الطلاق العاطفي كارثة تواجه المتزوجين
آية قمق
إذا كانت ظاهرة الطلاق النهائي بين الأزواج قد احتلت حيزاً كبيراً في اهتمامات القدامى والمعاصرين، وأصبحت حالة الطلاق المعروفة متزايدة ومعلنا عنها في مجتمعاتنا العربية، وطغت على كثير من كتاباتهم نزعة المبالغة في مناهضتها وبغضها لغرض ضبط العلاقات الزوجية والحيلولة دون تفككها، فإن ظاهرة الطلاق العاطفي بين الأزواج لم تلق الاهتمام المطلوب، رغم شيوعها في الحياة الأسرية.
ونظراً إلى ما نراه في مجتمعاتنا من هذه الظاهرة ومخاطرها فنرى أن الطلاق العاطفي أصعب بكثير من الطلاق «الانفصال النهائي».
تقول رشا عبد الخالق : « الطلاق العاطفي هو عبارة عن حالة الانفصال الوجداني بين الزوجين والانفصال النفسي الواقع بينهما، وذلك يأتي ببعد كل من الطرفين عن الآخر، فتجد أغلب أمور حياتهم اليومية دون التشاركية، وغياب روح الانسجام والتفاهم على القواسم المشتركة بينهما، في المسائل الحياتية والعائلية المتعلقة فيما بينهما وما تخص أسرتهما، وذلك يستدرج في علاقتهما من تنافضات واضحة في الذوق أو الرغبات والميول، والأكثر يبين في الطباع والمستوى الاجتماعي والتعليمي، وهذه التناقضات تؤدي إلى مشاكل وحالة من التوتر والتنافر فيما بينهما، ويكونان دائما عرضة لدوامة من العنف النفسي واللفظي وأحيانا الجسدي، ويطغى على حياتهما تدمير للروح المعنوية والقيمة الرمزية، ومنهم من يخجل أن يصل إلى الطلاق النهائي والمباشر، لأسباب عديدة، ومنها الخوف من تشتت الأبناء وأن تسيء حالتهم النفسية، وممكن عدم الاستعداد لمواجهة إجراءات الطلاق أن يكون خجلاً من أنهما متزوجون منذ فترة طويلة رغم خلافاتهم الكبيرة، لذلك تستمر علاقة الزوجين فقط من الناحية الشكلية وأمام الأبناء والمجتمع، وهي علاقة متدهورة محكومة بقاعدة الانفصال العاطفي والخلافات والاختلافات المتبادلة».
أنواع الطلاق النفسي
تبين عبد الخالق أنواع الطلاق: « الطلاق النفسي نوعان الأول يكون من طرف واحد، يكون أحد الطرفين غير راض عن زواجه بالأخر ويختلف معه بأمور عديدة، وباختلافات قد تكون ثقافية واجتماعية، لكنه مجبر على أن يتقبل وضعه العاطفي رغم احتكاكه مع شريكه، أما النوع الثاني الطرفان يعرفان وضعهما وحالتهما وبما يعيشانه من وضع متأزم ولا يربطهما إلا عقد الزواج والأبناء».
نتائج الطلاق العاطفي
توضح عبد الخالق : «بالرغم من هذه القطيعة غير النهائية بين الأزواج، نجد أن ظاهرة الطلاق العاطفي أشد خطراً، إذ أصبحت موجودة ببعض الأسر وتؤثر نفسياً على الأزواج والأبناء، يسود علاقتهم الصمت والجدال والمشادات الكلامية، وممكن أن تؤثر على علاقاتهم بالمحيط، إذ تبين علاقتهم أمام الناس، فيرفضون الذهاب لتجمعات العائلة والأصدقاء، وملء الوقت في الانعزال والهروب من المنزل، والميل إلى الإهمال وعدم تحمل مسؤولية العائلة».
