إعلان الجمهورية
بالرغم من المشاكل والأحداث التي تعرض لها التنظيم في الشهور التي تلت ثورة يوليو، خاصة مع وجود خلافات داخل صفوف الجيش، إلا أن مجلس قيادة الثورة قد أكتسب قوة كبيرة جعلته يتحكم في مقاليد الأمور، خاصة مع عدم وجود معارضة قوية في ذلك الوقت، وفي 18 يونيو 1953 تم إعلان قيام الجمهورية وإلغاء الملكية في مصر، وتم أختيار محمد نجيب كرئيس للجمهورية والذي أحتفظ بمنصبه كرئيس للوزراء مع تخليه عن منصب وزير الحربية وقيادة الجيش.
[88][89] إنشاء هيئة التحرير
تم إنشاء
هيئة التحرير في عهده عام 1953 بعد إلغاء الأحزاب.
حياته كرئيس للجمهورية
محمد نجيب في مكتب الرئاسة عام 1953
كانت أولى أيام نجيب في الرئاسة مفعمة بالمشاكل والصدام خاصة مع رغبة عبد الناصر في تعيين صديقه
عبد الحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة وترقيته مباشرة من رتبة صاغ إلى رتبة
لواء، اذ ان هذا القرار كان يتعارض مع قواعد الجيش بسبب تخطيه العديد من الرتب ويتعدى على نظام الأقدمية المتبع في الجيش، ولذلك رفض محمد نجيب هذا الأمر، وظل يقاومه لأكثر من 3 أسابيع حتى رضخ في النهاية أمام قرار المجلس وأصدر قراراه بتعيين عامر.
[90]كانت أولى قرارات نجيب هو إنشاء
قوات الحرس الوطني وهي قوة عسكرية قائمة على التطوّع الشعبى كي تكون عونا للجيش النظامى الأساسي فى الذود عن استقلال البلاد،
[91] كان الخلاف على تعيين عبد الحكيم عامر نقطة تحول بالنسبة لنجيب حيث وجد أن مقاليد السلطة بدأت تتجمع في يد بعض الشخصيات وأصبحت تتمتع بنفوذ وقوة كبيرة، مما جعله يفكر في إرساء الحياة المدنية مرة أخرى وإنهاء سيطرة الجيش على الحكم.
[92] خلافه مع مجلس قيادة الثورة
بدأ الكثيرون في هذه الفترة يلاحظون تغيرا واضحا في سلوكيات وقرارات ضباط الجيش وأعضاء مجلس قيادة الثورة، حتي شاع بين الضباط أن الثورة طردت ملكا واحدا وجاءت بثلاثة عشر ملك، يقول نجيب في مذكراته قائلاً : لقد خرج الجيش من الثكنات وانتشر في كل المصالح والوزارات المدنية فوقعت الكارثة التي لا نزال نعاني منها إلي الآن في
مصر، كان كل ضابط من ضباط القيادة يريد أن يكون قويا. فأصبح لكل منهم «شلة» وكانت هذه الشلة غالبا من المنافقين الذين لم يلعبوا دورا لا في التحضير للثورة ولا في القيام بها.
[93][94] وادعى أيضاً أنه رصد بعض السلوكيات الخاطئة التي يرتكبها بعض الضباط في حق الثورة وفي حق الشعب الذي وثق بهم. فكان أول شيء فعله
ضباط القيادة أنهم غيروا سياراتهم
الجيب وركبوا سيارات الصالون الفاخرة،
[95] وترك أحدهم شقته المتواضعة واستولى علي قصر من قصور الأمراء حتي يكون قريبا من أحدى الأميرات التي كان قصرها قريبا من القصر الذي استولى عليه، وترك ضابط آخر من ضباط القيادة الحبل على الغارب لزوجته التي كانت تعرف كل ما يدور في مجلس القيادة، وتستغل هذا لصالحها ولصالحه، وطارد آخر ناهد رشد زوجة الطبيب بحري يوسف رشاد، طبيب الملك فاروق الخاص . وصدمت هذه التصرفات باقي الضباط الأحرار الذين يتصفون بالمثالية فحمل بعضهم هذه الفضائح وواجهوا بها ضباط القيادة. لكنهم سمعوهم وقرروا التخلص منهم مثلما حدث مع ضباط المدفعية.
