هل تصلح «ولاية سيناء» وطنا بديلا لتنظيم «الدولة» في العراق وسوريا؟
رائد الحامد
ظهر تنظيم «الدولة» الإسلامية كنتيجة لتطور سلسلة من التنظيمات ابتداء من 2004 حيث أعلن أبو مصعب الزرقاوي «كتائب التوحيد والجهاد» التي أعلنت بيعتها لزعيم تنظيم قاعدة الجهاد العالمي أسامة بن لادن. والتوحيد والجهاد هي نواة «الدولة الإسلامية» التي أعلنت دولة «الخلافة» في 29 حزيران/يونيو 2014 من مسجد النوري في الموصل.
لكن التوحيد والجهاد في مرحلة زمنية متقدمة حمل عدة مسميات، حيث أعلن عن تأسيس دولة العراق الإسلامية في خريف عام 2006 بقيادة أبو عمر البغدادي بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي في 7 حزيران/يونيو 2006 في غارة أمريكية في ديالى في العراق.
مع الإعلان عن «دولة العراق الإسلامية» بايع تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين الذي كان يقوده المصري أبو حمزة المهاجر أبو عمر البغدادي أمير دولة العراق الإسلامية ليكون تنظيم القاعدة في العراق جزءا من دولة العراق الإسلامية إلى جانب تنظيمات أخرى منها مجلس شورى المجاهدين وجماعات غيرها.
وبعد تشكيل مجالس الصحوات العشائرية والتحاق أهم فصائل المعارضة المسلحة السابقة إلى جانبها في قتال دولة العراق الإسلامية، نجحت هذه القوى بدعم أمريكي مباشر في اخراج التنظيم من مدن سيطرته إلى معسكرات صحراوية في غرب وشمال غربي العراق، وهي على ما يبدو بيئة جغرافية مؤاتية للتنظيم في مراحل سابقة وستظل كذلك حتى مع استمرار خسارة التنظيم مدن سيطرته في العراق وسوريا.
يعتقد تنظيم «الدولة» ان خسارة المدن والمناطق لا تعني الكثير لديمومة مشروع إقامة «دولة الخلافة الإسلامية» كما ان استمرار حالة الفوضى الأمنية في العراق وسوريا وتضاؤل احتمالات وأد الصراعات بين القوى المحلية في التنافس على السلطة والأرض والموارد طالما ان الحل السياسي الأممي للأزمة السورية لا يبدو محتملا في المدى المنظور.
ومع استمرار التدخل الخارجي في الصراعين السوري والعراقي وكثرة القوى المحلية المتحالفة مع الدول سواء العربية أو الإقليمية إضافة إلى وجود تناقض واضح في مصالح كل طرف بما يعزز احتمالات تفجر هذه الصراعات المحلية الإقليمية التي ستكون حرب وكالة تخوضها قوى محلية حليفة لإيران أو لتركيا أو للولايات المتحدة، سيحاول تنظيم «الدولة «توظيفها في الاتجاه الذي يخدم سياساته.
ويشكل الانحدار الاجتماعي العشائري لمقاتلي التنظيم عاملا من عوامل اختيار البيئة الجغرافية الملائمة بما يشجعهم على ممارسة نشاطاتهم في المحيط الذي عاشوا فيه وخبروا وديانه وشعابه وطبيعة التعامل مع المجتمعات القريبة منهم عرفا وتقليدا. وتتميز ولاية سيناء بخصائص محلية بعيدة الشبه عن بيئة سوريا والعراق لا تشجع على تبني وجهة نظر باحتمالات انتقال قادة تنظيم «الدولة» وجنودهم من العراق وسوريا في المرحلة التي تلي خسارتهم ما تبقى من مراكز حضرية ما زالت تخضع لسلطاتهم.
لذلك لا يبدو في تفكير قادة التنظيم الانتقال الكلي أو الجزئي إلى ولاية سيناء أو غيرها كما يبدو في خطابهم الإعلامي مُنذ بداية سلسلة خسارات المدن والمناطق قبل نحو عامين بوتيرة متصاعدة وحتى اليوم. لكن ثمة عوامل أخرى يمكن للتنظيم التوظيف فيها دون الانتقال إلى شبه جزيرة سيناء مستفيدا من موقعها الجغرافي والبيئة السكانية الساخطة إلى حد ما على النظام وقوات الأمن والجيش المصري.
