July 27, 2017
الحرم بين السجل التاريخ لمشاريع الحلول وبين الواقع القائم
بقلم: كرميت سفير فايتس
اقترح بيل كلينتون ان تكون السيادة الاسرائيلية في اعماق جبل البيت؛ الملك حسين قال ان السيادة في الحوض التاريخي للقدس تكون لله؛ باحثون مثل البروفيسورة روت لبيدوت يتحدثون عن سيادة مجمدة او معلقة، في محاولة للتفريق بين الجانب الرمزي والادارية؛ جبل البيت في ايدينا؟ منوط من تسأل ومن يقول ماذا.
من العام 1967 تطل علينا مشاريع واقتراحات في محاولة لتهدئة الضجيج الذي يعتمل من تحت جبل البيت – ومن فوقه. كل واحد ومشروعه. على السؤال الى اي حد نجح وينجح، يجيب الواقع بفمه.
المؤرخ د. امنون رامون، من معهد القدس للبحوث السياسية، يقفز الى السطر الاخير: “الكثير من المشاريع طرحت ولكن لم تبدأ اي فكرة محطتها الاولى في الطريق الى شيء ما يمكنه ان يرتبط بالواقع. هذا لم يتقدم في ضوء اهمية المكان والفهم بان هذا الموقع، اداره المسلمون 1300 سنة. حتى لو جاء المسلمون وقالوا تفضلوا ايها اليهود نحن نعطيكم مكانا في الحرم، ماذا كان سيحصل؟ فليس في العالم اليهودي اجماع على اي خطوة وينبغي عملها بالنسبة لجبل البيت. وعليه، فان الحاخامية الرئيسة كهيئة رسمية لا يمكنها ان تقول حتى انها مع حجيج اليهود والصلاة في جبل البيت. لقد كان في 1967 اجماعا لدى كل المفتين تقريبا بانه لا ينبغي السماح لصلاة اليهود في جبل البيت، اذ انه من ناحية فقهية محظور الحجيج اليه. اما الان فقد انكسر الاجماع إذ ان قسما كبيرا من الحاخامين في الصهيونية الدينية يعملون على نحو مختلف، ولكن لا يزال يدور الحديث عن مادة متفجرة تهز كل مبادىء اليهودية مثلما تبلورت منذ يفنه، كدين بلا بيت مقدس. المؤسسة نفسها لا تعرف ما تفعله بفكرة جبل البيت هذه: ماذا يقوم هناك؟ زاوية صلاة لليهود، كنيست في ظل المسجد الاقصى وقبة الصخرة؟ مقدس وفيه تقديم القرابين؟”.
لم تبدأ القصة في 1967. فقرار التقسيم في الامم المتحدة تحدث عن القدس كمدينة دولية، بسيطرة وادارة من الامم المتحدة لمدة عقد، مع تناول خاص للاماكن المقدسة. “هنا ايضا، فكرة الا يكون المسلمون بل احد آخر يدير جبل البيت لم تطرح على الاطلاق”، يقول د. رامون. “يمكن الحديث عن صلة الشعب اليهودي بالبيت ولكن ان الواقع هناك هو ان جبل البيت هو مسجد ومكان اسلامي مقدس من القرن السابع. هناك جهاز يحفظ جبل البيت وهو الاوقاف، جذوره منذ عهد الايوبيين في ايام صلاح الدين. قسم هام من سكان شرقي القدس يرون أنفسهم حماة الحرم حتى اليوم. في الصلة اليهودية للجبل، بقدر ما يجري الحديث عنها اليوم، ثمة اشكالية ما من هذه ناحية أنه لا يوجد اجماع حول كيفية تحققها حتى في داخل العالم اليهودي. وبالطبع توجد الحساسة السياسية الدولية ورد فعل الاردن والعالم الاسلامي. هذه عوامل تخلق ما يسمى الستاتوس كو – الوضع الراهن الذي هو ليس وضعا راهنا مجمدا، بل واقع يتغير كل الوقت. ولكن توجد حالة من الصعب جدا تغييرها وتحريكها منذ 1967″.