[96][97][98]محمد نجيب أثناء زيارته لخان يونس عام 1953
كان أول خلاف بينه وبين ضباط القيادة حول محكمة الثورة التي تشكلت لمحاكمة زعماء العهد الملكي، ثم حدث خلاف ثاني بعد صدور نشرة باعتقال بعض الزعماء السياسيين وكان من بينهم
مصطفى النحاس، فرفض اعتقال النحاس باشا، لكنه فوجئ بعد توقيع الكشف بإضافة اسم النحاس،
[99] وأصدرت محكمة الثورة قرارات ضاعفت من كراهية الناس للثورة ومنها مصادرة 322 فدانا من أملاك
زينب الوكيل حرم النحاس باشا، كما حكمت على أربعة من الصحفيين بالمؤبد وبمصادرة صحفهم بتهمة إفساد الحياة السياسية.
[100][101]ويضاف إلى هذه القرارات قرارات أخرى صدرت رغم أنه رفض التوقيع عليها منها القرار الجمهوري بسحب الجنسية المصرية من ستة من المصريين من
الأخوان المسلمين، وزاد الصدام بينه وبين مجلس القيادة عندما اكتشف أنهم ينقلون الضباط دون مشورته، ورفض
زكريا محي الدين أن يؤدي اليمين الدستورية أمامه بعد تعيينه وزيرا للداخلية وكذلك رفض
جمال سالم.
[101][102][103]قال محمد نجيب في مذكراته أنه اكتشف أن رجال الثورة كانوا قد عقدوا العديد من الاجتماعات بدونه، كل هذه الأمور دفعته لكي يفكر جديا في تقديم استقالته.
[104]الرئيس المصري محمد نجيب مع يوسف صديق
استقالة فبراير
« بسم الله الرحمن الرحيم
السادة أعضاء مجلس قيادة الثورة .. بعد تقديم وافر الاحترام، يحزنني أن أعلن لأسباب لا يمكنني أن أذكرها الآن أنني لا يمكن أن أتحمل من الآن مسؤوليتي في الحكم بالصورة المناسبة التي ترتضيها المصالح القومية. ولذلك فإني أطلب قبول استقالتي من المهام التي أشغلها، وأني إذ أشكركم علي تعاونكم معي أسأل الله القدير أن يوفقنا إلي خدمه بلدنا بروح التعاون والأخوة.»
بهذه العبارات المختصرة قدم محمد نجيب استقالته في
22 فبراير 1954.وفي
25 فبراير أصدر مجلس القيادة بيان أقالة محمد نجيب، وأدعى البيان أن محمد نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس وأن يكون له حق الاعتراض علي قرارات المجلس حتي ولو كانت هذه القرارات قد أخذت بالإجماع، وادعى أيضا أنه اختير قائدا للثورة قبل قيامها بشهرين،
[105] وانه علم بقيام الثورة ليلة
23 يوليو من مكالمة تليفونية من وزير الداخلية فتحرك إلي مبني القيادة وهناك تقابل مع عبد الناصر الذي وافق على ضمه وتنازل له عن رئاسة المجلس.
[106][107]لكن بعد إذاعة بيان إقالته على الملأ خرجت الجماهير تحتج عليه وانهالت البرقيات علي المجلس ودور الصحف ترفض الاستقالة. واندلعت المظاهرات التلقائية في
القاهرة والأقاليم لمدة ثلاثة أيام تؤيد نجيب وكانت الجماهير تهتف (محمد نجيب أو الثورة) وفي
السودان اندلعت مظاهرات جارفة تهتف (لا وحدة بلا نجيب)، وانقسم الجيش بين مؤيد لعودة محمد نجيب وإقرار الحياة النيابية وبين المناصرين لمجلس قيادة الثورة.
[108][109]وكان
سلاح الفرسان أكثر أسلحة الجيش تعاطفا مع محمد نجيب، وأشرفت البلاد علي
حرب أهلية وتداركا للموقف أصدر مجلس القيادة بيانا الساعة السادسة من مساء
27 فبراير 1954 جاء فيه «حفاظا علي وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب رئيسا للجمهورية وقد وافق سيادته علي ذلك»، وعاد محمد نجيب مجدداً إلى منصبه كرئيس للجمهورية.
[110][111][112]وبالرغم من بيان مجلس الثورة الذي أتسم بعدائية واضحة إلا أنه لم يتخذ قرارا بهذا الشأن، حتى أن اليوزباشي رياض قائد الحرس الخاص بنجيب عرض عليه التحرك والتحفظ على أعضاء مجلس قيادة الثورة، إلا أن نجيب رفض هذه الفكرة منعاً للصدام المباشر، إلا أن محمد نجيب صرح لاحقاً عقب نكسة 1967 بأنه نادم بشدة على عدم حسم هذا الأمر في وقته، حيث كان يتمتع بشعبية كبرى وولاء العديد من القيادات له.
