العقاب في الغرف الصفية.. الآثار النفسية تلازم الطفل

مجد جابر

عمان - شعرت هند أن سلوك طفلها الذي يبلغ 7 أعوام تغير منذ ايام، إذ أصبح قليل الحركة والكلام، وفي كل مرة تحاول أن تستدرجه في الكلام يرفض الحديث حتى علمت من أحد زملائه في الفصل أن المعلمة كانت قد عاقبته بالوقوف على الحائط طوال الحصة لأنه نسي أن يجلب دفتره من البيت.
انتاب هند شعور بالغضب الشديد على اسلوب المدرسة كونه لم يقم بفعل يحتاج لهذا العقاب فأي شخص قد يتعرض للنسيان.
وتشير أنها اتجهت لإدارة المدرسة فوراً واشتكت من أسلوب المدرسة رافضة أن يطبق هذا الاسلوب على ابنها أو على غيره من الطلاب لما له من أثر نفسي كبير عليهم خصوصاً في هذه المرحلة، فهو يشعر بالخجل الشديد من زملائه في الصف ويظن أنهم يتحدثون عنه طوال الوقت.
وسناء أحمد هي واحدة أخرى تفاجأت ببكاء ابنتها (10 اعوام) بحرقة فور عودتها من المدرسة خلال الاسبوع الاول من الدوام المدرسي، وتبين ان ابنتها تعرضت للعقاب من المدرسة بسبب أنها تكلمت مع زميلتها خلال الحصة، وهو ما دفع المدرسة لمنعها من الخروج الى “الفرصة “ وبقائها في الصف طوال المدة وحدها .
ذلك الأمر ترك أثرا كبيرا في نفس ابنتها ما جعلها تعود باكية للبيت رافضة العودة الى المدرسة مرة أخرى، مبينةً أنها لا تبرر فعل ابنتها ولا توافق على الخطأ على الاطلاق لكنها لا تبرر كذلك طريقة المدرسة في العقاب فهناك أساليب وطرق مؤثرة وتغير في السلوك الخاطئ دون الاضرار بنفسية الطالب. سناء اتجهت الى الادارة ايضا وقامت بنقل ابنتها من المدرسة فورا.
فاطمة علي هي الاخرى مرت بحالة مشابهة لاساليب العقاب المتبع في بعض المدارس والتي تؤثر على نفسية الطالب، فمنذ أيام لم تقبل ابنتها (الصف الاول) الذهاب الى المدرسة، وهو الامر الذي جعل فاطمة ترضخ لطلب ابنتها وجلست معها في ذلك اليوم لتكتشف أن المعلمة قامت بشدها من ضفيرتها حتى تركز انتباهها بسبب سرحانها وهو الأمر الذي جعل بقية بنات الصف يضحكن عليها، الأمر الذي سبب لها حرجا كبيرا جعلها لا ترغب في الذهاب في اليوم التالي.
شعرت فاطمة بالغضب على المدرسة وتحدثت الى المعلمة والادارة لضمان عدم تكرار الأمر مرة أخرى.
تلك بعض القصص لاساليب العقاب المتبعة في بعض المدارس التي تؤثر في نفسية الاطفال، والتي لا تصوب بالضرورة من السلوكيات السلبية لدى بعض الاطفال بحسب رأي الخبراء في مجال التربية بل تندرج تحت وصف العنف ضد الاطفال.
وكان اليونيسف والمجلس الوطني لشؤون الأسرة، قد أطلقا حملة تحت عنوان “لا للعنف”/”عِلم لا تَعَّلّم” منذ بداية شهر تموز (يوليو) حتى نهاية شهر أيلول (سبتمبر) لزيادة الوعي عند فئة الشباب والمجتمع الأردني كاملاً حول العنف بأشكاله كافة اللفظي والجسدي، وعن الأساليب الناجحة التي يمكن اتباعها.