في “القدس الى أين – مشاريع بشأن مستقبل المدينة” بقلم موشيه هيرش ودبورا هاوسن كورئيل، بتوجيه من روت لبيدوت (من اصدار معهد القدس للبحوث السياسية)، تظهر جملة من المبادرات والاقتراحات التي تتناول مستقبل القدس، مع تناول للحرم: البروفيسور بنيامين اكتسيون اقترح في حزيران 1967 “تسوية مثابة تدويل الاماكن المقدسة في البلدة القديمة وتشكيل لجنة متعددة الاديان تتلقى صلاحيات معينة في الاماكن المقدسة”. وتضم اللجنة ممثلي الحاخامية الرئيسة، مجلس القضاة في اسرائيل، البابا، الكنيسة اليونانية، اتحاد الكنيس البروتستانتية وغيرها. وعلى رأسها يقف وزير الاديان في اسرائيل. البروفيسور افيغدور لبونتين، من الجامعة العبرية، اقترح في ذات الشهر بالضبط، ان يكون الى جانب وزارة الاديان مجلس اسلامي دولي للاماكن الاسلامية المقدسة ويتم فيه جهد لاشراك مسلمين ليسوا عربا (مثلا: من ايران، من تركيا ومن شرق افريقيا) وكذا من مسلمي اسرائيل. اما الحي اليهودي في البلدة القديمة، بما فيه الحائط الغربي، فلا يحتاج الى مجلس دولي. اسرائيل نفسها هي الوصي على المصلحة القومية – الدينية اليهودية.
بعد حرب الايام الستة طرحت حكومة اسرائيل اقتراحا لمنح الاماكن المقدسة في منطقة القدس مكانة ممثليات دبلوماسية. وكان يستهدف الاتفاق ايضا مجالات حيازة الطوائف المسيحية في الاماكن المقدسة والاعتراف بالبابا كممثل لكل الطوائف المسيحية في المدينة. اما البابا فرفض التوقيع.
اقتراحات السيناتورين ريتشارد نيكسون ووليم فولبرايت من 1967 – 1974 مشابهان جدا: ايجاد صيغة يكون ممكنا من خلالها وضع الاماكن المقدسة في البلدة القديمة تحت حكم يشبه الفاتيكان، لا يمس مع ذلك بسيادة اسرائيل على القدس الكاملة. كلاهما اكتفيا بهذه الاقوال ولم يضيفا.
اما تقرير معهد أسفان من العام 1975 فاقترح ان تبقى السيادة على معظم اجزاء القدس في يد اسرائيل. ولكن من المسجد الاقصى ومحيطه القريب تكون صلاحية دون عربية اسلامية. ومنطقة الحرم تكون كوندومينيوم (نظام تكون فيه منطقة معينة خاضعة لسيطرة دولتين أو اكثر على اساس متساوٍ) لدولة اسرائيل ودولة عربية او لنظام دولي، والمسؤولية عن حماية وحفظ مسجد قبة الصخرة والساحات المحيطة به في يد سلطات عربية اسلامية.
مشروع آخر، هذه المرة من يعقوب حزان (1980) من قادة الكيبوتس القطري، الحارس الفتي ومبام اقترح منح الحرم مكانة اكس تريتوريالية (خارج الولاية الاقليمية): البلدة القديمة تعلن كبلدة سلام ويقام فيها مجلس ديني يتشكل من ممثلي الاديان الثلاثة بشكل متساوٍ. يدير المجلس البلدة القديمة في كل ما يتعلق بطابعها الديني والثقافي. وماذا عن الجبل؟ يدار من الممثل الاسلامي في المجلس الديني. يمكن أن يخرج من هذا النطاق ذاك القسم من الجبل الذي يسمح فيه لليهود بالصلاة.
مشروع السلام للامير فهد من السعودية (1981) اقترح انسحابا اسرائيليا من كل اراضي الايام الستة، تفكيك كل المستوطنات التي اقيمت منذ 1967، اقامة دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس وحرية عبادة لكل الاديان في الاماكن المقدسة. رفضت اسرائيل، العراق وسوريا المشروع. مشروع مشابه اقترحته م.ت.ف في 1988 وكذا ايضا مؤتمر القمة الذي انعقد في فاس في ايلول 1982 اقترح امرا مشابها، ولكن هنا لا يدور الحديث عن شرقي القدس كعاصمة الدولة الفلسطينية بل عن القدس كلها.