[113][114] أزمة مارس 1954
محمد نجيب لدى استقباله الملك
سعود بن عبد العزيزيرى البعض ان أزمة
مارس لم تكن مجرد صراع علني علي السلطة بين محمد نجيب وأعضاء
مجلس قيادة الثورة بل كانت الأزمة أكثر عمقا، كانت صراعا بين اتجاهين مختلفين اتجاه يطالب
بالديمقراطية والحياة النيابية السليمة تطبيقا للمبدأ السادس للثورة (إقامة حياة ديمقراطية سليمة)، وكان الاتجاه الآخر يصر علي تكريس الحكم الفردي وإلغاء الأحزاب وفرض الرقابة على
الصحف، بينما يري آخرون ان الأزمة كانت مجرد صراع على السلطة بين محمد نجيب و
جمال عبد الناصر.
[115][116]كانت ضربة البداية في أزمة
مارس من جانب محمد نجيب الذي بدأ فور عودته إلي الحكم مشاوراته مع مجلس القيادة للتعجيل بعودة الحياة البرلمانية، وفي ليلة
5 مارس صدرت قرارات ركزت على ضرورة عقد جمعية لمناقشة الدستور الجديد وإقراره، وإلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحف والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
[117]كانت هذه القرارات في صالح عودة الحياة
الديمقراطية، وهنا أدرك الفريق المعادي لمحمد نجيب أن كل الخطط التي أعدت للإطاحة به مهددة بالفشل، فبدأ يدبر مخططات أخرى من شأنها الالتفاف على قرارات
5 مارس والعودة إلي الحكم الفردي.
في
25 مارس 1954 اجتمع
مجلس قيادة الثورة كاملا وانتهى الاجتماع إلي إصدار القرارات التالية: السماح بقيام الأحزاب،
مجلس قيادة الثورة لا يؤلف حزبا، لا حرمان من الحقوق السياسية حتى لا يكون هناك تأثير علي الانتخابات، تنتخب الجمعية التأسيسية انتخابا حرا مباشرا بدون تعيين أي فرد وتكون لها سلطة البرلمان كاملة والانتخابات حرة، حل مجلس الثورة في
24 يوليو المقبل باعتبار الثورة قد انتهت وتسلم البلاد لممثلي الأمة، تنتخب الجمعية التأسيسية رئيس الجمهورية بمجرد انعقادها.
[101]الرئيس محمد نجيب مع الدكتور
عبد الرازق السنهوري رئيس
مجلس الدولة المصري والذي تم الإعتداء عليه إثناء المظاهرات
وقد ضاعف من قلة حيلة محمد نجيب انشغاله مع
الملك سعود بن عبد العزيز الذي كان يزور
مصر وقتها، بينما كان معارضوه يدبرون لتوجيه الضربة القاضية إلي محمد نجيب، فنشرت
الصحف أن هناك اتصالات سرية بين محمد نجيب
والوفد.
[118]في يوم
28 مارس 1954 خرجت أغرب
مظاهرات في
التاريخ تهتف بسقوط
الديمقراطية والأحزاب والرجعية، ودارت المظاهرات حول
البرلمان والقصر الجمهوري
ومجلس الدولة وكررت هتافاتها ومنها «لا أحزاب ولا برلمان»، ووصلت الخطة السوداء ذروتها، عندما اشترت مجموعة عبد الناصر صاوي أحمد صاوي رئيس اتحاد عمال النقل ودفعوهم إلى عمل إضراب يشل الحياة وحركة المواصلات، وشاركهم فيها عدد كبير من النقابات العمالية وخرج المتظاهرون يهتفون "تسقط الديمقراطية تسقط الحرية" ، وقد اعترف الصاوي بأنه حصل علي مبلغ 4 آلاف
جنيه مقابل تدبير هذه المظاهرات.
[119]ربح أعضاء
مجلس قيادة الثورة المعركة ضد محمد نجيب وصدرت قرارات جديدة تلغي قرارات
25 مارس.
[120]خبر إعفاء نجيب من جريدة الأخبار عام 1954
إعفائه من الرئاسة
انهزم محمد نجيب في
معركة مارس 1954 والواقع أنها لم تكن خسارته فقط وإنما كانت خسارة لمسيرة
الديمقراطية في
وادي النيل، أصر نجيب على الاستقالة لكن عبد الناصر عارض بشدة استقالة نجيب خشية أن تندلع مظاهرات مثلما حدث في
فبراير 1954، ووافق محمد نجيب علي الاستمرار إنقاذا للبلاد من
حرب أهلية ومحاولة إتمام الوحدة مع
السودان.
