كشف النقاب عن أسباب الهجرة المعاكسة لليهود الروس من إسرائيل
وديع عواودة
الناصرة – «القدس العربي»: كشف في إسرائيل أمس النقاب عن ارتفاع هجرة اليهود الروس من إسرائيل في السنوات الأخيرة حيث عاد بعضهم لموطنه الأصلي فيما واصل آخرون طريقهم إلى دول أخرى. وتتابع صحيفة «هآرتس» منذ سنوات شريحة المهاجرين اليهود من روسيا المعروفين بـ «مهاجري بوتين» وهم أبناء الطبقة الوسطى الذين تركوا روسيا لا بدوافع صهيونية بل نتيجة تضييق الخناق عليهم في ظل حكم الرئيس فالديمير بوتين.
وحسب تحقيق «هآرتس» الذي لم يكشف عن أعداد دقيقة ويرجح أن الهجرة السلبية تبلغ الآلاف سنويا فإن الكثير من هؤلاء وهم يهود أو لهم جذور يهودية فإن إسرائيل خيار مريح بسبب تلقيهم الجنسية بشكل فوري. ويكشف التحقيق أن الكثير منهم لم يتنازلوا عن عقاراتهم في موسكو أو سانت بطرسبورغ «لينينغراد»ويديرون أعمالهم هناك عن بعد ولم يعرفوا ذواتهم يوما كإسرائيليين.
في المقابل استغل كثيرون منهم أيضا الخيارات الأخرى وغادروا فلسطين المحتلة نحو دول غربية. وبهدف التعرف على دوافع هجرتهم لإسرائيل ومغادرتها بعد سنوات التقت الصحيفة عددا من هؤلاء في مواقع مختلفة من البلاد والعالم. وتقول إنها التقت عائلة يلينا تساغدينوفا التي سبق وبادرت لفتح دكان كتب بالروسية في تل أبيب قبل عامين يحمل اسم الكاتب الروسي ايساك بابل. وهاجرت العائلة من روسيا في 2015 وهي حتى الآن غير راغبة بمغادرة البلاد ويقول الزوج إن بعض المهاجرين لم ينجح اقتصاديا هنا فغادرها وبعضهم لا يخفي هدفه بأنه قدم للحصول على وثائق جنسية. ويتابع «هناك من هاجر إلى هنا واعتاش على مخصصات الهجرة طيلة شهور ولم ينجح بتوفير مصدر عمل ولذا يغادر. وهناك من يرى في إسرائيل محطة انتقالية فقط
وتقول الزوجة إنها جاءت للبلاد بحثا عن الحياة و»حاليا نحن نعيش هنا» لكن زوجها يكشف أن العائلة لم تغادر فعلا روسيا وتابع «غادرنا روسيا الحالية ولم نترك الثقافة الروسية، اللغة الروسية. زوجتي رغبت في مغادرة روسيا لسنوات وأنا كنت أفضل البقاء فيها لأمارس ثقافتي الروسية وللأسف لا يبدو في المنظور القريب ما يشي بالتغيير هناك». ويقول موسيقار روسي، فضل حجب هويته إنه غادر إسرائيل إلى برلين، بعدما وصلها بسنوات، موضحا أنه وجد قواسم مشتركة مع أستاذ في جامعة تل أبيب من أصل شرقي أكثر من إسرائيليين آخرين أو مهاجرين روس. ويضيف «هنا في برلين أشعر بأنني لست إسرائيليا أو يهوديا بالضبط. هنا أنا في البيت ولكن لن أكون أصليا هنا للأبد بالمفهوم الاجتماعي والنفسي والثقافي والعرقي لكنني متصالح مع نفسي. أما في إسرائيل فيطالبونك بالانصهار الثقافي بصفتك يهوديا وتتحدث العبرية ولكن في الواقع تحولت فيها بالذات إلى ملحد وتنازلت عن هويتي اليهودية». وأوضح أن فقد الشعور بالخصوصية في إسرائيل التي هاجر لها عام 2012 علاوة على فقدان مرافق خاصة بترفيه الأطفال، والطقس الحار ومشاكل المواصلات لم يعزز «تلهفه للدولة». ولذا فقد غادر فور تلقيه منحة موسيقية من برلين التي توفر عددا كبيرا من الحدائق ومرافق الترفيه».
