ثلاث محطات ترسم المسار الفلسطيني؟
يشهد هذا الأسبوع ثلاث محطات أساسية قد تسهم بدرجة أو أخرى في رسم المسار الفلسطيني في المرحلة المقبلة، أولها إضراب الأسرى والتفاعلات المحيطة، والثاني الوثيقة السياسية لحركة "حماس" التي أعلنت في الدوحة، والثالث لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بنظيره الأميركي دونالد ترامب. وهذه المحطات قد تثير الاستغراب والحيرة، والتساؤل لماذا تحدث معاً؟. وهل كان يجب إطلاق وثيقة "حماس" في خضم أسبوع حاسم في إضراب الأسرى، وما هو موقف القيادة الفلسطينية من حراك الأسرى قبل الذهاب إلى واشنطن، هل تستثمره؟ أم ستجد ترامب متبنياً التحريض الإسرائيلي بشأن الأسرى؟ وهل هناك علاقة بين ما قد يبحثه عبّاس وترامب، بشأن مؤتمر أشبه بمؤتمر "مدريد 2" وعملية سلام جديدة، ووثيقة "حماس"، وتوقيتها؟
في إضراب الأسرى، اتضح ويتضح أنّ القدرة على بعث روح العمل الشعبي ممكنة، وتحتاج قرارا من قياديين، حتى لو كان هؤلاء أسرى. وأهم ما يعنيه مصطلح بعث الروح الشعبية في الحالة الراهنة، هو إدخال شرائح كبيرة من الشباب وحتى الفتيان جوّ العمل الشعبي، وتقديم فرصة لالتقاء هؤلاء ببعضهم في تظاهرات وفعاليات ونشاطات ميدانية، ما يعني تشكيل خزان بشري وعقلي للعمل والأفكار، التي قد تستمر، إن وجدت من يبادر، من بينهم، لتكوين أطر عمل وحواضن مستقبلية. وهنا نتذكر أن كثيرا من الحركات الشعبية في كثير من الحالات تقوم على أكتاف مجموعات تجد نفسها في مناسبة ما في خضم حراك معين، ثم تستثمر تجربتها. فالشباب الذي وجد نفسه تحت الاحتلال الإسرائيلي في غزة عام 1956 عاد وشكل فصائل وجبهات بعد الانسحاب الإسرائيلي. ولذلك فإن تفاعلات إضراب الأسرى وقبلها هبة 2015، ربما تكون معالم في الطريق لشيء آخر، بنشوء حراكات جديدة.
أمّا وثيقة حركة "حماس" فيمكن تقسيمها لقسمين، أولهما الثابت والمتحول، وفي العادة لا يحتاج الثابت لوثائق وإعلانات جديدة، ويكفي التذكير به في مناسبات متكررة عابرة. ولا أحد يطلق وثيقة إلا لإعلان شيء جديد. من هنا فإنّ التوقف يكون حقيقة عند الجديد المتغير، وليس القديم الثابت. هناك أبعاد فكرية وسياسية في الوثيقة تحتاج تحليلا منفصلا خاصا، ولكن أهم جديد في الوثيقة بالنسبة للمسألة الفلسطينية، "تعاطي" الحركة مع مسألة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967. ولا بد من الاعتراف أن إصرار "حماس" على إعلان موقف من هذا الأمر، يقول إنّه يشكل نقطة توافقية، أمر يثير الدهشة. فهل يمكن التوافق على حدود فلسطين ولا يمكن التوافق على موضوعات الرواتب وغيرها في قطاع غزة؟ وهذا يثير السؤال هل يأتي هذا البند ليعني أكثر من مجرد موقف سياسي إلى كونه جزءا من عملية سياسية أوسع تسعى "حماس" لها، أو هي جزء منها فعلاً؟
على صعيد لقاء ترامب – عبّاس، فإنّ هناك شقين يمكن تخيل نقاشهما في اللقاء. الأول مجموعة الجزئيات المرتبطة بقضايا مثل الاستيطان، وحتى وثيقة "حماس" التي يمكن أن يقدمها الرئيس الفلسطيني كعلامة تحول نحو حل الدولتين لدى مختلف قوى الشعب الفلسطيني، والتي قد يكون هو ذاته متوجسا من كواليسها. وهناك طبعاً موضوع الأسرى، بدءا مما قد يقدمه الرئيس من تذكير بكيف خالف الإسرائيليون التفاهمات السابقة، التي رعاها جون كيري، في الشأن، ما فجّر الموضوع، أو احتجاج ترامب، مستجيبا لتحريض الحكومة الإسرائيلية الأخيرة ضد ما تقدمه منظمة التحرير الفلسطينية للأسرى وأسرهم. ولكن بالتأكيد أنّ اللقاء لا يعقد لهذه الجزئيات، فهو لمناقشة أمر أوسع، وتحديداً أفكار ترامب وإدارته عن فرص إطلاق عملية سلام جديدة إقليمية، على غرار مؤتمر مدريد 1991، والغالب أنّ جولة الرئيس الفلسطيني العربية التي سبقت اللقاء هدفت لتنسيق موقف محدد من ذلك، وسيجري استكشاف الطرفين، لفرص وشروط ومتطلبات إطلاق مثل هذه العملية.
إنّ إطلاق عملية سياسية من لقاء ترامب – عباس، يعطي لوثيقة "حماس" معنى عمليا في المرحلة المقبلة، لأنّ سقف معارضة هذه العملية من قبل "حماس" سيكون مختلفاً الآن، وأقل انخفاضاً، فيما فشل إطلاق العملية، يقلل من أهمية الوثيقة، ويزيد من فرص واحتمالات استعادة الشارع الفلسطيني وقواه الشابة لزمام المبادرة.