[121]يوم 14
نوفمبر 1954 توجه محمد نجيب من بيته في شارع سعيد بحلمية الزيتون إلى مكتبه
بقصر عابدين لاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية، وعندما نزل من سيارته داخل القصر فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربي ومعه ضابطان و10 جنود يحملون الرشاشات يحيطون به، فصرخ في وجه حسين عرفة طالبا منه الابتعاد حتى لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهوري، فاستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربي، لاحظ محمد نجيب وجود ضابطين من البوليس الحربي يتبعانه أثناء صعوده إلي مكتبه نهرهما فقالا له إن لديهما أوامر بالدخول من الأميرالاي حسن كمال، كبير الياوران، فاتصل هاتفيا بجمال عبدالناصر ليشرح له ما حدث، فأجابه عبدالناصر بأنه سيرسل
عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ليعالج الموقف بطريقته.
[122]وجاءه
عبد الحكيم عامر وقال له في خجل «أن
مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية فرد عليهم «أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسؤولا عن ضياع
السودان أما أذا كان الأمر إقالة فمرحبا». وأقسم اللواء
عبد الحكيم عامر أن إقامته في فيلا
زينب الوكيل لن تزيد عن بضعة أيام ليعود بعدها إلي بيته، لكنه لم يخرج من الفيلا طوال 30 عاما.
محمد نجيب لحظة خروجه من قصر الرئاسة بعد إقالته في
14 نوفمبر 1954خرج محمد نجيب من مكتبه في هدوء مع
حسن إبراهيم في سيارة إلي معتقل
المرج. وحزن علي الطريقة التي خرج بها فلم تؤدى له التحية العسكرية ولم يطلق البروجي لتحيته، وقارن بين وداعه للملك فاروق الذي أطلق له 21 طلقة وبين طريقة وداعه.
[121]فعندما وصل إلى فيلا زينب الوكيل بضاحية المرج ، سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار الفاكهة من الحديقة. وحملوا من داخل الفيلا كل ما بها من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف وتركوها خالية تماماً ، كما صادروا أثاث فيلا زينب الوكيل صادروا أوراق اللواء نجيب وتحفه ونياشينه ونقوده التي كانت في بيته. ومنعه تماما من الخروج أو من مقابلة أيا كان حتى عائلته.
[123]تحديد إقامته
أقيمت حول الفيلا حراسة مشددة، وفرض على جميع من بالمنزل عدم الخروج في الفترة من
الغروب إلي
الشروق، وكان عليهم أن يغلقوا النوافذ في عز الصيف تجنبا
للصداع الذي يسببه الجنود، اعتاد الجنود أن يطلقوا
الرصاص في منتصف الليل وفي
الفجر، كانوا يؤخرون عربة نقل الأولاد إلى
المدرسة فيصلون إليهم متأخرىن ولا تصل العربة إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من انصراف كل من المدرسة.
محمد نجيب
وجمال عبد الناصر في بدايات الثورة
كانت غرفته في فيلا المرج مهملة بها
سرير متواضع يكاد يختفي من كثرة
الكتب الموضوعة عليه، وكان يقضي معظم أوقاته في هذه الحجرة يداوم علي قراءة الكتب المختلفة في شتي أنواع العلوم، خاصة الطب والفلك والتاريخ، ويقول محمد نجيب: «هذا ما تبقي لي، فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ
القرآن أو أتصفح الكتب المختلفة».
[124]أثناء
العدوان الثلاثي علي
مصر عام
1956 تم نقله من معتقل
المرج إلي مدينة طما في
سوهاج بصعيد مصر وقيل إنه كان من المقرر قتله في حاله دخول
الإنجليز
القاهرة وذلك بعد أن سرت إشاعه قوية تقول إن
إنجلترا ستسقط بعض جنود المظلات علي فيلا زينب الوكيل في المرج لاختطاف محمد نجيب وإعادة فرضه رئيسا للجمهورية من جديد بدلا من الرئيس
جمال عبد الناصر ولكن بعد فشل العدوان تم إعادته إلى معتقل المرج. وجرى التنكيل به حتى إن أحد الحراس ضربه على صدره في نفس مكان الإصابة التي تعرض لها في
حرب 1948 مما سببت في حزن عميق لدى محمد نجيب، وأثناء نكسة
1967 ارسل
برقية لجمال عبد الناصر يطلب منه السماح له بالخروج في صفوف
الجيش باسم مستعار الا انه لم يتلق أي رد منه.