نقفز الى الامام: صيغة كلينتون (2000) اقترحت خطوط توجيه لحل دائم للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني، قدمت شفاهية من الرئيس بيل كلينتون للوفدين المفاوضين الاسرائيلي والفلسطيني بعد اجراء المفاوضات في كامب ديفيد في حزيران 2000 وقبل المفاوضات في طابا في بداية 2010، وتضمنت هذه ضمن امور اخرى تنازلا فلسطينيا عن حق العودة وكذا تنازلا اسرائيليا عن السيادة في الحرم، وان كان يفترض أن تبقى ملكية رمزية اسرائيلية ما في الموقع: تكون سيادة فلسطينية على الحرم وسيادة اسرائيلية على الحائط الغربي.
وهن التنسيق
في حزيران 1967 لاول مرة منذ خراب البيت الثاني، بدأت فترة جديدة في تاريخ جبل البيت وسيكون لليهود حرية وصول الى الموقع في مواعيد الزيارة التي نسقت بين اسرائيل وبين مدراء الاوقاف. البروفيسور اسحق رايتر من معهد القدس للبحوث السياسية يشير في “سيادة الله والانسان: قدسية ومركزية سياسية في جبل البيت” الى أن ايداع ادارة الحرم في ايدي الاوقاف الاسلامية سمح للطرفين بوجود قناع من الترتيبات التي خلقت مثابة وضع راهن جديد من ناحية اسرائيل. ولكن الطرف الاسلامي، الفلسطيني والاردني – لم يعترف رسميا بالوضع الجديد، ونقطة انطلاقه هي الوضع الذي كان قائما في عهد الحكم الاردني في اعوام 1948 – 1967. ويشرح رايتر فيقول ان “المقصود من اصطلاح الستاتوس كو في الحرم ليس وضعا سياسيا وقانونيا ثابتا، بل وصف للترتيبات التي نشأت بين اسرائيل وبين الاوقاف الاردنية بعد 1967 والتي فيها عناصر ثابتة ومستقرة من جهة، وعناصر دينامية متغيرة للظروف من جهة اخرى”. منذ احداث ايلول 1996 وفتح مخرج نفق المبكى وهن التنسيق بين الطرفين. “الطرف الاسلامي قلص بالتدريج الوضع الراهن في اعمال من طرف واحد او بالعنف، ولا سيما في الاعمال العامة واحيانا في اغلاق الحرم امام الزوار. ولكن منذ آب 2003، اصبحت اسرائيل جهة مبادرة، فتحت الحرم للزوار، وبخلاف الماضي، تزور الموقع مجموعات دينية وايديولوجية باعداد آخذة في الازدياد، دون تنسيق مع الطرف الاسلامي. وقد تطورت هذه المبادرة مع تعزز التوجه المتزمت – اليهودي تجاه جبل البيت، وسمحت الشرطة بدخول مزيد من الزوار من هذا الجماعات، ما اعتبر في نظر الطرف الاسلامي كمحاولة سيطرة ومس بمشاعر المسلمين. يعتقد الطرفان بان الطرف الاخر هو الذي يخلق الستاتوس كو ورغم نواقصها، فان آلية الحوار غير الرسمية التي نشأت بعد 1967 بين ممثلي الحكومة وبين رؤساء الاوقاف، كانت حتى ايلول 1967 ادارة ناجعة للرقابة، لحفظ الستاتوس كو والتحكم بالمواجهة ومنذ احداث فتح النفق كف الطرفان واللقاءات بينهما عن ان تكون موضوعية”.
مع بوابات الكترونية وبدونها، فان الاوقاف الاسلامية لا تعترف بسيادة اسرائيل في الحرم وترى نفسها كمن يحق لها التصرف تصرف صاحب السيادة في اراضي الحرم، ولكنها تعترف بمسؤولية حكومة اسرائيل بالحفاظ على النظام العام في مجال الحرم ومنع المس به من خلال الشرطة.