العاطفي أشد خطورة من الانفصال النهائي
يقول المحامي إبراهيم الجراح : « الطلاق بكافة أنواعه خطير جداً ويشكل خطورة كبيرة على الأبناء والأسرة، وبما فيه من تفكك للأسرة والمجتمع أيضاً، وخطورة الطلاق النهائي والمباشر والإنذار بنتائجه مقابل السكوت عن مخاطر الطلاق العاطفي والنفسي، والإخبار عن تأثيراته الصادمة على جميع أفراد العائلة الواحدة خصوصاً والأكثر تأثراً هم الأبناء، وأرى من وجهة نظري أنه تهرب من مواجهة المشكلات الأسرية العاطفية والزوج عاجز عن تجاوز المشكلات، وضعيف في تقديم الحلول.
مضيفاً : « وطالما استمرت ذهنية الأزواج بأن الطلاق الشرعي والنهائي على أنه خطوة عبثية، وتعمل على المشاحنات وخوفاً على مسمى مطلقة ، وخوف الزوج على تحمل تكاليف الطلاق وتوابعه، هنا ظلّت ظاهرة الطلاق العاطفي في تزايدها، وازدادت تعقيداتها وآثارها السلبية الناتجة على الفرد والمجتمع».
يوضح الجراح : « أطلب من الأزواج أن لا يخجلوا من الطلاق النهائي والمباشر الذي يحفظ كرامة الجميع، أفضل من الطلاق العاطفي والذي لا يحكمه إلا المشاحنات وروح الكراهية والانتقام والذي بسببه يتدمر الزوجان نفسياً».
أخاك مجبر لا بطل
تقول السيدة الأربعينة صفاء عباس : « تزوجت زواجاً تقليدياً، وبفترة الخطوبة لم أجد أي انسجام وأخبرت والدي بذلك، لم يتقبل واضطرت للزواج، المجتمع يمشي حسب مقولة ( بكرة بتغير ) أنجبت منه ثلاثة أولاد لكنني لا أحبه ولا أجد بيننا أي رابط، وهو بأمور عدة يتلاشني، وألقى متاعب عديدة نتيجة ما يحدث بيننا من خصام وخلافات دائمة في الأراء، ودائماً يدمرني عاطفياً، وعمل على قتل أحلامي وطموحاتي، ببداية فترة الخطوبة أخبرته أنني أريد أن أعمل، فكان يوعدني بعد الزواج سيتغير وأتوظف لكن قتل طاقاتي، وأحزن على ما يلقاه أبنائي من معاناة في ظل هذا الوضع الذي بيننا، فما يجدونه في وضع الطلاق العاطفي أنني أوافق على أمر يريده ابني، فيخبر والده ويرفض ويكون قراره عكسي تماماً ومخالفاً لرأي، فماذا أفعل غير أنني مجبرة على العيش بهذه الحالة، وأرفض الانفصال النهائي».
حال الأبناء
يقول المهندس منذر وليد : « منذ يوم انفصالنا أنا وزوجتي تأزمت نفسية الأولاد واتفقنا أن أرجعها لكن فقط أمام الأولاد ولنستطيع العيش، تذوقوا ابنائي مرارة العيش مع أبوين منفصلين، وأعلم أنهم لا يتجرؤون على الإفصاح عن رأيهم لخيار انفصالنا عن بعض، بمدة الانفصال التي لم تتجاوز الثلاثة أشهر خفت أن تهز ثقتهم بأنفسهم وبمحيطهم العائلي، وربما عن أخذ القرارات الصائبة في حياتهم الخاصة، أو احتمال أن يصابوا بأمراض نفسية منها انفصام الشخصية وفقدان الثقة بالذات والعجز عن أخذ القرارات السليمة».
يبين منذر : « حاولت مراراً وتكراراً تقبل زوجتي كما هي وأن تقبلني كما أنا لكن أصبحنا بعيدين كل البعد من جميع النواحي، لا أستطيع بعد خمسة عشر عاماً أن ننفصل، أخاف على أبنائي».