الموقع الجغرافي لشبه جزيرة سيناء على خط التماس المباشر مع إسرائيل ساهم إلى حد ما في توفير بيئة خصبة لنمو الجماعات الإسلامية التي تتبنى الفكر الجهادي في ظل إجراءات أو تفاهمات إسرائيلية مصرية اقتضت المزيد من الإجراءات الإسرائيلية التي كانت تهدف إلى منع أي تواجد عسكري مصري على مقربة من الحدود كمناطق منزوعة السلاح وفقا لسلسلة من الاتفاقيات أعقبت كامب ديفيد والاكتفاء بالمراقبة الالكترونية مع غياب التواجد الأمني المصري في تلك المناطق.
في سنين سبقت ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011 ظلت سيناء بؤرة تواجد آمنة نسبيا لمقاتلين جهاديين يتبعون لتنظيم القاعدة قبل ان يعلن تنظيم «أنصار بيت المقدس» ارتباطه بتنظيم «الدولة» مطلع تشرين الثاني/نوفمبر2014. وهي الجماعة الإسلامية المسلحة الأكبر في مصر وتنشط في محافظة شمال سيناء.
لكن الأعمال العنفية في شمال سيناء لا ترتبط بأحداث ثورة 25 يناير أو ما بعد عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي خلافا لمحاولات حثيثة للربط بين فرع تنظيم «الدولة» في «ولاية سيناء» وجماعة الإخوان المسلمين في سعي لإدانة الجماعة بالإرهاب ووضعها على قائمة المنظمات الإرهابية على نطاق دولي واسع مع الإقرار يقينا بحالة العداء والخصومة المتبادلة بين تنظيم الدولة «الخوارج» وجماعة الإخوان المسلمين «المرتدين» وفقا للتوصيف المتبادل بينهما.
وظلت محاولات ربط تنظيم «الدولة» بجماعة الإخوان المسلمين تدور حول تصاعد هجمات ولاية سيناء بعد عزل الرئيس محمد مرسي في عامل يعزز القول بأن بابا الأقباط كان جزءا من «الانقلاب» على مرسي في تناقض يفضحه تأييد شيخ الأزهر وحزب النور السلفي وعدد من قيادات المجتمع.
ولا يبدو استهداف الأقباط مؤخرا بهجمات دامية راح ضحيتها حوالي 28 شخصا وإصابة العشرات في هجوم استهدف حافلات تنقل مواطنين أقباطا في صعيد مصر مرتبطا بأي شكل من الأشكال بموقف بابا الأقباط من عزل محمد مرسي، انما هو استهداف في إطار تسلسل زمني يمتد إلى عامي 2004 و2005.
في عامي 2004 و2005 نفذت تنظيمات مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة عددا من الهجمات الدامية التي راح ضحيتها المئات مثل تفجيرات قريبة من معبر طابا بين مصر وإسرائيل التي تبنت كتائب الشهيد عبد الله عزام مسؤوليتها كتنظيم تابع لتنظيم القاعدة في أرض الكنانة، لكن هذه الكتائب اختفت عن المشهد ليظهر تنظيم «التوحيد والجهاد» الذي تبنى تفجيرات استهدفت سياحا أجانب في نيسان/ابريل 2006. لكن مجمل هذه التنظيمات كانت تظهر وتختفي بشكل متسارع عدا «أنصار بيت المقدس» الذي تنامى دوره بشكل لافت بعد ثورة 25 يناير 2011 من خلال مهاجمته وحدات وأفراد الجيش المصري في سيناء قبل ان يعلن بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية مستغلا ضعف القبضة الأمنية وغياب الرقابة على الحدود المصرية الليبية بما أتاح للتنظيم فرصة الحصول على المزيد من الأسلحة التي سقطت بيد ثوار 17 فبراير بعد الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي.