بعد ان انهارت في نيسان 2014 مبادرة السلام لمن كان وزير الخارجية الامريكي جون كيري والرئيس السابق براك اوباما عن مهلة توقف في المحاولات الامريكية لاستئناف المسيرة السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين، استأنف كيري نشاطه. كان هذا على خلفية التصعيد حول الحرم وموجة العنف في شرقي القدس وفي الضفة الغربية. ونجح كيري في نهاية ذاك الشهر في اعادة تأكيد التفاهمات بين اسرائيل، الاردن والفلسطينيين حول الوضع الراهن في الحرم وبدأت محادثات بين اسرائيل والاردن لنصب كاميرات في الموقع. الفكرة بالطبع لم تنضج. “موشيه دايان قرر الا يكون الحرم مكان صلاة لليهود. الحائط فنعم – الحرم لا”، يواصل د. رامون، “كما قضى بان يكون حق زيارة في الحرم لكل من يرغب في ذلك، ولكنه لن يكون مكانا مقدسا لليهود بالمعنى العبادي. في اعقاب جولة العنف ما قبل الاخيرة، قالت اسرائيل هذا لاول مرة بصراحة وعاد رئيس الوزراء وقال في زمن الاشتعالات الاخيرة بانه لن يكون تغيير في الوضع الراهن”.
– البروفيسور رايتر، هل هذا وضع ضائع؟
“لا، هذا ضائع في الوقت الحالي، ولكنه شيء ما ينبغي العمل عليه. قد يستغرق هذا بضعة اشهر وبضع سنين. النزاع السابق كان النزاع حول طلعة المغاربة، والذي بدأ في 2007. اسرائيل خططت لان تبني هناك جسرا يحل محل الجسر الجشبي المؤقت. الاردنيون عارضوا ولا يزال لا يوجد حل ولكن يمكنني القول ان هذا امر ينبغي الاتفاق عليه بالحوار. ما حاولت اسرائيل فعله كان خطوة من طرف واحد. امور كهذه يجب أن تتم بالحوار وعلى اسرائيل ان تدفع للاردنيين كي يوافقوا. اسرائيل تعتقد بان موازين القوى هي مئة في المئة في صالحها، ولكنها تنسى ان لديهم شارع. يوجد حل – بالحوار الثنائي والثلاثي، ولكن الطرف الاسرائيلي يجب أن يعرف بان هناك ثمنا سيدفعه. السيادة الحقيقية التي يدعي انها ستكون له ليس قائمة في الواقع بل في خطابية الزعماء. اما في الوافع فالميدان هو يملي الوضع″.
– واي من المشاريع تبدو لك الاكثر قابلة للتطبيق؟
“مشروعي. الستاتوس كو القائم بين 1967 – 1996 مع بعض التحسينات في الطرفين. كل طرف يمكنه أن يضيف ما هو الاهم بالنسبة له: مثلا، الاثريات والحفريات تتم بالتوافق وليس من طرف واحد، ليس من الاوقاف وليس من اسرائيل. توافقات عن عدد المسموح لهم بالزيارة في مجموعات وشكل الرقابة عليهم، وهذه هي المشكلة الاساس بعد أن ازيلت الكاميرات والبوابات الالكترونية. فما يشغل بال الطرف الاخر هو ان الاسرائيليين يقومون باستفزازات والرقابة عليهم غير ناجعة لانهم يأتون في مجموعات كبيرة. مثلا، في يوم القدس الاخير حجت مجموعة كبيرة كانت تنشد هتكفا في الحرم. من ناحية الفلسطينيين هذا استفزاز والشرطة اضطرت لاعتقال 15 من ابناء هذه المجموعة. شرحت في مجلس الامن القومي قبل عدة اشهر وأنا اكرر: نحن لا يمكننا ان نفعل في هذا الموقع كل ما يحلو لنا. أخذنا على عاتقنا قيودا في 1967 وعلينا ان نستوعب هذا”.
معاريف 27/7/2017