سلامة كيلة في «المسألة الفلسطينية»: مقاومة مأزومة في الأساس والحل في دولة فلسطينية علمانية
محمد عبد الرحيم
القاهرة ـ «القدس العربي»: رغم تباين المواقف والسياسات واختلاف الزمن في رؤية القضية الفلسطينية، أو (المسألة) التي ستظل عالقة في الوعي العربي، يرى الكاتب الفلسطيني سلامة كيلة الأمر من وجهة أخرى، في كتابه المعنون بـ «المسألة الفلسطينية من سراب حل الدولتين إلى الدولة العلمانية الواحدة»، محاولاً تحليل الظرف السياسي وتبعاته، وصولاً للمقولات التي تتناول المسألة الفلسطينية اليوم. فكرة البحث عن حل، وكيف كانت أملاً مستقبلياً، وكيف أصبحت أكثر خطورة وشكلت مأزقاً منذ بدايتها. كذلك فكرة المتاجرة بالقضية من قِبل القادة العرب، والعديد من مَن يعتبرون قادة المقاومة والقائمين عليها. وعبر 7 فصول، إضافة إلى مدخل تمهيدي وخاتمة، يحاول المؤلف الوقوف على إرهاصات للحل، ذلك في ظل متغيرات حادة لم يمر بها العالم من قبل، ترى أن أي تفكير كانت تقوده افتراضات عقدين من الزمن، هو تفكير مغلوط في الأساس يوصم أصحابه بانعدام الرؤية، سواء في حالة من التواطؤ أو الحلم الساذج المنافي للمنطق. صدر الكتاب عن دار الهلال في القاهرة، سلسلة كتاب الهلال، عدد حزيران/يونيو 2017، في 264 صفحة.
فلسطنة القضية
يُشير الكاتب بداية في مدخل عنوانه «كيف تلاشت الحركة الوطنية الفلسطينية» إلى هزيمة الخامس من حزيران/يونيو 1967 والتي وإن كانت لحظة تشكلت في ما بعد على إثرها نهوض المقاومة الفلسطينية، إلا أن تبعاتها تتجسد الآن، فقد أنعشت الهزيمة الميل الفلسطيني لأن يخوض النضال بعد أن راهن على النظم العربية عقدين من الزمن، هذه النظم التي ظلت تحمل الشعارات القومية، وتعتبر وصولها للسلطة من أجل تحرير فلسطين، لكن الهزيمة أظهرت عمق العجز العربي، فنجحت الأفكار التي قررت (فلسطنة) القضية، وعزلها عن الدور العربي، وبالتالي تحويل الصراع إلى صراع فلسطيني إسرائيلي، ومن هذا المأزق انطلقت المقاومة الفلسطينية، المتمثلة في حركة فتح والجبهة الشعبية، انطلقت من مخيمات اللجوء، التي تفاعلت وقتها مع أنظمة مهزومة في الأصل، والتي لم تكن تريد التورط في حرب جديدة. فأضحت المقاومة في صدام مع هذه النظم ذاتها.
من التحرير إلى التسوية
بدأ التفكير في قبول دولة على جزء من فلسطين، فانتقل الأمر من المقاومة من أجل التحرير إلى تحقيق التسوية مع الدولة الصهيونية، تتخلى فيها عن الأرض التي احتلتها في العام 1967 لإقامة دولة مستقلة. هذا النهج الجديد وضع المقاومة في مأزق القبول بسياسة التسوية والاعتراف والقبول بالدولة الصهيونية مقابل الحصول على دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس. وتبدو المعضلة أو المفارقة في فكرة الفلسطنة التي تتجاهل طبيعة دور وأساس وجود الدولة الصهيونية، فإن سياسة التسوية كانت تنطلق من الأساس ذاته، وبات الأمر يتعلق بالخلاف حول الحدود وباسترجاع الأرض التي جرى احتلالها عام 1967، في ضوء القرار 242، الأمر الذي أدى إلى تحول المناضل والمقاتل من أجل تحرير فلسطين إلى موظف بيروقراطي، أو مرتزق أو فاسد، وأوصل القضية من قضية تحرير إلى سلطة عاجزة على جزء ضئيل من فلسطين.
