من محمد مرسي إلى إيمانويل ماكرون فأنجلينا جولي
ناصر قنديل
-صمّمت المخابرات الأميركية خططها للسيطرة على العالم على قاعدة إدراك أهمية وجود أنظمة حكم تابعة في البلدان ذات الأهمية الكبرى في الجغرافيا السياسية والاقتصادية والعسكرية. وقد اتسمت هذه الخطط في مرحلة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي بالاستناد إلى الانقلابات العسكرية والحكومات العسكرية الديكتاتورية، كما كان حال معظم أنظمة شرق آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا التي حظيت بالدعم الأميركي والتي شكّل سقوط نظام الشاه أول مؤشرات أفول نجمها، وشكل انهيار تركيا تحت قبضة العسكر الضربة القاضية لها، وجاء لجوء واشنطن إلى تغيير آخر الحكام الموالين لها من نتاج هذه الحقبة في بلدان الشرق الأوسط عبر ما سمّي بالربيع العربي.
-يعترف كبار مهندسي السياسات في المخابرات الأميركية بالتضادّ الأخلاقي والقيمي بين النموذج الذي تستطيع واشنطن حمايته والدفاع عنه، وبين الأنظمة الموالية لها. كما يعترفون بأنّ قضايا الاستقلال الوطني تشكّل نقطة الضعف التي تصيب الأنظمة التابعة بمقتل. وقد اشتغل مفكرو ومهندسو السياسات على ابتكار صيغ لتفادي هذا التضادّ من جهة، وذلك المقتل من جهة أخرى، آخذين بعين الاعتبار ما قدّمته تجارب الثورات المناهضة لهم أو حالات النهوض المواجهة لسياساتهم. ويقع النموذجان الإيراني والكوبي على الضفة الأولى والنموذجان الصيني والروسي على الضفة الثانية.
-يسلّم المهندسون بأنّ تلافي التضادّ وتجاوز العقدة شبه مستحيلين، لأنهما من شروط الاستراتيجية. فلا مناص من أن تكون هذه الأنظمة مخادعة لشعوبها وأن تكون تابعة لواشنطن، ولذلك توجّهوا للاشتغال على مراحل تشتري الوقت والحقب والأجيال، بدلاً من الوقوع ضحية بحث عقيم عن حلّ سحري لمعضلة بنيوية لا حلّ لها. وهذا التوجّه يستند إلى مفهوم نظري عنوانه استبدال القيم الثابتة التي تقاس عليها علاقة أنظمة الحكم بشعوبها بتسويق قيم جديدة وجعلها معياراً يترسّخ تدريجياً في عقول الشعوب وقلوبها ووجدانها، وتحرير المشهد المحيط بها من المعيقات التي تعيد تظهير المعايير المتجذرة تقليدياً، ليتمّ القياس على القيم الجديدة وتفوز الأنظمة التي جرى تصنيعها وفقاً لمقاساتها ومعاييرها.
-تحتلّ البلاد العربية موقع المركز في الاهتمامات الأميركية لكلّ الأسباب الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد توقفت أمامها كلّ الدوائر المعنية في واشنطن من تقرير الطاقة الصادر عن الكونغرس في العام 2000، إلى تقرير لجنة العراق عام 2006 وكلّ منهما حاز شراكة وقبول نخب الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأغلب من تولّوا بالتتابع مناصب هامة في الدبلوماسية والمخابرات طوال نصف قرن.
-المرحلة الأولى التي وضعتها الدوائر الأميركية في حسابها كانت مرحلة الإخوان المسلمين، والعثمانية الجديدة، كتعبير عن محاكاة وجدان جمعي ثقافي عقائدي وسياسي، تمثل تركيا حزب العدالة والتنمية مركز قيادته. وكانت سورية الحلقة المركزية لقياس نجاح وفشل هذه المرحلة، بعدما مثل وصول محمد مرسي لرئاسة مصر ذروة النجاح في هذا المشروع. وظهر من التجربة أنّ القوى التي استنهضها هذا المشروع لقتاله في سورية ترتبط بصورة رئيسية بمصدر قيمي شديد القوة ينبع من وهج القضية الفلسطينية، والذي يبقى رغم العصبيات الطائفية والمذهبية مصدر تأثير كبير في صناعة الاصطفافات والتوازنات. ومن دون إيجاد أمل بحلّ هذه القضية لن يسحب فتيل الاصطفاف والتفجير الناتج عنه حولها، ولن يكون متاحاً إضعاف مصادر قوة الجبهة المناوئة وتجريدها من تفوّقها القيمي، وخوض الصراع حول منظومة قيم مستحدثة. فلولا فلسطين لتحوّل حزب الله وإيران بنظر السوريين إلى مكوّن طائفي مجرد، ولولا فلسطين لأمكن الرهان على منافسة الرئيس السوري انتخابياً بمرشحين ليبراليين يحظون بدعم الغرب، ولولا الصراع المفتوح مع «إسرائيل» لأمكن حصار حزب الله وسلاحه في لبنان، ولولا الصراع حول فلسطين لصار الحلف الخليجي «الإسرائيلي» مقبولاً ومطلوباً لدى شرائح عربية واسعة، وفقاً لحصيلة التقييم الأميركي.
-سقوط نسخة الإخوان المسلمين التي كان مقدّراً لها شراء ربع قرن من السيطرة على الشرق الأوسط لم يدفع مهندسي المشاريع في واشنطن لإلقاء أسلحتهم، بل لتصميم وبرمجة صيغة جديدة، قوامها التركيز على حلّ للصراع العربي «الإسرائيلي» يوفر أمن «إسرائيل»، ويمكن توفير تغطية عربية وفلسطينية لتسويقه، ثم تسويق نماذج للحكم تستوحي الليبرالية وقيمها، يكون عنوانها شباناً في مقتبل العمر، يتمتعون بوجوه يافعة وملامح جادّة ويحملون قصة نجاح شخصية وصعود سريع إلى الواجهة وسيرة مغامرة، ويجيدون المخاطبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتقنياته الأشدّ عصرنة وحداثة ويشكل الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون النسخة الأولى من هذا الجيل، الذي يسعى محمد بن سلمان للتدرّب على مقتضياته ومعه جملة من جيل القادة الذين يقعون في دائرة الرهانات الأميركية في لبنان والبلاد العربية. وتشكل الحقبة التي تليه أو تجاوره حسب المقتضى، حقبة المرأة الشابة الجميلة الساحرة القوية المثقفة، الإنسانية والمهتمّة بقضايا الفقراء والمشرّدين والضحايا، نموذج تتقدّمه أنجلينا جولي، وأخريات يجري تدريبهنّ على خوض غمار هذه التجارب من العرب وغير العرب.
-مََن يتفرّس وجوه نجوم صاعدة بسرعة ويطرح صعودها الكثير من الأسئلة، يستطيع أن يكتشف الكثير من الأجوبة.
عن البناء اللبنانية