عندما تستعصي الخلافات .. هل يكون الحل .. البعد ؟
وقوع الخلافات بين اي طرفين هو أمرٌ طبيعي، الا ان حلول هذه المشاكل والخلافات قد تختلف من طرف الى آخر، ومهما طالت مدة الخلاف الا ان الطرفين يبحثان عن حل، ومن هذه الحلول التي تكون مقترحة بين الطرفين وهي البعد عن بعضهما البعض، حتى تهدأ نفسيتهما وتستقر و يصلان الى حل، ومن الممكن ان يصبح هذا البعد جزءا من المشكلة ويزيدها و يعقدها اكثر، البعد له انواع قد يكون مكانياً او نفسياً او كليهما، الا انه في الحالتين مؤثر في نفسية الطرفين.
ترى مها درعاوي وهي ام لثلاثة ابناء :» هنالك من يقول ان البعد افضل من البقاء واحتدام النقاش وزيادة الجدال بين الطرفين، حتى لا يصلوا الى مرحلة الخسران، ولكنني لا اتبع هذه الطريقة، بحسب وجهة نظري ان المشاكل يجب ان تحل بوقتها، ومباشرة دون اي تأخير، لان البعد وترك الوقت يمضي سيعمل على الجفاء فيما بيننا، ويصبح هنالك متداخلات كثيرة و عوامل لم تكن محسوبة وقت المشكلة وتظهر مع الوقت، ان عامل الوقت خطير جداً».
وتضيف درعاوي:» من المعروف لدينا وفي ثقافتنا ان المشكلة او الخلاف القائم بين طرفين يجب ان يحل في ذات الوقت، وان البعد عن المشكلة لا يحلها بل يزيدها عمقاً، وهذا هو معروف منذ القديم فخبرات الناس في السلوك الانساني هي خبرات متراكمة ومتناقلة، ولهذا من هم اكبر سناً منا يرون ان كل المشاكل عابرة ولها حل مهما كان سببها».
البعد يزيد الجفاء
البعد قد لا يكون مكانياً فقط، بل له عدة طرق، وخصوصاً مع الوسائل التكنولوجية اليوم، تروي هبة حسن قصتها وتقول:» بعد ان توالت بيننا الخلافات، اصبحنا نشعر بتعب حقيقي، فالخلافات تتعب الجسد والنفسية ولهذا نلجأ للبعد كطريقة ليست لحل المشكلة بل من اجل تهدئتها، الا ان البعد قد يتجاوز ما هو معروف، فعندما طلبت من خطيبي ان نبتعد قليلا عن بعضنا البعض، لم يتوقف الامر بعدم حديثنا سوياً، بل انه ايضاً حذفني من صفحته للتواصل الاجتماعي «الفيس بوك»، وحذفني من كل الوسائل التي من الممكن ان اعرف اخباره بها لذلك قد يكون طلب البعد مؤذيا اكثر من البقاء والتحاور عن هذه الخلافات».
وتضيف حسن:» عندما اخبرته انني اريد البعد، لم يقل شيئا، واظهر لي انه موافق، ولكن بعد يوم تبين لي انه انزعج من طلبي هذا، وحذفني من كل وسائل اتصاله، البعد برأيي هو هرب وليس وسيلة للعلاج، وهنالك من يرى ان هذا البعد هو زيادة في جفاء العلاقة وتوطيد المشاعر السلبية بشكل اكبر، ولكنني لم ادرك هذا الامر الا بعدما طلبت منه أن يبتعد».
بعد مؤقت
الشاب سامر ابو ربيع يرى في البعد حلاً للكثير من المشاكل، يقول ابو ربيع: «ان التعامل مع الطرف الاخر وقت وقوع المشكلة سيزيد من المشكلة ولا يعالجها، وخاصة ان كان الطرف الاخر امرأة وليس رجلا، لان النساء من المعروف عنهن انهن وقت الخلافات يصبحن اكثر جدالا، والجدال احيانا يزيد من التصعيد، لهذا
افضل ان اناقش المشكلة مع اي طرف بعد يوم او يومين، حتى تهدأ النفوس ويصبح الانسان لديه قدرة على التفكير، الا ان البعد يجب ان لا يكون لمدة طويلة، تتجاوز الايام».
ويشير ابو ربيع في سياق حديثه: «البعد هو حل مؤقت وليس الحل الجذري للمشكلة التي وقعت، لذا يجب ان ينتبه من يقرر البعد ان يكون هذا البعد مبرمجا و مؤقتا، وليس في سبيل تعميق الخلاف، والهروب مما حدث، لهذا الحذر من البعد وعدم اللجوء اليه في جميع الحالات، وفي بعض الحالات المستعصية يكون البعد المؤقت حلا لها حتى يستطيع كلا الطرفين النظر للمشكلة من زوايا مختلفة والحكم عليها بالشكل الصحيح».
التحكم بالنفس
الاخصائية الاجتماعية رانية الحاج علي قالت: «الانسان عندما يتعرض للضغط النفسي فانه يسلك عدة مسالك، وهذه السلوكيات تختلف من شخص لاخر، وبحسب تفكيره وخبرته في الحياة.بالاضافة الى قدرة الانسان على ضبط سلوكه و البيئة ايضا التي يعيش فيها، كلها عوامل تؤثر في طريقة تصرفه، وطريقة نظرته للمشكلة وان كان لديه افق في التفكير ام لا، الا ان البعد قد يكون هروبا من واقع المشكلة و تبقى المشكلة والخلافات معلقة ويجب ان يأتي وقت محدد ويواجه فيها هذه المشكلة».
وتضيف الحاج علي:» ان الهروب من البيئة او التواصل مع الطرف الاخر هو ضعف في مقدرة الشخص من استيعاب الظرف القائم و ايجاد حل له، فهمها تأخر الانسان الا ويأتي وقت المواجهة، وايجاد الحلول المناسبة، قد لا يستطيع الانسان التفكير بالشكل الصحيح وقت وقوع الخلاف كونه مضطربا نفسيا ومتوترا ازاء ما حدث، ولهذا ينصحه من حوله بالابتعاد قليلا حتى يتحكم بنفسه، والبعد المؤقت والمحكوم بفترة زمنية قليلة يمنح الانسان وقتا كافيا لايجاد وسائل متعددة لحل لهذا الخلاف»