[125][126]الإفراج عنه
محمد نجيب مع
أنور السادات في بدايات
الثورةظل محمد نجيب حبيس فيلا المرج حتى أمر بإطلاق سراحه الرئيس
السادات عام
1971 . ورغم هذا ظل
السادات يتجاهله تماما كما تجاهله باقي أعضاء
مجلس قيادة الثورة. يقول محمد نجيب في مذكراته:
« قال لي
السادات: أنت حر طليق ، لم أصدق نفسي هل أستطيع ان اخرج وادخل بلا حراسة؟ هل استطيع ان اتكلم في
الهاتف بلا تنصت؟ هل استطيع أن استقبل الناس بلا رقيب؟ لم اصدق ذلك بسهولة. فالسجين في حاجة لبعض الوقت ليتعود على سجنه، وفي حاجة لبعض الوقت ليعود إلى حريته. وانا لم اكن سجينا عاديا كنت سجينا يحصون انفاسه. ويتنصتون على كلماته ويزرعون الميكرفونات والعدسات في حجرة معيشته. وكنت اخشى ان اقترب من أحد حتى لا يختفي. واتحاشى زيارة الاهل والاصدقاء حتى لا يتعكر صفو حياتهم. وابتعد عن الأماكن العامة حتى لا يلتف الناس حولي، فيذهبون وراء
الشمس، ولكن بعد فترة وبالتدريج عدت إلى حريتي وعدت إلى الناس وعدت إلى الحياة العامة، وياليتني ما عدت. فالناس جميعا كان في حلقها مرارة من الهزيمة والاحتلال. وحديثهم كله شكوى وألم ويأس من طرد المحتل الإسرائيلي. وبجانب هذه الاحاسيس كانت هناك أنات ضحايا الثورة. الذين خرجوا من السجون والمعتقلات ضحايا القهر والتلفيق والتعذيب. وحتى الذين لم يدخلوا السجون ولم يجربوا المعتقلات، ولم يذوقوا التعذيب والهوان كانوا يشعرون بالخوف، ويتحسبون الخطى والكلمات. وعرفت ساعتها كم كانت جريمة الثورة في حق الإنسان المصري بشعة.»
كان ما يسلي محمد نجيب طوال سنوات الإقامة الجبرية في
المرج تربية
القطط والكلاب. واعتبر القطط والكلاب أكثر وفاءا من
البشر واحتفظ نجيب بصورة نادرة لكلبة ترقد علي جنبها وترضع منها قطة فقدت أمها، وهذه الصورة كما قال نجيب دليل علي أن
الحيوانات أكثر ليونة ورقة في التخلص من شراستها من
البشر. وحينما توفي أحد كلابه دفنه في الحديقة وكتب علي شاهد القبر: هنا يرقد أعز أصدقائي.
[127]محمد نجيب أثناء تحديد إقامته
يقول محمد نجيب: « لقد كان هؤلاء الأصدقاء الأوفياء سلوى وحدتي في سنوات الوحدة تلك السنوات المرة التي وصلت فيها درجة الافتراء إلى حد إشاعة خبر وفاتي وقد سمعت هذا الخبر بأذني من إذاعات
العالم. وقرأته بعيني في كتاب ضباط الجيش في السياسة والمجتمع والذي وضعه كاتب إسرائيلي يدعى اليزير بيير أن محمد نجيب توفي عام
1966 !!!»، وكان كثيرا ما كان يردد: « ماذا جنيت لكي يفعلوا بي كل هذا؟»
بتاريخ
21 أبريل 1983 أمر الرئيس
حسني مبارك تخصيص فيلا في حي القبة بمنطقة
قصر القبة بالقاهرة لإقامة محمد نجيب، بعدما صار مهددا بالطرد من قصر
زينب الوكيل نتيجة لحكم المحكمة لمصلحة ورثتها الذين كانوا يطالبون بالقصر، وهو القصر الذي عاش فيه لمدة 29 سنة منها 17 سنة وهو معتقل.
[128]وحينما سأله بعض الإعلاميين كيف يخرج من جديد إلى الحياة العامة قال وقتها: « إلى أين أذهب بعد 30 سنة لم أخرج فيها إلى الحياة. ليس لدي معارف أو أحد يهتم بي. أنا أعيش هنا وحدي بعد أن مات اثنان من أولادي ولم يبق غير واحد منهم، فإلى أين اذهب؟»
[129]