في كانون الأول/ديسمبر 2016 قتل تنظيم ولاية سيناء حوالي 25 شخصا في هجوم على كنيسة في القاهرة، كما قتل نحو 50 قبطيا في هجوم على كنيستين في نيسان/ابريل 2017. وتشير تقديرات إلى ان أعوام 2014 و2015 و2016 شهدت 1070 عملية نفذت ولاية سيناء نحو 90٪ منها ضد الجيش والأمن المصري حسب دراسة لمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» لكن عمليات كهذه رافقتها حالة طوارئ معلنة وانتهاكات واضحة ضد المدنيين وسكان سيناء الذين تعرضوا لعمليات تهجير قسري وتضييق في حياتهم اليومية.
حاولت ولاية سيناء استنساخ تجربة تنظيم «الدولة» في العراق بالسيطرة على المدن والمناطق لكنها فشلت في أولى محاولاتها التي أطلقها في الأول من تموز/يوليو 2015 للسيطرة على مدينة الشيخ زويد في شمال سيناء بفعل استخدام الجيش المصري القصف الجوي والمدفعية الثقيلة طيلة خمسة أيام، لكن ولاية سيناء في واقع الحال لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من سيناء تمارس على سكانها شكل الحكم القريب من سلطات التنظيم الأم في سوريا والعراق في جوانب توزيع الإعانات المالية والمواد الإغاثية ومنع تهريب السجائر والمخدرات. وحيث ان من الصعب القول بنهاية وشيكة لتنظيم «الدولة» في العراق وسوريا فإن القول بهذا في سيناء صحيح أيضا.
كان من دوافع قبول السكان في سوريا والعراق الانضمام إلى تنظيم «الدولة» الممارسات الطائفية التي أنتجها نوري المالكي في العراق والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا ومقتل نحو نصف مليون وتشريد عدة ملايين إضافة إلى حملات الاعتقال المستمرة والموت تحت التعذيب، كذلك تبدو الصورة قريبة إلى حد ما من الحالة في سيناء في ما يتعلق بالعلاقة بين السكان والجيش المصري الذي مارس ألوانا من التضييق على سكان المدن والقرى في مجمل شبه جزيرة سيناء وانتقال بعض هذه الممارسات إلى مناطق في الصعيد بدا تنظيم ولاية سيناء قد أسس لموطئ قدم له.
إذا كان ثمة أي ارتباط مباشر وتنسيق ميداني، فالأرجح سيكون بين ما تبقى من تنظيم «الدولة» في الفرع الليبي وولاية سيناء طالما كانت هناك عوامل الجغرافيا المشتركة وحاجة المقاتلين في الفرع الليبي لملاذ آمن بعد خسارتهم مدن سيطرتهم وآخرها مدينة سيرت، كما ان حالة من التكامل يمكن ان تكون بين الفرعين لتغطية حاجات كل منهما للآخر.
بالتأكيد ستشكل بيئة الصراعات الجديدة مناخا خصبا لتنظيم «الدولة» في الاستفادة من تداعياتها واستغلال حالة عدم الاستقرار الأمني المصاحبة للصراعات في إعادة تموضع قواته ورسم استراتيجيات متوافقة مع التطورات الميدانية في جوانبها العسكرية والأمنية وغيرها.
ولا تزال البيئة التي انتجت تنظيم «الدولة» قائمة مع متغيرات في اتجاهات الرأي وبناء القناعات في المجتمع السني في العراق وسوريا في اتجاه مغاير لمصلحة التنظيم، لكن في كل الأحوال هناك عوامل إضافية لانعاش التنظيم مستقبلا، وهي عوامل موجودة وتتعزز في جوانب أخرى مع استمرار بقاء الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا التنظيم وتنظيمات شبيهة تغذت على استثمار الظلم والتهميش والاقصاء من قبل السلطات على أسس طائفية في العراق وكذلك في سوريا بعد التدخل الإيراني والقوات الحليفة بصبغتها الطائفية. لذلك ليس ثمة ما يشي بوجود معطيات ذات قيمة تشير إلى احتمالات انتقال تنظيم «الدولة» من العراق وسوريا إلى ولاية سيناء أو جنوب شرقي آسيا أو شمال افريقيا والساحل أو غيرها.