن العربي يقرأ أقل من صفحة واحدة في العام.
ويصف عليان القراءة بأنها متعة وغذاء للروح، مشبهها بالسفر حيث تنقل القارئ من مكان إلى عوالم غير محدودة، قائلا “نحن أمة اقرأ يجب أن نقرأ”.
ويشير إلى أن هناك عزوفا عن القراءة في الأردن، عزاه الكثيرون إلى أن الإنترنت والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي والصعوبات الاقتصادية وارتفاع أسعار الكتب وضيق الوقت ومشاغل الحياة اليومية، كلها أسباب تقف وراء ذلك.
ويجد عليان أن القراءة من الكتاب المطبوع أو الكتاب الالكتروني مهمة جدا ويجب أن ينشأ عليها الفرد من الصغر وأن المشكلة تكمن في التربية الأسرية والتربية المدرسية ومن ثم المجتمع بشكل عام وما لديه مؤسسات مثل الجامعات والمكتبات العامة.
يقول “القراءة من كتاب أو عبر الإنترنت لا يهم، المهم أن تقرأ”، مبينا أن المعلومة موجودة في الجهتين، ولكن الاختلاف يكمن في الشكل، إلا أن المحتوى القيمي والثقافي واحد.
وللكتاب الإلكتروني، بحسب عليان، ميزات كثيرة، إلا أن لكل منهما متعته الخاصة والظروف الخاصة للاستخدام.
ومن وجهة نظره، يكمن الحل لمشكلة القراءة بشكلها التقليدي أو الالكتروني، في وضع خطة وطنية، لغرس عادة القراءة وذلك من خلال طرق تدريس ومناهج جديدة لا تعتمد على الكتاب المقرر وإنما تنفتح على جميع الكتب بأشكالها كافة التقليدية وغير التقليدية، داعيا لإنشاء مكتبات أطفال ومكتبات عامة تستطيع جذب الجيل الجديد “الجيل الإلكتروني”.
ويوافقهما الرأي رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين فتحي البس، لافتا إلى أن قراءة الكتب عبر الإنترنت إيجابية لمن يستطيع قضاء وقت طويل في القراءة، في حين أن معظمهم يعمدون إلى تنزيل الكتب وطباعتها ورقيا إما لعدم توفرها أو لظنهم أنها أرخص كلفة بينما المهم القراءة.
تأثير القراءة في المنطقة العربية ما يزال محدودا، وفق البس، لافتا إلى أن العزوف عن قراءة الكتب الورقية له أسباب سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية أكثر تأثيرا من القراءة على الإنترنت.
ويضيف “أن الإنسان في المنطقة يعيش حالة قلق دائم ويعاني من سقوط المشاريع الفكرية الكبرى ومن تدني دخله ومن الإرهاق الشديد في العمل لتأمين وسائل العيش، كما تعاني صناعة النشر من قلة دعم المؤسسات الحكومية والتعليمية والمكتبات العامة”.
ويأخذ البس على الإنترنت عدم إتاحتها لجميع أنواع الكتب، فضلا عن معظم المواقع التي تعرض كتبا مقرصنة وقليل منها يعرض كتبا بالاتفاق مع أصحاب الحقوق ناشرين أو مؤلفين.
وينوه الى أن الكثير من الناس يقضون وقتا طويلا على الإنترنت ومواقع التواصل، وظن الكثيرون أنهم يحصلون على المتعة والمعرفة هناك، مبينا أن الدول المتقدمة تعود للكتاب الورقي على الرغم من تقدمهم تقنيا.
وبينت دراسة في جامعة لندن، أن مستخدمي المواقع للقراءة اكتسبوا عادة التنقل السريع بين المقالات، فهم لا يقرأون أكثر من صفحة أو صفحتين من أي مقالة أو كتاب لينتقلوا لموقع آخر، وبعضهم يحفظ المقالات الطويلة لكن ليس هناك أي دليل على أنهم عادوا لقراءة هذه المقالات المحفوظة.
ولأن طريقة القراءة تحدد الهوية، ظهرت تحذيرات متزايدة من قبل خبراء الاجتماع والنفس من أن القراءة السريعة المتنقلة تبعد القارئ عن ربط المعلومات ببعضها.