وهم الرؤية الفلسطينية
السؤال الذي يدور الآن وماذا بعد؟ هل جنت الرؤية الفلسطينية ثمار أفعالها منذ أواسط سبعينيات القرن الفائت! وهل اللعب على توازن القوى في ذلك الوقت حقق لوجة المقاومة هدفها، وكيف يبدو الإصرار ومواصلة النقاش والحوار حول فكرة (حل الدولتين). فكل ما يجري الآن في الضفة الغربية وقطاع غزة يوضح أن كل الاستراتيجية الفلسطينية لا أساس لها، فليس من الممكن إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس، بعد أن سيطرت الدولة الصهيوينة على أهم أراضي الضفة الغربية، وباتت البطالة سمة أساسية بين السكان، الذي يتعيش الكثير منهم من خلال مساعدات الدول المانحة، هذه المساعدات التي يمكن وقفها في أي وقت، رهناً بمدى التوافق والدولة الصهيونية. من وجهة أخرى فنزيف التنازلات والرهان المزمن لن يؤدي إلى أي حلول، سواء التكيف مع السياسة الأمريكية أو الالتحاق الاقتصادي مع الدولة الصهيونية، كما أن الوضع القائم يشير إلى أن الرؤية الصهيوينة الأمريكية والإمبريالية عموماً هي التي تتحقق، وأن الشرعية الدولية ــ مجال المراهنة ــ تحت سيطرتهما، لهذا لا ينفذ منها إلا ما يصب في مصلحتهما فقط. فالدولة الصهيونية هي (قاعدة عسكرية) مغلفة بـ (مجتمع مدني) هدفها ردع تطور الوطن العربي ووحدته، وبالتالي فالمنظور الإمبريالي يقوم على إبقائها قوة مهيمنة، وهذا يستلزم توسعها وفرضها كقوة إقليمية، وتحقيق الحل وفق رؤيتها ومصالحها.
ثورات الربيع العربي
وبعد تبيان القصور الفكري ووهم الرؤية للقائمين على الحل الكاريكاتيري للقضية/المسألة الفلسطينية، يرصد الكاتب التغيرات الجذرية والتحولات التي يجاهد الكثيرون في تجاهلها أو محاولات إجهاضها، لكنها مسألة وقت. يشير الكاتب بداية إلى ثورات الربيع العربي ــ رغم ما أصابها ــ وإن بدت هذه الثورات انها همّشت القضية الفلسطينية بعض الوقت ــ هكذا يبدو ــ إلا أن ربط النضال بالقضية لا يعدو مسألة تعود في وسائل الميديا، وهو ما يخالف تماماً ما يحدث على أرض الواقع. الأمر الأخطر هو قيام هذه الثورات ومحاولاتها المستميتة على النظم العربية الحاكمة، هذا هو الخطر الحقيقي الذي تخشاه الدولة الصهيوينة، الأمر مرهون بهذا الشعور الثوري، الذي أعاد المسألة الفلسطينية إلى صورتها الطبيعية كجزء من العالم العربي وما تعانيه شعوبه، هنا تسقط فكرة (فلسطنة) القضية، وتصبح السلطة القامعة شبه واحدة، وجميع الشعوب تعمل على إسقاطها، حالة عامة من الشعور بضرورة وجدوى التحرر. ورغم الزيف الإعلامي ومحاولات التضليل إلا أن فكرة التحرر هي أساس حل قضية العالم العربي ككل، دون الاقتصار على فلسطين. من ناحية أخرى هناك ضربات متوالية للنظام الرأسمالي، كالأزمات الاقتصادية وخلافه، فلم تعد الولايات المتحدة كما كانت، وبدأ التفكك في بعض الرؤى والمفاهيم، ففكرة السيطرة المطلقة لم تعد كما تسعينيات القرن الفائت على سبيل المثال.
دولة فلسطينية علمانية
ونظراً لما سبق من افتراضات نظرية تؤكدها العديد من الوقائع، يرى سلامة كيلة أن الحل يكمن في إيجاد دولة علمانية، ولابد من إعادة بناء المشروع الفلسطيني من أجل دولة علمانية ديمقراطية عربية، تقبل وجود (اليهود) في إطارها، انطلاقاً من أنهم ينتمون إلى قوميات أخرى، ومن أن هناك عرباً يهوداً جرى جرّهم إلى فلسطين بتدخلات متعددة، كما أن أزمة الامبريالية ستنعكس بالضرورة على الدولة الصهيوينة، حيث يمكن أن يتفاقم الصراع الطبقي فيها ضد الفئة الرأسمالية المُسيطرة وكل ذلك من الممكن أن يؤدي إلى إنهاء المشروع الصهيوني، كمشروع امبريالي وكدولة قائمة على الاستيطان واستغلال الدين اليهودي لخدمته.
سلامة كيلة: «المسألة الفلسطينية .. من سراب حل الدولتين إلى الدولة العلمانية الواحدة»
دار الهلال/سلسلة كتاب الهلال، القاهرة، 2017
264 صفحة.