وهدفت الحملة للوصول الى حشد مجتمعي كبير ينبذ العنف؛ حيث تم إطلاق خطة عمل لتعديل الممارسات عند الأشخاص مثل الأهل والأساتذة، والعمل مع المشرعين كذلك لتعديل تشريعات تبرر أي نوع من العنف، بالإضافة الى وجود برنامج التوعية الوالدية، فقد تم الوصول الى 15 % من الأسر الأردنية يتم تزويدها بمعلومات حول التربية السليمة وبدائل العقاب وكيف يشكل الأب والأم أسرة سليمة، وهو برنامج مستمر لا ينقطع.
وفي ذلك تقول اختصاصية الطفولة والارشاد الوالدي سيرسا قورشة إن عقاب الأطفال لغاية عمر ثلاث سنوات ونصف هو عقاب غير مجد على الاطلاق ومؤذ نفسياً، أما بالنسبة للفئة الأكبر قليلاً فان العقاب للطفل حتى لو لم تكن له آثار وأبعاد مؤذية جسدياً فهذا لا يعني أنه غير مؤذ نفسياً.
وتشير أنه وللأسف نحن دائماً نركز على السلوكيات السلبية للطفل وننسى الايجابية التي تعزز الصحة النفسية وترفع من ثقتهم بنفسهم، مبينةً أنه دائماً عندما نعاقب هناك بعد نفسي فطريقة العقاب قد تزيد من السلوك والمشاكل التي يقترفها الطفل.
لأنه بهذه الطريقة نحن نقول للطفل أنت شخص سيئ وهو يصدق ذلك ويتصرف بناء على أنه شخص سيئ، مبينة أن عمر الطفل وطريقة العقاب وما اذا تمت معاقبته أمام مجموعة من الاطفال كلها عوامل تترك أبعادا نفسية تؤثر تأثيراً كبيراً عليه، فبعض أنواع العقاب قد تسبب الصدمة له.
وتضيف سيرسا بأنه لا يجوز نبذ الطفل على الاطلاق ولا بد من أن يتم تعزيز تصرفاته الايجابية واعطاؤه الخيارات اذا كان يكرر السلوك دائماً وأهم شيء في كل ذلك هو الحوار والتحدث مع الطفل وافهامه أن التصرف الذي قام به خاطئ ولا يجوز، واعطاؤه البديل لهذا التصرف وتوجيهه وتعريفه ما الذي يجب أن يفعله، وأن يتم اعطاؤه فرصة بأن يصحح خطأه ومعرفته كيف يتصرف في نفس الموقف مرة أخرى.
في حين يعتبر الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة أن العقاب أحياناً مطلوب لكن بطريقة معينة ووقت محدد الا أن ذلك لا يعني أن تتم معاقبته بأساليب مؤذية، على المعلم او الأبوين اعطاء الاطفال فرصة ويجب ان يفهموا أنهم أخطأوا وأن يتم تنبيههم مرة وفي حال تكررت يمكن ايقافهم عن اللعب لمدة دقيقتين ولكن دون حرمانه من حقوقه مثل منعه من الفرصة، أو أن يكون العقاب بأي شكل من الاشكال عقابا جسديا.
ولا يجب أن تتم معاقبته من أول مرة يقوم بها بالفعل بل بعد تكرار الأمر أكثر من مرة، كما يجب ان يكون العقاب ملائما للخطأ وألا يصبح الأمر نوعا من التعذيب والعنف المنبوذ كليا. ويعتبر مطارنة أن العقوبة يجب أن تكون محددة بوقت وزمن مع توضيح الأسباب، أما الأساليب الأخرى فستنعكس سلباً على الطفل وتجعله يرى أن تصرفه طبيعي وبأنه لم يعد هناك شيء يخاف منه.

» الطفل المشاغب.. العقاب هو العلاج في بعض المواقف!
» الأسئلة الصفية
» الغرف السرية للطيارين على متن الطائرات
» عبّاس العلني وعبّاس الغرف المغلقة
» العقاب.. هل يساهم في تحسين سلوك الابناء؟