أما يوليا بيتركوفا فقد وصلت للبلاد عام 1999 مع والديها وابنتها الصغيرة وبعد عام تعلمت العبرية وفي 2004 عادت أدراجها إلى سانت بطرسبورغ وتعمل هناك كمحاضرة للثقافة الإسرائيلية. وتعترف يوليا بأن ما كان قد دفعها للهجرة من روسيا وقتها ليست الصهيونية بل الأزمة الاقتصادية في نهاية عهد بورين يلتسين وتعزز قوة اليمين المتطرف، وتقول إنه ما لبث أن خاب أملها وأحست بالضيق وقررت العودة لموطنها الأصلي.
وبخلاف يوليا التي تحب إسرائيل ولا تريد أن تقيم فيها فإن أنطون مهاجر روسي، يعرب عن تحفظه منها أيديولوجيا. أنطون (39 عاما) هو صحافي سابق واليوم يعمل في العلاقات العامة، كان قد هاجر للبلاد في 2015 مع زوجته وأربعة أولاد وبعد نحو عام غادروها. ويجمل أنطون تجربته بالقول «توصلت لاستنتاج أن إسرائيل دولة فاشية ولا أريد العيش بدولة كهذه وفهمت أن شيئا لن يتغير للأفضل هنا. بالهجرة من روسيا رغبت بالوصول لدولة حرة وإسرائيل ليست كذلك ولا أريد المشاركة بما تشهده وتحمل مسؤوليته. لست راغبا بالانتقال من تحت الدلف للمزراب. لا شك أن روسيا دولة نظامها شمولي لكنها ليست فاشية ففيها ليس مهما اسم عائلتك وما شكل أنفك طالما أنك تتحدث الروسية بطلاقة. في الطبقة الوسطى التي انتمي لها لا أحد يهمه هل أنت يهودي أو تتاري أو داغستاني أو عربي. في إسرائيل هذا مهم». بالإضافة للدوافع الأيديولوجية يعدد أنطون أسباب مادية أيضا منها عدم العثور على مصدر رزق يلائمه كمحرر وخبير في العلاقات العامة وزوجته فشلت بإيجاد عمل بتاتا. ولا يخفي مرارته من معاملة أبناء جلدته الروس القدامى في إسرائيل وعبر عن ذلك بالقول إنه في الجيش الأحمر حينما يدركون أنك من موسكو يوجهون لك لكمة فورا. ويضيف «وهكذا في إسرائيل، حينما يدركون أنك من روسيا يعاملونك ببرود». وتعكس كلمات أنطون التوتر القائم بين أبناء «هجرة بوتين» وبين النخب الروسية المهاجرة القديمة التي تبدي مواقف وطنية متشددة محافظة بعكس المهاجرين الجدد الهاربين من استبداد بوتين ممن يطرحون بديلا ليبراليا مشككا. كما يبدو أن الهجرة المعاكسة لمهاجري بوتين تتأثر أيضا من حالتهم المختلفة فهم يتنازلون عن أملاكهم في روسيا ومتطلباتهم العالية في إسرائيل. وتنوه الصحيفة بأن أنطون عاد لبلاده روسيا ووجد عملا مع مرتب عال بعد شهر من عودته.
كغيره آخرون كثر يعترف المخرج والمصور نيطيكا فابلوب (34 عاما) الذي يقيم في برلين منذ 2011 بعدما أقام في إسرائيل أربع سنوات أنه هاجر لها من أجل حيازة جواز سفر إسرائيلي يتيح له التجوال بحرية في العالم بخلاف الجواز الروسي وأنه لم ينو الإقامة فيها مطولا، موضحا أنه عمل في إسرائيل مصور حفلات زفاف ولم ينجح بإيجاد مكان عمل يليق به ويعتاش منه.